منتقى الأصول - ج ٣

السيد عبد الصاحب الحكيم

منتقى الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيد عبد الصاحب الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠

يكون الخاصّ المتقدم منافيا للعام إلاّ إذا فرض ثبوت حكمه في وقت العام ، وهذا انما يكون على مبناه بالاستصحاب ، وإذا كان ثبوت حكم الخاصّ في وقت ورود العام بالاستصحاب لم يصلح لمناهضة أصالة العموم كما لا يخفى ، فانه مما لا يتوهمه فاضل. فما أفاده قدس‌سره عجيب منه.

كما ان ما أفاده صاحب الكفاية من أقوائية الظهور الإطلاقي من ظهور العموم ، يرد عليه :

أولا : انه انما ينفع في إثبات التخصيص بالنسبة إلى الخاصّ المتقدم لا المتأخر ، وذلك لوجود ظهور إطلاقي في الاستمرار يتكفله الخاصّ ، وظهور وضعي في العموم يتكفله العام.

وهذا غير متوفر في صورة تأخر الخاصّ ، لأن ورود الخاصّ المتأخر موجب لانتفاء الإطلاق جزما ، سواء لوحظ بالإضافة إلى ما بعد ورود الخاصّ كما هو واضح ، أو لوحظ بالإضافة إلى حين وروده من حين ورود العام ، لأنه اما ان يكون مخصصا فلا استمرار لعدم موضوعه أو ناسخا. وإذا تبين عدم الإطلاق المتكفل للاستمرار فلا دوران بين أصالة العموم وأصالة الإطلاق ، بل القاعدة تقضي بجريان أصالة العموم لعدم المعارض.

وثانيا : ـ أشار إلى هذا الإيراد بنحو الإجمال المحقق العراقي في مقالاته (١) ـ ان كثرة التخصيص وندرة النسخ متأخرة عن زمان ورود الخاصّ ، بمعنى انه لم تكن ثابتة قبل ورود الخصوصيات بالنحو المزبور ، بل هي ناشئة عن الالتزام بالتخصيص دون النسخ في الخصوصيات المزبورة ، فلو التزم بالنسخ كان الأمر بالعكس.

وعليه ، فلا بد من بيان علة الالتزام بالتخصيص دون النسخ من أول

__________________

(١) العراقي المحقق الشيخ ضياء الدين. مقالات الأصول ١ ـ ١٦٢ ـ الطبعة الأولى.

٤٠١

الأمر وقبل تحقق الاشتهار المزبور ، ولم يثبت في وجهه ما يستلزم أقوائية أحد الظهورين على الآخر ، إذ لعل الالتزام بالتخصيص من جهة الالتزام بانقطاع النسخ وبيانه بموت الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وعدم معقوليته حتى بنحو البيان من الأئمّة عليهم‌السلام ، أو من جهة لزوم تذبذب الأحكام والشريعة لو التزم بالنسخ في هذه الخصوصيات جميعها. وهذا المعنى لا يستلزم قوة الظهور كما لا يخفى.

وقد ذهب المحقق الأصفهاني قدس‌سره إلى عدم احتمال النسخ ببيان : ان كلام الأئمة عليهم‌السلام كله بمنزلة كلام واحد ، لأنه بيان لحكم الله الواقعي الثابت من أول الأمر لا انه تشريع فعلي للحكم. وعليه فلا تأخر ولا تقدم ، بل الكل بمنزلة المقارن ، فيتعين الخاصّ للتخصيص ولا يحتمل النسخ حينئذ (١).

ويتوجه عليه : ان الأمر وان كان كذلك ، فبيانهم عليهم‌السلام يكشف عن سبق جعل الحكم ، لكن إثبات كون المجعول سابقا يحتاج إلى دليل ، إذ يحتمل ان يكون ابتداء الحكم من حين بيان المعصوم عليه‌السلام وان كان جعله سابقا ، ولا طريق إلى جرّ الحكم إلى السابق وإثبات تحققه من أول الأمر سوى الإطلاق.

وعليه ، يدور الأمر بين التصرف بأصالة العموم أو رفع اليد عن الإطلاق ، إذ لو لا الإطلاق لا تعارض ، فالدال على الحكم المنافي للعام هو الإطلاق فيتعارضان ، فاحتمال النسخ ثابت كما لا يخفى.

وخلاصة الكلام : ان ما ذكره الاعلام الثلاثة قدس‌سرهم لم يوصلنا إلى حل سليم في المقام.

والتحقيق ان يقال : انه إذا التزم بامتناع النسخ في زمن الأئمة ( صلوات الله عليهم ) لانتهائه في زمن الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى بنحو البيان ، لم يكن لاحتمال

__________________

(١) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ٣ ـ ٢٩٤ ـ من هوامش الجزء الأول ـ الطبعة الأولى.

٤٠٢

النسخ مجال حينئذ فيتعين الخاصّ للتخصيص ، وان التزم بإمكان النسخ في زمانهم عليهم‌السلام ، اما لإمكان تشريعهم الأحكام ابتداء ، أو لأجل بيانهم النسخ الثابت من السابق ، كان احتمال النسخ في كل خاص ثابتا. لكن الالتزام بالنسخ في هذه المخصصات الكثيرة ممتنع لملازمته للالتزام بتذبذب الشريعة وعدم استقرارها بهذا النحو الغريب الّذي يلازم السخرية والهزو لو كان صادرا في القوانين العرفية المبنية على الجهل بالواقع فضلا عن المولى الشرعي.

وعليه ، فلا يدور الأمر بين النسخ والتخصيص في هذه المخصصات الواردة بالبيان المتعارف ، نعم قد يدور الأمر بينهما في حكم خاص بيّن بنحو يتلاءم مع النسخ والتخصيص. وعليه فيتعين الالتزام بالتخصيص في هذه المخصصات.

ولكن في التخصيص بالخاص المتأخر محذور تقدمت الإشارة إليه وهو : استلزامه تأخير البيان عن وقت العمل بيان ذلك : ان الدليل اما يتكفل إنشاء الحكم فعلا بوجوب العمل أو بالترخيص فيه فيما سبق من الأزمنة. أو يتكفل بيان ثبوته من السابق.

والأول ، لغو محض ، إذ لا يترتب عليه ما يلحظ في التكليف من البعث أو إطلاق العنان لتصرم الزمان ومضيه ، فلا معنى لإيجاب شيء في الأمس أو الترخيص فيه.

والثاني : ممتنع أيضا ، إذ جعل الحكم في السابق مع الجهل به وعدم إمكان الجري على طبقه بوجه من الوجوه ، لقيام الحجة على خلافه ، وهي أصالة العموم الدالة على الحكم الإلزامي المنافي له ، يكون لغوا قبيحا كما هو واضح.

وغاية ما نقوله في رفع المحذور المذكور هو : ان البداهة والضرورة الفقهية قامت على عدم اختلاف الموضوع الواحد في الحكم في زمانين لا وحدة الحكم فيهما ـ نظير المتلازمين ـ.

٤٠٣

وعليه ، فالدليل الخاصّ الدال على ثبوت الحكم في مورد فعلا يدل بالملازمة على نفي غيره عنه في الزمان السابق ، فينافي الدليل العام الدال على ثبوت غيره له سابقا ، فإذا قدم الخاصّ لأقوائيته كان كاشفا عن عدم شمول العام لموضوعه من الأول. فالتنافي بين العام والمخصص بدلالته الالتزامية. فتدبر جيدا.

ثم ان صاحب الكفاية أوقع الكلام بعد ذلك في حقيقة النسخ والبداء (١). وتبعه غيره في ذلك ، ولكن رأينا الأولى عدم التعرض لذلك ، لعدم دخالته في علم الأصول ، وعدم القناعة بما ذكر له من الحلول ، فنوكل علمه إلى أهله فان إثبات الشبهات غير محمود.

انتهى مبحث العام والخاصّ ، ويتلوه مبحث المطلق والمقيد.

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٢٣٨ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٤٠٤

المطلق والمقيد

٤٠٥

٤٠٦

المطلق والمقيد

عرف المطلق : بما دل على شائع في جنسه ، وقد أورد عليه : بعدم الاطراد وعدم الانعكاس.

وقد ذكر صاحب الكفاية ـ كما عادته في كل تعريف ـ ان هذه الإيرادات لا وجه لها ، لأن التعريف يقصد به شرح الاسم لا بيان الحد أو الرسم (١).

ولا يخفى انه لا أثر لذلك فالمتعين إهمال البحث فيه وإيقاع البحث في الألفاظ المعدودة من المطلق ونحوها وتعيين الموضوع له فيها.

وهي موارد :

الأول : اسم الجنس ، سواء كان اسما للجوهر كإنسان ورجل وفرس وحيوان. أو للعرض سواء كان متأصلا ، كسواد وبياض. أو انتزاعيا ، كالملك ونحوه. وعبّر صاحب الكفاية عن اسم الجنس للعرض الانتزاعي بالعرضي (٢) ، كما عبر عنه بذلك في باب المشتق (٣) وأورد عليه هنا كما أورد عليه هناك : بأنه

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٢٤٣ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٢) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٢٤٣ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٣) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٤٠ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٤٠٧

خلاف اصطلاح أهل الفن ، فانهم يصطلحون بالعرضي على العنوان الاشتقاقي ، وبالعرض على المبدأ أعمّ من كونه انتزاعيا أو غيره.

وهذا ليس بمهم فيما نحن فيه ، وانما المهم تحقيق الموضوع له اسم الجنس ، والمنسوب إلى المشهور كونه موضوعا للطبيعة الملحوظ معها عدم لحاظ شيء ، المعبر عنها في الاصطلاح بالماهية لا بشرط القسمي. واختار صاحب الكفاية كونها موضوعة للماهية المبهمة المهملة بلا شرط أصلا حتى لحاظ انها كذلك ، ثم قال : « وبالجملة : الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى وصرف المفهوم ، الغير الملحوظ معه شيء أصلا الّذي هو المعنى بشرط شيء ، ولو كان ذلك الشيء هو الإرسال والعموم البدلي. ولا الملحوظ معه عدم لحاظ شيء معه ، الّذي هو الماهية اللابشرط القسمي » ، واستدل على نفي وضعه للماهية بشرط الإرسال ، انه لو كان كذلك لم يصدق على كل فرد من الافراد في نفسه مع وضوح صدقه عليه بما له المعنى بلا عناية. كما استدل على نفي وضعه للماهية بنحو اللابشرط القسمي ، بان المفهوم اللابشرط القسمي موجود ذهني لتقيده باللحاظ ، فيمتنع صدقه على الفرد الخارجي إلاّ بالتجريد ، مع انّه يصدق عليه بلا مسامحة وعناية (١).

وقد تعرض المحقق الأصفهاني إلى بيان اعتبارات الماهية ، وانها تارة : يكون النّظر مقصورا فيها على ذاتها وذاتياتها من دون لحاظ أي امر خارج عنها معها ، وهي المعبر عنها بالماهية بما هي هي ، التي لا يحمل عليها الوجود والعدم وغير ذلك ، بل هي ليست إلاّ هي. وأخرى : تلاحظ بالإضافة إلى امر خارج عن ذاتها وذاتياتها ، وهي بهذا الاعتبار تارة : تقيد بوجود ذلك الأمر الخارجي. وأخرى : تقيد بعدمه. وثالثة : لا تقيد بأحدهما ، ويعبر عنها بالماهية اللابشرط

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٢٤٣ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٤٠٨

القسمي. ويعبر عن الثاني بالماهية بشرط لا. وعن الأول بالماهية بشرط شيء. كما يعبر عن المعنى الجامع لهذه الاعتبارات الثلاثة الّذي لا تعين له بدون أحدها باللابشرط المقسمي ، فاللابشرط المقسمي غير الماهية المبهمة وبما هي هي (١) ، كما تعرض المحقق النائيني إلى تقسيم البشرطلا إلى قسمين (٢).

ولا يخفى ان التعرض إلى هذه التقسيمات ، وبيان المصطلح على كل منها ، والإيراد والنقض في صحة إطلاق بعض المصطلحات على بعض هذه الاعتبارات ، امر لا يرتبط بما نحن فيه ، وما نرومه ، فان الّذي نحاول البحث فيه وتحقيقه جهتان :

الأولى : بيان الموضوع له اسم الجنس ، وانه هل الماهية اللابشرط القسمي أو لا؟ والأثر فيه ، انه إذا كان الموضوع له هو الماهية اللابشرط القسمي ، فلو وقع موضوعا للحكم يستفاد عموم الحكم لجميع الافراد من الوضع لا بالقرينة ، بخلاف ما لو لم يكن موضوعا لها فانه يستفاد العموم من القرينة.

والثانية : بيان ان حقيقة اللابشرط القسمي وواقعه هو رفض القيود أو الجمع بينها ، فقد تكرر هذا الحديث منا تبعا للمحقق الأصفهانيّ من دون تحقيق الحال فيه.

ومن الواضح ان معرفة كل من الأمرين لا تتوقف على التقيد بمصطلحات اعتبارات الماهية ، بل هو يرتبط بواقع الماهية والاعتبار.

والبحث في الجهة الثانية نوكله إلى ما بعد الانتهاء من تعداد الألفاظ ومعرفة وضعها.

ويقع البحث الآن في الجهة الأولى ، فنقول : الموضوع له اسم الجنس هو

__________________

(١) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ١ : ٣٥١ ـ ٣٥٢ ـ الطبعة الأولى.

(٢) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ١ : ٥٢٢ ـ الطبعة الأولى.

٤٠٩

ذات الماهية والطبيعة التي تطرأ عليها هذه الاعتبارات ، والثابتة في جميع هذه التقسيمات بلا تقيد لها باعتبار دون آخر ، فليست هي الماهية بما هي هي ، ولا الماهية بشرط الإرسال ، ولا الماهية اللابشرط المقسمي أو القسمي.

وبعبارة أخرى : ان هناك امرا واحدا ثابتا لا يتغير باختلاف الاعتبارات ، بل الاعتبارات تطرأ عليه وهو نفس الماهية ، فيقال الماهية تارة تلحظ كذلك وأخرى تلحظ بهذا النحو وهكذا. فالمدعى : ان الموضوع له هو هذا الشيء الثابت في جميع هذه الأقسام. ودليلنا على ذلك ـ وبه ننفي سائر الاحتمالات ـ هو : صحة استعمال اللفظ في جميع هذه الأقسام بلا أي عناية ومسامحة ، فانه يكشف عن كون الموضوع له ما ذكرنا ، وإلاّ لم يصح الاستعمال بلا عناية في جميع الأقسام. فظهر بطلان احتمال كون الموضوع له الماهية بنحو اللابشرط القسمي.

وامّا ما ذكره صاحب الكفاية في وجه إبطاله من : انه يلزم ان يكون الموضوع له أمرا ذهنيا لا يصدق على الخارجيات إلاّ بالتجريد (١).

ففيه : ان اللابشرط القسمي يرجع إلى لحاظ الماهية من دون دخل القيد وعدمه في الحكم ، وحينئذ فتارة : يدعي وضع اللفظ إلى الماهية الملحوظة بنحو يكون قيد اللحاظ مأخوذا في الموضوع له. وأخرى : يدعي وضع اللفظ إلى ذات ما تعلق به اللحاظ ، فيكون التعبير باللحاظ للإشارة إلى تلك الذات.

فعلى الأول : يتم ما ذكره من الإشكال.

واما على الثاني : فلا يتم لصلاحية الموضوع له بنفسه للانطباق على الخارج من دون أي عناية كما لا يخفى.

والظاهر هو الثاني ، بل يكفينا مجرد إمكان ادعائه ، إذ به تصحيح دعوى

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٢٤٤ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٤١٠

الوضع للابشرط القسمي. فتدبر.

الثاني : علم الجنس كأسامة للأسد ، وثعالة للثعلب ، ونحوهما.

وقد نسب صاحب الكفاية إلى المشهور من أهل العربية وضعه للطبيعة بما هي متعين بالتعين الذهني لا بما هي هي ، ولأجل ذلك يعامل معاملة المعرفة بدون أداة التعريف. وخالفهم رحمه‌الله في ذلك ، فذهب إلى وضعه إلى صرف المعنى بلا لحاظ شيء معه أصلا ، وان التعريف فيه لفظي لا معنوي كالتأنيث اللفظي ، فلا فرق بينه وبين اسم الجنس في الموضوع له. ونفي ما ذكره المشهور بوجهين :

الأول : انه يكون امرا ذهنيا لا يصدق على الخارجيات إلاّ بالتصرف بالتجريد ، مع ان صدقه عليها لا يكون بعناية كما لا يخفى.

الثاني : ان الوضع لمعنى مع خصوصية يحتاج في استعمالاته إلى تجريده عنها لا يصدر عن الجاهل فضلا عن العاقل الحكيم (١).

وقد وافقه المحقق الأصفهاني بناء على كون المراد من التعين هو التعين الذهني ، ولكنه احتمل إرادة التعين الجنسي منه ـ كما في الفصول (٢) تبعا للسيد الشريف ـ ببيان : ان كل معنى طبيعي متعين بنفسه ممتاز عن غيره وهو امر ذاتي له ، فالمدعى ان علم الجنس موضوع للمتعين بما هو متعين ، واسم الجنس موضوع لذات المتعين والممتاز (٣).

أقول : لا بد أولا من معرفة ما به يكون اللفظ معرفة ونكرة ، فنقول : لا يمكن ان يكون التعريف مستندا إلى امتياز مفهوم اللفظ عن غيره من المفاهيم وتعينه في نفسه ، وذلك لأن المفاهيم كذلك ، فكل واحد منها له تعين في نفسه وامتياز

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٢٤٤ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٢) الحائري الشيخ محمد حسين. الفصول الغروية ـ ١٦٦ ـ الطبعة الأولى.

(٣) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ١ ـ ٣٥٤ ـ الطبعة الأولى.

٤١١

عن غيره ، فيلزم ان تكون جميع الألفاظ معارف ، بل الّذي يستند إليه التعريف هو تعين المصداق والامتياز في مرحلة الانطباق بحيث يكون مصداق المعنى معينا في فرد خاص. فمثل : « رجل في : « جئني برجل ، لا يكون معرفة لعدم التعين المقصود منه ، وتردده بين افراد بلا تعين لأحدها في الصدق. وهكذا اسم الجنس فانه وان كانت افراده ممتازة عن غيرها ، فأفراد الإنسان لها تعين ، لكن لا حدّ لها ، بل كل ما يفرض وجوده من الطبيعة يصدق عليه الإنسان. فلها تعين من جهة دون أخرى. فسبب التعريف تعين المصداق والمنطبق خارجا وتحدده. وليس المراد به التعين عند المتكلم ، وإلا لكان « رجل في : « رأيت رجلا » معرفة لتعينه عند المتكلم ، ولا عند السامع وإلاّ لكان : « زيد » في : « جاء زيد » نكرة إذا لم يعرفه السامع وكان مرددا بين اشخاص كل منهم مسمى بذلك. بل المراد التعين الواقعي وفي نفسه بحسب ما يدل عليه اللفظ ويوضع اللفظ له ، فمتعلق الرؤية وان كان متعينا واقعا ، لكن لا يستفاد المعين من اللفظ بنفسه ومجردا عن القرينة.

كما ان من أسباب التعريف التعين الذهني ، كالمعهود في المعرف باللام ، وأسماء الإشارة والضمائر ، فان تعريفها باعتبار تعين معناها ذهنا وان كان ينطبق على الكثير كما إذا كان المرجع للضمير هو الكلي.

وعليه ، فعلم الجنس يصير معرفة إذا كان موضوعا للطبيعة بقيد التعيين الذهني.

اما إيراد الكفاية على ذلك : بأنه يستلزم عدم الصدق على الخارجيات ، لصيرورة المعنى أمرا ذهنيا فلا يصدق على الخارج إلاّ بالتجريد ، وهو مسامحة لا تلحظ في الاستعمال وجدانا ، كما انه خلاف الحكمة (١).

فيندفع :

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٢٤٤ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٤١٢

أولا : بالنقض في مثل الضمائر وأسماء الإشارة ، فانها لا تستعمل إلاّ في مورد التعين الذهني ، فمدلولها هو المعنى المتعلق للإشارة الذهنية ، والمتعين بالتعيين الذهني ، مع انه ينطبق على الخارج فأقول : « جاء زيد وهو راكب » ، فان الركوب وصف لزيد الخارجي لا الذهني.

وثانيا : بالحل في الجميع ، وقبل بيانه نشير إلى شيء وهو : ما يقال بان العلم لا يتعلق بالخارج وانما يتعلق بالصورة الذهنية ، ويعبّر عن الخارج بالمعلوم بالعرض لا المعلوم بالذات ، وهذا أمر دقي فلسفي ، وإلاّ فالعرف يرى ان المعلوم رأسا هو الخارج.

وعلى كل ، فالخارج يكون له ربط بالعلم واقعا ، وهو ربط المعلومية بالعرض ـ بالدّقة ـ وربط المعلومية بالذات ـ في العرف ـ ، ويدل على حدوث الربط بينه وبين العلم وصفه بالمعلومية دون غيره ، ولا يمنع تعلق العلم بالشيء من صدقه على الخارجيات كما لا يخفى.

إذا عرفت ذلك فنقول : الإشارة الذهنية وان كانت تتعلق بالأمر الذهني حقيقة ولكن للخارج والواقع نحو ارتباط بها ، ولذا يقال ان هذا المعنى ـ ويشار إلى الخارج ـ مشار إليه دون غيره ، مما يدل على حدوث إضافة وربط بينهما لا يوجد بين الإشارة وغيره من المعاني التي لم تتعلق بها الإشارة ، والّذي يلتزم به ان الموضوع له هو هذا المعنى الخارجي الّذي تعلقت الإشارة بصورته الذهنية وفي ظرف تعلق الإشارة بالصورة الذهنية له ، أو فقل : ان الموضوع له هو المشار إليه بالعرض لا بالذات ، والمشار إليه بالعرض يصدق على الخارجيات كالمعلوم بالعرض. وان شئت فعبر عما ذكرنا بان الموضوع له هو المعنى الّذي يكون طرف الإضافة إلى التعين الذهني على ان يكون القيد خارجا والتقيد داخلا ، فيؤخذ التعين الذهني في الموضوع له بنحو المعنى الحرفي.

والخلاصة : ان ما يلتزم به في الموضوع له اسم الإشارة والضمير هو الّذي

٤١٣

يلتزم به في علم الجنس فيندفع المحذور.

الثالث : المفرد المعرف باللام ، وقد ذكر صاحب الكفاية ان المشهور كونه على أقسام ، المعرف بلام الجنس أو الاستغراق أو العهد بأقسامه على نحو الاشتراك بينها لفظا أو معنى. ثم انه ذكر ان المدخول يستعمل فيما يستعمل فيه المجرد ، والخصوصية تستفاد من اللام أو من قرائن المقام بنحو تعدد الدال والمدلول ، وبعد ذلك قال : « والمعروف ان اللام تكون موضوعة للتعريف ومفيدة للتعيين في غير العهد الذهني. وأنت خبير بأنه لا تعين في تعريف الجنس الا الإشارة إلى المعنى المتميز بنفسه من بين المعاني ذهنا ، ولازمه ان لا يصح حمل المعرف باللام بما هو معرف على الافراد ... » (١).

ونتيجة كلامه هو : منع أخذ التعيين الذهني في مدلول المعرف باللام لاستلزامه عدم صدقه على الخارجيات إلاّ بالتجريد والمسامحة ، وهو خلاف الملموس في باب الاستعمالات وخلاف الحكمة. وهذان هما الوجهان اللذان أورد بهما على أخذ التعيين الذهني في مفهوم علم الجنس.

وقد عرفت التفصي عن هذا الإشكال بالالتزام بكون الموضوع له هو طرف الإضافة ، وأخذ القيد بنحو المعنى الحرفي بان يكون التقيد داخلا والقيد خارجا بالمعنى الّذي عرفته ، وهو لا يتنافى مع صدق المعنى على الخارجيات.

ثم انه أضاف هنا إشكالا ثالثا أشار إليه بقوله : « واستفادة الخصوصيات ... » ، ومراده ان خصوصيات اللام من الاستغراقية والجنسية وغيرهما تستفاد من القرائن ، ومعها لا تحتاج إلى تلك الإشارة الذهنية وتكون لغوا (٢).

وأنت خبير بأنه لا وقع لهذا الإشكال بعد التزامه بصحة الاشتراك ، لأنه يتأتى في جميع موارد الاشتراك لعدم استفادة أحد المعاني بعينه إلا بالقرينة.

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٢٤٥ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٢) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٢٤٥ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٤١٤

فلاحظ تعرف.

ثم ان المحقق الأصفهانيّ قرب وضع اللام للتعيين بنحو آخر وهو : الالتزام بكونها موضوعة للدلالة على ان مدخولها واقع موقع المعروفية والتعيين ، فهي تدل على تحقق النسبة بين التعيين والمتعين ، كدلالة كلمة : « من » على وجود النسبة بين المبتدأ به والمبتدأ منه ، و: « في » على وجود النسبة بين الظرف والمظروف.

وبالجملة : الموضوع له أداة التعريف كالموضوع له في سائر الحروف هو الربط الخاصّ والنسبة الخاصة ، فلا تدل الا على وقوع مدخولها موقع التعيين ، لا ان مدخولها أخذ ملحوظا بما هو ملحوظ انتهى (١).

وقد يشكل : بان المتقرر ـ كما تقدم ـ هو كون الحروف موضوعة للربط الذهني بين المفاهيم لا غير ، وليست الإشارة الذهنية من المفاهيم ، بل هي كالإشارة الخارجية من سنخ الموجودات والأفعال فان فعل النّفس كالفعل الخارجي ليس مفهوما كما لا يخفى. فالالتزام بان اللام موضوعة للربط بينها وبين المشار إليه خروج عما هو المقرر ، وليس الربط بين مفهوم الإشارة ومفهوم المشار إليه كالربط بين مفهوم زيد ومفهوم الدّار في مثل : « زيد في الدار » ، بل الربط بين واقع الإشارة الذهنية لا مفهومها الموجود في الذهن ، بل نفس توجه الذهن إلى المعنى هو طرف الربط لا مفهوم التوجّه. فلاحظ.

ويندفع : بان الحرف وان كان موضوعا للربط الّذي يكون طرفه المفهوم ، لكن لا يلزم ان يكون كلا طرفي الربط مفهومين الا فيما قصد بالحرف الدلالة على الربط المضاف إلى كلا الطرفين. وما إذا كان مدلوله هو الربط المضاف إلى أحد طرفيه ـ بان لم تلحظ إضافته إلى الطرف الآخر في مقام الكشف وان كانت ثابتة واقعا ـ كان اللازم كون ذلك الطرف مفهوما.

__________________

(١) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ١ ـ ٣٥٤ ـ الطبعة الأولى.

٤١٥

وعليه ، فيمكن القول بان مدلول أداة التعريف هو الربط المضاف إلى متعلق الإشارة.

واما إضافته إلى الإشارة فلم تلحظ في مدلوله. وليس دلالة الحرف على الربط المضاف إلى أحد الطرفين دون لحاظ إضافته إلى الآخر امرا بعيدا ، بل له شواهد كثيرة ، منها : ما إذا سألت شخصا عن مكان زيد فأجاب : في الدار. فان مدلول : « في » هو الربط الملحوظ إضافته إلى أحد الطرفين دون الآخر ، وان كان الربط واقعا متقوما بكلا الطرفين.

ثم ان صاحب الكفاية رحمه‌الله أشار إلى الجمع المعرف باللام بمناسبة البحث في دلالة اللام على التعيين ، حيث جعل من شواهد دلالة اللام على التعيين دلالة الجمع المعرف على الاستغراق (١).

وتحقيق الكلام : هو انه لا إشكال في دلالة الجمع المعرف على العموم ، انما الإشكال في منشائه وهو يدور بين ثلاثة محتملات.

الأول : ان اللام تدل على التعيين ولا تعين الا للمرتبة الأخيرة فيلازم العموم.

الثاني : ان اللام بنفسها موضوعة للعموم بنحو المعنى الحرفي.

الثالث : ان المجموع موضوع للعموم.

وقد ناقش صاحب الكفاية في الأول : بان لا تعين للمرتبة الأخيرة بل أقل المراتب أيضا متعينة (٢).

وأشكل عليه : بان أقل المراتب وان تعينت من جهة العدد وهو الثلاثة ، لكن لا تعين له من حيث الانطباق لصلاحيتها للانطباق على كل ثلاثة من الطبيعة ، بخلاف أكثر المراتب فانها متعينة من حيث الصدق لا تردد فيها (٣).

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٢٤٥ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٢) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٢٤٥ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٣) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ١ ـ ٤٤٥ هامش رقم (١) ـ الطبعة الأولى.

٤١٦

وقد أورد على الوجه الثالث : بان وضع الهيئة لذلك يستلزم ان يكون استعمال الجمع المعرف باللام في موارد العهد الذكرى أو الخارجي استعمالا مجازيا (١).

وهذا الوجه غير واضح المستند ، فما هو منشأ الملازمة بين الأمرين؟.

نعم يرد على الوجه الثالث : بان المجموع إذا كان موضوعا للعموم لزم تجريد المدخول عن معناه عند الاستعمال ، وذلك لأن المدخول بهيئته وهو : « علماء » ـ مثلا ـ معناه عدة من العالم أو المتعدد منه أو جماعة منه ، غاية الأمر انه يفيد ذلك بنحو المعنى الحرفي ، ومعناه الاسمي ما عرفت ، وهو مردد بين افراد ، إذ كل عدّة من العلماء يصدق عليهم : « علماء ». فإذا فرض وضع المجموع لعدة خاصة وهي الشاملة لجميع العلماء ، فعند الاستعمال لا بد من تجريد هيئة المدخول عن معناها ، إذ بقاؤها على معناها لغو ، لأدائه باستعمال المجموع ، فان معناه العدّة بإضافة خصوصية.

هذا لو فرض وضع المجموع للخاص ، اما لو وضع للخصوصية فقط ، فيؤدّي العموم من مجموع الكلام وهيئة المدخول ، فالهيئة تدل على العدّة والمجموع يدل على خصوصية للعدة ، استلزم ذلك محذور استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، لاستعمال الهيئة مستقلا وضمنا في آن واحد في معنيين ، فيلزم لحاظها بلحاظين.

ولا يدفع هذا الإيراد سوى دعوى عدم الوضع للخصوصية فقط ، بل للخاص بما هو خاص ودعوى تحقق التجريد وانه ليس خلاف الظاهر من الكلام.

وعليه ، فتكون جميع هذه المحتملات قابلة للثبوت إثباتا ، ولا نستطيع

__________________

(١) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ١ ـ ٤٤٥ هامش رقم (١) الطبعة الأولى.

٤١٧

الجزم بأحدها ، وليس ذلك بمهم بعد عدم الإشكال في أصل دلالة الجمع المعرف على العموم. فتدبر.

الرابع : النكرة كـ : « رجل في : « رأيت رجلا » ، أو : « جئني برجل.

وقد ادعي وضعها للفرد على البدل بتعبير. وللفرد المردد بتعبير آخر.

ولكن صاحب الكفاية ذهب إلى غير ذلك باعتبار انه يرى انه لا وجود. للفرد المردد أصلا ، بل كل فرد في الخارج هو هو لا هو أو غيره ، مع ان النكرة تصدق على الخارج. فذهب إلى ان المفهوم منها في مورد الخبر هو الفرد المعين في الواقع المجهول عند السامع. وفي مورد الإنشاء هو الطبيعة المقيدة بالوحدة ، فتكون كليا صالحا للانطباق على كثيرين ، فالنكرة اما فرد معين في الواقع أو حصة كلية (١).

أقول : البحث في وجود الفرد المردد وقابليته لتعلق الأحكام والصفات وعدم ذلك امر ذو أثر عملي يظهر في موارد :

منها : بيع الصاع من الصبرة ، ويعبّر عنه بالكلي في المعين ، فانه يقع البحث في حقيقة الكلي في المعين وانه هو الفرد المردد أو غيره.

ومنها : مورد العلم الإجمالي ، فانه يبحث عن ان متعلقه الفرد المردد ، أو انه عبارة عن علم تفصيلي بالجامع وشكين في الطرفين.

ومنها : الواجب التخييري ، فانه يبحث عن تعلقه بالفرد المردد.

والبحث المفصل فيه يقع في أبحاث العلم الإجمالي ، ولأجل ذلك نوكله إلى هناك ، ولا أثر عملي منهم على تحقيقه هنا ، ومعرفة حقيقة الموضوع له النكرة ـ من كونه الفرد المردد أو ما يذكره صاحب الكفاية أو غيره ـ بعد الاتفاق على قابليتها للصدق على كثيرين بنحو البدلية. فتدبر.

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٢٤٦ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٤١٨

وبعد هذا يقع الكلام فيما ذكره المحقق النائيني في مقدمة الدخول في بحث المطلق والمقيد ، فانه ذكر أمورا لا بأس بالإشارة إليها ، وإلى ما فيها من كلام ، وهي :

الأمر الأول : ما ذكره في المقدمة الأولى ، من ان محل الكلام في المقام هو : الإطلاق المتصف به المعاني الإفرادية الموجب للتوسعة دائما ، اما الإطلاق المتصف به الجمل التركيبية ـ أعني به ما يوجبه طبع نفس القضية الموجب للتوسعة مرة وللتضييق أخرى ـ فلم يقع التكلم عنه في المقام لعدم ضابط كلي له يتكلم عنه في خصوص مورد ، بل التكلم انما وقع فيه باعتبار أنواعه في الموارد المناسبة له ، كمباحث الأوامر حيث يتكلم فيها عن اقتضاء إطلاق القضية للوجوب التعييني العيني النفسيّ ، وكمباحث المفاهيم التي يتكلم فيها عن اقتضاء إطلاق القضية الشرطية للمفهوم (١).

هذا كلامه قدس‌سره نقلناه بنصّه.

ويتوجه عليه :

أولا : انه لم يثبت للجملة التركيبية معنى ثالث غير معانيها الإفرادية ، كي يتمسك بإطلاقه ، فلا موضوع لكلامه.

وثانيا : ان ما ذكره من المثال ليس مثالا للتمسك بإطلاق الجملة ، بل هو من موارد التمسك بإطلاق المعاني الإفرادية ، فان الّذي يتمسك به في صيغة الأمر هو مدلول الهيئة ـ كما قد يظهر من بعض كلمات الكفاية (٢) ـ أو المادة كما حققناه أو المادة المنتسبة ـ كما حققه قدس‌سره (٣) ـ والجميع من المعاني الإفرادية وليس من معاني الجمل. وهكذا الّذي يتمسك به في مورد الشرط ، فانه اما أداة

__________________

(١) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ١ ـ ٥١٦ ـ الطبعة الأولى.

(٢) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ١٠٨ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٣) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ١ ـ ١٦٩ ـ الطبعة الأولى.

٤١٩

الشرط أو نفس الشرط ، وكل منهما معنى افراده تجري فيه مقدمات الحكمة كما تجري في سائر موارد الإطلاق بلا فرق ، فالحديث فيها واحد لا يتعدد.

ثم ان التعبير بما يوجبه « طبع » نفس القضية لا يخلو عن تكلف ، فليس للقضية طبع يقتضي شيئا ، فتدبر.

الأمر الثاني : ما ذكره من اختلاف نتيجة الإطلاق من حيث البدلية والاستيعاب ، ببيان : ان المطلق تارة يكون مفاد اسم الجنس ، وهو الطبيعة غير المقيدة بشيء. وأخرى بكون مفاد النكرة ، وهي الطبيعة المقيدة بالوحدة المعبر عنها بالحصة. وكل منهما اما ان يقع في سياق النفي أو الإثبات. فعلى الأول كانا دالين على العموم والاستيعاب. وعلى الثاني يكون الحكم استيعابيا ، إلاّ إذا كان هناك ما يقتضي البدلية من طرف المادة كما في النكرة ، أو الهيئة كما في أسماء الأجناس المتعلقة للأمر ، لأن الأمر يتعلق بصرف الوجود ، وهو يتحقق بأول الوجودات لا بعينه (١).

أقول : هذا تعرض لأمر في غير محله. وقد تعرض له صاحب الكفاية بعد بيانه لمقدمات الحكمة ، وهو كما ينبغي بحسب فن التحرير وسيأتي هناك ما ينقح به أصل المطلب ، وان البيان الصحيح لاستفادة البدلية في متعلق الأمر غير ما ذكره. فانتظر.

الأمر الثالث : ما ذكره في مقام الفرق بين العام الأصولي والمطلق ، بان الشمول في العام بالدلالة اللفظية ، بخلافه في المطلق فانه بحكم العقل ، ولأجله يتقدم العام على المطلق الشمولي ، كما انه يتقدم المطلق الشمولي على البدلي (٢).

أقول : وقع هذا الأمر ـ أعني تقديم العام على المطلق ، وتقدم المطلق

__________________

(١) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ١ ـ ٥١٨ ـ الطبعة الأولى.

(٢) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ١ ـ ٥١٩ ـ الطبعة الأولى.

٤٢٠