التقيّة في إطارها الفقهي

علي الشملاوي

التقيّة في إطارها الفقهي

المؤلف:

علي الشملاوي


الموضوع : الفقه
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

يترك الفعل رأسا للضرر المتوجه اليه من الآخرين ـ وبالتالي ومن ذلك كله ـ :

يتضح الأمر الأهم الذي أشير اليه في التعريف اللغوي .... بان التقية ـ اسم مصدر ـ للاتقاء ، حيث نعلم بان التقية هي عين الحدث التحفظ عن ضرر الغير ، وهي نفس اظهار الموافقة التي بواسطتها يدفع عن نفسه الضرر.

فالتقية هي إعمال الاتقاء او إعمال الوقاية من الضرر.

ويتضح ذلك ـ اكثر عندما نقارن التقية ـ بهذا المعنى ـ بالوصية حيث ان الوصية ... هي نفس عملية الايصاء التي يقوم بها الانسان ... وهذا ما يذكره العلماء من أنها اسم مصدر ...

فهنا كذلك فان التقية هي نفس عملية الإتقاء من الضرر ، ويتحقق بفعل ما طلب منه او ترك ما هدد لتركه.

وبهذا ... يظهر أن المعنى الاصطلاحي قريب جدا من المعنى اللغوي ... كما يتضح بملاحظة التعريفين ، وملاحظة ما ذكرنا ...

اما الامر الثاني الذي وعدنا بالبحث حوله فسيأتي في نهاية البحث في التقية ليتبين انها نفاق ام إيمان ؟.

٢١
٢٢

|٢|

مصادر تشريع التقية

لقد استدل العلماء على مشروعية التقية من طرق عدة ـ كما هي العادة في اي حكم فرعي ، اولها الكتاب ، ثم السنة ، والاجماع ، والقواعد العامة ...

فلنعرض هذه المصادر بالتفصيل :

١ ـ القرآن الكريم :

يمكن الاستدلال على مشروعية التقية من الكتاب العزيز بعدة آيات :

١ ـ الآية الاولى :

قوله تعالى : [ مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ] (١).

ان هذه الآية من الآيات الواضحة في هذا الموضوع ، وقد استدل جمع من الفقهاء بها على مشروعية التقية وجوازها وذلك بالإضافة الى ماذكره المفسرون من سبب النزول .. فلنذكر ثلة ممن ذكر هذه الآية :

__________________

(١) الآية : ١٠٦ النحل.

٢٣

١ ـ المقداد السيوري :

ذكر في « كنز العرفان في فقه القرآن » مايلي :

[ ( من ) مبتدأ ، و ( فعليهم غضب ) خبره ، وقوله « الا من أكره » مستثنى من قوله « فعليهم غضب من الله » ، وقوله « ولكن من شرح بالكفر صدراً » في المعنى بيان للكفر اي الذين كفروا بالله وهم الذين تطيب به قلوبهم لابإكراه ].

ثم ذكر سبب النزول ـ كما يذكره المفسرون من قصة عمار وابويه ، وقول رسول الله (ص) له ـ فان عادوا فعد لهم بما قلت ...

وبعد ذلك ذكر فوائد ....

وذكر تحت عنوان الفائدة الأولى :

[ دلت الآية الكريمة على جواز التقية في الجملة ] .. (٢)

٢ ـ الحر العاملي :

ذكر في وسائل الشيعة حول هذه الآية في حديث مطول ....

[ فقال له السائل : أرأيت إن اختار القتل دون البراءة ؟ فقال والله ذلك عليه ، وماله الا مامضى عليه عمار بن ياسر حيث اكرهه اهل مكة وقلبه مطمئن بالايمان ، فأنزل الله عز وجل فيه « إلا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان » ، فقال له النبي (ص) عندها : ياعمار ان عادوا فعد ، فقد انزل الله عذرك وأمرك ان تعود إن عادوا ]. (٣)

__________________

(٢) كنز العرفان في فقه القرآن ج ١ ، ص ٣٩٣.

(٣) الحر العاملي ـ وسائل الشيعة ـ ص٤٧٦ ج١١ ح٢، ابواب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

٢٤

وفيه حديث آخر عن الصادق عليه السلام :

[ ما منع ميثم رحمه الله من التقية فوالله فقد علم ان هذه الآية نزلت في عمار واصحابه « الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان » ] (٤).

٣ ـ العلامة الطباطبائي :

ذكر في تفسيره « الميزان في تفسير القرآن » ....

وفيها تعرض لحكم التقية.

ثم اضاف ....

[ وقوله : « الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان » استثناء من عموم الشرط ، والمراد بالاكراه الاجبار على كلمة الكفر والتظاهر به ، فان القلب الاكراه ، والمراد : استثني من أكره على الكفر بعد الايمان فكفر في الظاهر وقلبه مطمئن بالايمان ] (٥).

ثم نقل عن الدر المنثور عدة روايات في مناسبة النزول وفي قصة عمار وجماعة ، وفيها الفاظ واضحة دالة على انها نزلت لمورد التقية ...

الى ان قال : .... [ وأما عمار فقال لهم كلمة اعجبتهم تقية ... ثم خلوا عن بلال وخباب وعمار فلحقوا برسول الله (ص) فاخبروه بالذي ( كان ) من امرهم ، واشتد على الذي كان تكلم به ، فقال رسول الله (ص) كيف كان قلبك حين قلت الذي قلت ؟!.... أكان منشرحاً بالذي قلت ام

__________________

(٤) المصدر السابق ح ٣.

(٢) الطباطبائي : ص ٣٥٤ ج ١٢.

٢٥

لا ؟ ... قال لا ... قال : وانزل الله « الا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان » ] (٦).

وفي حديث آخر ....

[ فقال قوم : كفر عمار ، فقال (ص) كلا ان عمار ملأ ايمانا من قرنه الى قدمه واختلط الايمان بحلمه ودمه ... ] (٧).

وهكذا يجمع المفسرون على انها انما نزلت للتقية ، وسيأتي كثير من الاحاديث في المصدر الثاني ـ السنة ـ.

ب ـ الآية الثانية :

قوله تعالى : [ لاَّ يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ المَصِيرُ ] (٨)

١ ـ قال الطباطبائي :

[ واذا قويت الولاية ـ كما اذا كان من دون المؤمنين ، أوجب ذلك فساد خواص الايمان ، ثم فساد أصله ، ولذلك عقبه بقوله « ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء » ، ثم عقبه ايضا بقوله .. « إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً » فاستثنى التقية ، فان التقية انما توجب صورة الولاية في الظاهر دون حقيقتها ...

ثم قال :

قوله تعالى : إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ... الاتقاء في الاصل : اخذ الوقاية للخوف ، ثم ربما استعمل بمعنى الخوف

__________________

(٦) المصدر السابق ص ٣٥٧.

(٧) المصدر السابق. والطوسي : التبيان في تفسير القرآن ص ٤٢٨ ج ٦ ، والطبرسي ، مجمع البيان ج ٦ ص ٥٩٧.

(٨) الآية ٢٨ آل عمران.

٢٦

استعمالاً للمسبب في مورد السبب ، ولعل التقية في المورد من هذا القبيل ...

الى ان قال ...

وفي الآية دلالة ظاهرة على الرخصة في التقية على ما روي عن أئمة اهل البيت :.

ثم يؤكد هذا المعنى فيقول :

وبالجملة الكتاب والسنة متطابقان في جوازها في الجملة ، والاعتبار العقلي يؤكده ، اذ لابغية للدين ولاهم لشارعه الاظهور الحق وحياته ، وربما يترتب على التقية والمجاراة مع أعداء الدين ومخالفي الحق من حفظ مصلحة الدين وحياة الحق مالايترتب على تركها ] (٩).

وقال في البحث الروائي :

[ الأخبار في مشروعية التقية من طرق أئمة اهل البيت (ع) كثيرة جداً ربما بلغت حد التواتر ، وقد عرفت دلالة الآية عليها دلالة غير قابلة للدفع .. ] (١٠)

٢ ـ المقداد السيوري :

ذكر في كنز العرفان حول هذه الآية وسابقتها مايلي ...

[ دلت الآية الكريمة على جواز التقية في الجملة ، وكذا قوله

__________________

(٩) الطباطبائي ج ٣ ص ١٥٣. ويراجع في ذلك : الطبرسي : مجمع البيان في تفسير القرآن ج ٢ ص ٧٣٠ حيث اكد هنا على دلالة الآية على جواز التقية ، ثم بيّن حكمها. وعقب ذلك بخضوعها للاحكام الخمسة.

(١٠) المصدر السابق ص ١٦٣. والطوسي : التبيان في تفسير القرآن ص ٤٣٤ ج ٢ حيث ذكر تعريف التقية وحكمها فقال : والتقية عندنا واجبة عند الخوف على النفس.

٢٧

تعالى : لاَّ يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ ..... الخ الآية ]. (١١)

٣ ـ البجنوردي :

ذكر في القواعد الفقهية حول هذه الآية وسابقتها مستدلاً بهما ..... واما الكتاب فقوله تعالى ...... فذكر هذه الآية والآية السابقة ... (١٢)

ج ـ الآية الثالثة قوله تعالى :

[ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ ] (١٣)

ذكر الطبأطبائي في تفسير هذه الآية :

[ ظاهر السياق : ان « كم آل فرعون » صفة لرجل ، و « يكتم ايمانه » صفة اخرى ، فكان الرجل من القبط من خاصة فرعون وهم لايعلمون بايمانه لكتمانه اياهم ذلك تقية ] (١٤).

وقال في مبحث روائي :

[ وفي المجمع : قال ابو عبدالله (ع) : التقية ديني ودين آبائي ، ولادين لمن لاتقية له ، والتقية ترس الله في الارض ، لان مؤمن آل فرعون لو اظهر الاسلام ـ الايمان ـ لقتل.

ثم علق على ذلك صاحب الميزان فقال :

__________________

(١١) كنز العرفان ج ١ ص ٣٩٣.

(١٢) البجنوردي ج ٥ ص ٤٤.

(١٣) الآية ٢٨ غافر.

(١٤) الطباطبائي ص ٣٢٨ ج ١٧. والطبرسي : مجمع البيان في تفسير القرآن ج ٨ ص ٨١٠.

٢٨

اقول : الروايات من طرق الشيعة فيها كثيرة ، والآيات تؤيدها ـ ثم ذكر الآيتين السابقتين (١٥).

وورد الحديث عن العسكري (ع) قال : ان ابا طالب كمؤمن آل فرعون يكتم إيمانه ] (١٦).

د ـ الآية الرابعة :

قوله تعالى : [ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى المَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ، إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا ] (١٧).

١ ـ الميزان في تفسي القرآن :

قال :

[ وقوله تعالى : « وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ... » التلطف إعمال اللطف والرفق واظهاره ، فقوله : ولا يشعرن بكم احداً .. عطف تفسيري له ، والمراد على ما يعطيه السياق : ليتكلف اللطف مع اهل المدينة في ذهابه ومجيئه ومعاملته لهم كي لا يقع خصومة او منازعة لتؤدي الى معرفتهم بحالكم واشعارهم بكم ] .. (١٨).

وقال بعد توضيح ـ الظهور ـ في الآية اللاحقة :

__________________

(١٥) المصدر السابق ص ٣٣٨. والطبرسي : مجمع البيان ج ٨ ص ٨١٠.

(١٦) الحر العاملي وسائل الشيعة ص ٤٨١ ج ١١ ح ١٩ ابواب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

(١٧) الآيتين ١٩ ـ ٢٠ الكهف.

(١٨) الطباطبائي ص ٢٦٠ ج ١٣. والطوسي : التبيان في تفسير القرآن ص ٢٤ ج ٧.

٢٩

[ وظاهر السياق ان يكون « يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ » بمعنى يطلعوا عليكم ويعلموا بمكانكم ، فانه اجمع المعاني ، لان القوم كانوا ذوي أيد وقوة وقد هربوا واستخفوا منهم فلو اطلعوا عليهم ظفروا بهم وغلبوا على ما ارادوا ... وقال بعد بيان المراد من « يعيدوكم » :

وكان لازم دخولهم في ملتهم عادة ـ وقد تجاهروا برفضها وسموها شططا من القول وافتراءاً على الله بالكذب ـ ان لايقنع القوم بمجرد اعترافهم بحقية الملة صورة دون ان يثقوا بصدقهم في الاعتراف ويراقبوهم في أعمالهم ، فيشاركوا الناس في عباد الاوثان ، والاتيان بجميع الوظائف الدينية التي لهم والحرمان عن العمل بشيء من شرائع الدين الالهي والتفوه بكلمة الحق ] .. (١٩).

ثم ربط هه الآية بالتقية وبمدلول الآيات الاخرى ، فقال :

[ وهذا كله لابأس به على من اضطر على الاقامة في بلاد الكفر والانحصار بين أهله كالاسير المستضعف بحكم العقل والنقل ، وقد قال تعالى : « إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ » ، وقال تعالى : « إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ... » فله ان يؤمن بقلبه وينكر بلسانه ] .. (٢٠).

٢ ـ وقد ذكر في الوسائل عدة أحاديث في تفسير هذه الآية ، وكونها من التقية.

__________________

(١٩) المصدر السابق ص ٢٦١ ج ١٣. والطبرسي : مجمع البيان في تفسير القرآن ج ٦ ص ٧٠٦.

(٢٠) المصدر السابق ص ٢٦٢ ج ١٣.

٣٠

هذا وان كان موردها المبحث الآتي « السنة » الا انها لما كانت حول تفسير الآية ـ التي نحن بصددها ـ فمن الافضل ان نذكر طرفاً منها :

١ ـ [ عن ابي عبدالله (ع) : ان اصحاب الكهف أسرّوُا الايمان واظهروا الكفر ، وكانوا على اجهار الكفر اعظم اجراً منهم على اسرار الإيمان ] (٢١).

٢ ـ [ عن ابي عبدالله (ع) : مابلغت تقية احد ما بلغت تقية اصحاب الكهف ، انهم كانوا يشدون الزنانير ويشهدون الأعياد فآتاهم الله اجرهم مرتين ] .. (٢٢).

٣ ـ [ عن ابي عبد الله (ع) : ان جبرائيل نزل على النبي (ص) فقال : يامحمد ان ربك يقرؤك السلام ويقول لك ان اصحاب الكهف أسرّوُا الايمان واظهروا الشرك فآتاهم الله اجرهم مرتين ، وان ابا طالب أسرّ الايمان واظهر الشرك فآتاه الله اجره مرتين ، وما خرج من الدنيا حتى أتته البشارة من الله بالجنة ] .. (٢٣).

هذه الآيات التي يمكن أن يستدل بها على تشريع التقية من الكتاب العزيز ... وأرى ان اختم هذه النقطة بكلمة العالم المجدد المدقق الشيخ محمد رضا المظفر ( قدس ) مستدلاً ببعض هذه الآيات على تشريع التقية حيث يقول :

[ قد ورد تشريعها في نفس القرآن الكريم ، ذلك قوله

__________________

(٢١) الحر العاملي ج ١١ ص ٤٨٠ ح ١٦.

(٢٢) المصدر السابق ح ١٥.

(٢٣) المصدر السابق ح ١٧.

٣١

تعالى ... « الا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان » وقد نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر الذي التجأ الى التظاهر بالكفر خوفاً من اعداء الاسلام ، وقوله تعالى « إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً » ، وقوله تعالى : « وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ » ] (٢٤).

٢ ـ السنة :

ذكرت في طيات البحث السابق عدة احاديث ، وهي التي وردت ضمن تفسير الآيات السابقة.

وهناك كثير من الأحاديث تنص على هذا المعنى ، بالاضافة الى انها محور استدلال العلماء على جواز التقية ، وهي كما وصفها العلامة الطباطبائي .. بلغت الى حد التواتر.

وهذه نبذة منها :

ا ـ [ عن ابي عمر الاعجمي : قال : قال لي ابو عبد الله (ع) : يا ابا عمر ان تسعة اعشار الدين في التقية ، ولا دين لمن لا تقية له ] ... (١)

ب ـ [ عن معمر بن خلاد قال : سألت ابا الحسن (ع) عن القيام للولاة ، فقال : قال ابوجعفر (ع) : التقية من ديني ودين آبائي ولاايمان لمن لا تقية له ]. (٢)

ج ـ [ عن عبد الله بن ابي يعفور قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : التقية ترس المؤمن ، والتقية حرز المؤمن ،

__________________

(٢٤) المظفر : عقائد الأمامة ص ٤٣٠.

(١) الحر العاملي : وسائل الشيعة : ج ١١ ص ٤٦٠ ح ٢ باب ٢٤.

(٢) المصدر السابق : ح ٣.

٣٢

ولاايمان لمن لاتقية له ] ... (٣)

د ـ [ عن عبد الله ابن ابي يعفور عن ابي عبدالله (ع) قال : اتقوا على دينكم واحجبوه بالتقية فانه لا ايمان لمن لاتقية له ] ... (٤)

ه‍ ـ [ عن زرارة عن ابي جعفر (ع) قال : التقية في كل ضرورة ، وصاحبها اعلم بها حين تنزل به ]. (٥)

وبلفظه حديث آخر برقم ـ ٨ ـ وليس فيه المقطع الاخير من الحديث السابق.

و ـ [ عن محمد بن مسلم وزرارة قالوا : سمعنا ابا جعفر (ع) يقول : التقية في كل شيء يضطر اليه ابن آدم فقد احله الله له ] ... (٦)

ونكتفي بهذا القدر ونحيل القارىء على مصادر الشيعة ، فانا لو اردنا سرد الاحاديث لطال بنا المقام.

ويراجع في ذلك. وسائل الشيعة الابواب : ٢٤ الى ٣٠ ، وغيرها من الابواب الجزء ١١. من ابواب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقد استدل جملة من العلماء بهذه الاحاديث على تشريع التقية ، وعلى بعض تفريعاتها كالاجزاء في المأتي به تقية كما سيأتي ـ وغيره من التفريعات. (٧)

__________________

(٣) المصدر السابق : ح ٦.

(٤) المصدر السابق : ص ٤٦١ ح ٧.

(٥) المصدر السابق : ص ٤٦٨ ح ١ باب ٢٥.

(٦) المصدر السابق : ص ٤٦٠ باب ٢٤ ح ٣.

(٧) البجنوردي القواعد الفقهية ص ٤٤ ج ٥ والغروي : التنقيح في شرح العروة : ج ٤ ص ٢٤٦ ، ص ٢٥٥.

٣٣

٣ ـ الأجماع .....

لايحتاج الباحث المراجع لمثل هذا البحث ان يتعب نفسه ويتجشم عناء البحث والتنقيب ليحصل على الاجماع ... اذ هي من المسلمات التي لم يقع الاجماع فقط عليها بل قامت السيرة العملية على ذلك.

وممن نص على قيام الاجماع على ذلك صاحب القواعد الفقهية حيث يقول في مورد جوازها ....

[ اقول : لاشك في جوازه بل وجوبه في بعض الاحيان ، وجوازه من القطعيات واليقينيات ... اجماعاً وكتاباً وسنة ]. (٨)

فلا نحتاج على هذا النقل كلمات العلماء الحاكية الاجماع على تشريع هذه المسألة.

٤ ـ القواعد الثانوية :

لقد ذكرنا في تعريف التقية اصطلاحاً تقسيم الحكم الموجه للأنسان الى قسمين بأحد أوجه التقاسيم.

١ ـ احكام اولية :

وهو الحكم المتوجه للأنسان من الشريعة المنصوص عليه بخصوصه ، فاذا توفرت الشروط المعتبرة في هذا القسم من التكليف يتنجز على الانسان.

__________________

(٨) المصدر السابق : وقد ناقش في انطباق الاجماع على المعنى الاصطلاحي. ثم انه نقل غير واحد الاجماع بقوله في جميع الاقوال .. او عند اصحابنا .. كالمفيد : أوائل المقالات ص ١٣٩.

٣٤

٢ ـ واحكام ثانوية :

ويمكن تقسيمها الى قسمين :

ا ـ احكام ثانوية ظاهرية : وهي الاحكام الواردة لحالة الشك عند الانسان ، سواء كان في نفس الحكم او الموضوع ، وهي موارد الاصول العملية ـ كالبراءة والاحتياط والتخيير ، وموارد القواعد الفقهية ـ وموردها الموضوعات الخارجية ، كقاعدة « كل شيء حلال حتى تعلم انه حرام » وكل شيء لك طاهر « وقاعدة التجاوز » ، وغيرها من القواعد ـ كما هو موضح في الكتب الاصولية موسعاً ـ.

ب ـ واحكام ثانوية اضطرارية :

وهي الاحكام الواردة في مقام عجز المكلف عن القيام بالحكم الاولي ، بمعنى عدم تمكنه من الحكم الاولي ، كمن لايستطيع الطهارة بالماء ، او كمن اضطر الى اكل لحم الميتة ، فانه في كلتا الصورتين لايستطيع القيام بالحكم الأولي المتوجه له ، وهو الطهارة المائية او الالتزام بالحرمة.

فتأتي الاحكام الثانوية الاضطرارية لتبين له وظيفته في مثل هذه الحالة. وهذه الاحكام الثانوية ـ الاضطرارية ـ جاءت من باب التوسيع على المكلف.

وقد ذكر العلماء ـ كما نص عليه الكتاب والسنة ـ عدة قواعد استفادوا منها ذلك الحكم الثانوي الاضطراري. كما في قوله تعالى :

[ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ] (١)

__________________

(١) الآية : ٧٨ الحج.

٣٥

وقوله تعالى : [ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ] (٢) وقوله تعالى : [ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ] (٣).

وقوله تعالى : [ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ] (٤).

وكقول الرسول (ص) [ لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ].

وكقوله في الحديث المشهور بحديث الرفع ـ [ رفع عن امتي .... مالايطيقون ... وما اضطروا اليه وما استكرهوا عليه ... ] (٥).

الى غيرها من الروايات ...

فاستخرج العلماء من هذه النصوص عدة قواعد ، وأسموها بقاعدة نفس الضرر .. وقاعدة نفي العسر والحرج ...

ومجرى هذه القواعد في كل مورد لايستطيع الانسان فيه الاتيان بالحكم الاول لعد توفر شرط التكليف فيه ، فينتقل للمرتبة الثانية ـ التكليف الثانوي الاضطراري ـ وهو في رتبة الاول في كون كل منهما تكليفا واقعيا للانسان ـ الا انه في رتبة متأخرة عن الاول ـ بحيث اذا انتفى التمكن من الاول جاء دور الثاني ...

ومقصودنا من هذا كله هو الوصول الى ان التقية داخلة

__________________

(٢) الآية : ١٨٥ البقرة.

(٣) الآية ١١٩ الأنعام.

(٤) الآية ١٧٣ البقرة.

(٥) الحر العاملي : وسائل الشيعة : ج ٥ ص ٣٤٥ الباب ٣٠ ح ٢.

وج ١٦ ص ١٧٣ ـ ١٧٤ ، ح ٦ باب ١٦.

٣٦

في مفهوم الحكم الإضطراري ، ومما ينطبق عليه الحكم الثانوي الاضطراري ...

ولأثبات ذلك نستعين بعدة من الأحاديث في هذا الباب ، وكلمات العلماء في شتى مباحثهم حول التقية ليتضح بذلك الصورة المراد اعطائها للتقية.

مشروعية التقية :

لقد ذكر عدة من العلماء ـ بل كل من تعرض للتقية وبيان حكمها ـ أن المناط في التقية هو حصول الضرر ، وأن الضرر مأخوذ في موضوع التقية.

وقد ذكرت لذلك ايضاً عدة احاديث نذكر جملة منها ، ثم نعقب بكلمات العلماء.

١ ـ الأحاديث :

١ ـ بسنده عن ابي جعفر (ع) قال : [ التقية في كل ضرورة وصاحبها اعلم بها حين تنزل به ] (٦).

٢ ـ بسنده ايضا عن ابي جعفر (ع) قال : [ التقية في كل شيء يضطر اليه ابن آدم فقد احله الله ]. (٧)

٣ ـ بسنده عن ابي عبد الله (ع) في حديث : [ إن المؤمن اذا اظهر الأيمان ثم ظهر منه مايدل على نقضه خرج مما وصَفَ وأظْهَر ، وكان له ناقصاً إلا ان يدعي انه عمل ذلك تقية ، ومع ذلك يُنظر فيه فان كان ليس مما يمكن ان تكون تقية في مثله

__________________

(٦) المصدر السابق : ج ١١ ص ٤٦٨ باب ٢٥ ح ١. ابواب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

(٧) المصدر السابق : ح ٢.

٣٧

لم يقبل منه ذلك ، لان للتقية مواضع من ازالها عن مواضعها لم تستقم ، وتفسير ما يتقي : مثل ان يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحق وفعله ، فكل شيء يعمل الانسان المؤمن لمكان التقية مما لا يؤدي الى الفساد في الدين فانه جائز ] .. (٨)

٢ ـ كلمات العلماء :

ا ـ [ اما التقية بالمعنى الأعم فهي في الأصل محكومة بالجواز والحلية ، وذلك لقاعدة « نفي الضرر » ، ورفع ما اضطروا اليه ، وما ورد من انه : ما من محرم إلا وقد احله الله في مورد الاضطرار .. ] (٩).

ب ـ [ لأن الدليل على مشروعية التقية :

اما قاعدة الضرر او الحرج ... ومعلوم ان كون امتثال الواجب موجباً للضرر او الحرج لافرق بين ان يكون الضرر من ناحية المخالفين .. ] (١٠).

ج ـ [ نعم لابد في صدق التقية في الأمر بها ، وهو ان يكون اتيان الواجب الواقعي الاولي مظنة للضرر ... بحيث يخاف على نفسه او ماله او عرضه ، وذلك لعدم تحقق موضوع الامر بها بدونه .. ] (١١).

د ـ [ نعم تختص مشروعية التقية بصورة خوف الضرر

__________________

(٨) المصدر السابق : ص ٤٦٩ ، ح ٦.

(٩) الغروي : التنقيح في شرح العروة : ج ٤ ص ٢٥٤.

(١٠) البجنوردي : القواعد الفقهية : ج ٥ ص ٦٤.

(١١) المصدر السابق : ص ٥٩.

٣٨

على نفسه او ماله او نفس غيره او ماله .... ] (١٢).

ه‍ ـ [ ثم الواجب منها يبيح كل محضور من فعل الحرام وترك الواجب ، والاصل في ذلك ادلة نفي الضرر ، وحديث : رفع عن امتي تسعة اشياء ومنها ـ ما اضطروا اليه ] (١٣).

و ـ [ وقد أخذ في موضوعها خوف الضرر ، ومع العلم بعدم ترتب الضرر على تركها لايتحقق موضوع للتقية .... ] (١٤).

هذه جملة من كلمات فطاحل العلماء ، ولو اردنا تتبع ذلك لخرجنا عن هذا الموضوع ...

__________________

(١٢) الحكيم : مستمسك العروة الثقى ج ٢ ص ٤٠٦. والمفيد : أوائل المقالات ص : ١٣٧ ، ١٣٩. والطوسي التبيان ح ٢ ص ٤٣٤ ، ٤٣٥.

(١٣) الانصاري : رسالة في التقية مطبوعة ضمن كتاب المكاسب حجري ص ٣٢٠.

(١٤) الغروي : التنقيح في شرح العروة الوثقى ج ٤ ص ٢٥٧.

ثم ان التفصيل الذي جاء به فيما سبق ص ٢٥٤. بين التقية بالمعنى الاعم = التقية من الكفار وغيرهم ، وبين التقية بالمعنى الاخص = تقية الشيعة من غيرهم من المسلمين ، والتفريق بينهما في الحكم ، ولا اظنه الا تنويعا في البحث ، لوحدة المناط في تشريعهما وكذلك ما نراه من نصوص الائمة التي استدل فيها بالمشابهة او المقارنة .. كما في ما منع ميثم ..

٣٩

|٣|

بحوث متفرقة

هذا وقد كان من المناسب هنا ـ باعتبار اننا نبحث عن ـ ادلة مشروعية التقية ـ باعتبار خضوعها للقواعد الثانوية ـ كان من المناسب ان نقف عند هذا الحد لاثبات ذلك ، ولكن لما كان هناك بحوث أُخرى قد بحثوها وهي تؤيد مانحن بصدد اثباته ـ من ان المناط فيها هو ـ الضرر ـ ، وأنها من مصاديق القواعد الثانوية ـ رأينا ان نستطرد الموارد الاخرى المبحوث عندهم الدالة على ذلك ..... وهذه بعضها :

١ ـ هل يجزىء العمل ـ تقية ـ ام لا ؟

لقد بحث العلماء تحت هذا العنوان ـ كما هي عادتهم ـ بحثاً موسعاً خاضعا لطرقهم في الاستدلال ، ونحن هنا نورد مقدمة في معنى الاجزاء ، ثم ننقل بعض كلماتهم في ذلك ...

معنى الاجزاء :

ان الانسان اذا اتى بما أُمر به ـ على الوجه المطلوب منه ، وبصورته التي أمر بها ـ كالصلاة مثلا ـ بجميع اجزائها فان المولى الآمر لا يطلب غيره ، ومعناه ان هذا العمل قد أجزأ فلا يطلب منه عملاً آخر.

وهذا المعنى في جميع العبادات المأمور بها من الشارع ... وهو أمر عقلي ـ كما يقولون ـ اذ ان مراد الآمر هو

٤٠