عصمة الأنبياء عليهم السلام

زين العابدين عبد علي طاهر الكعبي

عصمة الأنبياء عليهم السلام

المؤلف:

زين العابدين عبد علي طاهر الكعبي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-80-5
الصفحات: ١١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

الفواحش التي يربأ عنها من لامس الإيمان قلبه ، فكيف بمن اطمأن قلبه بالإيمان ، وصار تجسيداً حيّاً له في حركاته وسكناته ؟!

ولا عجب في ذلك عند من آثر خرافات اليهود والذين تقنّعوا بالإسلام ككعب الأحبار وعبد الله بن سلام ووهب بن منبه في فهم القصص القرآني على غيرهم من أئمّة المسلمين وعلمائهم في التفسير ، الأمر الذي نجده واضحاً عند المخطئة في أكثر من مثال ، ومنه ما زعموه في تداعيات الخصم الذين تسوّروا المحراب على داود في القرآن الكريم !

قال تعالى : ( وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ ) (١).

وسبب هذه القصة الشريفة عند مخطئة الأنبياء عليهم‌السلام يرجع إلى ما رواه لهم وهب بن منبه في سبب نزولها ، وهي رواية خرافية مطوّلة وخلاصتها :

إنّه كان لداود عليه‌السلام تسعة وتسعون امرأة ، لكنّه لم يكتفِ بذلك حتّىٰ شغف قلبه بحبّ امرأة أُخرى كانت زوجة لأحد جنوده الذي يدعى ( أوريا ) أو ( اهريا ) فاحتال عليه بزجّه في إحدى أشرس المعارك مع الأعداء ليخلو له

___________

(١) سورة ص : ٣٨ / ٢١ ـ ٢٥.

١٠١

الجو بقتله ـ وهو ما حصل في لسان الرواية ـ ويضم حينئذٍ تلك المرأة إلى أزواجه ليكتمل بها نصاب المئة !!

وبهذا تكون الآيات الشريفة المذكورة قد شبّهت بنات حواء بالنعاج ! لينتبه داود من غفلته ويستغفر ربّه ! (١)

ومن هنا رأى الزمخشري أنّ هذه القصة بالغة التوبيخ بحقّ النبي داود عليه‌السلام ، ولعلّه لاستئناس ذهنه بمثل هذه الخرافات والأساطير (٢).

والحقّ في سبب نزولها هو ما تقدّم في رواية علي بن الجهم ، عن الإمام الرضا عليه‌السلام في أدلّة العصمة من السنّة النبويّة ، وكيف ضرب بيده عليه‌السلام على جبهته الشريفة حين سمع من علي بن الجهم ما يقولون بشأن داود عليه‌السلام من تلك الأكذوبة التي جاء بها وهب بن منبه وغيره من حثالات الكذّابين الذين أفسدوا على شرائح كثيرة من الأُمّة فهم حقائق القرآن خصوصاً فيما يتعلّق بأنبياء الله ورسله عليهم‌السلام وتأريخهم.

وفي ذلك يقول أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه‌السلام : « ولا أوتي برجل يقول : إنّ داود ارتكب الفاحشة إلّا ضربته حدّين أحدهما للقذف ، والآخر لأجل النبوّة ، لعظم ما ارتكب وجليل ما احتقب ، يرمي من قد رفع الله محلّه ، وأرسله من خلقه رحمة للعالمين وحجّة للمجتهدين » (٣).

ولعلّ من نافلة القول أن نشير هنا إلى ما ذكره الأستاذ علي حسين

___________

(١) راجع سبب نزول هذه الآيات في تفسير الطبري ( جامع البيان ) ٢٣ : ٧٥ / ٢٢٩٣٦ ، وأحكام القرآن / الجصاص ٣ : ٤٩٩ ، وزاد المسير / ابن الجوزي ٦ : ٣٢٦ ، والجامع لأحكام القرآن / القرطبي ١٥ : ١٦٦ وغيرها كثير.

(٢) الكشاف ٤ : ١٤.

(٣) قصص الأنبياء المسمّىٰ بـ ( عرائس المجالس ) / أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري : ٢٨١.

١٠٢

السائح المغربي في بحثه الموسوم بـ ( تراثنا وموازين النقد ) حيث نقل فيه روايتين عن أصول الكافي.

يقول في أحديهما الإمام الصادق عليه‌السلام لأبي عبيدة : « يا أبا عبيدة إذا قام قائم آل محمد عليهم‌السلام حكم بحكم داود وسليمان ، ولا يسأل عن بينة » (١) ، ويقول عليه‌السلام في الأخرى : « لا تذهب الدنيا حتّىٰ يخرج رجل منّي يحكم بحكومة آل داود ، ولا يُسأل بيّنة ، يعطي كلّ نفس حقّها » (٢).

ثمّ زعم السائح بعد ذلك كذب تلك الأحاديث وإن واضعها يشير إلى خطأ اجرائي وقع فيه النبي داود مما استوجب عليه التوبة ، ثم نقل الآيات الواردة في قصة الخصم الذين تسوّروا المحراب واحتكموا إلى داود.

وقال : « ولست ألزم الشيعة بتفاسير أهل السنّة ، ولكنني أحيل إلى مجمع البيان للطبرسي ، والميزان للسيّد محمد حسين الطباطبائي ـ إلى أن قال ـ والحاكم بدون بيّنة لا يستوجب المدح ، ولا يصحّ أن يكون مجالاً للفخر بالنسبة للمهدي ، ولكن أحبار اليهود الذين أسلموا نفاقاً هم الذين وضعوا هذه الروايات ».

وما يعنينا هنا تصريحه بخطأ النبي داود عليه‌السلام الذي استوجب عليه التوبة ومن ثَمَّ إحالته إلى تفاسير الشيعة موهماً بأنّ العلّامة الطبرسي والسيّد الطباطبائي يؤيّدان على كلامه المذكور (٣).

___________

(١) أصول الكافي ١ : ٤٢٧ / ١ باب في الأئمّة عليهم‌السلام أنّهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ولا يُسألون البينة عليهم‌السلام.

(٢) أصول الكافي ١ : ٤٢٧ ـ ٤٢٨ / ٢ من الباب السابق.

(٣) تراثنا وموازين النقد / علي حسين السائح : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ، بحث منشور في مجلة كلية الدعوة الإسلامية في ليبيا ، العدد العاشر ، السنة / ١٩٩٣م ، بيروت.

١٠٣

ولا بأس هنا باطلالة سريعة على ما في تفاسير الشيعة ـ ومن بينها مجمع البيان والميزان ـ حول ما حكم به داود عليه‌السلام بين الخصمين ، لكي لا يلزمنا بعد ذلك أحد بما لا يلزم ، فنقول :

قال الشيخ الطوسي في التبيان : « فقالوا له : خصمان ، ولم يقولوا : نحن خصمان ، يعني فريقان ، لأنهما كان ملكين ، ولم يكونوا خصمين ، ولا بغىٰ أحدهما على الآخر » (١).

ويؤيّده قولهم له : ( لا تخف ) ، وهذا مما لا يوجّهه أحد من الرعية إلى الحاكم ، فإذا أضفنا فزعه عليه‌السلام منهم لدخولهم عليه من غير الجهة المعتادة ، دلّ ذلك بكلّ وضوح على أنّ القصّة لم تكن حقيقيّة وإنّما كانت في ظرف التمثّل ، تمثّل فيها الملائكة في صورة متخاصمين ـ كما نصّ عليه السيد الطباطبائي في الميزان ـ لأحدهما نعجة واحدة ، يسألها آخر له تسع وتسعون نعجة ، وسألوه القضاء ، فقال لصاحب النعجة الواحدة ( لقد ظلمك ) ولم يكن قضاؤه منجزاً ، ولو فرض ذلك لكان حكماً في ظرف التمثّل ، ومن المعلوم أن لا تكليف في هذا الظرف ، وإنّما التكليف في عالمنا المادي المحسوس ، ولم تقع الواقعة فيه ، ولا كان هناك متخاصمان ، ولا نعجة ولا نعاج إلّا في ذلك الظرف الذي لا تكليف فيه (٢).

وأمّا على قول المخطئة من أن الواقعة كانت حقيقة ، وإن الداخلين على داود عليه‌السلام كانوا بشراً ، والقصّة على ظاهرها ، فليس فيها ما يدلُّ على خطأ داود ، حيث أجاب علماء الشيعة ومفسّروهم على ما قد يقال بأنّه كيف قال

___________

(١) التبيان ٨ : ٥٥٢.

(٢) الميزان ١٧ : ١٩٤.

١٠٤

داود عليه‌السلام لصاحب النعجة الواحدة : لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ، وهو بعد لم يعلم صحّة ما ادّعى ؟! ، إذ لابدّ وأن يكون في قوله ( لقد ظلمك ) من غير مسألة الخصم كلام محذوف وتقديره : ( إن كان الأمر كما ذكرت ) كما قاله السيد المرتضى (١).

ومثله قول الشيخ الطوسي في توضيح قوله تعالى : ( لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ) (٢) ، قال : « ومعناه : إن كان الأمر على ما تدّعيه لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه » (٣).

وقال الطبرسي في مجمع البيان في توضيح الآية : « إن كان الأمر على ما تدعيه لقد ظلمك بسؤاله إيّاك بضمّ نعجتك إلى نعاجه ، فأضاف المصدر إلى المفعول به » (٤).

وقال في الميزان في جواب المخطئة : « فينبغي أن يؤخذ قوله : ( لقد ظلمك ... الخ ) قضاء تقديرياً ، أي : إنّك مظلوم لو لم يأتِ خصيمك بحجة بيّنة ، وإنّما ذلك للحفظ على ما قامت عليه الحجّة من طريقي العقل والنقل أنّ الأنبياء معصومون بعصمة من الله ، لا يجوز عليهم كبيرة ولا صغيرة ، على أنّ الله سبحانه صرّح قبلاً بأنّه آتاه الحكمة ، وفصل الخطاب ولا يلائم ذلك خطأه في القضاء » (٥).

أقول : روى بخاريهم في صحيحه بسنده عن مجاهد في تفسير ( فصل

___________

(١) تنزيه الأنبياء : ٨٩.

(٢) سورة ص : ٣٨ / ٢٤.

(٣) التبيان ٨ : ٥٥٣.

(٤) مجمع البيان ٨ : ٦٠٦.

(٥) الميزان ١٧ : ١٩٤.

١٠٥

الخطاب ) أنّه قال : ( الفهم في القضاء ) (١).

وأمّا عن وجه استغفار داود عليه‌السلام ، مع أنّ القضية كما يقول السيّد المرتضىٰ « لا دلالة في شيء منها على وقوع الخطأ من داود عليه‌السلام » (٢).

فهو ما ذكره العلّامة الطبرسي في مجمع البيان ، قال : « واختُلِفَ في استغفار داود عليه‌السلام من أي شيء كان ؟ فقيل أنّه حصل منه على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى ، والخضوع له والتذلّل بالعبادة والسجود كما حكى سبحانه عن إبراهيم عليه‌السلام بقوله : ( وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ) (٣) ، وأمّا قوله تعالى : ( فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ ) (٤) ، فالمعنى : إنا قبلناه منه وأثبتناه عليه ، فأخرجه على لفظ الجزاء ، مثل قوله : ( يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) (٥) ، وقوله : ( الله يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ) (٦) ، فلما كان المقصود من الاستغفار والتوبة : القبول ، قيل في جوابه : غفرنا » (٧).

هذا ، وأما قوله تعالى بعد قصّة الخصم الذين تسوّروا المحراب : ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللهِ ) (٨) ، فقد ظنّ المخطئة أنّه مشعر بخطأ داود عليه‌السلام وهو ليس كذلك.

___________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٢٥٧ باب (٤٠) ( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ) ، من كتاب الأنبياء.

(٢) تنزيه الأنبياء : ٨٨.

(٣) سورة الشعراء : ٢٦ / ٨٢.

(٤) سورة ص : ٣٨ / ٢٥.

(٥) سورة النساء : ٤ / ١٤٢.

(٦) سورة البقرة : ٢ / ١٥.

(٧) مجمع البيان ٨ : ٣٥٣.

(٨) سورة ص : ٣٨ / ٢٦.

١٠٦

قال في الميزان : « قال بعضهم : إن في أمره بالحكم بالحقّ ، ونهيه عن اتّباع الهوى تنبيهاً لغيره ممن يلي أُمور الناس أن يحكم بينهم بالحقّ ولا يتّبع الباطل ، وإلّا فهو عليه‌السلام من حيث إنّه معصوم لا يحكم إلّا بالحقّ ولا يتّبع الباطل ».

وقد وافق السيّد الطباطبائي على ذلك ، وجعل العصمة غير مانعة من توجيه التكليف والنهي إلى المعصوم عليه‌السلام ، فقال معقّباً :

« وفيه : أنّ أمر تنبيه غيره بما وجِّه إليه من التكليف في محلّه ، لكنّ عصمة المعصوم وعدم حكمه إلّا بالحقّ لا يمنع توجّه التكليف بالأمر والنهي إليه ، فإنّ العصمة لا توجب سلب اختياره .. » (١).

ونكتفي بهذا القدر مذكّرين بوجود جوابات مطوّلة في إثبات ما ادّعاه المخطئة بشأن داود عليه‌السلام ، وما زعمه الأستاذ علي حسين السائح المغربي حول تلك المسألة مع ربطه لبعض أحاديث الكافي بذلك (٢).

ما يتعلق بنبي الله سليمان عليه‌السلام :

استدل نفاة العصمة المطلقة والمخطئة على عدم عصمة نبي الله سليمان عليه‌السلام بموردين من الكتاب العزيز ، وهما :

المورد الأوّل : قوله تعالى : ( إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ) (٣).

___________

(١) الميزان ١٧ : ١٩٥.

(٢) راجع في ذلك دفاع عن الكافي / الدكتور ثامر العميدي ١ : ٤٩٤ ـ ٥٢٦ ففيه تفصيل واسع لكلّ الشبهات التي أُثيرت حول حديثي الكافي وعصمة داود عليه‌السلام ، وقد اقتبسنا ما ذكرناه بشأن مفترياتهم حول عصمة النبي داود عليه‌السلام منه.

(٣) سورة ص : ٣٨ / ٣١ ـ ٣٣.

١٠٧

وقد تمسك الحشوية والمخطئة نتيجة فهمهم السيء بروايات لا يشك الباحث بأنّها من الإسرائيليات التي نفذت إلى تفاسير العامّة من خلال مفتريات اليهود الذين بقوا على يهوديتهم حتّى بعد اعلان إسلامهم كيدا في الدين ، أمثال كعب الأحبار الذي أفسد علم التفسير العامي من خلال ما بثّ فيه من أكاذيب لا أول لها ولا آخر ، وتناقلها بعض التابعين علىٰ أنّها حقائق مسلّمة.

ومنها ما رووه في هذه الآيات من أنّ سليمان عليه‌السلام كان يحبّ الخيل ، فاشتغل ذات يوم بعرضها حتى توارت الشمس بالحجاب ولم يصلِّ ، فآمر بردّ الأفراس وكانت عشرين فرساً ذات أجنحة ! فانتقم منها شرّ انتقام فقتلها جميعا لأنّها شغلته عن ذكر ربّه ، ثمّ تاب بعد ذلك على خطئه واستغفر الله من ذلك !

وقد تأثّر بهذه الأكاذيب كبار مفسّريهم حتّى زعم الطبري في معنى قوله تعالى : ( إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ ... الخ ) بقوله : « يقول تعالى ذكره إنّه توّاب إلى الله من خطيئته التي أخطأها إذ عرض عليه بالعشي الصافنات ... » (١).

وقال العلّامة الطبرسي في مجمع البيان : « وفي روايات أصحابنا أنّه فاته أول الوقت ، وقال الجبائي : لم يفته الفرض ، وإنّما فاته نفل كان يفعله آخر النهار لاشتغاله بالخيل ، وقيل : إنّ ( ذِكْرِ رَبِّي ) كناية عن كتاب التوراة » (٢).

وقد روى الطبري عن ابن عباس قال : « سألت عليّاً عليه‌السلام عن هذه الآية ، فقال عليه‌السلام : ما بلغك فيها يا ابن عباس ؟ فقلت : سمعت كعباً يقول : اشتغل

___________

(١) جامع البيان / الطبري ٢٣ : ١٨٢ / ٢٢٩٥٣.

(٢) مجمع البيان ٨ : ٧٤٠.

١٠٨

سليمان بعرض الأفراس حتّى فاتته الصلاة ! فقال : ردّوها عليَّ يعني الأفراس ، وكانت أربعة عشر ، فأمر بضرب سوقها وأعناقها بالسيف فقتلها ، فسلبه الله ملكه أربعة عشر يوماً ، لأنّه ظلم الخيل بقتلها ، فقال علي عليه‌السلام : كذب كعب ، لكن اشتغل سليمان بعرض الأفراس ذات يوم لأنّه أراد جهاد العدو حتّى توارت الشمس بالحجاب ، فقال بأمر الله تعالى للملائكة الموكّلين بالشمس : ردّوها عليَّ ، فَرُدّتْ ، فصلّى العصر في وقتها ، وإنّ أنبياء الله لا يظلمون ولا يأمرون بالظلم؛ لأنّهم معصومون مطهّرون » (١).

وفي هذا يقول الشيخ الصدوق في أهمّ كتبه : « إنّ الجهّال من أهل الخلاف يزعمون ان سليمان عليه‌السلام اشتغل ذات يوم بعرض الخيل حتّى توارت الشمس بالحجاب ، ثمّ أمر بردّ الخيل وأمر بضرب سوقها وأعناقها ، وقال : إنّها شغلتني عن ذكر ربّي ، وليس كما يقولون ، جلّ نبيّ الله سليمان عليه‌السلام عن مثل هذا الفعل ، لأنّه لم يكن للخيل ذنب فيضرب سوقها وأعناقها ، لأنّها لم تُعرض نفسها عليه ولم تشغله ، وإنّما عُرضت عليه وهي بهائم غير مكلّفة.

والصحيح في ذلك ما روي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « إنّ سليمان بن داود عليه‌السلام عرض عليه ذات يوم بالعشي الخيل ، فاشتغل بالنظر إليها حتّى توارت الشمس بالحجاب ، فقال للملائكة : ردّوا الشمس عليَّ حتّى أُصلّي صلاتي في وقتها ، فردّوها فقام فطفق مسح ساقيه وعنقه ، وأمر أصحابه الذين فاتتهم الصلاة معه بمثل ذلك ، وكان ذلك وضوؤهم للصلاة » (٢).

وحاشا لسليمان النبي عليه‌السلام من كلّ ما نسبوه إليه ، ولكنّهم حشوية يجهلون ، ومخطئة يناقضون أنفسهم وما يشعرون ، ولو سألت أحدهم : أيجوز

___________

(١) مجمع البيان ٨ : ٧٤١.

(٢) من لا يحضره الفقيه / الشيخ الصدوق : ١ : ٢٠٢ / ٦٠٧.

١٠٩

لك أن تقتل بهيمة واحدة من غير ذنب ؟ لقال : كلا وألف كلا ، ولكن إذا جاء الدور إلى قصّة سليمان عليه‌السلام ، قالوا : إنّه عرقب عشرين فرسا ( طيّاراً ) ثمّ ضرب أعناقها بلا ذنب ، ثمّ ندم على تفريطه واستغفر الله تعالى وتاب إليه.

ولو قلنا إليه : ما تقول في رجل من أثرياء العالم كان يمتلك عشرين طائرة ذات مواصفات عالية لا توجد إلّا فيها ، فهي لا تحتاج إلى مطار لتقلع منه أو تهبط عليه بل يكفيها في ذلك أي مكان ، ولا تحتاج في طيرانها إلى وقود أصلاً ، ولا تكلّف صاحبها أكثر من الحشيش ، ومع هذا فإنّ مالكها في حالة غضب أمر بتفجيرها كلّها في ساعة واحدة ، وأحالها إلى رماد !

لا شك أنّه سيرميه بالسفاهة ويحكم بالحجر على أمواله بلا أدنى تأمّل !

ولا فرق في هذا المثال وبين ما نسبوه إلى سليمان عليه‌السلام.

ومن هنا وقف الإمامية تجاه هذه الأباطيل موقفاً صلباً ودافعوا عن جميع الأنبياء عليهم‌السلام وأثبتوا عصمتهم اقتداء بأهل البيت عليهم‌السلام ، وفي خصوص سليمان عليه‌السلام ، قال السيد المرتضى قدّس الله روحه : « ظاهر الآية لا يدلّ على إضافة قبيح إلى النبيّ ، والرواية إذا كانت مخالفة لما تقتضيه الأدلّة لا يلتفت إليها لو كانت قويّة ظاهرة ، فكيف إذا كانت ضعيفة واهية ، والذي يدلّ على ما ذكرناه على سبيل الجملة ، أنّ الله تعالى ابتدأ الآية بمدحه والثناء عليه فقال : ( نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) (١) وليس يجوز أن يثني عليه بهذا الثناء ثمّ يتبعه من غير فصل بإضافة القبيح إليه ، وانّه تلهى بعرض الخيل عن فعل المفروض عليه من الصلاة ، والذي يقتضيه الظاهر أنّ حبّه للخيل وشغفه بها كان عن إذن ربّه وأمره وبتذكيره إيّاه ؛ لأنّ الله تعالى قد أمرنا بارتباط الخيل وإعدادها لمحاربة

___________

(١) سورة ص : ٣٨ / ٣٠.

١١٠

الأعداء ، فلا ينكر أن يكون سليمان عليه‌السلام مأمور بمثل ذلك » (١).

وقد تناول العلّامة المجلسي في البحار الآيات المذكورة وما قاله الحشوية ، وما أجاب به هو وعلماؤنا تفصيلاً ، وبين خطأ المخطئة من وجوه كثيرة لا حاجة بنا إليها بعد وضوح كذب تلك الروايات الملفّقة على لسان كعب الأحبار وغيره من حثالات الرواة.

جدير بالذكر أنّ الطبري روى عن ابن عباس في قوله تعالى : ( فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ) (٢) أنّه قال : « جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبّاً لها » ثمّ قال الطبري بعد ذلك : « وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس أشبه بتأويل الآية ، لأنّ نبيّ الله عليه‌السلام لم يكن إن شاء الله ليعذّب حيوان بالعرقبة ، ويهلك مالاً من ماله بغير سبب ، سوى أنّه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها ، ولا ذنب لها باشتغاله بالنظر إليها » (٣).

وهذا كلام مقبول ومعقول ، لكن ابن كثير رفض في تفسيره مثل هذا الكلام وقال عنه : « فيه نظر !! لأنّه قد يجوز في شرعهم جواز مثل هذا ، ولا سيما إذا كان غضباً لله تعالى بسبب أنّه اشتغل بها حتّى خرج وقت الصلاة » (٤).

وهو كما ترى قول متهافت وساقط جداً ، وأمّا التعليل الذي ذكره بعد قوله ( فيه نظر ) فهو لا يساوي في سوق ذوي الأبصار فلساً واحداً ، لأنّ قتل الأفراس بلا ذنب قبيح ، والقبيح لا يجوز ارتكابه في جميع الشرائع إلّا في شرع ابن كثير ، والقتل غضباً لله لا يكون إلّا على مستحقّه ، وإلّا فهو ليس لله

___________

(١) تنزيه الأنبياء : ٩٣.

(٢) سورة ص : ٣٨ / ٣٣.

(٣) جامع البيان ٢٣ : ١٨٦ / ٢٢٩٧٤.

(٤) تفسير ابن كثير ٤ : ٣٧.

١١١

تعالى ، والأنبياء عليهم‌السلام منزهون عنه.

المورد الثاني : قوله تعالى : ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ) (١).

وقد روى لهم شيخ المضيرة أبو هريرة في أصحّ كتبهم مرفوعاً أن سليمان النبي عليه‌السلام قال : « لأطوفن الليلة عن سبعين امرأة تحمل كلّ امرأة فارساً يجاهد في سبيل الله ، فقال له صاحبه : إن شاء الله ، فلم يقل ، ولم تحمل شيئاً إلّا واحداً ساقطاً إحدى شقّيه » (٢) فهو الذي ألقى جسدا على كرسي سليمان !

وهذه الرواية كذب لا ريب فيه ، ولعلّ أبا هريرة أخذها من أُستاذه كعب الأحبار ونسبها إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كذباً ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أعلم من غيره بما يجوز وما لا يجوز على الأنبياء عليهم‌السلام ، وقد نسبت هذه الرواية إلى سليمان ما لا يجوز عليه ، بل فضلت أحد رعيته عليه ، وجعلته أكثر من نبيّه علماً وذكراً لله عزّوجلّ !

على أنّ ظاهر رواية البخاري خبيث جداً لأنّه يفيد أن ترك سليمان عليه‌السلام الاستثناء لا عن سهو بل عن عمد وسبق إصرار ، ألا ترى أبا هريرة يزعم أنّ أحد رعيته ذكّره بالاستثناء ومع هذا لم يفعل !

فانظر إلى مقام الأنبياء عليهم‌السلام عند هؤلاء القوم الذين لا يفقهون حديثاً !

ولهم روايات أخرى كثيرة طافحة بكل خرافة آثرنا تركها لوضوح خرافاتها ، وخلاصتها أنّ سليمان عليه‌السلام ضحك عليه جني أو شيطان اسمه صخر ، أو آصر ، أو آصف ، أو حبقيق ، وأنّه أخذ منه خاتمه وألقاه في البحر ،

___________

(١) سورة ص : ٣٨ / ٣٤ ـ ٣٥.

(٢) صحيح البخاري ٤ : ١٣٦.

١١٢

فضاع ملك سليمان ، لكنّه صاد سمكة في البحر وفتح بطنها فوجد خاتمه فيها فعاد له ملكه !!

ونحو هذا من القصص الخرافية الإسرائيلية التي ننزّه كتابنا عن ذكرها (١).

وقد ذهب علماء الشيعة إلى نزاهة سليمان عليه‌السلام عن كلّ ما ذكروه ، وخلاصة ما ذكروه أنّ الآية الشريفة لم تذكر فعل سليمان الذي تاب منه واستغفر ربّه ، وهذا بحدّ ذاته يشير إلى أنّه لم يكن ذنباً أو معصية ، وإنّما قد يكون صدر منه عليه‌السلام ما هو بخلاف الأولى فعوتب عليه ، وتوبته عليه‌السلام لا لاقترافه معصية بل لتركه الأولى (٢).

قال الشيخ الطوسي بعد أن ذكر تلك الخرافات عن العامّة : « والذي قاله المفسّرون من أهل الحقّ ومن نزّه الأنبياء عن القبائح ونزّه الله تعالى عن مثل ذلك ، هو أنّه لا يجوز أن يمكن الله جنيّاً ليتمثّل في صورة نبي لما في ذلك من الاستبعاد ، وأنّ النبوة لا تكون في الخاتم ، وأنّه تعالى لا يسلب النبيّ نبوّته ، وليس في الآية شيء من ذلك وإنّما قال فيها أنّه أُلقي على كرسيه جسداً ... إلى أن قال ـ معرضاً بخبر أبي هريرة ـ ومن قال من حيث إنّه لم يستثنِ مشيئة الله في ذلك فقوله فاسد ، لأنّه وإن لم يذكر مشيئة الله لفظاً ـ يعني على تقدير صحّة الخبر ـ فلابدّ من تقديرها في المعنى ، وإلّا لم يأمن أن يكون خبره كذباً » (٣).

___________

(١) انظر هذه الخرافات في تفسير الطبري ٢٣ : ١٨٦ ـ ١٨٧ / ٢٢٩٧٥ و ٢٢٩٧٩ و ٢٢٩٨٠ ، وتفسير ابن كثير ٤ : ٣٨ ، وفتح الباري / ابن حجر العسقلاني ٦ : ٣٢٩ وغيرها كثير.

(٢) راجع : تنزيه الأنبياء عليهم‌السلام : ١٣٧ وتفسير القرآن الكريم / صدر المتألهين الشيرازي ٣ : ١٢١ وتفسير الكاشف / محمد جواد مغنية ٦ : ٣٧٩.

(٣) التبيان ٨ : ٥٦٢ ومثله في مجمع البيان ٨ : ٣٦٠.

١١٣

وقال في الميزان بعد أن أشار إلى روايات الفريقين الواردة في المراد من الجسد الذي أُلقي على كرسي سليمان : « والذي يمكن أن يؤخذ من بينها إجمالاً أنّه كان جسد صبي له أماته الله وألقى جسده على كرسيه.

ولقوله : ( ثُمَّ أَنَابَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي ) (١) إشعاراً ودلالة على أنّه كان له عليه‌السلام فيه رجاء أو أُمنية في الله ، فأماته الله سبحانه وألقاه على كرسيه ، فنبّهه أن يفوض الأمر إلى الله ويسلّم له » (٢).

لا أنّه كما زعم أبو هريرة في خبر البخاري.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

وصلّى الله على نبيّنا محمد وآله الطاهرين

___________

(١) سورة ص : ٣٨ / ٣٤ ـ ٣٥.

(٢) الميزان ١٧ : ٢٠٤.

١١٤

فهرس المحتويات

مقدّمة المركز ....................................................................  ٥

مقدّمة المؤلف ...................................................................  ٧

توطئة  ............................................................................ ٩

العصمة في اللغة والاصطلاح ......................................................  ٩

العصمة لغة .......................................................................  ٩

العصمة اصطلاحاً ..............................................................  ١٠

أوّلاً ـ العصمة عند الإمامية ...................................................  ١٠

ثانياً ـ العصمة عند المعتزلة ....................................................  ١٢

ثالثاً ـ العصمة عند الأشاعرة ..................................................  ١٣

الفصل الأول : أدلّة العصمة المطلقة من القرآن الكريم ......................  ١٥

الآية الأُولى .....................................................................  ١٥

الآية الثانية .....................................................................  ١٧

الآية الثالثة .....................................................................  ٢٠

الآية الرابعة ....................................................................  ٢٥

الآية الخامسة ...................................................................  ٣١

الآية السادسة ..................................................................  ٣٢

الآية السابعة ...................................................................  ٣٣

الفصل الثاني : أدلّة العصمة المطلقة من السنّة والدليل العقلي ...............  ٣٧

المبحث الأوّل : أدلّة العصمة المطلقة من السنّة ...............................  ٣٧

الحديث الأول ..................................................................  ٣٧

الحديث الثاني ..................................................................  ٣٨

الحديث الثالث .................................................................  ٣٩

١١٥

الحديث الرابع ..................................................................  ٤٣

الحديث الخامس ................................................................  ٤٣

الحديث السادس ................................................................  ٤٤

الحديث السابع .................................................................  ٤٤

المبحث الثاني : العصمة المطلقة في أدلة العقول ...............................  ٤٥

الدليل الأوّل : دلالة المعجز وانتفاء البعثة مع عدم العصمة المطلقة ................  ٤٥

الدليل الثاني : امتناع إيذاء المعصوم عليه‌السلام .......................................  ٤٨

الدليل الثالث : الاحتياج للمعصوم .............................................  ٤٩

الدليل الرابع : وجوب متابعة المعصوم عليه‌السلام ....................................  ٥١

الفصل الثالث : ظواهر الكتاب المنافية لعصمة الأنبياء عليهم‌السلام ................  ٥٥

الطائفة الأولى : ما يمس ظاهرها عصمة جميع الأنبياء عليهم‌السلام .....................  ٥٥

الطائفة الثانية : ما يمس ظاهرها عصمة بعض الأنبياء عليهم‌السلام .....................  ٦٣

أوّلاً : ما يتعلّق بنبي الله آدم عليه‌السلام ..............................................  ٦٣

ثانياً : ما يتعلّق بنبي الله نوح عليه‌السلام .............................................  ٧٠

ثالثاً : ما يتعلّق بنبي الله إبراهيم الخليل عليه‌السلام ..................................... ٧٤

تنزيه إبراهيم عليه السلام من رذيلة الكذب .....................................  ٨٣

رابعاً : ما يتعلّق بنبيّ الله يونس عليه‌السلام ............................................ ٩٠

خامساً : ما يتعلّق بنبي الله موسى ووصيّه هارون عليهما‌السلام ........................  ٩٣

١ : ما يتعلّق بنبي الله موسى عليه‌السلام ...........................................  ٩٣

٢ : ما يتعلّق بنبي الله هارون عليه‌السلام ...........................................  ٩٩

سادساً : ما يتعلّق بنبي الله داود عليه‌السلام .........................................  ١٠٠

سابعاً : ما يتعلق بنبي الله سليمان عليه‌السلام .......................................  ١٠٧

فهرس المحتويات .............................................................  ١١٥

١١٦