منتقى الأصول - ج ٢

السيد عبد الصاحب الحكيم

منتقى الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيد عبد الصاحب الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٦

عدم الحرمة التعليقية ليس من آثار الحلية الفعلية شرعا كما لا يخفى. بخلاف استصحاب الحرمة التعليقية فانه ينفي الحلية الفعلية بعد الغليان شرعا وبالملازمة الشرعية ، لأن عدم الحلية من آثار الحرمة التعليقية شرعا.

وعليه ، فعدم العمل باستصحاب الحلية يكون بوجه ، وعدم العمل باستصحاب الحرمة التعليقية يكون بدون وجه أو على وجه دوري ، فيتعين العمل باستصحاب الحرمة التعليقية ، وهذا الوجه أحسن ما يقال في جواب دعوى المعارضة. فقد قيل في جوابها وجوه لا تخلو عن مناقشة ظاهرة ، فراجع مبحث الاستصحاب التعليقي في الأصول.

وبعد جميع هذا يحسن التعرض لتنبيهات المسألة ، وهي ثلاثة :

التنبيه الأول : ـ وقد ذكره في الكفاية (١) ـ كما أشرنا إليه فيما تقدم (٢) ، ان موضوع الكلام في الاجزاء ما إذا كان هناك حكم ثابت ظاهري أو اضطراري ، فيبحث عن كونه مجزيا عن الواقع وعدمه.

اما إذا لم يكن هناك حكم متقرر له ثبوت ، وانما تخيل ثبوته ، فهو أجنبي عن بحث الاجزاء ، إذ لا حكم كي يبحث عن اجزائه وعدمه ، بل عدم الاجزاء في مثله مما لا كلام فيه ، إذ لا يتجه الاجزاء بوجه من الوجوه المذكورة له لعدم انطباقها عليه. ومن هنا يظهر عدم الإشكال في عدم الاجزاء فيما إذا قطع بحكم ثم انكشف خلافه ، إذ القطع لا يوجب تحقق الأمر لا واقعا ولا ظاهرا ، فلا يكون في البين إلاّ تخيل لثبوت الحكم. فلا وجه لاجزاء المأتي به مع عدم كونه الواقع.

نعم قد يكون ما أتى به مشتملا على مقدار من المصلحة ، بحيث لا يمكن معه تدارك الباقي من مصلحة الواقع ، فلا يجب الإتيان بالواقع حينئذ ، لكنه ليس

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٨٨ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٢) راجع ٢ ـ ٤٥ من هذا الكتاب.

٨١

من جهة اجزاء المقطوع به عن الواقع ، بل من باب عدم إمكان تدارك مصلحة الواقع الباقية ، ولكن هذا إثباتا يحتاج إلى دليل خاص ، وقد ثبت في بعض الموارد كما إذا صلّى جهرا في مورد الإخفات وبالعكس ، وكما إذا صلّى تماما في السفر مع الجهل بكون الوظيفة غير ما أتى به ، فان الدليل دل على الاكتفاء بالعمل وعدم لزوم الإعادة مع معاقبته على تقصيره في السؤال والتعلّم ، مما يكشف عن عدم كون ما أتى به متعلقا للحكم ، وانما هو محصل لبعض المصلحة بحيث لا يمكن تدارك الباقي ، ولذا لا تجب الإعادة ولكن يعاقب على ذلك باعتبار انه فوّت على نفسه مصلحة الواقع الملزمة.

التنبيه الثاني : ـ وقد ذكره في الكفاية أيضا (١) ـ وموضوعه ، بيان عدم الملازمة بين الاجزاء والتصويب ، فانه قد يتوهم ملازمة القول بالاجزاء للتصويب ، لأن مرجع الاجزاء إلى كون الواقع هو مؤدى الأمارة الّذي هو التصويب. وانه كان من الجدير بالذكر ان يذكر هذا الأمر وجها لإبطال الاجزاء ، فيقال : ان الاجزاء ملازم للتصويب ، وهو ـ أي التصويب ـ باطل بالإجماع ، فكذلك ما هو لازم له وهو الاجزاء.

والّذي ادعاه في الكفاية نفي ملازمة القول بالاجزاء للتصويب ، بل عدم معقوليته ، لاستلزامه لزوم عدم الشيء من وجوده.

وبيان ذلك : ان الحكم له في نظر صاحب الكفاية مراتب أربع ، مرتبة الاقتضاء ومرتبة الإنشاء ومرتبة الفعلية ومرتبة التنجيز ـ وشرح المراد من كل منها ليس محله هاهنا ، وانما المقصود هنا الإشارة إليها ـ ، والّذي يرتبط بمحل الكلام فعلا من هذه المراتب هو مرتبة الفعلية والإنشاء دون مرتبتي الاقتضاء والتنجز ، ثم ان الّذي ذهب إليه صاحب الكفاية في الجمع بين الأحكام الظاهرية

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٨٨ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٨٢

والواقعية ، كما أشرنا إليه ، هو كون الحكم الواقعي في موارد الطرق والأمارات إنشائيا ، بحيث لو حصل العلم به يصير فعليا ، سواء في ذلك القول بالطريقية والقول بالسببية ، فان الواقع يكون إنشائيا والأمارة مانعة عن فعليته لا أكثر.

ولا يخفى ان الحكم الّذي دلت الأدلة على اشتراك العالم والجاهل فيه انما هو الحكم الإنشائي ، فان أدلة الاشتراك لا تقتضي أكثر من ذلك ، اما الحكم الفعلي فهو يختص بالعالم لأن موضوعه العلم بالحكم الإنشائي.

وبهذا البيان ظهر ان القول بالاجزاء الّذي هو فرع الالتزام بالسببية في حجية الأمارة ، لا يلازم التصويب بمعنى ارتفاع الحكم الواقعي ، لبقاء الحكم الواقعي على ما هو عليه ، ولكنه بمرتبة الإنشاء والأمارة المخالفة مانعة عن فعليته. وهكذا الحال لو التزم بالاجزاء بناء على الطريقية. بل لا يعقل التصويب في مورد الأمارة والحكم الظاهري ، لأن الجهل بالحكم الواقعي مأخوذ في موضوع الحكم الظاهري ، فلا بد ان يفرض ثبوت واقع يتعلق به الجهل والعلم ، فلو فرض ارتفاع الحكم الواقعي بقيام الأمارة يرتفع الشك في الواقع فيلزم ارتفاع موضوع الحكم الظاهري ، فيلزم من وجود الحكم الظاهري عدمه وذلك محال. هذا إيضاح ما ذكره في الكفاية.

والتحقيق ان يقال : انه ان التزمنا في الجمع بين الأحكام الظاهرية والأحكام الواقعية بما يلتزم به صاحب الكفاية ، من ان الأحكام الواقعية أحكام إنشائية ، كان الحق ما ذهب إليه صاحب الكفاية في المقام من عدم الملازمة بين الاجزاء والتصويب. وان لم نلتزم بذلك اما من جهة ان المرتبة الإنشائية للحكم بالمعنى الّذي يفرضه لها صاحب الكفاية ، لا يمكن تعلّقه ، وبمعنى آخر معقول ـ يذكر في محله ـ ترجع إلى المرتبة الفعلية ، والحكم الّذي يكون مشتركا بين العالم والجاهل هو الحكم الفعلي ، وهو الّذي يقع البحث في ارتفاعه وبقائه في موارد الأمارات والطرق. واما من جهة ان المرتبة الإنشائية بالنحو الّذي يصوّرها

٨٣

صاحب الكفاية وان كان امرا معقولا في نفسه إلاّ ان الحكم الّذي يشترك فيه العالم والجاهل هو الحكم الفعلي لا الإنشائي ، لأن الحكم الفعلي هو الّذي فيه جهة البعث دون الإنشائي ، فانه لا بعث فيه ، بل هو في الحقيقة ليس حكما.

وبالجملة : لو لم نلتزم بمذهب صاحب الكفاية والتزمنا بان الحكم الواقعي في مورد الطرق والأمارات فعلي لا إنشائي ، فهل الالتزام بالاجزاء يلازم التصويب وارتفاع الحكم الواقعي أو لا؟. نقول : انه حيث عرفت ابتناء القول بالاجزاء على القول بالسببية ، فان كان شأن السببية ومرجعها إلى رفع الحكم الواقعي بلحاظ ثبوت المصلحة المعادلة لمصلحة الواقع في مؤدى الأمارة ، فيوجب ذلك تخيير الشارع بين العمل بالواقع والعمل على طبق الأمارة ، فيرتفع الوجوب التعييني الواقعي ويصير الوجوب الثابت تخييريا ، وعلى هذا الأساس يقال بالاجزاء ، لأن الواجب أحدهما وقد جاء به فيتحقق الامتثال ـ إذا كان مرجع السببية إلى ذلك ـ ، فالقول بالاجزاء ملازم للتصويب ، لارتفاع الحكم الواقعي الثابت ، فان الحكم الواقعي كان هو الوجوب التعييني وقد فرض تبدّله إلى الوجوب التخييري بقيام الأمارة. وان كان مرجع السببية إلى رفع موضوع الحكم الواقعي بقاء لا حدوثا ، فيسقط امتثاله في مرحلة البقاء لارتفاع موضوعه ، وذلك ببيان : ان الحكم الواقعي يبقى فعليا على ما هو عليه ، إلا انه بعد الإتيان بمؤدى الأمارة المشتمل على مصلحة يستوفي بها مصلحة الواقع لا يبقى مجال بعد ذلك لامتثال الواقع لسقوطه باستيفاء مصلحته ، فيكون نظير ما لو وفى عمرو الدّين الّذي في ذمة زيد ، فان المأمور بالوفاء وان كان زيدا لكنه بأداء عمرو يرتفع موضوع الأمر فيسقط بعد ان كان. فالحكم الواقعي لا يرتفع بقيام الأمارة ، بل يبقى لكنه يسقط بامتثال الأمر الظاهري ، لارتفاع موضوعه في مرحلة البقاء لا الحدوث وإلاّ لزم ارتفاعه بقيام الأمارة. ان كان مرجع السببية ذلك لم يكن القول بالاجزاء ملازما للتصويب ، لبقاء الأمر الواقعي على ما كان عليه وعدم ارتفاعه

٨٤

بقيام الأمارة.

والّذي يتحصل : ان القول بالاجزاء لا يلازم التصويب بقول مطلق ، حتى بناء على السببية التي يلتزم بها أهل الخلاف ، فيكون ذلك جهة إيراد على القائلين بالاجزاء. والّذي كان بناؤنا عليه في الدورة السابقة هو ملازمة القول بالاجزاء للتصويب حتى بناء على السببية بمعنى المصلحة السلوكية ، فانتبه وتدبر.

التنبيه الثالث : ـ وقد ذكره المحقق النائيني قدس‌سره ـ انه لا فرق في عدم الاجزاء وكونه مقتضى القاعدة الأولية بين اختلاف الحجة بالنسبة إلى شخص واحد أو شخصين ، فكما لا يجوز ترتيب آثار الواقع على ما كان يبني عليه أولا من الحكم تبعا للحجة كذلك لا يجوز ترتيب آثار الواقع على ما قامت عليه الحجة إذا كانت الحجة لديه على خلافه ، فلا يجوز لمن لا يرى صحة العقد بالفارسية ان يكون أحد طرفي العقد مع من يرى صحة العقد بالفارسية وأجراه بذلك. وهكذا لمن يرى نجاسة العصير العنبي لا يجوز ان يعامل مع من يرى طهارته معاملة الطاهر إذا علم بملاقاته للعصير. ولا يجوز لمن يرى جزئية السورة ان يقتدي بمن لا يرى جزئيتها إذا ترك السورة. وغير ذلك من موارد العبادات والمعاملات. نعم قد يستثنى من ذلك باب الطهارة والنجاسة ويحكم فيها بالاجزاء ، وذلك لما جرت عليه السيرة المتشرعة التي يعلم بانتهائها إلى زمان الأئمة عليهم‌السلام بلا ردع منهم ، على معاملة الناس معاملة الطهارة وان اختلفوا معهم في الرّأي في كيفية التطهير وإعداد النجاسات ، بل ويشهد لذلك صريحا معاملتهم مع أهل الخلاف معاملة الطاهرين مع اختلافنا معهم في تعيين النجاسات وكيفية التطهير منها ، فهم قد لا يرون الدّم نجسا أو يرون التطهير منه بمجرد زواله عن البدن أو الثوب ، ومع هذا يعاملون معاملة الطاهرين بلا

٨٥

توقف أحد مما يكشف عن انخرام قاعدة عدم الاجزاء في هذا الباب (١).

وأضاف السيد الخوئي إلى هذا الاستثناء استثناء باب آخر ، وهو باب النكاح متمسكا بما ورد من ان لكل قوم نكاحا ، فانه يدل على البناء على صحة نكاح كل من يرى عقده نكاحا وان لم يكن ثابتا عند الغير ، فيلزم ترتيب آثار الصحة على النكاح بالفارسية على من لا يرى صحته وهكذا (٢).

وتحقيق الحال يقتضي التكلم في جهات ثلاثة :

الجهة الأولى : فيما قرره من عدم الفرق في حكم عدم الاجزاء بين شخص واحد أو شخصين ، مرجعه إلى تفريع عدم إمضاء عمل شخص في حق الآخر إذا كان على خلافه في الرّأي تفريعه على عدم الاجزاء. وهو غير وجيه ، فان هذا البحث لا يرتبط ببحث الاجزاء أصلا ، إذ عدم إمضاء عمل شخص في حق الآخر المخالف له في الرّأي لا يختص بالبناء على عدم الاجزاء ، بل الحال أعم من القول بعدم الاجزاء والقول بالاجزاء.

واما على القول بعدم الاجزاء فواضح.

واما على القول بالاجزاء ، فلان أساسه على ما عرفت هو الالتزام بالسببية التي مرجعها إلى كون مؤدى الأمارة ذا مصلحة فعلية ملزمة ، فيكون التكليف الفعلي على طبق مؤدى الأمارة ، ومن الواضح ان هذا المعنى يختص بمن قامت لديه الأمارة ، اما من قامت عنده الأمارة على خلاف ذلك أو علم بالواقع فالحكم الفعلي في حقه هو ما قامت عليه الأمارة لديه أو ما علم به ، ولا ينقلب الواقع إلى ما قامت عليه الأمارة لدى الشخص الآخر لفرض انكشاف الواقع لديه اما تكوينا بالعلم أو تعبدا بالأمارة ، وتلك الأمارة لدى غيره ليست حجة

__________________

(١) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ١ ـ ٢٠٨ ـ الطبعة الأولى.

(٢) الفياض محمد إسحاق. محاضرات في أصول الفقه ٢ ـ ٢٨٦ ـ الطبعة الأولى.

٨٦

عليه كي يكون متعلقها ومؤداها ذا مصلحة واقعية مجزية عن الواقع. فالبحث في هذا الأمر لا يرتبط بالاجزاء وعدمه ، بل موضوع البحث فيها هو ما بيّنه الشيخ في مكاسبه (١) ، وأشار إليه في رسائله (٢) وهو ان الحكم الظاهري في حق شخص هل يكون حكما واقعيا في حق غيره أو لا؟ ومن الواضح ان صيرورته واقعيا في حق غيره مجرد وهم ولفظ لا أكثر.

الجهة الثانية : في كون استثناء باب الطهارة من جهة الحكم بالاجزاء فيها. وقد عرفت ان ذلك لا يبتني على الاجزاء ، فلا يجوز لمن يرى لزوم التعدد في التطهير من البول ترتيب آثار الطهارة على الصبّ مرة واحدة ممن يرى عدم لزوم التعدد ، لو قلنا بالاجزاء ، وإلاّ لزم ترتيب آثار الطهارة على مجرد زوال الدم عن بدن المخالف لأنه يرى الطهارة بذلك ولو علمنا بعدم وصول الماء إليه أصلا وهو مما لا يلتزم به أحد ، فالذي توجه به السيرة القطعية على معاملة الناس معاملة الطاهرين وان اختلفوا رأيا في باب الطهارة والنجاسة ، مع عدم العلم ببقاء النجاسة وعدم التطهير ، بل مع احتمال حصول الطهارة الواقعية هو أحد وجهين :

الأول : البناء على ان غيبة المسلم مطهرة مطلقا ولا تختص بمورد دون آخر ، بل مع احتمال حصول الطهارة الواقعية لبدن المسلم أو ثوبه في غيبته يبني على طهارته وان اختلف رأيا في كيفية التطهير.

الثاني : البناء على جريان أصالة الصحة في عمل الغير مطلقا ولو مع الاختلاف تقليدا أو اجتهادا في العمل الصحيح ، وذلك بترتيب آثار الصحيح الواقعي على العمل المأتي به إذا احتمل ان يكون قد جيء به على ذلك النحو ولو عفوا بدون اختيار وقصد ، فيرتب على تطهير من يرى اجزاء المرة آثار

__________________

(١) الأنصاري المحقق الشيخ مرتضى. المكاسب ـ ١٠١ ـ الطبعة الأولى.

(٢) الأنصاري المحقق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول ـ ٢٩ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

٨٧

الصحة الواقعية لا الصحة عند الفاعل. وهذه المسألة خلافية ، وقد التزم بها بعض ، وتحقيق أحد الطرفين فيها يكون في بعض جهات الكلام في أصالة الصحة ، وموضوعها ان دليل أصالة الصحة هل هو يقتضى ترتيب آثار الصحة الواقعية على العمل أو الصحة الفاعل؟ فراجع.

الجهة الثالثة : فيما استثناه السيد الخوئي ( حفظه الله ) ـ أعني باب النكاح ـ مستدلا بما ورد من ان لكل قوم نكاحا. ومن الواضح ان هذا النص أجنبي عما نحن فيه ، فانه وارد لبيان إلغاء اعتبار الشروط المأخوذة في النكاح شرعا بالنسبة إلى نكاح غير المسلمين ، وان صحة النكاح بالنسبة إليهم مترتبة على ملاحظة الشروط المعتبرة لدينهم في النكاح ، وذلك لأن مقتضى عموم أدلة اعتبار الشروط هو اعتبارها في صحة كل نكاح سواء صدر من مسلم أو من غيره ، فهذا النص ورد لتخصيص اعتبار تلك الشروط الواقعية في نكاح المسلمين فقط ، فصحة نكاح المسلم تتوقف على توفره على الشروط المعتبرة فيه ، فإذا اختلف شخصان في ذلك وبنى أحدهما على فقدان نكاح الآخر لبعض الشروط لا يجوز ترتيب آثار الصحة عليه ، إذ النص المذكور لا يشمل مثل ذلك ، وانما هو ناظر إلى نكاح غير المسلمين من أقوام الكفر ، فلا يلغي اعتبار الشرط الواقعي بالنسبة إلى نكاح المسلم إذا كان يرى عدم اعتباره ، بل هو يؤكد اعتبارها ويخصصه بنكاح المسلمين.

هذا تمام الكلام في هذا التنبيه. وبه يتم الكلام في الاجزاء (١) (*).

__________________

(١) وقد تم تدريسا في يوم ١٤ ـ ع ١ ـ ٨٥ وكتابة في يوم ٢ ـ ع ٢ ـ ٨٥ ، إذ لم أكن في المباحث الأخيرة في النجف الأشرف ، وقد كرر تقريرها عليّ سيدنا الأستاذ ( دام ظله ) ، فلا زال متفضلا.

(*) ملخص ما أفيد في الدورة المتأخرة في النجف الأشرف حول إجزاء الأمر الظاهري الوجه الثالث : من وجوه الإشكال على صاحب الكفاية هو : ان دليل التوسعة لا بد وأن يأخذ الطهارة مفروغا عنها ، ثم يثبت سعة الشرطية ، مع انه في مقام جعل الشرطية. =

٨٨

.....................................

__________________

= والجواب : إنه بمقتضى الحكومة يتكفل التوسعة بالمدلول الالتزامي ، فهو بالمطابقة يتكفل جعل الطهارة المستلزم لترتب الأثر وهو الشرطية ، فتكون دلالته على التوسعة بالالتزام نظير سائر موارد الحكومة المتكفلة للتوسعة. فتدبر.

كما إن إشكال : إن المورد من موارد الحكومة الظاهرية ، يمكن دفعه : مضافا إلى ما في المتن ، من إن الدليل يتكفل التوسعة الواقعية لدليل الشرطية ولا ينافي ذلك كونه متكفلا لحكم ظاهري ، إذ الحكم الظاهري لا يمتنع أن يكون له أثر واقعي.

ثم ان جريان مطلب الكفاية في أصالة الحل يبتني على أمرين : الأول : كون المراد من محرم الأكل هو هذا العنوان لا جعله طريقا إلى مصاديقه الخارجية كالأسد والهر. الثاني : كون الشرط هو كون الملبوس مما يؤكل لحمه لا أن المانع هو لبس محرم الأكل فلاحظ.

ثم إن الفرق بين الأمارة والأصل : ان مرجع التعبد بالأمارة إلى التعبد بوجود الشرط لأنه هو مؤدي الأمارة وهو لا أثر له الا الدخول في الصلاة ، فإذا انكشف الخلاف فلا وجه للإجزاء ، بخلاف الأصل فإنه يتعبد بنفس الطهارة ويجعلها ويوجدها ويترتب عليه صحة الصلاة لوجدان الشرط.

ثم ان ما ذكره في الكفاية من التمسك بإطلاق دليل الحجية بناء على السببية لإثبات الاجزاء غير واضح.

أما أولا : فلان عمدة الدليل هو بناء العقلاء ، وهو دليل لبي لا إطلاق له.

وإما ثانيا : فلأن دليل الحجية ولو كان لفظيا لا يتكفل الأمر.

وأما ما ذكره في مورد الشك من الرجوع إلى أصالة عدم سقوط التكليف مع العلم الإجمالي ، فقد يورد عليه : بأنه لا تنجيز للعلم الإجمالي هاهنا لخروج أحد طرفيه عن محل الابتلاء. والجواب : إنه لم يتمسك بالعلم الإجمالي وإنما تمسك بأصالة عدم إتيان ما يسقط به التكليف فتدبر. هذا ما يرتبط بمطلب الكفاية.

وأما تحقيق المقام : فلا بد من تحديد محل الكلام ، فقد يقال : إن عمدة البحث في الشبهات الحكمية لا الموضوعية ، ولكن الأمر بالعكس ، لأن جميع موارد الشبهة الحكمية أو أكثرها يرجع إلى تبدل الرّأي لأجل انكشاف عدم الحجية واقعا ، وهذا راجع إلى الأمر الظاهري التخيلي لا الأمر الظاهري الحقيقي ، وهو خلاف محل الكلام.

والحق في المقام اجزاء الأمر الظاهري الموضوعي أصلا كان أم إمارة في العبادات دون المعاملات. والسر فيه : إن الشارع حين يتحقق منه التعبد الظاهري المؤمن ـ مثلا ـ يكون قد تصدى للمنع عن حكم العقل بالاشتغال حين الشك أو استصحاب التكليف لو كان وقلنا بجريانه. ومع هذا يسقط الحكم الواقعي جزما بعدم قابليته للداعوية مع حكم العقل بالأمان إذ قوام التكليف بالداعوية ، وهي تتقوم بالخوف والرجاء ، فإذا أتى المكلف بالعمل ثم انكشف الخلاف فالموجب لثبوت التكليف الواقعي إما قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب أو إطلاق دليل الأمر الواقعي.

٨٩

.....................................

__________________

= أما قاعدة الاشتغال فلا تجري ، لأن الشك في حدوث التكليف.

واما إطلاق الأدلة ، فقد يقرب جريانه بان المورد كموارد الغفلة التي يسقط فيها التكليف ثم يعود بالالتفات. ولكن الحق عدم جريانه ، لأن المورد من مصاديق المسألة المعروفة وهي دوران الأمر بين عموم العام واستصحاب حكم المخصص ، وهو من موارد عدم العام لأنّ الثابت حكم واحد مستمر ، وقد انقطع استمراره ، فلا مجال للتمسك بالدليل لإثبات الحكم بعد الانقطاع ، كما في الأمر بالوفاء بالعقد فلاحظ.

وأما الحكم في موارد الغفلة ، فثبوته بعد الغفلة إنما هو للقطع بثبوت التكليف ، وعدم الفرق بين صورة عروض الغفلة من أول الأمر التي يكون للإطلاق فيها مجال ، وصورة العروض في الأثناء. ومن هنا يمكن أن يقرب ثبوت الحكم بعد الغفلة بأن الإطلاق المثبت للحكم بعد الغفلة مع كونها من أول الأمر يثبت الحكم بعد الغفلة في الأثناء بالملازمة ، والقطع بعدم الفرق. ومن هنا يتضح إن قيام الأمارة لو كان من أول الأمر لم يجر فيه البيان السابق ، لأنه يمكن التمسك بالإطلاق بعد زوال الجهل. ولكن هذا يقتضي ثبوت الحكم في الأمارة القائمة في الأثناء بالملازمة ، كما أشير إليه في صورة الغفلة.

وعلى هذا فيختص هذا البيان بخصوص الأمارة أو الأصل الّذي لا يمكن ان يقوم من الأول ، كقاعدة الفراغ ، أو التجاوز ، والظن في الركعات أو الأفعال ـ على تقدير اعتباره ـ ، ثم إنه لو تم هذا البيان لا يعارض بحديث لا تعاد لأن ظاهره ثبوت الإعادة في مورد قيام المقتضي لها وقد عرفت عدم تمامية المقتضي للإعادة في موارد قاعدة الفراغ ، فيختص مدلولها بخصوص النسيان. فتأمل.

ويمكن أن يقرب الاجزاء بوجهين آخرين : أحدهما : إنه عند قيام الأمارة أو الأصل يثبت جواز الاكتفاء بالعمل في مقام الامتثال ، وبعد الانكشاف يستصحب ذلك. ودعوى : إن الإطلاق حاكم على الاستصحاب.

تندفع : بان الإطلاق يثبت الحكم الواقعي ، وهو لا ينافي جواز الاكتفاء الثابت بالاستصحاب ، لأنه متفرع على الحكم الواقعي. ولكن هذا الوجه انما يتم في موارد يكون جواز الاكتفاء ثابتا شرعا ، كموارد قاعدة الفراغ والتجاوز. أما موارد البينة ونحوها فلا ، إذ جواز الاكتفاء فيها عقلي لا شرعي ، فلا معنى لاستصحابه. واستصحاب الطبيعي يكون من القسم الثالث وهو لا نلتزم به.

والآخر : إنه عند قيام الأمارة يثبت الترخيص في ترك الواقع ، فيستصحب ذلك بعد الانكشاف ، وهو ينفي الوجوب بناء على ما تقدم من إن الوجوب بحكم العقل الثابت بلحاظ الطلب وعدم الترخيص ، وإذا ثبت الترخيص فلا وجوب ولو كان هذا الترخيص بواسطة الأصل.

وقد يقال : إن مقتضي ذلك عدم ثبوت الوجوب مطلقا في موارد الأمر لاستصحاب الترخيص قبل التشريع. وهذا خلاف ما يبني عليه القوم من الأخذ بالدليل وإثبات الوجوب ، إلا إذا أثبت الاستحباب بالدليل.

وفيه : إن الترخيص قبل الشرع ثابت في ضمن الإباحة وقد انتفت قطعا هنا بوجود الطلب ولو استحبابا. واستصحاب طبيعي الترخيص من القسم الثالث من استصحاب الكلي وهو ممنوع وهذا بخلاف =

٩٠

.....................................

__________________

= ما نحن فيه فإن المستصحب هو الترخيص الظاهري الثابت سابقا الّذي يجتمع مع الطلب الواقعي ، وهو غير معلوم الزوال.

ثم إن هذا البيان وسوابقه للاجزاء يتأتّى حتى الأمارات القائمة على الحكم. ولا يختص بالموضوع فلاحظ.

ثم إنه لو تم الأجزاء على القول بالطريقية ، فلا إشكال في ثبوته على السببية لنفس البيانات. ولو فرض عدم الإجزاء والرجوع إلى إطلاق الأدلة الدالة على لزوم الإعادة أو القضاء. فهل يحكم بالإجزاء على السببية أو لا؟.

التحقيق : ان للسببية مسالك ثلاثة :

الأول : السببية بمعنى عدم الواقع إلا ما قامت عليه الأمارة ، وهذا هو المنسوب إلى الأشاعرة ومقتضاه هو الاجزاء ، بل لا موضوع للأجزاء وعدمه لأنه لا واقع هنا غير ما أدت إليه الأمارة حتى يقال إنه مجز عنه.

الثاني : المصلحة السلوكية التي بنى عليها الشيخ ، ومقتضاها التفصيل بين الالتزام بتبعية القضاء للأداء وكون التوقيت بنحو تعدد المطلوب ، والالتزام بعدم التبعية وانه بأمر جديد وان التوقيت بنحو وحدة المطلوب. فعلى الأول لا وجه للاجزاء من حيث القضاء ، إذ لم تفت الا مصلحة الوقت ، وأما مصلحة الفعل فهي قابلة للتدارك ، وعلى الثاني يلتزم بالأجزاء لفوات مصلحة الواجب السابق ، فلا بد من تداركه ومع تداركه لا يصدق الفوت الموضوع للقضاء.

الثالث : السببية المعتزلية الراجعة إلى انقلاب الواقع عما كان أولا ، ومقتضاها عدم الاجزاء ، إذ غاية ما يقرب الاجزاء عليها بأن المورد عليها يكون كموارد الأوامر الاضطرارية. لكن بيان الأجزاء في الأوامر الاضطرارية ـ الراجع إلى ان أدلة الأوامر الاضطرارية تقتضي تصنيف المكلفين ـ لا يجري هاهنا ، إذ لا يقتضي دليل الحجية ولا نفس الأمارة تصنيف المكلفين. كما ان الوجه الآخر الراجع إلى تكفل دليل الأمر الاضطراري تحقيق الشرط كالطهارة بالتيمم لا يجري هاهنا ، فلاحظ وتدبر.

يبقى الكلام في بعض خصوصيات كلام الكفاية كتفصيله على السببية بين إمارة الموضوع وإمارة الحكم وقد أوضحنا الفرق في المتن فلاحظ. وأما رجوعه مع الشك إلى أصالة عدم المسقط بضميمة العلم بالشغل فالمراد به كما تقدم ليس التمسك بالعلم الإجمالي بل بالعلم الإجمالي ولضميمة استصحاب ما يثبت بقاء التكليف ، فالتنجز بقاء بواسطة الاستصحاب. وهذا أحسن ما يمكن توجيه كلام الكفاية به ولا يرد عليه سوى إن هذا الاستصحاب من استصحاب الفرد المردد لا الكلي القسم الثاني ، لأن الوجوب لا يتعلق بطبيعي الصلاة الجامعة بين الظهر والجمعة ـ مثلا ـ فليس المستصحب كلي الوجوب بل الفرد المردد بين فرديه ، وليس نظير الحدث مما كان المجعول أمرا كليا لا تعلق له بشيء : وتحقيق ذلك الأمر في محله ، مع انه لو رجع إلى استصحاب القسم الثاني فنحن لا نقول به أيضا. فلاحظ.

٩١
٩٢

مقدّمة الواجب

٩٣
٩٤

مقدمة الواجب

قبل الخوض في المهم لا بد من التنبيه على جهة وهي : انه قد يتساءل عن جهة إطناب صاحب الكفاية في مبحث المقدمة. والبحث في أمور دقيقة نظرية ، مع اعترافه أخيرا بعدم الثمرة العملية لهذا البحث وان ما ذكر له من الثمرات ليس بثمرة له.

والجواب : ان موضوع هذا البحث الطويل وان كان بحسب العنوان والمدخل هو وجوب المقدمة ، لكن الواقع انه يشتمل على أبحاث دقيقة نظرية لا ترتبط في حقيقتها بوجوب المقدمة وعدمه ، وكل منها ذو آثار عملية في الفقه ومقام الفتوى. اما أصل وجوب المقدمة فالبحث عنه نفيا وإثباتا مختصر جدا مع انه غير خال عن الثمرة العملية كما سنشير إليه.

اما تلك الأبحاث الاستطرادية غير المرتبطة بوجوب المقدمة.

فمنها : البحث عن إمكان الشرط المتأخر ومعقوليته وعدمه ، فانه بحث دقيق طويل يستهلك قسما كبيرا من مبحث وجوب المقدمة ، مع انه لا علاقة له بوجوبها وعدمه ، فسواء كانت المقدمة واجبة أو غير واجبة يبحث عن إمكان الشرط المتأخر ، وتترتب عليه آثار عملية فقهية ، كإمكان الالتزام بالكشف في

٩٥

المعاملة الفضولية المتعقبة للإجازة بناء على إمكانه ، واما بناء على عدم إمكانه فلا مناص عن الالتزام بالنقل ، وثمرة كلا الالتزامين تظهر في النماء المتجدد الحاصل بين زمان العقد والإجازة ، فانه بناء على الكشف يكون للمشتري واما بناء على النقل فيكون للبائع لأنه نماء حدث في ملكه.

ومنها : بعض صغريات بحث المقدمة الموصلة ، وهو البحث عن كون المشروع من المقدمات العبادية هل هو الموصل منها أو الأعم؟ مع قطع النّظر عن وجوبه وعدمه وثمرة هذا البحث ظاهرة ، فان الإيصال إذا كان دخيلا في مشروعية الوضوء للصلاة مثلا ، فلازمه عدم صحة الوضوء إذا لم يترتب عليه الواجب ، بخلاف ما إذا لم يعتبر في المشروعية وكان المشروع مطلق المقدمة.

ومنها : البحث في إمكان الواجب المعلق وعدمه ، فانه مما لا يرتبط بوجوب المقدمة وعدمه وله آثار مهمة في الفقه ، كلزوم الإتيان بالمقدمة عقلا إذا لم يبنى على وجوبها شرعا ، وعلم المكلف انه لا يقدر على الإتيان بها عند دخول وقت الواجب.

وغير ذلك من المباحث التي لا تخفي على النبيه.

واما الثمرة العملية للبحث في وجوب المقدمة ، فهو كون المورد من موارد التعارض بناء على وجوب المقدمة لو كانت المقدمة محرمة وكونه من موارد التزاحم بناء على عدم وجوبها. بيان ذلك : انه إذا وجب شيء كإنقاذ الغريق وكانت له مقدمة محرمة ، وهي الاجتياز في ملك الغير بدون اذنه ، فلو قلنا بوجوب المقدمة كان المورد من موارد التعارض ، لعدم إمكان تعلق الحرمة والوجوب بشيء واحد ، فيتعارض دليل التحريم مع دليل الوجوب بخلاف ما إذا التزمنا بعدم وجوب المقدمة ، فانه يكون من موارد التزاحم ، لاختلاف متعلق الحكمين ، وعدم المحذور في جعل الحرمة والوجوب لكل من متعلقيهما في نفسه ، لكن الحكمين لا يمكن امتثالهما معا لعدم القدرة فيقع التزاحم بينهما ، ومن الواضح

٩٦

اختلاف الأثر العملي بين ما إذا كان المورد من موارد التعارض أو من موارد التزاحم.

وجملة القول : ان هذا الإطناب ليس موضوعه وجوب المقدمة ، بل موضوعه كثير من المباحث التي يتعرض لها بالمناسبة ، مع ان بحث وجوب المقدمة لا يخلو عن ثمرة عملية كما عرفت.

وبعد هذا يقع الكلام في أمور :

الأمر الأول : والبحث فيه من جهتين :

الجهة الأولى : في ان هذه المسألة مسألة أصولية أو فقهية أو غيرهما.

والّذي أفاده صاحب الكفاية رحمه‌الله هو : انه يمكن فرض المسألة بنحو تكون من المسائل الفقهية ، كأن يفرض البحث عن وجوب المقدمة وعدمه. كما يمكن فرضها بنحو تكون من المسائل الأصولية ، كأن يفرض البحث عن ثبوت الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها ، فانها بذلك تكون من المسائل الأصولية ، لأن نتيجتها تقع في طريق استنباط الحكم الشرعي ، وهو وجوب المقدمة المعينة كالوضوء ـ كما يشير إليه في أواخر المبحث ـ ، وبهذا الاعتبار لا بد من تحرير المسألة بهذا النحو كي تندرج في مسائل علم الأصول ولا تكون من المسائل الاستطرادية في هذا العلم ، إذ مع إمكان فرض البحث بنحو تكون من المسائل لا وجه لفرضه بنحو تكون خارجة عن العلم ويلتزم بان ذكرها بنحو الاستطراد. هذا مما أفاده في الكفاية (١).

وقد أفيد ـ خلافا له ـ بان المسألة لا يمكن ان تكون من المسائل الفقهية ، وذكر لذلك وجوه ثلاثة :

الأول : ـ ما أفاده المحقق النائيني رحمه‌الله ـ ان المسألة الفقهية ما كان

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٨٩ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٩٧

موضوعها امرا خاصا كوجوب الصلاة أو الصوم أو نحوهما. اما ما كان موضوعها عنوانا عاما ينطبق على عناوين خاصة فليست بمسألة فقهية ، وذلك كمسألة وجوب المقدمة ، فان المقدمة عنوان عام ينطبق على عناوين خاصة في الأبواب المختلفة كالوضوء ونحوه. فلا تكون من المسائل الفقهية وان كان محمول المسألة هو الوجوب وعدمه (١).

وأورد عليه المحقق العراقي رحمه‌الله : بالنقض ببعض المسائل الفقهية مما كان موضوعها عاما لا يختص بباب دون آخر ، كمسألة وجوب الوفاء بالنذر ، فانه يشمل كل منذور سواء كان صلاة أو حجا أو صوما أو غيرها. ومسألة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وعكسها ـ أي ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ـ فان الموصول يعم جميع العقود التي تنطبق عليها الصلة كالبيع والإجارة وغيرهما (٢).

الثاني : ـ ما أفاده المحقق العراقي قدس‌سره ـ ان المسألة الفقهية ما كان الحكم المبحوث عنه فيها ناشئا عن ملاك واحد ، ووجوب المقدمة ليس كذلك ، لأن وجوب كل مقدمة بوجوب ذيها ، فملاكه يكون ملاك وجوب ذيها ، ولا يخفى اختلاف الأحكام في الملاكات فملاك وجوب الصلاة غير ملاك وجوب الصوم وهكذا ، فوجوب المقدمة يختلف ملاكه باختلاف موارده فلا تكون المسألة من المسائل الفقهية (٣).

وفيه :

أولا : ان تعيين الضابط لمسائل العلم ليس امرا يرجع إلى اختيار كل أحد ، وإلاّ لما صح الإيراد بعدم الطرف والعكس على أحد ، بل الملحوظ فيه أحد

__________________

(١) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ١ ـ ٢١٣ ـ الطبعة الأولى.

(٢) الآملي الشيخ ميرزا هاشم. بدائع الأفكار ١ ـ ٣١٣ ـ الطبعة الأولى.

(٣) الآملي الشيخ ميرزا هاشم. بدائع الأفكار ١ ـ ٣١٢ ـ الطبعة الأولى.

٩٨

امرين : اما ان تكون هناك مسائل مجموعة اصطلح عليها باسم خاص ، فيلحظ الجامع بينها ويفرض كونه هو الضابط لمسائل العلم ، واما ان يلحظ الغرض والملاك في تدوين العلم وتحرير مسائله ، فينتزع الضابط للمسائل بلحاظه. واما فرض الضابط بلا لحاظ أحد هذين الأمرين ، بل بالاختيار ، فذلك ما لا وجه له.

ولا يخفى ان الضابط للمسألة الأصولية بلحاظ غرض علم الفقه ، انما هو كل ما يبحث فيه عن عوارض فعل المكلف الشرعية ، سواء تعدد ملاكه أو اتحد ، فمسألة وجوب المقدمة على هذا من المسائل الفقهية ، وزيادة قيد اتحاد الملاك بلا وجه ظاهر.

وثانيا : ان وجوب المقدمة بعنوان انها مقدمة يكون بملاك واحد في جميع موارده وهو ملاك المقدمية ، فانه هو الّذي يوجب ترشح الوجوب على المقدمة في كل الموارد وليس له ملاك آخر غيره.

الثالث : ـ وهو ما أفاده السيد الخوئي ( حفظه الله ) ـ ان البحث ليس عن خصوص وجوب مقدمة الواجب أو استحباب مقدمة المستحب وانما البحث في الحقيقة يرجع إلى مطلوبية مقدمة المطلوب بقول مطلق بلا خصوصية للوجوب والاستحباب ، وذكر الوجوب في العنوان ليس إلاّ لأهميته لا لخصوصية فيه ، ومعه لا تكون المسألة فقهية ، لأن جامع الطلب ليس من الأحكام الشرعية والعوارض التي تفرض لفعل المكلف ، إذ ما يعرض على فعل المكلف هو خصوصيات الطلب ، بل تكون المسألة مما يستنبط بواسطتها حكم شرعي وهو وجوب المقدمة أو استحبابها كما لا يخفى (١).

وفيه : ان جامع الطلب لو كان امرا متقررا في قبال الوجوب أو الاستحباب ، أو لم يكن كذلك ولكن كان البحث عن مطلوبية المقدمة بكلّي

__________________

(١) الفياض محمد إسحاق. محاضرات في أصول الفقه ٢ ـ ٢٩٣ ـ الطبعة الأولى.

٩٩

الطلب بلا نظر إلى خصوصية الوجوب والاستحباب ، كان ما ذكر في محلّه ، لكنه ليس كذلك ، بل الطلب المأخوذ في العنوان قد أخذ عنوانا ومرآتا للوجوب والاستحباب ، فالبحث يرجع في الحقيقة إلى وجوب مقدمة الواجب واستحباب مقدمة المستحب ، غاية الأمر انه يشار إليهما بلفظ وعنوان واحد.

وبعبارة أخرى : ان لكل من خصوصيتي الوجوب والاستحباب دخل في وجوب المقدمة واستحبابها ، وليس الترشح من جهة أصل الإرادة والطلب فقط ، وإلاّ لما اتجه وجوب مقدمة الواجب دون المستحب ، بل غاية ما يثبت مطلوبيتها ، اما كون الطلب وجوبيا فلا دليل عليه. فالانتهاء إلى وجوب مقدمة الواجب واستحباب مقدمة المستحب من البحث كاشف عن تعلق النّظر في البحث بخصوصيتي الوجوب والاستحباب ، غاية الأمر انه عبّر عنهما بعنوان واحد وهو لا يعني إلغاء الخصوصية ، وبذلك لا تخرج المسألة عن الفقه لأن البحث عن مطلوبية المقدمة عنوانا لا حقيقة. فتدبر.

والإنصاف : ان المسألة ليست من المسائل الأصولية ولا الفقهية ، وانما هي من مبادئ الأصول.

اما عدم كونها من مسائل الأصول : فلما عرفت في مبحث ضابط المسألة الأصولية من ان المسألة الأصولية ما كانت نتيجتها رافعة لتحير المكلف في مقام العمل ، اما تكوينا كمباحث الملازمات العقلية ، أو تعبدا ، كمباحث الأمارات. ولا يخفى ان هذه المسألة لا تتكفل هذه الجهة ، إذ لا تحيّر للمكلف في مقام العمل وأداء الوظيفة ، إذ لا بد عليه من الإتيان بالمقدمة تحصيلا لامتثال ذيها وجبت شرعا أو لم تجب ، فوجوب المقدمة وعدمه لا يؤثر في عمل المكلف أصلا.

واما عدم كونها من مسائل الفقه : فلان المسائل الفقهية ما يبحث فيها عن عوارض الفعل الشرعية العملية لا مطلق العوارض الشرعية. ولا يخفى ان وجوب المقدمة شرعا لا أثر عمليا له ، إذ لا إطاعة له ولا عصيان ولا ثواب عليه

١٠٠