تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ٢

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 978-600-5213-31-7
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٦٣٨
الجزء ١ الجزء ٢

ـ مع استبعاد خصوصية في ظواهر الكتاب موجبة للمنع عن العمل بها تعبدا ـ على انّ المصلحة في نفس النهي والمنع وهي انفتاح باب الأئمّة عليهم‌السلام برجوع الناس إليهم والسؤال [ منهم ] (١) والتخضّع والتذلل لديهم ، مع احتمال كون النهي لأجل قصور غير أهل القرآن عن فهمه لعظم معانيه ومطالبه النفيسة فيرجع إلى منع الصغرى.

ولكن الجواب عن ذلك : انّ ظاهر التفسير بالرأي لا يشمل حمل الألفاظ على ما كانت ظاهرة فيه ، بل خصوص حمل المتشابه على ما يعيّنه من عند نفسه بالاستحسانات العقلية والوجوه الاعتبارية ، بقرينة النهي عن المتشابه في بعض الأخبار أو تأويل الظاهر وحمله على المعنى المؤوّل كذلك ؛ ومن المعلوم انّ المتشابه ليس من الألفاظ المتشابهة بل من الألفاظ الظاهرة المعنى.

ويؤيّد ذلك قوله عليه‌السلام لأبي حنيفة : « ما ورّثك الله من كتابه حرفا » (٢) فانّ الظاهر منه بقرينة وقوعه في مورد الفتوى : انّه في مقام كان أبو حنيفة يتخيل انّه أهل للفتوى للناس بالقرآن ومرجع لهم في ذلك ، وهو فيما كان له اختصاص من بينهم يوجب ذلك ، ولا يكون ذلك إلاّ في غير المعنى الظاهر.

وان أبيت إلاّ عن اطلاق الأخبار الناهية وعدم اختصاصه بذلك ، فلا بدّ من حملها على ذلك جمعا بينها وبين ما هو أصرح منها الدالة على جواز رجوع الناس إلى ظاهر الكتاب وعرض الأخبار المتعارضة عليه ، فراجع الفرائد (٣) في ذلك.

وينبغي التنبيه على أمرين :

__________________

(١) في الاصل المخطوط ( عنهم ).

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٠ الباب ٦ من ابواب صفات القاضي ، الحديث ٢٧.

(٣) فرائد الاصول ١ : ١٤٤ ـ ١٤٩ ؛ وسائل الشيعة ١٨ : ٧٥ الباب ٩ من ابواب صفات القاضي ، باب وجوه الجمع بين الاحاديث المختلفة ... الخ ، احاديث متعددة.

٨١

الاول : الظاهر انّ العلم الاجمالي بوقوع التحريف في القرآن على تقدير تسليمه لا يمنع عن العمل والتمسك بظواهره لعدم العلم بالتحريف المخلّ بالظاهر ، لاحتمال كون التحريف باسقاط بعض الآيات رأسا بحيث لا يخلّ بما بقي من غيره ؛ وعلى تقدير تسليم كونه باسقاط جزء آية أو تبديل بعض الكلمات بحيث ما بقي ظاهر الآيات الواقعة فيها التحريف على حاله يكون من قبيل الشبهة غير المحصورة غير المؤثر في حكم الأطراف.

وعلى تقدير تسليم كونه من قبيل الشبهة المحصورة لا يؤثر إلاّ إذا علم بوقوعه في الآيات المتصدّية للأحكام بخصوصها وهو ممنوع ، لاحتمال كونه في غيرها المشتمل على القصص والحكايات غير المبتلى بها في مقام العمل واستنباط الأحكام ؛ وخروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء يمنع عن تأثير العلم الاجمالي كما في العلم الاجمالي بالتكليف مع خروج بعض اطرافه عن محلّ الابتلاء.

فان قلت : العلم اجمالا بطروّ خلل على أحد الظهورات يوجب الاجمال المانع عن العمل بالظاهر ، وهذا بخلاف العلم بالتكليف فانّ ملاكه تنجّزه الذي لا يكاد يتحقق إلاّ أن يعلم توجهه فعلا على كلّ تقدير ، فالقياس مع الفارق.

قلت : ما ذكرت من تأثير العلم في الاجمال إنّما يصح في العلم بالقرينة المتصلة الواقعة بعد جمل عديدة غير مبتلى بها بعضها مع عدم ظهور القرينة في الرجوع إلى أي منها ، دون القرينة المنفصلة غير المنافية لظهور الكلام حدوثا وبقاء ، غاية الأمر يوجب عدم الحجية ، والمعلوم من بناء العقلاء اتّباع الظهور إذا انعقد ولو علم اجمالا بطروّ خلل من خارج على ظهور الكلام المبتلى به وغيره ، إلاّ أن يعلم بطروّه على الأطرف المبتلى بها ؛ وبناؤهم هو المتّبع ما لم يردع عنه.

الثاني : انّه إذا اختلفت القراءة في الكتاب على وجهين مختلفين في

٨٢

المؤدى كما في قوله تعالى : ( حَتَّى يَطْهُرْنَ ) (١) حيث قرأ بالتشديد والتخفيف ، فلا يخلو : امّا أن يقال بتواتر القراءات الدال على ثبوت القرآنية بهما ، أم لا.

فعلى الاول : فهما آيتان تعارضتا ، فان كان بينهما جمع عرفي ، وإلاّ :

فالتخيير ، بناء على حجية الأمارات على نحو الموضوعية.

أو التوقف في العمل باحدى الخصوصيتين ونفي الثالث ، بناء على الطريقية الصرفة على ما قرر من كون القاعدة على الطريقية ما ذكرنا.

وعلى الثاني : فان قام دليل من اجماع ونحوه على ترتيب جميع الآثار الشرعية على القراءات ومنها جواز الاستدلال فحكم القراءتين ما ذكرنا من التفصيل ، بناء على عدم شمول أخبار التخيير غير الأخبار المتعارضة ، وإلاّ فالتخيير مطلقا بعد عدم الجمع العرفي ، كما لا يخفى.

وان لم يقم دليل على ما ذكرنا كما هو الظاهر فلا يجوز الاستدلال بواحد منهما لا ترجيحا ولا تخييرا وان قلنا بشمول أخبار الترجيح والتخيير لمطلق الأمارات حيث انّه بعد ثبوت الاعتبار في كلّ منهما لا مطلقا ، كما لا يخفى.

هذا كلّه في القسم الثاني وهو الأمارات المعمولة لتشخيص المراد بعد إحراز صغرى الظهور.

وأمّا القسم الاول وهو : الأمارات المعمولة لتشخيص صغرى الظهور فنقول :

انّ الظهور المظنون المعلق على عدم وجود القرينة المشكوكة قد عرفت الحاقه بالظهور القطعي ؛ وأمّا المظنون من غير هذه الجهة فالظاهر بل المقطوع عدم بناء العقلاء على العمل بالظن الخارجي المطلق وتشخيصه به ، وإنّما الاشكال في

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٢٢.

٨٣

جزئي من هذه المسألة وهو الظن بالظهور الناشئ من قول اللغوي ، فقد اختلف في حجيته ، فانّ المشهور كونه من الظنون الخاصّة التي ثبت حجيّتها مع قطع النظر عن انسداد باب العلم في الأحكام الشرعية وان كان الحكمة هو انسداد بابه في غالب موارده.

ولكن التحقيق : عدم حجية قول اللغوي في تعيين الظهور وتشخيص المعاني الحقيقية عن المجازات ، لأنّ ما وراء العلم لما لم تكن حجيته ذاتية فلا بدّ من قيام الدليل عليه ، وهو في المقام ليس ، إلاّ السيرة وبناء العقلاء ، ولم يعلم من حالهم الرجوع إلى قول اللغوي في تعيين الوضع بحيث يحمل اللفظ عليه عند عدم القرينة ، سواء كان المذكور في اللغة معاني متعدّدة لاحتمال الاشتراك وعدم تميّز الحقيقة عن المجاز على تقدير عدمه ، أو معنى واحد لاحتمال معنى آخر مع عدم الظفر به حيث انّ تعيينه ذلك إنّما هو بتفحّصه عن موارد الاستعمالات ولا يمكن الاحاطة بها ، ولا أقل من الاستبعاد ، ومعه لا يتعبدون بقوله العقلاء تعبدا في حمل اللفظ على ذاك المعنى مطلقا.

وتوهّم ثبوته بقولهم بضميمة أصالة عدم الاشتراك وعدم القرينة في فهم المعنى المذكور من اللفظ فيثبت كونه حقيقة فيه بخصوصها وبهما يعيّن المعنى الاول أيضا ، فما ذكر للفظ معاني متعددة فيحمل على كونه حقيقة فيه بخصوصه أو يحمل على المشترك المعنوي فيما كان بينها جامع ؛ مدفوع :

بأنّ القدر المتيقن من عمل العقلاء بهما في عدم صرف الكلام عن الظهور المنعقد له وحمله على المعنى الحقيقي المعلوم فيما لا قرينة في البين لا في تعيين الظهور وتشخيص الموضوع له ، مع انّ حمل الكلام ـ فيما ذكر معاني متعددة ـ على الاشتراك المعنوي مخالف لما هو المقطوع من الاشتراك اللفظي في الألفاظ أيضا.

فان قلت : المعلوم من حال العلماء بل العقلاء طرّا الرجوع إلى قول اللغوي

٨٤

في تشخيص معاني الألفاظ المذكورة في الكتاب والسنّة لإفادة الأحكام الشرعية وتعيين المراد من الألفاظ المذكورة في الخطب والقصائد وغيرها.

قلت : إنّما المعلوم الرجوع إليهم في تعيين موارد الاستعمالات المجهولة لا في تعيين المعنى الحقيقي أو الظهور ، إلاّ أن يحصل العلم بواحد منهما في خصوص مورد الاستعمال بمناسبة القرائن المقامية والمقالية في الكلام فيكون الرجوع بقولهم حينئذ للتنبّه على المعاني المستعملة فيها فيتيقن بالمستعمل فيه بقرينة المناسبة القطعية ، وان شك في مقام آخر في استعمال اللفظ في هذا المعنى فلا يحمل عليه أيضا.

والحاصل : انّه ما أحرز من حالهم الرجوع إليهم من غير جهة التنبّه بالمعاني من قولهم.

هذا كلّه مع انّ علم اللغوي بالوضع ليس مستندا إلى الحس ، بل إلى الاجتهاد ، بإعمال علائم الحقيقة من التبادر ونحوه ، ولا دليل على حجية اجتهاده لغيره مع كونهما في حدّ الاستواء من هذه الجهة.

فمن هنا يعلم انّه على تقدير تسليم حجية كل ذي صناعة في صناعته وجريانه في قول اللغوي أيضا إنّما يفيد في خصوص تعيين كون اللفظ مستعملا في المعاني التي ذكروها لا في تعيين الأوضاع ، حيث انّ صناعتهم ليس أزيد من ذلك ، كما لا يخفى.

فان قلت : يلزم انسداد باب العلم بناء على عدم حجية قول اللغوي في تعيين معاني الألفاظ فينسد باب الاستنباط من الكتاب والسنّة.

قلت : غالب معاني الألفاظ معلوم بالقطع امّا بالرجوع إلى العرف ، أو بقول اللغوي ولو بانضمام المناسبات المقامية كما عرفت ، مع انّه :

لو لزم انسداد باب العلم بالأحكام الشرعية ولو باشتباه متعلقاتها فيتمّ

٨٥

مقدمات الانسداد ، فيثبت حجية الظن بها مطلقا من أي سبب كان.

وان لم يلزم انسداد باب العلم بها فلا يلزم حجية الظن عقلا وان لزم من عدم حجية قول اللغوي انسداد باب العلم بالمعنى اللغوي في أكثر الموارد بعد عدم الالجاء إليه في مقام العمل لامكان ، الاحتياط واجراء الاصول العملية لمكان عدم تمامية مقدمات انسداد باب العلم بالأحكام.

نعم يكون ذاك الانسداد حكمة لبناء العقلاء على الحجية لو أحرز ، لا علة موجبة له.

٨٦

الاجماع المنقول

ومن جملة الظنون الخارجة عن أصالة عدم حجية الظن حكما بل موضوعا الاجماع المنقول بخبر الواحد عند كثير ممن يقول باعتبار الخبر بالخصوص ، نظرا إلى كونه من مصاديقه ، فيشمله أدلته.

ولا بدّ من التكلم في المسألة في مقامين :

الاول : يبحث صغرويا في انّ ناقل الاجماع هل يحكي قول الإمام عليه‌السلام بنقله الاجماع امّا حسا أو حدسا أم لا يرجع نقله الاجماع إلى حكاية قوله عليه‌السلام؟

الثاني : ان يبحث كبرويا فيما يرجع نقل الاجماع إلى حكاية قوله عليه‌السلام حدسا في انّه يشمله أدلة حجية خبر الواحد أم لا ، بل تنحصر دلالة الأدلة بحجية الخبر الحسي فقط لا الحدسي ، فلا يكون الاجماع المنقول داخلا في حجية الخبر بالخصوص.

إذا عرفت ذلك فنقدّم البحث في المقام الثاني ، فنقول :

انّه أفاد شيخنا العلاّمة (١) أعلى الله مقامه انّ الأدلّة الأربعة التي أقاموها على حجية الخبر بالخصوص لا تدل على حجية الاجماع المنقول الراجع إلى نقل قوله عليه‌السلام حدسا.

أمّا الآيات : فعمدتها آية النبأ ، وحاصل ما أفاده قدس‌سره في وجه عدم دلالتها على حجية الخبر الحدسي ـ كما يظهر من مجموع كلامه بل صريحه في ذيل الجواب عن ( ان قلت ) الثاني ـ هو : كونها بصدد بيان الفارق بين خبر العادل

__________________

(١) فرائد الاصول ١ : ١٧٩ ـ ١٨٠.

٨٧

والفاسق من حيث احتمال تعمّد الكذب وعدمه ، وهو يناسب الخبر الحسي ، فلا يشمل الحدسي.

وفيه : انّه بناء على حملها على تعرض خصوص هذه الجهة يرجع ذلك إلى الالتزام بعدم دلالتها على حجية الخبر مطلقا حيث لو شك حينئذ في اعتبار الخبر من غير هذه الجهة فلا بدّ من عدم العمل به وهو ينافي ما يظهر من صدر كلامه من دلالتها على حجية الخبر فعلا ، ومع ذلك فلا ثمرة في بيان الفرق بين الخبر عن الحس والحدس وكذا خبر الفاسق والعادل بعد اشتراكهما في عدم دلالة الآية على عدم حجيتها فعلا ، غاية الأمر في بعضها من جهات كثيرة وفي بعضها من جهات أقلّ منها.

فالأولى أن يقرر دلالتها على حجية الخبر فعلا ويبحث عن دلالتها عليها مطلقا أو على حجية خصوص الخبر الحسي ؛ والظاهر عدم الاختصاص بناء على الالتزام بدلالتها وعدم الاشكال فيها بظهور التعليل في عدم الحجية وتقدمه على المفهوم وسوقها مساق تحقيق الموضوع كما سيأتي ان شاء الله ، حيث انّ استظهار شمول المفهوم للخبر الحدسي وعدمه يتبع لشمول المنطوق له وعدمه. ومن المعلوم انّ شدة المناسبة بين الخبر الحدسي للفاسق والحكم بعدم الحجية يقتضي القطع بدخوله في موضوع الحكم المذكور لو لم يكن بأولى من الحسي ، فإذا شمله المنطوق فيدخل في المفهوم ، لكونه على طبقه سعة وضيقا ، إلاّ في النفي والاثبات.

ويؤيد ما ذكرنا من كون الخبر الحدسي داخلا في المنطوق : انّه بناء على شمول الآية للموضوعات والشهادة فيها ـ كما في موردها وهو إخبار الفاسق بارتداد الطائفة ـ لا شبهة في دلالتها على عدم حجية شهادة الفاسق سواء كان في حسّياته أو حدسياته ، فيكون المفهوم هو حجية شهادة العادل مطلقا ؛ واختلاف

٨٨

العلماء في الشهادة الحدسية ليس من جهة عدم شمول الآية لها ، بل من جهة ظهور بعض أخبارها في خصوص الشهادة الحسية كما في قوله عليه‌السلام مشيرا إلى الشمس : « بمثل هذا فاشهد أو دع ». (١)

وامّا الروايات الدالة على حجية خبر الواحد فوجه اختصاصها بالحسي :

امّا من جهة ظهور الألفاظ التي جعلت موضوعا فيها للحكم بالحجية من النقل والحكاية والخبر ونحوها في خصوص الخبر الحسي.

ففيه : عدم جهة للاختصاص ، لصدقها على نقل رأي الامام عليه‌السلام بالقطع ، كان بالحس أو بالحدس.

وامّا من جهة المناسبة بين الحكم وهو الحجية وخصوص الخبر الحسي الموجب لاختصاصها به.

ففيه : انّ المناسبة بينها وبين مطلق الخبر القطعي مطلقا.

وامّا الاجماع وان ادّعي عدم قيامه إلاّ في خصوص الروايات المصطلحة لا الاجماع المنقول ، إلاّ انّ من يحصل من قوله الاجماع ويقوم به لا يفرّق بين الروايات والاجماع المنقول.

وامّا طريقة العقلاء وبنائهم على حجية الخبر ـ كما هو عمدة الأدلة على حجية الخبر الموثق كما سيأتي ان شاء الله ـ فالظاهر انّهم لا يفرقون ولا يستفسرون من المخبر فيما يخبر بالقطع مع كون خبره ذي أثر عادي وعرفي فيما يعملون بالخبر الحسي مع كون المخبر به هو الواقع لا الحدس به ، بين انّ خبره كان عن الحس أو الحدس ، فلا يرد بعدم العمل بالخبر الحدسي في المطالب العلمية في العلوم لكون المقصود المهمّ منها هو المعرفة وجدانا وهو لا يرتّب على الخبر ولو

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٥١ الباب ٢٠ من ابواب الشهادات ، الحديث ٣ ، قريب منه.

٨٩

كان عن حس إلاّ أن يفيد القطع ؛ كما انّه لا وجه لتوهّم انّهم لا يعملون بما إذا أخبر بحدسه لكون المخبر به حينئذ هو الحدس لا الواقع.

ودعوى : الفرق بين ما إذا لم يعلم بكون الاستناد في الخبر الى الحدس أو الحس ، فيعملون به ؛ وبين ما إذا علم بكونه عن الحدس ، فلا ؛ بعيدة جدا.

نعم لا يبعد الفرق في الحدس بين حصوله من مقدمات بعيدة عن الحدس أو غالب الخطأ ، وبين مقدمات قريبة منه وغير غالب الخطأ ؛ بالعمل في الثاني دون الاول. كما انّ الظاهر كذلك في الإخبار بالعدالة.

هذا مجمل الكلام في الادلة ، وامّا تفصيلا فسيأتي ان شاء الله في مقام التعرض لأدلة حجية خبر الواحد ؛ فالمهم هاهنا [ الإعراض ] (١) عن الصغرى والبحث عن أقسام الاجماع.

وحيث (٢) انّه لا فائدة في تعيين ما هو مصطلحهم في الاجماع من أنّه اتفاق الكل في عصر واحد أو مطلقا ، وكذا تعيين ما تسامحوا فيه ابتداء من اطلاقه على اتفاق البعض الداخل فيه الامام عليه‌السلام ، نفسه أو مطلق اتفاق البعض الكاشف عن قوله عليه‌السلام بعد العلم بكون المناط عند الخاصة هو الاستناد فيه الى قوله عليه‌السلام وان اختلف فيما به الاستناد كما تعرف الآن ؛ فالأولى الاشارة إلى أنحاء الاجماع وأقسامه التي هي أسباب الاستناد إلى قوله عليه‌السلام المشتركات في المناط.

منها : الاتفاق الذي كان الإمام عليه‌السلام داخلا بين المجمعين كان الاتفاق من الكل أو البعض. وهذا القسم هو النادر التحقق ، بل المعلوم العدم في مثل الأزمنة المتأخرة وان كان ممكنا في أزمنة حضور الامام عليه‌السلام.

__________________

(١) في الاصل المخطوط ( التعرض ).

(٢) يأتي خبره بقوله : « فالاولى الاشارة ».

٩٠

[ و ] منها : الاجماع على طريقة اللطف (١) كما هو مذهب الشيخ رحمه‌الله وهو اتفاق كل أهل عصر واحد ما عدى الامام عليه‌السلام فانّه يستكشف منه مطابقة المجمع عليه لقوله عليه‌السلام ، لاقتضاء اللطف عدم خروج قوله عليه‌السلام من بين الأمّة واتفاقها على غيره ، فلولا كونه قوله عليه‌السلام لكان عليه لطفا إظهاره والقاءه بينهم ولو بالقاء الخلاف بينهم بحيث لم يطرح قوله عليه‌السلام رأسا.

ولكن هذه الطريقة غير مسلّمة ، صغرى لعدم العلم باتفاق كلّ أهل عصر واحد مع الانتشار في أقطار الأرض ، وكبرى لعدم كون تحقق رأيه عليه‌السلام بين الناس أقوى لطفا من ظهوره عليه‌السلام بنفسه ، فما هو السبب لعدم وجوب ذلك عليه هو السبب لعدم وجوب ذاك بعد معلومية عدم وجوب إظهار رأيه على النحو غير المتعارف ومع اقتضاء المصلحة لاختفاء بعض الأحكام من بين الأمّة إلى ظهور الحجة عليه‌السلام كما هو المأثور.

والحاصل : انّه لا تتمّ قاعدة اللطف في استكشاف قول المعصوم عليه‌السلام بطريق اللزوم ، إلاّ أن يرجع إلى الاجماع الحدسي كما سنشير إليه.

ومنها : ان يدّعى الاجماع في المسألة من جهة سماعه الحكم من الامام عليه‌السلام باحساسه عليه‌السلام بشخصه مع معرفته ولو بعد الواقعة ، ولكنه يبرز الحكم بصورة الاجماع حذرا عن تكذيبه في الرؤية فيوجب ذهاب الحكم الواقعي باعتقاده ، كما هو المنسوب إلى بعض العلماء.

ولكنه مع ندرته بنفسه وقلة القطع بشخصه عليه‌السلام ممّا يكثر فيه الخطأ في معرفة الإمام عليه‌السلام ، امّا من نفس القاطع بأن يرى في النوم ويتخيل انّه في الرؤية وغيره من أسباب الاشتباه ، أو بسبب المرئي بتلبيسه في بعض المقدمات ونحوها

__________________

(١) العدة ٢ : ٦٣٠.

٩١

بحيث يتخيل انّه الإمام ومع ذلك يرجع إلى الحدس بانّ القائل هو الامام ، وهو أهون من الحدس في نفس الخبر ، كما لا يخفى.

ومنها : ان نستفيد الاجماع على الفتوى في مسألة فرعية من الاجماع أو دليل قطعي آخر على قاعدة كلية ؛ ويعتبر في ذلك أمران :

أحدهما : عموم تلك القاعدة بالنسبة إلى ذاك الفرع.

وثانيهما : عدم المخصص والمعارض في شموله له.

ويثبت الأمران باجتهاد الناقل ، فيرجع إلى الاجماع الحدسي أيضا كاشفا ومنكشفا.

ومنها : الاجماع الحدسي وهو ان يحصل منه الحدس بقوله عليه‌السلام وهو يحصل :

تارة : من سبب ملازم لقوله عليه‌السلام عادة كما لو حصل الحدس من مبادئ محسوسة بحيث يكون الخطأ فيه خطأ في الحس ، ومثل هذا يحصل من اتفاق أزيد من أهل عصر واحد ، ويكون نادر التحقق ثبوتا واثباتا.

واخرى : من سبب ملازم عند المنقول إليه لقوله عليه‌السلام وان لم يكن ملازما له عند العاقل.

وثالثة : بالعكس من ذلك فيكون الحدس من مثل هذا السبب عند المنقول إليه امّا من مقدمة باطلة أو ممّا لا يرى الحدس منه ، كما لو حصل الحدس من فتوى المشهور والمعروفين بالفتوى أو المعظم ونحو ذلك ، فانّه لا ملازمة بين هذه وبين قوله عليه‌السلام.

إذا عرفت ما ذكرنا م الأقسام فاعلم انّه لو قلنا بتعميم أدلة حجية الخبر للخبر الحدسي فلا بدّ من الاقتصار على ما إذا حصل للمنقول إليه الوثوق بصحة الحدس ، لما سيجيء من عدم دلالته على أزيد من حجية الخبر الموثوق بصدوره في الخبر

٩٢

الحسي وبصحة حدسه في الحدسي والموثوق ، كذلك ليس إلاّ فيما إذا حصل الحدس ممّا كان ملزوما لقوله عليه‌السلام عادة أو عند المنقول إليه ، بل هو المناط بخصوصه ، لعدم العبرة بالسبب العادي لو لم يكن سببا عند المنقول إليه أحيانا.

وأمّا غيره من الأقسام : فامّا غير متحقق الموضوع ؛ أو نادر الوقوع كما في الاجماع الدخولي ؛ أو غير موثوق بكشفه عن رأي الإمام عليه‌السلام كما في غيره من الأقسام.

وإذا كان كذلك فالناقل :

امّا أن ينقل المنكشف (١) وهو رأي الإمام عليه‌السلام فسببه قد عرفت انّه لا يخلو بين غير متحقق وغير مفيد. ومن المعلوم انّ غالب الاجماعات :

امّا مبنية على قاعدة اللطف ، كما في الاجماعات المنقولة عن الشيخ رحمه‌الله (٢) وأتباعه.

وامّا مبنية على استفادة حكم الفرع عن قاعدة كلية مجمع عليها باعتقاد العموم فيها ، وعدم التخصيص بالنسبة إلى الفرع الذي ادّعي فيه الاجماع ؛ وغالب الاجماعات المدعاة في المسائل غير المعنونة في كلمات القدماء وفي المسائل التي اشتهرت [ بالخلاف ] (٣) بعد مدّعي الاجماع ـ بل في زمانه ـ من هذا القبيل.

« فمن ذلك ما وجّه المحقق القمي رحمه‌الله (٤) به دعوى المرتضى والمفيد انّ من مذهبنا جواز إزالة النجاسة بغير الماء من المائعات » (٥) بقوله في جواب قول

__________________

(١) يأتي شقه الآخر بقوله : « واما نقل الكاشف ».

(٢) العدة ٢ : ٦٣١.

(٣) في الاصل المخطوط ( الخلاف ).

(٤) هو المحقق الحلي ( لا القمي ) في « الرسائل المصرية » المطبوعة مع غيرها من رسائل فقهية وكلامية وغيرها في مجموعة باسم « الرسائل التسع » : ٢١٥ ـ ٢١٦.

(٥) راجع فرائد الاصول ١ : ٢٠٤.

٩٣

السائل بأنّه : « كيف أضاف السيّد والمفيد ذلك إلى مذهبنا ولا نص فيه. فالجواب امّا علم الهدى فانّه ذكر في الخلاف (١) : انّه إنّما أضاف ذلك إلى مذهبنا لأنّ من أصلنا العمل بالأصل ما لم يثبت الناقل ، وليس في الشرع ما يمنع الازالة بغير الماء من المائعات ». (٢)

ومن ذلك ما عن الشيخ في الخلاف حيث انّه ذكر فيما إذا بان فسق الشاهدين بما يوجب القتل بعد القتل بانّه يسقط القود وتكون الدية من بيت المال قال : « دليلنا إجماع الفرقة فانّهم رووا : انّ ما أخطأت القضاة ففي بيت مال المسلمين (٣) » (٤) انتهى ؛ إلى غير ذلك من الموارد بحيث يظهر للمتتبّع انّ غالب الاجماعات المدعاة من هذا القبيل.

وامّا مبني على رؤية الامام عليه‌السلام باعتقاد الناقل فيبرزه بصورة الاجماع كي يقبل منه ذلك ، كما في الاجماعات المنسوبة إلى بعض الأعاظم مثل الأردبيلي والطباطبائي رحمهما الله ولكن قد عرفت ابتناءه على الحدس في القائل ، وهو أهون من الحدس في أصل الخبر.

وامّا مبني على الحدس عما لا يصح أو لا يحصل منه الحدس للمتعارف فيوجب عدم الوثوق بمثله ، كما في الحدس بقوله عليه‌السلام من فتوى جماعة من الأعاظم يحسن الظن بهم وغيره ممّا اوّل عليه غالب الاجماعات في كلام الشهيد رحمه‌الله (٥) على ما حكي عنه. (٦)

__________________

(١) « الخلاف » للمرتضى مفقود.

(٢) المصنف القوچاني قدس‌سره ينقل كلام المحقق الحلي ( لا القمي ) من فرائد الاصول ١ : ٢٠٥ ؛ وفيه اختلاف يسير عن أصله في المسائل المصرية. راجع « الرسائل التسع ، المسائل المصرية » : ٢١٥ ـ ٢١٦.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ١٦٥ الباب ١٠ من ابواب آداب القاضي ، الحديث ١.

(٤) الخلاف ٦ : ٢٩٠ المسألة ٣٦.

(٥) ذكرى الشيعة ١ : ٥٠ ـ ٥١ ؛ والحجرية : ٤ السطر ٣٠.

(٦) معالم الدين : ١٧٤.

٩٤

وأمّا مبني على الحدس عن سبب بحيث لو علمناه لكنّا نحدس منه بالقطع قول الإمام عليه‌السلام ، سواء كان من جهة كونه سببا عاديا أو عند المنقول إليه ، فيكون حجة لحصول ما هو شرط حجّية الخبر من الوثوق به صدورا ومضمونا من حيث المطابقة للواقع.

وحيث انّ هذا القسم فرد نادر فلا بدّ في العمل بالاجماع المنقول من تصريح الناقل به بخصوصه كي يتميز عن غيره ، ومع اجمال كلامه أو اطلاقه فالمتيقن غيره ، ولا أقل من اجماله فلا يحصل شرط العمل به. هذا كله في نقل المنكشف.

وامّا نقل الكاشف : فهو مضافا إلى ما عرفت من الأقسام يكون محصلا بنفسه تارة ، وحدسيا أيضا اخرى ، كما لو حدس من الاجماع على القاعدة الاجماع على فرع منها ، لما عرفت ابتناءه على الحدس من وجهين : العموم بالنسبة إليه ، وعدم عروض تخصيص أو مانع آخر منها بالاضافة إليه ، وكما لو حدس من اتفاق بعض الأعاظم أو المعروفين بالفتوى اتفاق الكل.

والمناط في حجيته أيضا أن يكون بنفسه سببا عند المنقول إليه لقول الإمام عليه‌السلام أو يحدس منه السبب الصحيح عنده.

ومع عدم كونه سببا بنفسه ولا سببا للحدس الصحيح للسبب الصحيح عنده فلا تشمله أدلة حجية الخبر ؛ وحيث انّ الغالب فيه هو غير القسمين أيضا فلا بدّ من التميّز والتصريح به في كلام الناقل.

نعم عند عدم كونه سببا تاما ، فان كان جزءا للسبب بحيث يحصل منه بضميمة ما يحصله المنقول إليه ولو بنقل شخص آخر أيضا القطع بتمام السبب فلا

٩٥

إشكال في حجيته ؛ وعلى تقدير عدم القطع بكون نقل ذلك نقل جزء السبب فيشمله أدلة الحجية أيضا كما نشير اليه [ فيما يأتي ] (١).

وينبغي التنبيه على امور :

الاول : الظاهر انه لا فرق في حجية النقل بين نقل المنكشف وبين نقل الكاشف ، تمام السبب كان أو جزءه.

والدليل عليه الدليل على حجية الخبر ، حيث انّ الاجماع وبناء العقلاء ـ بناء على كونهما المستند ـ على عدم الفرق : بين العمل بأصل نقل كلام الامام عليه‌السلام ؛ مثلا وبين نقل متعلقاته وملازماته ممّا يختلف بها ظهور كلامه من الفاظ السؤال ، وتشخيص السائل ، ومكانه لو اختلف به الحكم كما في الكرّ المحدود بالرطل المختلف بكون الراوي مدنيا أو عراقيا ، وغير ذلك ممّا يوجب اختلاف الحكم ، وليس من باب نقل موضوع الأثر الشرعي ، لعدم كون المتعلقات من الموضوع ، بل من الملازم والواسطة في الاثبات ، ولا راجعا نقلها إلى نقل لوازم كلام الامام عليه‌السلام لمكان اختلاف الراوي مع المنقول إليه ، فلو سئل عمّا يفهمه المنقول إليه لينفيه فكيف ينقله؟

فإذا كان نقل الملازمات والمتعلقات كانت هي تمام المناط في استكشاف مراد الإمام أو جزئه حجة في الخبر الحسي فكذا في الخبر الحدسي ، لمكان اتحاد المدرك ، فحينئذ يكون نقل جزء السبب في الاجماع كجزء الموضوع ذي الأثر الشرعي إذا قام عليه الاستصحاب ، ويكون حجة ولو لم يكن له أثر فعلا ، من جهة عدم تحقق الأجزاء الأخر ، فيثمر إذا كانت الاجزاء الأخر محرزة بالوجدان أو

__________________

(١) في الاصل المخطوط ( آنفا ).

٩٦

بالنقل أيضا ، بخلاف ما لو لم تكن حجة ، كما لا يخفى.

الثاني : انّه لا يجوز الاستناد إلى نقل المنكشف في الاجماع المنقول ما لم يحرز انّه ليس من طريقة اللطف أو من مقدمة اخرى باطلة ، للعلم الاجمالي باستناد بعض الناقلين إلى ذلك الموجب لعدم الحجية.

ولا إلى نقل الكاشف إلاّ بمقدار كون النقل جزء تمام السبب عند المنقول إليه ، فيضمّ إليه ما يحصّله بنفسه فيتم تمام السبب حينئذ.

الثالث : انّه لا يجوز الاستناد إلى نقل الاجماع أيضا ، ولو لم يكن في البين علم اجمالي لو كان في المسألة المنقول فيها طريق آخر من خبر أو طريق عقلي يحتمل قويا استناد المجمعين كلا أو بعضهم ممن يقوم به الاجماع الى واحد منهما ولو لم يتم دلالتهما عند المنقول إليه ولكن كان من الممكن عادة استناد من ذكر إليهما ، فلا يصح معه الحدس بتلقّي المجمعين ذلك من رأي الامام عليه‌السلام من غير جهة واحد منهما.

ولا فرق بين كون الناقل غافلا عمّا ذكر ، أو ملتفتا إليه ؛ إذ مع الغفلة يكون الحدس مع عدم العلم بما كان مانعا في البين ومع الالتفات يكون حدسه على غير المتعارف ، وعلى كلّ حال فلا تشمل الأدلة مثل هذا الحدس.

وهذا بخلاف ما لم يكن في البين ما يمنع عن الحدس للمتعارف وكان احتماله بمجرد الشك البدوي لكون الاحتمال مع عدم ذلك غير معتنى به عند العقلاء ، بخلافه مع وجود ذلك كما في قاعدة المقتضي والشك في المانع بناء عليها.

الرابع : انّه لا يجوز الاستناد إليه ولو أحرز انّ الحدس ليس من مقدمة باطلة ، ما لم يتفحص عن حال الناقل انّه ما رجع عن الاجماع بفتواه الخلاف أو نقل هو أو غيره الاجماع على الخلاف ، اذ كثيرا ما يتفق ذلك في الاجماعات

٩٧

المنقولة فبذلك يصير موهونا ، إذ مع رجوع الناقل بنفسه أو نقل الاجماع على الخلاف لا يحصل منه الحدس للمتعارف ولا يوثق به بل يحصل الوهن في كلا الاجماعين.

وليسا كالخبرين المتعارضين حتى يعمل بهما ما يعمل بهما ، لاحتمال صدق الخبرين الحاكيين لقول الامام عليه‌السلام ، بخلاف الاجماع الكاشف عن رأي الامام عليه‌السلام فانّه ليس في البين رأيان له حتى يحتمل صدقهما ويصح الحدس بهما.

وإذا كان كذلك فيصيران موهونين لا يعتنى بهما من حيث نقل المنكشف ولا من حيث نقل الكاشف ، إلاّ أن يصير أحدهما أقوى فيؤخذ بما نفي منه بعد ملاحظة المصادمة حتى ينضم إليه سائر ما يتم معه السبب التام ، بعد القاء قدر المعارضة ، كما لا يخفى.

الخامس : انّ ما ذكرنا في نقل الاجماع من كون حجيته تارة من جهة نقل السبب ، واخرى من جهة نقل المسبب إنّما يجري في نقل التواتر أيضا ، كما إذا نقل التواتر في خبر الثقلين مثلا.

أمّا من الجهة الاولى : فيتوقف ترتيب الآثار الثابتة لصفة التواتر بنفسه على :

كونها للتواتر في الجملة ولو عند غير المنقول إليه.

أو كون المنقول من الأخبار بمقدار يحصل ويتم به عدد التواتر عادة.

أو عند المنقول إليه ؛ وبدون ذلك يكون حجة في كونه جزء السبب فينضم إليه ما يتم به تمام السبب ، سواء كان سائر ما يتم به السبب بتحصيل المنقول إليه بنفسه أو بنقل غيره إليه أيضا.

وأمّا الجهة الثانية : كما لو نقل نفس ما تواتر به من الامام عليه‌السلام بحيث يكون

٩٨

من الاخبار بلا واسطة كي يكون عالي السند فيقدم على غيره من الاخبار مع الواسطة ، فيشترط ترتيب أثر المخبر به مثل موت زيد ونحوه بكون السبب وهو المنقول من التواتر ملازما عاديا لوقوعه عادة أو عند المنقول إليه ، وإلاّ يكون داخلا في أخبار الآحاد مع الواسطة بالنسبة إلى المسبب وفي نقل الجزء بالنسبة إلى نقل السبب ، فتدبّر.

٩٩

الشهرة الفتوائية

ومن جملة الظنون التي توهّم حجيتها بالخصوص : الشهرة الفتوائية. وما يمكن تقريب دلالته على حجيتها أمران :

الاول : آية النبأ الدالة عليه بمفهوم الموافقة ، بأن يقال : انّ هذه الآية لمّا كانت مفصلة بين نبأ الفاسق ونبأ العادل منطوقا ومفهوما مع تعليل الحكم في طرف المنطوق باصابة القوم بالجهالة وحصول الندم ، فكانت دالة بحسب المفهوم على كون حجية العادل من جهة بعده عن معرض الاصابة التي كانت في نبأ الفاسق ، ولا اشكال في أبعدية الشهرة عنه ، فتدل على حجيتها بالأولوية ، فتدل عرفا على حجية كل أمارة كانت أبعد من الاصابة بالجهالة من خبر العدل بمفهوم الموافقة الحاصلة لقضية المفهوم ، ومنها الشهرة.

ولكنه يدفع : بأنّ المستفاد من تعليل عدم الحجية في طرف المنطوق بالاصابة بخصوصه أمران :

تحقق المقتضي للحجية في مطلق النبأ ، وإلاّ لكان الأولى التعليل بعدمه.

وانحصار المانع في النبأ في خصوص الاصابة.

ومن المعلوم انّ الشهرة وان كانت أبعد منه من خبر العدل إلاّ إذا استفيد [ تحقق ] (١) المقتضي في كلّ أمارة ، وانحصار المانع مطلقا في خصوص الاصابة بلا خصوصية لموضوع النبأ فيهما ، وهو بمكان من البعد.

إلاّ أن يدّعى : انّ المستفاد عرفا من المفهوم هو كون عدم المعرضية التي

__________________

(١) في الاصل المخطوط ( بتحقق ).

١٠٠