معالم الإصلاح عند أهل البيت عليهم السلام

علي موسى الكعبي

معالم الإصلاح عند أهل البيت عليهم السلام

المؤلف:

علي موسى الكعبي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-19-5
الصفحات: ١٦٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

إبطال مزاعمهم وإسقاط القناع عن وجوههم ، بالحكمة والموعظة الحسنة والمنطق السليم ، مما جعلهم يرجعون إلى سواء السبيل.

ومن إجاباته عليه‌السلام لهم ، ما روي عن أبي جرير القمي ، قال : « قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك ، قد عرفت انقطاعي إلى أبيك ثم إليك ، ثم حلفت له : وحق رسول الله عليه‌السلام وحق فلان وفلان حتى انتهيت إليه بأنه لا يخرج مني ما تخبرني به إلى أحد من الناس ، وسألته عن أبيه أحي هو أو ميت ؟ فقال : قد والله مات. فقلت : جعلت فداك ، إن شيعتك يروون : أن فيه سنة أربعة أنبياء ، قال : قد ـ والله الذي لا إله إلّا هو ـ هلك. قلت : هلاك غيبة أو هلاك موت ؟ قال : هلاك موت ، فقلت : لعلك مني في تقية ؟ فقال : سبحان الله ! قلت : فأوصى إليك ؟ قال : نعم. قلت : فأشرك معك فيها أحداً ؟ قال : لا. قلت : فعليك من إخوتك إمام ؟ قال : لا. قلت : فأنت الإمام ؟ قال : نعم » (١). وكان نتيجة جهود الإمام الرضا والأئمة التالين له عليهم‌السلام أن ثاب كبار أقطاب الواقفة إلى رشدهم ، واستبصروا إلى طريق الحق.

١٣ ـ خلق الجنة والنار وخلودهما :

إنّ الجنة والنار في هذا الوقت مخلوقتان ، وبذلك جاءت الأخبار والآثار عن أهل البيت عليهم‌السلام ، وقد خالف في هذا القول المعتزلة والخوارج وطائفة من الزيدية (٢) ، وتعرض الأئمة عليهم‌السلام إلى تصحيح المقالات المخالفة

______________

(١) الكافي ١ : ٣٨٠ / ١.

(٢) أوائل المقالات : ١٢٤ / ١٣٤.

١٠١

في هذا السياق ، لوضعها في مسارها الصحيح.

عن أبي الصلت الهروي ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : « قلت له : يابن رسول الله ، فأخبرني عن الجنة والنار ، أهما اليوم مخلوقان ؟ قال : نعم. وإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد دخل الجنة ورأى النار لما عرج به إلى السماء. قال : فقلت له : إنّ قوماً يقولون : انهما اليوم مقدرتان غير مخلوقتين ؟ فقال : ما اُولئك منا ولا نحن منهم ، من أنكر خلق الجنة والنار فقد كذّب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكذّبنا ، وليس من ولايتنا على شيء ، ويخلد في نار جهنم. قال الله عزّوجلّ : ( هَٰذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ) (١) ، وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : لما عُرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل عليه‌السلام فأدخلني الجنّة ، فناولني من رطبها فأكلته ، فتحوّل ذلك نطفةً في صلبي ، فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ، ففاطمة حوراء إنسيّة ، فكلّما اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت رائحة ابنتي فاطمة » (٢).

١٤ ـ هداية الخلق :

إنّ أهل البيت عليهم‌السلام هم شمس الهداية لهذه الأمة وسفن نجاتها ، يقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم واتَّبعوا أثرهم ، فلن يخرجوكم من هدى ، ولن يعيدوكم في ردى » (٣).

وهذا نوع من التصحيح لمّا كان سائداً من أتباع غير من أمر الله

______________

(١) سورة الرحمن : ٥٥ / ٤٣ ـ ٤٤.

(٢) التوحيد : ١١٧ / ٢١ ، عيون أخبار الرضا ١ : ١١٥ / ٣.

(٣) نهج البلاغة ، خطبة ٩٧.

١٠٢

ورسوله باتباعه ، من قبل التمسك بسنة الشيخين ، ونحو ذلك من مفتريات عقائدية ما أنزل الله بها من سلطان ، وإرشاد الناس إلى معرفة الحق ، وفي طليعته التمسك بسنة أهل البيت عليهم‌السلام وسيرتهم العملية المتمثلة بسمو الأخلاق وحسن السمت والعبادة والزهد والتواضع وغيرها من معالي الأخلاق ، أو من خلال وعظهم وإرشادهم وكراماتهم التي حباها الله لهم ، ممّا له بالغ الأثر في إسلام غير المسلمين ، أو هداية واستبصار المنحرفين عن جادة الطريق ، وإنقاذهم من التردد في تيه الضلال إلى ساحل الأمان.

وهنا يسجل الأئمة عليهم‌السلام مواقف هي من صميم واجبات الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام ، لأنهم قادة الرسالة والمعنيين بتبليغها ، والمسؤولين عن بناء وصياغة الإنسان الذي يريده الإسلام ، بالدعوة إلى الإصلاح والهداية والإرشاد في أوساط الأمة ، وسجل التاريخ حالات نادرة في هذا الاتجاه ، منها نهضة الإمام الحسين عليه‌السلام التي تأثر بها كثير من الناس فصاروا ثواراً حتى سقطوا شهداء في مذبح الحرية ، كزهير بن القين الذي كان عثماني الهوى ، والحر بن يزيد الرياحي الذي كان من قادة الجيش الأموي في الكوفة ، وعلى يد أئمة أهل البيت عليهم‌السلام أسلم بعض علماء اليهود ورهبان النصارى لإذعانهم بالتفوق العلمي (١) ، وامتدت آثارهم الروحية إلى قاعدة واسعة من الناس ، فتاب بعضهم وعاد إلى هدي

______________

(١) راجع : قرب الاسناد : ١٣٢ ، الكافي ١ : ٢٢٧ / ١ و ٤٧٨ / ٤ و ٤٨١ / ٥ ، التوحيد : ٢٧٠ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ١٨٦ و ٤٢٦ ، الخرائج والجرائح ١ : ١١١ / ١٨٦ و ٤٢٢ ، بحار الأنوار ٤٨ : ١٠٥ و ٥٠ : ٢٦٠ / ٢١ و ٢٨١ / ٥٧.

١٠٣

الإسلام ، أو اهتدى إلى ولاية أهل البيت عليهم‌السلام ، وكان منهم رجال سلطة (١) وعلماء ومن عامة الناس (٢).

من هنا علينا حين نقرأ أهل البيت عليهم‌السلام أن ننفتح عليهم لنزداد هدياً من هديهم ، وعلما من علمهم ، ووعيا ممّا يعطوننا من عناصر الوعي.

* * *

______________

(١) راجع : اثبات الوصية : ٢٤٠ ، الخرائج والجرائح ١ : ٤٠٢ / ٨ ، دلائل الامامة / الطبري : ٤١٩ / ٣٨٢ ، نوادر المعجزات / الطبري : ١٨٨ / ٧ ، مهج الدعوات : ٣٣٠ ـ ٣٣٧ ، الثاقب في المناقب : ٥٣٩ ، فرج المهموم : ٢٣٣.

(٢) راجع : الكافي ١ : ٣٥٣ / ٨ و ٥٠٨ / ٨ و ٥١٣ / ٢٦ ، اثبات الوصية / المسعودي : ٢٢٢ ، الارشاد ٢ : ٢٢٣ ، منهاج الكرامة / العلّامة الحلي : ٥٨ ، تاريخ بغداد ١٣ : ٣٢ ، تاريخ أبي الفداء ٢ : ١٥ ، مناقب ابن شهرآشوب ٤ : ٢٩٧ و ٤٠٧ ، كشف الغمة ٣ : ١٧٩.

١٠٤



الفصل الثالث

معالم التصحيح في السنن والأحكام

أكّد أهل البيت عليهم‌السلام في إصدار الأحكام على ضرورة التمسك بالكتاب الكريم واتباع سنّة سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى الفقيه أن لا يكون تابعاً لما يمليه عليه سلطان الهوى والظن وحبّ الدنيا.

عن أبان بن تغلب ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه سئل عن مسألة فأجاب فيها ، قال : « فقال الرجل : إن الفقهاء لا يقولون هذا ، فقال : ويحك ! وهل رأيت فقيهاً قطّ ؟! إنّ الفقيه حقّ الفقيه الزاهد في الدنيا ، الراغب في الآخرة ، المتمسّك بسنّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله » (١).

وعن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مجالسة أصحاب الرأي ، فقال : جالسهم وإياك عن خصلتين تهلك فيهما الرجال : أن تدين بشيء من رأيك ، أو تفتي الناس بغير علم » (٢).

من هنا اكتسبت مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام سمات بارزة متميزة عن سائر المدارس الفقهية المعاصرة لهم عليهم‌السلام ، لأنها تستمد مقوماتها من

______________

(١) الكافي ١ : ٧٠ / ٨.

(٢) المحاسن : ٢٠٥ / ٥٦.

١٠٥

أحكام القرآن الكريم والسنة المطهرة ، وليس فيها شيء من عمل الرأي أو القياس والاستحسان وما شابه ذلك ، وتتميّز بالشمولية ، إذ لم تشرع لجيل خاص من الناس ، ولا لزمن معين محدود ، وإنما شرعت للناس جميعاً إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها.

إنّ الموارد التي انبرى أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام لتصحيحها تمتد لتستوعب كل أبواب الفقه وفروعه المتعدّدة مما يضيق عن استيعابها هذا الكتاب ، وقد تكفّلت بها كثير من المصادر ، سواء المختصّة ببيان الفقه المقارن أو غيرها ، ومع ذلك يمكن تلخيص اتجاهات التصحيح في مجال مصادر التشريع والأحكام والسنن بما يلي :

١ ـ إبطال القياس والرأي :

عاصر أهل البيت عليهم‌السلام ظهور مدرسة القياس والرأي بقوة في خط الاجتهاد ، ومعنى القياس إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر للظن بأن أساس الحكم هنا هو أساس الحكم هناك ، وقد بدأ القياس كقاعده من قواعد الاستنباط في عصر الإمام الصادق عليها‌السلام من قبل المذهب الحنفي ، ووقف أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ضد هذه القاعدة الاجتهادية ، ورفضوا القياس رفضاً قاطعاً لأنه يؤدي إلى تهميش النصوص الشرعية ، ولا يرتكز إلى حجة شرعية ، وليس سوى الظن ، وإن الظن يمحق الدين ولا يغني عن الحق شيئاً ، وهناك عشرات الأحاديث الناطقة بما ذكرناه.

عن زرارة بن أعين قال : « قال لي أبو جعفر محمد بن علي عليها‌السلام :

١٠٦

يازرارة ، إياك وأصحاب القياس في الدين ، فانهم تركوا علم ما وكلوا به وتكلفوا ما قد كفوه ، يتأوّلون الأخبار ويكذبون على الله عزّوجلّ ، وكأني بالرجل منهم ينادى من بين يديه فيجيب من خلفه ، وينادى من خلفه فيجيب من بين يديه ، قد تاهوا وتحيروا في الأرض والدين » (١).

وعن ابن أبى عمير ، عن غير واحد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لعن الله أصحاب القياس ، فانهم غيّروا كتاب الله وسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واتهموا الصادقين في دين الله » (٢).

وعدّ أهل البيت عليهم‌السلام اتباع الرأي والاستحسانات الذاتية في الأحكام نوعاً من الابتداع في الدين ، وترك الكتاب والسنة ضلال وكفر ، لأن أحكام الشريعة بمفاهيمها الكلية لا تضيق عن مصالح العباد ، ولا تقصر عن حاجاتهم ، وهي مسايرة لمختلف الأزمنة والأمكنة والبيئات والأحوال. قال الإمام أبو الحسن الكاظم عليه‌السلام ليونس بن عبدالرحمن : « يايونس ، لا تكونن مبتدعاً ، من نظر برأيه هلك ، ومن ترك أهل بيت نبيه ضلّ ، ومن ترك كتاب الله وقول نبيه كفر » (٣).

مناظرة الفقهاء وهدايتهم :

للإمام الصادق عليه‌السلام جملة مناظرات مع أصحاب القياس والرأي كأبي حنيفة وابن أبي ليلى وعبد الله بن شبرمة ، وللإمام الكاظم عليه‌السلام مناظرات

______________

(١) أمالي المفيد : ٥١ / ١٢ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ٥٩ / ٣٣١٩٣.

(٢) أمالي المفيد : ٥٢ / ١٣ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ٥٩ / ٣٣١٩٤.

(٣) الكافي ١ : ٥٦.

١٠٧

مع أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري ومحمد بن يوسف الشيباني ، تجري مجرى الحجج العقلية المقنعة المستندة إلى الكتاب والسنة ، لرد هذا التيار المدمر ، كما أن للإمام الصادق عليه‌السلام في هذا المضمون رسالة وجهها إلى أصحاب الرأي والقياس (١) ، ومن مناظراته وكلماته الناصحة بالتخلي عن هذه القواعد في الأحكام ، ما رواه الشيخ الطبرسي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال لأبي حنيفة : « أيما أعظم عند الله ، القتل أو الزنا ؟ قال : بل القتل. فقال عليه‌السلام : فكيف رضي في القتل بشاهدين ، ولم يرضَ في الزنا إلّا بأربعة ؟! ثم قال له : الصلاة أفضل أم الصيام ؟ قال : بل الصلاة أفضل. قال عليه‌السلام : فيجب على قياس قولك على الحائض قضاء ما فاتها من الصلاة في حال حيضها دون الصيام ، وقد أوجب الله عليها قضاء الصوم دون الصلاة. ثم قال له : البول أقذر أم المني ؟ فقال : البول أقذر. فقال : يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني ، وقد أوجب الله تعالى الغسل من المني دون البول.

ـ إلى أن قال عليه‌السلام ـ : تزعم أنك تفتي بكتاب الله ولست ممن ورثه ، وتزعم أنك صاحب قياس وأول من قاس إبليس ، ولم يبنَ دين الله على القياس ، وزعمت أنك صاحب رأي ، وكان الرأي من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله صواباً ومن غيره خطأً ، لأن الله تعالى قال : ( فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ ) (٢) ولم يقل ذلك

______________

(١) المحاسن : ٢٠٩ / ٧٦.

(٢) سورة المائدة : ٥ / ٤٨.

١٠٨

لغيره... » (١).

وعن ابن أبي ليلى قال : « دخلت أنا والنعمان على جعفر بن محمد ـ إلى أن قال : ـ ثم قال : يانعمان ، إياك والقياس ، فإن أبي حدثني عن آبائه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من قاس شيئاً من الدين برأيه قرنه الله مع إبليس في النار ، فان أول من قاس إبليس حين قال : خلقتني من نار وخلقته من طين ، فدع الرأي والقياس ، وما قال قوم ليس له في دين الله برهان ، فإن دين الله لم يوضع بالآراء والمقاييس » (٢).

وعن معاوية بن ميسرة بن شريح قال : « شهدت أبا عبد الله عليه‌السلام في مسجد الخيف وهو في حلقه فيها نحو من مائتي رجل وفيهم عبد الله بن شبرمة ، فقال له : ياأبا عبد الله ، إنا نقضي بالعراق فنقضي بالكتاب والسنّة ، ثم ترد علينا المسألة فنجتهد فيها بالرأي ـ إلى أن قال : ـ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : فأي رجل كان علي بن أبي طالب عليه‌السلام ؟ فأطراه ابن شبرمة ، وقال فيه قولاً عظيماً ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : فإن علياً أبى أن يدخل في دين الله الرأي ، وأن يقول في شيء من دين الله بالرأي والمقاييس ـ إلى أن قال : ـ لو علم ابن شبرمة من أين هلك الناس ما دان بالمقاييس ولا عمل بها » (٣).

______________

(١) الاحتجاج : ٣٦١ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ٤٨ / ٣٣١٧٨.

(٢) علل الشرائع : ٨٨ / ٤ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ٤٧ / ٣٣١٧٦.

(٣) وسائل الشيعة ٢٧ : ٥١ / ٣٣١٨٣.

١٠٩

٢ ـ تصحيح ما أعضل على الخلفاء المعاصرين لهم عليهم‌السلام :

كان علي وأولاده المعصومون عليهم‌السلام مراجع لأهل زمانهم من خلفاء وغيرهم ، يرجعون إليهم في كل معضلة ، ويلجأون إليهم في كل مأزق ، وقد تكرر قول عمر بن الخطاب : لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن. وقوله : لولا علي لهلك عمر. ذلك لأنهم أعلم الناس وأفضلهم بعد النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقد تحدثت الكثير من الأخبار عن قضايا ابتُلي فيها الخلفاء المعاصرين لأهل البيت عليهم‌السلام ، ولم يهتدوا إلى وجه الصواب فيها إلّا بمراجعتهم ، فكانوا عليهم‌السلام يجيبون عنها طالما يتعلق الأمر بمصالح المسلمين وخدمة الدين الحنيف.

فقد روي أنّه ذكر عند عمر بن الخطاب في إيامه حلي الكعبة وكثرته ، فقال قوم : « لو أخذته فجهزت به جيوش المسلمين ، كان أعظم للأجر ، وما تصنع الكعبة بالحلي ! فهمّ عمر بذلك ، وسأل عنه أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، فقال : إنّ هذا القرآن أنزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله والأموال أربعة : أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض ، والفيء فقسمه على مستحقّيه ، والخمس فوضعه الله حيث وضعه ، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها ، وكان حلي الكعبة فيها يومئذٍ ، فتركه الله على حاله ، ولم يتركه نسياناً ، ولم يخف عنه مكاناً ، فأقرّه حيث أقره الله ورسوله. فقال له عمر : لولاك لافتضحنا ! وترك الحلي بحاله » (١).

______________

(١) نهج البلاغة : ٥٢٢ ـ الحكمة ٢٧٠ ، شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٥٨.

١١٠

وعن قتادة عن الحسن : « أنّ عمر بن الخطاب أراد أن يرجم مجنونة ، فقال له علي عليه‌السلام : ما لك ذلك ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : رُفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الطفل حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يبرأ ، أو يعقل ، فأدرأ عنها عمر » (١).

وعن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي عليهم‌السلام قال : « لما كان في ولاية عمر ، اُتي بامرأة حامل ، فسألها عمر ، فاعترفت بالفجور ، فأمر بها عمر أن تُرجم ، فلقيها علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : ما بال هذه ؟ فقالوا : أمر بها أمير المؤمنين أن تُرجم ، فردّها علي عليه‌السلام ، فقال : أمرت بها أن تُرجم ؟ فقال : نعم ، اعترفت عندي بالفجور. فقال : هذا سلطانك عليها ، فما سلطانك على ما في بطنها ؟ قال علي عليه‌السلام : فلعلك انتهرتها أو أخفتها ؟ فقال : قد كان ذلك. قال : أوما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لاحدّ على معترف بعد بلاء ، إنه من قيّدت أو حبست أو تهدّدت ، فلا إقرار له ، فخلّى عمر سبيلها ، ثمّ قال : عجزت النساء أن يلدن مثل علي بن أبي طالب ، لولا علي لهلك عمر » (٢).

وعن أبي الأسود قال : إنّ عمر اُتي بامراة قد وضعت لستة أشهر ، فهمّ برجمها ، فبلغ ذلك علياً عليه‌السلام ، فقال : ليس عليها رجم ، فبلغ ذلك عمر ، فأرسل إليه يسأله ، فقال علي عليه‌السلام : ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ) (٣) وقال : ( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ

______________

(١) مسند أحمد ١ : ١٤٠.

(٢) مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام / الخوارزمي : ٣٩.

(٣) سورة البقرة : ٢ / ٢٣٣.

١١١

شَهْرًا ) (١) فستّة أشهر حمله ، وحولين تمام الرضاعة ، لا حدّ عليها. قال : فخلّى عنها ، ثم ولدت بعد لستة أشهر » (٢).

وعن يوسف بن السخت ، قال : « اشتكى المتوكّل شكاةً شديدةً ، فنذر لله إن شفاه الله يتصدَّق بمالٍ كثيرٍ ، فعوفي من علته ، فسأل أصحابه عن ذلك ، فأعلموه أنّ أباه تصدّق بثمانية ألف ألف درهم ، وإن أراه تصدّق بخمسة ألف ألف درهم ، فاستكثر ذلك. فقال أبو يحيى بن أبي منصور المنجّم : لو كتبت إلى ابن عمّك ـ يعني أبا الحسن عليه‌السلام ـ فأمر أن يكتب له فيسأله ، فكتب إليه ، فكتب أبو الحسن عليه‌السلام : تصدّق بثمانين درهماً ، فقالوا : هذا غلط ، سلوه من أين قال هذا ؟ فكتب عليه‌السلام ، قال الله لرسوله : ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ) (٣) والمواطن الّتي نصر الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها ثمانون موطناً ، فثمانون درهماً من حلّه مال كثير » (٤).

وعن عبد الله بن محمد الجعفي قال : « كنت عند أبي جعفر عليه‌السلام وجاءه كتاب هشام بن عبد الملك في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها ثم نكحها ، فإن الناس قد اختلفوا علينا هاهنا ؛ فطائفة قالوا : اقتلوه ، وطائفة قالوا : أحرقوه ؟ فكتب إليه أبو جعفر عليه‌السلام : إن حرمة الميت كحرمة الحيّ ، حدّه أن تقطع يده لنبشه وسلبه الثياب ، ويقام عليه الحدّ في الزنا ؛ إن أُحصن رُجم ،

______________

(١) سورة الأحقاف : ٤٦ / ١٥.

(٢) مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام / الخوارزمي : ٤٩ ـ ٥٠.

(٣) سورة التوبة : ٩ / ٢٥.

(٤) تفسير العياشي ٢ : ٢٢٦ / ١٨٠٤.

١١٢

وإن لم يكن أُحصن جلد مائة » (١).

٣ ـ تصحيح ما أخطأ فيه الفقهاء أو اختلفوا :

من المسلم أن أهل البيت عليهم‌السلام قد علموا بدقائق ما كان عند الناس ، وزادوا عليهم بخصائص علمهم الموروث من جدهم المصطفى وأبيهم المرتضى عليها‌السلام. وقد شاع قول أبي حنيفة في الإمام الصادق عليه‌السلام : لم أرَ أفقه من جعفر بن محمد الصادق ، وإنه لأعلم الناس باختلاف الناس (٢).

وتحدثت الأخبار عن مزيد من الأحكام التي أخطأ أو تردد فيها الفقهاء ، فكان لأهل البيت عليهم‌السلام الكلمة الفصل ، منها ما رواه أبو بصير قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن شهادة ولد الزنا تجوز ؟ قال : لا ، فقلت : إن الحكم ابن عتيبة يزعم أنها تجوز فقال : اللهمّ لا تغفر له ذنبه ، ما قال الله للحكم : ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ) (٣) فليذهب الحكم يميناً وشمالاً ، فوالله لا يوجد العلم إلّا من أهل بيت نزل عليهم جبرئيل » (٤).

وعن علي بن مهزيار ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قيل له : إن رجلاً تزوج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته ، ثم أرضعتها امرأة له اُخرى ، فقال ابن شبرمة : حُرمت عليه الجارية وامرأتاه. فقال أبو جعفر عليه‌السلام : أخطأ ابن شبرمة ، حُرمت عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أولاً ، فأما الأخيرة فلم

______________

(١) الكافي ٧ : ٢٢٨ / ٢.

(٢) تهذيب الكمال ٥ : ٧٩ ، سير أعلام النبلاء ٦ : ٢٥٧.

(٣) سورة الزخرف : ٤٣ / ٤٤.

(٤) الكافي ١ : ٤٠٠ / ٥.

١١٣

تحرم عليه ، لأنها أرضعت ابنته » (١).

وعن محمد بن الفضيل قال : « قال أبو الحسن موسى عليه‌السلام لأبي يوسف القاضي : إن الله تبارك وتعالى أمر في كتابه بالطلاق ، وأكد فيه بشاهدين ، ولم يرض بهما إلّا عدلين ، وأمر في كتابه بالتزويج فأهمله بلا شهود ، فأثبتم شاهدين فيما أهمل ، وأبطلتم الشاهدين فيما أكد » (٢).

وعن إبراهيم بن ميمون ، أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : « يعطى الراعي الغنم بالجبل يرعاها وله أصوافها وألبانها ، ويعطينا لكلّ شاة دراهم ، فقال : ليس بذلك بأس ، فقلت : إن أهل المسجد (٣) يقولون : لا يجوز ، لأنّ منها ما ليس له صوف ولا لبن. فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : وهل يطيبه إلّا ذاك ، يذهب بعضه ويبقى بعض » (٤).

وورد في تفسير العياشي أنّ سارقاً أقرّ على نفسه بالسرقة ، فسأل المعتصم إقامة الحدّ عليه ، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه ، وقد أحضر محمد بن علي الجواد عليه‌السلام ، فسألهم عن القطع في أيّ موضع يجب أن يقطع ؟ فقال ابن أبي دؤاد (٥) : من الكرسوع ، لأنّ اليد هي الأصابع والكف إلى الكرسوع ، لقول الله في التيمم : ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ

______________

(١) التهذيب ٧ : ٢٩٣ / ٦٨ ، الكافي ٥ : ٤٤٦ / ١٣.

(٢) الكافي ٥ : ٣٨٧ / ٤.

(٣) يريد فقهاء المدينة.

(٤) الكافي ٥ : ٢٢٤ / ٢.

(٥) وهو أحمد بن أبي دؤاد بن جرير ، ولي القضاء للمعتصم ثمّ للواثق. تاريخ بغداد ٤ : ١٤١.

١١٤

وَأَيْدِيكُمْ ) (١) واتّفق معه على ذلك قوم. وقال آخرون : بل يجب القطع من المرفق ، لأنّ الله لما قال : ( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ) (٢) في الغسل دلّ ذلك على أن حدّ اليد هو المرفق ، فالتفت المعتصم إلى محمد بن علي الجواد عليه‌السلام ، فقال : ما تقول في هذا يا أبا جعفر ؟... فقال : « أما إذا أقسمت عليَّ بالله إنّي أقول إنّهم أخطأوا فيه السنّة ، فإنّ القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع ، فيترك الكف. قال : وما الحجة في ذلك ؟ قال : قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : السجود على سبعة أعضاء : الوجه واليدين والركبتين والرجلين. فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبقَ له يد يسجد عليها ، وقال الله تبارك وتعالى : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ ) يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها ( فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا ) (٣) وما كان لله لم يقطع ، قال : فأعجب المعتصم ذلك ، وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكفّ ، قال ابن أبي دؤاد : قامت قيامتي وتمنيت أني لم أكُ حيّاً » (٤).

٤ ـ تصحيح أحكام اختلف فيها أصحابهم :

وكان أصحاب الأئمة عليهم‌السلام لا يختلفون في نازلة أو يبتلون في معضلة إلّا واستفتوهم أو كتبوا إليهم ، ليكونوا على بينة من دينهم ، وقد تحدثت الأخبار عن المزيد من هذه الموارد ، منها عن خيران الخادم قال : « كتبت

______________

١) سورة النساء : ٤ / ٤٣.

(٢) سورة المائدة : ٥ / ٦.

(٣) سورة الجن : ٧٢ / ١٨.

(٤) تفسير العياشي ١ : ٣١٩ ـ ٣٢٠ / ١٠٩.

١١٥

إلى الرجل عليه‌السلام ، أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير ، أيصلى فيه أم لا ؟ فإن أصحابنا قد اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : صلِّ فيه ، فإن الله إنما حرم شربها ، وقال بعضهم : لا تصلِّ فيه ؟ فكتب عليه‌السلام : لا تصلِّ فيه فإنه رجس » (١).

وروى إسحاق بن عبد الله العلوي العريضي قال : « ركب أبي وعمومتي إلى أبي الحسن علي بن محمد عليها‌السلام وقد اختلفوا في الأربعة أيام التي تصام في السنة ، وهو مقيم بصريا قبل مصيره إلى سر من رأى.... فقال : اليوم السابع عشر من ربيع الأول ، وهو اليوم الذي وُلد فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واليوم السابع والعشرون من رجب ، وهو اليوم الذي بُعث فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة ، وهو اليوم الذي دُحيت فيه الأرض ، واليوم الثامن عشر من ذي الحجة ، وهو الغدير » (٢).

٥ ـ تصحيح الأدعية المأثورة :

أدّب أهل البيت عليهم‌السلام أصحابهم على الالتزام بلفظ الدعاء الوارد عن المعصوم دون تحريف أو زيادة أو نقصان ، ونهوا عن تخطي النصوص المأثورة باعتبارها توقيفية يجب التعبد بخصوص ألفاظها ليتحقق الأثر الروحي المترتب عليها ، من هنا صححوا لأصحابهم مزيداً من تلك النصوص التي وقع التحريف أو التبديل بها على لسانهم.

______________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٥ / ٥.

(٢) بحار الأنوار ٩٦ : ٢٦٦ / ١٣.

١١٦

قال أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : « لا يقولنّ أحدكم : اللهمّ إني أعوذ بك من الفتنة ، لأنه ليس أحد إلّا وهو مشتمل على فتنة ، ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلّات الفتن ، فإن الله تعالى يقول : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ) » (١).

وعن إسماعيل بن الفضل ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ : ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ) (٢) فقال : فريضة على كل مسلم أن يقول قبل طلوع الشمس عشر مرات وقبل غروبها عشر مرات : لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو حي لا يموت ، بيده الخير وهو على كل شيء قدير. قال : فقلت : لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، ويميت ويحيي. فقال : ياهذا ، لا شك في أن الله يحيي ويميت ، ويميت ويحيي ، ولكن قل كما أقول » (٣).

وعن عبد الله بن سنان قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى ، ولا إمام هدى ، ولا ينجو منها إلّا من دعا بدعاء الغريق ، قلت : كيف دعاء الغريق ؟ قال : يقول : ياالله يارحمن يارحيم يامقلب القلوب ، ثبت قلبي على دينك. فقلت : ياالله يارحمن يارحيم يامقلب القلوب والأبصار ، ثبّت قلبي على دينك. قال : إن الله عزّوجلّ مقلب القلوب

______________

(١) مجمع البيان ٤ : ٨٢٤ ، والآية من سورة الأنفال : ٨ / ٢٨.

(٢) سورة طه : ٢٠ / ١٣٠.

(٣) الخصال : ٤٥٢ / ٥٨.

١١٧

والأبصار ، ولكن قل كما أقول لك : يامقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك » (١).

٦ ـ تصحيح بعض الممارسات والمقولات الخاطئة :

درج الناس على بعض الأفعال والأقوال التي لا تنسجم مع روح الشريعة الغراء ومبادئ الإسلام العظيم ، والإمام باعتباره قائداً روحياً وموجهاً يتحرك في الوسط الإسلامي ، يرصد تلك الممارسات ويجعلها في إطارها الصحيح ، ومن ذلك أن أحدهم هنّأ بحضرة أمير المؤمنين عليه‌السلام رجلاً بغلام ولد له ، فقال له : « ليهنك الفارس. فقال عليه‌السلام : لا تقل ذلك ، ولكن قل : شكرت الواهب ، وبورك لك في الموهوب ، وبلغ أشده ، ورزقت بره » (٢).

ولقيه عليه‌السلام عند مسيره إلى الشام دهاقين الأنبار ، فترجّلوا له واشتدوا بين يديه فقال عليه‌السلام : ما هذا الذي صنعتموه ؟ فقالوا : خلق منا نعظّم به أمراءنا. فقال : والله ما ينتفع بهذا أمراؤكم ، وإنكم لتشقّون به على أنفسكم في دنياكم ، وتشقون به في آخرتكم ، وما أخسر المشقة وراءها العقاب ، وأربح الدعة معها الأمان من النار ! » (٣).

وأقبل حرب بن شرحبيل الشبامي ، وكان من وجوه قومه يمشي مع أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، وكان عليه‌السلام راكباً ، فقال له : « ارجع ، فإن مشي مثلك

______________

(١) إكمال الدين : ٣٥١ / ٤٩.

(٢) نهج البلاغة : ٥٣٧ ـ الحكمة ٣٥٤.

(٣) نهج البلاغة : ٤٧٥ ـ الحكمة ٣٧.

١١٨

مع مثلي فتنة للوالي ومذلّة للمؤمن » (١).

وهكذا كانت سيرة عترة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله وسننهم اختصاراً لسيرة جدهم المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله وسننه ، جسّدوها مصلحين ومقومين لكل ما عداها من البدع التي طرأت على واقع المسلمين.

* * *

______________

(١) نهج البلاغة : ٥٣٢ ـ الحكمة ٣٢٢.

١١٩

١٢٠