الزّواج الموقّت في الإسلام

السيد جعفر مرتضى العاملي

الزّواج الموقّت في الإسلام

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : الحديث وعلومه
المطبعة: الحكمة
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

فلا يصح اذن قولهم : أن آياتها ناسخة لاية ، أو لتشريع المتعة

فأما بالغسبة للنفقة : فان الناشز زوجة ؛ مع أنها لانفقة لها.

وأما بالنسبة للارث : فان نكاح الامة لغير المالك ، لايوجب توارثاً.

كما أن الكافرة الذمية لاترث زوجها المسلم عندهم ؛ مع أنهم يفتون بصحة تزوج الكتابية بالدائم ، مع عدم التوارث ..

والقاتلة أيضاً لاترث زوجها المقتول .. ولاالعكس.

والوطي بملك اليمين لايوجب توارثاً ؛ فهل هو سفاح لعدم الارث فيه ؟ ..

ولقد تقدمت آية التوارث على آية المتعة نزولا ؛ فليكن دليل عدم الارث في المتعة مخصصاً لعمومات التوارث. هذا مع عدم وجود دليل يدل على أن مطلق الزوجية يوجب توارثاً ..

وأما آية الطلاق :

ـ التي نزلت ايضاً قبل آية المتعة ؛ فلابد من التزام التخصيص فيها ، وعلى قاعدة المستدلين لابد من نسخ آية المتعة لها ، وهو مالا يلتزمون به.

فان المراد بآية الطلاق هو خصوص الزوجة التي تبين بالطلاق ، وهي الدائمة لامطلق الزوجة. أي أن المقصود بالآية هو بيان الحكم

٤١

في المورد الذي يصح فيه الطلاق ، لامطلقاً ... والا لكان اللازم أن تكون آية الطلاق ناسخة لملك اليمين ؛ فهل يصح أن يقال : ان ملك اليمين سفاح ؛ اذ لاطلاق فيه ؟!

يضاف الى ذلك أن انفصام عقدة الزوجية كما يكون بالطلاق كذلك يكون بغيره ، مع انه لو كان الطلاق من الوازم الزوجية ، لم يصح ذلك الا بالطلاق ، مع أننا نرى : أن الملاعنه ، والمختلعة ، وكذلك المرتد عنها زوجها ، والامة المبيعة ، والامة التي أعتقت ـ كما في قضية بريرة ـ كل واحدة من هؤلاء تبين من زوجها بغير طلاق ..

وكذلك الزوجة الصغيرة ، التي ترضعها أم زوجها ، تبين من زوجها بغير طلاق ..

فلماذا لاتنسخ آية الطلاق سائر الاحكام المتقدمة ، أو بالعكس ؟!

وأما القسم والليلة : فذلك أيضاً مما يسقط في السفر ، مع بقاء صدق الزوجية ..

واللعان : بين الحر والامة غير موجود ، مع صدق الزوجية أيضاً ..

وأما عن النسخ بآية العدة ..

فالكلام فيه أغرب وأعجب ، فمن الذي يقول : ان المتمتع بها لاعدة لها ؟ أو ليس نرى السؤال عن مقدار العدة كان شائعاً من زمن

٤٢

الصحابة ، فنراهم بسألون عن مقدارها ، ويجيبون ، ويجابون ؟ راجع : مصنف عبدالرزاق ، والدر المنثور ، وغيرهما من كتب الحديث ، والجوامع الفقهية والروائية ..

وهل كان الصحابة في عهد الرسول وبعده يتزوجون النساء متعة ، ثم لا تعتد تلكم النساء بعد انقضاء الاجل ؟! ..

أو ليست المتمتع بها زوجة ؛ فتثبت لها أحكام الزوجية الا ما أخرجه الدليل ، ولقد أخرج الدليل النفقة والتوارث ـ على قول ـ ، و لم يخرج العدة ؛ فتثبت في النكاح المنقطع كالدائم ؟ ...

بين آية تحريم الزنا وآية المتعة :

قد تقدم : أن الفرق بين المتعة والزنا كالنار على المنار ، وكالشمس في رابعة النهار .. ونزيد هنا : أن من يقول : ان المتعة زنا ؛ فلابد وأن يلتزم بأن آية المتعة ناسخة لآيات تحريم الزنا المكية ، وبعض المدنية النازلة قبل آية المتعة بل اللازم على قول من يقول بتعدد تحليل المتعة : هو نسخ آيات تحريم الزنا ، واحكامها مرات ، ولم يقل أحد بأن آيات تحريم الزنا قد طرأ عليها نسخ اصلا ..

ومن هنا نعرف : أن الا لتزام بأن المتعة زنا قد أبيح للضرورة يكون بلا مبرر ، بل هو قبيح جداً. بل ان نفس الاية تدل على ان المتعة ليست زنا ؛ وذلك لاقتران جملة : « فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ »

٤٣

بجملة : « مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ». ذلك يدل أيضاً على أن المتعة توجب الزوجية ، كما قدمنا ..

كما أن ماذكره صاحب المنار : من أن تشريع المتعة هو من قبيل التدرج في تحريم الزنا ، كالتدرج في تحريم الخمر (١)

لايصح أبداً ، لان آيات التحريم القاطع للزنا قد نزلت في مكة وفي المدينة قبل تحليل المتعة .. كما ذكرنا ..

ولم يبق الا الاشارة الى توجيه شبه المتعة بالزنا : بان المقصود بالمتعة هو قضاء الشهوة ، وصب الماء ، وسفحه ، فتكون سفاحا ، لان السفاح عبارة عن ذلك أما النكاح ، فيقصد به التوالد والتناسل و بقاء النوع ..

وهو توجيه غير صحيح أيضاً ، لان الاية نفسها تكذب ذلك كما كما قلنا.

ولان التناسل ، وبقاء النوع حاصل في المتعة ، كحصوله في الدائم ؛ لعدم المنافاة بين المتعة والاستياد .. (٢)

وأيضاً .. فان بقاء النوع والتناسل حكمة في النكاح الدائم ، لا

__________________

(١) المنارج ٥ ص ١٣ ـ ١٤.

(٢) والشاهد على ذلك : ابن أم أراكة ، وابن عمرو بن حريث ، وغيرهما ممن ولدوا من المتعة ، وورثوا آباءهم ، وورثوهم ، وعاشوا في كنفهم ، وتحت رعايتهم.

٤٤

علة له والا للزم تحريم النكاح الدائم للعاقر ، والصبي والصبية ، والعقيم وحين يستعمل الزوجان وسائل منع الحمل (١) .. وقد تقدم بعض الكلام في ذلك ..

من طرائف الاوهام :

ولعل من الطريف أن نشير هنا : الى ان البعض قد تخيل (٢) : أن آية المتعة يراد بها النكاح الدائم. وقد استدل ببعض الوجوه ، التي أجاب عنها الرازي في تفسيره ، وتقدم في مطاوي كلامنا ما يشير الى وجه الجواب عنها أيضاً ، تفصيلا تارة ، واجمالا أخرى ..

ونحن نذكر ما استدل به هنا اجمالا ، فنقول :

قد استدل بوجوه ثلاثة :

الاول : ان قوله تعالى : « وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ » معناه : احل النكاح الدائم بماعدا المحرمات. وذكر لفظ « الاستمتاع » في الآية اشارة الى استحقاق المدخول بها لتمام المهر ..

وعدا عن أن ما ذكره يلزم منه تكرار ذكر النكاح الدائم كما أشار اليه جماعة .. نجد الرازي قد أجاب عن هذا : بأنه : من أين يثبت

__________________

(١) لا بأس بمراجعة كتاب : الميزان للعلامة الطباطبائي ج ١٥ ص ١٤ ـ ١٦.

(٢) هو الجصاص في احكام القرآن ج ٢ ص ١٧٩ ـ ١٨٠ ، وتابعه غيره ..

٤٥

أن المراد هنا احلال خصوص الدائم ؟ بل الظاهر : أن مطلق النكاح بتلك النساء حرام ، ومطلق النكاح بمن عداهن جائز ..

الثانى : قوله تعالى في الآية « غَيْرَ مُسَافِحِينَ » فسمى الزنا سفاحاً ؛ لانتقاء أحكام النكاح عنه ، من : ثبوت النسب ، والعدة ، والفراش ، و كذلك المتعة .. كما أن سفح الماء مشترك بين المتعة والزنا ؛ فاذا حرم الزنا حرمت المتعة ..

وقد تقدم الجواب عن هذا في العنوان السابق ، والذي قبله ، بمالامزيد عليه ؛ فلانعيد. وأجاب عنه الرازي ، فليراجعه من أراده ..

الثالث : قوله تعالى : « مُحْصِنِينَ » ، والاحصان لايكون الا في نكاح دائم ؛ لان المتمتع لايكون محصناً ؛ فوجب حمل الآية على الدائم ؛ لتصريحها بثبوت الاحصان ..

وأجاب الرازي بقوله ؛ « من أين ثبت : أن الاحصان خاص بالنكاح الدائم ، بل هو موجود في المنقطع أيضاً من غير فرق لان المراد بالاحصان حفظ الفرج عى ارتكاب الحرام : أي الزنا ، دون النكاح مطلقاً .. ». (١)

__________________

(١) راجع : أحكام القرآن للجصاص ج ٢ ص ١٧٩ ـ ١٨٠ ، وتفسير الرازي ج ١٠ ص ٥٣ ط سنة ١٣٥٧ ه‍.

٤٦

هذا كله : عدا عن أننا نقول : ان بعض الامامية يقول : ان المتعة توجب احصاناً ..

وثانياً : قولهم : ان الاحصان ملازم للزوجية ممنوع ؛ اذ لايثبت الاحصان قبل الدخول ، سواء في الدائمة « او في المتمتع بها ، مع أن الزوجية صادقة وثابتة في المتمتع بها كالدائمة. »

وثالثاً : قال الفاضل المقداد : « لو لم يكن المراد المتعة المذكورة ، لم يلزم شيىء من المهر من لاينتفع من المرأة الدائمة بشيىء ، واللازم باطل ؛ فكذا الملزوم.

أما بطلان اللازم ؛ فللاجماع على أنه لو طلقها قبل أن يراها وجب نصف مهرها.

وأما بيان الملازمة ؛ فانه لو علق وجوب ايتاء الاجرة بالاستمتاع ، فلا يجب بدونه .. ».

ثم ذكر : أنه لو اريد بالآية النكاح الدائم ؛ لوجب أن يستقر تمام المهر لمجرد تقبيلة ، أو نظرة بشهوة ؛ لصدق الاستمتاع حينئذ ، و هو باطل أيضاً ..

وذكر نحواً من ذلك النيسابوري أيضاً ؛ فليراجع. (١)

ورابعاً : ان صاحبنا يتحدى فيما يذكره في معنى الآية كل ما

__________________

(١) راجع : كنز العرفان للفاضل المقداد ج ٢ ص ١٤٩ ـ ١٥٠ ، و تفسير النيشابوري هامش تفسير الطبري ج ٥ ص ١٨.

٤٧

نقل عن الصحابة والتابعين في معناها ، وكل قراءاتهم التفسيرية المتواترة عنهم ، ويرى نفسه اعرف منهم بالمقصود والمراد منها !!.

فتلخص من جميع ما تقدم : أن أيا مما ذكر ناسخاً لآية المتعة ، ولتشريعها الثابت على سبيل القطع ، لايصلح للناسخية أصلا .. وليس التعلق بها الا محاولات تبربر موقف لاأكثر ولاأقل.

نسبة النسخ بالايات الى البعض :

واخيراً ... فان من أغرب الامور نسبة القول بالحرمة والنسخ الى على ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وابن جبير.

مع أن هؤلاء ـ بالخصوص ـ كانوا على رأس القائلين بحليتها كما سيأتي بيانه في فصل « النصوص والاثار » ومايليه من فصول .. كما وأنهم كانوا يجاهرون بآرائهم في مختلف الظروف والمناسبات .. ويكفي : أن نذكر : أن علياً قد تواتر عنه قوله : لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى الا شقي .. وأما ابن عباس فقد تقدم قول ابن بطال : ان روايات رجوعه عن المتعة ضعيفة (١) ويقول عطاء : ابن عباس يراها الان حلالا، (٢) ولقد اشتهرت فتواه في حال حياته ، حتى سارت بها الركبان ، وحتى قال القائل في حياة ابن عباس :

__________________

(١) فتح الباري ج ٩ ص ١٥٠ ، والغدير ج ٦ ص ٢٢٤ عنه.

(٢) مصنف عبدالرزاق ج ٧ ص ٤٩٨ ، والدر المنثور ج ٢ ص ١٤١.

٤٨

أقول للركب اذ طال الثواء به

يا صالح هل لك في فتوى ابن عباس

فى بضة رخصة الاطراف ناعمة

تكون مثواك حتى مرجع الناس (١)

وقراءته هو وابن مسعود ، وابن جبير للاية باضافة كلمة : « الى اجل » لاينكرها ولايدفعها أحد ..

وبعد هذا ... فهل كل هؤلاء كانوا يجهلون : أن تلك الآيات لا يمكن أن تكون ناسخة لآية ، وتشريع المتعة ؟!. وكيف خفى كل ذلك الذي ذكرناه على علي (ع) ، باب مدينة علم النبي (ص) ـ حسبما صرحت به الاخبار الكثيرة ـ وأعلم الناس بعد الرسول ؟! وكيف نستطيع أن نتصور : أنه يجهل ـ وكذلك ابن عباس ترجمان القرآن ـ أمراً هو من أبده البدهيات ، ولايشتبه فيه من له أدنى معرفة بالفقه وأصوله ؟!

وعلى كل حال .. فلسوف يأتي : أن هؤلاء كانوا من أشد الناس في الاصرار على حلية المتعة ، وبقاء تشريعها ، وقد ثبت ذلك عنهم في الصحاح ، والاخبار الكثيرة المتواترة .. حتى ان ابن جبير قد مارس المتعة بنفسه وكان يراها أحل من شرب الماء ، كما سيأتي.

__________________

(١) السنن الكبرى للبيهقى ج ٧ ، ونصب الراية ج ٣ ص ١٨١ ، ونيل الاوطار ج ٦ ص ٢٧٠ ، وغير ذلك مما لامجال لنتبعه لكثرته ..

٤٩

حكم المتعة ثابت للمختار :

وقد نرى البعض يحاول : أن يجتهد ، ويقول : انها كانت في أول الاسلام رخصة لمن اضطر اليها : كالميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، ثم أحكم الله الدين بعد. نقل ذلك عن أبي عمرة (١) ، بل لقد نسب ذلك الى ابن عباس أيضاً (٢) رغم تواتر النقل عنه بحليتها مطلقاً ..

ولكن هذا مما لا ينبغي اطالة الكلام فيه نقضاً وابراماً ، ونحن نكتفي بما ذكره الشيخ محمد حسن المظفر رحمه الله ، حيث قال مامعناه :

ان من البديهى : ان الرخصة للضرورة ، لاتجعل المتعة من قسم الحلال حتى تنسخ ، كما أن نسخ الرخصة الناشئة عن الاضطرار غير ممكن ؛ للعلم بثبوت الرخصة في مقام الضرورة ، وأن الله قد رفع عن الامة مااضطروا اليه ، كما دل عليه الكتاب والسنة ، ولذا تباح الميتة ، والدم ولحم الخنزير في مقام الضرورة.

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٤ ص ١٣٤ ، وسنن البيهقي ج ٧ ص ٢٠٥ ، ونصب الراية للزيلعى ج ٣ ص ١٧٧.

(٢) البخاري ج ٧ ص ١٦ ، وفتح الباري ج ٩ ص ١٤٨ ، عن الخطابي ، والبيهقي ، والفاكهي ، ووكيع في الغرر ، والدر المنثور ج ٢ ص ١٤٠ ، ولكن في مصنف عبدالرزاق ج ٧ ص ٥٠٢ رواية مفادها : أن ابن أبي عمرة الانصاري يعترض على ابن عباس بأنها انما أحلت للضرورة ، مما يعنى أن ابن عباس يقول بحليتها مطلقاً ، والرواية صحيحة السند.

٥٠

على أن أدلة حلية المتعة ، ولو في زمن خاص ، واضحة الدلالة على جوازها اختياراً ، وهو مجمع عليه .. هذا كله مع قطع النظر عن أسانيد هذه الاخبار ، بل سائر أخبار النسخ ، والا فالكلام واسع المجال (١)

هذا كله .. عدا عما قدمنها مما يلقى ضوءاً على هذا الزعم الواهي. ولو اننا صرفنا النظر عن كل ذلك ؛ فان اجتهاد عمرة وغيره لايكون حجة علينا ، والحجة فقط هو النص ولانص عن النبي ، ولا من القرآن يثبت ذلك .. والا لامكن ادعاء أن أياً من الاحكام قد شرع للضرورة ، وقد ارتفعت ، فلاحاجة بعد اليه ؟ فهل يلتزم بهذا مسلم ؟!

دعوى النسخ بالاجماع :

ومن المفارقات الغريبة هنا : أن نرى البعض يدعى نسخ هذه الآية ، وتشريع المتعة بالاجماع !!

أ ـ مع أنه يرى أن الروايات الكثيرة جداً ناطقة وصريحة في أن التحريم لم يكن في زمن النبي ، ولا أبي بكر ، ولا شطراً من خلافة عمر.

ب ـ وعدا عن ذلك : كيف يثبت اجماع مع مخالفة جمع من الصحابة ، والتابعين وأهل البيت في ذلك ، بل يذكر ابن حزم : أن جابراً حكاه عن جميع الصحابة وسيأتي أنه مذهب اهل مكة واليمن.

__________________

(١) راجع : دلائل الصدق ج ٣ ص ١٠٦.

٥١

ج ـ هذا .. ويقول الجمهور : ان الاجماع لاينسخ ، ولاينسخ به .. (١) فكيف اذا كان هذا الاجماع متأخراً عن عهد الصحابة والتابعين ؟ وكيف أيضاً اذا كان اهل البيت وشيعتهم مخالفين لهؤلاء المجمعين ، ويفتون بخلافهم ؟ .. هذا عدا عن وجود مخالفين في ذلك من غيرهم .. وحتى من أئمة المذاهب الاربعة أنفسهم ، كما سنرى ..

د ـ ثم هو اجماع معلوم فيه مستند المجمعين ، فلايكون حجة ، بل ينظر الى مستند هم نفسه.

دعوى النسخ بالاخبار

ان الاقوال حول نسخ آية وتشريع المتعة كثيرة جداً ، حتى لقد ذكر العلامة الاميني ؛ أنها تنتهي الى اثنين وعشرين قولا (٢). ونحن نذكر منها هنا اثني عشر قولا على سبيل المثال ، فنقول :

١ ـ انها كانت رخصة في اول الاسلام ، ثم نهى عنها يوم خيبر. قال في زاد المعاد ج ٢ ص ١٨٣ : ان ذلك هو قول الشافعي ، وغيره ..

__________________

(١) راجع : شرح التلويح للتفتازاني. والمستصفى للغزالي ج ١ ص ١٢٦ ، وشرح النووي على صحيح مسلم ، هامش ارشاد الساري ج ١ ص ٥٠ ، وفواتح الرحموت في شرح مسلم الثبوت ، المطبوع مع المستصفي ج ٢ ص ٨١ ومنهاج الوصول للبيضاوي. والاحكام للامدي ..

(٢) الغدير ج ٣ ص ٣٣٣

٥٢

٢ ـ أبيحت ، ثم نهى عنها يوم الفتح. واليه ذهب العسقلاني وابن القيم وغير واحد.

٣ ـ وقيل : انها حرمت في حجة الوداع ، وقال في الحلبية ج ٣ ص ١٠٤ : انه هو الصحيح .. وليراجع أيضاً ص ٤٥ ، وزاد المعاد ج ٢ ص ١٨٣.

٤ ـ أبيحت ثم نهى عنها في غزوة تبوك ..

٥ ـ ما حلت الا في عمرة القضاء ..

٦ ـ ابيحت للضرورة ، ثم حرمت آخر سنة حجة الوداع. قاله الحازمي.

٧ ـ أبيحت ، ثم نهى عنها عام خيبر ، ثم أذن فيها حين الفتح ، ثم حرمت. وهو قول النووي ، وربما يكون هو مقصود الشافعي حين قال : انها أبيحت ، ثم نسخت مرتين. راجع : زاد المعاد ج ٢ ص ١٤٢.

٨ ـ وقيل حرمت في غزوة أوطاس. قال في الحلبية ج ٣ ص ٤٥ : انه هو الصحيح.

٩ ـ أبيحت في صدر الاسلام. وعام أوطاس ، ويوم الفتح ، وعمرة القضاء. وحرمت يوم خيبر ، وغزوة تبوك ، حجة الاسلام.

١٠ ـ وفي الحلبية ج ٣ ص ٤٥ : وعن بعضهم : أنها أبيحت ، وحرمت أربع مرات.

١١ ـ ابيحت ثم نسخت ثلاث مرات ..

٥٣

١٢ ـ أبيحت سبعاً ، ونسخت سبعاً : في خيبر ، وحنين ، وعمرة القضاء ويوم الفتح ، وأوطاس ، وتبوك ، وحجة الوداع. (١)

الى غير ذلك من الاقوال حول كيفية النسخ ، وزمانه ، ووحدته وتعدده ..

مناقشة الاقوال المذكوره :

ولقد كفانا العلماء مؤنة الكلام على الكثير من تلك الاقوال ، وردوها ، وطعنوا في اسانيدها ، وخطأ واوغلطوا القائلين بها ، كل ذلك بالادلة والشواهد الكثيرة.

ونحن بدورنا نود أن نشير هنا الى الامور التالية :

أولا : قد تقدم وسيأتي أن عمران بن الحصين ، وابن عباس ، و الحكم بن عتيبة ، قد ذكروا أن الآية محكمة غير منسوخة .. وأصر على عدم نسخ المتعة طائفة كبيرة من الصحابة ، والتابعين ، وأهل البيت (ع) وشيعتهم ..

وثانياً : ان البعض ـ كالشافعي ـ وأكثر اصحابه واكثر اهل الظاهر و

__________________

(١) تجد هذه الاقوال من تتبع كتب القائلين بالنسخ. وفي الغدير ج ٦ ص ٢٢٥ ـ ٢٢٦. وتبوك في السنة التاسعة من الهجرة وأوطاس وحنين في الثامنة من الهجرة في شوال ، ويوم الفتح في رمضان فيها. وخيبر في السابعة ، وعمرة القضاء فيها أيضاً وحجة الوداع في العاشرة

٥٤

هو احدى الروايتين عن احمد بن حنبل يقولون : ان السنة لا تنسخ القرآن (١) وهذا معناه : أن المتعة عندهم لايصح نسخها بالروايات المدعى ناسخيتها فضلا عن احتمال نسخها أكثر من مرة بها !! كما يقولون ..

وثالثاً : لقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد ، أن النسخ مرتين مما لايعهد في الشرع البتة ولا يقع مثله فيها (٢) هذا فضلا عن النسخ ستاً أو سبعاً ، أو غير ذلك مما تقدم ..

وقال النيسابوري : « .. وقول من قال : انه حصل التحليل مراراً والنسخ ، ضعيف ، لم يقل به أحد من المعتبرين ، الا الذين أرادوا ازالة التناقض عن هذه الروايات ..(٣) »

ورابعاً : ان روايات النسخ كلها لاحجية فيها ، لانها ترجع في أصولها الى اخبار آحاد .. كسلمة بن الاكوع ، وسبرة بن معبد ، و ابي هريرة ، وهكذا .. ولا يتجاوز عدد من روى النسخ منهم عنه (ص) الستة أشخاص (٤) كما أن من يروي عن هؤلاء الصحابة أيضاً آحاد ،

__________________

(١) المستصفى للغزالى ج ١ ص ١٢٣ ، والاحكام للامدى ، وفواتح الرحموت في شرح مسلم الثبوت هامش المستصفى ج ٢ ص ٧٨

(٢) زاد المعاد لابن القيم ج ٢ ص ١٨٣

(٣) تفسير النيسابوري هامش الطبري ج ٥ ص ١٩

(٤) راجع : سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٠١ ـ ٢٠٧ وغيره يتضح لك ذلك.

٥٥

كالربيع بن سيرة مثلا عن أبيه وعليه فلاتصلح هذه الروايات لنسخ تشريع نص عليه القرآن ، وثبت بالسنة المتواترة ، حتى أخبار النسخ نفسها ، وبالجماع كافة أهل القبلة ، لان النسخ لا يقع باخبار الآحاد اجماعاً ؛ بل تقدم عن الشافعي وغيره قولهم : ان السنة لاتنسخ القرآن.

فكيف اذا كانت هذه السنة أخبار آحاد ، متضاربة ، ومتعارضة.

هذا .. مع وجود النقاش القوى في صحة النسبة الى هؤلاء الآحاد ، بل ثبوت ضد ما ينسب اليهم .. كما هو الحال بالنسبة لعلي ، وابن مسعود وغيرهما منهم ، كما سنرى ..

وربما ينسب القول بنسخها الى بعض الصحابة الآخرين الذين لايتجاوز عددهم عدد أصابع اليد أيضاً .. ولكن لا بنحو الرواية عن النبي (ص) بل بنحو الاجتهاد ، في الآيات القرآنية (١)، وقد تقدم بيان الخطأ الفاضح في ذلك الاجتهاد ، بحيث نجل هؤلاء الاكابر عن ارتكاب خطأ مثل هذا ..

وبعد هذا .. واذا كان الذين ينسب اليهم التحريم رواية أو اجتهاداً ، لايتجاوزون عدد أصابع اليدين ، واذا كان ثمة شك كبير في صحة النسبة الى جلهم ـ كما رأينا وسنرى ـ فاننا نعرف أن قول من يقول : ان اكثر الصحابة على تحريم زواج المتعة .. يكون كلاماً غير مسؤول ، وتكهنا ورجماً بالغيب غير مقبول ..

وخامساً : اننا بالاضافة الى ذلك كله ، نجد روايات هؤلاء الآحاد

__________________

(١) راجع سنن البيهقي وغيره أيضاً

٥٦

كلها متعارضة متضاربة ، لايكاد ويتفق رواثها على شيىء في كيفية النسخ وزمانه ومكانه ، فمن خيبر ، الى الفتح ، الى حنين ، الى أوطاس ، الى تبوك ، الى عمرة القضاء ، الى حجة الوداع .. وهكذا الاختلاف في نفس هذه الموارد ، وخصوصياتها .. الامر الذي أوجب : أن تصل أقوال القائلين بالنسخ الى (٢٢) قولا كما قدمنا ..

هذا .. عدا عن أنك تجد التعارض في روايات الراوي الواحد ، فيروي عن سبرة : ان التحريم كان يوم الفتح ، ويروي عنه أيضاً : أنه كان في حجة الوداع.

كما انه يروي عن الواحد من الصحابة : القول بالحلية الدائمة تارة ، والقول بالتحريم أخرى .. فكيف يمكن الاعتماد على هذه الروايات لنسخ ذلك الحكم القطعي الثابت بالقرآن والسنة ، واجماع الامة ؟!

وسادساً : ان روايات النسخ هذه معارضة بالروايات المستفيضة بل المتواترة الدالة على عدم النسخ ، وبقاء شرعيتها الى يوم القيامة والتي سوف يأتي شطر منها عن قريب ان شاءالله .. فلايبقى لروايات النسخ حجية ، فنرجع الى المعمومات الاولى ونتمسك بها في اثبات بقاء مشروعيتها .. ولسوف يأتي تصريح كثير من الروايات : أن التحريم انما كان في زمن عمر ، لامور وقتية وآنية دفعته الى التحريم الآني ؛ فظن البعض تأبيد التحريم ، كما سيظهر ..

وسابعاً : لقد ضعف العلماء جميع روايات النسخ ، وذهب أكثرهم

٥٧

الى أن النسخ كان يوم الفتح ، وهو القول المروي عن سيرة الجهني ، ويليه في القوة عندهم القول بأن النسخ كان يوم خيبر ـ وهو مذهب الشافعي ـ وهو المروي عن علي قال العسقلاني : « .. لايصح من الروايات شيىء بغير علة ، الا غزوة الفتح » (١) وذلك بعد أن ضعف جميع الروايات والاقوال الاخرى بما لامجال لذكره ..

وبما أن روايتي النسخ يوم خيبر ، ويوم الفتح هما محط النظر ، وأقوى مستند عندهم ؛ فنحن نشير الى هاتين الروايتين هيهنا بالخصوص ، والى بعض الكلام فيهما فنقول :

أ ـ أما رواية النسخ يوم خيبر ، وهي المروية عن علي عليه السلام فهي على ماورد في الصحاح : البخاري ، ومسلم وغيرهما : أن علياً قال لابن عباس : ان النبي (ص) نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر ، وعن لحوم الحمر الاهلية ..

فهذا الخبر بالاضافة الى المناقشة في سنده ، بتدليس بعض رواته ، و بالقدح في بضهم الآخر ، وبمن قد اختلط في أواخر عمره ؛ واعترف هو نفسه بأنه : يغير ويبدل فيما يرويه. وبمن هو منحرف عن على عليه السلام وأهل بيته الى غير ذلك مما يجده المتتبع في تراجم سند هذه الرواية في تهذيب وفى لسان الميزان ؛ وغير ذلك ..

__________________

(١) فتح الباري ص ١٤٦ ج ٩ ، وقريب منه كلام الزرقاني في شرح الموطأ ج ٢ ص ٢٤

٥٨

اننا بالاضافة الى ذلك نقول :

قال السهيلي : « .. هذا شيىء لايعرفه أحد من أهل السير ، ورواة الاثر : أن المتعة حرمت يوم خيبر .. » (١)

وقال أيضاً : « .. وقد اختلف في تحريم نكاح المتعة ؛ فأغرب ما روي في ذلك رواية من قال : ان ذلك كان في غزوة تبوك ، ثم رواية الحسن : أن ذلك في عمرة القضاء .. » (٢)

وقال أبو عمر صاحب الاستيعاب : « .. ان ذلك غلط ، ولم يقع في غزوة خيبر تمتع بالنساء .. ». (٣)

وقال أبو عوانة في صحيحه : « .. سمعت أهل العلم يقولون : معنى حديث علي : أنه نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الاهلية ، وأما المتعة فسكت عنها .. ». (٤)

وقال ابن القيم : « .. ولو كان التحريم زمن خيبر لزم النسخ

__________________

(١) الروض الانف ج ٤ ص ٥٩ ط سنة ١٣٩١ ه‍ ، وفتح الباري ج ٩ ص ١٤٥ عنه وفى السيرة الحلبية ج ٣ ص ٤٥ نقل ذلك عن بعضهم.

(٢) الروض الانف ج ٤ ص ٥٩

(٣) ارشاد الساري ج ٦ ص ٣٦٩ ، والغدير ج ٦ ص ٢٢٦ عن شرح المواهب للزرقاني ج ٢ ص ٢٣٩ ، وشرح الموطأ له أيضاً ج ٢ ص ٢٤.

(٤) فتح الباري ج ٩ ص ١٤٥ ، ونيل الاوطار ج ٦ ص ١٤٦ والغدير ج ٦ عنه

٥٩

مرتين ، وهذا لاعهد بمثله في الشريعة البتة ، ولايقع مثله فيها. وايضاً فان خيبر لم يكن فيها مسلمات ، وانما كن يهوديات. واباحة نساء أهل الكتاب لم يكن ثبت بعد ، انما أبحن بعد ذلك في سورة المائدة ... الى أن قال : فلم تكن اباحة نساء اهل الكتاب ثابتة زمن خيبر ، ولاكان للمسلمين رغبة في الاستمتاع بنساء عدوهم قبل الفتح ، وبعد الفتح استرق من استرق منهن ، وصرن اماء للمسلمين ... » (١)

وقال أيضاً : « وقصة خيبر لم يكن فيها الصحابة يتمتعون باليهوديات ، ولااستأذنوا في ذلك رسول الله (ص) ، ولانقله أحد في هذه الغزوة ، ولا كان للمتعة فيها ذكر البتة ، لافعلا ، ولاتحريماً .. » (٢)

ونضيف نحن الى ما تقدم : أن المسلمين متفقون على اباحة المتعة بعد خيبر ، مما يجعلنا ـ بالاضافة الى ما تقدم ـ نقطع بافتعال هذه الرواية على لسان علي عليه السلام ، وكذب النقل عنه ، هذا عدا عن تواتر النقل عنه بضد مضمونها .. فيسقط الاحتجاج بالرواية المنسوبة اليه ..

وأما خبر سبرة بن معبد ، القائل بأن التحريم كان حين فتح مكة .. فملخص احدى الروايات التي تنقل عنه في ذلك هو :

__________________

(١ و ٢) زاد المعاد ج ٢ ص ١٨٣ و ١٤٣ على الترتيب.

٦٠