آراء وأصداء حول عبدالله بن سبأ وروايات سيف

السيد مرتضى العسكري

آراء وأصداء حول عبدالله بن سبأ وروايات سيف

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دانشكده اصول دين
المطبعة: شفق
الطبعة: ١
ISBN: 964-5841-65-8
الصفحات: ٣٩٠

غيرهم وهم كالتالي :

ابن أبي عاصم المتوفي سنة ٢٨٧ ه‍ في كتاب السنة.

أبو يعلى الموصلي المتوفي سنة ٣٠٧ ه‍.

والعقيلي المتوفي سنة ٣٢٢ ه‍ فقد نقل في ترجمة محمد بن السائب الكلبي أنه كان يضرب صدره ويقول : سبئي أنا سبئي ، ثم يعلق العقيلي على ذلك بقوله :

قال أبو جعفر : هم صنف من الرافضة أصحاب عبد الله بن سبأ.

وإذا كان هؤلاء العلماء قد ذكروا عبد الله بن سبأ صراحة فهناك غيرهم ممن أومأ إليه تلميحاً لا تصريحاً.

على أن هناك من الباحثين من يرى تواتر قصه ابن سبأ لأنها وردت في المصادر المشهورة كالحافظ وابن قتيبة ، والناشىء الأكبر ، والقمي ، والنوبحتي والبغدادي ، والشهرستاني ـ وغيرهم بنصوص يختلف بعضها عن بعض ، مما يؤكد عدم تفرد سيف أو الطبري بذكرها.

نلاحظ أن الهلابي يحاول أن يفصل بين شخصية ابن سبأ والسبئية ، فما موقفكم من هذا التوجه ؟

الهلابي يحاول أن يفصل بينهما ويقطع الصلة بين السبئية وابن سبأ ، فيقول : أما السبئية فقد وردت مراراً في المصادر المتقدمة عند غير سيف بن عمر ، ويبدو انه كان يقصد بها السب والتعيير.

ثم يعرض عدداً من النصوص لتدعيم وجهة نظره وينتهي إلى السؤال التالي : إذن من اين جاءت كلمة « السبئية » وماذا تعني ثم يجيب : إن أيسر الأجوبة على هذا السؤال هو أن نفهمها على أنها منسوبة إلى عبد الله بن سبأ

٣٢١

الذي ذكره سيف بن عمر ومؤلفو كتب الفرق وبعض كتب الأدب ، وهذا فيه تدعيم للدراسين الذين بنوا دراساتهم عن ابن سبأ والسبئية على رواية سيف بن عمر ومؤلفي كتب الفرق وبعض كتب الأدب ، ولكن في الحقيقة ـ كما يقول الدكتور ـ لا يمكن الأخذ بهذا التفسير بحيث إنه لا يمكن وصف أي جماعة ممن اطلقت عليهم « السبئية » في المصادر التي استخدمناها آنفاً بأن لها صلة بابن سبأ المزعوم أو معتقداته .. ونتوقف عنده هذه النقطة معلقين بما يلى :

وقفت على عدة نصوص عن السبئية أقدم وأوثق مما ذكره « الهلابي » فوق ما سبق تدوينه في كتاب عبد الله بن سبأ ص ٢٠٥ ، ٢٠٦ ، ومن هذه النصوص : نص عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال ابن عدي في ترجمة محمد بن السائب الكلبي : حدثنا الساجي ، ثنا ابن المثنى ، ثنا عثمان بن الهيثم ، ثنا عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس قال : « إذا كثرت القدرية بالبصرة استكفت أهلها ، وإذا كثرت السبئية بالكوفة استكفت أهلها ».

نص عن الشعبي : وقال ابن عدي : أخبرنا الساجي ، قال ثنا ابن المثنى ، ثنا أبو معاوية ، ثنا سعيد الهمداني ، قال سمعت الشعبي يقول : دست هذه الأهواء كلها بقدمي فلم أر قوما أحمق من هذه السبئية.

نص عن الأعمش : ونقل ابن عدي بسنده قال : أخبرنا الساجي ، ثنا أبي المثنى ، ثنا أبو معاوية قال الأعمش : « اتق هذه السبئية فإني أدركت الناس وإنما يسمونهم الكذابين ».

وبالإسناد إلى محمد بن هارون بن حميد ، عن إبراهيم بن سعيد الجوهري ، عن إبي معاوية الضرير عن الأعمش قال : « أدركت الناس يسمونهم الكذابين ».

٣٢٢

وفي ميزان الذهبي : «وقال يزيد بن زريع حدثنا الكلبي ـ وكان سبئيا ـ قال أبو معاوية : قال الأعمش : اتق هذه السبئية ... الخ ».

نص العقيلي : وفي الضعفاء للعقيلي حدثنا محمد بن عيسى ، حدثنا عمر بن شيبة ، حدثنا عبد الواحد ابن غياث ، حدثنا ابن مهدي قال : جلس إلينا أبو جرى على باب أبي عمر بن العلاء فقال أشهد أن الكلبي كافر إلى قوله : ولكن رأيته ـ يعني الكلبي ـ يضرب على صدره ويقول لنا : سبئي أنا سبئي قال أبو جعفر ( العقيلي ) هم صنف من الرافضة أصحاب عبد الله بن سبأ.

هذه النصوص ـ كما أسلفت ـ أقدم وأوثق مما ساقه د. الهلابي ـ أما قدمها فمشهود لأنها مروية عن صحابي أو تابعي ، أما توثيقها فكونها مسندة ينتهي إسنادها إلى ثقات ، وأيا ما كان درجة إسنادها من الصحة فالفرق كبير بينها وبين نصوص « أبي مخنف » على سبيل المثال ـ وهو من استشهد له الهلابي بنصين في هذا الموطن ، فهو راو متهم ، بل ساقط محترق كما يقول علماء الجرح والتعديل.

ودلالتها على ابن سبأ لم تكن محل خلاف عندهم ، وقد صرح بعضهم بنسبة السبئية إلى ابن سبأ كما صنع العقيلي.

والتحمل واضح في محاولة الفصل بين المصطلح وابن سبأ ، والا فالكتب المختصة بالأنساب والمختصة بالفرق ـ وهي الفيصل عند الاختلاف لا تتردد في نسبة السبئية لابن سبأ ، ولئن كان قد اتسع مصطلح السبئية فيما بعد ودخل فيه طوائف وأجناس فلا مرية أن أصل التسمية يعود إلى ابن سبأ.

٢ ـ وكتب الفرق هي الأخرى مرجع عند الاختلاف في نسبة السبئية ، والغريب في الأمر أن الهلابي سفه أحلام بعض أصحابها واتهمهم بالبلادة ،

٣٢٣

وتجاوز في نقده لهم الموضوع الأساسي إلى موضوعات أخرى ، أما هذا الرصيد من النصوص الموثقة والمراجع والمصادر الثمنية التي بلا شك أن الهلابي قد اطلع على كثير منها ولم يفته الوقوف عليها والإلمام بما في أطوائها.

بماذا تعلقون على موقف الهلابي منها ؟

الغريب في الأمر أن الهلابي لا يرى الاعتماد عليها أبداً إذ يقول : ونحن نرى بالمقابل أنه لا يصح أبداً الاعتماد على كتب الفرق والمقالات في دراسة القضايا التاريخية ثم يعلل ذلك قائلا : إذ أن معظمها إن لم تكن كلها كتبت بروح التحامل والتعصب ، وتعوزها الأمانة والتدقيق في صحة ما تنقل بالإضافة إلى الكثير مما فيها من المبالغات والتناقضات.

وهكذا يتجشم د. الهلابي الصعاب مرة أخرى ، بل ثالثة ورابعة ، وهو يجازف بعبارات كان خليقاً به أن يرفع قلمه عنها ، ونحن لا ندعي العصمة لهولاء ولا لغيرهم ولا نبرئ ساحة كتبهم من الأخطاء ، لكن الرفق بالعلماء من سمات العلماء ، وكيف أباح الدكتور لنفسه أن يتهم معظم كتب المقالات أو كلها بالتحامل والتعصب ، ثم هو يحكم عليها كذلك بضعف الأمانة والتدقيق ، وأنها تحوي الكثير من المبالغات والتناقضات !

إذن أي شيء بقى للدكتور يثق به من تراثنا ؟ وهو الذي لم يثق بما كتبه المؤرخون حين اعتبر المتأخرين منهم نقلة مقلدين عن أسلافهم ، وشنع على الاخباريين الذين رووا قصة ابن سبأ واتهمهم بقلة الأمانة وتلفيق القول واختلاف الروايات وحكم بتفردهم بذكر الخبر ولم يرض بالروايات الواردة في الكتب الأخرى فلم يستبعد أن يكون أصل كتاب البلاذري قد تعرض

٣٢٤

للتحريف من قبل النساخ ، لأنه ذكر ابن سبأ ، أما نص الجاحظ فهو يسقطه معللا ضعف مصدر الشعبي ـ راوي الخبر ـ وهو زحر بن قيس ، بل هو يميل فوق تلك إلى أن القصة وضعت في مرحلة متأخرة نسبياً وأسندت إلى الشعبي ( ت ١٠٤ ) والشعبي من الثقات الأثبات ، ( هكذا يجازف دون دليل ) ، وهو لا يرى اعتماد احكام أصحاب الجرح والتعديل على الإخباريين ، ويرى أن القضايا التاريخية لا تعالج حسب حكم أصحاب الحديث على روايتها إيجاباً أو سلباً ، بل إن الروايات نفسها تعرض على محك النقد والتمحيص والمقارنة فإن ثبتت فذلك ما يبحث عنه المؤرخ ، وإن هي انهارت فلا قيمة لها بصرف النظر عن مكانة راويها العلمية وسمعته فقد يكون نقلها بحسن نية .. الخ ، ونحن بدورنا نقول : أي منهج هذا وماذا بقى للدكتور يرتضيه من تراثنا ومناهج أسلافنا !

منهج الهلابي

هل ترون أن د. الهلابي يعتمد منهجاً محدداً لما يقبله أو يرفضه من الروايات ، بحيث استند عليه في بحثه لهذه القضية ؟

الذي بدا لي حقيقة أن د. الهلابي يعتمد على منهج محدد متمثل في أن لديه مقررات سابقة يحتفظ بها ويحاكم النصوص إليها فيقبل منها ما ينسجم معها ويطرح جانباً ما يعارضها وقد يقبل من مؤلف واحد نصاً في موطن استشهاده ويرفض منه أو يتجاهل نصاً آخر في موطن استنكاره ! وحتى تتضح الصورة أسوق النموذج التالي : فيما نحن بصدده قبل الدكتور بنص عند أبي الحسن الأشعري ينسب السبئية فيه إلى عبد الرحمن بن سبابة ، واعتبر ذلك جالياً

٣٢٥

لغموض هذه التسمية التي تسميها بها بعض كتب الفرق ، وأن ذلك لا علاقة له بمصطلح السبئية والتي تسمى أحيانا ب‍ « السبا » ، لكنه تجاهل تماماً نصاً آخر عند الأشعري نفسه ينسب فيه السبئية إلى عبد الله بن سبأ فيقول : السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ يزعمون ... الخ ( ١ / ٨٦ ) ، فهل يقال أن الدكتور لم يطلع عليه ، أم لأنه لا يخدمه !

لا جديد

ذكرتم لنا أن د. عبد العزيز الهلابي كتب في الحولية الثامنة الرسالة الخامسة من حوليات كلية الآداب بجامعة الكويت بحثه الذي هو بعنوان : « عبد الله بن سبأ دراسة للمرويات التاريخية عن دوره في الفتنة » هل لكم أن توضحوا لنا ماذا يريد الهلابي في هذة الرسالة وما الجديد فيما طرحه وما هي أصول آرائه التي أعلنها ؟

الحق اننا حين نعود إلى الكتابات السابقة لا نجد في الموضوع جديدا في طرح د. الهلابي ولا من تابعه أمثال تلميذه حسن المالكي في كتاباته المتأخرة.

يقول المستشرق « إسرائيل فريد لندر » : إن ابن سبأ ليس إلا شيء في نفس سيف أراد أن يبعد به شبح الفتنة عن الصحابة وأنها إنما أتت من يهودي تستر بالإسلام.

ومن الملاحظ أن هذا المستشرقين مع محاولته لتقليل شأن ابن سبأ في الفتنة واتهامه لسيف وهو نفس ما حاوله د. الهلابي ، الذي لم يجرؤ على إنكار شخصية ابن سبأ مطلقاً فهو يقول : ليس بإمكاننا أن ننكر الأشياء الإيجابية التي

٣٢٦

جاء بها سيف عن ابن سبأ مثل : أصله وحياته وظهوره بين المسلمين ويقول أن هذا جاء من الهوى.

أما المستشرق كايتاني فهو أشد مهاجمة لرواية سيف ، وقد خلص منها إلى القول بأن مؤامرة كهذا إنما يصح تفسيرها على أنها حادثة في العصر العباسي فهي تعكس أحوال ذلك العصر ..

وهذا التعليل كفانا في الرد على د. عبد الرحمن بدوي وهو يناقش آراء المستشرقين في هذه المسائلة.

أما مرتضى العسكري فيقول : إن جميع من نقل قصة ابن سبأ إنما اخذ من معين الطبري واستقى أخباره من كتابه.

وفي كتاب آخر له اعتبر ( ابن سبأ ) شخصيه أسطورية نقل الطبري أخباره عن راو كذاب يدعى سيف بن عمر التميمي.

ويتهكم العسكري على كُتاب « المقالات والفرق » ويصفهم بأوصاف مشينة حين يقول : كانت تلك أقوال أهل الملل والنحل ونسج على منوالهم في الهذر آخرون !

ويقول عنهم : إنهم تنافسوا في تكثير عدد الفرق في الإسلام .. ويبدو أنهم كتبوا من عند أنفسهم شروحاً عن أولئك الفرق توضح عقائدهم !

ويقترب من هؤلاء د. طه حسين فيما طرحه ـ فهو أقرب إلى الشك منه إلى اليقين فهو يستغرب مثلاً اغفال بعض المصادر لذكره كابن سعد والبلاذري ، ثم يعود أخرى ويجعل من اغفال المؤرخين له وباتباعه السبئية في احداث صفين دليلاً على أن أمر ابن سبأ والسبئية إنما كان متكلفاً منحولاً.

ويقول في موطن ثالث : فلندع إذن ابن السوداء هذا وأصحابه سواء

٣٢٧

كان أمرهم وهماً خالصاً أم أمراً غير ذي خطر بولغ فيه.

إذا كانت آراء د. الهلابي لا تخرج عن هذه الأطر في رؤيته لشخصية عبد الله بن سبأ والسبئية تأكد لنا أن ليس ثمة جديد يسبق إليه الهلابي ، وبالتالي وقفنا على الأصول التي انطلق منها في هذا الرؤية الجديدة !

تشنيع في حق المؤرخين الإسلاميين

يثير الهلابي مقولة يرددها في بعض اطروحاته استند إليها في كثير من وقفاته وكذلك بالنسبة لمن يرى برأيه أمثال المالكي وغيره .. وهذه المقولة مفادها أن الطبري هو الأساس في نقل روايات سيف لابن سبأ ومعظمها عنده وأقلها عند ابن عساكر وكل من جاء بعد الطبري نقل منه. بل يزيد على ذلك ويقطع بأنه لم يرد عند مؤرخي القرن الثالث والرابع الهجريين أي ذكر عن ابن سبأ ودوره في الأحداث لا في مروياتهم ولا في كتب المؤرخين منهم ، فما تعليقكم على هذه المقولة ؟

هذه المقولة للهلابي أعدها نموذجاً للجرأة غير المتزنة والتي يمارس فيها بشكل واضح الإنقاص من جهود المؤرخين الإسلاميين الذين سبقوه في هذا المجال والذين وصلوا إلى ما لم يصل إليه هو.

وهي بلا شك يعتريها الخلل الكبير وتحتاج إلى المزيد من الإيضاح من خلال الوقفات التالية :

١ ـ هناك تمويه وتعمية من الهلابي على تاريخ ابن عساكر حيث أشار إلى

٣٢٨

قلة مروياته لعبد الله بن سبأ من طريق سيف وهذا حق بالمقارنة بالطبري لكن لا أدري لماذا تجاهل أي ذكر للمرويات الأخرى التي ساقها ابن عساكر من طريق لا تنتهي إلى سيف. أ لأن الدكتور لم يطلع عليها ؟ أم لأنها تهدم أساسيات بحثه ، الذي اعتمد عليه ؟ على أية حال سواء كان هذا أو ذاك فهو خلاف المنهج العلمي.

ثم يكرر التمويه والتعمية مرة أخرى ، بل يناقض نفسه حين يقول أن ذكر ابن عساكر كمصدر مهم لمرويات ابن سبأ من باب الإيهام وإلاّ فهو كغيره ينقل عن الطبري رواية سيف بن عمر ، أو ينقلها مباشرة من سيف.

كيف أباح الدكتور لنفسه أن يقول انه لم يرد أي ذكر لابن سبأ عند مؤرخي القرنين الثالث والرابع الهجري لا في مروياتهم ولا في كتبهم ـ وقد وقفنا في احدى الروايات السابقة على رواية ابن أبي خيثمة أحمد بن زهير ، الذي عاش قي القرن الثالث ، بل وأدرك نهاية القرن الثاني ( ٢٧٩ ـ ١٨٥ ه‍ ) وهو صاحب كتاب التاريخ الكبير الذي امتدحه الخطيب البغدادي فقال : « وله كتاب التاريخ الذي أحسن تصنيفه وأكثر فائدته ». ولا أعرف أغزر فوائد من كتاب التاريخ الذي صنفه ابن أبي خيثمة.

وامتدحه ابن كثير ، وأثنى على كتابه فقال : كان ثقة حافظاً ضابطاً مشهوراً ، وفي تاريخه فوائد كثيرة وفرائد غزيرة.

كما جاء على ذكر ابن سبأ من مؤرخي القرن الثالث ابن حبيب ، المتوفي سنة ٢٤٥ ه‍ وابن قتيبة المتوفي سنة ٢٧٦ ه‍. والجوزجاني المتوفي سنة ٢٥٦ ـ ٢٥٩ وغيرهم.

٣٢٩

أطروحات خطيرة

في ختام هذا الحوار ، وبعد أن كشفتم لنا حقيقة ابن سبأ وأثره في الفتنة العظيمة في صدر الإسلام .. هلا بينتم لنا ما وراء الإنكار أو التشكيك في هذا الشخصية ؟

ان ما وراء إنكار وجود ابن سبأ والتشكيك في حقيقته انما يدركه الذين سبقوا الهلابي في طرحهم لهذه القضية إذ انهم أصحاب آراء ومذاهب جانحة ويعرفون جيداً ماذا يترتب على هذا الإنكار.

أما د. عبد العزيز الهلابي فإنني أجدها فرصة سانحة عبر جريدة « المسلمون » التي تعهدت بإيصال كلمة الحق إلى أرجاء الأمة .. لكي اذكره أكثر من غيره ، كما اذكر تلميذه الذي يسير على مذهبه حسن المالكي اذكرهم جميعاً بخطورة هذه الطروحات ، لما تفرزه من خلفيات قد تغيب عن أذهان البعض ، وفوق أن هذه الآراء فيها تسفيه لآراء السابقين واتهام لهم بالسطحية والغفلة عن تحقيق ما ينقلون من نصوص وتعميق ما يطرحون من آراء ، ففي هذا الرأي نسف لكتب باكملها تعد من مفردات كتب التراث ، ويعتمد عليها في النقل والتوثيق من قرون متطاولة ، فكتاب منهاج السنة ـ مثلاً ـ لشيخ الاسلام ابن تيمية ينطلق من اعتبار عبد الله بن سبأ أصل الرافضة ، فهو أول من قال بالوصية والرجعة وغيرها من معتقدات وانكار هذه الشخصية أو التشكيك فيها تشكيك في الكتاب كله ، ونسف له من اصوله ، بل ربما تجاوز الامر ذلك إلى التشكيك في اصول الرافضة وتاريخ نشأتهم.

٣٣٠

حسن المالكي

يرد على العودة وعلي رضا

أنا على استعداد للمحاورة حول الامور الجوهرية

للرجوع الى الحق

صحيفة المسلمون ـ ٤ جمادى الاولى ـ ١٤١٨ ه‍

نشرت صحيفة « المسلمون » في أعداد مضت عدة تعقيبات وردود عليّ من عدد من الاخوة حول موضوعات مختلفة منها ما يتعلق بكتابي ( نحو انقاذ التاريخ الاسلامي ) ومنها ما يتعلق بكتاب « بيعة علي بن أبي طالب في ضوء الروايات الصحيحة » وبما أن كل الردود التي نشرت كان فيها تشوية لوجهة نظري ـ وسواء كان التشويه بتعمد أو سوء فهم ـ فإنه يلزم مني أن أدافع عن نفسي من باب ( على رسلكما

٣٣١

إنها صفية ) فالشرع دلنا على إبراء الذمة وسأحاول الاختصار ما أمكن مع أنه سبق أن رددت على بعضهم كالدكتور سليمان العودة في صحيفة الرياض لكن نشره لآراء جديدة في « المسلمون » ولأن لصحيفة « المسلمون » جمهورها وقراءها فإنه يهمني أن أرد على الأفكار الجديدة فقط مع تلخيص مختصر جداً لوجهة نظري التي سبق نشرها في الموضوع.

وأنا قبل أن أدخل في الردود التفصيلية على هؤلاء الاخوة أتمنى من القارئ الكريم أن يمتلك المنهجية وأن يعود لاقوال المردود عليه لان الناس يشوهون أفكار الآخرين ويحملونهم ما لم يقولوا فأنا أطلب من القارئ أن يكون حكم عدل وليعلم أن الذى سيحكم بمدى تحقيقه للعدالة هو الله المطلع على نيته وعلى استفراغه لجهد في الوصول إلى الحقيقة.

والآن إلى الردود على تلك التعقيبات وسألتزم بترتيب الرد عليها حسب تاريخ نشرها ما أمكن.

الرد على الاستاذ علي رضا

فالاخ الاستاذ على رضا نشر مقالاً في « المسلمون » يوم الجمعة ٢٩ صفر ١٤١٨ ه‍ وكنت قد رددت على بعض ما أورده ونشرت ذلك في صحيفة الرياض واقتصرت على نقد ( تأييده ) لي في مسألة القعقاع بن عمرو لان تأييده لي كان غير علمي !!

وذكرت يومها أن بقية الملحوظات على مقالة تحتاج لمناسبة أخرى لأنني كنت يومها مشغولاً بقضية القعقاع والردود بيني وبين بعض الاخوة ولم أكن أحب أن أدخل أكثر من قضية في الموضوع وهذه الملحوظات التي أذكرها هنا

٣٣٢

سأتجنب فيها ما ذكرته في ردي على علي رضا في صحيفة الرياض كما سأتجنب القضايا المشتركة التي ردت عليها أم مالك الخالدي في هذه الصحيفة وفي صحيفة البلاد وسأحاول أن أذكر البقية من هذا مما يخصني فقط وكان مما بقى من الملاحظات المهمة سبع وهي كما يلي :

الملاحظة الاولى :

ذكر الاخ علي رضا أنه التقى بي في مجلس من مجالس طلبة العلم وهو صادق في هذا وتحدث أننا تحاورنا في معاوية بن أبي سفيان وهو صادق أيضاً أننا تحاورنا فيه ضمن أشياء كثيرة تناولناها في ذلك المجلس وكان من تلك الموضوعات التي تناولناها مسألة ابن عديس ومعاوية وأنكر عليّ تفضيلي ابن عديس على معاوية في كتاب ( بيعة علي ).

وكنت قد قلت ان ابن عديس من أصحاب الشجرة وعلى هذا فهو أفضل من معاوية لانه من مسلمة الفتح وهناك أحاديث صححها بعض أهل العلم تبشر أصحاب الشجرة بالجنة بينما معاوية لم يكن منهم ولا عمرو بن العاص لان إسلامهما كان متأخراً وعلى هذا فابن عديس الخارج على عثمان أفضل من معاوية الخارج على علي وهذا كله منهج سلفي بحت في تفضيل أهل الرضوان على من سواهم ولا زلت مصراً عليه لانني أرى أنه الحق وتدل عليه الآية الكريمة ( لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً .. )

أما ما ذكره علي رضا من انه سألني « هل يقال أن معاوية في النار » وأنني سكت.

٣٣٣

فهذه إما أن يكون علي رضا صادقاً أو كاذباً وأنا لا أذكر الموقف البتة لكن إن كان صادقاً فسكوتي إما أن يكون استغراباً من طريقة حواره أو انشغالاً بشيء آخر لم أنتبه لكلمته أو تأييداً وإقرار بأن معاوية في النار !! فإذا كان يقصد الاولى أو الثانية فهذا محتمل والمجالس كثيرا ما يحدث فيها لغط وقد يقول أحدهم كلمة لا يتنبه محاوره لها أو لا يسمعها جيداً أو يستغرب صدورها فيسكت والتجارب كثيرة ومشاهدة ومأساوية !

وأما إن أراد الثالثة وهي أنني أحكم على معاوية بالنار ـ وهذا هو الظاهر من كلام علي رضا ـ فهذا مما أبرأ إلى الله منه وإذا كان علي رضا يقصد هذا فأنا أدعوه للمباهلة لنجعل لعنة الله على الكاذبين ليس عندي إلاّ هذا أو يأتي بشهود على كلامه والأخ علي رضا مثلما حرف الكلام المكتوب الواضح فتحريف ( سواليف المجالس ) من باب أولى ورحم الله منهج أهل الحديث ! مع أنني لا أذكر أنه قال تلك الكلمة البتة لكن التفصيل السابق كان احتياطاً مني أن الانسان قد ينسى هل تكلم أو سكت لكنه لن ينسى عقيدته.

وأنا بحمد الله لا أحكم بالنار على من هو دون معاوية فلا أحكم بالنار على الحجاج ولا يزيد ولا كل من قال لا إله الاّ الله محمد رسول الله فكيف أحكم على معاوية بالنار ؟! كذلك لا أحكم بالجنة ولا بالنار على من هو أفضل من معاوية كخالد بن الوليد مثلاً لكنني أرجو لهم الجنة وأخشى عليهم من النار ويزداد الرجاء كلما كان الرجل صالحاً وتزداد الخشية كلما زادت مظالم الرجل لنفسه أيا كان ذلك الرجل اللهم إلاّ أن يكون مبشراً بالجنة وهذه عقيدة أهل السنة الصحيحة ومن شاء أن يتأكد فليراجع كتب العقيدة وأنا على استعداد للمناظرة والمباهلة في هذه المسألة والقضية بحمد الله واضحة وميسورة

٣٣٤

لا تحتاج لكثير إيضاح.

الملاحظة الثانية :

ضعف علي رضا رواية خزيمة بن ثابت في بيعة علي بججة أن أبا اسحاق السبيعي مدلس وقد عنعن ! ولم يبين أنه ( ثقة ثبت ) ولو رجع الاخ علي رضا لصحيح البخاري ومسلم لوجدهما يحتجان بعنعنات أبي إسحاق السبيعي في الصحيحين ! وعلى سبيل المثال لا الحصر انظر الاحاديث ( ٣٩ ، ١٢٣ ، ١٥٨ ... ) من صحيح البخاري فقط.

الملاحظة الثالثة :

ذكر علي رضا أن رواية الحسن البصريي عن وثاب ( في الحوار الذي جرى بين عثمان والاشتر ) ضعيفة بسبب جهالة وثاب شيخ الحسن البصري.

أقول : أولاً أنا قلت ( بسند صحيح إلى الحسن البصري ) وهذه فيها إلماحة إلى أنني متوقف في أمر وثاب وكان الراجح هو توثيقه.

ثانياً : الفقيهي هو الذي أورد الرواية محرفة فأعدتها على الصواب وذكرت أنها صحيحة إلى الحسن البصري ثم استخدمت كلمة ( الرواية صحيحة ) وأقصد إلى الحسن البصري وليس إلى وثاب ! يدل على ذلك سياق الكلام.

ثالثاً : الأخ علي رضا غفل عن مسألة مهمة وهي أن الحسن البصري إذا روى عن رجل وسمّاه فهو ( ثقة يحتج به ) هذا ما ذكره يحيى بن معين ( انظر التهذيب ١ / ٣٤٧ ) وعلى هذا فوثاب عند يحيى بن معين ( ثقة يحتج بحديثه )

٣٣٥

لأن الحسن روى عنه وسماه وعلى هذا تكون الرواية صحيحة عند يحيى بن معين على الأقل وهو من المتشددين وعلى هذا فقول علي رضا أن مدار الرواية على ( مجهول ) كان نتيجة جهل بمقولة يحيى بن معين الماضية ثم يأتي بعد هذا كله يتعالى بأنه من ( المتمرسين في علم الحديث ! ) ولا تعليق !

الملاحظة الرابعة :

ذكر أنني دلست (!!) على الحافظ ابن حجر في زعمي بأنه صحح رواية علقمة عن الاشتر في ( أن طلحة والزبير بايعا علياً طائعين غير مكرهين ثم نكثوا عليه ) وأنا أطلب من القارئ الكريم أن يرجع للفتح ( ١٣ / ٥٧ ) لينظر من منا دلس على الآخر.

أما الاختلاف في يسير الالفاظ فمعظم الاحاديث الصحيحة فضلاً عن المرويات لابد أن يكون بينها يسير اختلاف وكم من حديث في البخاري تختلف ألفاظه من موقع لآخر اختلافاً يسيراً والاستاذ علي رضا يؤمن بأن يسير الالفاظ لا تؤثر في فصل الحديث وإن أراد أن أذكر عشرات النماذج من ( تحقيقاته !! ) فأنا على استعداد تام.

الملاحظة الخامسة :

ذكر أن مغيرة بن مقسم كان ثقة متقنا ثم استدرك بأن يدلس ! ليقول ( الاسناد لا تقوم به حجة ) !! أي روايته عن ابراهيم النخعي ولو رجع لصحيح البخاري فقط لوجد أن البخاري يحتج بعنعنات مغيرة بن مقسم عن ابراهيم النخعي انظر الاحاديث ( ٣٤٦٠ ، ٣٠٧٠ ، ٣٤٥٩ ، ٣٤٧٧ ، ٣٠٤٥ ) وغيرها

٣٣٦

كثير.

فالأخ علي يظهر أن عنده من النظريات ( المتأخرة ) أشياء كثيرة لكنه تفوته النظريات الصحيحة وتطبيقات الأئمة المتقدمين ولا سيما الشيخين ومعرفة التطبيقات والنظريات المتقدمة أولى من معرفة النظريات المتأخرة ومحاسبة الناس عليها لان واضعي هذه النظريات المتأخرة لا يلتزمون بها عند التطبيق أيضاً والأمثلة أكثر من أن تحصر.

الملاحظة السادسة :

أما ما ذكره الأخ علي رضا مراراً بأنني أقلد أم مالك الخالدي فهذا لا أسميه تقليداً وإنما أسميه أبحاثاً مشتركة ولا غرابة أن نلتقي في كثير من الأبحاث والرؤى فنحن في بيت واحد !!

الملاحظة السابعة :

ذكر أنني تناقضت فذكرت أن رواية أبي سعيد مولى أبي أسيد الانصاري حسنة ثم ذكرت انها صحيحة الاسناد فالخطب في هذا يسير فالصحيح والحسن كلاهما حجة وإسناد هذه الرواية قال عنه الحافظ ابن حجر : « رجاله ثقات سمع بعضهم من بعض » انظر المطالب العالية ( ٥ / ٢٤ ) طبعة دار الوطن المسندة.

وقول الحافظ في الطبعة الاصلية أيضاً ( ٤ / ٢٨٦ ) وهذا التناقض لو صح تسميته تناقضاً فهو أخف من تناقض الاستاذ علي رضا عندما حكم على عشرات الاحاديث أحكاماً في غاية التناقض ولعل من أمثلة ذلك حكمه على

٣٣٧

حديث ( أمرت بقتال الناكثين ... ) بأنه موضوع !! انظر مسند علي ( ٢ / ٧٤٣ ) ثم حكم عليه بأنه حسن ( ٣ / ٨٦٥ ) ثم حكم عليه بأنه صحيح ( ٣ / ١٠٦٠ ) فهذا التناقض من ( الموضوع إلى الصحيح ) مروراً بالحسن والضعيف !! أوضح من تناقض بين ( الحسن والصحيح ) إن صح تسميته تناقضاً !! لأن المتقدمين من المحدثين لم يكن عندهم إلا الصحة المطلقة لا الاصطلاحية المحدثة وأول من قال بالحسن ولا يريد به الصحيح كان علي بن المديني ثم توسع فيه الترمذي. ويستخدم الحسن عند المقارنة غالباً أما عند الاطلاق فيجوز استخدام اللفظين وكلاهما ( الحسن والصحيح ) حجة والحمدلله أما ( الموضوع والصحيح ) فلا يلتقيان إلاّ عند محقق التراث !!

الرد على د. سليمان العودة

تهريب عبد الله بن سبأ

أما د. سليمان بن حمد العودة فقد اطلعت على اللقاء الذي أجرته معه صحيفة « المسلمون » يومي الجمعة ٥ ، ١٢ ربيع الأول من هذا العام ١٤١٨ ه‍ وكان اللقاء رداً عليّ وعلى د. عبدالعزيز الهلابي الذي ينكر شخصية عبدالله بن سبأ بينما أنا أنكر دوره في الفتنة فقط أما وجوده فهو إلى الآن تحت البحث والدراسة مع ان د. سليمان خلط بين المسألتين.

ود. سليمان ـ هدانا الله وإياه إلى الحق ـ يدعونا لتحري الامانة العلمية وأنا أدعوه للأمر نفسه ولو قامت جهة علمية للنظر بحيادية لما كتبه الثلاثة أنا

٣٣٨

والهلابي والعودة للنظر في من يتجافى عن ( التحري العلمي ) لكان مما يسرني لأنني أزعم أن د. سليمان لم يتحر الامانة العلمية إنه يحرف الحقائق بتعمد وليس بإساءة فهم وعندي الأدلة الكثيرة على ذلك وهو يدعوني لتحري الأمانة العلمية !! فلابد من جهة ثالثة محايدة مرضية من الطرفين تحكم لاحد الاثنين أو تحكم ضدهما جميعاً أو براءتهما جميعاً أما أن نتراشق التهم فهذا لا يخدم الحقيقة وأنا أرضى بأية جهة علمية يرتضيها د. سليمان وحتى أحدد أكثر فأنا أرضى قسم التاريخ بالكلية التي يتولى عمادتها د. سليمان !! لتنظر ثم تخرج حكمها وتنشره بين الناس وأظن فعلي هذا فيه غاية الانصاف فهل يوافق د. سليمان على هذا أو على المناظرة أم يستمر في رمي أخيه المسلم بالاتهامات في المجالس وعلى المنابر.

تبسيط القضية

أحب في البداية أن أنبه الإخوة القرّاء إلى أمر سيسهل علينا اختصار كثير من الامور وهو كما قلت سابقاً : إن د. سليمان العودة قد حملني نفي ( وجود عبدالله ابن سبأ ) مطلقاً !! بينما أنا أنفي ( دوره في الفتنة ) فقط بعنى أنني أمتلك عن أحداث الفتنة أسانيد صحيحة تفسر لي كيف حدثت الفتنة ولست بحاجة لأسانيد سيف وأمثاله من الضعفاء والكذابين الذين يفسرون لي أحداث الفتنة تفسيراً مختلفاً فهذا هو لب ما نفيته في مسألة عبدالله بن سبأ.

أما مسألة وجوده فهي تحت البحث والدراسة ولا ريب أن نفيي لدور عبدالله بن سبأ في الفتنة هو نفي ل‍ ٩٥ % من أخبار عبدالله بن سبأ لأن بقية الأسانيد ـ من غير سيف ـ إنما تتحدث عن رجل يغلو في علي بن أبي طالب

٣٣٩

فقظ !! ولا ريب أن نفيي لأخبار عبد الله بن سبأ في الفتنة سيأتي على رسالة د. سليمان العودة التي كان الهدف منها ( إثبات دور عبدالله بن سبأ في أحداث الفتنة في صدر الاسلام ) !! وعلى هذا آمل أن يعرف القرّاء سرّ الدفاع المستميت من د. سليمان عن سيف بن عمر !! لأن سقوط سيف يعده العودة سقوطاً كاملاً لرسالته !! بينما أنا أعتبر رجوع الدكتور إلى الحق خيراً له وللتاريخ من التمادي في الباطل لو رجع إلى نفي أساطير ابن سبأ في الفتنة فإنه يسجل بهذا سابقة إنصاف لم نعهد صدورها من كثير من الأكاديميين. ثم إن رجوعه إلى نفي أخبار ابن سبأ في الفتنة لا يعني انتقاصاً لرسالته أو أنه لا يستحقها وله في الشافعي أسوة حسنة فقد كان له مذهب قديم ومذهب جديد وأنا على سبيل المثال كنت أثبت دور ابن سبأ كاملاً حتى بحثته وكنت أثبت القعقاع بن عمرو وصحبته حتى تبين لي ان المصدر الوحيد في هذا هو سيف ، فرجعت إلى نفي دور ابن سبأ في الفتنة وإلى نفي وجود القعقاع لأن المنهج يوجب علينا ألا نبقي مجالاً للشكوك والعواطف والأحاسيس !!

فالمنهج مثلاً يلزمنا بالحكم بالوضع على حديث معين إذا انفرد به كذاب ويلزمنا أن نحكم على الحديث بالضعف الشديد إذا تفرد به متروك ويلزمنا المنهج بالحكم على الحديث بالضعف إذا تفرد به ضعيف وهكذا. وقد نحس في أنفسنا أن هذا الحديث الموضوع صحيح لكن هذا الإحساس ليس مقياساً في ثبوت الحديث وكذلك ( الحرص على التراث ) ليس مقياساً في الحفاظ على روايات الكذابين !!

إذن فأنا أجد خلطاً كبيراً عند د. سليمان وعند كثير من المؤرخين الاسلاميين هذا الخلط بين تطبيق المنهج وبين ( الإحساس ) أو ( حديث القلب )

٣٤٠