منتقى الأصول - ج ١

السيد عبد الصاحب الحكيم

منتقى الأصول - ج ١

المؤلف:

السيد عبد الصاحب الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٨

فيجتمع فيه اللحاظان في آن واحد. وقد ذكر المحقق الأصفهاني وجها لإبطاله ، لا نطيل البحث بذكره ، بعد وضوح بطلان الوجه (١).

الثاني : ان يحمل ما ورد من الروايات في هذا المقام على الحث على قصد المعنى مقارنا للقراءة لا قصده بها ، فتطلب الهداية مقارنا لقراءة : ( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) (٢) ، لا انها تطلب بها (٣).

وهذا الوجه وان كان يتخلص به عن المحذور المذكور ، إلاّ انه في الحقيقة التزام به والتخلص بتأويل ، كما لا يخفى.

الثالث : ما ذكره المحقق الأصفهاني قدس‌سره في حاشيته على الكفاية ، وإليك نصّ عبارته : « ويمكن ان يجاب أيضا : بان القراءة ليست الحكاية عن الألفاظ بالألفاظ واستعمالها فيها ، بل ذكر ما يماثل كلام الغير من حيث انه يماثله في قبال ذكره من تلقاء نفسه ، وهذا المعنى غير مشروط بعدم إنشاء المعنى به حتى يلزم الجمع بين اللحاظ الاستقلالي والآلي فيما يماثل كلام الغير من حيث انه يماثله بقصد المعنى ، فان من مدح محبوبه بقصيدة بعض الشعراء ، فقد قرأ قصيدته ومدح محبوبه بها ، نعم لو لم يلتفت إلى ذلك ومدحه بها أنشأ من تلقاء نفسه لم يصدق القراءة وان كان مماثلا لما أنشأه الغير. فتدبر جيدا » (٤).

والتحقيق في المقام ان يقال : ان القراءة إيجاد طبيعي المقرو بفرده مع قصد ذلك.

بيان ذلك : ان الشعر عبارة عن تصوير المواد اللفظية بصورة خاصة ، فانه هو عمل الشاعر. اما نفس المواد فهي موجودة في نفسها ولا يوجدها الشاعر ، والصورة التي يحدثها الشاعر للمواد اللفظية عارضة على طبيعي الألفاظ في

__________________

(١) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ١ ـ ٦٨ ـ الطبعة الأولى.

(٢) سورة الحمد : الآية : ٦.

(٣) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ١ ـ ٦٨ ـ الطبعة الأولى.

(٤) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ١ ـ ٦٨ ـ الطبعة الأولى.

٣٢١

ذهنه ، ثم بعد ان ينظمها بالنظم الخاصّ في ذهنه يلقيها خارجا بتلك الصورة ، فالموجود خارجا فرد من افراد الشعر لا نفس الشعر ، وانما الشعر موجود في الذهن فانه الصورة الخاصة والكيفية المعينة لطبيعي الألفاظ. وعليه ، فإذا جاء المتكلم بتلك الألفاظ بصورتها الخاصة ، فقد أوجد الشعر بوجود فرد من افراده ، فيقال : انه قرأ الشعر بهذا الاعتبار. نعم شرطه ان يقصد إيجاد الشعر بفرده ، فإذا لم يقصد ذلك بل قصد إلقاء هذا الكلام على أنّه منه لم يعدّ عرفا قارئا للشعر ، بل يعدّ سارقا لشعر غيره.

والقرآن كالشعر ، فانه الألفاظ المعينة المصورة بصورة خاصة ، وتلك الصورة واردة على طبيعي اللفظ أو متحققة في نفس الوحي أو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما يلقيه خارجا من الكلام القرآني يعد فردا من افراد القرآن ، ولذلك يقال : انه قرآن لوجوده به ، فقراءة القرآن عبارة عن إيجاد طبيعي القرآن بفرده بهذا اللحاظ ، فيقال للقارئ انه قرأ القرآن لأنه قرأ ما يعبر عنه بالقرآن لكونه وجودا له لأنه فرده. وعليه ، فليست القراءة من استعمال اللفظ في اللفظ وحكايته عنه فلا يمتنع قصد المعنى معها.

واما ما ذكره المحقق الأصفهاني ، فهو انما يتجه لو أريد من القرآن أو الشعر نفس الكلام الملقى خارجا فيكون الفرد الآخر من المماثل له ، ومعه لا نسلم صدق القراءة على إيجاد المماثل بعنوان انه مماثل فقط ، إذ إيجاد المماثل لا يعد عرفا إيجاد المماثلة كي يقال انه قرأ الشعر أو القرآن ، بل يقال انه أوجد ما يماثل شعر فلان أو ما يماثل القرآن. نعم انّما يكون إيجادا له ويعد عرفا كذلك لو قصد الحكاية عنه والكشف بالمماثل ، ولكنه بذلك يعود المحذور.

وبالجملة : فما ذكره المحقق الأصفهاني لا يمكننا التسليم به بسهولة ، إذ قراءة الشعر انما تكون بأحد نحوين : اما إيجاد اللفظ بقصد الحكاية عن الشعر ، فيقال انه قرأ الشعر. واما إيجاد فرد للشعر ، فيقال عن الموجد انه شعر فلان وعلى

٣٢٢

قراءته انها قراءة شعره ، وهو ما حققناه وهو لا يتجه إلاّ بفرض الشعر ونحوه كليا يوجد بهذه الافراد. اما صدق قراءة الشعر بدون أحد هذين النحوين ، بل بإيجاد فرد مماثل بعنوان المماثلة فهو ممنوع ، بل لا يصدق سوى إيجاد فرد مماثل للشعر وقراءته لا انه الشعر.

ونتيجة ما ذكرناه : انه لا مانع من قصد المعنى مع صدق القراءة في الصلاة ولا وجه للإشكال فيه.

٣٢٣
٣٢٤

المشتقّ

٣٢٥
٣٢٦

المشتق

لا إشكال في ان المشتق كـ : « العالم » حقيقة في المتلبس فعلا ومجاز في من يتلبس في المستقبل. وانما الإشكال في انه في المتلبس في الماضي بنحو الحقيقة أو المجاز ، والنزاع انما يقع في ان مفهوم المشتق والموضوع له اللفظ هو خصوص المتلبس ، أو الأعم منه وممن انقضى عنه التلبس ، لا في مرحلة الصدق والحمل مع غض النّظر عن الجزم بمفهومه واسعا أو ضيقا بان يكون في ان صدق المشتق على المنقضي هل هو بنحو الحقيقة أو المجاز؟. إذ لا مجال للنزاع في ذلك بعد معرفة مفهومه والموضوع له ، فان المفهوم ان كان واسعا ، بمعنى انه كان الأعم من المنقضي والمتلبس كان صدقه على المنقضي عنه التلبس حقيقة بلا إشكال.

وان كان ضيقا كان صدقه عليه مجازا بلا ريب.

ولكن المحقق الشيخ هادي الطهراني حاول ان يجعل النزاع في هذه المرحلة جاريا لا في مرحلة المفهوم. بتقريب : ان وجه النزاع في الحمل مع عدم الاختلاف في المفهوم هو ان الّذي يقول بعدم صحة الإطلاق على المنقضي عنه التلبس يرى ان سنخ الحمل في المشتقات كسنخه في الجوامد ، فلا يصح إطلاق لفظ المشتق على من زال عنه التلبس بالمبدإ ـ كما لا يصح إطلاق لفظ الماء على ما زالت عنه صورة المائية ـ باعتبار أن المشتق عنوان انتزاعي ، فصدقه تابع لمنشإ

٣٢٧

انتزاعه فبعد الانقضاء يرتفع منشأ الانتزاع فلا يتجه صدق المشتق. ومن يقول بصحة الإطلاق يرى وجود الفرق بين حمل الجوامد وحمل المشتقات ، فان الأول حمل هو هو فلا يصح لأن يقال للهواء انه ماء. والثاني حمل ذي هو وحمل انتساب فيكفي فيه مجرد حصول الانتساب ولو في آن ما فيصح إطلاق المشتق على المنقضي بهذا اللحاظ. بهذا التقريب وجّه جريان النزاع في مرحلة الصدق مع غض النّظر عن المفهوم وحقيقته (١).

وقد تحامل عليه المحقق الأصفهاني بما لم يعهد منه بالنسبة إلى علم من الاعلام كالمحقق الطهراني.

وحاصل الإشكال في كلامه : انه خلط بين حمل مبدأ الاشتقاق وبين حمل نفس المشتق ، فان حمل الأول حمل ذو هو ، إذ لا يصح حمل البياض على الجسم حمل مواطاة وحمل هو هو ، بل يحمل عليه بواسطة ذي ، فيقال : الجسم ذو بياض. بخلاف نفس المشتق فان حمله حمل هو هو المعبر عنه بحمل المواطاة ، إذ يمكن إثبات المشتق للذات وانه هو الذات فيقال : الجسم أبيض ، ولا يحتاج في حمله إلى واسطة فلا يقال الجسم ذو أبيض ، فليس حمل المشتق حملا ذا هو بل حملا هو هو ، فيكون كحمل الجوامد ، فلاحظ جيدا (٢).

وإذا اتضح موضوع النزاع وجهته وانه في سعة مفهوم المشتق وضيقه فلا بد من بيان أمور :

الأمر الأول : في بيان المراد من المشتق المأخوذ في موضوع المسألة.

والّذي يراد به كل وصف يحمل على الذات ويجري عليها بملاحظة اتصافها بمبدإ ما ، سواء كان مشتقا في الاصطلاح وهو ما كان له وضع لمادته

__________________

(١) الطهراني المحقق الشيخ هادي. محجة الأصول ـ الطبعة الأولى.

(٢) الأصفهاني المحقق محمد حسين. نهاية الدراية ١ ـ ٦٩ ـ الطبعة الأولى.

٣٢٨

ووضع لهيئته كالعالم والقائم ونحوهما. أو كان جامدا بحسب الاصطلاح وهو ما كان له وضع واحد بمادته وهيئته كالزوج والحرّ وغيرهما. اما ما لا يجري على الذات من الأوصاف وغيرها فلا يدخل في محل النزاع وان كان مشتقا بحسب الاصطلاح كالمصدر والفعل بأقسامه ، إذ لا يصح حملها على الذات فلا يتجه النزاع في صدقها على المنقضي عنه التلبس أو عموم مفهومها للمتلبس كما هو واضح.

وبذلك يتبين كون النسبة بين المشتق في مورد النزاع والمشتق بحسب الاصطلاح هي العموم من وجه ، إذ يفترق الأول عن الثاني في الجوامد بحسب الاصطلاح ، ويفترق الثاني عن الأول في بعض المشتقات الاصطلاحية كالمصدر.

والوجه في تعميم النزاع في المشتق فيما نحن فيه لكل ما يجري على الذات بملاحظة اتصافها بمبدإ ما ولو كان جامدا هو عموم الملاك لجميع الأقسام ، مضافا إلى ما جاء في كلمات الأصحاب مما يظهر منه تعميم النزاع ، كما ورد في الإيضاح لفخر المحققين (١) ، والمسالك للشهيد (٢) من ابتناء حرمة الزوجة الكبيرة الثانية للصغيرة على مسألة المشتق فيما لو كان له زوجتان كبيرتان وزوجة صغيرة فأرضعت إحدى الكبيرتين الصغيرة ، فانه تحرم عليه بذلك الكبيرة والصغيرة ، لصيرورة الكبيرة بالإرضاع أم الزوجة والصغيرة بنت الزوجة ، ثم أرضعت الثانية الصغيرة ، فان حرمتها تبتني على ان يكون المشتق حقيقة في المنقضي ، إذ يصدق على الكبيرة الثانية أنها أم زوجته فعلا ، ومع عدم كونه حقيقة في المنقضي لا تحرم الكبيرة لعدم صدق أم الزوجة عليها فعلا.

ونحن لسنا في مقام تحقيق صحة ترتيب هذه الثمرة بلحاظ المقام وعدمها

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ ـ ٥٢ ، أحكام الرضاع.

(٢) مسالك ١ ـ ٣٧٩ ، كتاب النكاح.

٣٢٩

إذ لا يهمنا ذلك وهو موكول إلى بحث الرضاع بل كان المهم بيان جريان النزاع في الجوامد وسريانه إليها ، إذ عنوان الزوج والزوجة منها كما هو واضح.

نعم لا بد من بيان شيء ، وهو ما ذكره المحقق الأصفهاني (١) من ابتناء حرمة الكبيرة الأولى على مسألة المشتق وعدم اختصاص حرمة الثانية بذلك. ببيان : ان التي تحرم هي أم الزوجة وبنتها ، وأمومة المرضعة وبنية المرتضعة متضايفتان ، فانه لا يعقل صدق إحداهما بدون صدق الأخرى ، كما ان بنتية المرتضعة للزوجة وزوجيتها متضادتان شرعا ولا يمكن اجتماعهما. وعليه ففي مرتبة حصول أمومة المرضعة تحصل بنتية المرتضعة للتضايف ، وفي تلك المرتبة تزول الزوجية لتضادها. وعليه ، فالمرضعة لا تكون أم الزوجة فعلا لزوال الزوجية في مرتبة حصول الأمومة ، فتبتني الحرمة على تحقيق ان المشتق حقيقة في المنقضي عنه التلبس فيصدق على الكبيرة انها أم الزوجة ، وإلاّ فلا يصدق عليها هذا العنوان فلا تحرم بذلك فتدبر (٢).

__________________

(١) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ١ ـ ٧٠ ـ الطبعة الأولى.

(٢) وتحقيق مسألة الرضاع بالنسبة إلى المرضعة الأولى : انه ..

ان كان المقصود من بنت الزوجة وأم الزوجة هي بنت الزوجة فعلا وأمها فعلا ، كان كل من الدليلين رافعا لموضوع الآخر ، لأن تحريم بنت الزوجة يرفع صدق أم الزوجة على المرضعة ، وتحريم أم الزوجة يرفع صدق بنت الزوجة على المرتضعة ، فيكون المورد من موارد التوارد والتحاكم ، وفي مثله يسقط الدليلان عن الاعتبار.

وان كان المقصود من بنت الزوجة بنت من كانت زوجة ، كان دليل تحريم البنت رافعا لموضوع تحريم الأم ولا عكس. فيعمل بأحدهما دون الآخر.

كما انه لو بني على ان المشتق حقيقة في الأعم لم يكن كل من الدليلين رافعا لموضوع الآخر ، فيعملان معا وتحرمان معا.

هذا تحقيق المسألة. واما ما سلكه المحقق الأصفهانيّ ، فهو أشبه بالمصادرة ونفس الدعوى ، إذ كان عليه ان يبين السر في تحريم بنت الزوجة دون أمها ، وقد أخذ تحريم بنت الزوجة مفروغا عنه. مضافا إلى انه عبر بوحدة الرتبة بين البنتية وعدم الزوجية ، مع ان عدم الزوجية حكم لبنت الزوجة ، فهو متأخر عنه.

٣٣٠

ثم انه لا يدخل في موضوع النزاع ما كان من الجوامد منتزعا عن نفس الذات كالإنسان والحجر والشجر ، فانها تنتزع عن مرحلة تحصل الأجناس بفصولها وهي مرحلة الذات والتقرّر. والوجه في عدم شمول النزاع لها هو : انه بانعدام منشأ انتزاعها لا تبقى الذات كي يقع الكلام في صدق المشتق عليها أو كون المشتق حقيقة فيها أولا؟ إذ مع عدم بقاء الذات في صورة زوال التلبس يكون النزاع عديم الأثر والثمرة ، بل لا معنى له إذا كان في الصدق لا في المفهوم.

وبذلك يتضح ان موضوع النزاع ما كان من الأوصاف جاريا على الذات ولم يكن منتزعا عن نفس الذات بحيث يكون ارتفاع منشأ الانتزاع مساوقا لارتفاع الذات ، لأن النزاع في كون المشتق حقيقة في الذات المنقضي عنها التلبس أو في صدقه عليها ، ولازم ذلك فرض بقاء الذات بعد زوال التلبس في موضوع الكلام. فلاحظ.

ومن هذه الجهة قد يشكل وقوع النزاع في أسماء الزمان باعتبار ان الزمان ينقضي ويتصرم ولا استقرار له. وعليه فلا يتصور فيه وجود ذات انقضى عنها التلبس كي يقال ان اسم الزمان حقيقة فيها أولا ، فالذات غير محفوظة في كلتا الحالتين.

وقد أجاب عنه في الكفاية بوجهين :

الأول : ـ حلّي ـ وهو ان النزاع في مفهوم المشتق والموضوع له اللفظ وانه هو خصوص المتلبس أو الأعم ، وذلك لا يرتبط بتحقق مصداقي العام خارجا وعدم تحققه ، إذ البحث في المفهوم لا ينظر فيه إلى المصاديق فلا يكون عدم تحقق المصداق وانحصاره في فرد موجبا لنفي صحة النزاع في المفهوم من جهة سعته وضيقه.

الثاني : النقض بلفظ الواجب ، فانه موضوع للمفهوم العام مع انحصاره

٣٣١

في ذات الباري جل اسمه ، وبوقوع النزاع في الموضوع له لفظ : ( اللهِ ) وانه هل هو مفهوم واجب الوجود أو انه علم للذات المقدسة؟ ، مع انحصاره خارجا بالذات المقدسة (١).

والتحقيق ان يقال : ان صيغة : « مفعل » ، كمقتل ومضرب ومرمى ونحوها ، اما ان يلتزم بأنه موضوع بوضعين أحدهما للزمان والآخر للمكان. أو يلتزم بوضعها لمعنى واحد جامع بين الزمان والمكان ، وهو وعاء المبدأ وظرفه سواء كان زمانا أو مكانا. فمقتل موضوع لوعاء القتل سواء كان زمانا أو مكانا لا انه موضوع بوضع مستقل لزمان القتل وبوضع آخر لمكان القتل.

فعلى الأول : لا يتجه النزاع في اسم الزمان للغويته وعدم ترتب الأثر عليه ، لعدم مصداق مورد الأثر ، وهو الذات المنقضي عنها التلبس.

وعلى الثاني : يتجه النزاع ، إذ يكفي في صحته ترتب الثمرة بالنسبة إلى بعض المصاديق التي ينطبق عليها العنوان وهو المكان وان لم تكن هناك ثمرة بالنسبة إلى الزمان ، إذ الوضع واحد فيبحث عن سعة دائرة الموضوع له وضيقه لترتب الثمرة على ذلك ولو في بعض الموارد والمصاديق. فانه كاف في تصحيح وقوع النزاع.

ومن هنا يظهر الفرق بين اسم الزمان والوصف الجامد المنتزع عن الذات. إذ الوصف الجامد موضوع لخصوص الذات لفرض كونه جامدا فلا يتجه البحث عن خصوصية الموضوع له فيه بعد ان لم يكن للذات بقاء مع زوال المبدأ ومنشأ الانتزاع. بخلاف اسم الزمان على المبنى الثاني ، فانه لم يوضع لخصوص الزمان كي يكون البحث فيه لغوا كما هو مقتضى المبنى الثاني ، بل وضع للأعم من الزمان والمكان فيمكن وقوع البحث عنه ولو بلحاظ ترتب الثمرة في المكان.

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٤٠ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٣٣٢

وبالجملة : البحث في النتيجة لا يكون عن الموضوع له اسم الزمان ، بل عن الموضوع له صيغة : « مفعل » التي تعم الزمان والمكان والأثر يترتب عليه بالنسبة إلى المكان.

ومما ذكرنا يظهر : ما فيما قرره المحقق النائيني من خروج الأوصاف المشتقة المنتزعة عن مقام الذات كالممكن والواجب ، إذ زوال المبدأ وهو الإمكان يساوق زوال نفس الذات ، إذ لا يعقل بقاء الذات وزوال صفة الإمكان عنها بعد ان كانت ثابتة لها. وعليه ، فلا يتصور وجود الذات التي يزول عنها المبدأ كي يقال ان المشتق حقيقة فيها أولا؟ أو انه يصدق عليها حقيقة أولا؟ (١).

فانه قد اتضح وهن ذلك مما بيناه ، إذ البحث لا يقع في وضع كل فرد من افراد المشتق كالممكن والعالم والقائم وهكذا كي يلحظ ترتب الأثر ومعقولية النزاع في كل فرد ، إذ الهيئة موضوعة بالوضع النوعيّ كهيئة : « فاعل » لاسم الفاعل ونحوها ، ولم توضع في كل فرد فرد. فالمبحوث عنه وضع كل هيئة والنزاع واقع فيها ، ويكفي ترتب الأثر في بعض المصاديق وان لم يترتب في البعض الآخر.

وبالجملة : المطلوب ترتب الأثر على النزاع في الموضوع له ولو بلحاظ بعض الافراد ، فالبحث لا يقع في ان لفظ الممكن موضوع لخصوص المتلبس أو للأعم كي يقال انه عديم الأثر ، بل يقع في ان اسم الفاعل من المشتقات موضوع لخصوص المتلبس أو للأعم ، فيعم عنوان الممكن وغيره من العناوين. ويترتب عليه الأثر المرغوب في بعض مصاديقه ، فتدبر (٢).

_________________

(١) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ١ ـ ٥٣ ـ الطبعة الأولى.

(٢) بالنسبة إلى اسم الزمان : تحرير الإشكال كما في الكفاية غير وجيه. والعمدة في الإشكال هو : عدم تصور الجامع بين حالتي الحدوث والبقاء في الزمان ، إذ بعد فرض التصرم والانعدام فيه لا يمكن تصور البقاء له.

وبهذا الإشكال لا يرتبط جواب الكفاية.

ويمكن حل هذا الإشكال بما نسب إلى الشيخ هادي الطهراني من : تصور البقاء للزمان بملاحظة ـ

٣٣٣

الأمر الثاني : في بيان خروج الأفعال والمصادر المزيد فيها عن موضوع النزاع.

وذلك لما قد عرفت من ان المراد بالمشتق المأخوذ موضوعا للكلام هو الوصف الجاري على الذات والّذي يصح حمله عليها ، دون ما لا يصح ، ولما كان المصدر ـ المجرد والمزيد ـ لا يدل إلا على نفس الحدث والمبدأ مع نسبة الحدث إلى ذات ما ـ وهو الفرق بينه وبين اسم المصدر ، فانه لا يدل إلاّ على نفس الحدث بلا جهة انتسابه كالغسل والغسل ومثل : « زدن » و « كتك » في الفارسية ، فان الأولى تدل على الحدث مع النسبة كالضرب ، دون الثانية فانها اسم لنفس الحدث بلا دخول النسبة في معناه ـ لم يصح حمله على الذات وجريه عليها لتغاير وجود الذات والمبدأ ، كما انهما متغايران مفهوما ، فلا يصح ان يقال : « زيد ضرب أو أكل » كما لا يخفى.

واما الأفعال ، فهي كالمصادر لا تجري على الذات ، لأنها لا تدل الا على نسبة المبدأ إلى الذات وقيامه بها ، ومعه لا يصح حملها على الذات وجريها عليها للتغاير بين وجود الذات والنسبة وعدم الاتحاد بينهما بوجه ما ، فلا يصح ان يقال : « زيد ضرب » من باب الحمل بمفاد ان زيد هو ضرب وضرب هو زيد ، وان صح

__________________

ـ الاجزاء شيئا واحدا مستمرا بحيث يصدق الحدوث بحلول أول جزء. كالنهار والشهر والسنة وغير ذلك.

وعلى هذا الأساس يبتني استصحاب الزمان وغيره من الأمور التدريجية. إذن فيتصور انقضاء التلبس مع بقاء الذات.

وبهذا الجواب يندفع إشكال اللغوية ، إذ يتصور للزمان بقاء فيبحث عن صدق المشتق عليه.

نعم على ما جرى عليه القوم يرد إشكال اللغوية ولا حلّ له إلا ما في المتن من ان اسم الزمان لم يوضع للزمان خاصة ، بل للأعم من الزمان والمكان فراجع.

ثم ان ما أفاده المحقق النائيني في حل الإشكال ، وان كان مجملا وقد أورد عليه في التعليقة ـ راجع أجود التقريرات ١ ـ ٥٦ ـ ، لكن يمكن إرجاعه إلى ما أفاده الطهراني ، وان مراده بالكلي والشخص هو ملاحظة الزمان بكل آن آن منه ، أو ملاحظة امرا واحدا مستمرا يحصل بأول جزء منه ، بحيث تكون نسبته إلى كل جزء نسبة الكلي إلى جزئياته لا نسبة المركب إلى اجزائه.

٣٣٤

ذلك من باب الإسناد والنسبة ، بمعنى نسبة الضرب إلى زيد ، فلاحظ.

وحيث تعرضنا إلى الفعل في كلامنا ، فلا بأس في تحقيق الكلام في معناه ومعرفة مقدار صحة ما اشتهر من دلالته على الزمان ، فقد بحث في ذلك الأعلام في هذا المقام وليس له مقام آخر. فنكون بذلك قد عرفنا معنى الحرف والفعل ويبقى الاسم الّذي هو محل البحث فسيأتي تحقيق معناه ، فان مسألة المشتق معقودة لذلك.

فنقول : انه قد اشتهر في ألسنة النحاة وغيرهم دلالة الفعل على الزمان ، بل أخذت الدلالة على الزمان في مفهومه كما لا يخفى ذلك على من لاحظ تعريفاتهم للفعل.

وقد استشكل في ذلك ـ كما جاء في الكفاية ـ ومنعت دلالة الفعل على الزمان بتقريب : ان مفهوم الزمان مفهوم اسمي فيمتنع ان يكون مدلولا للهيئة فانها من الحروف ، ويلزم ان يكون لها معنيان حرفي وهو النسبة واسمي وهو الزمان وهو واضح المنع.

وأجيب عن ذلك : بأنه لم يؤخذ في مفهوم الفعل مفهوم الزمان ، وانما مدلوله هو الحصة الخاصة من الحدث ، وهي الملازمة للزمان مع النسبة ، فالمدلول ليس هو مطلق الحدث بل الحدث المقيد بالزمان الخاصّ.

وقد قرب صاحب الكفاية عدم دلالة الفعل بأقسامه على الزمان ببيان : ان فعل الأمر لا يدل إلا على طلب الفعل أو تركه من دون دلالة له على الزمان الحال أو المستقبل ، إذ مادته تدل على الفعل والهيئة تدل على إنشاء الطلب ، فليس فيه ما يوجب الدلالة على الزمان ، نعم الإنشاء يكون في الحال ولكنه أجنبي عن الدلالة على الحال ، إذ هو من باب انه فعل صادر من زماني فيقع قهرا في الزمان كسائر الأفعال ، مثل الاخبار بالماضي.

واما فعل الماضي والمضارع ، فلا يمكن الالتزام بدلالته على الزمان ، إذ

٣٣٥

قد يسند إلى ما لا يقع في الزمان كنفس الزمان ، فيقال مضى الزمان ، فيقال مضى الزمان ، ويأتي ، وكالمجردات عن الزمان كالذات المقدسة ، فيقال : علم الله سبحانه ، فلو دل الفعل على الزمان لم يصح اسناده إلى مثل الزمان والمجردات إلا بالتصرف فيه بتجريده عن الخصوصية ، في حين انه لا يرى العرف في الاستعمال المذكور والإسناد أي تصرف ومسامحة.

وقد أيد صاحب الكفاية ما ذكره من نفي دلالة الفعل على الزمان : بأنه لا معنى لما يقال من ان المضارع للحال والاستقبال إذا أريد منه انه يدل على زمان يعمها ، إذ لا جامع بينهما. كما أيده بأنه قد يكون زمان الفعل الماضي مستقبلا وزمان المضارع ماضيا ، وانما يكون الأول ماضيا والثاني مستقبلا بالإضافة كما لو قيل : « يجيء زيد بعد أسبوع وقد ضرب قبله بيوم » ، و: « جاء زيد قبل سنة وهو يضرب بعده بيوم ». فلاحظ (١).

وبالجملة : ما ذكره صاحب الكفاية من نفي دلالة الفعل على الزمان مما لا إشكال فيه. فيتساءل حينئذ : بأنه إذا لم يكن الفعل دالا على الزمان وانما كان دالا على خصوص نسبة المبدأ إلى الذات ، فما هي جهة الفرق المحسوس بين الفعل الماضي والمضارع ، إذ من الواضح وجود الفرق بينهما وعدم صحة استعمال أحدهما مكان الآخر؟. وقد أجيب عن ذلك : بان لكل من الفعل الماضي والمضارع خصوصية بحسب معناه تختلف عنها في الآخر تلازم هذه الخصوصية الزمان الماضي في الفعل الماضي والحال أو الاستقبال في المضارع في ما يقبل الزمان من الفواعل كالزمانيات. وتلك الخصوصية هي جهة الفرق بين الفعلين (٢).

وقد وقع الكلام في الكشف عن هذه الخصوصية وبيان حقيقتها.

فقيل : انها تحقق الفعل في الماضي وترقبه في المضارع ، وتحقق الفعل من

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٤٠ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٢) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٤٠ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٣٣٦

الفاعل الزماني لا بد ان يكون في الزمان الماضي كما ان ترقبه منه يلازم صدوره منه فعلا أو بعد حين في الزمان المستقبل.

ولكنه يشكل ذلك : بان الفعل المضارع قد يستعمل في مورد لا يشتمل فيه على هذه الخصوصية بلا مسامحة ولا عناية ، مثل قول القائل : « إني أترقب أن يعلم زيد ، أو يأكل ، أو يسافر » ، فانه لا معنى لاشتمال الفعل في مثل المثال على خصوصية الترقب ، إذ يكون المعنى معه « إني أترقب ترقب علم زيد » وهو غير مقصود بلا كلام.

وقيل : ان الخصوصية ليست هي التحقق في الماضي والترقب في المضارع كي يرد هذا الإشكال ، بل هي النسبة التحققية في الماضي والنسبة الترقبية في المضارع ، بمعنى ان مدلول المضارع هو النسبة القابلة لورود الترقب عليها والتي من شأنها تعلق الترقب بها ، كما ان مدلول الماضي هو النسبة التحققية شأنا لا فعلا.

وأنت خبير : بان هذا ليس تفريقا وبيانا لجهة الفرق بل هو عين المدعى ، إذ المطلوب بيان الجهة الواقعية التي بها كانت النسبة المدلولة للفعل الماضي هي غير النسبة المدلولة للفعل المضارع والكشف عن حقيقة الخصوصية المفرقة ، وما ذكر لا يفي بذلك ، إذ هو لا يعدو كونه بيانا لأن مدلول الماضي والمضارع هو النسبة ولكنها مختلفة فيهما بخصوصية ما بلا بيان لتلك الخصوصية ، وظاهر ان هذا هو عين التساءل السابق الّذي صرنا في مقام الإجابة عنه. فلاحظ جيدا.

فالتحقيق ان يقال : ان الخصوصية التي يدل عليها الفعل الماضي الملازمة للزمان في الزمانيات هي السبق ، فهو يدل على سبق تحقق النسبة ، والخصوصية التي يدل عليها الفعل المضارع هي اللحوق ، فهو يدل على لحوق تحقق النسبة.

وتوضيح ذلك : ان السبق واللحوق لا يتقومان بالزمان كما قد يتوهم

٣٣٧

بلحاظ ان السبق ينتزع عن وجود الشيء قبل آخر وفي زمان سابق على زمان الآخر ، بل هما أمران انتزاعيان ينتزعان عن وجود الشيء في فرض عدم الآخر ، وذلك يلازم الزمان الماضي والمستقبل في الفاعل الزماني الّذي يحتاج في فعله إلى الزمان ولا يمكن ان يقع في غير الزمان ، فالشيئان إذا لوحظ أحدهما بالإضافة إلى الآخر ، فتارة : يكون أحدهما موجودا في فرض وجود الآخر ، وأخرى : لا يكون أحدهما موجودا في فرض وجود الآخر ، فعلى الأول ينتزع عنوان التقارن ، وعلى الثاني ينتزع عنوان السبق واللحوق ، فالشيء الموجود فعلا يكون سابقا والّذي يوجد بعد ان لم يكن في فرض وجود الآخر يكون لاحقا ، فالسبق واللحوق عنوانان انتزاعيان ولا يتقومان بالزمان ، بمعنى انهما يصدقان في المورد غير القابل للزمان كالزمان نفسه ، فيقال الزمان السابق واللاحق ، نعم هما يلازمان الزمان في الزماني الّذي يحتاج في وجوده إلى الزمان ، وعليه فالفعل كالقيام ـ مثلا ـ حيث انه قابل لأن يوجد في فرض عدم الآخر فيكون سابقا كما انه يوجد بعد ان وجد غيره فيكون لاحقا فيمكن ان يراد تفهيم الحصة الخاصة السابقة أو المقارنة للسبق ، كما انه يمكن ان يراد تفهيم الحصة المقارنة للحوق ، فوضع الماضي للأولى والمضارع للثانية ، فيكون دالا على الزمان بالالتزام فيما كان الفاعل زمانيا لملازمة السبق واللحوق للزمان في الزمانيات ، تأمل تعرف (١).

__________________

(١) الكلام في الفعل ودلالته على الزمان : ما أفاده في الكفاية. وما أفاده الأصفهانيّ من كونه مقيدا بالسبق واللحوق كما أشرنا إليه في المتن ـ والفرق بين دعوى صاحب الكفاية ودعوى الأصفهاني أو المشهور هو : ان مرجع دعوى الكفاية إلى اختلاف مدلول الماضي عن المضارع سنخا وحقيقتا ، كالاختلاف في مدلول : « من وإلى ». فمدلول الماضي أمر بسيط يختلف سنخا عن المضارع ، ونصطلح عليه بالتحقق والترقب اما مرجع دعوى المشهور أو الأصفهاني فهي إلى ان الاختلاف في القيد ، وإلا فذات المقيد واحدة وهي النسبة الصدورية ، أو التلبس لكنه مقيد بالسابق في الماضي وباللحوق في المضارع. فيكون السبق أو الزمان مدلولا ضمنيا للفعل. بخلافه على الأول ، فانه مدلول التزامي.

والصحيح هو ما أفاده في الكفاية لوجهين :

٣٣٨

الأمر الثالث : قد عرفت ان النزاع في وضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدإ أو الأعم منه وممن انقضى عنه المبدأ ، ودلالة الهيئة على خصوص المتلبس أو عليه وعلى المنقضي عنه التلبس.

فقد يتوهم اختصاص النزاع بما إذا كان المبدأ فعليا كالضرب والأكل ، دون ما كان حرفة أو ملكة ، كالصياغة والشعر ، لوضوح صدق الصائغ على من له حرفة الصياغة ولو لم يكن متلبسا بالصياغة فعلا ، فلا نزاع في ذلك.

ولكنه توهم فاسد فان اختلاف المبادئ لا يوجب اختصاص النزاع بمورد دون آخر ، بل هو يتأتى في الجميع ، لكن الفرق في التلبس وعدمه ، فان المبدأ إذا كان فعليا كان التلبس به بمباشرته فعلا ويصدق الانقضاء عند عدم مباشرته ، واما إذا كان حرفة فالتلبس به يصدق ما دام محترفا ولو لم يباشر الفعل ، إذ لا يعتبر فيه المباشرة ، ولا يصدق الانقضاء إلاّ إذا انقطع عن الاحتراف. فالنزاع يقع حينئذ في صدق المشتق على من انقضى عنه المبدأ بمعنى انقطع عن الاحتراف.

__________________

ـ الأول : ان أخذ التقيد بالسبق أو بالزمان في مدلول الفعل يستدعي لحاظ الطرفين تفصيلا ، سواء قلنا ان المعنى الحرفي عبارة عن الربط أو تضييق المفاهيم الاسمية ، ومن الواضح ان عند استعمال الفعل لا يلحظ السبق أو الزمان تفصيلا ، والمفروض أخذ أحدهما طرفا للتقيد والنسبة.

الثاني : ان اختلاف نسبة المضارع والماضي إذا كانت بالتقيد ، كان مقتضى ذلك جواز استعمال أحدهما موضع الآخر مجازا كما لا يخفى على من لاحظ الأمثلة العرفية ، مع بداهة غلطية قولنا : « يجيء زيد أمس » أو : « جاء زيد غدا » : فيكشف ذلك عن اختلاف مفهوميهما سنخا وحقيقة وهو ما التزمنا به.

واما ما ذكره في الكفاية مؤيدا من ان المشهور كون المضارع للحال والاستقبال مع امتناع الاشتراك اللفظي والمعنوي ، فيلازم كون المدلول خصوصية تلازم الزمانين. توضيحه : ان الفعل إنما يقع في واقع الزمان لا عنوانه. وعليه ، فقد يقال : بان الجامع بينهما موجود وهو غير الماضي أو نحوه ولا يخفى ان عنوان غير الماضي معرف إلى واقع الزمان وإلا فهو ليس ظرفا ، وليس هناك زمان واقعي يكون جامعا بينهما. وإنما ذكره مؤيدا لا دليلا ، ولأجل احتمال عدم إرادة الحال الدقي ، بل قيل انه غير متصور ، بل المراد بالحال هو الحال العرفي وهو مستقبل دقة ، فلا يكون للفعل إلا زمان الاستقبال فيندفع الإشكال.

٣٣٩

وبالجملة : فالنزاع جار في الجميع ، وانما الاختلاف في فعلية التلبس والانقضاء ، فانها تختلف بحسب اختلافها كما عرفت.

الأمر الرابع : في بيان المراد بالحال المأخوذ في عنوان المسألة.

وهذا الأمر عديم الأثر والجدوى بالمرّة ، إذ لم تحرر المسألة كما حررها صاحب الكفاية كي نحتاج إلى شرح المراد ، إذ تحرير المسألة بان مفهوم المشتق هل هو خصوص المتلبس بالمبدإ فعلا أو الأعم منه وممن انقضى عنه التلبس؟ لا يحتاج معه إلى تحرير هذا الأمر بل وجوده كعدمه.

ولكنه حيث كانت عبارة الكفاية لا تخلو عن غموض وصارت محط النقاش تعرضنا لشرح مراده فقط وتوضيح عبارة الكفاية لا غير.

وتوضيح ذلك : ان المراد بالحال ليس حال النطق ، بمعنى انه لا يعتبر في صدق المشتق حقيقة تلبس الذات بالمبدإ حال النطق ، إذ من المسلم ان قول القائل : « كان زيد ضاربا أمس ، أو سيكون ضاربا غدا » حقيقة إذا كان قد تلبس بالضرب أمس أو يتلبس به في الغد ، مع انه لا تلبس في حال النطق والتكلم.

وانما المراد بالحال حال التلبس وليس المقصود زمان التلبس كما استظهر ـ من عبارة الكفاية ـ المحقق النائيني قدس‌سره ، فأورد عليه : بأنه يلزم أخذ مفهوم الزمان في مفهوم الاسم ، وهو مما قام الإجماع على خلافه (١).

بل المقصود هو اتحاد الجري والإسناد والتلبس بحيث يكون الإسناد والجري في فرض فعلية التلبس ، فالمراد بالحال فعلية التلبس ، فيعتبر اتحادها مع الجري والإسناد.

وقد أيّد ما ذكره بالاتفاق الحاصل من أهل العربية القائم على عدم دلالة الاسم على الزمان ومنه المشتق ، فلو أريد من الحال حال النطق كان دالا على

__________________

(١) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ١ ـ ٥٧ ـ الطبعة الأولى.

٣٤٠