حقائق السقيفة في دراسة رواية أبي مخنف

جليل تاري

حقائق السقيفة في دراسة رواية أبي مخنف

المؤلف:

جليل تاري


المترجم: أحمد الفاضل
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-529-035-X
الصفحات: ١٧٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

الناحية الفكرية.

وستُحاك المؤمرات لتربك المجتمع الإسلامي ، وتثير الهرج ، وعندها سيتعرض أساس الإسلام والقرآن إلى الخطر. من هنا سيكون من المناسب أن يشعر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالقلق والخوف. ولم يكن وجود المنافقين إلى آخر لحظة من حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمراً يقبل الإنكار.

وهو ما يؤكده عمر أيضاً ، فهو الذي أنكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد التحاقة بالرفيق الأعلى ، كان يقول : إنّ رجالاً من المنافقين يزعمون أنّ رسول الله توفّي (١).

كما تذكر بعض النصوص التأريخية : أنّ الذين كانوا يعترضون على إمارة اُسامة لصغره كانوا من المنافقين (٢).

لقد كانت هذه الجماعة تنصب العداء للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته ، ولكنّ العجيب أنّها اختفت بعد وفاته خلال فترة الخلفاء الثلاثة ، ولم تعد تكوّن خطراً للحاكمين ، فهل تخلّت عن أفكاها وآمنت بالإسلام ، أو أنّ هناك مصالحةً حصلت ، أو أنّ الذين تقلّدوا الاُمور لم تكن لديهم مشكلة معها ؟

٣ ـ حقد البعض علىٰ عليٍّ عليه‌السلام :

لقد كانت بطولات عليٍّ في الحروب ومن قتلهم في المعارك

__________________

(١) أنساب الاشراف ٢ : ٧٤٢.

(٢) تاريخ الطبري ٣ : ١٨٤ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٥.

٦١

جعلت اُولئك الذين طالهم سيف عليٍّ عليه‌السلام يضمرون له العداوة ، رغم أنهم كانوا يعتبرون من المسلمين ، ولم ترق لهم خلافته. وليس من المعقول القول بأن هؤلاء قد صهرهم الإسلام في بوتقته وطووا ذكريات الماضي ، فهم لازالوا يعانون من رواسب الجاهلية ، وكمثال لذلك : عندما نزلت سورة المنافقين ، وفضح عبدالله بن اُبيّ ـ زعيم المنافقين ـ طلب ولده من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله السماح له بقتل أبيه قائلاً : إنّي أخشىٰ أن تأمر به غيري فيقتله ، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن اُبيّ يمشي فأقتله ، فأقتل مؤمناً بكافرٍ فأدخل النار (١).

وهنالك نماذج اُخرى ما زال العهد الإسلامي الأوّل يحتفظ بها ، ولكن فيما ذكرناه كفاية ، فهو يكشف بوضوحٍ كيف يكون ذلك الفرد على استعدادٍ لقتل أبيه ؟ ولكنه لا تطاوعه نفسه ليقوم الآخرون بقتله ، فهو يخشىٰ من أن يضمر لغيره العداوة.

وبذلك تتجلّىٰ حقيقة الحقد علىٰ عليٍّ عليه‌السلام في الصدور.

٤ ـ صغر سنِّ عليٍّ عليه‌السلام وأسس الجاهلية :

لم يكن البعض ـ نتيجةً لنمط تفكيرٍ جاهليٍّ ـ على استعدادٍ لطاعة شابٍّ صغير السنّ ، فإمارته ـ وكما يرون ـ عارٌ لا يطاق ، فعلى سبيل المثال يقول ابن عباس : إنّي لاُماشي عمر في سكةٍ من سكك

__________________

(١) تفسير الطبري ١٤ : ج ٢٨ ص ١٤٨ حديث ٢٦٤٨٢.

٦٢

المدينة يده في يدي ، فقال : يا ابن عباس ، ما أظنّ صاحبك إلاَّ مظلوماً ، فقلت في نفسي : والله لا يسبقني بها ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، فاردد عليه ظلامته ، فانتزع يده من يدي ، ثم مر يهمهم ساعة ، ثم وقف ! فلحقته ، فقال لي : يا ابن عباس ، ما أظنّ القوم منعهم من صاحبك إلاّ أنّهم استصغروه ! (١).

ومثال آخر : حينما أخذوا علياً إلى المسجد قسراً ليبايع أبا بكر ، وعندما رأى أبو عبيدة أنّ علياً لن يبايع التفت إليه قائلاً : إنّك حديث السنّ وهؤلاء مشيخة قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالاُمور ، ولا أرى أبا بكر إلاَّ أقوىٰ على هذا الأمر منك ، وأشدّ احتمالاً واضطلاعاً به ، فسلّم لأبي بكر هذا الأمر ، فإنّك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق ، وبه حقيق ، في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك (٢).

فرغم أهلية عليٍّ لهذا الأمر أو أفضليته على الجميع ، لم يكن بإمكانهم قبول إمارة الشابّ ، وهو ما يلاحظ في قضية جيش اُسامة ، فعندما اختار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اُسامة الشابّ لقيادة الجيش الذي يضمّ شيوخ القوم ، اعترض البعض ! فبلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك ، فغضب واعتلىٰ المنبر ليقول : « أمّا بعدُ أيها الناس ، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري

__________________

(١) السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري : ٥٢ و ٧٠.

(٢) الإمامة والسياسة : ٢٩.

٦٣

اُسامة ، ولئن طعنتم في إمارتي اُسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبل ! وأيم الله إن كان للإمام لخليقاً ، وإنّ ابنه من بعده لخليق للإمارة » (١).

إنّ من الممكن أن يكون نتيجةً لما يعتمل في النفوس من حسد ، إذ لا يروق لهؤلاء أن يروا شابّاً كعليٍّ عليه‌السلام يتمّتع باللياقة والأهلية وحبّ الرسول له ، وأنه سيصبح أميرهم بعد الرسول ، وسيحسدونه على ما أوتي.

٥ ـ عدم تبعية بعض المسلمين الكاملة لأوامر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

لم تكن إطاعة بعض المسلمين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دون قيدٍ أو شرط ، فهم يسلّمون لأوامره إذا لم يكن في ذلك ضرر عليهم ، وحينما يأمر بما لا تهوىٰ أنفسهم أو لا تدرك عقولهم القاصرة ، يبتدرون إلىٰ سراً أو علانية ، ومثال ذلك : مخالفة بعض المسلمين في أداء بعض أعمال حجة الوداع ؛ فقد أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مناديه أن ينادي : « من لم يسق منكم هدياً فليحل ، وليجعلها عمرة ، ومن ساق منكم هدياً فليقم علىٰ إحرامه » ، فأطاع البعض ، وخالف آخرون (٢) ، وكان فيمن أقام على

__________________

(١) السيرة النبوية لابن هشام ٤ : ٢٩٩ ، الطبقات الكبرىٰ ١ : ١٩٠ و ٢٤٩ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ١١٣ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٥.

(٢) الطبقات الكبرىٰ ١ : ١٨٧ ، الإرشاد ١ : ١٧٤.

٦٤

الخلاف عمر ابن الخطاب (١).

ومثال آخر ، اعتراض عمر في صلح الحديبية (٢).

وشاهد ثالث : اعتراض البعض علىٰ اختيار أُسامة لقيادة الجيش (٣) ، فلم يكتفوا بإثارة الإشكالات ، بل امتنعوا عن مواكبة الجيش ، رغم تأكيده صلى‌الله‌عليه‌وآله على خروج المهاجرين والأنصار مع جيش اُسامة. لقد تخلّف بعض من يطلق عليهم المهاجرون متذرّعين بحجج (٤) ، ممّا دفع النبي لِلَعن من تخلّف عن جيش اُسامة (٥).

وشاهد رابع : ما وقع في اللحظات الأخيرة من حياة النبي الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي حادثة الكتابة (٦) ، فقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « آتوني بدواةٍ وصحيفةٍ أكتب لكم كتاباً لا تضلّون بعدي » ، فقال عمر : إنّ الرجل ليهجر ! وتقول بعض الروايات : فاختلف مَن في البيت واختصموا ، فمن قائل يقول : القول ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن قائلٍ : القول ما قال عمر (٧).

__________________

(١) الإرشاد ١ : ١٧٤.

(٢) تاريخ الطبري ٢ : ٦٣٤.

(٣) السيرة النبوية لابن هشام ٤ : ٢٩٩ ـ ٣٠٠ ، الطبقات الكبرىٰ ١ : ١٩٠.

(٤) الإرشاد ١ : ١٨٣ ـ ١٨٤.

(٥) السقيفة وفدك : ٧٤ و ٧٥.

(٦) الطبقات الكبرىٰ ١ : ٢٤٤ ، أنساب الأشراف ٢ : ٧٣٨ ، تاريخ الطبري ٣ : ١٩٢.

(٧) السقيفة وفدك : ٧٣.

٦٥

إنّ ما ذكر يكشف عن تمرّد عمر وآخرين علىٰ أمر رسول الله ، متّهمين النبي الذي يقول عنه القرآن : ( مَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَىٰ ) (١) بالهَذَيان.

وتتّضح ممّا مرّ أسباب تأخير النبي لتبليغ الوحي ، فهو يحتمل العصيان ؛ وذلك من خلال معرفته الدقيقة بأوضاع المسلمين وأحوالهم ، أي أنّه كان يعلم بأنه لو أعلن عن خلافة علي عليه‌السلام فسيقف البعض بوجهه صلى‌الله‌عليه‌وآله بصورةٍ علنية ولن يرضخ لذلك ، فطمأنه الوحي الإلهي ، كما جاء في المقطع الأخير من آية التبليغ ( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) أي أنّ الله سيحفظك من شرّ الناس ومخالفتهم العلنية. ويؤيده : ما رواه العياشي في تفسيره ، عن جابر بن عبد الله وابن عباس « فتخوّف رسول الله أن يقولوا : حامىٰ ابن عمه وأن تطغوا في ذلك عليه » (٢).

نعم جاء في بعض النسخ (٣) : « جاءنا » بدلاً من حامىٰ ، و « يطعنوا » مكان « تطغوا » ، وعندها ستكون مخاوف النبي نابعةً من طعن الناس ، وهذا المعنى لا يختلف عما ذكرناه ، وإن كان من المستبعد أن يكون الطعن لوحده هو السبب لإيكال النبي إبلاغ

__________________

(١) النجم : ٣.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٣٦٠.

(٣) نفس المصدر ، الهامش ، والميزان في تفسير القرآن ٦ : ٥٤.

٦٦

الوحي الإلهي إلى وقتٍ آخر. فالظاهر أن كلمة « تطغوا » هي الأصحّ ، وتعني أنّ النبي كان يخشىٰ الطغيان والتمرّد العلني.

ويتّضح من خلال ما بيّنا جواب هذا الإشكال ، وهو : أنّ المقصود من الآية إن كان ولاية علي عليه‌السلام فلماذا لم يصل الأمر إليه بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، رغم أنّ الله قد طمأن نبيه من شر الناس ؟ وهل من الممكن الحؤول دون تحقق الوعد الإلهي ؟ (١).

والجواب : أنّ الوعد الإلهي يرتبط بعصمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الطغيان والمخالفة العلنية ، وهذا ما وقع ، كما تدلّ عليه رواية الغدير ، فالآية تقول : ( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) ، ولم تقل : والله يعصمه من الناس ، أي لم تقل : يعصم علياً عليه‌السلام ليكون الكلام وعداً إلهياً بوصول عليٍّ عليه‌السلام إلى الخلافة الظاهرية.

المحاولات السرية والعلنية لاقصاء أهل البيت عليهم‌السلام بعد الغدير :

لقد حدّدت واقعة الغدير وظيفة المسلمين والمجتمع الإسلامي ، فاستقبلها المؤمنون بالله ورسوله برحابة صدر. ولم تكن الظروف مؤاتيةً بالنسبة إلى المخالفين ليعلنوا تمرّدهم ، فتظاهروا جميعاً بالقبول ، وباركوا لعليٍّ عليه‌السلام خلافته ، ويدلّ على القبول العام ما قاله أبو

__________________

(١) شبيه هذا الإشكال يطرحه الفخر الرازي في « التفسير الكبير » في بيان آية الإكمال.

٦٧

بكر وعمر في كلمة معروفة : بَخٍّ بَخٍّ لك يابن أبي طالب (١).

ولم يقرَّ لاُولئك الذين يقفون على الندّ من عليٍّ عليه‌السلام ويحلمون بالخلافة قرار رغم أنهم تظاهروا بالرضاء ، ولكنّهم أبطنوا الخلاف ، فأخذوا يخطِّطون ويعملون لإقصاء علىٍّ عليه‌السلام ، والأخذ بزمام الاُمور. وهناك شواهد كثيرة تدلّ على ذلك ، نشير إلى بعضها :

الأوّل : الشواهد العامة :

لقد أكّد النبي مراراً وتكراراً على خلافة عليٍّ عليه‌السلام وفضائله بعد واقعة الغدير ، وهكذا الوصية بأهل بيته ، كما حذّر الناس من الأخطار المحدقة بعده ؛ لئلا يكون لأحدٍ حجة ، وخير شاهد على ذلك : الحديث الذي نقلته جُلّ كتب الفريقين التاريخية والروائية ، فقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في آخر أيام حياته : « أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم » (٢). وتشهد أغلب الروايات أنّ كلمة النبي هذه جاءت في لياليه الأخيرة حينما ذهب إلى البقيع ، مستغفراً لأهلها ، فماذا كان يحدث داخل كيان المجتمع الإسلامي ؟ وماذا كان يحصل ليجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يُطلق كلمته

__________________

(١) الغدير ١ : ١١ ، التفسير الكبير ١ : ٤٠١ ، وفيه : « هنيئاً لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمنٍ ومؤمنة ».

(٢) الطبقات الكبرىٰ ١ : ٢٠٤ ، أنساب الأشراف ٢ : ٧١٦ ، تاريخ الطبري ٣ : ١٩٨ ، الإرشاد ١ : ١٨١ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٦.

٦٨

المؤلمة هذه ، وهو يطوي لحظاته الأخيرة ، بعد جهادٍ وجهودٍ ومكابدةٍ لصعابٍ في طريق هداية البشر ، وإرساء قواعد مجتمعٍ يقوم على أساس الشريعة المقدسة. إنّها كلمات تدعو للحزن والشجن حينما ترنّ في آذان المسلم وهي تخرج من فم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في ليالي الوداع الأخيرة. إنّ ما يبعث على الآهات والزفرات هذا السؤال : لماذا لم يسمحوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الخاتِم أن يرحل إلى ربّه بقلبٍ ممطمئنٍّ من اُمته على الأقلّ ، بعد كل ما تجرّع من المحن ؟

إنّ كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا يكشف بوضوحٍ المؤامرة التي كانت تُدبَّر بليلٍ لحرف المجتمع عن مسارة الصحيح ، ويُنذر بوقوع فتنٍ متعاقبةٍ بين المسلمين. من هنا يجدر طرح هذا السؤال : مَن هم المتأمرون ؟ وإلى ماذا كانوا يهدفون ؟

نحاول هنا التعرّض لبيان هذه الفتن ، وذلك بالاعتماد على النصوص التاريخية والحديثية.

الثاني : محاولات بني اُمية وأشياعهم :

كان هناك شعور يراود بني اُمية بأنّهم الأجدار من غيرهم لزعامة العرب ، وهذا ما جعلهم في صراعٍ محتدمٍ مع بني هاشم على طول التاريخ ، ومن هنا وقفوا بوجه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد بعثته ، وسخّروا جميع الإمكانات للتآمر عليه وقادوا الحروب ضدّه ، ولكنهم مُنُوا بالهزيمة ،

٦٩

وضُرب عليهم الذل ، فدخلوا الإسلام كارهين ، في حين كانت أحلام الزعامة لا تزال تعشعش في نفوسهم.

وكانت هذه المجموعة على علمٍ لا يخالطه الشك في أنّها لن تتمكّن من تحقيق مآربها وأحلامها في ظلّ وجود النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فليس أمامها سوىٰ التخطيط لما بعد رحيله ، ولكنّها لم تكن تمتلك رصيداً إسلامياً بين المسلمين ، فليس بوسعها السيطرة على الحكم بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرةً ، فعليها أن تضع برنامجاً طويل الأمد لما يدور في خُلدها ، وهو ما حصل بالفعل كما يشهد التاريخ ، وليست هذه مجرد دعوىٰ، فهناك من الشواهد الكثيرة التي تدلّ على ذلك ، وهي كالآتي :

١ ـ ذكر الدينوري والجوهري (١) في وقتٍ كان البعض قد بايع أبابكر في السقيفة : « اجتمعت بنو اُمية إلى عثمان بن عفان » وكانوا يرون خلافته. وهذا شاهد مهمّ يعبّر عمّا كان يصبو اليه بنو اُمية ، فقد جعلوا عثمان واجهة ، لما كان يتمتع به من تاريخٍ يجعله يختلف عن بقية أبناء هذه الاُسرة ، فهو ـ كما يرون ـ أفضل فردٍ لهذا الأمر في تلك الظروف ، رغم أننا نعتقد بأن هذا ليس بكائن ، وإنّما هو أقرب إلى المناورة السياسية التي تمهّد لهم الأرضية ، ويشهد على ذلك : أن عمر حينما رأى اجتماع بني اُمية توجّه إليهم قائلاً : ما لي أراكم ملتائين ،

__________________

(١) الإمامة والسياسة : ٢٨ ، السقيفة وفدك : ٦٠.

٧٠

قوموا فبايعوا أبا بكر ... فقام عثمان ومن معه (١).

٢ ـ ويروي الجوهري : أنّ أبا سفيان قال لمّا بويع عثمان : كان هذا الأمر في تيم ، وأنّىٰ لتيمٍ هذا الأمر ؟ ثم صار إلى عَديٍّ فأبعد وأبعد ، ثم رجعت إلى منازلها واستقر الأمر قراره فتلقّفوها (٢) إنّها واضحة الدلالة غنية عن البيان.

وهنا يطرح هذا السؤال : إذا كان الأمر هكذا فلماذا لم يبايع أبو سفيان أبا بكر منذ البداية ؟ ولماذا ذهب إلى عليّ عليه‌السلام ليقول : أما والله لئن شئت لأملأنَّها على أبي فصيل ( يعني أبا بكر ) خيلاً ورجلاً ! (٣).

إنّ البعض ربما يرىٰ ذلك ناشئاً عن النعرة العصبية القبلية ، وأن أبا سفيان قال ذلك نتيجةً لما يعيشه من فكرٍ قبلي (٤).

وهذا الرأي وإن كان ممّا يقبل التوجيه بادئ ذي بدء ، لكنّ الحقيقة شيء آخر ، فأبو سفيان من دُهاة بني اُمية ، ويروم أهدافاً بعيدة المدىٰ يقيناً ، من هنا يقوىٰ احتمال أن يكون مقصودة بعض اُمور :

الأوّل : المطالبة بامتيازاتٍ من خلال مخالفته لبيعة أبي بكر.

الثاني : جرّ عليٍّ عليه‌السلام لحربٍ مسلّحةٍ مع أبي بكر ، وبذلك سيكون

__________________

(١) الإمامة والسياسة : ٢٨ ، السقيفة وفدك : ٦٠.

(٢) السقيفة وفدك : ٣٧.

(٣) السقيفة وفدك : ٣٧ ، تاريخ الطبري ٣ : ٢٠٩.

(٤) كتاب « عبدالله بن سبأ » للعلاّمة العسكري ١ : ١٥١.

٧١

المنتصر هو وقومه ، لأنه يهدف الإيقاع بين هاتين المجموعتين ، ممّا يؤدي إلى تضعيفهما ، واستحكام مكانة بني اُمية ، وعلى الأقل إجبار أبي بكر على إعطاء امتيازاتٍ في صورة مخالفته له.

وفي الحقيقة كان قد جنىٰ الثمار أيضاً ، لأنه قد ربح من الناحية المالية. ففي رواية كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد بعث أبا سفيان ساعياً ، فرجع من سعايته فكلّم عمر أبا بكر فقال : إنّ أبا سفيان قد قدم ، وإنا لا نأمن شره ، فدفع له ما في يده ورضي (١). وتمكّن من الحصول على وعودٍ بإمارة ولده معاوية (٢).

وبهذا يتضح سبب مخالفة عليٍّ عليه‌السلام لمقترح أبي سفيان ، فلقد طرده وقال : « والله ما أردتَ بهذا إلاّ الفتنة ، وإنّك طالما بغيت الإسلام شرّاً ، لا حاجة لنا في نصيحتك » (٣).

إنّ ما يبدو من كلام عليٍّ عليه‌السلام هو : أنّ أبا سفيان لم يكن يبغي سوىٰ التآمر ، ولم تكن القضية تنطلق من شعورٍ سابق لديه.

ويظهر من أكثر الروايات أنّ أبا سفيان كان هو الوحيد من بني اُمية ممَّن لا يرىٰ خلافة أبي بكر ، وقد ذهب إلى بني اُمية في المسجد

__________________

(١) السقيفة وفدك : ٣٧.

(٢) تاريخ الطبري ٣ : ٢٠٩.

(٣) المصدر نفسه ، والإرشاد ١ : ١٨٩.

٧٢

فحرّضهم على القيام فلم ينهضوا له (١).

إلاَّ أنّ هذه الحادثة لا تتعدىٰ كونها مسرحية ، فأبو سفيان المطاع من قبل بني اُمية وصاحب المكانة المرموقة بينهم ، لا يمكن أن يطرح كلامه جانباً دون أن يجد اُذناً صاغيةً من قبلهم ؛ ويؤيد ذلك ما دار بينه وبين عليٍّ من كلام ، فهو يتحدث بكل قوةٍ معلناً استعداده لملء المدينة خيلاً ورجلاً (٢).

والنتيجة هي : أنّ بني اُمية كانوا على علمٍ بأنّ الأرضية غير مهيئةٍ بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرةً للوصول إلى السلطة ، ولم يكونوا يقصدون من الجعجعة والضوضاء سوىٰ إعداد الجوّ المناسب كخطوةٍ اُولىٰ لتسلّم زمام المبادرة ، فكانوا في الحقيقة يودّون خلافة أبي بكر ـ وذلك ما تمثل من محطةٍ لانتقال السلطة من بني هاشم إلى بني اُمية ـ من هنا مدُّوا لها يدَ العون.

إنّ هذا التعاون وإن كان إثباته لا يخلو من تعقيداتٍ نظراً للتحريف التاريخي الكبير ، إلاَّ أنّ بعض القرائن تؤكد ذلك ، فمثلاً إصرار عمر يوم رحيل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على أنَّ الرسول لم يمت ، واستمرّ به الحال إلى أن وصل أبو بكر ، وحينما سمعه وهو يقرأ آيةً من القرآن

__________________

(١) الإرشاد ١ : ١٩٠.

(٢) السقيفة وفدك : ٣٧ ، تاريخ الطبري ٣ : ٢٠٩.

٧٣

أذعن بوفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

لقد كان عمر يسعىٰ للسيطرة على الاوضاع الى ان يأتي أبو بكر كما هو واضح ، ولم يكن الوحيد الذي أنكر وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّما شاطره الرأي عثمان أيضاً ، فالنبي لم يمت ، بل عرج به إلى السماء كعيسى بن مريم حسب ما يعتقد هذان (٢).

إنّ هذا التطابق في وجهات النظر يولّد إلى احتمال توافقات سرّية بينهم.

والخلاصة : إنّ المخططات الاُموية لانتزاع السلطة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرٌ لا يشوبه الشك ، ولم يكن لينطلي على الواعين آنذاك ، فها هو الحبّاب بن المنذر يخاطب أبا بكر في السقيفة قائلاً : نشفق فيما بعد هذا اليوم ، ونحذّر أن يغلب علىٰ هذا الأمر من ليس منّا ولا منكم (٣).

لقد أدرك هذا الرجل الوضع حقاً وكان تنبّؤه دقيقاً للغاية ، ولم يقتصر الأمر على بني اُمية ، فهناك بنو زهرة قد اجتمعوا على سعد وعبدالرحمن بن عوف (٤).

__________________

(١) السيرة النبوية ٤ : ٣٠٥ و ٣١١ ، تاريخ الطبري ٣ : ٢١٠ ، البداية والنهاية ٥ : ٢٦٢ و ٢٦٣ ، أنساب الأشراف ٢ : ٧٤٢.

(٢) أنساب الأشراف ٢ : ٧٤٤.

(٣) أنساب الأشراف ٢ : ٧٦٢ ، الطبقات الكبرى ٣ : ١٨٢.

(٤) السقيفة وفدك : ٦٠ الإمامة والسياسة : ٢٨.

٧٤

وجاء في روايةٍ : أنّ المغيرة بن شعبة كان هو المحرّك لأبي بكر وعمر للذهاب إلى السقيفة (١).

الثالث : محاولات بعض المهاجرين :

بين هذا وذاك كان هناك جمعٌ يعملون بشكل دؤوبٍ علىٰ مرأىً ومسمعٍ من الجميع ، وهم أبوبكر وعمر وأبو عبيدة ، فقد حاولوا بشتّىٰ السبل إقصاء عليٍّ عليه‌السلام والقفز إلى السلطة ، وهناك شواهد كثيرة تدعم ما ذكر ، نشير إلى بعضها :

١ ـ يقول عمر في خطبةٍ له حول السقيفة : واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر ثم يقول : فقلت له : يا أبا بكر ؛ انطلق بنا إلىٰ إخواننا من الأنصار (٢).

إنّ الوقوف عند هذه العبارات يرسم ملامح تحرّك هؤلاء ، فاتفاق المهاجرين على أبي بكر إن لم يكن مجرد دعوى لاحتاج إلى حوارات ومداولات تستغرق وقتاً طويلاً ، ولم يكن من الممكن أن تجتمع كلمة المهاجرين كافةً على أبي بكر عقيب وفاة الرسول مباشرة ، إذ لم تكن هناك اجتماعات عقدت قبل السقيفة ليعترف من خلالها على رأي جميع المهاجرين. إذن لابد أن يكون هؤلاء قد

__________________

(١) السقيفة وفدك : ٦٨.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٥٥.

٧٥

استنفروا كل طاقاتهم ، وتحركوا على المهاجرين ، واحداً واحداً ، حتىٰ وصلوا إلى اتفاق.

٢ ـ ذكرت العديد من الكتب التاريخية والحديثية أنّ هذه المجموعة من المهاجرين كانت قد اُمرت لتنطلق من المدينة ، منضوية تحت لواء اُسامة بن زيد.

وقد صرحت بعض الروايات بأسماء : أبي بكر وعمر وأبي عبيدة ، كالرواية الواردة في الطبقات الكبرى والتي تقول : فلم يبقَ أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار إلاَّ انتدب في تلك الغزوة ، فيهم أبي بكر الصدّيق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة ابن الجراح وسعد بن أبي وقاص و ... (١).

ولكنهم لم يخرجوا ، متذرِّعين بالحجج ، وكانوا يحاولون عرقلة حركة ذلك الجيش (٢).

إنّ التأكيدات المكررة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله علىٰ الالتحاق بجيش اُسامة ، وامتناع تلك الجماعة من مواكبة الركب توضّح نواياها ومخطّطاتها.

٣ ـ طالما كان يُغمىٰ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في اُخريات أيام حياته الشريفة ، وفي يومٍ حلّ وقت الصلاة وأذن بلال ، ولمّا لم يستطِعٍ

__________________

(١) الطبقات الكبرى ١ : ١٩٠.

(٢) الإرشاد ١ : ١٨٤.

٧٦

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذهاب إلى المسجد قال : « يصلي بالناس بعضهم » (١).

ولم يقصد من ذلك تقديم فردٍ خاصٍّ للإمامة ، فالوقت ربّما حان ، ليعرف الناس إمامهم بعد كل تلك الوصايا والتوجيهات ، وكما جاء في رواية عن بلال ، حيث إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في مرضه وقد دعي إلى الصلاة ، فقال : « يا بلال ، لقد أبلغت ، فمن شاء فليصلِّ بالناس ، ومن شاء فليدع » (٢).

فقد كان جلياً من هو الإمام الذي لابدّ أن يتصدّى لإمامة الصلاة ، فحتى لو قطعنا النظر عن أن علياً هو الخليفة والوصي للنبي ، فليس هناك من وجوه القوم في المدينة ـ لاسيما وأن النبي أمر كبار المهاجرين والأنصار بالالتحاق بجيش أسامة ـ ومن العجيب ما جاء في كتب أهل السنة من رواياتٍ تقول : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أبا بكر ليصلّي بالناس (٣).

إنّ هذه الروايات تناقض نفسها ، لأنها تختلف في عدد هذه الصلوات ، وكيفية آخر صلاة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث وقف أبو بكر مكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففي بعضها : صلّى أبوبكر وصلّىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) أنساب الأشراف ٢ : ٧٢٩ ، الإرشاد ١ : ١٨٢.

(٢) السقيفة وفدك : ٦٨.

(٣) أنساب الأشراف ٢ : ٧٢٧ و ٧٢٩ و ٧٣١ و ٧٣٢ و ٧٣٥ ، تاريخ الطبري ٣ : ١٩٧.

٧٧

بصلاته (١) ، وفي بعضها الآخر : « فجعل أبو بكر يصلّي وهو قائم بصلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والناس يصلّون بصلاة أبي بكر والنبي قاعد » (٢).

وروايات مختلفة اُخرىٰ ذكرت في كتاب الطبقات (٣). إن التناقضات القائمة تدل من الأساس على بطلان دعوى أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أبا بكر بالصلاة.

نعم ، لا يبعد احتمال كون بعض نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قمن بترتيب هذه القضية ، ونسبتها إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويؤيد ذلك : ما جاء في بعض الأحاديث : قال رسول الله في أحد أيام مرضه : « ابعثوا إلى عليٍّ فادعوه. فقالت عائشة : لو بعثت إلى أبي بكر ، وقالت حفصة : لو بعثت إلى عمر ، فاجتمعوا عنده جميعاً ، فقال رسول الله : انصرفوا » (٤).

إنّ هذه الرواية وإن لم تكن في معرض الحديث عن الصلاة ولكنّها تؤكد حالة التمرّد لدىٰ بعض نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فليس من الصعب على اُولئك الذين لا يأبهون بمخالفة كلام النبي الصريح أن ينسبوا بعض الاُمور له صلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٢ : ٢٢٣ ، ودلائل النبوة ٧ : ١٩١ و ١٩٢.

(٢) دلائل النبوة ٧ : ١٩١ ـ ١٩٢ ، الطبقات الكبرى ٢ : ٢١٨ ، تاريخ الطبري ٣ : ١٩٧.

(٣) الطبقات الكبرىٰ ٢ : ٢١٥ ـ ٢٢٤ و ٣ : ١٧٨ ـ ١٨١.

(٤) تاريخ الطبري ٣ : ١٩٦.

٧٨

هذا بالإضافة إلى وجود أدلةٍ بيّنةٍ تثبت أنّ النبي لم يأمر أبا بكر أو عمر بما ذكر ؛ وذلك :

أولاً : أنّ هؤلاء كانوا قد اُمروا بالخروج مع جيش اُسامة ، وليس هناك ما يدلّ على استثناء أبي بكرٍ من مرافقة الجيش ، بل العكس ، فإنّ هناك رواياتٍ صريحةً دلّت على أنّ أبا بكر وعمر و ... كان عليهم الالتحاق بجيش اُسامة (١) ، فكيف يأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر بالصلاة بالناس في وقتٍ يؤكّد على الأمر بالخروج ؟!

وثانياً : تشير بعض روايات أهل السنّة إلى أنّ النبي قال : مُروا أبابكر أن يصلي بالناس ، ولكن عائشة كانت تقول : إنّ أبا بكر رجل رقيق ، وإنّه متىٰ يقوم مقامك لا يطيق ! فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : مُروا أبا بكر يصلّي بالناس ، فذهب أبو بكر للصلاة فخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يهادىٰ بين رجلين ( ذكرت بعض الروايات أن الرجلين هما : علي عليه‌السلام والفضل بن العباس ) ، فلمّا دنا من أبي بكر تأخر أبو بكر ، فقعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصلّىٰ إلى جنب أبي بكر ، فكان يصلّي بصلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان الناس يصلّون بصلاة أبي بكر (٢). فإذا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أمر أبا بكر بالصلاة بالناس فلماذا يخرج النبي إلى المسجد ليصلّي جالساً في وقتٍ قد

__________________

(١) الطبقات الكبرىٰ ١ : ١٩٠ و ٢٤٩ ، السقيفة وفدك ٧٤ و ٧٥ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ١١٣ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٥.

(٢) تاريخ الطبري ٣ : ١٩٧ ، عن عائشة.

٧٩

أخذ منه المرض مأخذاً كبيراً ورجلاه تخطّان من الضعف ، ولم يكن قادراً على الوقوف كما تعترف بذلك عائشة ؟! أوَ ليس ذلك يدلّ على أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يرتضي إمامة أبي بكر ، وقد عمل على الوقوف بوجهها مهما كلّف الأمر ، ولم يدع أبا بكر يكمل صلاته ؟! فإذا كان أبو بكر قد صلّىٰ بأمر الرسول فلا داعي لأن يخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه إلى المسجد ويصلّي جالساً.

وخلاصة الأمر : أنّ المبادرة إلىٰ الصلاة مكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هي إحدىٰ المحاولات التي كان يسعى طلاب السلطة من خلالها إلىٰ تثبيت مواقعهم ، فيظنّ الناس أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أمرهم فلابدّ أن يكونوا خلفاءه أيضاً ، وإن كان الأمر على خلاف ما يتصور ؛ إذ الأمر بالصلاة لا علاقة له بالخلافة.

فقد أمر صلى‌الله‌عليه‌وآله اُناساً بالصلاة أيام صحته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا كان الأمر بالصلاة لا ينفكّ عن الخلافة ، فإنّ اُولئك الذين قاموا مقامه في الفترات الماضية أولىٰ بالخلافة إذن (١).

٤ ـ لقد كانت من محاولات هؤلاء القوم للمبادرة والوصول إلى الخلافة : تصيّد الأخبار من داخل البيت النبوي ، والانطلاق للهيمنة

__________________

(١) الطبقات الكبرىٰ ٤ : ٢٩٥ ، قال في عبدالله بن اُمّ مكتوم : « وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يستخلفه على المدينة يصلّي بالناس في عامّة غزوات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ».

٨٠