منتقى الأصول - ج ٥

السيد عبد الصاحب الحكيم

منتقى الأصول - ج ٥

المؤلف:

السيد عبد الصاحب الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

تذنيب : ذكر الشيخ رحمه‌الله ـ في بعض تنبيهات مبحث الأقل والأكثر ـ : انّ من دوران الأمر بين محذورين دوران الأمر في شيء بين كونه شرطا أو جزء وكونه مانعا ، لوجوب الإتيان به لو كان شرطا أو جزء وحرمة الإتيان به ، لو كان مانعا ، وبمقتضى ما تقرر من التخيير في دوران الأمر بين المحذورين ، يكون المكلف مخيرا بين الإتيان به وبين تركه ، لعدم التمكن من الجمع والاحتياط.

ثم أشار قدس‌سره إلى التوقف فيه ، ولكن ظاهر كلامه أخيرا هو البناء عليه (١).

وتحقيق المقام : ان دوران الأمر بين الجزئية والمانعية يرجع في الحقيقة إلى دوران الأمر في الوجوب النفسيّ المتعلق بالمركب بين تعلقه بالمشتمل على الجزء وتعلقه بالفاقد له ، لأن الشك في الأمر الضمني راجع إلى الشك في كيفية تعلق الأمر النفسيّ ، نظير دوران الأمر بين القصر والإتمام ، لأن الركعتين الأخيرتين على تقدير القصر مبطلتان ، ولذا يفرض المورد من موارد دوران الأمر بين المتباينين.

وعليه ، فيجب الاحتياط بتكرار العمل ، لأن هذا العلم الإجمالي منجز للتمكن من مخالفته القطعية وموافقته القطعية ، والاقتصار على أحد الأمرين لا يصح بعد كون العلم الإجمالي منجزا.

ودعوى : انه إذا كان مانعا يحرم إيجاده في الصلاة نفسيا لحرمة إبطال العمل الصلاتي ، فيدور أمر المشكوك بين حرمته النفسيّة لو كان مانعا ووجوبه الضمني لو كان جزء. وهذا العلم الإجمالي غير قابل للتنجيز لعدم التمكن من مخالفته ولا موافقته القطعيتين ، فيكون المكلف مخيرا.

مدفوعة ـ بعد تسليم حرمة إبطال الصلاة مطلقا وفي خصوص مثل المقام.

__________________

(١) الأنصاري المحقق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول ـ ٢٩٧ ـ الطبعة الأولى.

٤١

مما كان الإتيان بالعمل بعنوان الرجاء وعدم الاكتفاء به في مقام الامتثال ـ : بأن عدم تنجيز هذا العلم الإجمالي لا ينافي منجزية العلم الإجمالي السابق الّذي يدور تعلقه بين متباينين كما عرفت ، فإذا جاز الاقتصار على الموافقة الاحتمالية بمقتضى العلم الإجمالي الثاني ، فلا يجوز ذلك بمقتضى العلم الإجمالي السابق الّذي لا قصور في منجزيته ، فيجب تكرار العمل تحصيلا للامتثال اليقيني.

هذا إذا كان الوقت متسعا لتكرار العمل. أما إذا كان ضيقا لا يسع العملين ، كانت الوظيفة هي التخيير بينهما في الوقت لعدم التمكن من الموافقة القطعية للعلم الإجمالي.

لكن يجب عليه الإتيان بالآخر خارج الوقت. وذلك لأنه يعلم إجمالا ، إما بوجوب أحدهما في الوقت أو بوجوب الأخر خارجه لو تركه في الوقت ، فهو يعلم إجمالا ، إما بوجوب القصر في الوقت أو بوجوب التمام خارج الوقت لو تركه في الوقت ، وبالعكس أيضا ، فإذا جاء بالقصر في الوقت وجب عليه الإتيان بالتمام خارج الوقت بمقتضى علمه الإجمالي المزبور ، لأنه منجز للتكليف للتمكن من مخالفته القطعية مع موافقته القطعية. فلاحظ وتدبر.

وبهذا التحقيق عرفت ان مجرد اشتراك المقام مع مقام دوران الأمر بين محذورين في عنوان الدوران بين محذورين لا يستلزم الاشتراك في الحكم. فالتفت.

٤٢

مبحث الاشتغال

٤٣
٤٤

فصل : في الشك في المكلف به

لو شك في المكلف به مع العلم بالتكليف ..

فتارة : يتردد المكلف به بين المتباينين ، كتردد الواجب بين كونه جمعة أو ظهرا.

وأخرى : بين الأقل والأكثر ، كتردد الواجب بين فاقد السورة وواجدها.

فالكلام في مقامين :

٤٥

المقام الأول :

في دوران الأمر بين المتباينين.

ولا يخفى ان المراد من التكليف المعلوم أعم من نوع التكليف ـ كالعلم بالوجوب المردد متعلقه بين الجمعة والظهر أو القصر والتمام ـ ، أو جنس التكليف ـ كالعلم بالإلزام وتردده بين ان يكون وجوب شيء أو حرمة آخر ـ.

والّذي أفاده صاحب الكفاية رحمه‌الله في تحقيق الحال في هذا المقام هو : ان التكليف المعلوم إذا كان فعليا من جميع الجهات ، بان يكون واجدا لما هو العلة التامة للبعث والزجر الفعلي مع ما هو عليه من الإجمال ، فلا محيص عن تنجزه بالعلم وصحة العقوبة على مخالفته ، ومعه لا بد عقلا من رفع اليد عن عموم دليل أصل البراءة والإباحة ، لمناقضته للتكليف الفعلي. وإن لم يكن فعليا من جميع الجهات ، لم يكن مانع عقلا ولا شرعا من شمول أدلة البراءة للأطراف. ومنه ظهر أنه لا فرق بين العلم الإجمالي والتفصيليّ إلا في انه لا مجال للحكم الظاهري مع التفصيليّ ، وله مجال مع الإجمالي ، فلا يصير الحكم الواقعي فعليا بجعل الحكم الظاهري في أطراف العلم. هذا ما أفاده قدس‌سره (١).

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٣٥٨ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٤٦

وقد أورد عليه : بان ظاهره كون العلم الإجمالي علة تامة للتنجيز كالعلم التفصيليّ ، وأن الفرق بينهما من ناحية المعلوم. وهذا يتنافى مع ما تقدم منه في مباحث القطع من كونه مقتضيا للتنجيز وتأثيره فيه بنحو الاقتضاء لا العلية التامة.

والتحقيق : انه لا تنافي بين ما أفاده في الموردين ، بل هما يتفقان. بيان ذلك : انه قد عرفت فيما تقدم ـ في مبحث الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي (١) ـ انّه يلتزم بان الحكم الواقعي ، تارة يكون فعليا تام الفعلية من جميع الجهات ، فيمتنع جعل الحكم الظاهري على خلافه. وأخرى يكون فعليا ناقص الفعلية ولو من جهة الجهل به ، وهو لا يتنافى مع الحكم الظاهري على خلافه ، وذهب إلى ان الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري يكون بالالتزام بان الحكم الواقعي فعلي ناقص الفعلية من بعض الجهات ، ولم يلتزم بأنه إنشائي لبعض المحاذير. وإذا تمت هذه المقدمة ، فبما أن العلم التفصيليّ لا مجال للحكم الظاهري معه لأخذ الجهل فيه ولا جهل مع العلم التفصيليّ ، كان العلم منجزا لأنه يتعلق بحكم فعلي تام الفعلية بمقتضى دليله.

أما العلم الإجمالي ، فحيث ان كل طرف منه مجهول الحكم ، فللحكم الظاهري مجال فيه ، فإذا جرى الأصل كان كاشفا عن عدم فعلية الواقع التامة ، فلا يكون منجزا ، لأنه انما يكون منجزا إذا تعلق بحكم فعلي تام الفعلية.

ومن هنا صح ان يقول : ان العلم الإجمالي مقتض للتنجيز لا بمعنى انه لقصور فيه ، بل بمعنى ان أدلة الترخيص حيث لها مجال معه ، وهي تستلزم الكشف عن عدم فعلية الواقع المعلوم التامة ، فلا يكون منجزا إلا إذا لم يكن هناك ترخيص. فهو مقتض للتنجيز بمعنى انه مؤثر فيه لو لم يمنع مانع من فعلية

__________________

(١) راجع ٤ ـ ١٤٣ من هذا الكتاب.

٤٧

الواقع ، فيوجب قصوره ـ أي الواقع ـ عن قبول التنجيز ، لا انه مقتض لو لم يمنع مانع منه ، كما هو المعنى المألوف للاقتضاء في قبال العلية التامة.

ولا يخفى ان هذا لا يتنافى مع ما ذكره هنا من كونه موجبا للتنجيز مع تعلقه بالحكم الفعلي التام الفعلية ، بل هو متفق معه كلية ، فيصح أن نقول : انه يرى ـ في كلا المقامين ـ ان العلم الإجمالي مقتض للتنجيز بالمعنى الّذي عرفته. كما انه يرى في كلا المقامين ان العلم الإجمالي علة تامة للتنجيز كالتفصيلي إذا تعلق بحكم فعلي تام الفعلية.

نعم الّذي يتوجه على صاحب الكفاية ـ بملاحظة ما أفاده هاهنا ـ هو : سؤال كيفية معرفة كون الحكم الواقعي تام الفعلية بحيث يمتنع إجراء الأصول معه الّذي بنى عليه الأبحاث الآتية ، مع إنه فرض مجهول ، بل يتوجه عليه إشكال محصله : إن تمامية فعلية الواقع وعدمها معلقة على عدم جريان الأصول في أطراف العلم وعدمه ، وذلك لأن مقتضى دليل الحكم الواقعي هو كونه فعليا تام الفعلية بمجرد حصول موضوعه ، لكنه قدس‌سره التزم ـ كما عرفت ـ ان ثبوت الحكم الظاهري في مورد يكشف عن عدم تمامية فعلية الواقع.

وعليه ، فالذي يكشف عن عدم فعلية الواقع التامة ، هو ثبوت الحكم الظاهري ، كما ان عدمه مستلزم لكون الواقع فعليا تام الفعلية بلا توقف على شيء بمقتضى دليله.

وإذا ظهر ذلك ، فقد التزم قدس‌سره بان مرتبة الحكم الظاهري مع العلم الإجمالي محفوظة ، وهذا يعني عدم المانع من جريان الأصول في أطراف العلم ، فلا يكون العلم منجزا في حال. فكان اللازم عليه البحث في هذه الجهة وهي انه هل أدلة الأصول تشمل موارد العلم الإجمالي أو لا؟. فانها هي المهمة ـ كما عرفت ـ ، أما مجرد ترديده المزبور فهو لا يغني ولا يسمن من جوع.

إذن فلنا أن نقول : إن صاحب الكفاية ليس له تحقيق في المقام فتدبر.

٤٨

واستيفاء البحث في العلم الإجمالي وشئونه يستدعي التكلم في جهات ...

الجهة الأولى : في حقيقة العلم الإجمالي وتعيين متعلقه.

وقد وقع البحث في ذلك ، وان العلم الإجمالي هل يغاير العلم التفصيليّ سنخا ، أو انه لا يغايره إلا من ناحية المتعلق؟.

وقد ادعي ان متعلق العلم هو الفرد المردد ، ولكن المشهور خلافه ، وان متعلق العلم هو الجامع والشك في الخصوصية ، فالعلم الإجمالي مركب من علم تفصيلي بالجامع وشك بالخصوصية ، وبذلك ينعدم الفرق بين العلم الإجمالي والتفصيليّ من حيث السنخ.

وقد اختار المحقق الأصفهاني ذلك لأجل ذهابه إلى امتناع تعلق العلم بالفرد المردّد لوجهين :

الأول : ان الفرد المردد لا ثبوت له في أيّ وعاء لا ذهنا ولا خارجا ، لا ماهية ولا هويّة ، لأن كل شيء يفرض يكون معينا وهو هو لا مرددا بينه وبين غيره ، ولا هو أو غيره ـ كما أشار إليه صاحب الكفاية في مبحث المطلق والمقيد (١) ـ وإذا كان الفرد المردد كذلك لم يكن قابلا لتعلق العلم به ، بل يمتنع تعلقه به.

الثاني : ان حضور متعلق العلم بنفس العلم فان العلم من الصفات التعلقية ، فلا يمكن دعوى حضور الخصوصية لأنها مجهولة على الفرض. ولا المردد ، إذ لا يمكن ان يكون حاضرا في النّفس لأنه خلف تردده. وهذا الوجه يبتني على فرض عدم تصور حضور الفرد المردد وثبوته في مرحلة تعلق العلم به مع قطع النّظر عن عالم آخر (٢).

والتحقيق : أنه يمكن دعوى تعلق العلم بالفرد المردد ـ في الجملة ـ ،

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم كفاية الأصول ـ ٢٤٦ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٢) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين نهاية الدراية ٢ ـ ٢٤٢ ـ الطبعة الأولى.

٤٩

بمعنى أن يكون متعلقه فردا خارجيا ووجودا عينيا ، بحيث لا يقبل الانطباق على أكثر من واحد مع تردده بين أمرين أو أكثر ، ولا تنهض هذه الوجوه ولا غيرها لإثبات امتناعه.

ويشهد لذلك الوجدان ، كما في مورد اخبار المخبر عن مجيء زيد أو عمرو ، فانه إنما يخبر عن مجيء أحدهما الّذي لا يشخصه ، لا الجامع بينهما لأن الجائي هو أحدهما الخارجي لا الجامع. وأوضح من ذلك ما إذا رأى شخصا من بعيد اشتبه أمره بين زيد وأخيه بكر للتشابه الكبير بينهما ، وعدم رؤيته العلامة المميزة بينهما ـ كالخال في خده ـ فان الرؤية انما تعلقت بالوجود الخارجي الشخصي الّذي لا يقبل الانطباق على كثيرين لأنها من الأمور الحسية التي ترتبط بالمحسوسات الخارجية ، وهي الوجودات لا المفاهيم المدركة ذهنا ، مع ان ما تعلقت به الرؤية شخص وفرد مردد بين شخصين هما زيد وأخوه بكر ، ومن جهة عدم تمييزه بينهما. فالمرئي هو أحدهما خارجا لا بعنوان الجامع.

وبما أن الرؤية تستتبع الإدراك التصوري ، فالصورة الذهنية للمرئي هي صورة الوجود الخارجي ، وهي مرددة بين الشخصين ، لأن الصورة على حد نفس المرئي ، والفرض ان المرئي مردد بينهما. فالعلم التصوري تعلق بصورة خارجية شخصية لكنها مرددة لدى العالم بين فردين ، ولم يتعلق العلم بالجامع بينهما ، إذ ما في ذهنه صورة مماثلة لما رآه وهو الشخص الخارجي المبهم ، ويقال لمثل هذا العلم العلم الإجمالي ، فيصح ان نقول ان العلم الإجمالي هو العلم بالشيء بمقدار من مشخصاته والجهل بمقدار من مميزاته الموجب للتردد في قبال العلم التفصيليّ الّذي هو علم بالشخص بمميزاته له عن غيره مطلقا ، فهو مركب من علم تفصيلي بالصورة الشخصية الإجمالية وجهل تفصيلي بمميزاتها ، فلا فرق بينه وبين العلم التفصيليّ سنخا وان تعلق بالفرد المردد.

وقد يجيء في الذهن ان العلم الإجمالي بالبيان المزبور يكون مغايرا سنخا

٥٠

للعلم التفصيليّ ، فهو كالنظر الضعيف الّذي لا ينكشف له كل شيء في قبال النّظر القوي الّذي تنكشف له خصوصيات الأشياء.

ولكنه خيال فاسد ، فان النّظر الضعيف لا يختلف عن القوي سنخا ، بل هو في الحقيقة كالنظر القوي إلا انه لا يتعلق بتمام الخصوصيات ، فالضعف يرجع إلى عدم النّظر من بعض الجهات وهي دقائق الأمور أو أباعدها ـ مثلا ـ. وبعبارة أخرى : القوة والضعف فيما به النّظر وهو العين لا في النّظر نفسه ، بل هو ـ بالنسبة إلى ما تعلق به ـ على حد سواء بين القوي والضعيف فانتبه.

وعلى كل فقد ظهر إمكان تعلق العلم بالفرد الخارجي المردد بين شخصين.

وأما الإيراد الأول الّذي ذكره المحقق الأصفهاني فهو يندفع : بان ما أفاده من ان الفرد المردد لا ثبوت له ، أجنبي عما نحن فيه وما ادعيناه ، فان متعلق العلم ـ بالنحو الّذي ادعيناه ـ فرد واقعي متعين في نفسه لا تردد في وجوده ، وإنما التردد لدى العالم به في أنه أي الشخصين ، فلم نلتزم بثبوت المردّد في الواقع ، بل التزمنا بثبوت التردد لدى العالم لجهله بالخصوصية المميزة ، وهذا أمر ممكن بلا كلام ، ففرق بين التردد لدى العالم والتردد في الواقع.

وإيراده ناش من خلط الترديد في الواقع مع الترديد لدى العالم ، وبذلك أفحم الغير ، ولم يعرف الغير كيفية التخلص عن ذلك.

ومن هنا ظهر ان ما جاء في بعض الكلمات في تقريب تعلق العلم بالجامع : بان العلم إما ان يتعلق بالخصوصية المعينة ، فهو خلف لفرض الجهل بها. أو يتعلق بالخصوصية المرددة وهي مما لا تقرر لها في أي وعاء (١). قابل للدفع : بأنه يتعلق بالخصوصية المعينة واقعا المرددة لدى العالم ، وهو مما لا محذور فيه ولا امتناع.

__________________

(١) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ٢ ـ ٢٤٢ ـ الطبعة الأولى.

٥١

وأما الإيراد الثاني للمحقق الأصفهاني ، فيردّ : بأنا نتصور شقا ثالثا ، وهو تعلق العلم بالشخص ، بلا تشخيص لخصوصيته المميزة ، ولا ملازمة بين نفي العلم بالخصوصية وتعلقه بالجامع ، كما في مثال الرؤية الّذي عرفته.

وهنا إشكال آخر للمحقق النائيني رحمه‌الله على تعلق العلم بالفرد المردد : بان العلم لو كان متعلقا بفرد واقعي مردد بين شخصين ، لكان له واقع يرتبط به وقابل للعلم به تفصيلا ، بحيث ينكشف انه هو المعلوم إجمالا ، مع انا نرى خلافه في بعض الموارد كما لو علم إجمالا بنجاسة أحد الإناءين ، ثم ظهر في علم الله تعالى نجاسة كلا الإناءين ، فما هو المعلوم بالإجمال منهما؟ ، وبأيهما يرتبط العلم الإجمالي؟. لا يمكن تمييزه لكل أحد حتى علاّم الغيوب (١)

ويندفع هذا الإشكال : بان العلم الإجمالي ..

تارة : ينشأ من تعلق الحس بالصورة الإجمالية المرددة ، كالنظر إلى شخص مشتبه دخل إلى الدار.

ولا يخفى ان المعلوم بالإجمال في مثل ذلك يكون له تميز واقعي لا ترديد فيه ، فلو ظهر إن كلا الشخصين في الدار ، كان معلومه بالإجمال من نظر إليه ورآه دون غيره.

وأخرى : ينشأ من العلم بتحقق منشأ طرو الوصف العارض على أحدهما لا عن طريق الحس كالاخبار الموجب للعلم ، ثم يظهر ان كلا المشتبهين معروضان للوصف ، لكن عروض الآخر كان بسبب منشأ آخر كان مجهولا لديه ، فان معلومه بالإجمال له تعيّن واقعي ، وهو ما علم بتحقق المنشأ الخاصّ فيه ، كما لو علم بوقوع قطرة من البول في أحد الإناءين ثم ظهرت نجاسة الآخر بوقوع الدم فيه.

__________________

(١) الفياض محمد إسحاق ، محاضرات في أصول الفقه : ٤ ـ ٤٣ ـ الطبعة الأولى.

٥٢

وثالثة : أن يحصل لديه العلم بتحقق منشأ عروض العارض على أحدهما ، ثم يظهر عروضه بنفس ذلك المنشأ لكليهما ، كما لو علم بوقوع قطرة بول واعتقد انها تصل متصلة فتقع في أحد الإناءين ، لكنها ـ في علم الله تعالى ـ تجزأت ووقع الجزءان في الإناءين.

وهذا هو موضع الإشكال ، إذ لا ارتباط للمعلوم بالإجمال بأحدهما.

لكن نقول : انه في هذا الفرض يوجد علمان :

أحدهما : العلم بنجاسة ملاقي البول الواقعي ـ وهو يدور بين الأقل والأكثر ـ.

وعلم آخر : بأن الملاقي أحد الإناءين خاصة من باب الخطأ في التطبيق ، ففي الحقيقة يكون كلا الإناءين معلوما لديه. وشهد لذلك : أنه يحكم بان نجاسة كلا الإناءين تكون منجزة واقعا ، ولو لم يكن سوى العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما ، لم يتنجز كلاهما لأنه جهل مركب.

فعدم ارتباط العلم الإجمالي الموجود بأحدهما واقعا ، لكونه جهلا مركبا لا حقيقة له واقعا. والتنجز ناشئ عن العلم الإجمالي المردد بين الأقل والأكثر المنحل بدوا بالعلم الإجمالي التخيلي.

إذن فالعلم الإجمالي الحقيقي بالفرد المردد له ارتباط بالواقع لا محالة.

نعم ، هنا صورة واحدة لا يكون العلم الإجمالي فيها متعلقا بالفرد المردد ولا ارتباط له بالواقع إذا انكشف تفصيلا أصلا ، وهو ما إذا كان منشأ العلم نسبته إلى الفردين واقعا على حد سواء ، بحيث لا يكون لأحدهما خصوصية بالنسبة إليه أصلا ، كما إذا علم إجمالا بمخالفة أحد الدليلين للواقع من جهة العلم بامتناع اجتماع الضدين ـ لا من جهة إخبار المعصوم عليه‌السلام بذلك لارتباطه في مثل ذلك بأحدهما واقعا ، وهو ما يعلم كذبه المعصوم عليه‌السلام ـ ، فانه لو انكشف كذب أحد الدليلين لا يمكنه ان يقول ان هذا هو معلومي

٥٣

بالإجمال ، لعدم ميزة لأحدهما على الآخر.

وفي مثل ذلك لا يمكننا ان نلتزم بان متعلق العلم هو أحدهما الواقعي المردد لدينا ، بل هو متعلق بالجامع بهذا المقدار ـ أعني : عنوان : « أحدهما » ـ ، لكن هذه الصورة إذا اختلفت موضوعا لامتناع تعلق العلم فيها بالفرد المردد ، فلا يستلزم ذلك كون جميع الصور مثلها.

بل قد يكون لها حكم خاص يختلف عن حكم سائر الصور ، فقد التزم صاحب الكفاية في ـ مبحث التعارض (١) ـ ان دليل الحجية لا يثبت الحجية لأكثر من هذا العنوان ، وهو عنوان : « أحدهما » لأنه بهذا العنوان لا أكثر محتمل الصدق ، فانه كما ان أحدهما معلوم الكذب كذلك أحدهما محتمل الصدق ، إذ العلم بكذب أحدهما لا ينافي احتمال صدق أحدهما ، فتثبت الحجية لأحدهما بهذا المقدار ، ويثبت أثره وهو نفي الثالث ومن دون إثبات لأثر إحدى الخصوصيّتين.

وجملة القول : انه لا مانع من تعلق العلم الإجمالي بالفرد المردد ، بمعنى ان المعلوم بالإجمال أمر متعين واقعي خارجي مردد بين طرفين أو أكثر لدى العالم نفسه.

وأما تعلق العلم بالجامع ، بان يتعلق العلم بطبيعي النجاسة في مثل العلم بنجاسة أحد الإناءين ، فقد يوجّه عليه إيرادات :

الأول : ما كنا نورده سابقا من النقض بموارد دوران الأمر بين محذورين. فانه لا يمكن دعوى تعلق العلم بالإلزام بالجامع بين الفعل والترك ، لضرورة تحقق الجامع بواحد من الفعل أو الترك ، فلا معنى للإلزام به.

ويمكن ان يدفع : بأنه بعد ان عرفت فيما تقدم استحالة ثبوت التكليف الفعلي في هذا المورد ، لعدم ترتب الداعوية عليه ، فلا مجال حينئذ لدعوى تعلق

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم كفاية الأصول ـ ٤٣٩ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٥٤

العلم بالحكم الفعلي ، سواء تعلقه بنحو بالجامع أو بنحو آخر ، إذ لا حكم يكون موردا للعلم ، فالعلم الإجمالي على تقدير ثبوته لا بد في تصحيحه من إرجاعه إلى مرحلة الجعل لا المجعول ومقام الإنشاء لا الفعلية ، وفي هذا المقام لا محذور في تعلقه بالجامع ، إذ لا ضير في تعلق العلم بإنشاء الإلزام بالجامع بين الفعل والترك ، إذ لا محذور في الإنشاء ما لم يصل إلى مرحلة الفعلية.

الثاني : ما أفاده المحقق العراقي من : ان المعلوم بالإجمال ينطبق على المعلوم بالتفصيل لو انكشف الحال بتمامه ، ولذا يشار إليه فيقال : هذا ما علمته إجمالا. فلا يمكن ان يكون هو الجامع لعدم انطباقه على الفرد الخارجي بتمامه ، بل بجزء تحليلي منه (١).

ويمكن ان يردّ :

أولا : بأنه غير مطرد في جميع موارد العلم الإجمالي ، إذ منها ما لا يكون المعلوم بالإجمال منطبقا على المعلوم بالتفصيل بتمامه ، ولا يمكن أن يشار إليه بأنه هو معلومه الإجمالي ، وهو ما تقدم من العلم الإجمالي بكذب أحد الدليلين من جهة امتناع اجتماع الضدين أو النقيضين.

وثانيا : ان انطباق المعلوم بالإجمال على الخارج المعلوم بالتفصيل خلف مناف للبديهة ، فان الصورة الإجمالية لا تنطبق على الصورة التفصيلية ، وإلا لكان العلم تفصيليا ، وهو خلف.

نعم ، تصح الإشارة إليه باعتبار ان الصورة الإجمالية تتقوم بالشخص والوجود ، وهو ثابت لا يزول حتى بتغير الأوصاف والاعراض ، فيصح ان يقال : ان هذا ذاك ، لكن لا ينطبق عليه بتمام خصوصياته كما هو ظاهر كلامه.

الثالث : ان ما أفيد من ان العلم الإجمالي عبارة عن العلم بالجامع ،

__________________

(١) البروجردي الشيخ محمد تقي. نهاية الأفكار ٣ ـ ٤٧ و ٢٩٩ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

٥٥

كطبيعي النجاسة مع الشك في الخصوصية يتنافى مع الوجدان والبرهان.

أما الوجدان : فلانا ندرك من أنفسنا أن هناك أمرا زائدا على هذا المقدار من العلم بأصل الجامع ، وهو عدم سعة الجامع وشموله لأكثر من الطرفين وحصر تحققه فيهما.

وأما البرهان : فلأن العلم التصديقي هو عبارة عن العلم بثبوت شيء لشيء لا مجرد تصور الشيء ، فهو انما يتعلق بالنسبة بين الشيئين ، مع أن العلم الإجمالي انما يكون ذا أثر إذا ارتبط الحكم بشيء ، اما مجرد العلم بالجامع فلا أثر له ما لم يرتبط بالخارج.

ومن هنا قد يلتزم بان معروض الجامع هو عنوان : « أحدهما » ، فهو يعلم إجمالا بنجاسة أحد الإناءين. فلا يخرج عن الطرفين ، كما أنه علم بالنسبة وثبوت شيء لشيء.

ولكن الالتزام بان متعلق العلم هو عنوان أحدهما يتوجه عليه : ان المراد بأحدهما ، هل هو أحدهما المعين أم المردد. والأول خلف. والثاني محل منع على الفرض وكرّ على ما فرّ منه. مع ان القائل يحاول ان لا يلتزم بتعلق العلم بأحدهما ، فان المحقق الأصفهاني سلك مسلكه الخاصّ فرارا عن ذلك كما لا يخفى وإلا لصرّح به في كلامه.

وكأنّ المحقق الأصفهاني قدس‌سره تنبّه إلى هذا الإيراد الثالث ، فذكر : ان العلم الإجمالي عبارة عن علم بالجامع وعلم آخر بأن طرفه لا يخرج عن الطرفين ، فيندفع به الإيراد (١).

ولكن يتوجه عليه :

أولا : ان العلم بانحصار الجامع بين الفردين يتعلق بأمر وجودي بحسب

__________________

(١) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ٢ ـ ٢٤٢ ـ الطبعة الأولى.

٥٦

مراجعة الوجدان ، ولازمه الأمر العدمي الّذي أشار إليه قدس‌سره ، فان العالم يرى في نفسه انه يعلم بشيء ثابت بين الإناءين.

وثانيا : ان الأثر العقلي من التنجيز انما يترتب على تعلق العلم بالأمر الوجوديّ ، وهو ثبوت النجاسة بين الطرفين. أما العلم بان النجاسة ليست في غير الطرفين ، فليس له أثر عقلي بلحاظ نفس الطرفين.

هذا ولكن يمكن ان يدفع الإيراد الثالث بالالتزام بتعلق العلم بعنوان أحدهما. واما الإيراد عليه : بان المراد من أحدهما ان كان هو المعين فهو خلف وإن كان المردد فهو محل منع على الفرض.

فيندفع : بان الّذي يلتزم به تعلق العلم بمفهوم أحدهما بلا ملاحظة المصداق الخارجي ، والترديد المزبور بين المعين والمردّد انما يتأتى في مصداق الجامع لا نفس المفهوم كما لا يخفى.

ويتلخص من ذلك انه لا مانع ثبوتا من تعلق العلم بالجامع الانتزاعي وهو عنوان أحدهما ، بل لذلك شواهد عرفية كثيرة ، فانه كثيرا ما يتعلق العلم بالشيء بتوسط عنوان كلي يشير إليه.

بيان ذلك : ان العلم ..

تارة : يتعلق بالشيء بمميزاته عن طريق الحس ، كما إذا رأى زيدا يدخل الدار فيعلم تفصيلا أنه فيها.

وأخرى : يتعلق به بمميزاته عن طريق العناوين الكلية التي يوجب انضمام بعضها إلى بعض تميز المصداق لانحصاره بالفرد ، فيعلم به تفصيلا ، كما إذا قال القائل : « دخل الدار ابن زيد الطويل المعمم الأبيض » وكانت هذه العناوين المنضم بعضها إلى بعض ذات مصداق واحد وهو عمرو ، مع انها جميعها عناوين كلية.

وثالثة : ان يعلم به بعنوان عام ولكنه مردد الانطباق بين فردين ، كما إذا

٥٧

قال : « دخل الدار ابن زيد الطويل » وكان مرددا بين بكر وعمرو ، فان ما علمه هو العنوان الكلي المردد الانطباق على شخصين ، فيصير العلم إجماليا ، وهذه الصورة هي محل الشاهد فيما نحن فيه.

والّذي تحصل لدينا ـ لحد الآن ـ هو إمكان تعلق العلم بالفرد المردد ـ بالنحو الّذي صورناه ـ وتعلقه بالجامع الانتزاعي ، وانه لا محذور في كل منهما.

والّذي نلتزم به خارجا : ان العلم الإجمالي له صور ثلاث :

الأولى : ان تكون الصورة الحاصلة في الذهن لمتعلق الحكم صورة شخصية مماثلة للوجود الخارجي ، لكنها مرددة بين كونها هذا الفرد أو ذاك ، فيحصل لديه العلم بثبوت الحكم لتلك الصورة المرددة بين شخصين ، كما إذا رأى شخصا يدخل الدار مرددا بين كونه زيدا أو أخاه لعدم رؤيته المائز بينهما ، فانه يعلم بدخول ذلك الوجود الّذي انطبعت صورته في ذهنه من طريق الرؤية ، وبما انه متردد بين شخصين يكون العلم إجماليا.

الثانية : ان يتعلق العلم بالجامع ، ولكن يكون للجامع ارتباط ومساس بواقع خارجي متعين في نفسه ، بحيث يصح ان يشار إليه إذا علم تفصيلا بمعروض الحكم ، فيقول هذا هو معلومي بالإجمال فالصورة الحاصلة في الذهن صورة كلية لكن لها مطابق في الخارج واقعي متعين في نفسه ، كما لو علم إجمالا بنجاسة أحد الإناءين لوقوع قطرة البول في أحدهما ، فان المعلوم بالإجمال هو نجاسة ما وقع فيه قطرة البول. ولا يخفى ان هذا العنوان وهو : « أحدهما الّذي وقع فيه قطرة البول » عنوان كلي ، لكن مطابقه في الخارج شخصي لا يتعدد ، إلاّ انه مردد بين فردين ، فإذا حصل العلم التفصيليّ بما وقع فيه قطرة البول صح ان يقول : هذا هو معلومي بالإجمال. وبعبارة أخرى : يكون الجامع ملحوظا طريقا إلى الخارج وعنوانا مشيرا إليه.

الثالثة : ان يتعلق العلم بالجامع بلا ان يكون للجامع ارتباط ومساس

٥٨

بالخارج أصلا كما إذا تعلق العلم بكذب أحد الدليلين لامتناع اجتماع الضدين ، فانه لا يعلم سوى كذب أحدهما لا أكثر بلا إضافة أي شيء لهذا العنوان مما يوجب ربطه بأحد الطرفين واقعا ، وهذا العنوان وحده ـ وهو عنوان أحدهما ـ لا يرتبط بواحد منهما على التعيين في الواقع ، بل نسبته إلى كل من الطرفين على حد سواء ، ولأجل ذلك لو علم تفصيلا بكذب أحدهما لا يستطيع ان يقول : ان هذا هو معلومي بالإجمال.

وأثر هذه الصورة قد يختلف عن أثر الصورتين الأولتين اللتين يجمعهما وجود واقع معين للمعلوم بالإجمال يرتبط به ويحمل عليه.

وبالجملة : المعلوم بالإجمال في الصورة الثالثة لا يمكن تعلق العلم التفصيليّ به وتميزه ، لأن المعلوم بالإجمال ، وهو مجرد عنوان أحدهما ، لا واقع له معين كي يقبل العلم التفصيليّ. بخلافه في الصورتين الآخرتين ، فانه قابل لتعلق العلم التفصيليّ ، لأنه مما له واقع معيّن قابل لأن ينكشف بالتفصيل ، لأنه أمر زائد على عنوان أحدهما كما لا يخفى ، إذ هو أحدهما الخاصّ كأحدهما الّذي وقعت فيه قطرة البول ، ونحوه.

ولعله هو مراد العراقي فيما تقدم حكايته عنه من انطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل بتمامه. فيريد مجرد صحة حمل المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل ، لا أنه ينطبق عليه بخصوصياته ، كي يلزم الكل في قبال الكلي ، فانه لا يحمل على الفرد على انه عينه ، بل بما انه فرده. فالتفت.

ولا يخفى عليك ان الغالب في صور العلم الإجمالي هو تعلقه بالجامع مع ارتباطه بالخارج ومساسه به. ويمكن إرجاع الصورة الأولى إلى الصورة الثانية بالدقة والتأمل. فيكون للعلم الإجمالي صورتان يجمعهما تعلقه بالجامع ، لكنه في إحداهما مما له ارتباط بواقع خارجي معين ، وفي الأخرى لا ارتباط له بالخارج أصلا. والغالب هو الصورة الأولى.

٥٩

وعليه ، فما التزمنا به فيها هو حد وسط بين تعلق العلم بالفرد المردد ، لأنه لم يتعلق بالأمر الشخصي ، بل بعنوان كلي ، وبين تعلقه بالجامع الانتزاعي ، لأنه لم يتعلق بصرف الجامع بلا ربط له بالخارج ، بل تعلق بالجامع المرتبط بالخارج الساري إليه.

بل لنا أن نقول : إنه متعلق بالجامع بملاحظة المعلوم بالذات ، وهو الصورة الحاصلة في الذهن ومتعلق بالفرد المردد ، باعتبار أن مطابق الصورة الكلية فرد واحد خارجي معين في الواقع مردّد لدى العالم نفسه ، لما عرفت من سراية الجامع المعلوم إلى الخارج وارتباطه به.

ولا يخفى ان ما التزمنا به من تعلق العلم الإجمالي بالجامع المرتبط بالخارج الساري إليه ، يختلف من حيث الأثر مع الالتزام بان العلم الإجمالي متعلق بصرف الجامع بلا سراية إلى الخارج ، كما سيظهر في البحث عن الجهات الأخرى.

وأما ما أفاده العراقي قدس‌سره : من ان العلم الإجمالي متعلق بالصورة الإجمالية المعبّر عنها بأحد الأمرين ، والعلم التفصيليّ متعلق بعنوان تفصيلي للشيء حاك عن شراشر وجوده ، فيكون الفرق بينهما من حيث المعلوم لا من حيث العلم ...

فقد يورد عليه : بان المراد بالإجمال في قبال التفصيل ..

ان كان هو الإجمال في باب الحدود الراجع إلى ملاحظة المركب من الاجزاء المتعددة شيئا واحدا بنحو الإجمال ، كملاحظة الدار أمرا واحدا مع انها في الواقع أمور متعددة. ففيه : ان هذا لا يقابل العلم التفصيليّ ، فان كثيرا من موارد العلم التفصيليّ يكون المعلوم بالتفصيل الّذي لا ترديد فيه ملحوظا إجمالا بهذا المعنى.

وان كان هو الإجمال بمعنى الإبهام الّذي يذكر في باب لصحيح والأعم

٦٠