الزّواج الموقّت في الإسلام

السيد جعفر مرتضى العاملي

الزّواج الموقّت في الإسلام

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : الحديث وعلومه
المطبعة: الحكمة
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

وقال ابو هلال العسكري : وكان ابن عباس يرى المتعة ، وقال الشاعر : يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس ؟ (١)

٤٣ ـ عير عبدالله بن الزبير عبدالله بن عباس ؛ بتحليله متعة النساء ، فقال له ابن عباس : سل أمك ، كيف سطعت المجامر بينها وبين أبيك. فسألها ؛ فقالت : والله ، ما ولدتك الا في المتعة.

وفى رواية أخرى : أن ابن عباس قال له : « سل أمك عن ثوبي عرفجة ، أو عوسجة » (٢). يقول ابن أبي الحديد : « فلما عاد ابن الزبير الى أمه ، سألها عن بردى عوسجة ، فقالت : ألم أنهك عن ابن عباس ؟ ، وعن بنى هاشم ؟! فانهم كعم الجواب اذا بدهوا ؛ فقال : بلى ، وعصيتك. فقالت : يابني ، احذر هذا الاعمى الذي ما أطاقته الانس والجن ، واعلم : أن عنده فضائح قريش ، ومخازيها بأسرها ، فاياك واياه آخر الدهر. فقال أيمن بن خريم بن فاتك الاسدى :

يا بن الزبير لقد لاقيت بائقة

من البوائق فالطف لطف محتال

__________________

(١) الاوائل ج ١ ص ٢٣٨.

(٢) راجع : محاظرات الراغب ج ٢ ص ٩٤ ، وشرح النهج ج ٢٠ ص ١٣٠ ، والغدير ج ٦ ص ٢٠٨ ، ٢٠٩ عن الراغب ، ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٧٧ ، وهامش الاستغاثة ص ٤٥ ، ٤٦ ، عن ابن شهر آشوب ، والوسائل ج ١٤ ص ٤٤١ ، ومروج الذهب ج ٣ ص ٨١ ، ط بيروت ، وقاموس الرجال ج ٥ ص ٤٥٢.

١٠١

لاقيته هاشمياً طاب منبته

في مغرسيه كريم العم والخال

الى أن قال :

عيرته المتعة المتبوع سنتها

وبالقتال ، وقد عيرت بالمال

لما رماك على رسل بأسهمه

جرت عليك بسيف الحال والبال

فاحتز مقولك الاعلى بشفرته

حزاً وحياً بلا قيل ولا قال

واعلم بأنك ان عاودت غيبته

عادت عليك مخاز ذات أذيال (١)

وقد حاول البعض المناقشة في ارادة متعة النساء بأن : « الزبير تزوج اسماء بكراً في الاسلام ، زوجه أبوبكر معلناً ؛ فكيف تكون متعة النساء ؟ ». (٢).

ولكن هذه المناقشة غير واردة ؛ لان زواجه المتعة لا ينافيه الاعلان والا البكارة ؛ اذ أن ذلك فيما يظهر كان في اول الاسلام لامانع منه فقد تقدم : أن بعض النساء قد شهرت أمها واختها على تمتعها ، وبعضهن وليهن وفي البعض شهد على ذلك العدول ، وشهد أيضاً الام والاخ في أخرى ، وهكذا

فلا مانع من الاعلان ، وتزويج الاب في المتعة اصلا ، فضلا عن مانعية البكارة ..

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ٢٠ ص ١٣٠ ، ١٣١.

(٢) مروج الذهب ج ٣ ص ٨٢.

١٠٢

ولكن يبقى أن نشير الى أن تشريع المتعة اذا كان في المدينة ؛ فهذه الرواية انما تصح على قول الواقدي وغيره ، من أن ولادة ابن الزبير كانت في السنة الثانية للهجرة ، (١) مع كون تشريع المتعة في أوائل الهجرة.

ويرى العلامة الطباطبائي : أن « من المعلوم بالضرورة : أن التمتع كان معمولا به في مكة قبل الهجرة في الجملة ، وكذا في المدينة بعد الهجرة في الجملة. » (٢) ولعل ملاحظة أقوال القائلين بالتحريم تؤيد هذا المعنى ، سيما تلك الرواية القائلة بأن تشريع المتعة انما كان في أول الاسلام.

وبعض الروايات تقول : ان حواراً حول المتعتين قد جرى بين ابن عباس ، وبين عروة ابن الزبير ، وفيه يتعجب ابن عباس من أنه يحدثه عن عن رسول الله ص الذي أحلهما ، ويحدثه عروة عن غيره .. (٣) والرواية لا

__________________

(١) الاصابة ج ٢ ص ٣٠٩ ، الاستيعاب هامش الاصابة ج ٢ ص ٣٠١ ، تهذيب التهذيب ج ٥ ص ٢١٣.

(٢) الميزان ج ١٥ ص ١٤.

(٣) منتخب كنز العمال ، هامش مسند أحمد ج ٦ ص ٤٠٤ ، ومسند أحمد ج ١ ص ٣٣٧ ، وزاد المعاد لابن القيم ج ١ ص ٢١٣ ، وجامع بيان العلم ج ٢ ص ٢٣٩ ، والغدير ج ٦ ص ٢٠٨ عنهما وعن : مختصر جامع بيان العلم ص ٢٢٦ ، وتذكرة الحفاظ للذهبى ج ٣ ص ٥٣.

١٠٣

تخلو من بعض الاشكال ، لتفردها في ذكر أن عروة ادعى أن ابابكر وعمر نهيا عن المتعة مع أنه لم يدع أحد : أن أبابكر قد تعرض للمتعة أصلا بل الروايات الكثيرة صريحة في أن الناس كانوا يفعلونها في عهده بلا نكير من أحد عليهم اصلا ..

واذا فرضنا : وهو فرض قريب جداً : أن كلمة أبي بكر مقحمة فيها فلا يبقى ثمة اشكال ..

ويروى ابن عبد ربه الحوار بين عبدالله بن الزبير ، وبين ابن عباس بنحو يقرب مما تقدم ؛ حيث عيره بقتال أم المؤمنين ، وبأنه « يفتى بزواج المتعة ». فكان من جواب ابن عباس له قوله : « .. وأول مجمر سطع في المتعة مجمر آل الزبير (١) » ، ولعل هذا يؤيد : أن عبدالله ولد من متعة ويؤيده أيضاً ما روى عن :

٤٤ ـ يونس بن حبيب ، عن أبي داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن مسلم القرشي ( القرى ظ ) ، قال : دخلنا على اسماء بنت أبي بكر ، فسألناها عن متعة النساء ، فقالت : فعلناها على عهد رسول الله (ص) .. (٢)

__________________

(١) العقد الفريد ، ط دارالكتاب العربي ج ٤ ص ٤١٤.

(٢) منحة المعبود في تهذيب مسند أبى داود ج ١ ص ٣٠٩. وهي موجودة في مصادر أخرى ، كمسند أحمد وغيره ، ولكن بلا كلمة النساء ، ففسرها الرواة بقولهم « يعني : متعة الحج » فراجع.

١٠٤

وأخرج مسلم هذا الحديث عن مسلم القرى ، على النحو التالى : « سألت ابن عباس عن متعة الحج ؛ فرخص فيها ، وكان ابن الزبير ينهى عنها ؛ فقال : هذه أم ابن الزبير تحدث : أن رسول الله (ص) رخص فيها ؛ فادخلوا عليها ؛ فاسألوها ؛ فدخلنا عليها ؛ فاذا امرأة ضخمة عمياء ، فقالت : قد رخص رسول الله (ص) فيها .. » وبعد أن ذكر مسلم لهذه الرواية طريقين ، قال : « .. فأما عبدالرحمن ففي حديثه : « المتعة » ولم يقل متعة الحج. وأما ابن جعفر فقال : قال شعبة : قال مسلم : لا أدري ، متعة الحج ، أو متعة النساء ». (١) سنده صحيح.

ولكن الظاهر هو ارادة متعة النساء ؛ اذ لا معنى للرجوع الى امرأة في متعة الحج ، مع وجود غيرها من وجوه الصحابة ، وكذلك لامعنى لقولها : ان الرسول رخص في متعة الحج !! ورواية الطيالسي ، ورواية عبدالرحمان شاهد صريح على ارادة متعة النساء ..

٤٥ ـ عبدالرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن خالد بن المهاجر بن خالد ، قال : أرخص ابن عباس في المتعة ، فقال له ابن ابي عمرة الانصاري : ماهذا يابن عباس ؟! فقال ابن عباس : فعلت مع امام المتقين. فقال ابن ابي عمرة : انما كانت المتعة رخصة كالضرورة الى الميتة ، والدم ، ولحم

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٤ ص ٥٥ ـ ٥٦. ط مشكول.

١٠٥

الخنزير ، ثم أحكم الله تعالى الدين بعد. (١) سنده صحيح.

وهذا اجتهاد من ابن ابي عمرة ، وقد تكلمنا عن هذا الاجتهاد فيما سبق ، وعرفنا قيمته ، في مقابل النص القاطع عن النبي (ص) ، وفي القرآن ..

لكن ما أشار اليه بكلمة : ثم أحكم الله الدين بعد .. لم نفهم له معنى محصلا ، الا اذا كان يقصد نهى عمر رضي الله عنه عن المتعة فيما بعد ..

٤٦ ـ ومع أن عطاء كان من اعيان التابعين ـ مع ذلك ـ نراه يصر على الفتوى بالمتعة ؛ فقد روى أنه قيل لأبي حنيفة : مالك لاتروى عن عطاء ؟! قال : لاني رأيته يفتى بالمتعة (٢).

__________________

(١) مصنف الحافظ عبدالرزاق ج ٧ ص ٥٠٢ ، وصحيح مسلم ج ٤ ص ١٣٤ ، ونصب الراية للزيعلي ج ٣ س ١٧٧ ، والسنن الكبرى للبيهقي ج ٧ ص ٢٠٥.

(٢) مختصر جامع بيان العلم ص ١٩٦ باب قول العلماء بعضهم في بعض ، وأجوبة مسائل موسى جارالله ، للامام شرف الدين ص ١٠٥ عنه ...

ولكننا لم نجد هذه الرواية في نفس جامع بيان العلم المطبوع أخيراً في السعودية ، فهل حذفت لحاجة في النفس قضيت ، كما عودونا في كثير من الكتب التي يجدون طبعها أخيراً ..

١٠٦

ولعل ذلك كان من أبي حنيفة في اول الامر ، ثم رجع عن ذلك فيما بعد ، كما سيأتي ..

٤٧ ـ عبدالرزاق ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عبدالله بن عثمان بن خثيم : أن محمد بن الاسود بن خلف أخبره : أن عمرو بن حوشب استمتع بجارية بكر ، من بني عامر بن لؤي ، فذكر ذلك لعمر ؛ فسألها ؛ فقالت : استمتع منها عمر بن حوشب ، فسأله ، فاعترف. فقال عمر : من أشهدت ؟ قال : لا أدري ، أقال. أمها ، أو أختها ، أو أخاها وأمها ..

فقام عمر على المنبر ، فقال : ما بال رجال يعملون بالمتعة ، ولا يشهدون عدولا ، ولم يبينها الا حددته ( كذا في المصنف. ولكن عبارة كنز العمال ، عن ابن عساكر ، وسعيد بن منصور ، هكذا : ولا أجد رجلا من المسلمين متمتعاً الا جلدته مئة جلدة ).

قال : أخبرني هذا القول عن عمر من كان تحت منبره ، سمعه منه حين يقوله .. قال : فتلقاه الناس منه. (١) سنده صحيح.

هذا .. وقد قال العسقلاني هنا : ان روايات عبدالرزاق عن تمتع التابعين ، وبعض الصحابة ، صحيحة السند. (٢)

__________________

(١) مصنف الحافظ عبدالرزاق ج ٧ ص ٥٠١. وليراجع كنز العمال ، وغير ذلك.

(٢) راجع : فتح الباري ج ٩ ص ١٥١.

١٠٧

٤٨ ـ عن عطاء ، عن جابر بن عبدالله قال : كنا نتمتع على عهد رسول الله ، وأبي بكر ، وعمر رضي الله عنهم ، حتى نهانا عمر رضي الله عنه أخيراً ـ يعنى النساء. (١) سنده صحيح.

٤٩ ـ ويقول أبو عمر صاحب الاستيعاب : « وهذا ابن شهاب قد أطلق على أهل مكة في زمانه : أنهم ينقضون عرى الاسلام ، ما استثنى منهم أحداً ، وفيهم من جلة العلماء ، من لاخفاء بجلالته في الدين.

وأظن ذلك ـ والله أعلم ـ لما روى عنهم في الصرف ، ومتعة النساء ». (٢)

٥٠ ـ وسيأتي : أن أهل مكة ، واليمن ، وجماعة من أهل البيت وشيعتهم ، وطائفة من التابعين ، يقولون بحلية زواج المتعة ، وأن أهل الحجاز كانوا يستعملون المتعة كثيراً.

٥١ ـ وأخيراً .. فقد روى ابن جريج وحده ثمانية عشر حديثاً في حلية المتعة. (٣) هذا فضلا عما رواه غيره ..

__________________

(١) مسند أحمد ج ٣ ص ٣٠٤.

(٢) جامع بيان العلم ج ٢ ص ١٨٨.

(٣) نيل الاوطار ج ٦ ص ٢٧١ ، وفتح الباري ج ٩ ص ١٥٠ عن أبي عوانة في صحيحه ..

١٠٨

وأخيراً ..

فقد كانت تلك طائفة من الاخيار ، التي تؤكد حلية المتعة ، في زمن الرسول. وأنه (ص) لن ينسخها ، بل بقيت حلالا في زمانه (ص) ، وزمان أبي بكر ، ونصفاً ، بل والى آخر خلافة عمر ..

وأن التحريم انما كان من عمر ، لا من النبي (ص) ، وأن طائفة من الصحابة والتابعين قد استمروا على القول بحليتها رغم تحريم عمر لها ..

وقد رأينا : أن ما يقرب من ثلاثين رواية منها قد ورد بطرق صحيحة ومعتبرة ، وفي أصح الكتب والمسانيد عند القائل بالتحريم ..

وعدا عن تواتر بعض آحادها ؛ فيمكن القول ـ بكل اطمئنان : أنها بمجموعها متواترة ، أو قريبة من التواتر .. هذا. مع سلاحتها عن التعارض ، والتنافر الموجود في غيرها .. هذا .. عدا عن أننا قد تركنا طائفة من تلك الروايات التي اجتهد الرواة ، وفسروا المتعة فيها بمتعة الحج من عند أنفسهم ، رغم ان حملها على متعة النساء لاسيما ما ورد منها عن ابن عباس ، وأضرابه من القائلين بحلية متعة النساء .. هو الاولى والاجدر

وقد بقى علينا : ان نشير الى بعض ما ورد عن أهل بيت النبوة

١٠٩

ومعدن الرسالة ، قبل أن نمضي في حديثنا هذا ؛ فنقول ..

من روايات أهل البيت (ع) :

ومن غريب المفارقات في هذا الموضوع : أن نرى البعض يحاول أن يوهم : أن ليس للشيعة رواية عن أهل البيت ، حول تحليل المتعة ؛ فهو يقول : « وتقول الشيعة : ان لديهم روايات عن آل البيت عليهم السلام قاطعة باباحة المتعة ، ولم نطلع على هذه الروايات ، و اسانيدها ». (١) ثم نسب التحريم الى علي عليه السلام ، هكذا على خلاف ما تواتر عنه عليه السلام ..

ولو أن هذا القائل اطلع ـ ونستبعد أن لايكون قد اطلع ـ على كتاب الوسائل أو الكافي ، أو أي مجموعة حديثية للشعية .. لرأي عشرات الاحاديث عن أهل البيت عليهم السلام ، ناطقة بتحليل زواج المتعة ..

واذا كنا لا نستطيع أن نصدق : أنه يجهل ذلك ؛ لانه حسن ظن لامبرر له ، بعد أن كانت كتب الشيعة في متناول يد كل أحد ، وأيضاً لانطوائه على اهانة فاضحة للمكانة العلمية لهذا الكاتب .. فلايسعنا اذن الا أن نقول : « لامر ما جدع قصير أنفه » ..

ونحن هنا نكتفي بايراد عشرة أحاديث ، من أصل عشرات ، و

__________________

(١) هو صاحب المنار ج ٥ ص ١٦.

١١٠

نعتبر أن ذلك وحده يكفي لاظهار : أن هؤلاء اذا أعوزهم الدليل ؛ فلا يتورعون عن التبرع ، والقاء الكلام على عواهنه ؛ فنقول :

١ ـ صحيحة أبي بصير قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن المتعة. فقال : نزلت في القرآن : فما استمتعتم به منهن ؛ فآتوهن أجورهن فريضة ، ولاجناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ». الوسائل باب نكاح المتعة.

٢ ـ صحيح زرارة ، قال : جاء عبدالله بن عمرة الليثي الى أبي جعفر ؛ فقال : ما تقول في متعة النساء ؟. قال : أحلها الله في كتابه ، و على سنة نبيه (ص) ؛ فهى حلال الى يوم القيامة.

فقال : يا أباجعفر ! مثلك يقول هذا ، وقد حرمها عمر ونهى عنها ؟! فقال : وان كان فعل ؟! فقال : فاني أعيذك بالله من ذلك : أن تحل شيئاً حرمه عمر. فقال له : أنت على قول صاحبك ، وأنا على قول رسول الله (ص) ، فهلم ألا عنك : أن الحق ما قال رسول الله (ص) الخ ..

الوسائل أبواب نكاح المتعة. وستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٨٧ ، والبحار ج ١٠٣ ص ٣٢٠.

٣ ـ وروى أيضاً : أن علياً عليه السلام ، قد نكح في الكوفة امرأة من بني نهشل متعة.

١١١

الوسائل أبواب المتعة ، ونقله الفكيكي ص ٨٣ ، عن الفيد في ناسخه.

٤ ـ سأل أبو حنيفة أباعبدالله الصادق عليه السلام عن المتعة : فقال : عن أي المتعتين تسأل ؟ قال : سألتك عن متعة الحج ؛ فأنبئني عن متعة النساء ، احق هي ؟ قال : سبحان الله. اما تقرأ كتاب الله : « فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ ؛ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ » ؟. فقال ابو حنيفة : والله لكانها آية لم أقرأها قط.

الوسائل ط قديم ج ٣ ص ٧٢.

٥ ـ عن اسماعيل ابن الفضل الهاشمي ، قال سألت أباعبدالله (ع) عن المتعة ؛ فقال : الق عبدالملك بن جريج ؛ فسله عنها ؛ فان عنده منها علما. فليقته ، فأملى على منها شيئاً كثيراً في استحلالها ؟ فكان مما روى لي ابن جريج .. الى ان قال : فأتيت بالكتاب أبا عبدالله (ع) ؛ فعرضت عليه ؛ صدق ، وأقربه الخ ...

٦ ـ عن أبي سارة قال : سألت أبا عبدالله (ع) ، ( يعنى المتعة ). فقال لي : حلال ، فلا تتزوج الا عفيفة الخ ..

٧ ـ وعن الرضا عليه السلام ، أنه قال : أحل رسول الله (ص) المتعة ، ولم يحرمها حتى قبض ..

١١٢

٨ ـ عن أبي عبدالله عليه السلام ، في قول الله عزوجل : ما يفتح الله للناس من رحمة ؛ فلا ممسك لها. قال : والمتعة من ذلك ..

٩ ـ وبأسانيد كثيرة الى أبي عبدالرحمان بن أبي ليلى ، قال : سألت أباعبدالله عليه السلام : هل نسخ آية المتعة شيىء ؟ قال : لا ، ولولا ما نهى عنها عمر ما زنى الاشقى ..

١٠ ـ عن الصادق ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : قال أميرالمؤمنين صلوات الله عليه : تحل الفروج بثلاثة وجوه : نكاح بميراث ، ونكاح بلاميراث ، ونكاح بملك يمين ..

راجع كل ما تقدم في : الوسائل ، أبواب نكاح المتعة ، والكافي ، ومستدرك الوسائل والبحار ج ١٠٣ ، وغير ذلك من مجاميع الحديث والرواية ..

ملاحظات ذات مغزى :

واذا ابقينا نظرة علن تلك الطائفة الاولى من الروايات ؛ فلعلنا نستطيع أن نستنتج بسهولة : أنه رغم الاصرار الشديد من عمر (رض) على تحريم هذا الزواج ، لم يستطع أن يمنع الناس حتى في عصره ، من ممارسة هذا الزواج ، الذي ثبتت لهم حليته عن رسول الله (ص) ؛ و لذا تعددت الوقائع ، التي واجه فيها عمر مخالفة الناس لنواهيه الصارمة ،

١١٣

والحازمة .. وان كان الناس ، بعد غلبة التقليد عليهم قد قبلوا ذلك ، حتى ولو كان على حساب السنن الصحيحة والصريحة عن النبي الاكرم ، صلى الله عليه وآله وسلم ..

ولعل من السهل جداً ملاحظة : أن نهى الخليفة عن متعة النساء قد اقترن بالاصرار الشديد ، والتهديد والوعيد ، المتكرر والمتواصل ، أكثر من مرة ، وفي اكثر من مناسبة .. الامر الذي لم يتوفر بهذه الكثافة والشدة بالنسبة لمتعة الحج ؛ ولذا استطاع أن يؤثر نهيه عن متعة النساء أثراً من نوع ما ، ولم يؤثر نهيه عن متعة الحج ، الا بشكل محدود جداً سرعان ما تلاشى وانتهى أمره .. هذا على الرغم من انه قد قرن النهي عنهما في كلامه في بعض الموارد ، كما راينا ..

ولربما كان للعامل السياسي ، الذي حرص فيما بعد ـ ابتداء من زمن معاوية ـ على الرغبة عن مذهب على ، وآرائه .. وعلى مخالفته في سائر أقواله وأفعاله .. أثر كبير في ترسيخ قواعد هذا النهي ، واتخاذه شعاراً ، في مقابل ما عرف عن على ، وأهل بيته ، و شيعته .. وان كان أصل النهي عن المتعة لم يكن منطلقاً من هذا المبدأ ، وانما من اعتبارات أخرى ؛ سنشير اليها فيما يلي :

سبب تحريم عمر للمتعة :

لقد تعددت التفسيرات والافتراضات حول سر وسبب اقدام عمر

١١٤

على تحريم المتعة ، ومنشأ ذلك لعله اختلاف الروايات ، في بيان الظروف التي رافقت نهيه عنها ، حسبما تقدم .. وقد فاتهم. أن ذلك منشؤه هو تعدد النهي ، بتعدد العودة الى الممارسة كما أسلفنا .. فمن جانب نجد اصراراً على النهي ، ومن جانب نجد الاصرار على الاستمرار قولا و عملا على حليتها ، فتعددت الوقائع ، وتعدت النواهي كذلك.

وعلى كل حال .. فنحن نعرض هنا باختصار بعض وجهات النظر في السر الدافع الى تحريم المتعة ، من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض).

فيرى ابن حزم ، والباقوري : أن سبب تحريم عمر للمتعة هو ما رآه من اسراف الناس في الاقبال عليها. (١)

ويقول آخر : انه انما حرم المتعة ، التي لايشهد فيها شهود ، و لا نجمع الشرائط ، كما ربما يظهر من بعض الروايات المتقدمة ، ومن كلام الباقوري ، وابن حزم ، أيضاً حيث قال : « وعن عمر بن الخطاب : أنه انما أنكرها اذا لم يشهد عليها عدلان فقط ، وأباحها بشهادة عدلين ». (٢)

__________________

(١) المحلى ج ٩ ص ٥١٩ ، ٥٢٠ ، ومع القرآن ص ١٧٤.

(٢) نفس المصدرين ، وسيأتي نقل كلامهما ..

١١٥

ويرى العلامة السيد محمد تقي الحكيم : أن سر ذلك يرجع الى : « أن بعض المسلمين أساؤا استعمال هذا التشريع ، ودفعه في سورة عاطفية الى هذا التحريم المطلق. وقد ذكر اسم عمرو بن حريث في هذا المجال ، وما ندري تفصيل قصته. (١) ويبدو أن هذا التشريع ـ وهو جديد على المسلمين ؛ (٢) اذ لم يسبق له نظير في أية شريعة سابقة ، دينية ، أو مدنية ـ لم يسهل تقبله ، وهو في البداية ؛ لان الناس لايتقبلون أي تشريع يتعلق بشؤون الجنس بسهوله ، وربما قابلوه ، واستنكروه في اعماقهم. ولم تمر عليه بعد مدة كافية لترويض نفوسهم لتقبله ، واعتباره شريعة .. ». (٣)

أما العلامة الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ؛ فيرى : ان عمر قد استنكر قضية في واقعة ؛ مما أوجب تأثره وتهيجه الشديد ؛

__________________

(١) تقدم تفصيل قصته.

(٢) وذلك يكذب دعوى : موسى جار الله في الوشيعة ص ٣٢. ان المتعة من انكحة الجاهلية. ويكذبها أيضاً ما روى عن عائشة : من أنها قد حصرت أنكحة الجاهلية في أربعة ، وليس نكاح المتعة منها .. فراجع : صحيح البخاري ، وسنن أبي داود. وتيسبر الوصول ط الهند ج ٢ ص ٣٣٠.

(٣) الزواج الموقت ص ٤٠ ، ٤١.

١١٦

فرأى أن من المصلحة المنع عنها مطلقاً ، خوفاً من تكرر مثل تلك الواقعة الخاصة ، اجتهاداً منه ، ورأيا تمكن من ذهنه. فهو قد اجتهد برأيه لمصلحة رآها بنظره في زمانه ووقته ؛ فمنع من استعمال المتعة منعا مدنياً ، لادينياً.

ولكن بعض معاصريه ، ومن جاء بعده من المحدثين البسطاء ، لم يلتفتوا الى الحقيقة ؛ فارتبكوا ، وتحيروا ، وحاولوا ايجاد مخرج من هذا الامر ، وتصحيح ما صدر من الخليفة الثاني (رض) .. (٢) فكان ما كان .. ولفقت الحجج ، ووضعت الاحاديث ، التي لم تسمن ، ولم تغن ، بل زادت الطين بلة ، والامر اشكالا ..

ويرى البعض : أنه انما تعددت دعاوى النسخ ، وتشبعت ، بهذه الاية ، أو بتلك ، وبهذا الخبر ، أو بذاك .. بسبب أن الذين تصدو الرفع التناقض كانوا جماعة متفرقين ، يحاول كل منهم ذلك دون أن يعلم بالاخر .. فلم تتوارد الخواطر على ناسخ بعينه ، بل تعدددت وتشعبت فكان عملهم « ضغثاً على ابالة » .. حتى لقد بلغت دعاوى النسخ الى (٢٢) قولا ، حسبما قدمناه .. تماماً كما حصل في قضية دانيال في قضية تفريق الشهود. الامر الذي كان سبباً في اظهار الحق ، وكشف الواقع. (١)

__________________

(١) راجع : أصل الشيعة واصولها ص ١٧٥ ـ ١٧٧.

(٢) راجع : الجواهر ج ٣٠ ص ١٤٧.

١١٧

عمر لم يحرم المتعة :

وتكون النتيجة ، على حسب كلام كاشف الغطاء ، هي : أن عمر لم يحرم المتعة دينياً ، وانما حرمها تحريماً مدنياً ، وقتياً حسبما أدى اليه اجتهاده ، ورأيه بسبب أن البعض قد اساء استعمال هذا التشريع بنحو ما .. أو بسبب ثورة عاطفية كما يرى الحكيم.

ومن البديهي : أن وجود مخالفات شاذة ، وسوء استعمال من البعض لايوجب التحريم المؤبد ؛ لان أمثال هذه المخالفات ، لايخلو منها قانون ب‍ ولا تشريع .. والا لوجب أن نرفع اليد عن تشريع كثير من الاحكام الهامة ، حتى الصلاة ، والصوم ، والطلاق ، وتعدد الزوجات ، بل وسائر الاحكام ، لمجرد أن البعض يحاول أن يسيىء الاستفادة منها. وهذا مما لا يمكن الذهاب اليه ، ولا المساعدة عليه ، أو الالتزام به من أي مقنن ، أو مشرع على الاطلاق.

ولذا .. نلاحظ في الروايات الكثيرة المتقدمة ، ما يشير الى ارتباك في تعليل النهى وفى مورده من قبل الناهي نفسه ، فتارة ينهى عن أن يتزوج المحصن متعة ، وتارة ينهى عنها ، لعدم الاشهاد الصحيح ، والكافي عنده ، وثالثة ، بسبب أن البعض قد ولدلهم من المتعة ، ولم يلتفتوا ، أو انكروا أولادهم .. وهكذا .. وهذا مما يؤيد : ويؤكد

١١٨

أن النهي لم يكن على سبيل التشريع وجعل الحكم ..

بل لدينا اعتذار صريح من عمر نفسه ، واعتراف بأنه لم يحرم المتعة أصلا ، وأنها مما أحله الله ، وذلك في مقام اعتذاره عما فعله .. حيث قد :

ورد في نوادر أحمد بن محمد بن عيسى :

عن القاسم ، عن أبان ، عن اسحاق ، عن الفضل ، قال : سمعت أباعبدالله عليه السلام يقول :

« بلغ عمر : أن اهل العراق يزعمون : أن عمر حرم المتعة ؛ فأرسل اليهم فلاناً ـ سماه ـ ، فقال : أخبرهم : أني لم أحرمها ، وليس لعمر أن يحرم ما أحل الله ، ولكن عمر قد نهى عنها .. ». (١)

__________________

(١) البحار ج ١٠٣ ص ٣١٩ عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى ص ٦٦ ، ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٨٧ ، عن النوادر أيضاً.

١١٩



تنبيه :

يوضع في آخر ص ٨٨ الهامش رقم (٢) العبارة التالية :

وجواهر الاخبار والاثار المستخرجة من لجة البحر الزخار ج ٢ ص ١٩٢ عن التفتازاني في حاشيته على شرح العضد.

١٢٠