منتقى الأصول - ج ١

السيد عبد الصاحب الحكيم

منتقى الأصول - ج ١

المؤلف:

السيد عبد الصاحب الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٨

الزمان كما لا يخفى.

واما اشتراط العمل في اسم الفاعل بكونه بمعنى الحال أو الاستقبال ، فهو لا يتنافى مع الاتفاق المزبور ، إذ المراد انه بمعنى الحال أو الاستقبال بواسطة القرينة ، ويدل عليه اتفاقهم على مجازية اسم الفاعل في الاستقبال.

وقد يستشكل فيما ذكره المحقق الخراسانيّ لوجهين :

الأول : الاتفاق القائم على مجازية مثل : « زيد ضارب غدا » ، فانه لو كان المراد بالحال فعلية التلبس واعتبار اتحادها مع الجري لم يكن ذلك مجازا كما تقدم نظيره.

الثاني : ان الظاهر من الحال عند إطلاقه وعدم تحديده بشيء هو زمان الحال المساوق لحال النطق ، كما انه ـ أي زمان الحال ـ الظاهر من المشتق لانصرافه من الإطلاق ، أو لمقدمات الحكمة. وعليه فلا بد ان يراد بالحال في عنوان النزاع حال النطق وزمان الحال.

ويدفع الأول : بان مجازية مثل المثال المزبور انما هو لأجل انفكاك الجري عن فعلية التلبس ، إذ الظاهر من الإطلاق وقضيته كون الجري في الحال ، والقيد المذكور وهو : « غدا » بيان لزمان التلبس ، فالجري في الحال والتلبس في الاستقبال وهو مجاز.

وبالجملة : الظاهر من المثال إسناد الضرب الحاصل في الغد إلى زيد في الحال وذلك مجاز بلا كلام.

ويدفع الثاني : بان المقام مقام تعيين الموضوع له المشتق وبيانه ، وانه هل خصوص المتلبس في حال النطق أو مع فعلية التلبس ، أو الأعم منه ومما انقضى عنه ، فلا يثبت بحديث الانسباق والقرينة العامة ، فانه وان سلم لكنه لا يجدي فيما نحن بصدده من تعيين الموضوع بالعنوان المأخوذ في مورد الكلام وانه ما هو؟.

٣٤١

وبالجملة : ثبوت الانسباق لا يرتبط بعالم الموضوع له وتعيينه ، وان المقصود في العنوان ما هو؟ بل هو أجنبي عنه فلاحظ وتدبر (١).

الأمر الخامس : في تأسيس الأصل في المورد ، بمعنى انه مع التردد وعدم قيام الدليل على أحد الاحتمالين فهل هناك من الأصول ما يعين أحدهما أو تكون نتيجته توافق أحدهما؟.

والكلام تارة : في قيام الأصل في المسألة الأصولية ، أعني في مقام الوضع والموضوع له. وأخرى : في الأصل في المسألة الفرعية ، أعني في مقام ثبوت الحكم للمشتق مع عدم تعيين الموضوع له.

اما الأصل في المسألة الأصولية ، فهو غير ثابت ، إذ لا أصل لدينا. يعين ان الموضوع له خصوص المتلبس أو الأعم منه.

وما يدعى من جريان أصالة عدم ملاحظة الخصوصية فيثبت بها الوضع للأعم ، يدفع :

__________________

(١) ذكر الأعلام : ان المراد بالحال في موضوع النزاع هو حال التلبس أو فعلية التلبس لا حال النطق ، واستشهدوا على ذلك بالمثالين. ولا يخفى ان المثالين لا يرتبطان بما نحن فيه بالمرة ، إذ البحث فيما نحن فيه اما عن حمل المشتق على المنقضي أو المتلبس ، أو إطلاقه عليه. والمثالان أجنبيان ، إذ لم يطلق : « ضارب » على الذات ولم يحمل عليها فعلا ، وانما يدل على كونه كذا أمس أو غدا لا انه كذا ، فكأنه يقول : « ان زيدا مصداق للضارب أمس » وهذا لا حمل فيه بالمرة ، وكذا الحال في مثل : « زيد ضارب أمس » فان أمس بيان لوقت انطباق ضارب عليه ولا حمل بالفعل أصلا ، ومثله قد يتأتى في الجوامد التي لا نزاع في وضعها للأعم أو المتلبس ، بل هي مختصة بالمتلبس قطعا ، فيقال : « سيكون هذا تمرا غدا وكان هذا رطبا أمس » .. والشاهد الّذي ينبغي ان يكون للمقام هو مطلق العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام كـ : « العالم يجوز تقليده ». و: « العادل يصح الائتمام به » وهكذا ، فانه لا إشكال في عدم إرادة خصوص المتلبس حال الكلام مع انه لا تجوز في الاستعمال أصلا.

واما ما ذكره في الكفاية تحت عنوان : « لا يقال ... فانه يقال » .. فهو لا يخلو عن إجمال سؤالا وجوابا ، فان ارتباط السؤال بما تقدم لا يخلو عن إجمال. كما ان تسليم صاحب الكفاية بظهور المشتق في الحال غير واضح ، والمتيقن هو ظهور المشتق في الحال ، بمعنى فعلية التلبس عند فعلية الحكم في قبال التعليق لا الحال في قبال الاستقبال. فتدبر.

٣٤٢

أولا : بأنها معارضة بأصالة عدم ملاحظة العموم ، إذ الوضع للأخص كما يقتضي ملاحظة الخصوصية فتنفى بالأصل ، كذلك الوضع للأعم يستدعي لحاظ العموم للزوم ملاحظة الموضوع له ولا يكتفي في لحاظه بعدم لحاظ الخاصّ ، لأنّ الخاصّ والعام متباينان بحسب المفهوم ، إذ لكل منهما حدّه الوجوديّ المميز له عن غيره ، فعدم لحاظ أحدهما لا يكون لحاظا للآخر ، فتنفى ملاحظة العموم بالأصل أيضا.

وثانيا : ان الأصل المذكور ان كان المقصود منه الأصل العقلائي ، فلا دليل عليه إذ لم يثبت بناء العقلاء على نفي ملاحظة الخصوصية مع الشك بها. وان كان المقصود منه الاستصحاب فيستصحب عدم ملاحظة الخصوصية من باب أصالة عدم الحادث ، فيمنع : بأنه يعتبر في المستصحب ان يكون ذا أثر شرعي ان لم يكن هو حكم شرعي ، كما هو الحال فيما نحن فيه ، وليس لعدم ملاحظة الخصوصية أثر شرعي إلا بواسطة أو وسائط ، لكنه لا ينفع في جريان الاستصحاب إلا بناء على الأصل المثبت.

واما ما يدعى من ترجيح الاشتراك المعنوي اللازم للوضع للأعم على الحقيقة والمجاز اللازم للوضع للأخص ، عند الدوران بينهما ، من جهة غلبة الاشتراك المعنوي ، فيدفع :

أولا : بمنع الصغرى ، إذ لم تثبت الغلبة.

وثانيا : بمنع الكبرى ، إذ لا دليل على الترجيح بالغلبة لو سلم ثبوتها.

واما الأصل في المسألة الفرعية ، فقد ذكر صاحب الكفاية بأنه يختلف باختلاف الموارد ، فقد تكون نتيجته في بعض الموارد تلائم الوضع للأخص كما لو ورد : « أكرم كل عالم » وكان زيد قد انقضى عنه العلم قبل الإيجاب فانه حيث يشك في صدق العالم عليه فعلا للشك في الوضع يشك في ثبوت الحكم له أيضا ، فأصالة البراءة عن وجوب إكرامه تنفي ثبوت الحكم له. وقد تكون نتيجته تلائم

٣٤٣

الوضع للأعم كالمثال المزبور وكان زيد متلبسا بالعلم حال الإيجاب لكنه انقضى عند بعد ورود الوجوب ، فانه حينئذ يشك في بقاء الحكم له للشك في عالميته فيستصحب وجوب إكرامه (١).

هذا ما أفاده قدس‌سره في المقام ، وقد صار محل الإشكال بحكمه بجريان استصحاب الوجوب وتحقيق المقام ، لأن الاستصحاب ذو جهتين : جهة الحكم وجهة الموضوع. فيقع الكلام في إمكان جريانه في الحكم وجريانه في الموضوع ، اما من يقول بعدم جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية فهو في راحة من عدم جريان استصحاب الحكم هنا ، فالكلام في جريان استصحاب الحكم هاهنا وعدمه مبني على جريان الاستصحاب في نفسه في الشبهات الحكمية ومنشأ التوقف في جريانه هو الشك في بقاء الموضوع. فالكلام يقع في جهتين :

الأولى : جريان الاستصحاب في الموضوع ، بمعنى يستصحب كونه عالما بعد ان كان كذلك للشك فيه.

وقد استشكل فيه هنا ، بل في كل استصحاب للموضوع ، ومنشأ الشك فيه من جهة الشبهة المفهومية كاستصحاب النهار لتردده بين سقوط القرص وذهاب الحمرة بان المستصحب اما ان يكون ذات الموضوع ، أو الموضوع بوصف كونه موضوعا للحكم. فان كان ذات الموضوع وبقائه في العالم ، فهو لا يثبت موضوعية الموجود إلاّ بنحو الأصل المثبت. وان كان الموضوع بما هو موضوع ، فهو كاستصحاب الحكم ، لأن الموضوعية انما تنتزع عن مقام ثبوت الحكم لموضوعه ، فهي عارضة على الذات فلا يمكن استصحابها للشك في بقاء معروضها ، ويعتبر في الاستصحاب بقاء المعروض لتقوم صدق النقض والإبقاء ببقائه ، إذ مع عدم بقائه لا يكون عدم الحكم بثبوت عارضه في فرض الشك نقضا لليقين بالشك

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٤٥ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٣٤٤

كما ان الحكم بثبوته لا يعد إبقاء ، بل إسراء للحكم الثابت لموضوع إلى موضوع آخر. وعليه فإذا اعتبر بقاء المعروض في الاستصحاب فمع الشك في بقائه لا يجري الأصل للشك في صدق النقض والإبقاء ، فتكون الشبهة مصداقية لا يتمسك فيها بعموم دليل الاستصحاب.

والإنصاف : أن هذا الإشكال لا يمنع من جريان الاستصحاب فيما نحن فيه ، لأنه وان سلم في نفسه ، إلا ان الأمر لا يدور بين الاحتمالين المذكورين بل هناك شق ثالث ، وهو جريان استصحاب انطباق المفهوم على الموجود الخارجي. بل هو الّذي يقصد استصحابه ، فان المقصود استصحاب عالمية هذا الشخص ، فانها كانت ثابتة له قبل الانقضاء ، فمع الشك فيها بعد الانقضاء تستصحب.

وبعبارة أوضح : يستصحب كون هذا الشخص عالما واتصافه بالعالمية لليقين السابق والشك اللاحق ، ولا محذور فيه مما ذكر أصلا كما لا يخفى ، فيثبت له الحكم لتمامية الموضوع تعبدا.

نعم ، هذا غير تام من جهة أخرى ، وهي ان خصوصية التلبس لو كانت مأخوذة في الموضوع له كانت مقومة للصدق والانطباق ودخيلة في موضوعه ، بحيث إذا انتفت ينتفي الانطباق والاتصاف لانتفاء موضوعه ، فمع الشك في دخالة هذه الخصوصية في الموضوع له لفظ المشتق ، يحصل الشك عند انتفائها في بقاء معروض الانطباق ، فلا يصح استصحاب الانطباق لعدم العلم ببقاء موضوعه ، فلا يحرز انه إبقاء للحالة السابقة ، بل يمكن ان يكون إسراء للمستصحب من موضوع إلى آخر.

الثانية : جريان الاستصحاب في الحكم ، وقد استشكل فيه من جهة الشك في بقاء موضوعه وهو العالم في المثال المذكور ، فلا يحرز كون إثبات الحكم في صورة الشك إبقاء وعدمه نقضا كي يكون مشمولا لعموم الأدلة ، بل يكون المورد من موارد الشبهة المصداقية كما أشرنا إليه.

٣٤٥

والإنصاف : ان الحكم بعدم جريانه على إطلاقه ممنوع ، بل يختلف باختلاف موارده ، فالمورد الّذي يرى العرف تقوم الموضوع ومعروض الحكم بالعنوان بحيث يكون العنوان في نظره من الجهات التقييدية ، نظير جواز تقليد المجتهد ، يمتنع إجراء الاستصحاب للشك في بقاء معروض الحكم ، واما المورد الّذي يرى العرف ان الحكم ثابت للذات وان معروض الحكم هو نفس الذات وان العنوان جهة تعليلية للحكم نظير وجوب إكرام العالم ، فان الإكرام يعرض على نفس الذات ، لم يمتنع إجراء الاستصحاب لإحراز بقاء الموضوع ، إذ ليس المراد بالموضوع الا معروض الحكم لا كل ما كان دخيلا في ثبوت الحكم.

وقد أوضحنا الكلام في الجهتين في الأمر الأول من خاتمة الاستصحاب في الدورة السابقة فلاحظ.

ولعل نظر المحقق صاحب الكفاية في إجراء استصحاب الحكم مع التزامه باعتبار بقاء الموضوع في باب الاستصحاب إلى النحو الثاني ، فتدبر (١).

وبعد هذا كله شرع صاحب الكفاية في تحقيق الحق في المسألة وبيان ان الموضوع له هل هو خصوص المتلبس ـ كما ذهب إليه الأشاعرة ومتأخرو الأصحاب ـ ، أو الأعم منه وممن انقضى عنه المبدأ ـ كما ذهب إليه المعتزلة ومتقدموا الأصحاب ـ؟. وقد أشار قدس‌سره إلى تفرع الأقوال وتكثرها

__________________

(١) في نفي أصالة عدم ملاحظة الخصوصية يقال : ان جريان الأصل يتوقف على ..

أولا : على كون الحكم المردد موضوعه انحلاليا بلحاظ قيد المشكوك ، كالوجوب المتعلق بالمركب ، اما إذا لم يكن انحلاليا كإمضاء المعاملة المرددة بين كونها مطلق البيع أو البيع الخاصّ ، فان إمضاء البيع الخاصّ لا ينحل إلى إمضاء ذات البيع وإمضاء الخصوصية كي يكون هناك قدر متيقن.

وثانيا : على كون التردد. بالإطلاق والتقييد كالتردد بين العالم والعالم العادل. اما إذا كان التردد بالتباين نظير زيد والإنسان ، لأن زيد ليس عبارة عن كلي وإضافة ، فلا يجري الأصل أيضا لعدم القدر المتيقن.

والوضع للمتلبس من هذا القبيل ، فانه ليس مما يقبل الانحلال أولا فهو كالإمضاء ، والأعم والمتلبس متباينان مفهوما وليست النسبة هي الأقل والأكثر فلاحظ.

٣٤٦

أخيرا الناشئ من توهم اختلاف المشتق باختلاف مبادئه ، أو بتفاوت أحواله من كونه محكوما عليه أو محكوما به ونحوهما ، وقد اتضح فساد هذا التوهم ونظيره مما تقدم كما لا يخفى.

والّذي اختاره قدس‌سره هو الوضع لخصوص المتلبس مستدلا على ذلك بالتبادر وصحة السلب عن المنقضي ، وصدق نقيض الصفة عليه حال الانقضاء أو ضدها (١).

ووافقه المحقق النائيني قدس‌سره في هذا الاختيار ، لكنه نهج في استدلاله على المدعى نهجا برهانيا لا عرفيا وجدانيا.

ومحصل ما جاء في تقريرات بحثه للسيد الخوئي ( دام ظله ) : ان النزاع في الوضع لخصوص المتلبس أو للأعم منه ومن المنقضي عنه المبدأ يبتني على القول بالبساطة أو التركيب ..

فلازم القول بان مفهوم المشتق مفهوم مركب الوضع للأعم ، إذ معنى المشتق يكون ذات المنتسب لها المبدأ ، فالركن الركين حينئذ يكون هو الذات وانتساب المبدأ إليها وان أخذ في مفهوم المشتق لكنه بنحو الجهة التعليلية ، لصدق المشتق على الذات ولم يؤخذ في النسبة التقييدية زمان دون زمان ، فيكفي في صدق المشتق تحقق التلبس والانتساب في الجملة مع بقاء الذات ، فيكون صادقا على المنقضي بحسب ذات المعنى في نفسه.

كما ان لازم القول ببساطة مفهوم المشتق الوضع للأخص ، إذ مرجع القول بالبساطة إلى القول بان مفهوم المشتق هو نفس المبدأ ، وهو الركن الركين فيه ، فمعنى قائم هو القيام ، غاية الأمر انه ملحوظ بنحو يصحّ حمله على الذات وجريه عليها دون نفس المصدر. وعليه فمفهوم المشتق بتقوم بالمبدإ ، فمع انعدامه

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٤٥ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٣٤٧

لا يصدق المشتق لعدم معناه. فيكون المشتق أشبه بالجوامد من هذه الجهة.

ثم انه بعد ان أوضح الفرق بين المشتق والجوامد من جهة أخرى ، وبعد ان ذكر الاستدلال بالتبادر وصحة السلب ذكر : ان القول بالوضع لخصوص المتلبس بالمبدإ متعين حتى مع الالتزام بالتركيب ، وان المسألة لا تبتني بقوليها على القول بالبساطة والتركيب ، بتقريب : ان من يقول بالتركب يدعى تركبه من الذات والمبدأ ولكن لا على الإطلاق ، بل الذات متضمنة لمعنى حرفي ، وهو نسبة المبدأ إلى الذات. وعليه ، فوضع المشتق للأعم يتوقف على أخذ الزمان في مفهوم المشتق ، فانه هو الجامع بين المتلبس والمنقضي ولا جامع غيره ، ومن المقرر والواضح ان مفاهيم المشتقات عارية عن الزمان فلا يكون هناك ما يجمع بين الفردين فلا يصح الوضع للأعم لعدم الجامع ، فيدور الأمر حينئذ بين وضعه لخصوص المنقضي ، أو له بوضع آخر على سبيل الاشتراك ، أو للمتلبس فقط ، والأولان لا يقول بهما أحد ، بل هما خلاف الالتزام بالوضع للأعم ، فيتعين الثالث ، وهو المطلوب (١).

وقد استشكل السيد الخوئي فيما ذكره قدس‌سره أخيرا من عدم الجامع بدعوى : إمكان تصور الجامع بين المنقضي والمتلبس بأحد وجهين :

الأول : ان يقال ان الجامع هو اتصاف الذات بالمبدإ في الجملة أعم من ان يكون فعليا أو قد انقضى في مقابل الذات التي لم تتصف بالمبدإ أصلا.

الثاني : ان يقال بوجود الجامع الانتزاعي لو أنكر وجود الجامع الحقيقي ، وهو عنوان أحدهما. وهو كاف في مقام الوضع فلا يتوقف على الجامع الحقيقي لأن المطلوب تصور الموضوع له بنحو ما وهو يحصل بالجامع العنواني (٢).

__________________

(١) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ١ ـ ٧٤ ـ الطبعة الأولى.

(٢) الفياض محمد إسحاق. محاضرات في أصول الفقه ١ ـ ٢٥٠ ـ الطبعة الأولى.

٣٤٨

والتحقيق : تمامية ما أفاده المحقق النائيني من عدم إمكان تصور الجامع سوى الزمان.

بيان ذلك : انه قد عرفت فيما تقدم ان المعاني الحرفية من سنخ الوجود لا المفاهيم. وعليه فكل منها يغاير الآخر لتغاير الوجودين ، فلا يتصور الجامع بين سنخين من النسبة والربط. نعم الجامع بين افراد سنخ واحد من الربط ممكن كالجامع بين النسب الظرفية ، وهو ( النسبة الظرفية ) وغيرها ، ومن الظاهر ان نسبة المبدأ إلى الذات في حال التلبس تختلف عنها في حال الانقضاء ، فان الربط بين المبدأ والذات في حال التلبس ربط حقيقي واقعي ، وفي حال الانقضاء ربط مسامحي ادعائي ، إذ لا ارتباط حقيقة بينهما عند انعدام المبدأ لانعدام أحد طرفي النسبة. وعليه ، فسنخ نسبة المبدأ إلى الذات حال التلبس يختلف عن سنخ نسبته إليها في حال الانقضاء ، فالوضع للأعم مع أخذ النسبة في مفهوم المشتق يتوقف على تصور جامع بين هاتين النسبتين يشار به إليهما ويوضع اللفظ إليها بواسطته ، وقد عرفت ان الجامع بين سنخين من النسبة مفقود لتغاير أنحاء النسب وتباينها. ولعل نظر المحقق النائيني إلى هذا المعنى.

وعليه ، فيختص المشتق بالوضع لخصوص المتلبس كما لا يخفى. ومن هنا يظهر عدم وصول النوبة إلى الاستدلال على الوضع لخصوص المتلبس بالتبادر وصحة السلب ونحوهما ، فلاحظ جيدا وتدبر (١).

__________________

(١) في بيان الحق لمسألة المشتق :

ذهب المحقق النائيني قدس‌سره إلى استحالة الوضع للأعم على البساطة وعلى التركيب ، لعدم تصور الجامع.

ويمكن المناقشة بذلك بدوا ..

اما على البساطة ، فلأنه إنما يتم كلامه لو كان معنى المشتق هو المبدأ لا بشرط ، لعدم تصور الجامع حينئذ ، اما إذا كان معناه واجدية الذات للصفة فيمكن تصور الجامع كما لا يخفى.

واما على التركيب ، فيرد عليه :

٣٤٩

.......................................

__________________

= أولا : النقض بقضايا الأحكام المثبتة للحكم على الموضوع بوجوده الحدوثي واستمرار الحكم بعد عدم الموضوع ، كالتغير في نجاسة الماء.

وثانيا : بالحل ، فانه لا نحتاج إلى تصور الجامع في الموضوع ، بل الملحوظ وجود موضوع المطلق وتلبس الذات بالمبدإ مطلقا ولو انقضى عنها بعد ذلك ، ونقول في الوضع كذلك لأنه من سنخ الحكم على المعنى فلاحظ.

وعليه ، فلا بد من إيقاع الكلام في مرحلة الإثبات ، وقد ذكر في الكفاية وجودها لإثبات الوضع للمتلبس خاصة. وتعرض في ضمن استدلالاته للاستدلال بصحة السلب. وأورد عليه في ذيل كلامه وأجاب عنه.

وفي الجواب نظر ، يرجع إلى تسليمه الإشكال لو رجع القيد إلى المسلوب ، فان التسليم ممنوع ، فان رجوعه لا يضر ، لأن السلب إذا انصب على الموصوف ، فان كانت الصفة لازمة كان مقتضاه نفي الطبيعة ، كما لو أخذ بياض زيد فقيل انه ليس إنسان أبيض ، فان معناه نفي الإنسانية عنه. وما نحن فيه كذلك ، لأن الفرض تحقق المبدأ ، فقولنا : « ليس زيد بضارب الآن » مع تحقق الوصف فيه يكشف عن عدم اسناد الطبيعة بقول مطلق إليه فلاحظ.

ثم ان ظاهر الكفاية اختيار صحة السلب مقيدا ، وتسليم عدم سداد صحة السلب المطلق. وهو قابل للخدشة أيضا ، إذ يصح ان يقال : « زيد ليس بضارب » مع الانقضاء. ودعوى : انه لا يصح ان يقال : « زيد ضارب أمس ». تندفع : بما عرفت من عدم تكفل هذه الجملة للحمل أصلا ، بل تتكفل صلاحية الحمل أمس ، فلا تتكفل الحمل الفعلي ، إذ الحمل هو الاتحاد في الوجود ، وضارب أمس معدوم ، فكيف يتحد مع زيد الفعلي. وعليه ، فيصح السلب المطلق وعدم الحمل المطلق الآن بالنسبة إلى زيد ، فيقال : « زيد ليس بضارب » ولا إشكال فيه.

وكيف كان ، فقد تحصل من جميع ما تقدم : إمكان الوضع للمتلبس وإمكان الوضع للأعم ، ولكن الدليل إثباتا يساعد على الأول. هذا والإنصاف تمامية ما أفاده المحقق النائيني مع عدم تصور الوضع للأعم.

واما ما ذكرناه سابقا ـ في المتن ـ من قياس الوضع بجعل الحكم على الموضوع بملاحظة حدوثه خاصة.

ففيه : ان باب الوضع يختلف عن باب الحكم ، لأن الحكم يتعلق بالموضوع بنحو القضية الحقيقية ويصير فعليا بفعلية موضوعه ، والملحوظ في الموضوع هو وجود العنوان الخارجي لا نفس المفهوم بما هو. بخلاف الوضع فانه يرتبط بالمفهوم ولا نظر له إلى الخارج ، ولذا تتحقق العلقة الوضعيّة بالفعل ولو لم يكن للمفهوم وجود أصلا ، فالموضوع له هو المفهوم. ومن الواضح ان التلبس والانقضاء من عوارض الوجود لا من عوارض المفهوم ، فالموضوع له هو الطبيعي وهو لا يتصف بالتلبس والانقضاء ، وما يتصف بالتلبس والانقضاء لا يوضع له اللفظ.

٣٥٠

.....................................

__________________

وعليه ، فإذا فرض ملاحظة مفهوم الذات المتلبسة ووضع اللفظ لها فلا تنطبق مع غير المتلبسة ، والوضع للذات الأعم لا مجال له ، لأن نفس مفهوم الذات لم يوضع لها الذات ، بل مع ملاحظة ارتباطها من مبدأ ، ولا جامع بين التلبس والانقضاء كي يوضع للمفهوم الجامع.

ولا بأس بالإشارة إلى وجوه تصور الجامع وملاحظتها ، فقد ادعي وجود الجامع بوجوده :

الأول : دعوى انه هو الذات المتصفة بنحو الموجبة الجزئية في قبال عدم الاتصاف بالمرة وهي تصدق على المنقضي والمتلبس بالفعل ..

وفيه : ان مفهوم الاتصاف لم يلحظ في الموضوع له جزما ، وانما يراد به واقعه ، وهو النسبة ، ولا جمع بين النسبتين كما لا يخفى ، لأن النسبة معنى حرفي ولا يتصور الجامع في الخارج لتباين النسب.

الثاني : الالتزام بالجامع العنواني نظير ما يلتزم به في الوجوب التخييري كعنوان أحدهما ..

وفيه : انه يلزم وضع الهيئة لهذا العنوان ومقتضاه الترادف وهو باطل جزما مع انه معنى اسمي والهيئة من الحروف. ثم ان أريد أحدهما المعين في الواقع فهذا غير جامع. وان أريد على سبيل البدل فيلزم تعدد الموضوع له وهو خلف. مع انه لا وجود خارجا لو أريد واحد منهما لا كليهما. فتأمل.

الثالث : ان يكون الجامع من وجدت فيه الصفة.

وفيه : انه يلزم عدم صحة : « زيد ضارب الآن » لعدم صدق الماضي في حقه ، مع استلزامه لبعض المحاذير الأخرى التي أشار إليها المحقق الأصفهاني فراجع.

واما جواب الكفاية عن استدلال للأعم بالآية الكريمة. فهو قابل للمناقشة ، بان يمكن للخصم ان يدعي ان استدلال الإمام عليه‌السلام كان بسبب الظهور الأوّلي للكلام وبضميمة ظهور الكلام في فعلية الموضوع عند فعلية حكمه. نعم يثبت ان عنوان الظالم كان ينطبق على الخلفاء.

واما دعوى كون المورد ليس من تلك الموارد ، فهذا خلاف الظاهر الأولي في كل قضية. ولا بد ان يكون احتجاجه بملاحظة ذلك والاسهل على الخصم إنكاره.

فالحق في الجواب : ان سؤال إبراهيم عليه‌السلام لا يمكن ان يكون لمن هو متلبس بالظلم فعلا ومن ينطبق عليه عنوان الظالم فعلا ، فلا بد ان يكون للأعم من المتلبس سابقا ولمن لم يتلبس أصلا. فالجواب هو التفصيل فالمراد بالآية هو خصوص المتلبس سابقا فلاحظ.

ثم انه لا عبرة لبعض الأجوبة المذكورة عن الاستدلال بالآية لوضوح الإشكال فيها.

واما الاستدلال على الوضع للمتلبس أو نفي الثمرة في الخلاف بعدم الإشكال في نفي الحكم بانقضاء المتلبس ، كما في موارد الحيض. فهو ضعيف ، لأن فعلية الحكم تدور مدار فعلية الموضوع ، فإذا كان الموضوع هو الأعم كان فعليا. وأحكام الحيض انما لا تثبت ، للأدلة القطعية على ان المانع حدث الحيض لا عنوان الحائض. فلاحظ.

٣٥١
٣٥٢

« تنبيهات المسألة »

التنبيه الأول : في بيان بساطة مفهوم المشتق أو تركيبه.

ولا بد قبل الخوض في المطلب من بيان المراد بالبساطة والتركيب وتعيين محل الكلام فيهما.

وقد تعرض صاحب الكفاية إلى تحديد المتنازع فيه ، فذكر : ان المبحوث عنه هو البساطة في عالم التصور واللحاظ لا الواقع وبحسب التعمل العقلي. وبيان ذلك : ان الشيء قد يكون بسيطا في عالم اللحاظ بمعنى انه لا يتحقق في الذهن عند التعبير عنه إلا صورة واحدة لا أكثر ، ولكنه في الواقع والحقيقة قد يكون كذلك كالبياض ، فانه في ذاته بسيط ، كما انه صورة ولحاظا كذلك. وقد يكون مركبا بالتركيب الحقيقي كالإنسان ، فانه حقيقة ذو جزءين الحيوان والناطق ، ولكنه واحد صورة ولحاظا ، أو بالتركيب الاعتباري كالدار ، فانه بحسب الاعتبار ذو اجزاء ، إذ هو اصطلاح عرفي على مجموعة أمور كالساحة والغرفة والسطح ، ولكن صورته الذهنية واحدة. فالكلام في ان المشتق بسيط في عالم التصور أو مركب؟ ، بمعنى انه حين إطلاق اللفظ هل تأتي في الذهن صورة لشيء واحد أو أشياء؟ وليس الكلام في واقع المشتق وحقيقته (١).

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٥٤ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٣٥٣

ولكن ما ذكره قدس‌سره غير تام كما قيل (١).

والوجه فيه : انه لا كلام في بساطة المشتق بحسب التصور واللحاظ ، إذ الموضوع له إذا كان معنى واحدا لحاظا وان كان مركبا حقيقة أو اعتبارا ، كان المتصور عند إطلاق اللفظ ذلك المعنى الواحد والموجود في الذهن صورته لا صورتان فشأن المشتق لا يقل عن شأن المركبات الاعتبارية في جهة كونها بسيطة إدراكا ، فلا إشكال في بساطته من حيث الإدراك ولا كلام في هذه الجهة ، انما الكلام في بساطة وتركيب ذاته وحقيقته ، وهي محط الكلام بين الاعلام ، كما تشعر به عباراتهم في المقام ، فلاحظها.

وإذا اتضح لك موضوع الكلام ، فقد وقع الكلام في بساطة المشتق وتركيبه ، وقد ذهب صاحب الكفاية إلى بساطته وفاقا للسيد الشريف ، وتعرض إلى ذكر استدلاله على البساطة ونفي التركيب : بان مقتضى التركيب ان يكون معنى المشتق ذاتا لها المبدأ ، فحينئذ يقال : بان الذات المأخوذة اما مفهوم الذات أو مصداقها الخاصّ ، فعلى الأول : يلزم دخول العرض العام في الفصل في مثل : « الإنسان ناطق ». وعلى الثاني : يلزم انقلاب مادة الإمكان الخاصّ في القضايا إلى الضرورة ، إذ يكون الموضوع جزء المحمول وحمل الشيء على نفسه ضروري ، لأن المعنى يكون في مثل : « الإنسان ضاحك » و « الإنسان إنسان له الضحك » (٢).

وأجاب في الفصول عن كلا شقي الإشكال :

اما عن الأول : فبان الناطق انما كان فصلا في عرف المنطقيين ولم يثبت انه كذلك لغة ووضعا.

__________________

(١) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ١ ـ ٩١ ـ الطبعة الأولى.

(٢) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٥١ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٣٥٤

واما عن الثاني : فبان المحمول ليس هو الموضوع على إطلاقه كي يكون الحمل ضروريا ، بل المحمول هو الموضوع المقيد بالضحك ، وحيث ان ثبوت القيد غير ضروري فلا يكون حمل المقيد ضروريا (١).

واستشكل صاحب الكفاية في الجواب الأول : بأنه من الواضح ان المنطقيين جعلوا الناطق فصلا بما له من المعنى لغة وعرفا بلا نقله من معنى آخر.

واستشكل في الجواب الثاني : بان المحمول وان كان مقيدا ، إلاّ انه لا يخلو الأمر من أحد حالين ، اما ان يكون المحمول هو ذات المفيد بلا دخل للقيد والتقييد أصلا ، بل لوحظ التقييد مرآتا وعنوانا للذات. واما ان يكون المحمول هو المقيد ، بما انه مقيد ، بحيث يكون جهة التقيد والقيد دخيلة في المحمول وليست معرفة فقط. فعلى الأول يكون الحمل ضروريا لحمل الشيء على نفسه. وعلى الثاني تنحلّ القضية إلى قضيتين ، أحدهما : « الإنسان إنسان ». والأخرى : « الإنسان له النطق ». والقضية الأولى ضرورية ، وجهة الانحلال : ما تقرر من ان الوصف قبل العلم به خبر في الحقيقة ، فقولنا : « زيد شاعر ماهر » يشتمل على خبرين حقيقة الاخبار بالشعر وبالمهارة فيه ، وان لم تؤخذ المهارة بنحو الخبر بل بنحو الوصف ، فالقيد وان أخذ وصفا لكنه في الحقيقة اخبار ، فينحل المحمول إلى خبرين (٢). وللانحلال تقريب آخر ليس محل ذكره هاهنا.

ثم ان صاحب الفصول نفسه تنظر في الجواب الثاني : بان المحمول وان كان مقيدا ، لكن الذات المقيدة به اما ان تكون مقيدة به واقعا أو لا. فعلى الأول يصدق الإيجاب بالضرورة. وعلى الثاني يصدق السلب بالضرورة. فالانقلاب لازم لا محالة.

__________________

(١) الطهراني الحائري الشيخ محمد حسين. الفصول الغروية ـ ٦١ ـ الطبعة الأولى.

(٢) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٥٢ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٣٥٥

وتنظر فيما ذكره صاحب الكفاية : بأن الانقلاب المدعى لا يثبت بما ذكر ، إذ المناط في الجهات ومواد القضايا انما هو ملاحظة نسبة المحمول إلى الموضوع بحسب ذاته بلا لحاظ الواقع وثبوتها له واقعا وعدم ثبوتها له ، بل لحاظ ثبوت النسبة واقعا للموضوع يوجب صدق الضرورة في جميع القضايا ، لأن القضية بشرط المحمول تكون ضرورية لا محالة. وما ذكره صاحب الفصول انما هو من باب الضرورة بشرط المحمول ، وهو أجنبي عن موضوع الكلام ، كما عرفت (١).

ثم ان صاحب الكفاية قدس‌سره قد استشكل الشق الأول من استدلال المحقق الشريف ـ أعني لزوم دخول العرض العام في الفصل ـ : بان الناطق ونحوه مما يعد فصلا ليس فصلا في الحقيقة ، فان معرفة الفصل الحقيقي تكاد تخفي على كل أحد ، كما قرر ذلك ، ولا يعرفها سوى علام الغيوب ، وانما هو ونظائره من الآثار واللوازم الخاصة للفصل الحقيقي فتعرف بها الذات. وعليه ، فأخذ مفهوم الذات أو الشيء في مفهومه لا يستلزم سوى دخول العرض العام في الخاصة ولا محذور فيه ، إذ لا يلزم منه دخول العرضي في الذاتي (٢). ولم يناقش قدس‌سره في الشق الثاني من الدليل ، ولكن المناقشة في الشق الأول كافية في إبطال الدليل ، إذ يمكن اختياره دون الشق الثاني.

ولكنه رحمه‌الله ذكر بعد كل هذا دليلا آخر على البساطة ونفى التركيب ، وهو : عدم تكرار الموصوف في مثل : « زيد كاتب » فان : « كاتب » لو كان مركبا من الذات والنسبة والمبدأ لزم تعدد الموصوف مع أنه واحد ضرورة (٣).

والّذي يتحصل : ان الدليل على نفي التركيب بأخذ الذات في مفهوم المشتق عند صاحب الكفاية انما هو عدم تعدد الموصوف وتكراره.

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٥٣ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٢) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٥٢ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٣) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٥٤ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٣٥٦

ولكن هناك قولا آخر في التركيب لا يرجع إلى أخذ الذات في مفهوم المشتق ، بل إلى أخذ خصوص النسبة ، فمفهوم المشتق مركب من النسبة والمبدأ.

وقد أورد على هذا : بوجود موارد يصدق فيها المشتق بلا لحاظ النسبة فيها ، فانه يقال للبياض : انه أبيض ، قبل ملاحظة انه من الاعراض المتقومة بالغير أو المتقومة بذاتها ، بل بملاحظته ذاته. ومن هنا ادعي : أن مفهوم المشتق بسيط وان مفهومه نفس المبدأ ، فمفهوم قائم عين القيام وأبيض عين البياض ، إلا انهما يختلفان اعتبارا ولحاظا ، فقد لوحظ المبدأ في المصدر بما انه موجود مغاير للذات ومباين لها ، ولذلك لم يحمل عليها ، ولوحظ في المشتق بما انه من أحوال الذات وأطوارها وعوارضها ، فصار له مع الذات نحو اتحاد فصح حمله عليها.

وبالجملة : لا فرق بين قائم والقيام ونحوها إلا بالاعتبار ، فانهما بحسب المعنى متحدان ، واختلافهما اعتباري وهو الّذي أوجب صحة حمل أحدهما على الذات دون الآخر ، فان المصدر ملحوظ بشرط لا والمشتق ملحوظ لا بشرط الحمل.

وأورد عليه صاحب الفصول : بان ذات المعنى إذا كانت مغايرة للذات وجودا ومفهوما ومباينة لها لم يفد لحاظها من عوارض الذات وأوصافه وأطواره في تصحيح حمله عليها بالحمل الشائع ، إذ هذا اللحاظ لا يرفع المغايرة الذاتيّة بين الوجودين ولا يوجب وحدتهما في الوجود ، وهذا يدل على ان للمشتق سنخ معنى غير المبدأ متحد مع الذات في نفسه دون المصدر ، كما لا يخفى (١).

وقد حمل صاحب الكفاية كلام أهل المعقول ودعواهم بان المشتق مأخوذ لا بشرط والمصدر مأخوذ بشرط لا ، على تغاير مفهوميهما سنخا ، وان مفهوم

__________________

(١) الطهراني الحائري الشيخ محمد حسين. الفصول الغروية ـ ٦٢ ـ الطبعة الأولى.

٣٥٧

المشتق سنخ مفهوم لا يأبى الحمل على الذات ولا بشرط من حيث الحمل دون مفهوم المصدر ، فان مفهومه بنحو يأبى الحمل على الذات وبشرط لا (١).

ولكن استشكل المحقق الأصفهاني رحمه‌الله : بان من يلاحظ كلام أهل المعقول يجده صريحا في دعوى وحدة مفهوم المشتق ومبدئه ، وان الاختلاف بينهما باللابشرطية وبالشرطلائية ، اعتباري لا غير (٢).

وعليه ، فلا يتصور لدعوى البساطة بهذا المعنى وجه قريب.

وقد ذهب المحقق الأصفهاني رحمه‌الله إلى بساطة مفهوم المشتق بمعنى آخر وتصوير غير هذا التصوير (٣). ومحصل دعواه : ان الموضوع له المشتق سنخ معنى مبهم.

التنبيه الثاني : في ملاك الحمل.

وهو الاتحاد من جهة والتغاير من جهة ، وذلك لأن مقتضى الحمل هو الهوهوية بين شيئين وبيان ان المحمول هو الموضوع ، فمع التغاير من جميع الجهات لا يصح فرض كون المحمول هو الموضوع ، كما انه مع الاتحاد من جميع الجهات يمتنع الحمل لتقومه بفرض شيئين يكون أحدهما هو الآخر ، ومع الاتحاد عن جميع الجهات لا تعدد أصلا فلا محمول وموضوع. ثم ان الاتحاد المفروض في ملاك الحمل ان كان هو الاتحاد مفهوما وحقيقة سمّي الحمل بالأولي الذاتي ، وان كان هو الاتحاد في الوجود مع التغاير في المفهوم سمّي بالحمل الشائع الصناعي ، ـ كما أشرنا إليه فيما سبق ـ.

هذا تمام الكلام في ملاك الحمل.

وقد أشار المحقق صاحب الكفاية إلى ما جاء في الفصول من : لزوم

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٥٥ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٢) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ١ ـ ٩٥ ـ الطبعة الأولى.

(٣) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ١ ـ ٩٢ ـ الطبعة الأولى.

٣٥٨

ملاحظة التركيب بين المتغايرين بملاحظتهما شيئا واحدا وحمل أحدهما على الآخر (١).

وأورد عليه :

أولا : بان هذه الملاحظة توجب عدم صحة الحمل لاستلزامها مغايرة المحمول للموضوع في الكلية والجزئية ، إذ الكل والجزء متغايران ، فإذا لوحظ المجموع امرا واحدا كان كلا ، فحمل أحدهما عليه حمل الجزء على الكل وهو ممتنع للمغايرة بينهما.

وثانيا : انه من الواضح انه لا يلحظ في الموضوع والمحمول الا ذاتهما ومعناهما بلا لحاظ شيء آخر معه في جميع القضايا وموارد الحمل (٢).

وقد استشكل كلام المحقق الخراسانيّ من جهتين :

الأولى : لفظية ، وهي تعبيره بـ : « لا يعتبر » ، لأن صاحب الفصول لم يفرض اعتبار ذلك في ملاك الحمل ، بل صحح به حمل أحد المتغايرين وجودا على الآخر ، فكان الأصح التعبير بـ : « لا يكفى ».

الثانية : فيما أورده أولا ، فان صاحب الفصول لم يفرض حمل أحدهما على المجموع كي يدعى تغاير الكل مع الجزء ، بل فرض حمل أحدهما على الآخر ، وان هذا اللحاظ يوجب بينهما نوع اتحاد ، كما لو قال : « زيد وعمرو واحد » ، فان حمل أحدهما على الآخر بهذا اللحاظ يؤدي معنى زيد وعمر وواحد كما لا يخفى.

فالأولى ـ كما قيل ـ الإيراد عليه : بان صحة الحمل تابعة لتحقق ملاكه وهو الاتحاد ، وطبيعي أن الحمل بذلك تابع لظرف ملاكه ، فإذا كان الاتحاد خارجيا صح الحمل في الخارج ، وإذا كانت الوحدة لحاظية لا خارجية كان ظرف الحمل

__________________

(١) الطهراني الحائري الشيخ محمد حسين. الفصول الغروية ـ ٦٢ ـ الطبعة الأولى.

(٢) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٥٦ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٣٥٩

وان هذا ذاك في اللحاظ والذهن لا الخارج ، إذ لا وحدة بينهما خارجا كي يقال ان هذا ذاك خارجا. فملاحظة المجموع واحدا لا تصحح الحمل في الخارج مع المغايرة ، وانما تصحح الحمل في ظرف الوحدة المفروضة وهو الذهن واللحاظ ولا فائدة فيه. فتدبر.

وعلى كل فلا يحتاج المقام إلى زيادة تحقيق لعدم ترتب الأثر عليه.

التنبيه الثالث : في حمل صفات الباري كالعالم والقادر وصدقها على ذاته المقدسة.

فقد يستشكل صحته من جهتين :

الجهة الأولى : ان الحمل لا بد فيه من تغاير المحمول والموضوع. والمفروض ان صفاته جل اسمه عين ذاته فلا تغاير بينهما.

الجهة الثانية : ان المشتق يعتبر في صدقه تلبس الذات بالمبدإ وانتسابه إليها ، لاشتماله على النسبة بناء على التركيب كما هو واضح ، وعلى جهتها بناء على البساطة ، إذ عليه يلحظ كون المبدأ بنحو من أطوار الذات وصفاتها ، وهذا يتقوم بفرض النسبة في صدقه وان كانت خارجة عن ذاته.

وبالجملة : فالمشتق انما يصدق في مورد تتحقق فيه النسبة بين المبدأ والذات ، وظاهران النسبة تقتضي التغاير والاثنينية كما لا يخفى ، فلا تحقق لها بين صفات الباري وذاته ، لكون المفروض انها عين ذاته ، ولا تغاير بينهما خارجا.

ولأجل ذلك التزم في الفصول بالتجوز أو النقل في صفات الله جل شأنه. لكون استعمالها في معناها غير ممكن (١).

وقد تصدى صاحب الكفاية قدس‌سره لدفع الإشكال من جهتيه وعقد لكل منهما تنبيها على حدة ..

__________________

(١) الطهراني الحائري الشيخ محمد حسين. الفصول الغروية ـ ٦١ ـ الطبعة الأولى.

٣٦٠