آراء وأصداء حول عبدالله بن سبأ وروايات سيف

السيد مرتضى العسكري

آراء وأصداء حول عبدالله بن سبأ وروايات سيف

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دانشكده اصول دين
المطبعة: شفق
الطبعة: ١
ISBN: 964-5841-65-8
الصفحات: ٣٩٠

يكتب مراعياً الزمن ، بما فيه من تقليد وتلقين وتعطيل للنصوص والعقول في كثير من الأمور العلمية !! الذي يكتب للحقيقة لا ينظر للزمن أو الوضع السائد وانما يراعي البراهين والأدلة العلمية. أو التي يراها علمية وقد يخطئ أيضاً لكنه واضح الموقف لا يغش ولا يدلس ولا يتلون ، ولا يستغفل القارئ ، ولا يطلي الباطل بطلاء الحق ، ولا ينتظر الثناء من أحد أو عتابه ، كما لا ينتظر موافقة أحد أو معارضته !! لأن همه الحقيقة فقط فهي ضالته يبحث عنها وينشرها بين الناس ويتعب في محاولة ايصالها مفهومة واضحة إلى أكبر عدد ممكن من المتهمين.

هذا الناشد للحقيقة كان بإمكانه أن يكتب ما لا يثير راكداً ، ولا يخالف سائداً ، ولا يجلب ضرراً ، لكنه يرى ان نشر الحقيقة مع ما يصاحبها من أذى ، خير من كتمان العلم ذلك الكتمان الذي يساهم في ( تشكيل ) عقل القارئ ليكون ( إمعة ) إن أحسن الناس القول أحسنه ، وأن ساؤوا القول أساءه. وبالتالي يساهم أيضاً في ( تأسيس الجلهل العلمي !! ) الذي ابتلي به كثير من الناس !! لذلك تجد اللغة لغة أهل العلم والتحقيق !! بينما المضمون كلام أهل الجهل والتلفيق !! فهذه اللغة ( العلمية ) لهذا ( الجهل ) تجعل القارئ يظن أن الجهل علم عظيم !! وبهذه اللغة تسير دفة الجهل فوق اقتاب الحق !! كالجنازة التي تمشي على أربع فتسبق الحي الذي يمشي على رجلين !!

ثانياً : الأكثرية ليست مقياساً !!

يردد بعض الناس ( أكثر الناس على هذا ... ) أو ( أكثر الناس يعارضون هذا الأمر ... ) ومع أن هذا الحكم يحتاج لدراسة إلا انه ليس من معايير الحق ان

١٤١

تتبناه الأكثرية !! فالكثرة ليست دليلاً على الصحة ، وليس هناك دليل شرعي ولا عقلي على هذا.

بل ان الله عزوجل أخبرنا في كتابه بأن ( أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) و ( أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) و ( أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ) و ( أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) !! و ( مَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا .. ) !!. ومصادر هذه الآيات على التوالي كالتالي الروم (٣٠) ، المائدة (٥) ، الانعام (٦) ، المؤمنون (٢٣) ، يونس (١٠).

إذن فالأكثرية ليست مقياساً صحيحاً للحق ، ولذلك نجد اكثر الناس كفاراً ، وأكثر المسلمين مقلدين أو جهلة ، وأكثر المقلدين متعصبين ، وهكذا تنتقل الأكثرية المخطئة بارتياح ـ من وسط إلى وسط !! ومن زمن إلى زمن !! وان كانت الأكثرية على حق في أشياء فلابد أن يكون معها باطل في أشياء أخرى ، فلا تخلوا الأكثرية من رفض لحق ، ولا تمسك بباطل ، وواجبنا ان نقلص هذا الباطل ، ونوسع هذا الحق. أما الذي لا يعترف إلاّ بشرعية آراء الأكثرية فهو مخالف لنصوص القرآن الكريم كما ان الذي لا يشعر بتعصب الأكثرية أو ظلمها فقد يكون من الأكثرية نفسها !! فهو كالمسحور الذي لا يشعر بالسحر فلذلك لن يشعر الفرد من الأكثرية باخطائها ولا أمراضها العلمية !!.

ولو نظرتم للتاريخ لوجدتم ان ( الأكثرية ) هي التي حاربت الرسل والمصلحين.

والخلاصة هنا : ان العبرة في النواحي العلمية ليست بالأغلبية ولا بالاقلية ، وانما بالدليل والبرهان. وإذا نظرنا لموضوع القعقاع مثلاً فلا يجوز لمن يحتج بالأكثرية على ( وجود القعقاع ) ويزعم أن ( أكثر ) أصحاب التراجم ذكروه في كتبهم !! ولو شئنا أن نحتج عليهم ب‍ ( الأكثرية ) لقلنا متى تكونت

١٤٢

عندكم هذه الأكثرية ! هل كانت موجودة في القرون الثلاثة الأولى أم تكونت بعد موت سيف بن عمر بقرون !

إذا كان ولا بد من الاحتجاج بالأكثرية ، فهل الأفضل ان نحتج باكثرية ( القرون الفاضلة ) ، أم نحتج باكثرية ( القرون المتاخرة والمعاصرة ) !! هذا على افتراض أن بعض المتقدمين قد ذكر القعقاع ، مع أنه لم يذكره احد منهم بحرف ، سوى سيف بن عمر ! فهذا المثال جاء نموذجا فقط ، وليس مقصودا بذاته لأنه سبق البحث فيه.

ثالثاً ـ الدليل وحده لا يكفي !!

من الخطأ ما كنا نظنه أيام الدراسة !! بان الدليل هو السلاح الأمضى !! وان النصوص ستشفع له في قبول الناس للحق !! كنا نظنه صحيحا في الزمن الماضي !! كنا نظن ان الدليل سيشق طريقه بلا معونة أحد !! لكن ثبت ـ من خلال التجربة ـ أن الادلة والبراهين سواء كانت شرعية أو عقلية لا يتقبلها أكثر الناس إذا تصادمت مع ظنونهم وأحكامهم المسبقة !! مهما كانت وعودهم ( النظرية !! ) بالانصياع والخضوع للأدلة !! فما أن يأتيهم الدليل المخالف لما اعتادوه حتى يتناولوه بالتضعيف أو التأويل أو دعوى المعارضة لادلة أخرى !! وان لم تفلح هذه المعاول ( الهدمية ) ، فيستطيع صاحبها الهجوم على صاحب الدليل ، والطعن في علمه أو تخصصه أو عقيدته أو نيته ... إلخ !!

وهذه ( المعاول ) في هدم الآراء الصحيحة ليست حديثة العهد بل هي أساليب متبعة في محاربة الحق على مر التاريخ !! لذلك فأنا أنصح اخواني الباحثين ـ الشباب منهم خاصة ـ ألاّ يظنوا أن طريق الحقيقة مفروش بالورود مادام أنه

١٤٣

يمتلك الدليل فهذا كلام نظري يحسن بنا أن نحفظه كثقافة فقط !!

لكن عند التطبيق انت بحاجة إلى أشياء كثيرة غير الأدلة والبراهين ولعل من ذلك حاجتك لمعرفة الناس بك !! فإن عرفك أحدهم فقل ما شئت ولو كان باطلاً !! فان لم يعرفك ذلك الشخص فابشر بسيل من الاتهامات والطعون لسبب واحد فقط وهو أنه ( لا يعرفك !! ) ولا تنتظر منه أن يقرأ كلامك أو ينظر في الادلة أو يحاول فهمك !! فهذا شيء ليس من العادة أن يطرق !!

إذن على الباحث عن الحقيقة أن يعلم أن التعصب بامكانه أن يقود العلم للخضوع أمام الجهل !! ، وأنّ اليقين سيخضع للظن أيضاً ، إلاّ إذا وفق الله وفتح من عنده. لكن مع هذا كله يجب ألا نيأس فكم من مستقبل وجد في بعض الماضي ضالته ، وكم من لاحق استفاد من سابق !! وقد يأتي من يبحث عن الحقيقة ويجدها عندك أو عند غيرك.

الخلاصة هنا : أنه يجب ألاّ يظن صاحب الحق أو الباحث عنه أن الطريق ميسر لأدلته ، كلا فهذا كان حلماً جميلاً شوهته حقائق اليقظة وأوجعته دروس التاريخ !!

رابعاً : اصلاح الجليس !!

من واجب المسلم أن يصلح جليسه ، وأن يرد عليه الباطل برفق ويأخذ منه الحق متى وجده. ولو أصلحنا جلساءنا وأصلحونا لحصلنا على الأجر والعلم ، مع ما في هذا ( الاصلاح ) من بحث عن المعرفة ، وتطبيق للحوار ، وتلمس للضوابط والمعايير الصحيحة في اصدار الأحكام على أفكار الآخرين.

فإذا سمعت أحد جلسائك يزعم أن فلاناً من الناس ( سيىء النية ،

١٤٤

جاهل .. الخ ) فالواجب عليك من باب العلم بالشيء ومن باب التحري والتثبت أن تسأله عن أدلته على ما ذكر !

فان قال لك : دليلي الكتاب الفلاني أو المقالات التي ينشرها فلا تستعجل واسأله : هل قرأ تلك الكتب أو تلك المقالات !

فسيجيبك بجواب من ثلاثة : إما ان يقول : لم أقرأها ولكن سمعت الناس !! أو يقول : نعم قرأتها !! أو يقول : قرئت علي نماذج منها !! فإذا قال : انه لم يقرأها فذكره بأن الله عز وجل أمر بالتبين والتثبت وإذا كان بعض الصحابة وهو الوليد بن عقبة قد نقل للرسول صلى الله عليه وسلم خبراً باطلاً مشوهاً حتى نزل في ذلك القرآن الكريم فمن باب أولى ان بعضنا ـ على ضعفنا وأهوائنا ـ قد ينقل أخباراً باطلة وتشويهات متعمدة او غير متعمدة.

فان اقتنع بهذه ( النظريات ) فيمكنك بعد هذا أن تطلب منه أن يطلب من أولئك الناقلين ـ ( تجار الغيبة والنميمة ) ـ أن يزودوه بالأصول التي زعموا ان فيها ( سوء نية وجهلاً وخبثا وابتداعا ..!! ) ثم اطلب منه أن يقرأها بتجرد ، ثم ليحكم بعد ذلك !! وان كانت هناك عبارات لم يفهمها فإنه يستطيع أن يسأل ويبحث عنها فإن استفرغ الجهد والعلم وتجردت نيته للحق فسيؤجر على حكمه ـ ان شاء الله ـ ولو كان مخطئاً.

أما إن أجابك بقوله : نعم أنا قرأت ذلك المقال وذلك الكتاب فوجدت ما يدل على اتهامي له !!

عندئذ اطلب منه وبكثير من الرجاء !! ان يطلعك على ( المواضع ) التي استدل بها على وجود الجهل والخبث و ... الخ ثم تناقش معه في شروط الفهم ومعايير العدل في الحكم إن كان يعرفها !! او اطلب منه أن يقرأ مرة اخرى وثالثة

١٤٥

ليتأكد من أدلته. ثم اسأله ( هل يدين الله بحكمه ذلك أم لا ! ) فإن قال : نعم ـ وقد يقولها عزة بالاثم !! ـ وقد يقولها اجتهاداً وجهلاً. فان كانت الأولى فهو مأزور لا ماجور !! وسيعرف باطله عاجلا أم آجلا ، دنيا أو آخرة. وان قالها اجتهادا وجهلا منه فقد يكون مغفورا له بسبب اجتهاده وقد يكون آثما لانه لم يستفرغ جهده في معرفة ( الأدوات ) المعينة على اصدار الحكم الصحيح المتطابق مع الواقع.

أما الحالة الثالثة ـ وهو أن يقول أن بعض الناس قرأ عليه ( نماذج !! ) فاطلب منه ان يقرأ الكلام كاملاً لأن الذي يختار له ( نماذج مفصولة ) عما قبلها وما بعدها !! قد يكون له خصومة مع الكاتب أو المؤلف !! وقد يكون على رأي مخالف لرأي الكاتب وقد يغش ويخون ويكذب !! فهذه الأمراض موجودة !! إذن اطلب منه القراءة للكلام كله ثم اتبع معه الطريقة التي اتبعها مع الحالة الثانية ، وبهذا تستطيع أن تصلح جليسك ولو كان أفضل منك وأعلم وبهذا تكسب الأجر وتتعلم كيف تصل إلى الحقيقة بعينها كما تستطيع أن تعلم جليسك الشيء نفسه.

خامساً : الناس والقعقاع !!

بعد المعركة ظهر لنا ان الناس في القعقاع على ثلاثة أصناف :

ـ منهم من ينفي وجود القعقاع مطلقاً !! لأن سيفاً معروف باختلاق الشخصيات والمعارك والأحداث !!

ـ ومنهم من يثبت وجوده ودوره كاملاً بكل التضخيمات والتهويلات !!

ـ ومنهم من يتوسط فيرى أن سيف بن عمر بالغ في دور القعقاع بن

١٤٦

عمرو ذلك الدور الذي لم يذكره غيره !!.

وفي ظني أن الصنف الاول والثالث متقاربان جداً ويمكن أن يتفقا أذا عرفا منهج سيف بن عمر بالتفصيل !! والخلاف بينهما يسير.

أما الصنف الثاني ........... روايات سيف سيرونها في اعداد قادمة ، ليعرفوا حقيقة روايات سيف بن عمر !! وحتى لا نبقى متجادلين في الجرح والتعديل ـ على وضوحه في سيف !! ـ إلا أن القارئ لما يرى نماذج من روايات سيف بعينه فسيختار لنفسه !! وينظر هل أحكام أهل الحديث على سيف صحيحة أم انها كانت منصبة على ( أحاديثه ) فقط دون رواياته !!.

ولا ريب أن الأخ عبد الباسط المدخلي كان محظوظا من كثرة التعقيبات التي كفته المؤونة !! مع تاكيدي المتكرر بان الأخر عبد الباسط أو الأخ الفقيهي أو كل من اختلفت معهم هم أخوة فضلاء لا أكن لهم إلا كل خير لكنه يؤرقني أن أرى الحقائق محرفة !! والأباطيل منشورة !! سواء أكان هذا باجتهاد وحسن نية أم بجهل الحقائق.

١٤٧
١٤٨

د. حسن بن فرحان المالكي

مراجعات

صحيفة الرياض ـ ربيع الأول ـ ١٤١٨ ه‍

يحسن بالباحث أو من يتشبه بالباحثين أن يراجع نفسه من وقت لآخر ، ينظر ماذا قال !! ويراجع أقواله ، ويتهم بحوثه وجهوده السابقة ، ويعيد التأكد من المعلومات !! ويطلع على المصادر والدراسات والأدلة الجديدة التي لم تكن متوفرة يومئذ ، يفعل كل هذا من أجل الحقيقة ليحميها ويطورها ويهذبها ويزيل عنها عوالق الهوى ، وشطحات الخصومة ( ولوازم التعصب ) وفقر الادلة ، كل هذا ـ وأكثر ـ يجب أن يتوفر في طالب العلم وفي الباحث بوجه أدق.

١٤٩

نظرة على مراجعات السلف

وقد كان علماء السف الصالح رحمهم الله يرجعون إلى الحق وقد يتعصب بعضهم أيضاً ، لكن يهمنا رؤوس السلف أمثال الشافعي والإمام أحمد ، فالامام أحمد مثلا تجد له في المسألة الواحدة ثلاثة أقوال أو أربعة أو نحو ذلك فما سبب تعدد أقواله أظن القارئ يعرف أن الامام رحمه الله يقول في المسألة بقول بناءً على دليل وصله أو فهم لدليل ثم تبين له دليل أقوى أو عرف أن فهمه السابق غير صحيح أو علم ناسخاً لدليله الصحيح أو مخصصاً لدليله العام أو نحوه هذا ، فلذلك يرجع بسهولة إلى الحق ولا يبالي بكثرة الأتباع الذين قد يوجد فيهم من يمتعض ويستنكر هذا الفعل !! لخوفه على الامام احمد انما يتهمه خصومه بالتناقض أو الجهل !! كما ان الامام احمد رحمه الله لم يكن يبالي بخصومه الذين يتخذون تعدد الاقوال دليلا على تناقض الرجل !! ثم يشككون في علميته !! بينما تعدد الاقوال كان نتيجة لتبين الأدلة القوية وإتباعها وهذا ليس دليلا على العلم فقط بل هو العلم نفسه !! ، وكذلك الشافعي أنتم تعرفون ان له مذهبا قديما ومذهبا جديدا ، ولابد ان يؤثر هذا التحول في بعض أتباعه ويمتعضوا من ذلك ويفرح به بعض خصومه ليس فرحا بالحق !! ولكن نكاية بالشافعي وأصحابة !! ولكن الشافعي كان أعقل وأعلم من أن يجعل دينه عرضة للتعصب على رأي سبق او رفض دليل ظهر.

نظرة إلى الواقع اليوم !!

وكنت أتأمل هذين المثالين وأشباههما واقارن هذا مع أحوال طلبة العلم اليوم فرأيت عجبا !! الإمام احمد لا تكاد تجد له مسألة ليس له فيها أكثر من قول

١٥٠

نتيجة لما ذكرناه سابقا لكن أصغر طالب علم في يومنا هذا لا يمكن أن يرجع إلى الحق ولو وجد الأدلة القوية على بطلان ما ذهب اليه أولا !! وكأنّ العودة إلى الحق عار وجريمة تستحق الهجران والاطراح !!.

فتشوا بانفسكم وحاولوا ان تعدوا طلبة العلم الذين رجعوا إلى الحق في مسالة او أكثر ! كم بلغوا على كثرتهم عشرة !! عشرين !!

خذوا على سبيل المثال : ( أصحاب الرسائل الجامعية ) !! أكثر من ثمانية آلاف رسالة لم نعلم طالبا أعلن رجوعه عن خطا وقع فيه !! ولم نعلم طالبا يتبرأ من تصحيح ادلة ضعفا أو تضعيف أدلة صححها أو قبول آراء مرجوحة ... الخ.

كما أرجو ألا يفهم القارئ من كلامي هذا أن جميع الرسائل الجامعية ضعيفة فهذا لم اقله ولن أستطيع أن أقوله لكن لو أخذنا نموذجاً على تلك الرسائل ولتكن ( الرسائل الجامعية ) المتخصصة في ( التاريخ الإسلامي ) نجد انها على أقسام أيضاً منها القوي والضعيف فهذا الضعيف من الرسائل لن تستطيع إقناع أصحابها بالتخلي عن اخطائها خفية فكيف تقنعهم بنشر هذه الاخطاء والرجوع إلى ضدها عبر وسائل الإعلام ! هذا أصبح يشبه المستحيل.

من المسؤول !

وهذا الإصرار على التشبث بالأخطاء له أسبأب عديدة ومتنوعة ومتداخلة وعميقة ، تتعلق بطريقة تكويننا الثقافي ، والنمط الفكري المتبع ، وفي ظني أن هؤلاء الاخوة الذين لا يرجعون عن أخطائهم ليسوا وحدهم المذنبين ، بل لعل الذنب الأكبر يقع على طريقة التعليم التي اتبعناها !! تلك الطريقة التي لم تعلمنا ولم تحبب إلينا الرجوع عن الباطل !! بل زرعت في أنفسنا ـ بطريقة غير

١٥١

مباشرة ـ التعصب للأقوال والمواقف ، ولا يجد الطالب خلال دراسته الطويلة درساً يحبب إليه الرجوع إلى الحق ، ولعل الطالب لم يجد كذلك أستاذا يزرع فيه هذه الفضيلة ولن يستطيع الاستاذ أن يزرع الفضيلة إلا إذا طبقها على نفسه !! بمعنى أن الأستاذ إن لم يطبق هذا المبدأ خلال تدريسه للطالب فلن تجد الطالب مقتنعا بالنظرية !!.

اذن فالاخوة الذين لم يؤثر عنهم رجوع عن باطل ، ليسوا وحدهم المسؤلين عن هذا المرض العلمي ، كما أنهم أيضاً محاسبون على تقليدهم الأعمى للنمط الفكري المتبع مع ترك الادلة والبراهين مع علمهم على أن الصواب هو في اتباع الدليل.

ثم إن الواحد منهم لو أراد الرجوع إلى الحق فسيجد صعوبة كبيرة إذا اكتشف خطأه في مسألة أو عرف أنه قد بالغ في أخرى أو وجد زيادة علم وتأتي هذه الصعوبة من جهتين :

أسباب التعصب للأخطاء !!

الجهة الأولى : النفس

فالنفس صعبة الانقياد للحق وتتبع الهوى ، والباحث سيجد نفسه تحبب له المسير في هذا الخطأ وتحذره من عواقب الرجوع إلى الحق وتزين له قبح الباطل بثياب حق زاهية الألوان !! فإن لم يجبر نفسه على اتباع الدليل فلن يجد عندها سيرا نحوه.

الجهة الثانية : الناس

الناس لا يرحمون الراجع إلى الحق سواء كان هؤلاء الناس من

١٥٢

المؤيدين أو المعارضين !! فإذا أعلن عن خطا وقع فيه ثم بين رجوعه إلى الحق تجد ( المؤيدين ) و ( المعارضين ) على حد سواء يعتبرون هذا التراجع بمثابة ( احتراق ) لهذا الرجل وبعضهم يعده ( انتحارا ) لا حياة بعده !!

وكأن الله عزوجل قد خلقنا معصومين لا نخطىء !! نعم الباحث يجد صعوبة في إقناع ( المؤيدين ) برجوعه إلى الحق لأن هؤلاء ( المؤيدين ) من جنس المجتمع الذي لا يشجع الراجع إلى الحق ولا يشكره بل يعتبر رجوعه إلى الحق منقصة وعيبا وجهلا ذريعا !! لأن المجتمع أيضاً لم يتعلم أفراده فضيلة العودة إلى الحق وانما تعلموا الإصرار على الباطل ومواصلة المسير في أودية الجهالة !!

كما ان ( المعارضين ) يفرحون باعتراف خصمهم وفرحهم هذا ليس فرحا بالحق نفسه !! وانما فرح بما يظنونه من سقوط للخصم !! لأنهم مثل ( المؤيدين ) يعتبرون الاعتراف بالخطأ سقوطاً واحتراقاً وانتحاراً و ... الخ !!

لكن الباحث الذي نذر نفسه لهذه الحقيقة لا يهمه امتعاض المؤيدين ولا تشفي المعارضين !! وانما يهمه الحقيقة فقط ولابد ان يجد في سبيلها الفتك والاذى سواء عند اكتشاف الجديد أو الرجوع عن قديم !!

هذه أخطائي !

قد يقول لي بعذ القرّاء أنت تضرب أمثله نظرية جميلة من الرجوع إلى الحق بينما لم نرك يوما ترجع إلى حق ولا تتبرأ من باطل فهل أنت استثناء من هذه القواعد والنظريات التي توصي بها !

أقول : إذا كانت هذه هي وجهة نظر بعض القرّاء فانني أريد تصحيحها أولاً ثم الاعتراف ، ببعض الأخطاء التي وقعت فيها.

١٥٣

أما تصحيحها : فإنني سبق وأن اعترفت ببعض الاخطاء ورجعت عنها وأعلنتها في المقالات نفسها ولو يرجع الأخ القارئ إلى المقالات لوجد بدايات بعضها اعترافات صريحة بالأخطاء التي وقعت فيها في مقالات سابقة بينما الاخوة الذين اختلفت معهم لم يعترف أحد منهم بخطأ إلى الآن !! وقد بلغ عدد الإخوة الذين تحاورت معهم ( منذ بداية كتاباتي قبل نحو سبع سنوات ) أكثر من خمسة وعشرين لم أجد أحداً منهم إلى الآن اعترف بخطأ واحد !! بينما أذكر انني اعترفت بجملة من الأخطاء مع ملاحظة القارئ بانني لا أبرىء نفسي من تاثير النمط الفكري السائد عليّ وعلى المواقف التي اتخذها ، فالنمط السائد قد يؤثر في الشخص من حيث لا يدري فيجد نفسه حاملا التعصب والتحامل وهو يظن انه قد نجا منها !! وهذا كما قلنا سابقا بان طريقة تعليمنا وطريقة تفكيرنا تكرس فينا هذه الأخطاء ولا تعلمنا كيف نتخلص منها !!

ثانيا : ساحاول في هذه الحلقة أن اطبق النظريات السابقة على نفسي فاعترف ببعض الاخطاء التي وقعت فيها ولم يعرفها الاخوة الذين ردوا علي !! بل ذهبوا إلى تخطئة الصواب وتركوا الخطأ ينتظر رداً فلم يجد !! وهذه من الغرائب.

من الأخطاء التي أحب الأعتراف بها هنا ما يلي :

١ ـ المقالات التي كان عنوانها ( كيف يضحك علينا هؤلاء !! ) كان هذا العنوان خاطئا من ثلاث جهات : الاولى : خطأ لغوي فلا تستخدم عبارة ( يضحك عليه .. ) بمعنى الخداع وصواب العبارة لغوياً هو ( كيف يخدعنا هؤلاء !! ).

الثانية : ان هذا العنوان فيه قسوة لا تليق ولو اكتفيت بقولي ( نقد

١٥٤

الدراسات التاريخية ) لكان أفضل.

الثالثة : ان بعض هذه الرسائل التي إنتقدتها في موضوع ( بيعة علي ) كانت جيدة من حيث الجملة حتى وان اصابها بعض القصور في موضوع ( البيعة ) ولعل من تلك الرسائل القوية رسالة الدكتور يحيى اليحيى عن ( ابي مخنف ) وكذلك رسالة الدميجي عن ( الإمامة العظمى ).

٢ ـ ومن الأخطاء أيضاً انني قلت بانني إن وجدت أحداً ترجم للقعقاع بن عمرو غير سيف بن عمر فانا راجع ليس إلى اثبات القعقاع فقط وانما إلى توثيق سيف بن عمر وجعله في مرتبة البخاري !!

أقول : وقولي السابق كان في استحثاث الهمم لكنه قول غير علمي البتة !! فليس من حقي ولا من حق غيري ـ أن أوثق سيف بن عمر على افتراض وجود ترجمة للقعقاع أو خبر من غير طريقه بل ليس من حقي إثبات القعقاع بن عمرو إن أخبر به كذاب غير سيف اللهم إلاّ إذا كان هذا الكذاب قبل سيف بن عمر فلهذا أنا راجع عن قولي السابق وسيف يبقى عندي كذاباً حتى لو وجدنا للقعقاع ترجمة مطولة عن غير طريق سيف !!

٣ ـ أيضاً كنت قد ذكرت ان شخصيات اخرى قد اختلقها سيف بن عمر وسميت منها بعض الأسماء لكن عن غير بحث موسع فهذه أرجىء الحكم عليها للبحث في المستقبل بعكس القعقاع بن عمرو فانا جازم بما قلت عنه خاصة بعد ورود الردود التي لم تزدني ، إلاّ يقيناً به. إذن فقولي إن زياد بن حنظلة التميمي وعاصم بن عمرو التميمي من مختلقات سيف أنا راجع عنه لأبحث الرجلين بحثاً موسعاً مثلما بحثت القعقاع ثم أعطيكم النتيجة فيما بعد ، وكذلك عبد الله بن سبأ هو تحت البحث والدراسة ولا أجزم بنفي وجوده وان كنت أجزم

١٥٥

ببطلان دوره في الفتنة لأنني وجدت الأدلة على الأمر الثاني بعكس الاول فانني لم أبحثه بحثاً موسعاً مقنعاً.

٤ ـ كنت قد ذكرت في الحلقة الماضية أن الناس في القعقاع اليوم ثلاثة أصناف صنف ينفيه مطلقا وصنف يثبته مطلقا بما فيه من تضخيمات سيف وصنف ثالث يراه مضخماً فيه من قبل سيف وان لم ينكر وجوده وذكرت أن الصنف الثالث متقارب مع الأول والصواب ان هذا القسم ( الثالث ) وسط بين الحالتين يقترب ويبتعد حسب المساحة التي تكون لسيف بن عمر عنده. فهناك من ينكر ٩٠ % من التضخيمات وهناك من ينكر ١٠ % فقط فالاول قريب من الأول والثاني قريب من الثاني.

٥ ـ ذكر لي بعض الاخوة أن قولي بان القعقاع شخصية مختلقة ثم احتمالي الضعيف بانه ربما يكون رجلا عاديا ضخمه سيف ان هذا تناقض أو شبيه بالتناقض !! وطالبني بتبني الوجود أو النفي وبعد رجوعي إلى تراجمه وروايات سيف عنه رأيت ، نفي وجوده بالكلية دون أدنى احتمال.

لأن النسبة القليلة من الاحتمال لو ( حشرناها ) في مثل هذه المسائل العلمية لقيدت كثيرا من الأمور واكثر هذه الاحتمالات الضعيفة ( وساوس ) لا أساس لها ، وهذه الاحتمالات تدخل مع تصحيح الأحاديث وتضعيفها. فكل حديث صحيح قد تدخل في النفس احتمالات ضعفه وكل حديث موضوع قد يدخل في النفس احتمال صحته وبهذا لا نستطيع التمسك بالمنهج ويسبب لنا ( ازدواجية ) في التطبيق فلذلك أنا أجزم باختلاق سيف بن عمر للقعقاع دون النظر في ( وساس ) الاحتمالات واشكر الأخ الأستاذ عبدالله القفاري على هذه الملحوظة.

١٥٦

٦ ـ ذكر لي فضيلة الشيخ عبد اللطيف بن عمر آل الشيخ انني اخطات في ( تحميل أصحاب الرسائل الجامعية ) تلك الاخطاء التي نشرتها وقال إن الخطأ الأكبر على المشرفين والمناقشين والأقسام التي أجازت هذه الرسالة وأعطت الامتيازات !!

مع أن تلك الرسائل فيها القوي كما أشرنا سابقا.

وأنا معترف للشيخ عبد اللطيف بان النقد كان أكثره منصبا على الطلاب مع أن المقالات التي نشرتها لم تسكت عن الأقسام والمشرفين والمناقشين لكن ـ كما ذكر الشيخ ـ بان الخطا الأكبر ليس على الطالب وانما على المشرف والمناقشين ولعل فضيلة الشيخ عبد اللطيف يشارك في نقد الطريقة أو ( الآلية ) التي تسير عليها الاقسام والجهات المتخصصة تلك الآلية التي تسبب في وجود مثل هذا الضعف في الرسائل الجامعية.

وقد ذكر لي الدكتور عدنان الشريف ـ استاذ تاريخ بجامعة أم القرى ـ قريبا من هذا فذكر أن الطالب يجبر ـ أحيانا ـ على موضوع معين لا يتفق مع اهتماماته العلمية !! فلذلك تجد الرسالة لا تعبر عن الطالب بقدر ما تعبر عن القسم الذي أجبره على اختيار موضوعها.

وكنت أرجو من الطلاب أن ينشروا تجاربهم مع الأقسام وينتقدوا هذه ( الآليات ) التي لا نعرف عنها الا القليل وكلامي هنا منصب على ( الرسائل التاريخية ) وقد تكون للرسائل الاخرى متاعب مشابهة.

وأخيراً : هذه أبرز الاخطاء التي وقعت فيها وقد اكتشف اخطاء أخرى بنفسي عن طريق بعض الاخوة بل انني أكتب المقال اليوم وأظنه خاليا من الاخطاء ثم اقرؤه غداً وأكتشف بعضها وهذه سمة غالبة على كل الأعمال العلمية

١٥٧

وطلبة العلم بحمد الله لا يدعون العصمة ولا يستطيعون لكن تنقصهم الشجاعة في الاعتراف بالخطأ نتيجة لعدم ادراكهم للمعنى الحقيقي لكلمة ( العلم ) !!.

وإذا كنت أعترف باخطائي التي وقعت فيها فمن باب أولى ألا أتبع الآخرين في أخطائهم وإن لمح بعضهم إلى انني قلدت هؤلاء !! فلي بحمد الله منهجي وأدواتي البحثية التي تجعلني أستفيد من الأبحاث السابقة وأنقدها ايضا.

ولي ، تعقيبات قد أنشرها قريباً على الدكتور طه حسين والسيد مرتضى العسكري كما أن لي ملاحظات على بحث استاذنا الدكتور عبد العزيز الهلابي ( عن عبدالله بن سبأ ) لكن تلك الملاحظات لا تقدح في النتيجة التي توصل إليها لكنها تجعلني اتوقف في متابعة تلك النتائج بكل تفاصيلها.

أرجو أن نكون جميعا على استعداد للتعرف على المنهج الصحيح ثم العودة اليه وعدم الالتفات إلى الناس ما دام الحق هو الهدف النظري الذي يعلنه الجميع.

١٥٨

د. سليمان بن حمد العودة

الإنقاذ من دعاوى الإنقاذ من التاريخ الاسلامي

رداً على المالكي ( ١ / ٤ )

صحيفة الرياض ـ ٢٧ ربيع الأول ـ ١٤١٨ ه‍

أهدى إليّ الأخ الكريم ( حسن بن فرحان المالكي ) كتابه ( نحو انقاذ للتاريخ الاسلامي ) وطلب مني ابداء الملحوظات عليه ، مؤرخا ذلك في ٣ / ٢ / ١٤١٨ ه‍.

واستجابة لمطلب الاخ من جانب ، واحقاقا للحق الذي أراه من جانب آخر كتبت هذه الملخوظات ، التي فكرت في بعثها ليه شخصيا ـ لقناعتي باهمية

١٥٩

النصح ( سراً ) ولكني عدت إلى نفسي ، فرأيت ان ( الكتاب ) وأفكار ( الكاتب ) منشورة على الملأ ، وان النصح ( لعامة ) المسلمين لا يقل أهمية عن النصح ( لخاصتهم ).

ولن أتوقف ـ طويلاً ـ عند عبارات الأخ ( حسن ) ( الجارحة ) بمناهج جامعاتنا ، وهزال رسائلنا ، وضعف من المختصين في التاريخ عندنا ..! فقد كفيت من جانب ـ بمن سبقني في الكتابة ـ ولان الثقة بمناهجنا ومختصينا لا تهتز بمثل هذه المقولات الجائرة والاحكام المتعجلة من جانب آخر.

وإن كنت ( أعجب ) كغيري ، من بعض العبارات التي سطرها ( المالكي ) في كتابه ، كيف استساغها ، وكيف تم نشرها في كتاب ( حليته ) العلم وشعاره ( الانقاذ ) !

وقبل البدء بتدوين الملحوظات أشير إلى عدة أمور منها :

١ ـ ساقتصر في ملحوظاتي على الكتاب على ( فصوله الاولى ) رأيت أنها أقرب إلى تخصصي من جانب ، ولاأدع لاصحاب الشأن فرصة الحديث عن تخصصهم من جانب آخر وحين ( أتحاشى ) الحديث عن ملحوظاته على كتابي ( عبدالله بن سبأ .. ) فلا يعني ذلك موافقتي على ملحوظاته ، قدر ما يعني البعد عن الانتصار للذات.

٢ ـ وأشفق على الاخ ( حسن ) وهو ( يتعاظم ) في نفسه ، و ( يزكي ) عمله حين يقول : « وها آنذا طالب لم يحصل على شهادة في التاريخ ، ولكنني لما تمسكت بمنهج أهل الحديث فندت أقاويل من سبقوني بعقود في كتابة التاريخ الاسلامي !! » ص ٤٠.

وفي مقابل ذلك ( يزري ) بالآخرين ( ويستهجن ) عملهم ، ولا ( يتورع )

١٦٠