منتقى الأصول - ج ٤

السيد عبد الصاحب الحكيم

منتقى الأصول - ج ٤

المؤلف:

السيد عبد الصاحب الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٩

الثالثة : ان مرتبة الحكم الظاهري محفوظة في موارد العلم الإجمالي ، إذ كل من الطرفين مشكوك الحكم ومجهوله ، فيكون موردا للأمارة وموضوعا للأصل.

ومن هنا تظهر نكتة التعبير بالمرتبة لا الموضوع ، إذ الجهل ليس موضوعا للأمارة ـ كما يقال ـ ، وانما هو مورد لها ولوحظ فيها بنحو الموردية لا الموضوعية ، فمقصوده بانحفاظ المرتبة ثبوت محله ومقامه أعم من الموضوع والمورد.

وبهذه المقدمات تعرف ما ذهب إليه صاحب الكفاية من عدم كون العلم الإجمالي علة تامة للتنجيز ، إذ مع شمول دليل الأصل للطرفين وثبوت حكم الأصل الظاهري ـ كما هو مقتضى المقدمة الثالثة ـ لا يكون الحكم الواقعي المعلوم تام الفعلية ـ كما هو مقتضى المقدمة الثانية ـ وعليه فلا يكون العلم به منجزا ـ كما هو مقتضى المقدمة الأولى ـ.

نعم ، لو لم يثبت حكم الأصل يرتفع المانع عن فعلية التكليف ، فيكون العلم به منجزا. وهذا هو معنى اقتضائه للتنجز ، فالمراد به انه يكون منجزا لو لم يمنع مانع.

فليس العلم الإجمالي كالشك لا يؤثر في التنجيز أصلا ، إذ يكون مؤثرا فيه بالوجدان مع عدم المانع بحيث تصح مؤاخذة العبد على مخالفة التكليف المعلوم بالإجمال ، وليس هو كالعلم التفصيليّ في كونه علة تامة للتنجيز ، لعدم انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري في مورد العلم التفصيليّ فلا مانع من فعلية التكليف وانحفاظها في مورد العلم الإجمالي فيأتي فيه الكلام السابق.

ولا يخفى عليك ان المقدمة الأولى والمقدمة الثالثة ـ بالمعنى الّذي عرفته ـ لا تقبلان المناقشة ، إذ لا مجال للمناقشة في ان العلم لا يكون منجزا إلاّ إذا تعلق بحكم فعلي وأصل إلى مرحلة البعث والزجر فعلا. ولا للمناقشة في ان كلا من الطرفين مجهول ، وهو مقام الحكم الظاهري.

فإذا كانت هناك مناقشة فلا بد ان تتركز على المقدمة الثانية. ومع تماميتها

١٢١

لا يكون مجال للإشكال فيه ، بل يكون ما أفاده قدس‌سره متينا يتعين الالتزام به.

وغريب من المحقق النائيني ان يكتفي في مقام مناقشة صاحب الكفاية في التعرض إلى ما ذكره من انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري بعد تقريبه : بان العلم في موارد العلم الإجمالي تعلق بالجامع ، وبهذا المقدار لا يمكن جعل الحكم الظاهري على خلافه ، واما كل واحد من الأطراف فهو مجهول الحكم ، والجهل موضوع الحكم الظاهري فيجري الأصل في كل واحد من الأطراف.

فذكر في مناقشته ان البحث تارة في تقييد الأحكام الواقعية بالعلم التفصيليّ ، وهو وان كان ممكنا على نحو نتيجة التقييد ، لكنه على خلافه الإجماع لأنه تصويب. وأخرى في جريان الأصول مع بقاء الواقع على واقعه من ان جريان الأصل يستلزم المناقضة كما في الأصول التنزيلية ، أو المخالفة العملية كما في غير الأصول التنزيلية في موارد العلم بالتكليف وكلاهما ممتنع.

ووجه الغرابة : ان مقصود صاحب الكفاية من انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري ما يساوق ثبوت موضوعه ، وهو امر لا إشكال فيه ، انما الكلام في منافاته للحكم الواقعي المعلوم ، وقد عرفت تقريب عدم منافاته. فدعوى مناقضته للأصول بدون نفي الجهة التي اعتمد عليها صاحب الكفاية في نفى المناقضة ليست كما ينبغي.

وأيضا لا وجه لاحتمال ان يريد صاحب الكفاية تقييد الأحكام الواقعية بالعلم التفصيليّ كي يشكل عليه انه تصويب ، بل هو يلتزم بوجود حكم إنشائي يشترك بين العالم والجاهل. نعم فعلية الواقع تتوقف على عدم الأمارة أو الأصل على الخلاف وهو لا ضير فيه ، إذ القدر المتيقن من الإجماع هو الاشتراك في الحكم الإنشائي لا أكثر. وقد عرفت تصوير وجود الحكم الإنشائي في قبال الفعلي.

١٢٢

كما ان من الغريب جدا إغفال المحقق العراقي لمناقشة صاحب الكفاية ، واكتفائه في تقريب منجزية العلم الإجمالي بنحو العلية التامة ، بان الوجدان يقتضي بمناقضة العلم الإجمالي لجريان الأصول في أطرافه وقبح الترخيص في مخالفته ، وهو امر مرتكز يكشف عن العلية التامة للتنجيز بالنسبة إلى العلم الإجمالي (١).

وأنت خبير بان هذا المقدار لا ينفي كلام الكفاية الّذي يرجع إلى نفى فعلية الحكم المعلوم بالإجمال ، وبه ترتفع المناقضة وقبح المخالفة كما قربه في مبحث الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري.

كما يؤاخذ المحقق الأصفهاني على ترديده في مراد صاحب الكفاية من انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري بين احتمالات أربعة :

أحدها : ان يراد ان حكم العقل تعليقي معلق على عدم المؤمّن في الأطراف ، فمع ثبوته يرتفع موضوع حكم العقل.

ثانيها : ان يراد تقييد الحكم الواقعي بالعلم التفصيليّ.

ثالثها : ان يراد ان غرض المولى من متعلق التكليف بنحو لو وصل من باب الاتفاق كان منجزا على المكلف

ولزم عليه تحصيله ، فلا ينافيه جعل الحكم الظاهري وفواته به.

وهذا ينشأ عن كون أحد الإشكالات في جعل الحكم الظاهري هو منافاته لغرض المولى الملزوم لتفويته به ، فيلزم من جعله نقض الغرض. فيجاب : انه انما يلزم نقض الغرض لو كان ملزما بحد يبعث المولى إلى إيصاله إلى المكلف ولو بجعل الاحتياط. اما لو كان بحد لو وصل من باب الاتفاق لتنجز وكان على المكلف تحصيله فلا يكون جعل الحكم الظاهري مع عدم وصوله اتفاقا نقضا

__________________

(١) البروجردي الشيخ محمد تقي. نهاية الأفكار ٣ ـ ٤٦ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

١٢٣

للغرض.

رابعها : ما ذكرناه من التوجيه من ان موضوع الحكم الظاهري يتحقق والحكم الواقعي لا يكون فعليا من جميع الجهات بل من جهة دون أخرى (١).

وجه المؤاخذة : انه لا موهم في عبارة الكفاية في كون المراد من انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري هو تعليقة حكم العقل بالمنجزية ، أو تقييد الأحكام بالعلم التفصيليّ ، أو ان غرض المولى بنحو خاص لا ينافيه جعل الحكم الظاهري ، فليس نظره إلى إمكان جعل الحكم الظاهري ثبوتا ، بل نظره إلى ثبوت موضوعه المأخوذ في لسان أدلته ، وبثبوته لإطلاق دليله نستكشف عدم فعلية الواقع التامة على ما بينّاه.

وقد ناقشه المحقق الأصفهاني بما التزم به من ان الحكم الفعلي من قبل المولى هو الإنشاء بداعي جعل الداعي ، وهو يتنجز بالوصول ، وقد تحقق بالعلم الإجمالي ، والمفروض وجود الإنشاء بداعي جعل الداعي فالحكم الواقعي فعلي تام الفعلية. ولكن تقدم مناقشة هذا المبنى ، وتصوير الحكم الفعلي غير ما ذكره.

وقد تعرض قدس‌سره إلى مناقشة الاحتمالات الأخرى ، ولا يهمنا ذلك بعد عدم ارتباطها بالبحث.

وعلى أي حال : فتمامية كلام صاحب الكفاية تدور مدار ما سيأتي تحقيقه في مبحث الجمع بين الأحكام الظاهرية والواقعية ، فان انحصر طريق الجمع بما التزم به صاحب الكفاية أو بما يشاركه في نفي فعلية الواقع كان ما ذكره هنا تاما لا شبهة فيه لتمامية مقدماته كلها ، وان لم ينحصر طريق الجمع بذلك ، بل أمكن الالتزام بفعلية الواقع مع الحكم الظاهري لم يتم ما ذكره لحكم العقل بتنجز المعلوم بالإجمال لكونه فعليا فلا يمكن جعل الأصول في أطرافه. فانتظر.

__________________

(١) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ٢ ـ ٣٣ ـ الطبعة الأولى.

١٢٤

ثم ان صاحب الكفاية تعرض لما التزم به الشيخ قدس‌سره من ان العلم الإجمالي علة تامة لحرمة المخالفة القطعية ومقتض بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية. فذكر انه ضعيف جدا ، لأن ملاك كون العلم الإجمالي علة تامة لحرمة المخالفة القطعية ، وعدم جريان الأصول في الأطراف ، هو استلزام الإذن في الأطراف القطع باجتماع الضدين وهو محال.

ولا يخفى ان الإذن في بعض الأطراف يستلزم احتمال اجتماع الضدين لاحتمال تعلق الحكم المعلوم بالطرف المرخّص فيه ، واحتمال اجتماع الضدين محال كالقطع به (١).

اذن فالالتزام بأنه علة تامة لحرمة المخالفة القطعية ملازم للالتزام بأنه علة تامة بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية.

نعم ، مع الالتزام بأنه بنحو الاقتضاء بالنسبة إلى كليهما يمكن ان يلتزم بثبوت المانع بالنسبة إلى تأثيره في وجوب الموافقة القطعية ، وعدم ثبوته بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية ، إذ لا تلازم في ثبوت المانع وعدمه بين الجهتين.

أقول : ان كان محذور المخالفة القطعية هو اجتماع الضدين كان ما ذكره قدس‌سره من التلازم بين الجهتين في العلية التامة تاما ، لاستلزام تجويز المخالفة القطعية القطع باجتماع الضدين وتجويز المخالفة الاحتمالية احتمال اجتماع الضدين.

واما إذا كان المحذور ليس ذلك ، بل هو استلزام تجويز المخالفة القطعية الترخيص في المعصية ، بمعنى المخالفة المعلومة الّذي هو قبيح عقلا فلا تلازم ، إذ ليس في جواز المخالفة الاحتمالية ترخيص في المخالفة المعلومة لعدم العلم

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٢٧٣ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

١٢٥

بالمخالفة.

ولم يثبت ان التزام الشيخ بحرمة المخالفة القطعية من جهة محذور تضاد الأحكام ، بل يظهر منه انه من جهة انه ترخيص في المعصية وهو قبيح عقلا ، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك مفصلا.

ثم انه قدس‌سره ذكر بعد ذلك : ان المناسب للمقام البحث عن تأثير العلم الإجمالي في التنجيز ومقدار تأثيره ، لأن ذلك من شئون العلم وآثاره ، والمناسب في باب البراءة والاشتغال ـ بعد الفراغ عن ان تأثيره بنحو الاقتضاء ـ هو البحث عن ثبوت المانع من التأثير شرعا أو عقلا ، لأن ذلك من شئون الجهل وآثاره. ولا مجال للبحث عن المانع هناك بعد الالتزام ان تأثيره بنحو العلية التامة ، إذ لا يتصور وجود المانع عنه. كما لا يخفى.

أقول : مقتضى ما ذكره ان البحث في مسألة الاشتغال بناء على الالتزام بان تأثير العلم الإجمالي بنحو الاقتضاء ينحصر في ان دليل الأصول هل يشمل مورد العلم الإجمالي أو لا؟. ويقع البحث في ذلك بلحاظ دعوى ان شموله لأطرافه يستلزم المناقضة بين الصدر والذيل ـ كما ذكره الشيخ رحمه‌الله ـ.

ومع الالتزام بشمولها ـ كما ذهب إليه صاحب الكفاية ـ يتعين الالتزام بالأصل في مورد العلم الإجمالي لإطلاق دليله.

ولا يخفى ان ذلك يوجب تقليل أهمية مبحث الاشتغال إلى حد كبير ، لأن هذه الجهة مختصرة ، ويبحث عنها استطرادا.

وعلى كل حال فيما ذكره بالنسبة إلى مبناه لا محيص عنه.

واما بناء على الالتزام بأنه علة تامة ، فحيث عرفت انه يمكن التفكيك في ذلك بين الموافقة القطعية والمخالفة القطعية ، فنقول : انه إذا التزم بأنه علة تامة للمخالفة القطعية ، يمكن ان يقع البحث في ان مقتضى ذلك عدم إمكان جريان الأصل في كلا الطرفين وان العلم الإجمالي ينافي الأصل في كليهما ـ فتكون

١٢٦

نتيجته وجوب الموافقة القطعية ـ ، أو انه ينافي الأصل في أحدهما. وبتعبير آخر ينافى مجموع الأصلين لا كلا منهما ، فلا يمتنع جريان أحدهما ، ونتيجته عدم وجوب الموافقة القطعية.

وهذا البحث يوكل إلى مبحث الشك لأنه يرتبط به ، وبما هو مفاد دليل الأصل ومقدار منافاته.

فما فرعه قدس‌سره على هذا المبنى ممنوع على إطلاقه.

وللمحقق الأصفهاني كلام طويل يدور حول صحة إطلاق المقتضي على العلم الإجمالي ، ويمكننا ان نقول ان على طوله يدور حول مناقشة اصطلاحية لا واقعية فطالعه تعرف الله سبحانه هو المسدد للصواب (١).

هذا تمام الكلام في المقام الأول.

واما المقام الثاني : فهو في البحث عن كفاية الامتثال الإجمالي. والكلام تارة في التوصليات. وأخرى في العبادات.

اما التوصليات : فلا إشكال في كفاية الامتثال الإجمالي فيها ، لعدم تصور محذور فيه مما يتأتى في العبادات كما سيجيء ، فان الغرض من التوصلي يحصل بالإتيان بمتعلقه بأي كيفية وبأي نحو.

واما العبادات : فالكلام فيها في مقامين :

الأول : فيما يستلزم التكرار كتردد امر الصلاة الواجبة بين القصر والتمام.

ويقع الكلام فيه : تارة فيما يتمكن من العلم التفصيليّ بالواجب.

وأخرى : فيما يتمكن من الظن التفصيليّ المعتبر. وثالثة : فيما لا يتمكن من أحدهما.

اما مع التمكن من العلم التفصيليّ : فقد ذهب الأكثر إلى عدم جواز

__________________

(١) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ٢ ـ ٣٥ ـ الطبعة الأولى.

١٢٧

الاحتياط المستلزم للتكرار. وتابعهم على ذلك الشيخ والمحقق النائيني (١).

وقد استدل لعدم اجزائه بفقدانه لقصد الوجه وقصد التمييز المعتبرين في العبادة. وهما وجهان غير صحيحين لما تقرر في محله من عدم اعتبارهما تمسكا بأصالة البراءة أو بالإطلاق المقامي.

وهناك وجهان آخران استدل بهما على عدم الاجزاء.

أحدهما : ما ذكره الشيخ ـ في مبحث شرائط الأصول ـ من ان التكرار عبث بأمر المولى فينافي العبادية (٢). وردّه صاحب الكفاية : بأنه يمكن ان يكون التكرار لداع عقلائي كما إذا كان أسهل من الفحص وتحصيل العلم. مع انه ليس لعبا بأمر المولى ، بل في كيفية إطاعته ولا ضرر فيه (٣).

ثانيهما : ما ذكره المحقق النائيني قدس‌سره : من ان مرتبة الامتثال التفصيليّ مقدمة بحكم العقل على مرتبة الامتثال الإجمالي ، فالاندفاع والانبعاث إذا أمكن ان يكون عن نفس الأمر فهو مقدم على الانبعاث عن احتمال الأمر ـ كما هو الحال في مورد الامتثال الإجمالي ـ ، وقد استدل على ذلك بان مرتبة العين أسبق من مرتبة الأثر.

وقد أطال قدس‌سره الكلام في تعداد مراتب الامتثال وتقديم أحدها على الآخر ، وليس ذكره ضروريا فيما نحن فيه (٤).

والتحقيق : ان ما ذهب إليه القوم من عدم كفاية الامتثال الإجمالي المستلزم للتكرار حق لا محيص عنه. لكن نختلف في تقريبه مع ما ذكر له من التقريبات.

__________________

(١) الأنصاري المحقق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول ـ ١٥ ـ الطبعة الأولى.

(٢) الأنصاري المحقق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول ـ ٢٩٩ ـ الطبعة الأولى.

(٣) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٣٧٤ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٤) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم أجود التقريرات ٢ ـ ٤٤ ـ الطبعة الأولى.

١٢٨

وبيانه : ان التقرب يحصل بإتيان العمل بداع مقرب.

ومن الواضح ان الداعي يكون متأخرا بوجوده الخارجي عن العمل ومترتبا عليه ، ولكنه بوجود التصوري العلمي سابق على العمل.

ولأجل ذلك يمتنع ان يؤتي بالعمل بداعي الأمر ، لأن نفس الأمر مما لا يترتب بوجوده الخارجي على العمل ، بل هو سابق عليه.

وانما الصحيح الإتيان بالعمل بداعي امتثال الأمر وتحقق موافقته خارجا ، فانه مما يترتب على العمل ومن الأمور المقربة.

ولا يخفى انه في مورد دوران الواجب بين عملين يحتمل في كل منهما ان يكون هو الواجب يمتنع ان يؤتى بكل منهما بداعي احتمال الأمر ، إذ احتمال الأمر كالعلم به سابق على العمل غير مترتب عليه خارجا فلا يصلح للداعوية ، ولا يمكن الإتيان بكل منهما بداعي تحقق الموافقة ، إذ لا علم بتعلق الأمر به فيستلزم ذلك التشريع المحرم.

نعم أحد الفعلين موافق للأمر قطعا ولكنه لا يعلمه بعينه ، فهو حين يأتي بالفعلين يدعوه داعيا ، أحدهما تحصيل الموافقة والآخر التخلص من تعب تحصيل العلم ـ مثلا ـ.

والأول داع إلهي قربي والآخر غير قربي ـ وان كان عقلائيا ـ.

ومن الواضح ان الداعي الإلهي لا يتعين واقعا لموافق الأمر وغيره لمخالفه ، كي يصدر العمل الواجب عن داع قربي خالص ، بل نسبة الداعيين إلى كل من الفعلين على حد سواء ، بمعنى انه لا تمييز لأحدهما على الآخر في مقام الداعوية ، وعليه فيصدر كل من الفعلين عن داعيين ، أحدهما إلهي ، والآخر دنيوي وهو ينافي المقربية.

ولعل هذا هو مراد الشيخ من ان التكرار عبث ولعب بأمر المولى ، فلا يتجه الإيراد عليه بأنه يمكن ان يكون التكرار لداع عقلائي ، إذ عرفت ان جهة

١٢٩

الإشكال ليس صدور الفعل عن داع لغوي ، بل صدوره عن غير داع إلهي يخل بالمقربية المعتبرة في العبادة.

وهاهنا توهمات لا بد من ذكرها وتفنيدها ليتضح المطلب كاملا :

الأول : دعوى إمكان الإتيان بالعمل بداعي الموافقة الاحتمالية ، فانها تترتب بالوجدان على العمل وليست سابقة عليه ، إذ قبل الإتيان بكل من الفعلين يعلم بعدم تحقق الموافقة ، ومع إتيان أحدهما تتحقق الموافقة احتمالا ويزول العلم بالعدم.

وبالجملة : ترتب الإتيان بالموافق احتمالا على إتيان كل من العملين مما لا ينكر ، فيمكن الإتيان بكل منهما بهذا الداعي ويتحقق التقرب لأنه من مصاديق الانقياد.

ويندفع هذا التوهم : بان الداعي على ما عرفت ما تكون نسبته إلى الفعل نسبة المسبب إلى السبب ، لأنه ما يترتب على الفعل ويتحقق به ، وعليه فما يكون نسبته إلى الفعل نسبة العنوان إلى المعنون أو الطبيعي إلى فرده لا يصلح ان يكون داعيا للفعل ، إذ لا يترتب على الفعل ، بل وجوده بنفس وجود الفعل.

نعم قد يطلق عليه الداعي مسامحة بلحاظ انه معرف للداعي الحقيقي الّذي يكون مسببا عن العمل ، فإكرام زيد الّذي يكون جارا له لا يصلح ان يكون بداعي إكرام جاره لاتحاد وجود إكرام الجار مع وجود إكرام زيد ، ولكنه يعتبر بأنه أكرم زيدا بداعي إكرام جاره ، وهو تعبير مسامحي يلحظ فيه ما يترتب على إكرام الجار من فوائد.

وما نحن فيه من هذا القبيل ، فان إتيان الموافق احتمالا متحد مع المأتي به اتحاد الطبيعي وفرده ، فلا يصلح ان يكون داعيا ، إذ ليس هو مما يترتب عليه وتكون نسبته إليه نسبة المسبب إلى السبب.

فان قلت : ان التعظيم من عناوين الفعل ، ولذا يقال للقيام مثلا انه

١٣٠

تعظيم ، ومن الواضح ان الفعل يؤتي به بداعي التعظيم ، فليس كل ما يكون عنوانا للفعل لا يصلح ان يكون داعيا إليه.

قلت : التعظيم امر اعتباري يتحقق بالفعل الّذي يقصد به تحققه نظير سائر الأمور الاعتبارية.

وعليه ، فهو مسبب عن العمل ومترتب عليه ، ولو لا الاعتبار لم يتحقق التعظيم ، ولذا يختلف ما به التعظيم باختلاف الأنظار.

فان قلت : ان الاندفاع عن الاحتمال عليه سيرة العقلاء في أمور معاشهم وتصرفاتهم ، كما هو ظاهر حال الكاسب الّذي يذهب صباحا إلى دكانه لأجل الربح وبداعي المنفعة المحتملة.

قلت : اندفاع العقلاء في أمورهم لا ينشأ عن داعي المصلحة المعلومة فضلا عن المحتملة ، إذ تحقق الربح والمنفعة وترتبها على الفعل يتوقف على مقدمات غير إرادية للمكلف ، كمجيء المشتري ـ مثلا ـ وإعجابه بالسلعة وغير ذلك ، وانما ينشأ عما هو يترتب على تصرفاتهم ، وهو التهيؤ لتحقق الربح والاستعداد لذلك. فتدبر.

فان قلت : كما انه في مورد العلم بالأمر يؤتى بالعمل بداعي الموافقة القطعية كذلك في موارد الاحتمال يؤتى به بداعي الموافقة الاحتمالية ، ولا يؤتى بداعي إتيان الموافق احتمالا كي يقال انه عنوان للعمل لا مسبب عنه.

قلت : فرق بين الموافقة القطعية والاحتمالية فان الأولى تنتزع عن إتيان ما يوافق المأمور به ، فتكون مسببة عن العمل فتصلح لأن تكون داعيا مقربا. واما الموافقة الاحتمالية فهي ليست مسببة عن إتيان الموافق احتمالا.

الثاني : ان انضمام داع مباح غير قربي إلى الداعي القربي لا يضر في مقربية العمل وصحته عبادة كما هو محرر في الفقه ، فلو جاء بالصلاة في مكان معين بداعي انه أكثر برودة من غيره لم يضر بعبادية الصلاة ، فليكن الحال فيما

١٣١

نحن فيه كذلك.

ويندفع هذا التوهم : بان الموارد التي يلتزم فيها بعدم قدح الضميمة المباحة تختلف عما نحن فيه ، إذ في تلك الموارد توجد جهتان نفس العمل بذاته وتطبيقه على فرد خاص أخذت الطبيعة بالإضافة إليه لا بشرط ، والمكلّف يأتي بالعمل بداع قربي لكنه يأتي بالخصوصية بداع غير قربي وهو لا يضر لتباين الخصوصية عن ذات العمل ، بل لا يمكن الإتيان بالخصوصية بداع قربي بعد أخذ الطبيعة بالنسبة إليها لا بشرط ، إلاّ ان يقوم دليل على استحبابها في نفسها كالصلاة في المسجد فالضميمة المباحة في هذه الموارد لا تدعو إلى نفس العمل ، بل إلى خصوصيته. وليس الحال فيما نحن فيه كذلك ، بل العمل نفسه يؤتى به عن داعيين كما تقدم.

الثالث : دعوى إمكان الإتيان بالمأمور به الواقعي بداعي الموافقة والإطاعة. ببيان : ان كلا من الفعلين يؤتى به بداعي موافقة الأمر على تقدير الأمر به ، فعلى تقدير تعلق الأمر به واقعا يكون قد أتى به بداعي الموافقة ، لأن حصول المقدر عليه يقتضي حصول المقدر. فالواجب الواقعي من بين العملين قد أتي به بقصد الموافقة وهو قصد مقرب كما عرفت.

ويندفع هذا التوهم : بان الإرادة المنجزة المتعلقة بالفعل يمتنع ان تصدر عن مجرد الموافقة على تقدير ، إذ من المحتمل ان لا يتحقق التقدير والحال ان الإرادة حاصلة ، فلا بد ان تتحقق بلحاظ كلا تقديري الفعل ، والداعي يختلف باختلاف التقديرين ، فتكون صادرة عن داعيين على تقديرين ، يعنى : انه يدعو إلى الفعل الموافقة على تقدير تعلق الأمر به والتخلص عن التعب في تحصيل العلم على تقدير عدم تعلق الأمر به ، فيحصل التشريك في مقام الداعوية المستلزم لاختلال العبادية والتقرب.

وخلاصة المحذور الّذي يستلزمه التكرار هو عدم صدور الفعل عن داع

١٣٢

قربي خالص ، بل هو صادر عن داعيين أحدهما قربي والآخر دنيوي. فتدبر.

واما استدلال المحقق النائيني على ما ذهب إليه من ان مرتبة العين متقدمة على مرتبة الأثر ـ الّذي جاء في أجود التقريرات (١) ـ فهو عجيب ، إذ أي ربط للتأخير الرتبي والتقدم الرتبي في العارض والمعروض ، بالنسبة إلى الاكتفاء في مقام الامتثال : الّذي ملاكه حصول المقربية والعبادية؟ ، وهل يمتنع ان يترتب أثر واحد على كل من العارض والمعروض ، بل العلة والمعلول؟ ، بل هل يمتنع ان يترتب الأثر على المعلول دون العلة؟ ، فتأخر الاحتمال عن نفس الأمر رتبة ـ تأخر العارض عن المعروض ـ لا يلازم ـ بتاتا ـ تأخر الانبعاث عن احتمال الأمر عن الانبعاث عن نفس الأمر رتبة وفي مقام الامتثال. ولو اكتفى قدس‌سره بمجرد الدعوى والإحالة على الوجدان كما انتهج في تقريرات الكاظمي كان أفضل وأولى.

ثم ان المحقق الأصفهاني ناقش المحقق النائيني قدس‌سره بوجوه :

منها : ان الإتيان بالعمل بداعي الموافقة الاحتمالية انقياد ، وهو من العناوين المقتضية للحسن ، بحيث لو خليت وطبعها لازمت الحسن ، وواضح ان التمكن من العلم التفصيليّ والموافقة التفصيلية ليس من موانع اقتضاء الانقياد للحسن نظير الضرر المترتب على الصدق (٢).

والإنصاف : ان ما أفاده غير وارد ، وذلك لأن الإتيان بمحتمل الموافقة مع التمكن من الموافقة التفصيلية لا يكون مقربا وانقيادا بنظر المحقق النائيني ، فلا معنى لأخذه مفروغا عنه ، بل هو محل البحث والإشكال ، فالإشكال في صغرى المطلب. فتدبر جيدا والتفت.

__________________

(١) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ٢ ـ ٤٤ ـ الطبعة الأولى.

(٢) الأصفهاني الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ٢ ـ ٤٠ ـ الطبعة الأولى.

١٣٣

ثم ان المحقق النائيني ذكر : في ان مقتضى الأصل مع الشك في اعتبار الامتثال التفصيليّ مع التمكن منه في تحقق الامتثال هو الاحتياط وعدم الاكتفاء بالامتثال الإجمالي (١).

وأورد عليه : بان كان الامتثال التفصيليّ دخيلا في الغرض كان على المولى بيانه لأنه مما يغفل عنه غالبا ، فعدم بيانه دليل على عدم دخالته في الغرض فلا يجب ، وان لم يحتمل دخله في الغرض فلا وجه للاحتياط ، إذ لا يضر عدمه في صحة العمل (٢).

أقول : هذا الإيراد غير متجه ، لأن الشك ليس في اعتباره دخيلا في المأمور به أو الغرض زائدا على سائر الشروط كي ينفي بأصل البراءة أو الإطلاق ، بل الشك في دخالته في حصول التقرب المعتبر ، فان المحقق النائيني حين ذهب إلى اعتباره ذهب إليه من باب انه مع التمكن عنه لا يتحقق الإطاعة المعتبرة في العبادة بدونه ، فالشك في اعتباره يرجع إلى الشك في تحقق الإطاعة المعتبرة بدونه وعدمه ، فالشبهة موضوعية لا حكمية ، ومقتضاها الاحتياط لقاعدة الاشتغال. هذا مع التمكن من العلم التفصيليّ.

فاما مع عدم التمكن منه والتمكن من الظن التفصيليّ ، فالحال فيه كذلك أيضا ، إذ مرجع حجية الظن إلى ترتيب آثار العلم وصحة إسناد المؤدى إلى الله سبحانه وتحقق الامتثال به جزما ، فالعدول عنه إلى الموافقة الإجمالية يلازم التشريك في الداعي في كل من العملين بالبيان المتقدم ، فتختل المقربية المعتبرة في العبادة.

واما مع عدم التمكن من العلم التفصيليّ والظن التفصيليّ ، جاز التكرار ،

__________________

(١) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم أجود التقريرات ٢ ـ ٤٥ ـ الطبعة الأولى.

(٢) الواعظ محمد سرور. مصباح الأصول ٢ ـ ٨٢ ـ الطبعة الأولى.

١٣٤

وذلك لأن الداعي الآخر الّذي يكون داعيا للعمل على التقدير الآخر ، أعني غير الموافقة لا يكون هو التخلص من التعب ، وانما ينحصر في كونه التخلص من تبعة التكليف المعلوم والفرار من العقاب وهذا لا يضر بعبادية العمل كما لا يخفى.

هذا مع انه لو تنزلنا والتزمنا بمنافاة مثل هذا الداعي للعبادية ، فلا بد من الالتزام بالاكتفاء بهذا المقدار من العبادية ، إذ أكثر منه غير مقدور ، فلو اعتبر الخلوص لزم سقوط التكليف لعدم القدرة على امتثاله ، وهو خلف فرض تعلق العلم الإجمالي بالتكليف الفعلي ، فنفس العلم بالتكليف يلازم القطع بالاكتفاء بهذا المقدار في مقام الامتثال وإلاّ لسقط التكليف فالتفت.

هذا كله في المقام الأول وهو ما استلزم الاحتياط التكرار.

واما المقام الثاني : وهو مما لا يستلزم الاحتياط فيه التكرار فله صور ثلاث :

الأولى : الشبهة البدوية واحتمال تعلق التكليف بعمل معين عبادي.

الثانية : دوران الأمر بين الأقل والأكثر.

الثالثة : دوران الجزء بين نحوين ، بحيث يستلزم الاحتياط فيه تكرار الجزء كدوران امر القراءة بين الجهر والإخفات ـ على ما قيل (١) ـ.

اما الصورة الأولى ، فهي كما لو احتمل لزوم الدعاء عند رؤية الهلال بنحو عبادي أو صلاة ركعتين عندها ، وتمكن من تحصيل العلم أو الظن الخاصّ ، ولا يخفى انه بناء على نفي جواز الاحتياط فيه يترتب بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد الّذي ذهب إليه البعض.

__________________

(١) إشارة إلى احتمال انه من موارد تكرار نفس العمل ، لاحتمال مانعية تكرار السورة والفاتحة في العمل الواحد لاستلزامه القرآن ( منه عفي عنه ).

١٣٥

وعلى كل قد ذهب المحقق النائيني إلى عدم جوازه بانيا له على ما أسسه من عدم كفاية الانبعاث عن احتمال الأمر في الإطاعة مع التمكن من الانبعاث عن نفس الأمر ـ كما تقدم (١) ـ.

ولكن عرفت ما فيه وانه قول لا يسنده برهان ولا وجدان.

واما على ما اخترناه من وجه بطلان الاحتياط المستلزم للتكرار ، فلا يتأتى هاهنا.

__________________

(١) الكاظمي الشيخ محمد علي. فوائد الأصول ٢ ـ ٢٧ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

المحقق الخوئي السيد أبو القاسم أجود التقريرات ٢ ـ ٤٤ ـ الطبعة الأولى.

١٣٦

الأمارات

١٣٧
١٣٨

« الكلام في الأمارات المعتبرة شرعا أو عقلا »

وقبل إيقاع الكلام في ذلك لا بد من البحث في جهات عديدة :

الجهة الأولى : من جهات مباحث الأمارات. ذكر صاحب الكفاية ان الأمارة غير العلمية ليست كالقطع في استلزامها الحجية عقلا ، بل ثبوت الحجية لها يحتاج إلى جعل شرعي ، أو طروء بعض الحالات المستلزمة لحجيتها عقلا بناء على الحكومة في نتيجة دليل الانسداد ، فان غير العلم بنظر العقل لا يقتضي الحجية ، وليست الحجية من لوازمه العقلية. وذلك في مقام ثبوت الحكم بالظن مما لا خلاف فيه. واما في مقام الامتثال وسقوط الحكم فقد يظهر من بعض المحققين ـ ويقال : انه المحقق الخوانساري ـ الاكتفاء بالظن بالفراغ.

وقد احتمل صاحب الكفاية ان يكون منشؤه عدم لزوم دفع الضرر المحتمل (١).

وفيه : انه يرد عليه ـ مع غض النّظر عما ورد في الحواشي من الإشكالات ـ

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٢٧٥ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

١٣٩

ان لزوم القطع بالامتثال وتنجز الاحتمال الموهم ليس من باب لزوم دفع الضرر المحتمل كي ينفي بعدم لزوم ذلك وانما هو من جهة تحقق العلم بالتكليف الّذي يستلزم تنجزه ، فلزوم القطع بالامتثال لأجل لزوم العلم بالفراغ من التكليف المعلوم المنجز ، ولزوم رفع احتمال الشغل ليس من جهة تنجزه بنفسه ، بل من جهة تنجز التكليف المعلوم. فلاحظ.

الجهة الثانية : من جهات مباحث الأمارات. في إمكان التعبد بغير العلم ، ويقصد من الإمكان المبحوث عنه هو الإمكان الوقوعي الّذي يرجع إلى نفي استلزام التعبد بالظن المحال في قبال دعوى الامتناع الراجعة إلى دعوى استلزامه المحال ـ كما ستعرف ـ. لا الإمكان الذاتي وهو كون الشيء بحسب ذاته ممكن الوقوع ، في قبال الامتناع الذاتي وهو كون الشيء بحسب ذاته ممتنع الوقوع كاجتماع النقيضين ، إذ لا إشكال في عدم كون التعبد بالظن ممتنع التحقق ذاتا وبالنظر إلى نفسه بلا لحاظ مستلزماته.

والبحث في هذه الجهة من ناحيتين :

الناحية الأولى : فيما هو مقتضى الشك في الإمكان ، بمعنى انه إذا لم يقم دليل على الإمكان ولا على الاستحالة وكان كل منهما محتملا فما هو المتبع؟. ذكر الشيخ ان الإمكان أصل لدى العقلاء مع احتمال الامتناع وعدم قيام الدليل عليه ، فانهم يرتبون آثار الممكن على مشكوك الامتناع (١). وناقشه صاحب الكفاية بوجهين :

أحدهما : انه لم يثبت بناء العقلاء على ذلك ، ولو سلم فلا دليل قطعيا يدل على حجية هذا البناء والظني لا ينتفع به إذ الكلام في إمكان حجيته وامتناعها.

ثانيهما : انه إذا دل دليل على وقوع التعبد بالظن فهو دليل على إمكانه

__________________

(١) الأنصاري المحقق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول ـ ٢٤ ـ الطبعة الأولى.

١٤٠