منتقى الأصول - ج ٣

السيد عبد الصاحب الحكيم

منتقى الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيد عبد الصاحب الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠

أحدهما : قابليته للترتب على الشرط. والآخر : ملازمته للمفهوم عند الانتفاء.

وبعد هذا نقول : ليس المراد به الطبيعة المهملة لوجهين :

الأول : امتناع الإهمال في مقام الثبوت.

الثاني : ما قيل (١) : من ان المهملة في قوة الجزئية ، فلا تدل الجملة الشرطية الا على انحصار علة الحكم الجزئي بالشرط ، فتدل على انتفاء الحكم الجزئي عند انتفاء الشرط لا على انتفاء الحكم مطلقا.

وانما المراد به الطبيعة المطلقة ، ولكن لا بمعنى جميع وجودات الطبيعة ، إذ لا يقصد بالجملة الشرطية ترتيب جميع وجودات الحكم على الشرط فانه مما لا معنى له كما لا يخفى.

وانما بمعنى ذات الطبيعة غير المقيدة بشيء من الوحدة والتعدد ، فانه يمكن ترتيبها على الشرط ، كما ان انتفاء الشرط ـ بناء على الانحصار ـ يلازم المفهوم لأن ثبوتها في ضمن وجود ما في فرض وجود شرط آخر يكشف عن عدم انحصار الشرط وهو خلف المفروض.

أو بمعنى صرف الوجود بمعناه الأصولي وهو أول الوجود ، فانه يلازم المفهوم لأنه إذا ثبت عند انتفاء الشرط كشف ذلك عن عدم انحصار علته بالشرط وهو خلف.

وقد يتخيل : ان نفس ثبوت علية الشرط يلازم الانحصار بالنسبة إلى هذا المعنى من السنخ ـ فلا يتم بالنسبة إليه ما تقدم من الإشكال على كلام المحقق العراقي لأنه يمتنع ترتب أول الوجود على شرطين ، إذ الثابت بالشرط الآخر هو الوجود الثاني لأن الوجود الأول ما ثبت بالشرط السابق.

وفيه : ان المنظور في مبحث المفهوم هو انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط

__________________

(١) العراقي المحقق الشيخ ضياء الدين. مقالات الأصول ١ ـ ١٣٩ ـ الطبعة الأولى.

٢٢١

وعدمه ، ومن الواضح ان أصل العلية لا يلازم الانحصار بلحاظ ذلك ، إذ مع وجود شرط آخر ، يمكن ان يتحقق به أول الوجود عند انتفاء غيره.

هذا مع انه يتصور تحقق أول الوجود بكلا الشرطين معا ، كما إذا وجدا في آن واحد ، فان أول الوجود ينطبق على كلا وجودي الطبيعة.

ومما ذكرناه في معنى السنخ تعرف انه لا وجه لما أفاده المحقق الأصفهاني من ان السنخ بمعنى ، غير ثابت ، وبمعنى ، لا ينفع فيما نحن بصدده.

اما المعنى غير الثابت : فهو ان يراد به طبيعة الحكم بحيث لا يشذ عنها فرد منها ، وهذا المعنى وان لازم المفهوم لكنه غير ثابت ، لأن الظاهر ان الأمر بالإكرام في الشرطية وغيرها على حد سواء ، ومن الواضح ان المنشأ في سائر القضايا ليس جميع افراد الوجوب.

واما المعنى غير المفيد : فهو ان يراد به طبيعة الوجوب بمعنى وجودها الناقض للعدم ، وهذا المعنى لا يلازم المفهوم لأن الوجود نقيض العدم وكل وجود بديل عدم نفسه ، فانتفاؤه انتفاء نفسه لا انتفاء مطلق الافراد وسنخ الحكم.

ثم انه اختار بعد إفادة هذا : ان المعلق على العلة المنحصرة هو الحكم المنشأ في شخص هذه القضية ، لكنه لا بما هو متشخص بلوازمه ، بل بما هو وجوب أو غيره ، وهذا المعنى يلازم المفهوم لأن الشرط إذا كان علة منحصرة لشخص الوجوب بما هو وجوب امتنع ثبوت غيره من الافراد عند انتفاء هذا الشرط ، وإلا لم يكن علة منحصرة لشخص الوجوب بما هو وجوب (١).

أقول : قد عرفت بيان المراد من السنخ بنحو معقول يلازم المفهوم ، وهو ان يراد به اما وجود ذات الطبيعة غير المقيدة بالوحدة والتعدد أو صرف وجودها بالاصطلاح الأصولي المراد به أول الوجود ، فلا اختصاص لمعنى السنخ فيما

__________________

(١) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ١ ـ ٣٢٣ ـ الطبعة الأولى.

٢٢٢

ذكره كي يتجه الإشكال على إرادته. فالتفت.

إذا عرفت ما تقدم ، فلنشرع في ما هو محل البحث.

وهو ثبوت العلية المنحصرة للشرط ، وقد ذكر له طرق ثلاثة :

الطريق الأول : دعوى ان أداة الشرط موضوعة للدلالة على علية الشرط للجزاء بنحو الانحصار ويدل عليه تبادر ذلك منها.

والخدشة في هذه الدعوى سهلة ، فان دعوى التبادر عهدتها على مدعيها ، وليس المتبادر منها سوى إفادة ترتب الجزاء على الشرط لا أكثر ، ولذا لا يرى ان استعمالها في غير موارد الانحصار استعمال مجازي وبنحو العناية.

الطريق الثاني : دعوى انصراف العلية المنحصرة منها ، لأنها أكمل افراد العلية ، والمطلق ينصرف إلى أكمل افراده.

وقد ناقشها في الكفاية كبرى وصغرى.

اما الكبرى : فلان الانصراف ينشأ من أنس اللفظ بالمعنى الناشئ من كثرة استعماله فيه. اما أكملية الافراد بما هي فلا تستلزم الانصراف.

واما الصغرى : فلا الانحصار وعدم تأثير غيره في الجزاء لا يلزم كون الربط الخاصّ بينه وبين المعلول آكد وأقوى ، بل هو على حد سواء في صورتي الانحصار وعدمه كما لا يخفى (١).

الطريق الثالث : دعوى كون مقتضى الإطلاق هو العلية المنحصرة.

وقد قرب بوجوه ثلاثة :

الوجه الأول : ما أشار إليه في الكفاية بقوله : « ان قلت : نعم ولكنه قضية الإطلاق بمقدمات الحكمة ، كما ان قضية إطلاق صيغة الأمر هو الوجوب النفسيّ ». وحاصله : قياس المقام بمقام دوران الأمر في الوجوب بين كونه نفسيا

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ١٩٥ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٢٢٣

وغيريا ، فكما يتمسك بالإطلاق لإثبات النفسيّة كذلك يتمسك بإطلاق الأداة أو هيئة الشرط على كون الترتب المدلول لها بنحو الانحصار (١).

وقرّبه المحقق الأصفهاني في حاشيته ، بأنه كما ان خصوصية الوجوب النفسيّ خصوصية عدمية لأنه الوجوب لا للغير ، لا تحتاج إلى بيان زائد فيتمسك بالإطلاق لإثباتها ونفي الوجوب الغيري لأن خصوصيته وجودية لأنه الوجوب للغير. فكذلك الترتب المنحصر فانه الترتب على هذا الشرط لا غير في قبال الترتب غير المنحصر فانه الترتب عليه وعلى الغير ، فالإطلاق يثبت به الترتب المنحصر لأنه لا يحتاج إلى مئونة زائدة على بيان نفس الترتب بقول مطلق لأن قيده عدمي (٢).

وأورد صاحب الكفاية على هذا الوجه بإيرادين :

الأول : ان معنى الهيئة أو الأداة حرفي ، وهو لا يقبل الإطلاق والتقييد لاستلزام كل منهما للحاظ المطلق أو المقيد باللحاظ الاستقلالي ، ومعنى الحرف لا يقبل اللحاظ الاستقلالي لأنه ملحوظ آليا وإلاّ لما كان معنى حرفيا ، إذ الفارق بين معنى الاسم والحرف ليس إلا تعلق اللحاظ الاستقلالي بالأول والآلي بالثاني.

الثاني : ان قياس المقام بمقام دوران الوجوب بين النفسيّ والغيري قياس مع الفارق ، وذلك لأن الوجوب النفسيّ يلازم الإطلاق ، لأنه الوجوب على كل حال ، وجب غيره أو لم يجب ، بخلاف الغيري فانه ثابت في حال دون آخر ، فإذا كان الكلام مطلقا صح التمسك بإطلاقه لإثبات الوجوب النفسيّ لاحتياج غيره وإلى مئونة التقييد ، وليس الأمر كذلك في الترتب فان كل نحو من نحوي

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ١٩٥ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٢) الأصفهاني الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ١ ـ ٣٢١ ـ الطبعة الأولى.

٢٢٤

الترتب يحتاج إلى مئونة وقرينة في بيان إذ أحدهما لا يلازم الإطلاق ، فلا وجه للتمسك بالإطلاق لإثبات الترتب المنحصر ، فان ترتب الجزاء على هذا الشرط ثابت سواء ثبت الترتب على الغير أو لم يثبت ، فعدم الانحصار لا يوجب تقييدا للترتب بحال دون حال حتى ينفي بإطلاق ما يدل على الترتب.

وبالجملة : الإطلاق لا يساوق الترتب المنحصر فلا بد في تعيين أحدهما من قرينة خاصة (١).

وقد أورد المحقق الأصفهاني رحمه‌الله على الإيراد الأول : بأنه إيراد سار في غير هذا المورد ، كالتمسك بإطلاق هيئة الوجوب لإثبات عدم تقيده بقيد وكونه مطلقا ، والتمسك بإطلاق صيغة الأمر لإثبات الوجوب دون الندب ـ بناء على عدم الالتزام بوضعها للوجوب فقط بل للطلب المطلق ـ ، مع ان معنى الهيئة حرفي لا يقبل اللحاظ الاستقلالي فلا يقبل الإطلاق.

ثم ذكر ان الحل على مسلك صاحب الكفاية هو ملاحظة المعنى الحرفي الوسيع بتبع ملاحظة المعنى الاسمي ، فالمقدمات تتم في متعلق الهيئة لا في نفس مدلول الهيئة ، فالإطلاق انما يجري في طرف الهيئة لا نفس المدلول الحرفي (٢).

وهذا الحل لو تم فهو مما يمكن الالتزام به في الواجب المطلق ، فيلتزم بان. مجرى المقدمات هو المادة ومتعلق الوجوب فيتمسك بإطلاقه في نفي تقيد الوجوب.

ومن المحتمل ان يكون نظر صاحب الكفاية في ذلك المقام إلى هذا الطريق.

واما في الوجوب والندب فلا يمكن الالتزام به ، إذ الاختلاف بين

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ١٩٥ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٢) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ١ ـ ٣٢٢ ـ الطبعة الأولى.

٢٢٥

الوجوب والندب لا يمت إلى متعلقهما بصلة أصلا ، بل هو اختلاف في حقيقتهما ، ومتعلق الوجوب نفسه هو الّذي يكون متعلقا للندب لو كان هو المراد بالكلام بلا تغير فيه أصلا ، فإطلاق المادة لا يجدي في إثبات الوجوب أو الندب.

واما فيما نحن فيه ، فدعوى ان إطلاق المتعلق يفيد تعيين أحد النوعين من الترتب وان كانت موجودة ـ كما ستعرف إن شاء الله تعالى ـ إلاّ انه يمتنع ان يكون نظر المدعي للوجه الأول من الإطلاق إليه ، إذ المفروض انه ذكر وجها في قبال الوجه القائل بالتمسك بإطلاق الشرط نفسه ، بل المنظور في هذا الوجه كون محل الإطلاق نفس الترتب لا متعلقه ، فيتجه عليه الإشكال المذكور في الكفاية كما لا يخفى.

ويمكننا ان نقول في مقام دفع المناقضة بين ما أفاده صاحب الكفاية هنا وما أفاده في مورد الوجوب والندب : انه قدس‌سره لم يلتزم هناك بإمكان كون الآمر بصدد البيان ، بل التزم باستفادة الوجوب لو تمت مقدمات الحكمة ، وهذا لا ينافي عدم التزامه بتمامية مقدمات الحكمة أبدا ، إذ صدق القضية الشرطية لا يتوقف على صدق طرفيها.

وهذا وان كان خلاف ظاهر كلامه لكن لا طريق غيره في رفع التهافت.

ثم ان المحقق الأصفهاني قدس‌سره ذكر ـ في مقام توضيح الإيراد الثاني ـ : ان الوجوب النفسيّ والغيري يختلفان سنخا ، فكان مقتضى الإطلاق تعيين النفسيّ ، وليس كذلك الترتب المنحصر وغيره فانهما متحدان سنخا ، فلا يعين الإطلاق أحدهما (١).

ونحن وان اتفقنا معه في الرّأي ، لكن لا نوافقه على أسلوب البيان ، فان التمسك بالإطلاق لا يتوقف على اختلاف السنخ ، بل هو لأجل نفي الخصوصية

__________________

(١) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ١ ـ ٣٢٢ ـ الطبعة الأولى.

٢٢٦

الزائدة ولو اتحد المطلق والمقيد سنخا وحقيقة ، كما في الوجوب النفسيّ والغيري ، فانهما متحدان حقيقة وان اختلفا في الخصوصيات ، بل لا بد من الاتحاد في الحقيقة كما لا يخفى.

اللهم إلاّ ان يكون مراده من اختلاف السنخ الاختلاف في الخصوصيات الطارئة على الحقيقة الواحدة المنوعة لها أو المصنفة ، لا الاختلاف في الحقيقة والماهية. فلاحظ.

ويتحصل مما ذكرنا عدم تمامية هذا الوجه ، وهو انما يتأتى في نفسه ـ مع غض النّظر عما فيه من الخدشة ـ لو التزم بان مدلول الأداة أو الهيئة هو الترتب أو اللزوم. واما لو كان مدلول الأداة هو الفرض والتقدير ، والترتب يستفاد من الفاء ، فلم يدع أحد جريان الإطلاق في مدلول الفاء. واما لو كان مدلول الأداة هو تعليق الجزاء على الشرط فلا يتأتى هذا البيان ، إذ لا حاجة له بعد ملازمة التعليق لانحصار الشرط.

الوجه الثاني : ـ ما ذكره في الكفاية ـ وهو التمسك بإطلاق الشرط. بتقريب : ان مقتضى إطلاقه كونه شرطا مطلقا سبقه شيء أو قارنه أو لا. وهذا المعنى يساوق العلية المنحصرة لأنه لو لم يكن شرطا منحصرا لكان التأثير للسابق في صورة سبق غيره ، وللجامع بينهما أو لكليهما بنحو التركيب في صورة المقارنة ، وهذا ينافي مقتضى الإطلاق.

وبالجملة : الشرطية بقول مطلق تساوق الانحصار فتثبت بالإطلاق لاحتياج غيرها إلى مئونة زائدة.

وقد وافق صاحب الكفاية على ذلك ـ أعني على ان مقتضى الإطلاق الشرطية المنحصرة ـ ، لكنه استشكل فيه : بان المتكلم لا يكون في مقام البيان من هذه الجهة الا نادرا ، فلا يمكن الالتزام بالمفهوم استنادا إلى هذا الوجه لعدم

٢٢٧

انعقاد الإطلاق الا نادرا (١).

ولم يعلم المقصود من كلام الكفاية وما هو المراد من عدم كونه في مقام البيان من هذه الجهة والمحتملات فيه متعددة.

الاحتمال الأول : ما ذكره المحقق الأصفهاني ـ وبعض المحشين على الكفاية وهو المشكيني ، كما ذكره المحقق النائيني في مقام الإيراد على هذا الوجه ـ (٢) من ان القضايا الشرطية الشرعية ليست في مقام بيان فعلية تأثير هذا الشرط وعليته فعلا ، بل هي في مقام بيان اقتضاء هذا الشرط لتحقق الجزاء ، وهو لا ينافي عدم ترتب الجزاء عليه لاحتفافه بالمانع ، أو عدم الشرط ، كما لا ينافى كون غيره مقتضيا وجزء المؤثر. وعليه ، فتأثير غيره في الجزاء لو سبقه لا ينافى كونه مقتضيا ، كما لا يخفى ، نعم لو كانت في مقام بيان انه شرط ومؤثر فعلا كان مقتضى الإطلاق انحصار الشرط فيه (٣).

وهذا التوجيه لا يمكننا الالتزام به لأنه غير صحيح في نفسه ، فان الالتزام به يقتضي تأسيس فقه جديد ، لأن مقتضاه ان لا يستفاد من القضايا الشرطية الواردة في لسان الشارع فعلية الوجوب عند تحقق الشرط ، إذ لا رافع لاحتمال وجود المانع أو انتفاء الشرط ، وهذا مما لا يتفوه به أحد ، فهل ترى أحدا يتوقف في الحكم بوجوب الوضوء عند النوم استنادا إلى قوله : « إذا نمت فتوضأ »؟!.

هذا مع ان الالتزام بان مقتضى القضية الشرطية هو إفادة الشرطية الفعلية أو غيرها لا يلازم القول بكون مقتضى الإطلاق بهذا النحو ثبوت المفهوم ، إذ المفهوم يتوقف على إثبات انحصار العلة لسنخ الحكم وهذا الوجه انما ينفع في إثبات انحصار الشرط لو كان المعلق شخص الحكم ، وذلك لأن مقتضى

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ١٩٦ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٢) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ١ ـ ٤١٧ ـ الطبعة الأولى.

(٣) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ١ ـ ٣٢٢ ـ الطبعة الأولى.

٢٢٨

الإطلاق انه مؤثر فعلا في شخص الحكم سواء سبقه غيره أو قارنه ، وهذا ينفى تأثير غيره فيه ، إذ لو فرض وجود غيره مؤثرا فيه لكان هو المؤثر في صورة سبقه إلى الشرط المذكور في القضية ولكان التأثير لكليهما أو للجامع بينهما في صورة المقارنة ، وهو ينافي مقتضى الإطلاق ، اما لو كان المعلق سنخ الحكم فلا ينفع هذا الإطلاق في إثبات انحصار الشرط ، وذلك لأن تأثير الشرط في السنخ معناه سببيته لوجود فرد من افراد الطبيعة ، لوجود السنخ بوجود فرده ، وعليه ، فمقتضى الإطلاق ان هذا الشرط مؤثر في سنخ الحكم سواء سبقه غيره أو قارنه ، وهذا لا ينفي تأثير غيره في تحقق السنخ في وجود آخر غير الوجود المترتب عليه ، إذ تأثير الغير في وجود آخر لا يتنافى مع تأثيره في جزائه ولو قارنه غيره أو سبقه ، ولذلك لا منافاة بين تصريح المتكلم بالشرطية المطلقة مع ترتب وجود آخر على غيره.

ويشهد لذلك وقوع البحث في تداخل المسببات مع تعدد السبب واقتضاء كل منها مسببا بحسب إطلاقه.

ومن الغريب غفلة الاعلام عما ذكرناه ، إذ لم نجد من تعرض إلى بيان هذا الإيراد ، وعلى كل فهو إيراد على الكل لتقريرهم اقتضاء هذا الإطلاق للمفهوم وان ناقشوا فيه بعدم تماميته ونحو ذلك.

الاحتمال الثاني : ان لدينا جهتين :

إحداهما : حدوث الجزاء عند حدوث الشرط.

ثانيتهما : استناد الجزاء إلى الشرط وترتبه عليه.

فالجملة الشرطية انما تدل على حدوث الجزاء عند حدوث الشرط لا أكثر ، اما استناده إليه فهي لا تدل عليه. ويقرب ذلك بأحد وجهين :

أولهما : ان الجملة وضعا لا تدل الا على الحدوث عند الحدوث ، اما دلالتها على استناده إلى الشرط فهو يتوقف على إجراء مقدمات الحكمة ، وهي غير تامة

٢٢٩

لعدم كون المتكلم في مقام البيان من جهته.

ثانيهما : ان الجملة بحسب الوضع الأولي موضوعة للأعم ، أو لإفادة كلتا الجهتين ، لكنها بحسب الاستعمال الكثير يلحظ فيها الدلالة على الجهة الأولى دون الثانية.

وبالجملة : فغاية ما تدل عليه الجملة الشرطية هو حدوث الجزاء عند حدوث الشرط ، اما استناده الفعلي إليه فليس المتكلم في مقام بيانه كي يتمسك بإطلاق الكلام لإثبات الانحصار.

ولا يخفى انه لا يرد على هذا الوجه ما أوردناه على الوجه الأول ، لأنه لا ينكر دلالة الجملة على ثبوت الجزاء فعلا عند ثبوت الشرط.

ولكن يرد عليه ـ مضافا إلى انه دعوى بلا دليل ـ : ان التفكيك بين الجهتين في مقام البيان مشكل جدا ، إذ بعد فرض دلالة الجملة على الترتب في الجملة وبنحو الموجبة الجزئية يشكل دعوى عدم كون المتكلم في مقام بيان ذلك ، بل الظاهر انه في مقام بيان الحدوث عند الحدوث لأجل الترتب بينهما.

هذا ولكن الإنصاف انه يمكن الالتزام بهذا الوجه من طريق آخر عرفي. بيان ذلك : ان وجود الشيء يتوقف على تحقق علته التامة باجزائها من مقتضي وشرط وعدم مانع ، فإذا انتفى أحدها لم يتحقق الشيء لعدم علته التامة.

فالجملة الشرطية تدل على تحقق الجزاء وثبوته عند ثبوت الشرط ، بمعنى انه تام العلة ولا يتوقف تحققه على شيء آخر ، اما ان المؤثر فيه والمنشأ لتحققه هو هذا الشرط فهذا مما لا تتكلفه الجملة الشرطية أصلا ، ولا ينظر إليه المتكلم في بيانه أصلا حتى بنحو الموجبة الجزئية ، ولذا لو سأله المخاطب عن المؤثر في الجزاء كان له ان يقول له : « انه لا يعنيك وليس من شأنك » مما يكشف عن انه ليس ناظرا إلى بيان هذه الجهة أصلا وإلاّ لم يكن السائل فضوليا وسائلا عما لا يعنيه.

٢٣٠

وجملة القول : ان الجملة الشرطية لا تدل الا على الحدوث عند الحدوث ولا دلالة لها على استناد الجزاء إلى الشرط ولا نظر للمتكلم إليه أصلا.

وعليه ، فلا دلالة لها على انحصار الشرط فيه ، إذ من الممكن تأثير غيره فيه لو قارنه ، فيكون الاشتراك لهما معا ، ولا ينافي ذلك دلالة الجملة على الحدوث عند الحدوث.

نعم ، قد يدعي منافاة ذلك لتأثير السابق فيه ، إذ لو كان غيره مؤثرا في الجزاء وسبقه في الوجود لم يكن الجزاء حادثا عند حدوث الشرط ، إذ حدوثه سابق على حدوث الشرط. وهذا يتنافى مع الالتزام بان ظاهر القضية الشرطية الحدوث عند الحدوث كما قرر هنا ويأتي إن شاء الله تعالى.

ويدفع : بأنه انما يتم لو قيل بان المراد بالحدوث عند الحدوث هو الوجود بعد العدم. واما إذا قلنا : بان المقصود بالحدوث عند الحدوث هو الوجود مع نحو ارتباط بالشرط بحيث يكون الوجود مرتبطا به لم يتم ما ذكر. وذلك لما ثبت من ان استمرار الوجود يحتاج إلى علة كحدوثه ، وان الشيء يحتاج إلى علة مبقية كما يحتاج إلى علة محدثة ، وعليه فإذا حصل الشرط كان التأثير لكليهما في مرحلة البقاء ، فلا ينافي ظهور الجملة في الحدوث عند الحدوث مطلقا ولو سبقه غيره أو قارنه.

نعم ، لو التزم بعدم احتياج البقاء إلى علة كان التأثير للسابق فقط ، فيتم الإيراد. ولكن التحقيق على خلافه.

وبالجملة : فالدعوى المزبورة انما تتم على تقدير أحد أمرين : إرادة الوجود بعد العدم من الحدوث. وعدم احتياج البقاء إلى مؤثر. وكلاهما محل إشكال. فتدبر.

وعلى أي حال ، فالعمدة في الإيراد على هذا الوجه من الإطلاق ما عرفت من البيان الّذي تفردنا به بحسب ما نعلم فلاحظ وتأمل.

٢٣١

الوجه الثالث من وجوه الإطلاق : ما ذكره في الكفاية أيضا من التمسك بإطلاق الشرط في نفي البدل والعدل ، كالتمسك بإطلاق الوجوب لإثبات كونه تعيينيا في قبال كونه تخييريا. بيان ذلك : انه كما ان الوجوب التخييري يحتاج إلى مئونة بيان ، وهو ان يقال هذا أو ذاك واجب ، بخلاف الوجوب التعييني فانه لا يحتاج إلى بيان ذلك ، ولأجل ذلك ينفي التخييري بالإطلاق ويثبت به التعييني ، كذلك العلية غير المنحصرة تحتاج إلى بيان بان يقول مثلا : « ان جاءك زيد أو أكرمك فأكرمه » ، وهذا البيان لا تحتاجه العلية المنحصرة ، فمع الشك يتمسك بإطلاق الكلام وينفي به البديل للشرط المذكور فيثبت انحصار العلة به ، إذ لو كان غيره شرطا لبينه المتكلم بالعطف بـ « أو » كما كان عليه بيان عدل الواجب لو كان له عدل.

والفرق بين هذا الوجه وسابقه واضح ، فان سابقه يحاول إثبات الانحصار من طريق إثبات ترتب الجزاء على الشرط وعدم تأثير غيره فيه لو سبقه أو قارنه. وهذا الوجه يحاول إثبات الانحصار من طريق عدم تأثير غيره فيه لو انعدم هنا الشرط وجاء غيره. فلو لم يثبت الوجه السابق ـ كما تقرر ـ ولم يعلم انفراد تأثير الشرط وعدمه في صورة تقدم غيره عليه أو مقارنته أمكن دعوى ثبوت هذا الإطلاق وإثبات الانحصار به ، لاختلافهما منهجا وان اتحد نتيجة. فلاحظ.

وقد ناقش صاحب الكفاية هذا الوجه : بأنه لا وجه لقياس المقام بمقام الوجوب التعييني والتخييري ، لأن الوجوب التعييني يختلف نحوه وسنخه عن الوجوب التخييري ، فان نحو تعلق الوجوب التعييني يختلف عن نحو تعلق الوجوب التخييري وكان الثاني يحتاج إلى بيان وجود العدل والبديل فيتمسك في نفيه بالإطلاق ـ ولا يختلف الحال في ذلك بين ان نلتزم بان الوجوب التخييري سنخ وجوب متعلق بكليهما أو انه متعلق بالجامع الانتزاعي فانهما يختلفان ، إذ الوجوب التخييري على الأول يقتضي ملاحظة كلا الأمرين ، وعلى الثاني

٢٣٢

يقتضي ملاحظة الأمرين والجامع الانتزاعي بينهما ، واما التعييني فهو لا يقتضي سوى ملاحظة أحد الأمرين المعين ، فيحتاج الوجوب التخييري إلى مئونة بيان أكثر من إطلاق ـ.

اما الشرط : فهو لا يختلف سنخا في صورة التعدد والانحصار ، فشرطية الشرط وترتب الأثر عليه وتأثيره في الجزاء بنحو واحد سواء اتحد الشرط أو تعدد ، فوجود شرط آخر لا يوجب مغايرة تأثير الشرط لما إذا لم يكن شرط آخر ، وإذا لم يكن للشرطية نحو ان في مقام الثبوت لم يتفاوت الحال في مقام الإثبات حينئذ كما لا يخفى.

نعم ، إذا كان المتكلم في مقام بيان ما هو الشرط لا بيان شرطية الشرط ، كان سكوته عن ذكر شرط آخر وعدم بيانه لشرطية غير ما ذكره كاشفا عن وحدة الشرط وانحصاره ، لكنه لا يكون في هذا المقام الا من باب الاتفاق وهو لا يصحح القول بالمفهوم بقول مطلق.

هذا ما أفاده صاحب الكفاية بتوضيح (١).

ولكن المحقق النائيني قدس‌سره التزم بثبوت مفهوم الشرط بهذا الوجه من الإطلاق ، فأفاد في بيانه : ان الشرط المذكور في القضية الشرطية اما ان يكون مما يتوقف عليه متعلق الحكم في الجزاء عقلا ، نظير قوله : « إذا رزقت ولدا فاختنه » ، وفي مثله لا يكون للقضية الشرطية مفهوم ، بل يكون حالها حال اللقب في عدم الدلالة على المفهوم. واما ان لا يكون مما يتوقف عليه متعلق الحكم في الجزاء عقلا نظير قوله : « إذا جاءك زيد فأكرمه » ، فان إكرام زيد لا يتوقف عقلا على مجيئه. وفي مثله يكون الحكم مقيدا به ، وذلك لأنه لا يخلو الحال من ان يكون مطلقا بالإضافة إليه أو مهملا أو مقيدا. وبما ان الإهمال يمتنع في مقام

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ١٩٦ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٢٣٣

الثبوت ، والإطلاق ينافي ترتيب الحكم عليه ، فيتعين ان يكون مقيدا به.

وإذا ثبت بهذا البيان تقييد الحكم بالشرط ، فإذا كان المتكلم في مقام البيان وأتي بقيد واحد ولم يقيده بشيء ، بواسطة العطف بالواو كي يكون القيد هو المركب منه ومن غيره ، أو بواسطة العطف بـ : « أو » كي يكون القيد أحد الأمرين على البدل ، فلم يقل : « إذا جاءك زيد وأكرمك فأكرمه » أو : « إذا جاءك زيد أو أكرمك فأكرمه » ، يستكشف من الإطلاق ان القيد خصوص ما ذكر ليس إلاّ ، وهذا نظير استفادة الوجوب التعييني من الإطلاق ونفي البدل له.

ثم قال قدس‌سره بعد هذا البيان : « ومما ذكرناه ظهر فساد ما أورده في الكفاية على هذا التقريب ، بان سنخ الوجوب التعييني مع التخييري متباينان ، فإذا لم يكن المولى في مقام الإهمال فيستكشف التعيين من الإطلاق لا محالة ، وهذا بخلاف المقام فان ترتب المعلول على علته المنحصرة ليس مغايرا في السنخ مع ترتبه على غير المنحصر ، بل هو في كليهما على نحو واحد فلا يمكن إثبات الانحصار بالإطلاق. وجه الفساد : هو ان التمسك بالإطلاق ليس من جهة إثبات انحصار العلة حتى يرد عليه ما ذكره ، لما عرفت من انه ليس كون الترتب بنحو المعلولية مفادا للقضية الشرطية ، بل مفاده انما هو ترتب التالي على المقدم ليس إلاّ ، ولازم ذلك في خصوص القضايا الشرطية التي لم تسق لبيان الموضوع هو تقييد الجزاء بوجود الشرط ، وحيث ان حال التقييد مع الانحصار وعدمه تختلف لا محالة ، فيكون إطلاق القيد وعدم ذكر عدل له مفيدا لانحصاره لا محالة ... » انتهى ما أفاده قدس‌سره (١).

ويتوجه عليه : ـ مع غض النّظر عما بنى عليه أصل تحقيقه من رجوع الشرط إلى المادة المنتسبة ـ.

__________________

(١) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ١ ـ ٤١٨ ـ الطبعة الأولى.

٢٣٤

أولا : ان ما ذكره في بيان تقييد الحكم بالشرط جار في مطلق الأحكام بالنسبة إلى موضوعاتها ، وعليه فمقتضى الإطلاق اختصاص الحكم بموضوعه وعدم ثبوته لغيره ، وهو يتنافى مع إنكار مفهوم اللقب.

وثانيا : ان أساس التمسك بالإطلاق بحسب ما أفاده هو إفادة الجملة الشرطية لترتب الجزاء على الشرط الملازم للتقييد به ، ولو تم ذلك لجرى هذا البيان في مطلق القضايا لإفادتها ترتب الحكم على موضوعه ، إذا إفادة الترتب لا تختص بالجملة الشرطية.

وثالثا : عدم تمامية ما ذكره من الإطلاق ، إذ لا يختلف التقييد المنحصر وغيره سنخا ، وليس الانحصار وعدمه من حالات التقييد كي ينفي أحدهما بالإطلاق لاحتياجه إلى مئونة ، بل العطف بـ « أو » لا يرجع إلى بيان خصوصية التقييد ، بل هو من قبيل ضمّ كلام إلى آخر.

نعم لو كان المتكلم في مقام بيان ما هو القيد كان مقتضى الإطلاق المقامي انحصار القيد بما هو مذكور في الكلام ، لكن لو كان نظره قدس‌سره إلى هذا لم يكن بحاجة إلى البيان الطويل والمقدمة المفصلة التي ذكرها.

ورابعا : ان عدم العدل والبدل للشرط ليس بمفاد الإطلاق المقابل للعطف بـ « أو » كالوجوب التعييني ، إذ لو كان غيره قيدا وشرطا كان كل منهما مؤثرا لا أحدهما على البدل كما هو الحال في الوجوب التخييري ، فلا يصح ان يقال : « ان جاءك زيد أو أكرمك فأكرمه » ، بل الصحيح ان يقال : « ان جاءك زيد فأكرمه » وهكذا : « ان أكرمك أكرمه » فتشبيه المقام بالوجوب التعييني والتخييري في غير محله. ومن هنا تعرف ان هذا الإشكال كما يرد على المحقق النائيني يرد على صاحب الكفاية لأنه ارتضى تشبيه المقام بالوجوب التخييري ، لكنه أورد على الإطلاق من جهة أخرى.

وتحصل لدينا انه لم ينهض وجه من وجوه الإطلاق الثلاثة على إثبات

٢٣٥

المفهوم.

وتحقيق الحال ان يقال : ان القضايا الشرطية على أنحاء ثلاثة :

الأول : ما ذكر الشرط فيها لبيان الموضوع ولمجرد فرضه فقط من دون إرادة الانتفاء عند الانتفاء قطعا نظير ما يقال في قوله عليه‌السلام : « ان الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه » ، فانها لا تدل على انه إذا حلل شيئا حلل ثمنه ، لأنها سيقت لمجرد فرض الموضوع لا أكثر.

الثاني : ما يذكر بلسان الحكومة كما لو قال : « أكرم العلماء » ثم قال : « هذا إذا كانوا عدولا » ، فان القضية الشرطية شارحة ومفسرة للعلم. وفي مثل ذلك تدل على الانتفاء عند الانتفاء لكنها لا من باب المفهوم بل من باب التحديد والشرح. فمن ينكر مفهوم الشرط لا يمتنع عنده الالتزام بنتيجة المفهوم في مثل هذا النحو من القضايا الشرطية.

الثالث : ما استعملت وأريد بها المفهوم ، بل يصرح بالمفهوم في بعضها فيقال : « ان جاءك زيد فأكرمه وإلاّ فلا » ، ومثل هذا كثير في القضايا الشرعية والعرفية ، وهو محل البحث ، إذ الظاهر ان الاستعمال فيها لا يكون عنائيا ومسامحيا ، اذن فما هي الخصوصية التي تقتضي الدلالة على المفهوم؟ ليس لدينا بعد إنكار ما تقدم من الوجوه سوى طريقين :

الأول : الالتزام بأنها مستعملة في هذه الموارد في تعليق الجزاء على الشرط. وقد تقدم انه يلازم المفهوم.

ولكن لا يسعنا الالتزام بذلك لوجهين :

أحدهما : انك عرفت انها ظاهرة في الترتب ، فيكون استعمالها في التعليق استعمالا مجازيا ، مع ان المفروض كون هذه الاستعمالات حقيقية.

ثانيهما : ان الكل يلتزم ـ بناء على المفهوم ـ في مورد تعدد الشرط ووحدة الجزاء بمعارضة مفهوم إحدى القضيتين مع منطوق الأخرى ، مع انه لو كانت

٢٣٦

الجملة مستعملة في التعليق لكان التعارض بين المنطوقين لمنافاة الشرط الآخر لمقتضى التعليق في كل منهما.

الثاني : ان تكون مستعملة في مقام إفادة ما هو الشرط ، فيكون مقتضى الإطلاق المقامي انحصار الشرط بالمذكور.

وهذا الوجه قريب إلى نظر العرف ، وحينئذ يقال : انه حيث كان الغالب في الاستعمالات العرفية استعمال القضية الشرطية في هذا المقام ، ففي مورد يشك فيه يلحق بالغالب فان الغلبة بحد تكون من الأمارات العرفية الموجبة لظهور الكلام في ذلك.

ولو لا هذا الوجه لما كان للمفهوم وجه يرتكن عليه ، وإنكاره يستلزم تأسيس فقه جديد. فالتفت.

وبالجملة : فلا طريق إلى إثبات المفهوم سوى الإطلاق المقامي.

ولا يرد عليه ما أورده المحقق الأصفهانيّ على المحقق النائيني من : ان التمسك بالإطلاق يتوقف على ثبوت المطلق في مورد انتفاء القيد وانحفاظه فيه ، فلا معنى للتمسك بإطلاق الكلام بلحاظ صورة انتفاء الشرط وعدمه (١).

وجه عدم وروده : ان هذا على تقدير تماميته وارد لو كان المتمسك به إطلاق اللفظ.

اما بالنسبة إلى الإطلاق المقامي فلا يرد ، إذ معنى الإطلاق المقامي هو التمسك بعدم بيان المتكلم وسكوته في مورد يكون عليه البيان لو كان مريدا للقيد ، ففيما نحن فيه يكون مقتضى الإطلاق المقامي عدم وجود شرط غير ما ذكر في الجملة ولازمه الانتفاء عند الانتفاء فتدبر.

هذا تمام الكلام في تحقيق ما هو محل الكلام.

__________________

(١) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ٣ ـ ٣٨٨ ـ هوامش الجزء الأول ـ الطبعة الأولى.

٢٣٧

ويقع الكلام بعد ذلك في :

تنبيهات مفهوم الشرط

التنبيه الأول : ذكر صاحب الكفاية ان المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم المعلق على الشرط عند انتفائه ، لا انتفاء شخصه ، ولا يجري الكلام في المفهوم وعدمه الا فيما كان ثبوت السنخ ممكنا (١).

وقد تعرض غيره إلى هذا المطلب.

وعلى كل حال فيقع الكلام ـ بعد الفراغ عن توقف المفهوم على تعليق السنخ لا الشخص ـ في جهات ثلاث :

الأولى : في بيان المراد من السنخ ، وضرورة كونه مدلولا للكلام في ثبوت المفهوم.

الثانية : في طريق معرفة كونه مدلولا للكلام.

الثالثة : فيما تعرض إليه صاحب الكفاية من البحث في موارد الأوقاف والوصايا والنذور ، وان الانتفاء فيها عند انتفاء الشرط ليس من المفهوم في شيء.

اما المراد من السنخ : فقد تقدم بيانه ، كما تقدم بيان ما أفاده المحقق الأصفهاني من عدم تصور معنى صحيح للنسخ ومناقشته.

واما ما أفاده من ان مدلول الجزاء في القضية الشرطية هو شخص الحكم لكن لا بما هو شخص ، بل هو وجوب ( مثلا ) وهو يلازم المفهوم ، فلا يتوقف المفهوم على تعليق سنخ الحكم ، بل يثبت عند تعليق شخصه بهذا المعنى.

فهو ثبوتا امر معقول ولازمه ما عرفت من عدم ابتناء المفهوم على تعليق

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ١٩٨ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٢٣٨

سنخ الحكم ، واما إثباتا فسيأتي الكلام فيه.

واما إثبات تعليق السنخ دون الشخص فقد ذكر له وجوه :

الأول : ما ذكره في الكفاية من ان مدلول الهيئة مفهوم الوجوب ـ مثلا ـ ، لأن الحروف موضوعة للمفاهيم كالأسماء. والفارق بينهما في اللحاظ الآلي والاستقلالي وهو من شئون الاستعمال لا من شئون الموضوع له أو المستعمل فيه (١).

وفيه : ما عرفت في مبحث المعنى الحرفي من عدم تمامية هذا الرّأي ، وان الموضوع له الحرف خاص ، وهو عبارة عن النسبة الكلامية المعبّر عنها بالوجود الرابط.

الثاني : ما ذكره المحقق النائيني قدس‌سره من ان الحكم تارة يكون مؤدّى الاسم ، مثل كلمة : « يجب » ونحوها. وأخرى يكون مؤدى الحرف كهيئة : « أكرم ».

فعلى الأول : لا إشكال ، إذ مدلول الاسم مفهوم الوجوب.

واما على الثاني : فقد يشكل بان مدلول الحرف معنى جزئي فلا يستفاد منه تعليق سنخ الحكم. وأجاب عنه بما اختاره ـ في الواجب المشروط ـ من : ان المعلق على الشرط ليس مدلول الهيئة ، لأنه معنى حرفي غير قابل للتعليق ، وانما هو المادة المنتسبة إلى الوجوب. وعليه فيكون المعلق في الحقيقة هو الوجوب العارض للمادة وعند انتفاء الشرط يكون مرتفعا عنها. غاية الأمر ان المعلق في هذا القسم حقيقة الوجوب. وفي القسم الأول المفهوم باعتبار فنائه في الحقيقة (٢).

وفيه : ـ مع غض النّظر عما أفاده من رجوع القيد إلى المادة المنتسبة ، وما فيه من الإشكال ، وقد تقدم في مبحث الواجب المشروط ـ ان غاية ما انتهى إليه

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ١٩٩ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٢) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ١ ـ ٤٢٠ ـ الطبعة الأولى.

٢٣٩

هو تعليق الوجوب العارض للمادة ، وهذا لا ينتهي إلى تعليق سنخ الوجوب ، بل هو لازم أعم لتعليق طبيعة الوجوب وشخصه. فأي طريق لإثبات تعليق الطبيعة ، ومن أي شيء استفادة ذلك؟

الثالث : ما أفاده السيد الخوئي في حاشيته في أجود التقريرات من : ان حقيقة إنشاء الوجوب عبارة عن إظهار اعتبار كون فعل ما على ذمة المكلف ، فإذا كان المعتبر بالاعتبار المزبور معلقا على وجود شيء مثلا استلزم ذلك انتفاءه بانتفائه ولا يفرق في ذلك بين ان يكون الاعتبار مستفادا من الهيئة وان يكون مستفادا من المادة المستعملة في المفهوم الاسمي باعتبار فنائه في معنونه (١).

وبالجملة : فهو يرجع القيد إلى المعتبر لا الاعتبار ـ والمفروض ان المعتبر مفهوم الحكم لا حقيقته ، إذ الاعتبار يرد على المفاهيم لا على الوجودات ـ. وهذا امر التزم بنظيره المحقق الإيرواني في بيع الفضولي بعد الإجازة ، فادعى ان اعتبار الملكية من حين الإجازة ، لكن المعتبر هو الملكية من حين العقد وهو المعبر عنه بالكشف الحكمي. فالتفكيك بين الاعتبار والمعتبر مما التزم به الإيرواني وتبعه عليه السيد الخوئي.

ولكن ما ذكره السيد الخوئي هنا لا يمكننا الالتزام به ـ مع غض النّظر عن صحة تقييد المعتبر بقيد غير فعلي أو تعليقه عليه مع كون الاعتبار فعلا وعدم صحته ، فتحقيقه له مجال آخر ـ لأن المعتبر المعلق على الشرط اما مفهوم الحكم أو وجوده ، يعني ان الاعتبار اما ان يكون واردا على مفهوم الحكم المعلق على الشرط أو يكون واردا على وجوده المعلق على الشرط.

فعلى الأول : ففيه : مضافا إلى عدم تصور تعليق المفهوم على شيء ، إذ التعليق بلحاظ وجود الشيء لا بلحاظ ذات الشيء ، ان اعتبار المفهوم المعلق

__________________

(١) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ١ ـ ٤٢٠ هامش رقم (١) ـ الطبعة الأولى.

٢٤٠