منتقى الأصول - ج ٤

السيد عبد الصاحب الحكيم

منتقى الأصول - ج ٤

المؤلف:

السيد عبد الصاحب الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٩

الاخبار المتعارضة لا مطلق الدليلين المتعارضين ، بل القاعدة تقتضي التساقط والمرجع هو القواعد العامة في موضوع الآية. وفي مثل مورد الآية المزبورة يدور الأمر ـ في حكم المدة بين النقاء والغسل ـ بين التمسك باستصحاب الحرمة الثابتة قبل النقاء ، أو بعموم قوله تعالى : ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) (١) بناء على عمومه الأزماني ، إذ المتيقن خروج زمان الحيض عنه.

فهذا المورد من موارد مسألة دوران الأمر بين استصحاب حكم المخصص أو العلم بعموم العام الزماني ، وهي مسألة ذات بحث طويل يأتي في محله من باب الاستصحاب إن شاء الله تعالى.

وقد تعرض صاحب الكفاية إلى هذا الأمر وبنحو ما إفادة الشيخ. إلاّ أنه ناقشه في نسبة القول بتواتر القراءات إلى المشهور ، فذكر : انه لا أصل له ، وانما الثابت التزام المشهور بجواز القراءة بكل قراءة لا أكثر.

ولا يخفى ان هذا الأمر لا يتحمل أكثر من البيان المزبور ، إذ البحث في تواتر القراءات وعدمه وغير ذلك ليس من شئون مباحث الأصول. وانما له محل آخر فلا بد من إيقاع البحث هاهنا بنحو الترديد وعلى حسب اختلاف المباني في تلك المسائل القرآنية.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٢٣.

٢٢١
٢٢٢

حجية قول اللغوي

وبعد كل هذا يقع الكلام في حجية قول اللغوي في تشخيص ظهور اللفظ وتعيين ما وضع له.

وقد ذكر صاحب الكفاية تمهيدا للدخول في هذا المبحث ـ ذكر فيه ـ : انه قد عرفت حجية ظهور الكلام في تعيين المرام ، فان أحرز بالقطع وان المفهوم منه جزما بحسب متفاهم أهل العرف هو هذا المعنى ، فلا كلام. وان لم يحرز المفهوم العرفي للكلام .. فتارة : ينشأ عدم إحرازه من احتمال وجود قرينة. وأخرى : من احتمال قرينية الموجود. وثالثة : من عدم العلم بما هو الموضوع له لغة أو المفهوم منه عرفا.

ففي الأول ، لا خلاف في ان الأصل عدم القرينة ، لكن البناء العقلائي ابتداء على المعنى الّذي لولاها كان اللفظ ظاهرا فيه ، لا انه يبنى على عدم القرينة أولا ، ثم يبنى على المعنى الظاهر فيه لو لا القرينة. فهو يلتزم بان احتمال القرينة ينفي بأصالة الظهور رأسا لا بأصالة عدم القرينة.

وفي الثاني ، فان بني على أصالة الحقيقة من باب الظهور كان الكلام مجملا لعدم انعقاد ظهور له مع احتمال قرينية الموجود. وان بني عليها من باب التعبد ، كان ظهور الكلام الأولي متبعا ، ولو لم يكن له ظهور فعلي.

٢٢٣

وفي الثالث ، لا يكون الظن حجة في تعيين الموضوع له لعدم الدليل على اعتباره. نعم نسب إلى المشهور حجية قول اللغوي بالخصوص في تعيين الأوضاع. هذا ما ذكره في الكفاية بتوضيح منا (١).

وهو لا يخلو عن مؤاخذات. وتوضيح ذلك : ان ظهور الكلام الفعلي في أي معنى واستقرار ظهوره انما يكون بعد تمامية الكلام ، وملاحظة كل لفظ مع غيره.

وعليه ، فنقول : ان ظهور الكلام في المعنى ودلالته عليه ..

تارة يقال : انها لا تتبع إرادة المتكلم تفهيم المعنى بالكلام ، بل ينتقل الذهن إلى المعنى بمجرد سماعه الكلام ولو لم يصدر عن التفات وشعور ، ويستشهد على ذلك بما لو وجد شخص مكتوبا على حائط : « رأيت أسدا يرمي » فانه ينتقل ذهنه إلى رؤية الرّجل الشجاع ولو لم يعلم ان كاتب الكلام قصد استعمال هذه الألفاظ في معانيها ، بل احتمل انه كتبها لتجربة قلمه في الخطّ.

وأخرى يقال : انها تتبع إرادة المتكلم تفهيم المعنى بالكلام. ببيان : انه لا وجه لحمل أسد على غير معناه الأولي إلاّ بلحاظ ان المتكلم نصب قوله : « يرمي » قرينة على بيان مراده ، وحيث انه لا يتلاءم مع المعنى الأولي فلا بد من حمله على ما يتلاءم مع الرمي وهو الرّجل الشجاع. فالتصرف في معنى أسد واستظهار غير معناه لا يتم إلاّ في صورة إرادة المتكلم تفهيم معنى بكلامه ، إذ لا يمكنه إرادة تفهيم معنيين متنافيين لحصول التهافت.

اما مع عدم كونه مريدا للتفهيم ، فإبقاء أسد على ظاهره لا محذور فيه.

وبالجملة : فالظهور الثانوي للكلام لا يتم إلاّ في صورة إرادة التفهيم.

واما تبادر المفهوم الثانوي من جملة : « رأيت أسدا يرمي » لو رئيت

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٢٨٦ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٢٢٤

مكتوبة على جدار مع عدم إحراز إرادة التفهيم من كتبها ، فهو لا ينافي ذلك ، إذ لعل هذا الانتقال ناشئ من كثرة استعمال هذه الجملة وإرادة المعنى الثانوي ، فيحصل أنس بين الألفاظ وبين المعنى الثانوي ، وهذا لا يسري إلى مطلق الموارد.

ولا يخفى ان تحقيق الصحيح من هذين القولين لا يهمنا فعلا لعدم توقف البحث عليه.

وعلى أي حال ، فنقول : ان كان صاحب الكفاية ممن يلتزم بالقول الأول. فيورد عليه : ان هذا لا يتلاءم مع التمسك بأصالة الحقيقة والظهور في نفي احتمال القرينة ، إذ أصالة الحقيقة تجري لإحراز مراد المتكلم التفهيمي وبيان ان ما اراده هو الظاهر الأولي ، والمفروض ان ظهور الكلام لا يتوقف على الإرادة ولا يرتبط بها.

وان كان ممن يلتزم بالقول الثاني. فلا يرد عليه ما تقدم ، لكن يرد عليه : ان فرض احتمال إرادة خلاف الظاهر لاحتمال القرينة غير ثابت ، إذ المراد بالقرينة ان كان هو القرينة المنفصلة ، فهو ممن يذهب إلى ان القرينة المنفصلة لا تنافي أصل الظهور ، بل تنافي حجية الظهور ، بل لعل هذا الأمر من المسلمات حتى ممن يرى ان المخصص المنفصل يستلزم المجازية. وان كان هو القرينة المتصلة ، فقد تقدم ان احتمالها مع المشافهة لا تصور له الا في صورة ما إذا تكلم المتكلم فحصلت للسامع غفلة عن كلامه ، فاحتمل انه نصب في حال الغفلة قرينة على خلاف الظاهر ، ولكنه في مثل ذلك لا يتمسك أحد بأصالة الظهور أو عدم القرينة ، بل يتوقف في إثبات موارد المتكلم ، نظير صورة ما إذا ورد لشخص كتاب من غيره وكان فيه فراغ يحتمل انه كان يشتمل على كلام صالح للقرينة فمحي ، فانه لا يرجع إلى أصالة عدم القرينة بل يتوقف في مرادة المتكلم.

وبالجملة : في الموارد التي يحتمل فيها وجود القرينة لا طريق إلى نفيها.

٢٢٥

نعم قد يحتمل إرادة خلاف الظاهر من جهة احتمال الغفلة عن نصب قرينة أو عن سماعها ، فيدفع بأصالة عدم الغفلة لكنه غير أصالة الظهور. وقد مر إيضاح الكلام في ذلك سابقا فراجع.

هذا فيما يرتبط بالفقرة الأولى من كلامه.

واما ما ذكره في صورة احتمال إرادة خلاف الظاهر لاحتمال قرينية الموجود. فتوضيح الكلام فيه : ان رفع اليد عن ظهور الكلام الأولي لأجل ظاهر آخر له صورتان.

إحداهما : ان يكون الظاهر الآخر قد سيق للقرينية ولبيان المراد من غيره ، كالوصف في مثل : « أكرم العالم العادل ».

والأخرى : ان يكون الظاهر الآخر قد سيق لبيان امر مستقل ، لكنه كان منافيا لغيره فيتصرف في غيره إذا كان أظهر من غيره ، ويقال عنه انه قرينة على المراد من الغير.

وبالجملة : فالقرينة على خلاف ظاهر الكلام تارة يؤخذ بها لأجل انها سيقت للقرينية وأخرى لأجل انها أظهر من ذي القرينة.

وعليه ، فنقول : ما يحتمل قرينيته ـ عبرنا باحتمال القرينية لأنه أولى من التعبير بما يصلح القرينية ـ.

تارة : يكون من قبيل الأول ، بان كان اللفظ قد سيق للقرينية لكنه كان مجمل المراد ، وان معناه هل المنافي للظهور الأولي لذي القرينة أو لا؟ كما لو شك في ان المراد بالرمي في جملة : « رأيت أسدا يرمي » هل الرمي بالنبل أم الرمي بالتراب؟.

وأخرى : يكون من قبيل الثاني بان كان اللفظ المجمل المردد بين معنيين المنافي أحدهما لظاهر الكلام لم يؤت به القرينية.

ففي الأول ، يكون الكلام مجملا لفرض ان ظهوره في معناه يتوقف على

٢٢٦

معرفة المراد من القرينة ، لأن المتكلم نصبها لتعيين مراده ، فمع إجمال القرينة يكون الكلام مجملا.

وفي الثاني ، لا يكون الكلام مجملا ، إذ رفع اليد عن ظهوره من باب مزاحمته بما هو أظهر منه ، ومع فرض الإجمال لا مزاحمة ولا تنافي ، فيؤخذ بظاهر الكلام ، ولا يعتنى بالكلام المجمل.

وعليه ، فاحتفاف الكلام بمحتمل القرينية لا يستلزم إجماله بقول مطلق ، بل في صورة دون أخرى فالتفت.

ثم ان للمحقق الأصفهاني تعليقة متينة مختصرة على قوله : « فان أحرز بالقطع ». وبيانها : ان المراد بالظهور المبحوث عنه ان كان هو الظهور الذاتي للفظ ، وهو ظهور اللفظ في المعنى لو خلي ونفسه بلا ضمّ قرينة حالية أو مقالية ، لم تصح المقابلة بين صورة إحرازه وصورة عدم إحرازه بجميع اقسامها ، بل تختص المقابلة بين صورة إحرازه والقسم الثالث من صورة عدم إحرازه ، إذ الظهور الذاتي في مورد احتمال القرينة أو قرينية الموجود محرز لا تشكيك فيه. وان كان هو الأعم من الظهور الفعلي والذاتي صحت المقابلة كما لا يخفى (١).

ولكن يرد عليه :

أولا : ان احتمال القرينة المنفصلة يلزم ان يكون خارجا عن محل البحث لإحراز الظهور الفعلي في مورده ، إذ القرينة المنفصلة لا تصادم أصل الظهور ، مع انه يحتاج في نفيه إلى أصالة عدم القرينة أو أصالة الظهور ، فهو من موارد هذا الأصل ، مع انه لا يدخل في كلام الكفاية.

وثانيا : ان احتمال خلاف الظاهر قد ينشأ عن غير احتمال وجود القرينة ، كما لو قطع بعدم القرينة لكنه احتمل إرادة خلاف ظاهره ، اما لحكمة في عدم

__________________

(١) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ٢ ـ ٦٥ ـ الطبعة الأولى.

٢٢٧

البيان أو لغفلة عنه.

ولا يذهب عليك ان اشكاله بعدم صحة المقابلة بناء على إرادة الظهور الذاتي إشكال لفظي ، فسواء صحت المقابلة أم لم تصح ، فوجود هذه الأقسام واقعا لا يعتريه شك وضرورة إيقاع البحث فيها لا إشكال فيه.

ثم يقع الكلام في حجية قول اللغوي في تشخيص وضع اللفظ وما يكون اللفظ ظاهرا فيه من المعاني.

وقد يستدل على حجيته بوجوه :

الوجه الأول : اتفاق العلماء ـ بل العقلاء ـ على الرجوع إلى قول اللغويين في تشخيص وضع اللفظ بحيث يكون قوله الفصل في مقام المحاجة والمخاصمة.

الوجه الثاني : الإجماع على حجيته. وحكي عن السيد المرتضى رحمه‌الله (١).

وقد استشكل في الكفاية (٢) في الوجه الأول : بأنه لو سلم فغير مفيد ، إذ لم يعلم انهم يرجعون إلى قول اللغوي في تشخيص الوضع في مورد يترتب عليه الاستنباط أو نحوه من الآثار العملية ، بل المعهود منهم ليس أكثر من الرجوع إليه في موارد لا يترتب عليها أثر عملي كالرجوع إليه في فهم الإشعار أو الخطب أو نحوهما. كما انها سيرة محتملة المدرك ، إذ لعل منشأها قيام السيرة العقلائية على الرجوع إلى أهل الخبرة في كل فن التي سيأتي الحديث فيها وبيان الإشكال في الاستدلال بها.

وبان المتيقن من الاتفاق ـ لو سلم انه قائم في موارد العمل ، وانه مستقل

__________________

(١) علم الهدى السيد مرتضى. الذريعة إلى أصول الشريعة ١ ـ ١٣ ـ الطبعة الحديثة.

(٢) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٢٨٦ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٢٢٨

عن السيرة العامة على الرجوع إلى مطلق أهل الخبرة ـ هو الرجوع إلى قول اللغوي فيما اجتمعت شرائط الشهادة من العدد والعدالة.

واستشكل في الوجه الثاني : بان الإجماع المحصل غير حاصل ، إذ لم تذكر المسألة في كتب الأعلام سابقا حتى نستطيع ان ننسب إليهم القول بالحجية. والمنقول غير حجة في نفسه ـ كما سيأتي ـ.

وبالخصوص في مثل المسألة مما يحتمل قريبا ان يكون مستندهم هو اعتقاد ان المورد من مصاديق ما اتفقت عليه السيرة العقلائية من الرجوع إلى أهل الخبرة من كل صنعة وفن ، فلا يكون مثل هذا الإجماع تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه‌السلام ، فلا يستقل الإجماع في الدليليّة ، بل لا بد من ملاحظة هذا المستند (١).

وهو الوجه الثالث من وجوه الاستدلال على حجية قول اللغوي ، ومحصله : ان السيرة العقلائية في كل زمان الممتدة إلى زمان المعصوم عليه‌السلام قائمة على الرجوع إلى أهل الخبرة في كل فن وصنعة فيما يرجع إلى فنهم وصنعتهم ، واللّغوي من أهل الخبرة في تشخيص الأوضاع فيصح الرجوع إليه للسيرة.

واستشكل فيه صاحب الكفاية.

أولا : بان المتيقن من السيرة هو الرجوع إلى أهل الخبرة فيما إذا أوجب قولهم الوثوق والاطمئنان ، وهو قد لا يتحقق بقول اللغوي.

__________________

[١] من تقريب الاستدلال والجواب بما عرفت ، تعرف ان نظر صاحب الكفاية في اشكاله إلى الإشكال في جهتين لتعدد الوجه. فان الأول يرجع إلى السيرة العملية. والثاني يرجع إلى الاتفاق القولي ، وهو يقبل الإنكار بخلاف الاتفاق العملي. وعليه فلا وجه لما في بعض حواشي الكفاية من استظهار وحدة الاستدلال والإشكال ، وان تكرار المصنف الإشكال ، يرجع إلى الإجمال والتفصيل ، إذ لا تكرار في كلام المصنف بل كل قطعة تعود إلى وجه. فالتفت.

٢٢٩

وثانيا : بان اللغوي ليس من أهل الخبرة في تشخيص الأوضاع ، بل هو من أهل الخبرة في موارد الاستعمال ، فان همّه ضبط موارد الاستعمال بلا نظر إلى تعيين ما هو الحقيقة منها وما هو المجاز ، وإلاّ لوضعوا علامة على ذلك في كتبهم.

أقول : ما ذكره أولا مسلم لا نقاش لنا فيه.

واما ما ذكره ثانيا من ان اللغوي لا يهمه سوى نقل موارد الاستعمال ، فهو يحتمل وجهين :

الأول : ان اللغوي ينقل موارد الاستعمال بنحو الموجبة الجزئية بلا نظر إلى حصرها فيما يذكره منها ونفي استعمال اللفظ في غيرها.

الثاني : انه ينظر إلى حصر موارد الاستعمال في خصوص ما يذكر للفظ من معنى أو معان.

فعلى الأول ، لا ينفعنا قول اللغوي بشيء ولو أوجب لنا الوثوق ، مع احتمال ان يكون اللفظ معنى آخر غير ما ذكره ، فلا يستطيع معرفة ما هو ظاهر اللفظ.

وعلى الثاني ، فقد ينفعنا في بعض الأحيان ، فانه إذا حصل الوثوق بقوله وقد ذكر للفظ معان ثلاثة ـ مثلا ـ ، كان اللفظ مرددا بينها لا غير ـ كاللفظ المشترك المعلوم وضعه لمعان متعددة ـ ، فقد تكون هناك قرينة في الكلام تعين أحد هذه المعاني ، فيعرف ظاهر اللفظ ان لم يعرف الموضوع له.

هذا مع انه قد ينقل اللغوي استعماله في معنى واحد لا غير ، فيعرف انه هو الموضوع له إذ لم يستعمل في غيره.

وقد استشكل المحقق النائيني رحمه‌الله (١) في صغرى كون اللغوي من أهل الخبرة ـ بعد ما ذهب إلى اختصاص حجية قول أهل الخبرة بما إذا أوجب

__________________

(١) الكاظمي الشيخ محمد علي. فوائد الأصول ٣ ـ ١٤٣ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

٢٣٠

الوثوق ـ : بان قول أهل الخبرة يتوقف على إعمال الحدس والنّظر ، فلا يشتمل ما يبتني على الحس ، وبما ان اللغوي شأنه ضبط موارد الاستعمال وهي غير متوقفة على الحدس بل تتوقف على الحس لم يكن من أهل الخبرة. نعم تشخيص الموضوع له يحتاج إلى إعمال نظر وحدس لكنه ليس شأن اللغوي.

ولا يخفى ان ما ذكره موافقا لصاحب الكفاية من اختصاص حجية قول أهل الخبرة بمورد الوثوق يستلزم عدم فرض خصوصية لقول اللغوي ، بل المدار على الاطمئنان الّذي عرفت انه حجة بلا كلام ، بل تقدم (١) ان حجيته بملاك حجية القطع والجزم ، كما ان الإيراد الصغروي بالنحو الّذي ذكره لا حاجة له حينئذ ، إذ لا أثر له بعد فرض اختصاص الحجية بمورد الاطمئنان والوثوق.

مع انه يرد عليه ما عرفت من : انه قد يذكر اللغوي معنى واحدا فيثبت الوضع له قهرا ، وان لم ينظر له اللغوي في كلامه إذا كان نظره حصر موارد الاستعمال فيما يذكره.

ثم انه قدس‌سره ذكر في ضمن جوابه عن الوجه المزبور : ان الرجوع إلى قول أهل الخبرة لا يعتبر فيه شرائط الشهادة من العدد والعدالة الا في موارد فصل الخصومات والدعاوي ، لما ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله : « انما أقضي بينكم بالايمان والبينات » (٢).

وهذا انما لو فرض ان البينة في العرف واللغة بالمعنى الاصطلاحي للفقهاء ، وهو قابل للتشكيك ، إذ من المحتمل ان يراد بالبينة في العرف واللغة كل ما يتكفل البيان ، واعتباره في القضاء في قبال الاعتماد على القناعة الشخصية للقاضي الناشئة عن جهات حدسية خاصة به ، فيصير المراد ان القضاء لا بد ان

__________________

(١) راجع ٤ ـ ١٨٦ من هذا الكتاب.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ ـ ١٦٩ باب : ٢ من أبواب كيفية الحكم ، الحديث : ١.

٢٣١

يستند إلى اليمين أو إلى ما يستلزم ظهور الحق عند العقلاء ، ولا يصح ان يستند إلى العلم الشخصي ، بل لعل سياق الحديث مساق نفي جواز الحكم استنادا إلى القناعة الشخصية للحاكم قرينة على عموم المراد بالبينة لا خصوص البينة بالمعنى الاصطلاحي. هذا ولكن البناء الفقهي على اعتبار شرائط الشهادة من العدد والعدالة في مقام فصل الخصومات. فلاحظ.

الوجه الرابع : انسداد باب العلم باللغات وخصوصياتها غالبا ، فتتم مقدمات الانسداد في خصوص معرفة الأوضاع ، كما تمسك بهذا الدليل في موارد خاصة أخرى كموارد الضرر والنسب.

وأجيب عنه في الكفاية : بأنه ان فرض انفتاح باب العلم في غالب الأحكام لم تنته النوبة إلى العمل بالظن في موارد معرفة الأوضاع ، إذ العمل بالأصول النافية فيها لا يستلزم تعطيل الدين ، كما ان العمل بالاحتياط لا يستلزم العسر أو اختلال النظام ، فلا تتم مقدمات الانسداد في خصوص المورد ، وان فرض انسداد باب العلم بالاحكام غالبا صح العمل بالظن الناشئ من قول اللغوي ، ولو فرض انفتاح باب العلم بغالب الأوضاع (١).

أقول : ان جواب الكفاية يتم لو كان المدعي يحاول إجراء مقدمات الانسداد في خصوص مورد معرفة الأوضاع بتفاصيلها. ولكن يمكن ان يقرب الاستدلال بالانسداد بوجهين لا يرتبط بهما جواب الكفاية.

أحدهما : فرض انسداد باب العلم بتفاصيل معاني الألفاظ المذكورة في خطابات الشارع التي يعلم بثبوت أحكام شرعية في ضمنها على طبق الإطلاق ولو لم يعلم بإرادة الإطلاق واقعا في كل منها ، فالرجوع إلى البراءة في كل مطلق لا يعرف مقدار سعة مفهومه في غير المتيقن منه ، يستلزم لغوية جعل تلك

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٢٨٧ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٢٣٢

الأحكام المطلقة التي لا طريق إلى العلم بها ، فنفي الرجوع إلى البراءة ليس من باب لزوم تعطيل الدين كي ينفي ذلك مع فرض انفتاح باب العلم في غالب الأحكام ، بل من باب لزوم اللغوية في جعل الحكم المطلق وهو محذور ثابت ولو فرض انفتاح باب العلم. ومن هنا تعرف عدم ارتباط جواب الكفاية بالوجه الأول وهو المعبر عنه بالانسداد الصغير.

الآخر : ان انسداد باب العلم بتفاصيل الأوضاع يستلزم انسداد باب العلم بغالب الأحكام لأن غالب الأحكام مبين بطريق اللفظ.

وعليه ، فتجري مقدمات الانسداد في الأحكام ويثبت حجية كل ظن ومنها قول اللغوي. ومن هنا تعرف عدم ارتباط جواب الكفاية به ، إذ لا معنى لقوله بأنه مع فرض انسداد باب العلم في الأحكام كان الظن الحاصل من قول اللغوي حجة ولو فرض انفتاح باب العلم باللغات. لأن المفروض ان انسداد باب العلم بالاحكام منشؤه انسداد باب العلم باللغات ، فلا معنى لفرض انفتاح باب العلم بها.

والتحقيق في الإشكال عن كلا الوجهين هو : انهما لا ينتهيان إلى حجية قول اللغوي ، إذ ليس المتعارف بيان اللغوي مقدار مفهوم اللفظ سعة وضيقا وبنحو الدّقة حتى يحصل الظن من قوله بتفاصيل المعاني ، فما ينسد فيه باب العلم لا تعرض للغوي فيه ، فلا يوقع الكلام في ان الصعيد ـ مثلا ـ على أي شيء يصدق؟. فتدبر.

ونتيجة البحث : انه لا دليل لدينا على اعتبار قول اللغوي. ولكن هذا الأمر لا يوجب لغوية الرجوع إلى كتب اللغة ، إذ قد يحصل القطع بالموضوع له منها أحيانا ، كما قد يحصل معرفة ظهور الكلام في معنى ـ وان لم يعرف انه حقيقة أو مجاز فيه ـ بملاحظة بعض القرائن والخصوصيات ، ومثل ذلك يكفي فائدة للرجوع إلى كتب اللغة. وهذا مما ذكره في الكفاية في آخر بحثه المزبور.

٢٣٣

ثم ان هناك إشكالا في حجية قول اللغوي أشار إليه المقرر الكاظمي قدس‌سره في تقريراته. وتوضيحه ـ بناء على عدم حجية الأمارة في لوازم مؤداها العقلية والعادية مطلقا ، أو انها حجة في خصوص اللوازم التي يستلزم قيام الأمارة على المدلول المطابقي قيام أمارة من فصيلتها عليها ، أعني على اللوازم ، بحيث تكون هناك أمارتان إحداهما على المدلول المطابقي والأخرى على المدلول الالتزامي ، كما في باب الخبر فان الخبر بشيء خبر بلوازمه ، فحجية الأمارة في مثل ذلك بنفس العنوان التي تكون به حجة بالنسبة إلى المدلول المطابقي لا من باب حجية الأمارة في لوازمها ـ : ان موضوع الأثر الشرعي العملي ليس هو تعيين الموضوع له ، وانما هو إرادة المتكلم للمعنى من اللفظ ، ومن الواضح ان اللغوي يخبر عن الموضوع له ، وإرادة المتكلم في استعماله المعنى الموضوع له ليس من اللوازم العرفية الواضحة ، كي يكون الإخبار بالوضع إخبارا بها أيضا. نعم هي لازم عقلي ـ على ما عرفت بيانه سابقا ـ ، اذن فما يتكفله قول اللغوي ليس موضوعا للأثر الشرعي العملي فلا معنى للتعبد بلحاظه ، ولا يمكن تصحيح التعبد بقوله بلحاظ لازمه ، إذ المفروض ان الأمارة ليست حجة في مثل هذا اللازم. ولا يحصل العلم بإرادة المتكلم هذا المعنى بعد فرض ان قول اللغوي لا يفيد أكثر من الظن ، ولذا احتاج إلى التعبد ، ولا يترتب على قول اللغوي انعقاد ظهور للفظ في المعنى كي يكون اعتباره بلحاظ تنقيح أحد مصاديق أصالة الظهور. بل لو فرضنا ان الوضع يلازم عرفا ظهور الكلام في المعنى أو إرادة المتكلم لمعنى الموضوع له بحيث يكون اخباره عن الوضع اخبارا عن ظهور اللفظ في المعنى أو عن إرادة المتكلم المعنى الموضوع له ، فلا ينفع في إثبات حجية قول اللغوي وان قامت أمارة على اللازم من قبيل الأمارة على المدلول المطابقي. وذلك لأنه لا يعلم قيام السيرة على حجية قول اللغوي في كل امر ، بل المتيقن قيامها على حجيته في تعيين الموضوع له لا لمطلق

٢٣٤

إخباراته. اذن فلا دليل على حجية خبره عن اللازم. وهذه الجهة هي العمدة في الإشكال.

وعليه ، فيلغو التعبد بقول اللغوي وجعل حجيته لعدم ترتب أثر شرعي عملي عليه.

ولا يخفى ان هذا الإشكال لا يتأتى لو فرض ان القول بحجية قول اللغوي بدليل خاص ، إذ مع قيام الدليل الخاصّ يحكم ـ بمقتضى دلالة الاقتضاء ـ بحجيته في لوازمه. وانما يتأتى على تقدير الاستدلال عليه بدليل عام ، كقيام السيرة على الرجوع إلى أهل الخبرة ، إذ لا محذور في دعوى عدم إمضائها بالنسبة إلى قول اللغوي لعدم ترتب أثر عملي عليه.

وقد أجاب المقرر الكاظمي رحمه‌الله عن هذا الإشكال : بأنه إذا حصل الوثوق من قول اللغوي في المعنى الموضوع له ينعقد للكلام ظهور فيه ، فيكون الوثوق من أسباب الظهور وليس من الأمور الخارجية التي لا توجب أكثر من الظن بالحكم (١).

ولا يخفى عليك : ان موضوع الإشكال أجنبي عن صورة تحقق الوثوق ، بل هو يرتبط بصورة الأخذ بقول اللغوي من باب التعبد ومن باب انه حجة مجعولة. وإلاّ فلو وصلت المرحلة إلى حصول الوثوق فلا حاجة إلى إثبات الظهور من طريق الوثوق ، إذ الوثوق بالموضوع له بنفسه يوجب الوثوق بمراد المتكلم وانه هو المعنى الموضوع كما عرفت سواء ثبت الظهور أم لم يثبت ، فالتفت وتدبر والله سبحانه ولي التوفيق.

انتهى مبحث الظواهر وما يتعلق به في يوم الاثنين ـ ٩ ـ ع ١ ـ ١٣٨٩ ه‍. ويليه مبحث الإجماع المنقول.

__________________

(١) الكاظمي الشيخ محمد علي. فوائد الأصول ٣ ـ ١٤٤ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

٢٣٥
٢٣٦

الفصل الثاني

في الكلام عن حجية الإجماع المنقول.

وقد التزم البعض بحجيته من باب انه من افراد خبر الواحد بلا أن يقوم دليل على حجيته بالخصوص.

وقد أطال الشيخ رحمه‌الله الحديث فيه وفي شئونه (١). وقد لخصه في الكفاية (٢) وغيرها.

ومحصل الكلام فيه بنحو يتضح فيه الحق ، هو ان يقال : ان أدلة حجية خبر الواحد انما تتكفل حجية الخبر إذا كان المخبر به أمرا محسوسا أو قريبا من المحسوس.

فالأوّل ، نظير الاخبار عن مجيء زيد ودخوله إلى الدار. والثاني ، نظير الاخبار عن العدالة والشجاعة. فانهما وان كانتا لا تدركان بالحس لأنهما من الصفات النفسيّة ، لكنهما من الملزومات العادية الظاهرية لبعض الأمور المحسوسة ، فمعرفة العدالة والشجاعة بآثارهما الخارجية لا تتوقف على صرف فكر ومزيد نظر ، فهما بمنزلة المحسوس.

اما الخبر عن الأمر غير المحسوس ولا القريب منه فلا تشمله أدلة

__________________

(١) الأنصاري المحقق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول ـ ٤٧ الطبعة الأولى.

(٢) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٢٨٨ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٢٣٧

حجية الخبر ، ولذا لا يتوهم شمول أدلة الخبر لقول المجتهد مع انه إخبار عن قول المعصوم ، لأنه إخبار عن حدس ونظر واجتهاد.

ثم ان حجية الإجماع المحصل من باب معرفة رأي الإمام عليه‌السلام من طريقه ومنشأ ذلك أحد طرق :

الأول : ان يعلم بدخول الإمام عليه‌السلام بشخصه في المجمعين وان لم يعلمه تفصيلا وبشخصه بعينه.

الثاني : قاعدة اللطف ، فان البناء عليها يستلزم عقلا الجزم برأي الإمام عليه‌السلام عند تحقق الإجماع ، إذ يكون على الإمام عليه‌السلام البيان لو كان الحكم المجمع عليه على خلاف الواقع ، إذ من شأنه إيصال المصالح إلى المكلفين. وهذا الطّريق ينسب إلى الشيخ الطّوسي قدس‌سره في حجية الإجماع (١).

الثالث : الملازمة العادية بين الإجماع وموافقة الإمام عليه‌السلام للمجمعين ، ببيان : ان العادة جارية على استكشاف رأي الرئيس من اتفاق مرءوسيه وعدم اختلافهم ، إذ يمتنع عادة اتفاق المرءوسين على امر مع مخالفة الرئيس لهم.

الرابع : الملازمة الاتفاقية ، وهي حصول العلم بقول الإمام عليه‌السلام من الإجماع حدسا ، واستلزام الإجماع لموافقة الإمام عليه‌السلام بنظر من حصل الإجماع.

الخامس : التشرف بخدمة الإمام عليه‌السلام ومعرفة رأيه ، فينقل الحكم بعنوان الإجماع لبعض الأغراض.

إذا عرفت ذلك نقول : منشأ تخيل حجية الإجماع المنقول ، ان من ينقل

__________________

(١) نسبه إلى الشيخ الطوسي في فرائد الأصول ـ ٥١.

٢٣٨

الإجماع ينقل قول المعصوم عليه‌السلام ، فيندرج تحت عموم أو إطلاق أدلة حجية خبر الواحد.

وتحقيق ذلك : ان الإجماع المنقول ان كان من النحو الأول ، فهو يرجع إلى نقل قول المعصوم عليه‌السلام ضمنا عن حس ، فتشمله أدلة خبر الواحد بلا إشكال.

واما إذا كان من الأنحاء الأخرى ـ غير الإجماع التشرفي ـ ، فمقصود الناقل تارة يكون نقل المسبب ، أعني قول المعصوم عليه‌السلام لاستلزام الإجماع الّذي حصله لرأيه عليه‌السلام ، وأخرى يكون نقل السبب لا غير ، يعني لا يحاول إلاّ الإخبار عن ثبوت الفتاوى لا أكثر.

فإذا كان ناقلا لقول المعصوم عليه‌السلام من طريق الملازمة العقلية أو العادية أو الاتفاقية ، فلا تشمله أدلة حجية الخبر في إثبات رأي المعصوم عليه‌السلام ، إذ إخباره هاهنا عن امر حدسي لا حسي ولا قريب منه ، وإلاّ لما وقع الخلاف الكبير في صحة الطرق ومنعها. وقد عرفت انّ أدلة الخبر لا تشمل الخبر عن الأمر الحدسي.

واما إذا كان ناقلا للسبب لا غير ..

فقد يتخيل ـ كما في الكفاية وغيرها ـ : شمول أدلة حجية الخبر بالنسبة إلى إثبات السبب لأنه خبر عن حس لا حدس ، وخصص قبول ذلك في مورد تكون هناك ملازمة لدى المنقول إليه بين نفس السبب المنقول ورأي الإمام عليه‌السلام ، أو تكون ملازمة بين السبب المنقول وما ينضم إليه من الأقوال التي يحصلها المنقول إليه وسائر الأمارات غير المعتبرة وبين رأي الإمام عليه‌السلام (١).

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٢٩٠ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٢٣٩

وبعبارة أخرى : يكون نقل السبب حجة إذا كان تمام السبب في نظر المنقول إليه أو جزءه ، إذ بدون ذلك لا أثر عملي يترتب عليه كي يكون حجة.

ولكنه يشكل ـ بعد فرض العلم بان الناقل حصل أقوال العلماء بطريق الحس لا الحدس ، بان علم مبنى الفقيه واعتقد انطباقه في مورد خاص ، فنسب إليه الفتوى في المورد ، فانه نقل حدسي لا حسي فلا تشمله أدلة الخبر ، وبعد فرض انّ ما يحصله المنقول إليه من أقوال العلماء يعلم انها غير ما نقلت إليه ، وإلاّ لم يحصل له العلم بقول الإمام عليه‌السلام بضم ما حصله إلى المنقول لاحتماله وحدتهما ـ : ان ما يكون مشمولا لأدلة الخبر هو الإخبار عن الحكم أو الموضوع ذي الحكم ، اما الاخبار عما ليس بحكم وليس بموضوع ذي حكم فلا تشمله أدلة الخبر لعدم الأثر العملي.

وما نحن فيه من هذا القبيل ، فان الاخبار عن إجماع العلماء ليس إخبارا عن حكم ـ كما هو واضح ـ ولا اخبارا عن موضوع لحكم شرعي ، إذ الحكم الشرعي ورأي الإمام عليه‌السلام لا يترتب على الإجماع ، وانما يتحقق العلم به بطريق الملازمة العقلية أو غيرها عند العلم بالإجماع ، فجعل الحجية لنقل الإجماع لغو ، إذ لا يترتب الأثر على حجية النقل.

وقد أجاب في الكفاية عن هذا الإشكال : بان نقل الإجماع كنقل خصوصيات السائل من مكانه وزمانه التي يوجب اختلافها اختلاف المستفاد من الكلام ، فحين يقال ان السائل عن مقدار الكرّ بالأرطال مدني يحمل الرطل الوارد في النص على الرطل المدني في قبال الرطل العراقي ، ونحو ذلك ، فكما لا يتوقف أحد في حجية مثل هذه الاخبار مع انها ليست إخبارا عن حكم ولا موضوع حكم وانما عن خصوصية تكون دخيلة في معرفة خصوصية الحكم (١).

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٢٩٠ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٢٤٠