الزّواج الموقّت في الإسلام

السيد جعفر مرتضى العاملي

الزّواج الموقّت في الإسلام

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : الحديث وعلومه
المطبعة: الحكمة
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
١
٢

٣

٤



تقديم :

بسم الله الرحمن الرحيم :

والحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه اجمعين ، سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ؛ وعلى أصحابه المنتجبين.

وبعد :

فهذه دراسة موجزة ، تهدف الى استخلاص رأى الاسلام الصريح ، في مسألة : الزواج الموقت « المتعة » ، على ضوء الكتاب والسنة. ومعها نظرة سريعة على مشكلة الجنس ، وما يمكن أن يطرح لها من حلول. ثم الاشارة الى الحل الامثل ، والطريق الافضل.

أقدمها الى القارىءِ الكريم ، مع جزيل شكرى ، وخالص تمنياتي ، ومن الله أستمد العون والقوة ، وهو الموفق والمسدد ...

جعفر مرتضى الحسيني العاملي

٥
٦



بسم الله الرحمن الرحيم

وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ...

النساءِ ٢٤

حلال محمد حلال أبداً الى يوم القيامة ، وحرامه حرام أبداً الى يوم القيامة ...

حديث شريف

٧
٨



دور الزواج الموقت في حل مشكلة الجنس

ــــــــــــــــ

مشكلة الجنس

أي الحلول انجع

ونقاط الافتراق هي

الزواج الموقت ، والمثل الاعلى للاسرة

هذا الزواج والاباحية والفساد

هذا الزواج واحتقار المراة

الطبيعية تنفر من زواج كهذا.

هذا الزواج ومصير الاطفال

المرأة سلعة

لو كان هذا الزواج غربياً

المتاجرة بالمفاهيم والقضايا المصيرية

مع بعض المتاجرين

٩
١٠



مشكلة الجنس :

ان مشكلة الجنس حقيقة واقعة ، لا يمكن لاي انسان تجاهلها ، ولا التقليل من خطرها واهميتها.

وهي مشكلة ممتدة في عمق التاريخ ، منذكان الانسان ينشأ ، ويترعرع ، وتنشأ وتترعرع معه أيضاً غريزة الجنس ، التي أودعها الله فيه ، من أجل خير الانسان ، وصالح البشرية جمعاء ...

ولكن هذه المشكلة قد زادت خطراً وتعقيداً في عصرنا الحاضر عنها في العصور السالفة ، وذلك بسبب هذا الاختلاط ، الذي لا يعرف حدوداً بين الجنسين في مختلف المواقع والمواضع ، وبسبب هذا المد الحضاري ، الذي ابهض كاهل هذا الانسان بالمسؤوليات الجسام ، وحمله الكثير من الاعباء ، التي لم تكن لتخطر لانسان العصور السالفة على بال ولا تمر له في خيال ...

فكان آن أوجدت هذه الحضارة فاصلا كبيراً بين وقت البلوغ

١١

الطبيعى ، وبين القدرة على تشكيل الاسرة ، وتحمل مسؤولياتها

وأصبح الشاب الذي يريدان يؤمن لنفسه حياة رخية وطبيعية وكريمة ، يرى نفسه مضطراً لان ينظر وو يتطلع الى ما بعد سنوات طويلة ، ربما يحالفه التوفيق في الوصول الى هدفه فيها ، وربما لا ... فهو لو توفرت له كل عوامل النجاح ، لا يستطيع ، حين يكون طالباً ، ـ واكثر شبابنا من الطلاب ـ ان ينهى دراسته الجامعية ، الا بعد سن الخامسة والعشرين ، ثم بعد ذلك هو يحتاج الى وقت ، قد يعد بالسنين ايضاً ـ لو وجد العمل المناسب ـ ليهيىء الرصيد الكافي ، الذي يمكنه من تحمل مسؤولية بناء أسرة ، ويكون رب بيت ... وكذلك تماماً تكون الحالة بالنسبة الى الفتاة التي أصبحت ترى نفسها مضطرة الى مسايرة الرجل في كل مجال.

واذن ...

وحين تكون الطاقة الجنسية في اوج عنفها ، وبالغ الحاحها ..

وحين لاقدرة على اسكات نداء الطاقة الجنسية ، ولايمكن تجاهلها ... وأيضاً ...

حين لا يكون في كثير من الاحيان من الممكن تلبية حاجاتها ، والاستجابة لرغباتها ، عن طريق بناء أسرة والارتباط وبزواج دائم يتحمل فيه كل من الشاب والفتاة الكثير من المسؤوليات.

وكذلك ... حين نجدأ نفسنا في موقع العجز عن تأخير ظاهرة

١٢

البلوغ لدى كل من الجنسين. ولا بامكاننا فرض ارادتنا على الشباب ومراقبة ومقاومة كل تحركاتهم ، أو أي تصرف شاذ منهم ، بالقوة و القهر والسلطان.

اننا بعد كل ذلك .. ماذا يمكننا أن نضع في قبال مايعاني منه هذا الشباب بكلا صنفيه ؟ ، وكيف نستطيع حل مشكلته ، وما هي وسائل ابعاده عن مواقع الضرر ، ومزالق الخطر ؟! ..

أي الحلول انجع :

اننا أمام هذا الواقع ، اما :

١ ـ أن نطلب من الشباب مقاومة رغباتهم ، والوقوف في وجه شهواتهم ، خنقها طيلة تلك المدة ؛ والى أن تتوفر لهم ، امكانات الزواج الدائم. وعلى هذا فلا بد لنا هنا من طرح سئوال ، هو :

هل تسيغ لنا نظرتنا الواقعية أن نعتمد هذا الحل ، ونطلب من الشباب هذا الطلب ؟! واذا جازلنا أن نطالبهم بذلك ؛ فهل هم على استعداد للاستجابة لنا ، والقبول منا ؟! .. واذا كانوا على استعداد لذلك ؛ فهل تترك لهم الطبيعة الفرصة لذلك ، ـ لو فرض أنهم قدروا على التنفيذ ـ فلا تتهددهم بالاغراض النفسية والامراض الجسمية او العقلية ؟!

٢ ـ أن نعتمد الحل الغربي ، بأن نقيم مراكز معينة ، لطائفة

١٣

من المومسات ، تحت اشراف الدولة ، يستطيع الشاب في أي وقت اراد أن يبادر الى ممارسة الجنس معهن. اذا وجد من نفسه حاجة الى ذلك

نفعل ذلك ؛ لنحافظ على العائلات والاسر ، من الفساد والانهيار ، كما يقولون ..

ولكن .. كيف يمكننا ان نعتبر هذا حلا مقبولا ، ومعقولا ، ونحن نرى أنه قد فشل فشلا ذريعاً في حل مشكلة الجنس ، وبقى التحلل الاخلاقي ، والتفسخ والاباحية ، هو الظاهرة التي لاتزال تزداد قوة وعنفاً في تلك المجتمعات ، التي اعتمدت هذا الحل ، ولجأت اليه. واذا كان هذا يحل مشكلة الشباب ، فكيف تحل مشكلة الجنس الآخر أعني الفتيات ، اللواتي يعانين من نفس المشكلة ، ويتعرضن لنفس الخطر والمحنة

هذا .. عدا عن أن ذلك يعني : أننا لابد وأن نطلب من طائفة من النساء السيئات الحظ : أن يسلمن أنفسهن الى براثن الشقاء ، والبلاء ، والعار .. وأين يصبح حينئذ مقام المرأة وكرامتها ؟! واين هي انسانيتها ؟! واين يكون حينئذ مقام المطالبين بحقوقها ، او بحقوق الانسان ؟! ..

٣ ـ أن نقبل بالاباحية المطلقة ، بجميع أشكالها وصورها ..

ويكفي أن نذكر هنا : أن جميع الامم تحاول التخلص من هذه الظاهرة ، والقضاء عليها ، .. سيما بعد أن أدرك الجميع العواقب الوخيمة لمثل هذه الظاهرة ، وما يستبتع ذلك من امراض نفسية وجسدية ،

١٤

وزهرية ، وايضاً من امراض اجتماعية ، واختلاط أنساب ، ومشاكل أسرية ، وغير ذلك ..

٤ ـ أن نتطلع الى نوع من الزواج ، ليس فيه جميع مسؤوليات الزواج الدائم ، التي يفرضها على كل من الزوجين .. بحيث يستطيع هذا الزواج أن يحل مشكلة الجنس ، دون أن تكون له مضاعفات تزيد الامر خطورة ، والمشكلة تعقيداً ..

وقد طرح الاسلام « الزواج الموقت » على أنه الحل الناجح للمشكلة ، مع ضمان : أن لاتنشأ عواقب ، ومضاعفات ذات أهمية.

وهو يلتقي مع الزواج الدائم في جميع الاحكام والاثار ، كما سيأتي ، ولا يفترق عنه ، الا في نقاط ـ لولا المرونة فيها ، لبقيت المشكلة قائمة ، والخطر داهماً ..

ونقاط الافتراق هي :

١ ـ أن الزوجين في المنقطع يتحكمان في الزمان ابتداء ؛ فيتخيران المدة ، حسبما تقتضيه ظروفهما ، وبامكانهما تمديدها بعقد جديد ، أو الانفصال عن بعضهما بعد انقضائها .. بينما في الدائم يكون الاختيار في الزمان ملكاً للرجل ، ولا خيار للمرأة فيه ولا اختيار ..

٢ ـ يفترض في الدائم : أن يحتمل الرجل أعباء النفقات على المرأة باستمرار ، وأن يؤمن لها ما تحتاج اليه من مسكن ، وملبس ،

١٥

ودواء ، وغذاء ، وغير ذلك ..

أما في المنقطع فيكون الامر تابعاً لما يتفقان عليه أول الامر في ضمن العقد. فقد يكون الرجل غير قادر على تحمل مثل تلك النفقات ، كما أن المرأة قد لا تكون راغبة في الاستفادة من مال زوجها.

٣ ـ في الدائم لا تستطيع المرأة أن تمتنع عن الحمل الا باذن زوجها أما في المنقطع فلكل منهما الحق في ذلك وجوداً وعدماً ..

٤ ـ وتبقى قضية توارث الزوجين ، التي ربما يقال أيضاً : انها تابعة لما يتفقان عليه ابتداء. أما في الدائم فلا يكون ثمة خيار لهما في ذلك. (١)

ولا تفوتنا هنا الاشارة الى أن الاسلام حين اعتمد « الزواج الموقت » كحل صحيح لمشكلة الجنس ، لم يكتف به دون أن خطط الى تزويد الشباب بطاقات حرارية عقيدياً وانسانياً ، تسمو به عن التعلق الاعمى بهذه الحياة الدنيا ، وتجعله يعتبرها وسيلة لاغاية ، ومنطلقاً لاهدفاً ، وأن بعدها حساب ؛ فاما ثواب واما عقاب .. ثم زوده بنصائحه بتقوى الله ، والثقة به ، والتوكل عليه ، والخوف منه ، والرجاءٍ له.

الامر الذي يجعله قادراً على مقاومة المغريات والتحكم بطاقته الجنسية والتصرف أزاءها على ضوء هذا التشريع بالشكل المقبول

__________________

(١) راجع فيما ذكرناه : حقوق زن در اسلام « فارسى » للعلامة مرتضى مطهرى ، والزواج الموقت للعلامة السيد محمد تقي الحكيم ..

١٦

والمعقول.

الزواج الموقت والمثل الاعلى للاسرة :

وبعد الذي قدمناه ، فاننا نشير هنا الى أن البعض ـ وهو أحمد أمين المصرى ـ في مقام اصراره على تحريم هذا الزواج يقول بالحرف الواحد :

« .. واذا كان المثل الاعلى للاسرة زوجاً واحداً ، وزوجة واحدة ، وعروة وثقى باقية ابداً في سعادة ينشأ في احضانها الابناء و البنات ، فما أبعد نكاح المتعة عن هذا المثل .. » (١)

وقد علق عليه العلامة المحقق السيد مهدي الروحاني بما حاصله : أن هذا معناه انه يجب تحريم الزواج الدائم باثنتين ، وثلاث ، وأربع ؛ اذ ما أبعد ذلك أيضاً عن هذا المثل الاعلى .. بل هو أبعد من النكاح المنقطع في ذلك بكثير.

فهل يستطيع احمد امين ، ومن هم على شاكلته ، وينسجون على منواله : أن يتخلى عن هذا الحكم الثابت بنص القرآن ـ وغير ذلك من احكام ستأتى الاشارة الى بعضها ، في سبيل الرد على الذين يبيحون هذا الزواج الموقت ، ومخالفة أقوالهم ؟ وكيف جاز للشارع الحكيم تشريع هذا الزواج في صدر الاسلام مع مخالفته لهذا المثل

__________________

(١) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٥٩

١٧

الاعلى المذكور ؟

هذا الزواج والاباحية والفساد :

وذكر أحمد أمين أيضاً : ان هذا النوع من الزواج « فيه تسهيل لعيشة الاباحة ، التي لا تتقيد بقيود ، ولا تتحمل عبء الزواج.

يضاف الى ذلك : ما يستتبعه نظام اباحة المتعة من فساد المرأة ، واستهتارها ، وكثرة الضحايا منهن .. » (١)

ونحن في مقام مناقشة هذا الكلام نشير الى النقاط التالية :

١ ـ ان الزواج الموقت ، وكل حكم شرعي انما يكون حلالا في الحدود التي لا توجب الفساد والاستهتار ، كما ان سوء الاستفادة من أي قانون ، أو تشريع ، لا يوجب رفع اليد عن ذلك القانون ، ورفض ذلك التشريع ، ولا يكون دليلا على صحته ، او فساده ، كما لايكون رفع اليد عن ذلك التشريع مانعاً من سوء الاستفاده منه ، بل يكون موجباً لزيادتها ، ولكن بنحو أعظم خطراً ، وأشد فساداً ..

٢ ـ ان ذلك لوصح لمنع من الطلاق ، وملك اليمين ، مع أن تشريع الطلاق من البديهيات ، وكونه ضرورة لابد منها يعتبر من الضروريات ، لدى هذا القائل بالذات.

٣ ـ واذا صح ذلك ، فلابد للشارع الحكيم ، الذي ثبت عند الكل

__________________

(١) المصدر السابق.

١٨

وعند هذا القائل أيضاً : أنه شرع هذا الزواج في صدر الاسلام من أن يجد الجواب عن ذلك ؛ فما يجيب به هو نجيب به نحن.

٤ ـ ان تشريع هذا الزواج لا يعني وجوبه على كل أحد ، كما أنه ليس كل حلال يرغب فيه ، أو تميل القلوب اليه ..

٥ ـ وقد ذكرنا : أن جميع قيود الزواج الدائم آتية في المنقطع ، باستثناء الاجل ، وكون النفقة ، والارث ـ على قول ـ والحمل تابعاً لما يشترطانه .. فان كان الدائم يسهل حياة الاباحية ، فالمنقطع كذلك ، وان كان الدائم بفسد المرأة ، ويدعوها الى الاستهتار ، فالمنقطع يكون مثله. سيما مع تعدد الطلاق فيه وتكرره.

هذا الزواج واحتقار المرأة :

وأما يقال من أن هذا الزواج فيه احتقار لشخصية المرأة ، التي ترى أنها تؤجر نفسها للرجل ، ليقضى منها شهوته ولذته ، في مقابل شيىء من المال ..

فهو كلام غريب حقاً ، اذ متى كان اعطاء المهر يعتبر بمثابة الاجرة ، وتعتبر المرأة أجيرة به ؟ وهل بذل المهر يجعل المرأة مهانة ومحتقرة ، وعدم وجود المهر يرجع اليها عزتها وكرامتها ؟! وهل تختص الاستفادة من هذا الزواج بالرجل وحده ؛ أم تشاركه المرأة في ذلك ؟! ولماذا لايقال نفس هذا الكلام في الدائم أيضاً ..

١٩

الذي ربما يكون أولى بتوجيه هذا الاتهام ؛ لانه لا يكون للمرأة فيه أي خيار ، بل هي أسيرة ارادة الرجل مدى الحياة ان شاء ، سيما وأن الفقهاء قد صرحوا بأن ماهية كلا الزواجين واحدة ، لافرق بينهما الا في بعض ما تقدم ، كما أنهم صرحوا بأن لفظ الاجارة لايصح به عقد الزواج. (١)

ثم لماذا لاينظر الى معاملة الرجل للمرأة ، ومتاجرته بكل مافيها من أنوثة ، وحسن وجمال ، من أجل الحصول على الثروة والمال في دور السينما ، في مكاتب الشركات ، في المطاعم ، في الفنادق. في الافلام. في صور الصحف والمجلات ، في اعلانات الدعاية. في صالونات الضيافة الى آخر ما هنالك ، مما يقصد به فقط جلب الراغبين ، والباذلين ليحصل ذلك الانسان القاسي على بغيته من الثروة والمال .. لماذا لاينظر ، الى كل ذلك على أنه متاجرة بالمرأة ، وفيه مهانة واحتقار لها ، وهدر لكرامتها ؟!!.

الطبيعة تنفر من زواج كهذا ..

وقد يرى البعض : أن هذا النوع من الزواج مما تنفر منه طبيعة الانسان ، وتمجه وتمقته ، حتى أولئك الذين يرونه حلالا وجائزاً ومشروعاً ..

__________________

(١) راجع كتاب : حقوق زن در اسلام ص ٣٤

٢٠