الزّواج الموقّت في الإسلام

السيد جعفر مرتضى العاملي

الزّواج الموقّت في الإسلام

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : الحديث وعلومه
المطبعة: الحكمة
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

ولكن قد فات هؤلاء : أن ذلك كان بسبب ما تعرض له هذا التشريع من حملات الدعاية المغرضة ضده ، بهدف تشويهه في أذهان الناس ، واعطاء انطباع سيىء عنه .. وايضاً بسبب ان الكثيرين قد أساؤا استعمال هذا التشريع ، مع عدم قوة تحميه ، وتدافع عنه ، كتلك القوة التي تحمي وتدافع عن سائر القوانين والتشريعات الاخرى ..

هذا عدا عن أن طبيعة ظروف هذا القانون لا تسمح بأن يكون الاقبال عليه في مستوى الاقبال على الدائم. (١)

هذا الزواج ومصير الاطفال :

وأما عن الاطفال الذين يتولدون من هذا الزواج ، والذين يرى البعض أن مصير هم سوف يكون هو الضياع ، والحرمان من الحياة الهادئة المطمئنة في ظل عطف وحماية الابوين ..

فقد قلنا : ان قضية التوالد قد أوكلت الى اختيار الزوجين ، اذ بامكانهما المنع عن ذلك ـ قبل انعقاد النطفة ، سيما في هذه الايام ، التي يسهل فيها الحصول على وسائل منع الحمل ..

وأما اذا اراد الزوجان أن يتحملا المسؤولية الاطفال ؛ فالاسلام لا يمنعهما عن ذلك : شرط أن يتحملا المسؤولية كاملة في ذلك كالدائم تماماً ، حتى لو فرض عدم قيامهما ، بمسؤولياتهما تجاه الطفل أجبرهما القانون على ذلك .. تماماً كما

__________________

(١) المصدر السابق ..

٢١

يجبر الابوين على ذلك في الدائم ، أو بعد حصول الطلاق فيه. (١) ولو صح أن يمنع ذلك من تشريع الزواج الموقت فاللازم أن يمنع من تشريع الزواج الدائم والطلاق أيضاً.

المرأة سلعة :

ولم يبق هنا : الا قولهم : ان المرأة في الزواج الموقت تكون سلعة بيد الرجل ، تنتقل من رجل الى آخر.

وهذا ايضاً لو صح لوجب أن يمنع من الطلاق في العقد الدائم ، سيما اذا تكرر ، وبالاخص بناء على التسهيل في الطلاق ، المتبع عند أولئك المحرمين للنكاح المنقطع ، والقائلين ببينونة المرأة اذا قال لها زوجها : أنت طالق ثلاثاء ، ولوجب أن يمنع ذلك عن انتقال المرأة بملك اليمين ، الذي يقولون به أيضاً.

على أننا لو أغمضنا النظر عن كل ذلك ، فان اشكالهم هذا ، بل وسائر اشكالاتهم ، أول ما ترد على الشارع الحكيم نفسه ، حيث قد شرع هذا النكاح في صدر الاسلام ؛ فما يجيب به الشارع هناك نجيب نحن به هنا ..

لو كان هذا الزواج غربياً

وبعد كل ما قدمناه .. فاننا نستطيع أن نقول ـ وبكل جرأة

__________________

(١) المصدر السابق ..

٢٢

وثقة ـ أن هذا التشريع يجب أن يعتبر من مفاخر الاسلام ، ومن أدلة عظمته ، وشموله ، وأصالته .. ولكن ذنبه الوحيد ـ وهو الذنب الذي لايغفر ـ أنه شرقي المولد والمنشأ ولهذا فهو لايجد العطف الكافي ، والمحبة المطلوبة ، وانما يقابل دائماً بالازدراءِ والاحتقار ، لا لشيىءِ ، الا لانه شرقي ، وبالذات لانه اسلامي !!. ولو أننا استوردناه من غير هذه الارض سيما أوروپا لكان لنا جميعاً منه موقف آخر ، ومن نوع آخر .. ولوجدنا العديد من المؤتمرات والمهرجانات تقام هنا وهناك ؛ للتأكيد على أهمية وصحة وسلامة هذا التشريع ، وعلى أنه هو الوحيد الذي يستطيع أن يحل مشلكة الجنس حلا كافياً ووافياً .. وكاملا وشاملا. ولربما تجد دعوة برتراند رسل عن قريب ـ الى ما يشبه هذا الزواج ـ آذاناَ ضاغية ، وقلوباً مفتوحة ، وعقولا متفهمة ، لانها صدرت عن رجل غربى ، ولربما نضطر في وقت ما الى القيام بحملة اعلامية للدفاع عن الزواج الدائم ، وتاكيد صحته و سلامته !! (١)

المتاجرة بالمفاهيم والقضايا المصيرية :

هذا .. واذا كنا نعتقد : أن مفاهيم الاسلام وتشريعاته ، كلما تعرضت للنقد ، ثم للبحث والتمحيص ، تخرج اكثر وضوحاً ، وأشد رسوخاً ،

__________________

(١) راجع كتاب : حقوق زن در اسلام « فارسى » للعلامة مرتضى مطهرى ص ٣٢.

٢٣

لان ذلك يساعد على تجليها ، واستكناهها اكثر فأكثر ، شأن كل الحقائق الاصيلة ، والافكار الصحيحة (١) .. الا أن ما يحز في النفس ألمه ، ويدمي كلمة : أن نرى البعض يتاجر بالمفاهيم والافكار ، ويشوهها في أذهان هذا الشباب المتعطش للحقيقة ، ومن ثم ليبقى هذا الشباب ـ وهم جند الحاضر ، ورجال المستقبل ـ يعاني من مشاكل حادة وخطيرة ، تعصف براحته وسعادته. أما ذلك المتاجر ، فهو في برجه العاجي ، لا يرثي ولا يرحم ، ولا يلين ؛ لانه قد تهيأت له هو ظروف من نوع معين حلت له مشكلته الجنسية ؛ ولذا فهو لا يحس ولا يشعر بشيىءِ ، وانما كل همه : أن يصدر أوامره وتوجيهاته من برجه العاجي ذاك ، متجاوزا هذا الواقع المر ، الذي يعاني منه شبابنا وفتياتنا ، ولا يفكر الا في ذهنية محدودة وعقلية متحيزة متعصبة ، ونفسية مريضة وحادقة ..

مع بعض المتاجرين :

ويبدو ذلك بوضوح ، لو ألقينا نظرة على ما يذكره الكثيرون ممن تعرضوا لمعالجة هذا الموضوع الذي نحن بصدده ؛ فانك تجد أنهم يجهدون في اظهاره بشكل بشع ، ومستهجن ، بحيث يبدو أمراً غريباً عن ديننا وتراثنا ومعتقداتنا .. ويحاولون ما أمكنهم تلفيق الحجج

__________________

(١) راجع كتاب : حقوق زن در اسلام « فارسى » للعلامة مرتضى مطهرى ص ٣٢.

٢٤

مهما كانت واهية وضعيفة ، حتى ولو خالقت النص القرآني أحياناً و سنة النبي .. من أجل اثبات ما يقولون ، وتأكيد ما يدعون ..

وكمثال على ذلك نذكر : أنه قد طرح في مجلة « الهلال » المصرية (١) سؤال هام ، يتعلق بتشريع هذا الزواج ، في الاسلام .. وتولى الاجابة عنه من وصفته المجلة ب‍ « العالم الاسلامي الكبير » !!

ولشد ما كانت دهشتنا كبيرة ، عند ما قرأنا اجابته ؛ فوجدناه يبادر الى الحكم بتحريمه ، وفي مجال الاستدلال على ذلك نراه يهتم بايراد أدلة أحسن ما يقال فيها : أنها ضعيفة وواهية ـ كما سنرى.

نعم .. لقدر أيناه يحاول الالتفات على موضوع كهذا ، يعتبر على درجة كبيرة من الخطورة ، فلا يطرحه بالشكل اللائق ، ولايعاجله معالجة دقيقة ، أو وافية. بل قد نجد : انه قد شوه كثيراً ـ ونرجو أن يكون ذلك عن غير عمد ـ الصورة الحقيقية لهذا الموضوع الهام والخطير .. بل ونستطيع أن نقول : انه ليس من العسير على أي قارىء ان يجده قد عالج الموضوع من جانب واحد ، متجاهلا الجانب الاهم والاقوى ..

نقول هذا. ، مع العلم بأننا نكن لكاتب المقال كل احترام ، وتقدير .. ولكن لما كان الحق فوق كل المجاهلات والعواطف ، فاننا نجد أنفسنا مضطرين الى أن نقول كلمتنا بكل موضوعية وتجرد ،

__________________

(١) الهلال ـ ١٣ جمادى الاولى ١٣٩٧ ه‍. أول مايو ١٩٧٧ م.

٢٥

اخلاصاً للحقيقة ، وشعوراً منا بالمواجب الملقى على عواتقنا جميعاً.

ورغم أننا نعتقد : أن هذا الموضوع ليس بهذه البساطة ، التي يحاول كاتبنا أن يوحى بها للقارىءِ ، كيف وقد ألفت حوله الكتب ، وكتبت في معالجته البحوث ، ونتحد على ضوء الموقف منه كثير من الامور ، التي تمس واقع الامة الاسلامية مباشرة.

ورغم أننا نعتقد : أن من الضروري التوفر على دراسته بشكل أوسع ، وأدق ، وأشمل ـ رغم كل ذلك :

فاننا لانرى محيصاً في هذه العجالة من ابداء رأينا في هذا الموضوع الخطير جداً. مع الاشارة الموجزة بقدر الامكان الى ما نستند اليه فيه.

ولسوف نحاول أن نجعل القارىء يلمس بنفسه موقع هذا التشريع ـ الذي لابد وأن يعتبر من مفاخر الاسلام ـ من الاسلام.

فنقول : والى الله نرغب في التوفيق والتسديد ..

٢٦



هذا الزواج ثابت ام منسوخ

حقيقة هذا النكاح.

الفرق بين الزنا وزواج المتعة

آية المتعة في الكتاب العزيز

دعوى نسخ هذه الاية

الاية غير منسوخة

ليس في القرآن ناسخ لاية المتعة

بين آية تحريم الزنا وآية المتعة

من طرائف الاوهام

نسبة النسخ بالآيات الى البعض

حكم المتعة ثابت للمختار

دعوى النسخ بالاجماع

دعوى النسخ بالاخبار

مناقشة الاقوال المذكورة

٢٧
٢٨



حقيقة هذا النكاح

هذا النكاح هو عقد زواج بين الرجل والمرأة ، بمهر معين ، يذكر في متن العقد ، الى اجل معين. وبحلول الاجل ، أو بهبة الزوج المدة لها تنحل عقدة النكاح ، بلاحاجة الى طلاق ..

ولابد أن تتوفر في هذا النكاح جميع الشرائط الشرعية ، من البلوغ ، والعقل الخ .. مع عدم مانع شرعي ، من : نسب ، أو سبب أو رضاع ، أو احصان ، أو عدة لآخر ، أو كونها أخت زوجة ، أو نحو ذلك .. بالاضافة الى سائر شرائط النكاح الدائم ، المقررة في محلها في كتب الفقه ..

فتقول لك : زوجتك ، أو أنكحتك (١) ، أو متعتك نفسي بمهر

__________________

(١) ومن الطريف في المقام ما جاء في البحر الرائق لابن نجيم ج ٣ ص ١١٤ ومجلة هدى الاسلام ج ١٩ عدد ٢ ص ٧٩ : من محاولة ايجاد فرق

٢٩

قدره كذا ، لمدة شهر ، أو سنة ، أو أقل ، أو اكثر ، فنقول لها أنت فوراً : قبلت ..

وبذلك تثبت الزوجية الى انتهاءِ المدة التي حددت ، وبعد انتهائها تعتد ـ كالامة ـ بحيضتين ، وقيل : بواحدة ، ان كانت ممن تحيض ، أو بخمسة وأربعين يوماً ، ان كانت لاتحيض ، وهي في سن من تحيض ، وعدة الحامل ، والمتوفى عنها زرجها كعدة الدائمة ..

وولد المتعة يلحق بأبيه ، ويرثه كسائر أولاده ، وتشمله جميع العمومات الشرعية ، الواردة في الاباء ، والابناء ، والامهات ، والاخوة

__________________

بين الزواج الموقت ، وزواج المتعة ، بأن الاول يقع بلفظ : زوجت ، أو أنكحت ، اما الثاني فيقع بلفظ : متعت ثم حكم ببطلانهما معاً.

لكن الحقيقة هي عدم الفرق بينهما ـ كما صرح به في فتح القدير ـ و أنهما اسمان لمسمى واحد ، فتقع المتعة بالالفاظ الثلاثة ، فان شئت فسمها : متعة ، أو سمها : زواجاً موقتاً ، أو زواجاً منقطعاً. لافرق. وقد صرح في البحر الرائق ج ٣ ص ١١٤ : أنه لو عقد بلفظ التزويج ، واحضر الشهود كان من أفراد المتعة وقال النحاس في : الناسخ والمنسوخ : « وانما المتعة : أن يقول : أتزوجك يوماً ، أو ما أشبه ذلك » والروايات ، والصحابة والتابعون يعتبرون المتعة تزويجاً ، ولايفرقون بينها وبين الموقت. كما يظهر ذلك بالمراجعة ..

وأما مسألة اشتراط الشهود في مطلق الزواج وعدمه ، فهي مسألة خلافية لاربط لها بالمقام.

٣٠

والاخوات والعمات ، والخالات الخ ..

ولا يفترق هذا الزواج عن الدائم ، الا في ميراث الزوجين ـ على قول ـ والنفقه ، والليلة ، وذلك لادلة خاصة اقتضت ذلك ، قد خصصت بها تلك الادلة العامة ، كما سنرى (١).

الفرق بين الزنا وزواج المتعة

وبعد هذا .. فلا يصح أن يقال : لافرق بين الزنا وزواج المتعة ، اذ قد اتضح مما تقدم الفرق الشاسع بينهما ، فلاعقد في الزنا , ولايلحق الولد بأبيه ، ولايرثه ، ولاعلاقة زوجية ، ولاعدة الى آخر ماقدمناه.

كيف .. ولو كانت المتعة زنا ، لما شرعها الاسلام أصلا ، ولا اعترف بها ، مع ان تشريع الاسلام لها يكاد يلحق بالضروريات الدينية ولكن الخلاف هو في نسخها وعدمه ، كما سيأتي ..

وللكلام مزيد توضيح في مطاوى هذا البحث ..

آية المتعة في الكتاب العزيز

لقد أجمع أهل القبلة كافة على أن الله قد شرع هذا النكاح في دين الاسلام. ولايرتاب في هذا القدر أحد من علماء المذاهب الاسلامية ، على اختلافها ، بل لعل أصل مشروعيته يلحق بالضروريات كما قلنا ..

__________________

(١) راجع كتاب : مسائل فقيهة للامام شرف الدين.

٣١

والاخبار في أصل مشروعيته متواترة ، حتى عند من يدعى نسخه .. وحتى ما يدعى ناسخيته له هو يدل على ثبوت تشريعه أيضاً ..

ويكفى أن نذكر : أن آية قرآنية قد نزلت في تشريعه ، هي قوله تعالى :

« فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً » النساءِ ٢٤

قال القرطبي ، والشوكانى ، وغيرهما : « .. قال الجمهور : المراد نكاح المتعة ، الذي كان في صدر الاسلام. » (١)

وسيأتى : أن عمران بن الحصين يقول : ان هذه الاية قد نزلت في المتعة ، ولم تنسخ.

وقال عبدالرزاق ، وغيره : « .. قال عطاء : فهي التي في سورة النساءِ : فما استمتعتم به منهن الى كذا وكذا من الاجل ، على كذا و كذا الخ. » (٢)

وقرأ ابن عباس ، وابى بن كعب ، وسعيد بن جبير ، وابن مسعود والسدى ـ قرأوا ـ هذه الاية هكذا :

« فما استمتعتم به منهن الى أجل مسمى فآتوهن أجورهن. » وحكى نزول هذه الاية في المتعة أيضاً عن : حبيب بن أبى ثابت ، ومجاهد

__________________

(١) تفسير القرطبي ج ٥ ص ١٣٠ ، ومع القرآن للباقوري ص ١٦٧ وعبارته : جمهور اهل العلم. والغدير ج ٦ عن تفسير الشوكاني ج ١ ص ٤١٤.

(٢) مصنف عبدالرزاق ج ٧ ص ٤٩٧ ، والايضاح لابن شاذان ص ٤٤٠.

٣٢

والحكم بن عتيبة. (١)

وفي مستدرك الحاكم ، وغيره : أن ابن عباس قدأ قسم : أن هذه

__________________

(١) راجع في ذلك كلا أو بعضاً ، المصادر الاتية : تفسير ابن كثير ج ١ ص ٤٧٤ ، والدر المنثور ج ٢ ص ١٤٠ عن الطبرانى ، وعبد بن حميد ، وابن الانبارى ، وأبا داود ، وغيرهم ، وتفسير القرطبي ج ٥ ص ١٢٠ ، وتفسير الطبري ج ٥ ص ٩ ، وتفسير الرازي ج ١٠ ص ٥١ ط سنة ١٣٥٧ ه‍. والايضاح ص ٤٤٢ ، ومصنف عبد الرزاق ج ٧ ص ٤٩٨ ، ومستدرك الحاكم ج ٢ ص ٣٠٥ ، وتلخيصه للذهبى نفس الصفحة ، واحكام القرآن للجصاص ج ٢ ص ١٧٨ ، وتفسير النيشابوري ، هامش الطبري ج ٥ ص ١٨ ، وسنن البيهقي ج ٧ ص ٢٠٥ ، والكشاف ط بيروت ج ١ ص ٤٩٨ ، وبداية المجتهد ج ٢ ص ٥٨ ، والجواهر ج ٣٠ ص ١٤٨. وطرائف ابن طاووس ص ١٤١ ، وكنز العرفان ج ٢ ص ١٥١ ، والبيان للخوئي ، والمتعة للفكيكي ، والتسهيل ج ١ ص ١٣٧ ونيل الاوطار ج ٦ ص ٢٧٠ و ٢٧٥ ، والبغوي هامش الخازن ج ١ ص ٤٢٣ ودلائل الصدق ج ٣ ، ومسائل فقهية ، والفصول المهمة ، والنص والاجتهاد ، والغدير ج ٦ ص ٢٢٩ ـ ٢٣٥ عن بعض من تقدم ، وعن : تفسير الشوكاني ج ١ ص ٤١٤ ، وتفسير الخازن ج ١ ص ٣٥٧ ، وشرح مسلم للنووي ج ٩ ص ١٨١ وتفسير البيضاوي ج ١ ص ٢٥٩ ، وتفسير أبي حيان ج ٣ ص ٣١٨ ، وتفسير الآلوسي ج ٥ ص ٥ ، وتفسير أبي السعود هامش الرازي ج ٣ ص ٢٥١.

٣٣

الاية لانزلها الله كذلك. (١)

وقال الرازي والنيسابورى ، بعد نقلهما هذه القراءة عن ابن عباس ، وأبي بن كعب : « والامة ما أنكروا عليهما في هذه القراءة ؛ فكان ذلك اجماعاً من الامة على صحة هذه القراءة ... » (٢).

وقد نبه العلماء على أن قراءة هؤلاء باضافة كلمة « الى أجل » كانت على وجه تفسير ، وهو جائز عند علماء القراآت ، لاأنها كانت في القرآن وحذفت.

دعوى نسخ هذه الآية

لقد ادعى جماعة : أن آية تشريع المتعة منسوخة ، ولكنهم اختلفوا في ناسخها ؛ فقيل : انها نسخت ب‍ :

اً ـ القرآن .. وذكر واتارة أن الناسخ هو :

قوله تعالى : « وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ، إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ ، أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ، فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ». (٣)

__________________

(١) مستدرك الحاكم ج ٢ ص ٣٠٥ ، وتلخيصه للذهبي هامش ، نفس الصفحة.

(٢) تفسير النيسابوري هامش الطبري ج ٥ ص ١٨ ، وتفسير الرازي ج ١٠ ص ٥١ ط سنة ١٣٥٧ ه‍.

(٣) المؤمنون ٥ ـ ٦.

٣٤

ذهب الى ذلك جماعة من المتأخرين ، ونقل ذلك عن : القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وعن عائشة ايضاً. (١) ويوجهون الاستدلال بهذه الآية بأنه :

« ليس للشيعة أن يقولوا : ان المتمتع بها مملوكة ؛ لبداهة بطلانه ، أو زوجة ؛ لانتفاء لوازم الزوجية : كالميراث ، والعدة والطلاق والنفقة ، والقسم ، وانتفاء لوازم الزوجية يوجب انتفاء الملزوم ؛ فاذا لم تكن زوجة ، ولاملك يمين ، كانت من العدوان المحرم بمقتضى الآية » (٢)

ويقال : ان يحيى بن أكثم قد استدل على المأمون بما يقرب من هذا أيضاً. (٣)

وتارة : ان الناسخ هو آية الميراث ، ونسب ذلك الى سعيد بن

__________________

(١) راجع : المصنف للحافظ عبدالرزاق ج ٧ ، والسنن الكبرى للبيهقي ج ٧ ص ٢٠٦ ، والدر المنثور ج ٥ ص ٥ ، ومستدرك الحاكم ج ٢ ص ٣٩٣ ، وليراجع الغدير ج ٦ عن تفسير الشوكاني ج ١ ص ٤١٤. وليراجع التسهيل ج ١ ص ١٣٧.

(٢) تفسير النيسابوري هامش الطبري ج ٥ ص ١٧ ، وتفسير الآلوسي ، وجواهر الكلام ج ٣٠ ص ١٤٩.

(٣) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٤٦ ، ووفيات الاعيان ج ٢ ص ٢٥٩ ط ايران.

٣٥

جبير. (١)

وثالثة : أن الناسخ هو آية الطلاق ، والميراث والعدة ، ونسب ذلك الى على عليه السلام ، وابن مسعود ، وابن المسيب ، ورواه أبو هريره عن النبي (ص) (٢) ونسب الى ابن عباس : أنها منسوخة بآية العدة. (٣)

٣ ـ وقال البعض ان المتعة منسوخة بالاجماع. (٤)

٣ ـ وقال آخرون : انها نسخت بالاخبار. (٥)

__________________

(١) الغدير ج ٦ عن تفسير الشوكاني ج ١ ص ٤١٤ ، والتسهيل ج ١ ص ١٣٧ ذكره بلفظ ، قبل ..

(٢) راجع في ذلك كلا او بعضاً : الدر المنثور ج ٢ ص ١٤٠ ، ومصنف الحافظ عبدالرزاق ج ٧ ص ٥٠٥ ، وسنن البيهقي ج ٧ ص ٢٠٧ ، ونصب الراية ج ٣ ص ١٨٠ ، وفتح الباري ج ٩ ص ١٥٠.

(٣) احكام القرآن للجصاص ج ٢ ص ١٧٨ ، والدر المنثور ج ٢ ص ١٤٠.

(٤) الاوئل لابى هلال العسكري ج ١ص ٢٣٩ ط سنة ١٩٧٥ م.

(٥) راجع : تفسيى البيضاوي ج ١ ص ٢٥٩ ، والتسهيل ج ١ ص ١٣٧ ، وتفسير ابن كثير ج ١ ص ٤٧٤ ، والغدير ج ٦ عنهم وعن تفسير الخازن ج ١ ص ٣٥٧ ، وتفسير أبى السعود هامش الرازي ج ٣ ص ٢٥١ ، وتفسير الشوكاني ج ١ ص ٤١٤.

٣٦

الآية غير منسوخة

ونحن نجد في مقابل ذلك : أن عدداً من الصحابة والتابعين ، وأهل البيت ، بل وحتى بعض من نسب اليهم النسخ آنفاً ، قد ثبت عنهم : أنهم يصرون على عدم نسخ هذه الآية ، وأنها محكمة , وسيأتي الكلام عن رأي علي ، وسعيد بن جبير ، وابن عباس ، وغيرهم ..

ويكفي أن نشير هنا ألى أن :

١ ـ أبن عباس يصرح بأن آية المتعة محكمة غير منسوخة.

وقال ابن بطال : « روى اهل مكة ، واليمن عن ابن عباس اباحة المتعة ، وروى عنه الرجوع باسانيد ضعيفة ، واجازة المتعة عنه اصح ، وهو مذهب الشيعة ». (١) وسيأتي ما يدل على رأي طائفة كبيرة من الصحابة والتابعين في المتعة ، تحت عنوان : النصوص والآثار ، وما يأتي بعده من مباحث ، فانتظر ..

٢ ـ وسئل الحكم بن عتيبة عن آية المتعة ، هل هي منسوخة ؟ فقال : لا.

٣ ـ وعمران بن الحصين أيضاً يصرح بعدم نسخ هذه الآية .. وتمام الكلام في ذلك يأتي في محله ، مع ذكر مصادره ان شاء الله تعالى.

__________________

(١) فتح الباري ج ٩ ص ١٥٠.

٣٧

ليس في القرآن ناسخ لآية المتعة :

ان تلك الآيات بأجمعها ، لا يمكن أن تكون ناسخة لآية المتعة ، وعمدة ما استدلوا به هو آية حفظ الفروج ، والاستدلال بها شائع بين القائلين بالتحريم .. وقد تقدم وجه الاستدلال بها عندهم .. ونحن نقول : انها وغيرها من الآيات لايصح أن تكون ناسخه لآية تحليل المتعة ، ف‍ :

أما آية حفظ الفروج :

فلعدة أمور :

أولا : ان آية الحفظ هذه ـ في كلتا السورتين : المعارج ، والمؤمنون ـ مكية متقدمة ، وآية المتعة مدنية متأخرة. والمتقدم لاينسخ المتأخر بالبديهة والاتفاق ، بل الامر على العكس.

وهذا الاشكال آت في جميع الآيات الاخرى المدعى ناسخيتها لاية المتعة ..

وثانياً : ان قولهم : ان المتمتع بها ليست زوجة ؛ فلا تشملها آية الحفظ غير صحيح ؛ لان المتعة عقد نكاح ، جاء به الرسول والقرآن عن الله عزوجل. وقد ورد على لسان الصحابة والتابعين التعبير عن المتعة بأنها : نكاح ، وزواج ، وعن المتمتع بها : زوجه. ففي رواية سبرة « فتزوجتها » (١) وفي لفظ عبدالرزاق : « .. فاذا رسول الله (ص) على المنبر

__________________

(١) سنن ابن ماجة الحديث رقم ١٩٦٢.

٣٨

يقول : من كان تزوج الى أجل فليعطها الخ ... » (١) وأمثال ذلك كثير ..

ونفس آية المتعة تدل على ثبوت الزوجية ؛ لاقتران جملة : فما استمتعتم الخ .. بجملة : محصنين غير مسافحين.

وقال النحاس في الناسخ والمنسوخ : « وانما المتعة أن يقول : أتزوجك يوماً ، وما أشبه ذلك » ..

وقال الزمخشرى : « فان قلت : هل فيه دليل على تحريم المتعة ؟ قلت : لا ؛ لان المنكوحة نكاح المتعة من جملة الازواج ... ». (٢)

ولاأظن اثبات ذلك يحتاج الى اكثر من ذلك .. ويكفي مراجعة أقوال النبي والصحابة والتابعين في ذلك.

وثالثاً : ان آية حفظ الفروج ، وسائر الآيات ، التي ادعى أنها ناسخة لآية المتعة .. كلها متقدمة ، وهي عامة وآية المتعة متأخرة ، وهي خاصة ؛ فالمتعين هو تخصيص تلك العمومات المتقدمة بهذا الخاص المتأخر ـ كتخصيص آية الحفظ بأمة الغير التي أذن له في وطئها ؛ فانها ليست زوجة ، ولاملك يمين .. وقد افتى بجواز هذا الاذن والتحليل كل من ابن عباس ، وطاووس ، وقال الثاني : هي احل من الطعام ، بل

__________________

(١) المصنف لعبدالرزاق ج ٧ ص ٥٠٤.

(٢) الكشاف ط بيروت ج ٣ ص ١٧٧.

٣٩

ربما يظهر من بعض النصوص الصحيحة السند : أن ذلك كان شائعاً ، ومعروفاً جداً في زمن التابعين ، فراجع ما قاله عطاء لابن جريح في خصوص ذلك. (١)

ورابعاً : ان ما ذكروه في مقام الاستدلال بآية الحفظ : من انتفاء لوازم النكاح في المنقطع. وهو بعينه الوجه في قولهم بأن آيات الطلاق ، والميراث الخ .. ناسخة لآية المتعة .. ان هذا :

لغريب منهم وعجيب حقاً ..

أ ـ فمتى ثبت لهؤلاء : أن لوازم النكاح الدائم ، هي لوازم للنكاح المنقطع ، بحيث اذا ثبت للدائم بعض الاحكام ، كان لابد من ثبوتها للمنقطع ؟! ... وهل عدم جعل حكم في مورد يكون نسخاً ورفعاً للحكم الثابت في ذلك المورد ؟! فان النسخ غير عدم جعل الحكم واللوازم ..

ب ـ وهذه اللوازم المدعاة ، لماذا لم تمنع من تشريع المتعة في زمن النبي ، مع أن آية المتعة وتشريع المتعة قد كان بعد نزول آية الطلاق ، وغيرها من الآيات المثبتة لبعض اللوازم ؟! ..

ج ـ هذا عدا عن أن كون هذه الامور لوازم غير منفكة عن الزوجية غير صحيح .. بل ربما توجد الزوجية ، ولاتوجد اللوازم المذكورة ..

__________________

(١) نقل ذلك عن طاووس وابن عباس ، وكلام عطاء : الحافظ عبدالرزاق في المصنف ج ٧ ص ٢١٦.

٤٠