وقال ابو هلال العسكري : وكان ابن عباس يرى المتعة ، وقال الشاعر : يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس ؟ (١)
٤٣ ـ عير عبدالله بن الزبير عبدالله بن عباس ؛ بتحليله متعة النساء ، فقال له ابن عباس : سل أمك ، كيف سطعت المجامر بينها وبين أبيك. فسألها ؛ فقالت : والله ، ما ولدتك الا في المتعة.
وفى رواية أخرى : أن ابن عباس قال له : « سل أمك عن ثوبي عرفجة ، أو عوسجة » (٢). يقول ابن أبي الحديد : « فلما عاد ابن الزبير الى أمه ، سألها عن بردى عوسجة ، فقالت : ألم أنهك عن ابن عباس ؟ ، وعن بنى هاشم ؟! فانهم كعم الجواب اذا بدهوا ؛ فقال : بلى ، وعصيتك. فقالت : يابني ، احذر هذا الاعمى الذي ما أطاقته الانس والجن ، واعلم : أن عنده فضائح قريش ، ومخازيها بأسرها ، فاياك واياه آخر الدهر. فقال أيمن بن خريم بن فاتك الاسدى :
يا بن الزبير لقد لاقيت بائقة |
|
من البوائق فالطف لطف محتال |
__________________
(١) الاوائل ج ١ ص ٢٣٨.
(٢) راجع : محاظرات الراغب ج ٢ ص ٩٤ ، وشرح النهج ج ٢٠ ص ١٣٠ ، والغدير ج ٦ ص ٢٠٨ ، ٢٠٩ عن الراغب ، ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٧٧ ، وهامش الاستغاثة ص ٤٥ ، ٤٦ ، عن ابن شهر آشوب ، والوسائل ج ١٤ ص ٤٤١ ، ومروج الذهب ج ٣ ص ٨١ ، ط بيروت ، وقاموس الرجال ج ٥ ص ٤٥٢.
لاقيته هاشمياً طاب منبته |
|
في مغرسيه كريم العم والخال |
الى أن قال :
عيرته المتعة المتبوع سنتها |
|
وبالقتال ، وقد عيرت بالمال |
لما رماك على رسل بأسهمه |
|
جرت عليك بسيف الحال والبال |
فاحتز مقولك الاعلى بشفرته |
|
حزاً وحياً بلا قيل ولا قال |
واعلم بأنك ان عاودت غيبته |
|
عادت عليك مخاز ذات أذيال (١) |
وقد حاول البعض المناقشة في ارادة متعة النساء بأن : « الزبير تزوج اسماء بكراً في الاسلام ، زوجه أبوبكر معلناً ؛ فكيف تكون متعة النساء ؟ ». (٢).
ولكن هذه المناقشة غير واردة ؛ لان زواجه المتعة لا ينافيه الاعلان والا البكارة ؛ اذ أن ذلك فيما يظهر كان في اول الاسلام لامانع منه فقد تقدم : أن بعض النساء قد شهرت أمها واختها على تمتعها ، وبعضهن وليهن وفي البعض شهد على ذلك العدول ، وشهد أيضاً الام والاخ في أخرى ، وهكذا
فلا مانع من الاعلان ، وتزويج الاب في المتعة اصلا ، فضلا عن مانعية البكارة ..
__________________
(١) شرح النهج للمعتزلي ج ٢٠ ص ١٣٠ ، ١٣١.
(٢) مروج الذهب ج ٣ ص ٨٢.
ولكن يبقى أن نشير الى أن تشريع المتعة اذا كان في المدينة ؛ فهذه الرواية انما تصح على قول الواقدي وغيره ، من أن ولادة ابن الزبير كانت في السنة الثانية للهجرة ، (١) مع كون تشريع المتعة في أوائل الهجرة.
ويرى العلامة الطباطبائي : أن « من المعلوم بالضرورة : أن التمتع كان معمولا به في مكة قبل الهجرة في الجملة ، وكذا في المدينة بعد الهجرة في الجملة. » (٢) ولعل ملاحظة أقوال القائلين بالتحريم تؤيد هذا المعنى ، سيما تلك الرواية القائلة بأن تشريع المتعة انما كان في أول الاسلام.
وبعض الروايات تقول : ان حواراً حول المتعتين قد جرى بين ابن عباس ، وبين عروة ابن الزبير ، وفيه يتعجب ابن عباس من أنه يحدثه عن عن رسول الله ص الذي أحلهما ، ويحدثه عروة عن غيره .. (٣) والرواية لا
__________________
(١) الاصابة ج ٢ ص ٣٠٩ ، الاستيعاب هامش الاصابة ج ٢ ص ٣٠١ ، تهذيب التهذيب ج ٥ ص ٢١٣.
(٢) الميزان ج ١٥ ص ١٤.
(٣) منتخب كنز العمال ، هامش مسند أحمد ج ٦ ص ٤٠٤ ، ومسند أحمد ج ١ ص ٣٣٧ ، وزاد المعاد لابن القيم ج ١ ص ٢١٣ ، وجامع بيان العلم ج ٢ ص ٢٣٩ ، والغدير ج ٦ ص ٢٠٨ عنهما وعن : مختصر جامع بيان العلم ص ٢٢٦ ، وتذكرة الحفاظ للذهبى ج ٣ ص ٥٣.
تخلو من بعض الاشكال ، لتفردها في ذكر أن عروة ادعى أن ابابكر وعمر نهيا عن المتعة مع أنه لم يدع أحد : أن أبابكر قد تعرض للمتعة أصلا بل الروايات الكثيرة صريحة في أن الناس كانوا يفعلونها في عهده بلا نكير من أحد عليهم اصلا ..
واذا فرضنا : وهو فرض قريب جداً : أن كلمة أبي بكر مقحمة فيها فلا يبقى ثمة اشكال ..
ويروى ابن عبد ربه الحوار بين عبدالله بن الزبير ، وبين ابن عباس بنحو يقرب مما تقدم ؛ حيث عيره بقتال أم المؤمنين ، وبأنه « يفتى بزواج المتعة ». فكان من جواب ابن عباس له قوله : « .. وأول مجمر سطع في المتعة مجمر آل الزبير (١) » ، ولعل هذا يؤيد : أن عبدالله ولد من متعة ويؤيده أيضاً ما روى عن :
٤٤ ـ يونس بن حبيب ، عن أبي داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن مسلم القرشي ( القرى ظ ) ، قال : دخلنا على اسماء بنت أبي بكر ، فسألناها عن متعة النساء ، فقالت : فعلناها على عهد رسول الله (ص) .. (٢)
__________________
(١) العقد الفريد ، ط دارالكتاب العربي ج ٤ ص ٤١٤.
(٢) منحة المعبود في تهذيب مسند أبى داود ج ١ ص ٣٠٩. وهي موجودة في مصادر أخرى ، كمسند أحمد وغيره ، ولكن بلا كلمة النساء ، ففسرها الرواة بقولهم « يعني : متعة الحج » فراجع.
وأخرج مسلم هذا الحديث عن مسلم القرى ، على النحو التالى : « سألت ابن عباس عن متعة الحج ؛ فرخص فيها ، وكان ابن الزبير ينهى عنها ؛ فقال : هذه أم ابن الزبير تحدث : أن رسول الله (ص) رخص فيها ؛ فادخلوا عليها ؛ فاسألوها ؛ فدخلنا عليها ؛ فاذا امرأة ضخمة عمياء ، فقالت : قد رخص رسول الله (ص) فيها .. » وبعد أن ذكر مسلم لهذه الرواية طريقين ، قال : « .. فأما عبدالرحمن ففي حديثه : « المتعة » ولم يقل متعة الحج. وأما ابن جعفر فقال : قال شعبة : قال مسلم : لا أدري ، متعة الحج ، أو متعة النساء ». (١) سنده صحيح.
ولكن الظاهر هو ارادة متعة النساء ؛ اذ لا معنى للرجوع الى امرأة في متعة الحج ، مع وجود غيرها من وجوه الصحابة ، وكذلك لامعنى لقولها : ان الرسول رخص في متعة الحج !! ورواية الطيالسي ، ورواية عبدالرحمان شاهد صريح على ارادة متعة النساء ..
٤٥ ـ عبدالرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن خالد بن المهاجر بن خالد ، قال : أرخص ابن عباس في المتعة ، فقال له ابن ابي عمرة الانصاري : ماهذا يابن عباس ؟! فقال ابن عباس : فعلت مع امام المتقين. فقال ابن ابي عمرة : انما كانت المتعة رخصة كالضرورة الى الميتة ، والدم ، ولحم
__________________
(١) صحيح مسلم ج ٤ ص ٥٥ ـ ٥٦. ط مشكول.
الخنزير ، ثم أحكم الله تعالى الدين بعد. (١) سنده صحيح.
وهذا اجتهاد من ابن ابي عمرة ، وقد تكلمنا عن هذا الاجتهاد فيما سبق ، وعرفنا قيمته ، في مقابل النص القاطع عن النبي (ص) ، وفي القرآن ..
لكن ما أشار اليه بكلمة : ثم أحكم الله الدين بعد .. لم نفهم له معنى محصلا ، الا اذا كان يقصد نهى عمر رضي الله عنه عن المتعة فيما بعد ..
٤٦ ـ ومع أن عطاء كان من اعيان التابعين ـ مع ذلك ـ نراه يصر على الفتوى بالمتعة ؛ فقد روى أنه قيل لأبي حنيفة : مالك لاتروى عن عطاء ؟! قال : لاني رأيته يفتى بالمتعة (٢).
__________________
(١) مصنف الحافظ عبدالرزاق ج ٧ ص ٥٠٢ ، وصحيح مسلم ج ٤ ص ١٣٤ ، ونصب الراية للزيعلي ج ٣ س ١٧٧ ، والسنن الكبرى للبيهقي ج ٧ ص ٢٠٥.
(٢) مختصر جامع بيان العلم ص ١٩٦ باب قول العلماء بعضهم في بعض ، وأجوبة مسائل موسى جارالله ، للامام شرف الدين ص ١٠٥ عنه ...
ولكننا لم نجد هذه الرواية في نفس جامع بيان العلم المطبوع أخيراً في السعودية ، فهل حذفت لحاجة في النفس قضيت ، كما عودونا في كثير من الكتب التي يجدون طبعها أخيراً ..
ولعل ذلك كان من أبي حنيفة في اول الامر ، ثم رجع عن ذلك فيما بعد ، كما سيأتي ..
٤٧ ـ عبدالرزاق ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عبدالله بن عثمان بن خثيم : أن محمد بن الاسود بن خلف أخبره : أن عمرو بن حوشب استمتع بجارية بكر ، من بني عامر بن لؤي ، فذكر ذلك لعمر ؛ فسألها ؛ فقالت : استمتع منها عمر بن حوشب ، فسأله ، فاعترف. فقال عمر : من أشهدت ؟ قال : لا أدري ، أقال. أمها ، أو أختها ، أو أخاها وأمها ..
فقام عمر على المنبر ، فقال : ما بال رجال يعملون بالمتعة ، ولا يشهدون عدولا ، ولم يبينها الا حددته ( كذا في المصنف. ولكن عبارة كنز العمال ، عن ابن عساكر ، وسعيد بن منصور ، هكذا : ولا أجد رجلا من المسلمين متمتعاً الا جلدته مئة جلدة ).
قال : أخبرني هذا القول عن عمر من كان تحت منبره ، سمعه منه حين يقوله .. قال : فتلقاه الناس منه. (١) سنده صحيح.
هذا .. وقد قال العسقلاني هنا : ان روايات عبدالرزاق عن تمتع التابعين ، وبعض الصحابة ، صحيحة السند. (٢)
__________________
(١) مصنف الحافظ عبدالرزاق ج ٧ ص ٥٠١. وليراجع كنز العمال ، وغير ذلك.
(٢) راجع : فتح الباري ج ٩ ص ١٥١.
٤٨ ـ عن عطاء ، عن جابر بن عبدالله قال : كنا نتمتع على عهد رسول الله ، وأبي بكر ، وعمر رضي الله عنهم ، حتى نهانا عمر رضي الله عنه أخيراً ـ يعنى النساء. (١) سنده صحيح.
٤٩ ـ ويقول أبو عمر صاحب الاستيعاب : « وهذا ابن شهاب قد أطلق على أهل مكة في زمانه : أنهم ينقضون عرى الاسلام ، ما استثنى منهم أحداً ، وفيهم من جلة العلماء ، من لاخفاء بجلالته في الدين.
وأظن ذلك ـ والله أعلم ـ لما روى عنهم في الصرف ، ومتعة النساء ». (٢)
٥٠ ـ وسيأتي : أن أهل مكة ، واليمن ، وجماعة من أهل البيت وشيعتهم ، وطائفة من التابعين ، يقولون بحلية زواج المتعة ، وأن أهل الحجاز كانوا يستعملون المتعة كثيراً.
٥١ ـ وأخيراً .. فقد روى ابن جريج وحده ثمانية عشر حديثاً في حلية المتعة. (٣) هذا فضلا عما رواه غيره ..
__________________
(١) مسند أحمد ج ٣ ص ٣٠٤.
(٢) جامع بيان العلم ج ٢ ص ١٨٨.
(٣) نيل الاوطار ج ٦ ص ٢٧١ ، وفتح الباري ج ٩ ص ١٥٠ عن أبي عوانة في صحيحه ..
وأخيراً ..
فقد كانت تلك طائفة من الاخيار ، التي تؤكد حلية المتعة ، في زمن الرسول. وأنه (ص) لن ينسخها ، بل بقيت حلالا في زمانه (ص) ، وزمان أبي بكر ، ونصفاً ، بل والى آخر خلافة عمر ..
وأن التحريم انما كان من عمر ، لا من النبي (ص) ، وأن طائفة من الصحابة والتابعين قد استمروا على القول بحليتها رغم تحريم عمر لها ..
وقد رأينا : أن ما يقرب من ثلاثين رواية منها قد ورد بطرق صحيحة ومعتبرة ، وفي أصح الكتب والمسانيد عند القائل بالتحريم ..
وعدا عن تواتر بعض آحادها ؛ فيمكن القول ـ بكل اطمئنان : أنها بمجموعها متواترة ، أو قريبة من التواتر .. هذا. مع سلاحتها عن التعارض ، والتنافر الموجود في غيرها .. هذا .. عدا عن أننا قد تركنا طائفة من تلك الروايات التي اجتهد الرواة ، وفسروا المتعة فيها بمتعة الحج من عند أنفسهم ، رغم ان حملها على متعة النساء لاسيما ما ورد منها عن ابن عباس ، وأضرابه من القائلين بحلية متعة النساء .. هو الاولى والاجدر
وقد بقى علينا : ان نشير الى بعض ما ورد
عن أهل بيت النبوة
ومعدن الرسالة ، قبل أن نمضي في حديثنا هذا ؛ فنقول ..
من روايات أهل البيت (ع) :
ومن غريب المفارقات في هذا الموضوع : أن نرى البعض يحاول أن يوهم : أن ليس للشيعة رواية عن أهل البيت ، حول تحليل المتعة ؛ فهو يقول : « وتقول الشيعة : ان لديهم روايات عن آل البيت عليهم السلام قاطعة باباحة المتعة ، ولم نطلع على هذه الروايات ، و اسانيدها ». (١) ثم نسب التحريم الى علي عليه السلام ، هكذا على خلاف ما تواتر عنه عليه السلام ..
ولو أن هذا القائل اطلع ـ ونستبعد أن لايكون قد اطلع ـ على كتاب الوسائل أو الكافي ، أو أي مجموعة حديثية للشعية .. لرأي عشرات الاحاديث عن أهل البيت عليهم السلام ، ناطقة بتحليل زواج المتعة ..
واذا كنا لا نستطيع أن نصدق : أنه يجهل ذلك ؛ لانه حسن ظن لامبرر له ، بعد أن كانت كتب الشيعة في متناول يد كل أحد ، وأيضاً لانطوائه على اهانة فاضحة للمكانة العلمية لهذا الكاتب .. فلايسعنا اذن الا أن نقول : « لامر ما جدع قصير أنفه » ..
ونحن هنا نكتفي بايراد عشرة أحاديث ، من أصل عشرات ، و
__________________
(١) هو صاحب المنار ج ٥ ص ١٦.
نعتبر أن ذلك وحده يكفي لاظهار : أن هؤلاء اذا أعوزهم الدليل ؛ فلا يتورعون عن التبرع ، والقاء الكلام على عواهنه ؛ فنقول :
١ ـ صحيحة أبي بصير قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن المتعة. فقال : نزلت في القرآن : فما استمتعتم به منهن ؛ فآتوهن أجورهن فريضة ، ولاجناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ». الوسائل باب نكاح المتعة.
٢ ـ صحيح زرارة ، قال : جاء عبدالله بن عمرة الليثي الى أبي جعفر ؛ فقال : ما تقول في متعة النساء ؟. قال : أحلها الله في كتابه ، و على سنة نبيه (ص) ؛ فهى حلال الى يوم القيامة.
فقال : يا أباجعفر ! مثلك يقول هذا ، وقد حرمها عمر ونهى عنها ؟! فقال : وان كان فعل ؟! فقال : فاني أعيذك بالله من ذلك : أن تحل شيئاً حرمه عمر. فقال له : أنت على قول صاحبك ، وأنا على قول رسول الله (ص) ، فهلم ألا عنك : أن الحق ما قال رسول الله (ص) الخ ..
الوسائل أبواب نكاح المتعة. وستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٨٧ ، والبحار ج ١٠٣ ص ٣٢٠.
٣ ـ وروى أيضاً : أن علياً عليه السلام ، قد نكح في الكوفة امرأة من بني نهشل متعة.
الوسائل أبواب المتعة ، ونقله الفكيكي ص ٨٣ ، عن الفيد في ناسخه.
٤ ـ سأل أبو حنيفة أباعبدالله الصادق عليه السلام عن المتعة : فقال : عن أي المتعتين تسأل ؟ قال : سألتك عن متعة الحج ؛ فأنبئني عن متعة النساء ، احق هي ؟ قال : سبحان الله. اما تقرأ كتاب الله : « فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ ؛ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ » ؟. فقال ابو حنيفة : والله لكانها آية لم أقرأها قط.
الوسائل ط قديم ج ٣ ص ٧٢.
٥ ـ عن اسماعيل ابن الفضل الهاشمي ، قال سألت أباعبدالله (ع) عن المتعة ؛ فقال : الق عبدالملك بن جريج ؛ فسله عنها ؛ فان عنده منها علما. فليقته ، فأملى على منها شيئاً كثيراً في استحلالها ؟ فكان مما روى لي ابن جريج .. الى ان قال : فأتيت بالكتاب أبا عبدالله (ع) ؛ فعرضت عليه ؛ صدق ، وأقربه الخ ...
٦ ـ عن أبي سارة قال : سألت أبا عبدالله (ع) ، ( يعنى المتعة ). فقال لي : حلال ، فلا تتزوج الا عفيفة الخ ..
٧ ـ وعن الرضا عليه السلام ، أنه قال : أحل رسول الله (ص) المتعة ، ولم يحرمها حتى قبض ..
٨ ـ عن أبي عبدالله عليه السلام ، في قول الله عزوجل : ما يفتح الله للناس من رحمة ؛ فلا ممسك لها. قال : والمتعة من ذلك ..
٩ ـ وبأسانيد كثيرة الى أبي عبدالرحمان بن أبي ليلى ، قال : سألت أباعبدالله عليه السلام : هل نسخ آية المتعة شيىء ؟ قال : لا ، ولولا ما نهى عنها عمر ما زنى الاشقى ..
١٠ ـ عن الصادق ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : قال أميرالمؤمنين صلوات الله عليه : تحل الفروج بثلاثة وجوه : نكاح بميراث ، ونكاح بلاميراث ، ونكاح بملك يمين ..
راجع كل ما تقدم في : الوسائل ، أبواب نكاح المتعة ، والكافي ، ومستدرك الوسائل والبحار ج ١٠٣ ، وغير ذلك من مجاميع الحديث والرواية ..
ملاحظات ذات مغزى :
واذا ابقينا نظرة علن تلك الطائفة
الاولى من الروايات ؛ فلعلنا نستطيع أن نستنتج بسهولة : أنه رغم الاصرار الشديد من عمر (رض) على تحريم هذا الزواج ، لم يستطع أن يمنع الناس حتى في عصره ، من ممارسة هذا الزواج ، الذي ثبتت لهم حليته عن رسول الله (ص) ؛ و لذا تعددت الوقائع ، التي واجه فيها عمر مخالفة الناس لنواهيه الصارمة ،
والحازمة .. وان كان الناس ، بعد غلبة التقليد عليهم قد قبلوا ذلك ، حتى ولو كان على حساب السنن الصحيحة والصريحة عن النبي الاكرم ، صلى الله عليه وآله وسلم ..
ولعل من السهل جداً ملاحظة : أن نهى الخليفة عن متعة النساء قد اقترن بالاصرار الشديد ، والتهديد والوعيد ، المتكرر والمتواصل ، أكثر من مرة ، وفي اكثر من مناسبة .. الامر الذي لم يتوفر بهذه الكثافة والشدة بالنسبة لمتعة الحج ؛ ولذا استطاع أن يؤثر نهيه عن متعة النساء أثراً من نوع ما ، ولم يؤثر نهيه عن متعة الحج ، الا بشكل محدود جداً سرعان ما تلاشى وانتهى أمره .. هذا على الرغم من انه قد قرن النهي عنهما في كلامه في بعض الموارد ، كما راينا ..
ولربما كان للعامل السياسي ، الذي حرص فيما بعد ـ ابتداء من زمن معاوية ـ على الرغبة عن مذهب على ، وآرائه .. وعلى مخالفته في سائر أقواله وأفعاله .. أثر كبير في ترسيخ قواعد هذا النهي ، واتخاذه شعاراً ، في مقابل ما عرف عن على ، وأهل بيته ، و شيعته .. وان كان أصل النهي عن المتعة لم يكن منطلقاً من هذا المبدأ ، وانما من اعتبارات أخرى ؛ سنشير اليها فيما يلي :
سبب تحريم عمر للمتعة :
لقد تعددت التفسيرات والافتراضات حول سر
وسبب اقدام عمر
على تحريم المتعة ، ومنشأ ذلك لعله اختلاف الروايات ، في بيان الظروف التي رافقت نهيه عنها ، حسبما تقدم .. وقد فاتهم. أن ذلك منشؤه هو تعدد النهي ، بتعدد العودة الى الممارسة كما أسلفنا .. فمن جانب نجد اصراراً على النهي ، ومن جانب نجد الاصرار على الاستمرار قولا و عملا على حليتها ، فتعددت الوقائع ، وتعدت النواهي كذلك.
وعلى كل حال .. فنحن نعرض هنا باختصار بعض وجهات النظر في السر الدافع الى تحريم المتعة ، من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض).
فيرى ابن حزم ، والباقوري : أن سبب تحريم عمر للمتعة هو ما رآه من اسراف الناس في الاقبال عليها. (١)
ويقول آخر : انه انما حرم المتعة ، التي لايشهد فيها شهود ، و لا نجمع الشرائط ، كما ربما يظهر من بعض الروايات المتقدمة ، ومن كلام الباقوري ، وابن حزم ، أيضاً حيث قال : « وعن عمر بن الخطاب : أنه انما أنكرها اذا لم يشهد عليها عدلان فقط ، وأباحها بشهادة عدلين ». (٢)
__________________
(١) المحلى ج ٩ ص ٥١٩ ، ٥٢٠ ، ومع القرآن ص ١٧٤.
(٢) نفس المصدرين ، وسيأتي نقل كلامهما ..
ويرى العلامة السيد محمد تقي الحكيم : أن سر ذلك يرجع الى : « أن بعض المسلمين أساؤا استعمال هذا التشريع ، ودفعه في سورة عاطفية الى هذا التحريم المطلق. وقد ذكر اسم عمرو بن حريث في هذا المجال ، وما ندري تفصيل قصته. (١) ويبدو أن هذا التشريع ـ وهو جديد على المسلمين ؛ (٢) اذ لم يسبق له نظير في أية شريعة سابقة ، دينية ، أو مدنية ـ لم يسهل تقبله ، وهو في البداية ؛ لان الناس لايتقبلون أي تشريع يتعلق بشؤون الجنس بسهوله ، وربما قابلوه ، واستنكروه في اعماقهم. ولم تمر عليه بعد مدة كافية لترويض نفوسهم لتقبله ، واعتباره شريعة .. ». (٣)
أما العلامة الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ؛ فيرى : ان عمر قد استنكر قضية في واقعة ؛ مما أوجب تأثره وتهيجه الشديد ؛
__________________
(١) تقدم تفصيل قصته.
(٢) وذلك يكذب دعوى : موسى جار الله في الوشيعة ص ٣٢. ان المتعة من انكحة الجاهلية. ويكذبها أيضاً ما روى عن عائشة : من أنها قد حصرت أنكحة الجاهلية في أربعة ، وليس نكاح المتعة منها .. فراجع : صحيح البخاري ، وسنن أبي داود. وتيسبر الوصول ط الهند ج ٢ ص ٣٣٠.
(٣) الزواج الموقت ص ٤٠ ، ٤١.
فرأى أن من المصلحة المنع عنها مطلقاً ، خوفاً من تكرر مثل تلك الواقعة الخاصة ، اجتهاداً منه ، ورأيا تمكن من ذهنه. فهو قد اجتهد برأيه لمصلحة رآها بنظره في زمانه ووقته ؛ فمنع من استعمال المتعة منعا مدنياً ، لادينياً.
ولكن بعض معاصريه ، ومن جاء بعده من المحدثين البسطاء ، لم يلتفتوا الى الحقيقة ؛ فارتبكوا ، وتحيروا ، وحاولوا ايجاد مخرج من هذا الامر ، وتصحيح ما صدر من الخليفة الثاني (رض) .. (٢) فكان ما كان .. ولفقت الحجج ، ووضعت الاحاديث ، التي لم تسمن ، ولم تغن ، بل زادت الطين بلة ، والامر اشكالا ..
ويرى البعض : أنه انما تعددت دعاوى النسخ ، وتشبعت ، بهذه الاية ، أو بتلك ، وبهذا الخبر ، أو بذاك .. بسبب أن الذين تصدو الرفع التناقض كانوا جماعة متفرقين ، يحاول كل منهم ذلك دون أن يعلم بالاخر .. فلم تتوارد الخواطر على ناسخ بعينه ، بل تعدددت وتشعبت فكان عملهم « ضغثاً على ابالة » .. حتى لقد بلغت دعاوى النسخ الى (٢٢) قولا ، حسبما قدمناه .. تماماً كما حصل في قضية دانيال في قضية تفريق الشهود. الامر الذي كان سبباً في اظهار الحق ، وكشف الواقع. (١)
__________________
(١) راجع : أصل الشيعة واصولها ص ١٧٥ ـ ١٧٧.
(٢) راجع : الجواهر ج ٣٠ ص ١٤٧.
عمر لم يحرم المتعة :
وتكون النتيجة ، على حسب كلام كاشف الغطاء ، هي : أن عمر لم يحرم المتعة دينياً ، وانما حرمها تحريماً مدنياً ، وقتياً حسبما أدى اليه اجتهاده ، ورأيه بسبب أن البعض قد اساء استعمال هذا التشريع بنحو ما .. أو بسبب ثورة عاطفية كما يرى الحكيم.
ومن البديهي : أن وجود مخالفات شاذة ، وسوء استعمال من البعض لايوجب التحريم المؤبد ؛ لان أمثال هذه المخالفات ، لايخلو منها قانون ب ولا تشريع .. والا لوجب أن نرفع اليد عن تشريع كثير من الاحكام الهامة ، حتى الصلاة ، والصوم ، والطلاق ، وتعدد الزوجات ، بل وسائر الاحكام ، لمجرد أن البعض يحاول أن يسيىء الاستفادة منها. وهذا مما لا يمكن الذهاب اليه ، ولا المساعدة عليه ، أو الالتزام به من أي مقنن ، أو مشرع على الاطلاق.
ولذا .. نلاحظ في الروايات الكثيرة
المتقدمة ، ما يشير الى ارتباك في تعليل النهى وفى مورده من قبل الناهي نفسه ، فتارة ينهى عن أن يتزوج المحصن متعة ، وتارة ينهى عنها ، لعدم الاشهاد الصحيح ، والكافي عنده ، وثالثة ، بسبب أن البعض قد ولدلهم من المتعة ، ولم يلتفتوا ، أو انكروا أولادهم .. وهكذا .. وهذا مما يؤيد : ويؤكد
أن النهي لم يكن على سبيل التشريع وجعل الحكم ..
بل لدينا اعتذار صريح من عمر نفسه ، واعتراف بأنه لم يحرم المتعة أصلا ، وأنها مما أحله الله ، وذلك في مقام اعتذاره عما فعله .. حيث قد :
ورد في نوادر أحمد بن محمد بن عيسى :
عن القاسم ، عن أبان ، عن اسحاق ، عن الفضل ، قال : سمعت أباعبدالله عليه السلام يقول :
« بلغ عمر : أن اهل العراق يزعمون : أن عمر حرم المتعة ؛ فأرسل اليهم فلاناً ـ سماه ـ ، فقال : أخبرهم : أني لم أحرمها ، وليس لعمر أن يحرم ما أحل الله ، ولكن عمر قد نهى عنها .. ». (١)
__________________
(١) البحار ج ١٠٣ ص ٣١٩ عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى ص ٦٦ ، ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٨٧ ، عن النوادر أيضاً.
تنبيه :
يوضع في آخر ص ٨٨ الهامش رقم (٢) العبارة التالية :
وجواهر الاخبار والاثار المستخرجة من لجة البحر الزخار ج ٢ ص ١٩٢ عن التفتازاني في حاشيته على شرح العضد.