تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ٢

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 978-600-5213-31-7
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٦٣٨
الجزء ١ الجزء ٢

فيكون مقدما على المسبب ـ إنّما هو بلحاظ الحكم الاستصحابي ، وامّا مع قطع النظر عنه فكل منهما فرد للموضوع وهو عنوان نقض اليقين بالشك في عرض واحد وليس فردية واحد منهما قاصرا عن الآخر بنفسه ، ومن المعلوم انّه لا بدّ من لحاظ الموضوع إثباتا ونفيا مع قطع النظر عن الحكم ولا ترجيح لأحدهما على الآخر بدونه فكيف يلاحظ أولا في طرف السبب حتى يخرج المسبب عن الفردية؟ وليس أولى من العكس حتى يلزم التخصيص بالنسبة إلى السبب.

قلت : نعم ، إلاّ انّ عدم إمكان العمل في كلا الفردين يكون قرينة عقلية على عدم ارادتهما معا منه فيدور الأمر بين اخراجهما معا عنه واخراج السبب دون المسبّب وبالعكس ومن المعلوم انّ لزوم المحذور الزائد عمّا لا بدّ من ارتكابه عقلا من اخراج واحد منهما عنه في الأوّلين وهو عدم الوجه من اخراجهما بعد امكان العمل بواحد منهما ولزوم التخصيص بلا مخصص دون الأخير يكفي ترجيحا له عليهما كما هو واضح.

وتوهم : عدم شمول الدليل لليقين على خلاف المتيقن السابق الناشئ منه بنفسه لاستلزامه الدور فيكونان في عرض واحد مطلقا ، مدفوع :

بامكان شموله له ولو بنحو القضية الطبيعية كما في كل خبري صادق فلا وجه لتوهم الايراد من هذه الجهة أيضا ، هذا.

مع أنّه لو لم يبن على تقديم الاستصحاب السببي على الاستصحاب المسبّبي لزم عدم الفائدة في اجرائه في الموضوعات لو كانت مشكوكة حيث انّه ان لم يكن مجديا في ترتيب الآثار التي لم تكن مشتركة معها في الحالة السابقة لم يكن مجديا بالنسبة إلى ما كانت مشتركة فيها إلاّ لأجل احراز الموضوع المعتبر في اجرائه فيها وقد عرفت عدم ترتيب استصحاب الآثار على استصحاب الموضوع والمفروض عدم ترتّبها بنفسها عليه لعدم الفرق بين الموافق مع الموضوع أو

٥٢١

المخالف له في الحالة السابقة وبناء على تقديم استصحاب الموضوع على استصحاب الحكم الموافق فيقدم على المخالف أيضا لعدم التفاوت كما لا يخفى ، هذا.

مع انّ مورد غالب الأخبار تقديم الاستصحاب الموضوعي على الحكمي مثل استصحاب الطهارة على استصحاب الاشتغال في الصلاة ، واستصحاب عدم دخول هلال رمضان أو شوال على استصحاب عدم وجوب الصوم أو بقاء الاشتغال به إلى غير ذلك من الموارد كما لا يخفى.

هذا كله بناء على أخذ الاستصحاب من باب التعبد.

وامّا بناء على أخذه من باب الظن فكذلك أيضا.

وجهه : انّ المسبب لمّا كان مترشحا من العلة وتابعا لها في الوجود بل يكون من شئون وجوده دون العكس فيكون الذهن مع الالتفات إليهما ناظرا إلى العلة فان حصل من حالتها السابقة ظن ببقائها في نفسها فيحكم بتبعية المعلول إيّاها في الوجود ولا يلتفت إلى حالته السابقة بنفسه ؛ ولا فرق بين كون الاستصحاب من باب الظن النوعي أو الشخصي.

امّا الأول : فلأجل كون الظن النوعي في العلة غير تابع للمعلول بل كان ثابتا لها في نفسها ولو مع الالتفات إلى كون الحالة السابقة في المعلول على خلافها ، بخلاف المعلول فانّه لم يمكن أن يكون الظنّ النوعي فيه على خلافها مع الالتفات إليها وكونها مظنونة على خلافه إلاّ مع الغفلة عنها.

وأمّا الثاني فكذلك لأجل التبعية في الوجود إلاّ إذا لم يكن السبب في نفسه مظنون البقاء شخصا بل كان مظنون الارتفاع ولو مع قطع النظر عن المعلول فيمكن أن يحصل ظن فيه ببقائه ، على خلاف العلة ، وهذا من جهة عدم الظنّ فيها بنفسها لا من جهة تقديم الظن في المعلول عليها.

٥٢٢

فظهر مما ذكرنا : انّ الاستصحاب الجاري في السبب مقدم على الجاري في المسبب إلاّ إذا لم يكن جاريا فيه بنفسه :

امّا من جهة معارضته مع ما في عرضه كما في الشبهة المحصورة مع حصول الملاقاة مع أحد الأطراف بعد العلم الاجمالي.

وامّا من جهة عدم المقتضي كما لو لم يظن شخصيا بالبقاء ـ بناء على كون الاستصحاب من باب الظن الشخصي ـ فيكون جاريا في المسبب بلا مزاحم.

وأمّا القسم الثاني : وهو ما إذا تعارض فردان من الاستصحاب مع عدم كون المستصحب في أحدهما أثرا شرعيا للآخر :

فان كان التعارض من جهة عدم القدرة على العمل بهما بلا علم اجمالي على انتقاض الحالة السابقة في أحدهما كما في مستصحب الوجوب مع عدم التمكن من العمل بكلا الواجبين فيدخل ذلك في المتزاحمين فيقدم الأهم منهما لو كان وإلاّ فالتخيير.

وان كان من جهة العلم الاجمالي بالانتقاض :

فان كان أحدهما مورد الابتلاء دون الآخر فلا اشكال في العمل بالأول.

وهذا في الحقيقة ليس من قبيل تعارض الاستصحابين لعدم كونه جاريا في الثاني في نفسه ، لما قرّر سابقا من كون الاستصحاب قاعدة مقرّرة لتعيين الحكم الفعلي ولا حكم فعلي في الخارج عن الابتلاء.

وان كان كل منهما موردا للابتلاء فيقع بينهما التعارض سواء كان من جهة استلزامهما مخالفة عملية للعلم الاجمالي كما في مستصحبي الطهارة مع العلم بنجاسة أحدهما ، أو كان من جهة الاجماع على عدم اجتماع المستصحبين في موضوع واحد كما في الماء النجس المتمم كرّا بماء طاهر بناء على ثبوت الاجماع على عدم اختلاف الماء الواحد في الطهارة والنجاسة ولو ظاهرا ، أو لا يلزم

٥٢٣

أحدهما كما في التوضي اشتباها بالمائع المردد بين البول والماء فانّ استصحاب الطهارة الخبثية مع استصحاب عدم الطهارة الحدثية يتعارضان ؛ ففي اجراء الاستصحاب في الطرفين ، أو عدمه فيهما مطلقا ، أو التفصيل بين ما إذا لزم من اجرائهما مخالفة عملية للعلم الاجمالي أو للاجماع فيتساقطان وبين ما إذا لم يلزم أحدهما فيجريان [ اقوال ].

ولكن التحقيق : أن يبحث في مقامين :

أحدهما : في ثبوت المقتضي للاستصحابين في أطراف العلم الاجمالي وعدمه.

والثاني : في وجود المانع عن الجريان على تقدير ثبوت المقتضي لهما وعدمه.

امّا الأول : فقد يقال : بعدم المقتضي للاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي ، لعدم شمول دليله لها لأنّه على تقدير الشمول يلزم التعارض في مثل قوله عليه‌السلام : « لا تنقض اليقين بالشك ولكن تنقضه بيقين مثله » (١) بين صدر الرواية وذيلها حيث انّها بمقتضى الصدر تدل على حرمة نقض اليقين لكل من الطرفين بالشك فيه معيّنا وبمقتضى ذيلها تدل على وجوب النقض في أحد الطرفين لا بعينه ، للعلم الاجمالي بانتقاض أحدهما كذلك ، ومن المعلوم لزوم التناقض بين السالبة الكلية وبين الموجبة الجزئية وطرح أحدهما المعيّن والأخذ بالآخر موجب للتعيين بلا معيّن ؛ والاخذ بأحدهما المخيّر في مورد العلم الاجمالي موجب لاستعمال النهي في المعنيين في الحرمة التعيينية في غير مورد العلم الاجمالي والتخييرية في مورده ولا يخفى انّ العلم الاجمالي إنّما تعلق بأحدهما المردد المصداقي لا

__________________

(١) في المصادر : « وانما تنقضه بيقين آخر ». وسائل الشيعة ١ : ١٧٥ الباب ١ من ابواب نواقض الوضوء ، الحديث ١.

٥٢٤

بأحدهما المفهومي حتى يقال بكون حرمة النقض فيه تعيينا أيضا مع كون التخيير في افراده ، حيث انّ ذاك المفهوم إنّما انتزع عن المورد بعد العلم الاجمالي المذكور لا انّه كان متعلق العلم ابتداء.

فان قلت : انّ الذيل منصرف إلى العلم التفصيلي ، هذا. مع ظهور قوله : « بيقين مثله » في كون متعلق اليقين الناقض العنوان الذي تعلق به اليقين الأول لا مطلق اليقين كما في أطراف العلم الاجمالي.

قلت : امّا الانصراف فلا وجه له بعد عدم قصور في اليقين الاجمالي بالنسبة إلى التفصيلي ، بل دعوى الانصراف في ذلك ليست بأولى من دعوى انصراف الشك إلى الشك المحض من جميع الجهات غير المقرون بالعلم الاجمالي أبدا. وامّا ظهور اليقين المماثل في اتحاده مع اليقين الأول في المتعلق فهو على تقدير التسليم متحقق في أطراف العلم الاجمالي أيضا ، كما لو علمنا بنجاسة اناء زيد بعنوانه الخاص المشتبه شخصه مع العلم بطهارته السابقة بذاك العنوان ، وبضميمة عدم الفصل يلحق غيره به ، هذا.

لكن التحقيق أن يقال : الأخبار ليست بصدد بيان الحكم في طرف الذيل بل إنّما كانت بصدد البيان بالنسبة إلى الصدر وذكر الذيل إنّما هو لمجرد الاشارة إلى ما يحكم به العقل لولاه من عدم تحقق الموضوع في الاستصحاب في مورد اليقين لا أزيد من ذلك فيكون كأن لم يكن مذكورا ، ومن المعلوم انّ العقل لا يحكم بالنقض إلاّ في مورد لم يمكن أن يتطرّق إليه ضرب القاعدة أو لا يشمله الاطلاق كما في العلم التفصيلي والعلم الاجمالي لو لم يكن إطلاق للدليل وامّا معه كما هو المفروض فلا يحكم في مورد العلم الاجمالي ، هذا.

مع انّه على تقدير تسليم كونها بصدد بيان الحكم في طرف الصدر والذيل معا وعدم ترجيح الأول على الثاني تكون الأخبار المشتملة على ذاك الذيل مجملا

٥٢٥

في أطراف العلم الاجمالي فيبقى ظهور الأخبار الخالية عن الذيل في الاطلاق والشمول لمورد العلم الاجمالي سليما عن المعارض ولا يوجب اجمال الأخبار المشتملة عليه لاجمال ما كان خاليا عنه ، لانفصالها ، لما قرر في محله من عدم سراية اجمال الخاص المنفصل إلى العام.

[ واما ] المقام الثاني : في بيان المانع بعد الفراغ عن ثبوت المقتضي في أطراف العلم الاجمالي وعدمه ، فنقول :

انّ اجراء الاستصحابين لو لم يكن مخالفة عملية للعلم الاجمالي كما في مستصحبي النجاسة في أطراف العلم بطهارة أحدهما وكما في استصحاب طهارة البدن والحدث في مورد التوضي بالمائع المردد وكما في استصحاب الطهارة لكلّ من واجدي المني في الثوب المشترك فلا اشكال في عدم كون العلم الاجمالي مانعا عن الاستصحابين.

وامّا لو كان مستلزما لذلك كما في مستصحبي الطهارة في مورد العلم الاجمالي بالنجاسة :

فان قلنا : بكون العلم الاجمالي علة تامة للتنجز ، فيكون مانعا عقلا.

وان قلنا : بكونه مقتضيا له في نفسه فان كان متعلّقا بالحكم الواصل إلى مرتبة الفعلية بنفسه ، فكذلك أيضا ، وإلاّ ، فلا بل يكون الاستصحابان بمقتضى اطلاق دليلهما مانعين عن اقتضائه الفعلية كما لا يخفى.

هذا مجمل الكلام في الاستصحابين المتعارضين.

٥٢٦

اصالة الصحة

ومن جملة القواعد التي تتعارض مع الاستصحاب : أصالة الصحة ، التي كانت مسلّمة في الجملة وتسمى :

في فعل الغير « أصالة الصحة ».

وفي فعل نفس الفاعل الشاك « قاعدة الفراغ » لو كان الشك في الصحة.

و « قاعدة التجاوز » لو كان الشك في أصل الوجود ، بعد التجاوز عن المحل.

ولا يخفى انّ كل مورد يجري فيه ذلك الأصل كان في العبادات أو في المعاملات لا يخلو عن أصل كان مقتضاه الفساد ، بمعنى عدم ترتيب الأثر المقصود : من أصالة عدم موافقة الأمر وعدم الاتيان بالمأمور به وبقاء الاشتغال في العبادات ، ومن أصالة عدم ايجاد السبب المؤثر للنقل والانتقال وعدم حصول الأثر ونحوهما في المعاملات.

ولا يخفى انّ هذه الاصول وان لم تكن مجدية في استكشاف فساد الموجود ، إلاّ انّه يترتب عليها الأثر المهم : من بقاء الاشتغال في العبادة ، وعدم تحقق النقل والانتقال في المعاملات.

ولكن التحقيق : تقديم أصالة الصحة على تلك الاصول بل على الاصول الموضوعية الجارية في الامور التي كان الشك في حصول الاختلال بها منشأ للشك في الصحة من مثل : أصالة عدم الاتيان بالجزء المشكوك ، وأصالة عدم البلوغ ، وعدم تحقق العقد بالعربية مثلا ، لأنّه لو لم يقدم عليها لما يبق لها مورد أصلا لعدم

٥٢٧

خلو مورد من أصل من تلك الاصول فيصير جعل هذا الأصل كاللغو. هذا بناء على كون أصالة الصحة من باب التعبد ، وامّا بناء على كونها من باب الظن فالأمر أوضح ، وهذا مما لا اشكال فيه.

وإنّما الاشكال في تعيين مجراها من حيث جريانها في فعل الشخص وفعل الغير في المعاملات والعبادات وفي الكل والجزء ونحوها من الجهات ، ولكنه يتوقف على ذكر الدليل عليها وتعيين ما هو مفاده من الجهات فنقول :

انّ الأخبار الدالة عليها على طائفتين :

إحداهما : ما روى زرارة في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « رجل شك في الأذان وقد دخل في الاقامة قال يمضي ... قلت رجل شك في التكبير وقد قرأ قال يمضي قلت شك في القراءة وقد ركع قال يمضي قلت شك في الركوع وقد سجد قال يمضي على صلاته. ثم قال : يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره ف (١) كك ليس بشيء » (٢) وفي معناها رواية الحلبي عن الصادق في الفقيه ورواية اسماعيل بن جابر (٣) عنه عليه‌السلام.

ولا يخفى انّ ظاهر الخروج في هذه الرواية والتجاوز في رواية [ ابن ] جابر وان كان هو تحقق الشيء سابقا فيكون الشك في الصحة بعد الفراغ عن أصل وجوده ، إلاّ انّه بقرينة المورد من كون الشك في أصل وجود الاجزاء وتعارف التعبير بعد التجاوز عن المحل مع الشك في الوجود بالشك بعد التجاوز مع لحاظ اسناد الشك في رواية [ ابن ] جابر إلى نفس الشيء لا بدّ من حمل الرواية على الشك في الوجود بعد التجاوز عن المحل ؛ ويمكن الحاق الشك في الصحة به بتنقيح

__________________

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٢٦ الباب ٤٩ باب احكام السهو في الصلاة ، الحديث ٩٩٧ / ١٤.

(١) وسائل الشيعة ٥ : ٣٣٦ الباب ٢٣ من ابواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ٤ : ٩٣٧ الباب ١٣ من ابواب الركوع ، الحديث ٤.

٥٢٨

المناط.

ثم انّ منصرف هذه الرواية ونحوها أو القدر المتيقن منها بقرينة سبق السؤال والجواب مكررا في اجزاء الصلاة هو ضرب القاعدة في خصوص اجزائها ؛ ولا يجدي وقوع لفظة « كل » في قوله عليه‌السلام في رواية ابن جابر : « كل شيء شك فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه » الحديث في إفادة العموم ، حيث انّ افادتها للعموم إنّما هو بالنسبة إلى افراد ما اريد من مدخولها فيتبعه سعة وضيقا فإذا كان المتيقن منه جزء الصلاة كان عمومها في اجزائها ؛ ويؤيده النقل عن بعض بالتعبير من اجزاء الصلاة في بعض الأخبار. ثم لو سلّم العموم فلا بدّ من التخصيص بغير اجزاء الوضوء ، للأخبار الخاصة ، وللاجماع ، والحاق باقي الطهارات به بعدم الفصل.

ثم انّ المتيقن من الجزء ما كان له عنوان على حدة من مثل الركوع والسجود لا مثل مقدماتهما من الهوي والنهوض وجزء القراءة مثلا لقراءة تقريبه عليه‌السلام ضابطة كلية على الأسئلة التي لم يكن فيها ما عدى الاجزاء الاستقلالية مع الاخلال عمّا بينها من غير المستقلات والمقدمات لو كانت عامة للثانية أيضا. كما انّ ظاهر الروايتين اعتبار الدخول في الغير لا مجرد التجاوز عن المحل.

ثم انّه على تقدير عمومهما لمطلق اجزاء المركّبات فلا بدّ من تقييدهما بغير الطهارات الثلاث في ما تحقق التجاوز عن محل اجزائها قبل الفراغ عن الكل ، لخروج الوضوء ـ مضافا إلى الاجماع ـ بمفهوم موثقة ابن [ ابي ] يعفور الآتية بناء على ارجاع الضمير في « غيره » فيها إلى الوضوء ومفهوم رواية زرارة وهي قوله عليه‌السلام : « فإذا قمت من الوضوء وفرغت عنه وقد صرت في حال اخرى في الصلاة أو

٥٢٩

في غيرها فشككت في بعض ما سمى الله مما أوجب الله عليك فيه وضوءه لا شيء عليك » (١) ويلحق به الغسل والتيمم ، بعدم الفصل.

الطائفة الثانية : ما يستفاد منها قاعدة عامة في مطلق المركبات من العبادات والمعاملات بل في أفعال الشخص وغيره وهي كثيرة :

منها : قوله عليه‌السلام في الموثقة : « كل ما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو » (٢) الحديث ، حيث انّ الظاهر من ال « كل » المضاف إلى الموصول مطلق الفعل الذي قد شك فيه وقد مضى وكان موضوع أثر في زمان الشك للشاك ، سواء كان هو فعل نفسه او فعل غيره ، عبادة كان أو معاملة بلا انصراف ولا قدر متيقن في البين ؛ فهذه الموثقة أحسن دليل لأصالة الصحة ولو في فعل الغير ، فلا وجه معها للتمسك بالآيات والأخبار غير الدالة إلاّ على عدم حمل فعل المسلم على القبيح بلا دلالة لها على حمله على الصحيح الواقعي وبترتيب آثار الواقع عليه.

ومنها : موثقة ابن أبي يعفور : « إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكك ليس بشيء إنّما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه » (٣) حيث انّ الظاهر انّ ال « شيء » مفهوما ومنطوقا أعم من العبادات والمعاملات لا خصوص العبادة ، وإلاّ لكان منحصرا في خصوص الوضوء فكان ذكر الكبرى تكرارا ولغوا في مقام ذكر القاعدة ؛ ومع التعدي عن الوضوء إلى سائر العبادات فلا وجه للاقتصار على خصوصها بعد الاطلاق في الكبرى ، هذا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ٣٣٠ الباب ٤٢ من ابواب الوضوء ، الحديث ١ ؛ تهذيب الاحكام ١ : ١٠٠ باب صفة الوضوء الحديث ٢٦١ / ١١٠ وفيهما « منه » لا « عنه » ؛ الكافي ٣ : ٣٣ باب الشك في الوضوء ، الحديث ٢ ، وليس فيه لا « منه » ولا « عنه ».

(٢) وسائل الشيعة ٥ : ٣٣٦ الباب ٢٣ من ابواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ١ : ٣٣٠ الباب ٤٢ من ابواب الوضوء ، الحديث ٢.

٥٣٠

مضافا إلى اشتمال الوضوء على جهتين : جهة العبادة من حيث كونه قربيا ومتوقفا على قصد القربة ، وجهة معاملة من حيث تأثيره في حصول أمر آخر وهو الطهارة ؛ فيتعدى فيه إلى كل ما اشتمل على احدى الجهتين. نعم في شمول الموثقة لفعل الغير نظر : من حيث ظهور اسناد التجاوز إلى الشخص نفيا واثباتا في فعل الشخص نفسه لا فعل غيره إلاّ ان يدّعى الغاء الخصوصية ، وانّ الظاهر منها انّ المناط نفيا واثباتا هو التجاوز وعدمه.

ومنها : ما يستفاد منها القاعدة الخاصة في خصوص باب الصلاة والطهارة مثل قوله عليه‌السلام : « كل ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فامضه كما هو » (١) وقوله عليه‌السلام فيمن شك في الوضوء بعد ما فرغ : « هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك » (٢) ونحوهما من الأخبار ، إلاّ انّ يدّعى عموم العلة فيه فيصير من الأخبار العامة أيضا.

ثم انّه يقع الكلام في مواضع :

الأول : انّ المعتبر في القاعدة هل هو مجرد الفراغ؟ أو اعتبار الدخول في الغير أيضا؟

فنقول : بناء على حمل الروايتين الأوليين على قاعدة التجاوز في خصوص أجزاء الصلاة وحمل البقية على قاعدة الفراغ والصحة في المركبات فلا اشكال في اعتبار الدخول في الغير في القاعدة الاولى دون الثانية.

وامّا بناء على استفادة العموم في الأوليين ، فيدور الأمر :

بين حمل القيد وهو ال « غير » (٣) على الغالب لكون التجاوز عن الشيء

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ٣٣١ الباب ٤٢ من ابواب الوضوء ، الحديث ٦ ، لكن ليس فيه « كما هو ».

(٢) وسائل الشيعة ١ : ٣٣١ الباب ٤٢ من ابواب الوضوء ، الحديث ٧.

(٣) في قوله عليه‌السلام : « وقد دخلت في غيره » في موثقة ابن أبي يعفور الآنفة.

٥٣١

غالبا متحققا في ضمن الدخول في الغير فيكون الاطلاق باقيا بحاله.

وبين حمل الاطلاق على الغالب ، وانّ الاقتصار على مجرد التجاوز والفراغ في بعض الأخبار من جهة تحقّقهما غالبا في ضمن الدخول في الغير ، وإلاّ فالمناط هو المقيد.

وربما يقال : بكون ظهور القيد في التقييد وضعيا ، وظهور المطلق في الاطلاق حكميا ؛ فيقدم عليه.

ولكنه يدفع :

مضافا إلى عدم الوضع للقيد في تحديد الحكم بل المسلّم منه في مقام تحديد الموضوعات في الحدود انّه على تقدير التسليم وتسليم أظهرية الوضع عن ظهور الحكمة مطلقا.

انّ التعارض ليس بين القيد والمطلق في نفسهما بل إنّما هو : بين ظهور القضية الشرطية في كون المناط نفيا واثباتا هو الدخول في الغير ، وبين ظهور لفظة « إنّما » (١) في حصر المناط نفيا واثباتا في مجرد الفراغ والتجاوز ؛ ومن المعلوم أظهرية الثاني ، هذا.

مضافا إلى تعارف التعبير عن التجاوز المتحقق غالبا في ضمن الدخول في الغير بالدخول فيه.

الثاني : [ هل ] انّ المستفاد من الأخبار ضرب القاعدة في خصوص المركبات؟ أو مطلقا ولو في الاجزاء؟

والظاهر هو الأول ، لوجوه :

الأول : أنّ المضي عن الشيء بقول مطلق إنّما هو في المركب لا في الاجزاء

__________________

(١) في موثقة ابن ابي يعفور.

٥٣٢

فيما لم يحصل الفراغ عن المركب ، لكونه ظاهرا فيه عند الاطلاق. مضافا إلى انّ المضي عن الشيء إنّما ينصرف إلى ما كان موضوعا للأحكام الشرعية والآثار النفسية من العناوين المأخوذة في الأدلة استقلالا وبحيالها لا غيريا وتبعيا ، وهي ليس إلاّ نفس المركبات.

الثاني : انّ الظاهر من موثقة ابن [ أبي ] يعفور ـ بقرينة الاجماع وبعض الأخبار الدالّة على الاعتناء بالشك في اجزاء الوضوء قبل الفراغ عنه ولو بعد التجاوز عنها ـ رجوع ضمير « غيره » إلى الوضوء ، فيدل :

بالمنطوق على انّ الشك في جزء من الوضوء لا يعتنى به إذا حصل الفراغ عن الوضوء رأسا.

وبالمفهوم على وجوب الاعتناء به قبل الفراغ عنه ولو بعد التجاوز عنها. وقوله عليه‌السلام بعد ذلك : « إنّما الشك » في مقام بيان الكبرى الكلية لكل من طرفي الحكم بأنّ الاعتناء قبل تمامية الوضوء من جهة كونه قبل الفراغ وعدم الاعتناء بعده من جهة كونه بعد الفراغ ، فيستكشف عدم جريان القاعدة في الجزء ، وإلاّ لكان الاعتناء في الوضوء قبل الفراغ عنه مخصّصا للقاعدة لا مطابقا لها كما يظهر من الرواية ؛ الاّ أن لا يكون المنطوق في الكبرى منطبقا على مورد الوضوء فيلزم الخروج الموردي ، وهو مستهجن في الكلام كما لا يخفى.

الثالث : انّه لو كانت الأخبار دالة على ضرب القاعدة في الاجزاء أيضا فيلزم التعارض بينها فيما لو شك في الجزء بعد التجاوز عنه وقبل الفراغ عن الكل فيلزم الاعتناء من جهة كونه شكا في الكل قبل الفراغ وعدم الاعتناء به من جهة كونه شكا في الجزء بعد الفراغ.

ولا يتوهم : انّ الشك في الكل مسبب عن الشك في الجزء فيقدم السبب على المسبب.

٥٣٣

لكون الشك فيهما في عرض واحد بل الشك فيهما واحد ذو جهتين فله استناد إلى الجزء ويكون من هذه الجهة شكا بعد التجاوز ، وإلى الكل ويكون شكا قبله من هذه الجهة ، فتتعارض الجهتان حكما على تقدير شمول القاعدة لهما ؛ والمفروض انّ صحة الجزء عين صحة الكل من حيث ترتيب الآثار المترتبة على الكل غاية الأمر بنحو من الدخل كما مرّ في استصحاب الجزء والشرط والمانع وجودا وعدما.

وتوهم : عدم تعرض الأخبار للشك قبل الفراغ أصلا أو في الجملة ولو في خصوص ما كان قبل الفراغ عن الجزء والكل معا ، لا للشك قبل الفراغ بالنسبة إلى أحدهما دون الآخر كما في ما نحن فيه.

مدفوع : بثبوت المفهوم للقيد في مقام تحديد القاعدة وضربها كما فيما نحن فيه ، فانّ تحديد القاعدة بما بعد الفراغ يدل على الاعتناء بالشك قبل حصول الفراغ فيحصل التعارض بين الجزء والكل فيما ذكرنا ، فلا بدّ من دفعه باخراج أحدهما عن القاعدة موضوعا ، ولا يصير ذلك في الكل لكونه المتيقن بقرينة الضمير المذكور وبقرينة قوله عليه‌السلام : « كلما مضى من صلاتك الخ » (١) بناء على كون كلمة « من » بيانية كما هو الظاهر ، وبعض الأخبار الاخرى ، فلا بدّ من اخراج الجزء.

نعم لو كان الجزء مما كان له عنوان على حدة وكان بنظر العرف شيئا مستقل الوجود والآثار كما في مناسك الحج فالظاهر جريان قاعدة الفراغ فيها بنفسها لو شك في صحتها بعد الفراغ عنها ولو قبل الفراغ عن تمام الحج.

فان قلت : لزم التعارض بين اجرائها فيها ، وبين اجراء قاعدة عدم التجاوز

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ٣٣١ الباب ٤٢ من ابواب الوضوء ، الحديث ٦.

٥٣٤

بالنسبة إلى الحج.

قلت : انّ الحج بعد كون اجزائه مستقلة الوجود والعنوان بنظر العرف يكون مجموع امور متعددة لا أمرا واحدا ، ولا بدّ من وحدة الموضوع في هذه القاعدة.

فان قلت : انّ كون الحج مجموع امور متعددة كالصوم والصلاة خلاف ظهور الدليل عليه وهو قوله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) (١) الآية ، في كونه أمرا واحدا مركبا من اجزاء مرتبطة كما في اجزاء الصلاة.

قلت : نعم ، لا محيص عنه في متعلق الأمر الواقعي كما في الآية من جهة وحدة المصلحة ؛ وأمّا بالنسبة إلى موضوع الأوامر الطارئة كالأمر بالمضي عن الشيء بعد التجاوز عنه كما في القاعدة مثلا فلم يلحظ فيه إلاّ ما كان عند العرف ـ ولو بنظرهم المسامحي ـ شيئا واحدا حيث انّه قد أطلق الشيء في موضوع القاعدة بدون التحديد فلا بدّ من الرجوع إلى نظرهم ، ومن المعلوم انّ ما كان شيئا واحدا بنظرهم هو كل واحد من مناسك الحج لا مجموعها فإذا كان الأمر كذلك تكون هي الداخلة في القاعدة لا المركب منها. نعم يكون اجزاء كل منها خارجا عنها كما لا يخفى.

فان قلت : فكيف الأمر لو شك في وجود بعض اجزاء الحج مما بتركه كان مبطلا له عمدا وسهوا بعد الفراغ عنه؟ والحال انّ الظاهر من حالهم عدم الاعتناء به ما لم يعلم بالاخلال.

قلت : نعم لا بأس بالالتزام باجراء قاعدة الفراغ هاهنا في نفس الحج :

امّا من جهة عدم المانع عنه [ من ] (٢) لحاظ مجموع اجزائه مربوطا معا بحيث يعدّ المجموع شيئا واحدا ، فتشمله قاعدة الفراغ ، حيث انّ المانع عنه في ما

__________________

(١) سورة آل عمران : ٩٧.

(٢) في الاصل المخطوط ( بين ).

٥٣٥

كان الشك في صحة اجزائه قبل الفراغ عنه إنّما هو لحاظ استقلاليتها الموجب لدخولها تحت القاعدة المنافي لدخول المجموع تحتها حينئذ. وأمّا لو لم تكن الاجزاء مشمولا وموضوعا للقاعدة كما لو كان الشك في الاتيان بها بناء على انحصار القاعدة في الشك في الصحة فلا منافي لفرض المجموع أمرا واحدا موضوعا للقاعدة ، نظرا إلى ارتباطها الواقعي من جهة وحدة مصلحتها الواقعية.

وبعبارة اخرى : كان للكل جهتان ونظران : من إحداهما يكون مجموع امور متعددة لو لوحظ الاستقلال في اجزائه ، ومن اخراهما يكون شيئا واحدا لو لم تلحظ الاجزاء كذلك ، من جهة عدم كونها مشمولا للقاعدة ، لانتفائها بانتفاء الموضوع ، لعدم الشك في صحتها بعد الفراغ عنها.

وأمّا من جهة تنقيح المناط القطعي بعدم الفرق بين مثل الحج مما كان مؤلفا من اجزاء مستقلة ، وبين سائر المركبات مما كان مؤتلفا من اجزاء مرتبطة للقول بعدم الفرق بينها قطعا.

وينبغي التنبيه على امور :

الأول : انّ المراد من الشك في الصحة بعد الفراغ في موضوع هذا الأصل هل هو الشك الطارئ مع الغفلة عن صورة العمل؟ أو مطلقا ولو كان ملتفتا إليها كما انّه لو علم بعدم تحريك الخاتم في الوضوء وشك في انغسال تحته بالارتماس ونحوه أم لا؟

من التعليل في بعض الأخبار بقوله عليه‌السلام : « هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك » فانّه لا تصدق الأذكرية إلاّ حين ما غفل عن صورة العمل ، حيث انّه يكون الانسان حال اشتغاله بالعمل ملتفتا إلى اجزائه غالبا بخلاف ما لو تجاوز عنه ، فيكون أذكر بالنسبة إلى حاله بعده.

٥٣٦

ومن اطلاق الشك في ال « شيء » بعد المضي عنه في بعض الأخبار الأخر.

والتحقيق : هو الثاني ، للاطلاق المحكّم. ولا ينافيه التعليل المذكور.

امّا أولا : فلظهور التعليل في الأخبار في كونه حكمة لا علة حقيقية.

وأمّا ثانيا : فلاحتمال كونه علة للغالب من افراد الشك من الغفلة عن صورة العمل بلا انحصار في ذلك فيكون بالنسبة إلى غير الغالب مسكوتا عنه في ذاك الخبر ويبقى إطلاق الحكم بحاله.

وأمّا ثالثا : فلصدق العلة في جميع الافراد ، حيث انّ المراد منها الأذكرية الغالبية النوعية لا الدائمية الفعلية وإلاّ يكون غالب صور الغفلة عن العمل خارجا عنها كما لا يخفى.

ومن المعلوم انّ الأذكرية بالظن النوعي تتحقق ولو مع الالتفات إلى الصورة كما في المثال ، حيث انّه مع ذاك الالتفات المذكور ربما يحتمل أن يكون وصول الماء تحت الخاتم كان مقطوعا حال العمل ولو مع عدم التحريك.

والحاصل : انّه لا وجه لرفع اليد عن اطلاق الحكم في الأخبار.

الأمر الثاني : في تعارض القاعدة مع قاعدة التجاوز فيما لو شك في صحة الجزء بعد الفراغ عنه قبل الفراغ عن الكل ، حيث انّه بمقتضى مفهوم قاعدة الفراغ عن الكل لا بدّ من الاعتناء بالشك وبمقتضى قاعدة التجاوز في الجزء لا بدّ من عدم الاعتناء به.

ولكن التحقيق : تقديم قاعدة التجاوز. امّا بناء على اختصاصها بالصلاة فواضح ، لكونها أخص من قاعدة الفراغ الجاري في جميع المركبات. وامّا بناء على تعميمها لجميع اجزاء المركبات فكذلك أيضا ، حيث انّ مفهوم قاعدة الفراغ يدل على الاعتناء بالشك الواقع في الأثناء سواء كان في محل الجزء أو بعد التجاوز عنه وقاعدة التجاوز يدل على عدم الاعتناء به في خصوص ما بعد التجاوز فيكون

٥٣٧

أخص منه.

وتوهم : العموم من وجه بينهما من حيث انّ قاعدة التجاوز تعم صورة الشك في صحة الجزء ووجوده و [ تختص ] (١) قاعدة الفراغ بخصوص الشك في صحة الكل ، مدفوع :

بأنّ الشك في الجزء صحة ووجودا لا ينفك عن الشك في صحة الكل بل يكون الشك الواحد مستندا إليهما كما عرفت ، فلا يكونان عامين من وجه كما لا يخفى.

وأمّا توهم : عدم كفاية صحة الجزء لاثبات صحة الكل ، فمدفوع :

بأنّ صحة الكل ليس إلاّ عبارة عن الاتيان بتمام اجزاء المركب صحيحة ، ولا ريب انّه بعد احراز الجزء المشكوك بالأصل يحرز المركب مع فرض احراز سائر الاجزاء بالوجدان كما في احراز الموضوعات المركبة المحرزة اجزاؤها بعضها بالأصل وبعضها بالوجدان ، فيحكم حينئذ بصحتها كما لا يخفى.

نعم ربما يشكل ما ذكرنا بأنّ أخصّية قاعدة التجاوز بناء على جريانها في جميع اجزاء المركبات عن قاعدة الفراغ إنّما هو إذا لوحظ التعارض بين نفس منطوق دليل الاولى مع مفهوم دليل الثانية ؛ وامّا إذا لوحظ بين مجموع كل من الدليلين عند ملاحظة كل منهما بمنطوقه ومفهومه دليلا واحدا فلا ، بل يكون موضوع كل منهما مفهوما ومنطوقا مساويا مع الآخر موضوعا فلا يقدم أحدهما على الآخر عند التعارض.

ولكنه يدفع :

أولا : بأنّ الملحوظ عند الاصوليين هو كون كل من المفهوم والمنطوق حجة

__________________

(١) في الاصل المخطوط ( يخص ).

٥٣٨

على حدة ، ولذلك تلاحظ نسبة الأخصية بمفهوم آية النبأ بالنسبة إلى الآيات الناهية عن الظن ، مع انّ موضوع الآية مفهوما ومنطوقا مساو لموضوع الآيات.

وثانيا : بأنّه على تقدير التسليم تكون قاعدة التجاوز مقدمة أيضا ، لكون دلالتها بالنسبة إلى مورد التعارض بالمنطوق ، ودلالة قاعدة الفراغ بالمفهوم ، ولا اشكال في أظهرية المنطوق على المفهوم فيما نحن فيه.

[ الأمر ] الثالث : انّه لو شك في المشروط بواسطة الشك في الشرط :

فان كان الشك في صحة الشرط مع كونه عملا مركبا ذا اجزاء بنفسه كالغسل والوضوء مطلقا وصلاة الظهر بالنسبة إلى صحة العصر ، فلا اشكال في اجراء قاعدة الفراغ بالنسبة إلى خصوص الشرط فيحرز وجوده الصحيح فيترتب عليه كل ما يترتب عليه من المشروط كما لا يخفى.

وان كان الشك في وجوده فلا تجري قاعدة الفراغ بالنسبة إليه.

وأمّا اجراء هذه القاعدة بالنسبة إلى المشروط :

فان كان الشك بعد الفراغ عنه كما إذا شك في صحة الصلاة بعد الفراغ عنها من جهة الشك في أصل الطهارة فلا اشكال في اجراء قاعدة الفراغ بالنسبة إليها ، ولكنه يحكم من جهة القاعدة بصحة خصوص المشروط دون وجود شرطه حتى يترتب عليه صحة ما يترتب عليه بعد ذلك من الصلاة الآتية.

وأمّا ان كان الشك في أثناء الصلاة من الجهة المذكورة فلا تجري قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الطهارة المشكوكة ، لكون الشك في أصل وجودها لا في صحتها ولا في الصلاة بعدم حصول الفراغ عنها ولا في اجزائها الماضية لاختصاص القاعدة بالمركب كما عرفت ؛ مع انّه لا يجدي في صحة الاجزاء الآتية كما لا يخفى.

وامّا اجراء قاعدة التجاوز بالنسبة إلى نفس الشرط فيتوقف على أمرين :

٥٣٩

أحدهما : عمومها للاجزاء والشرائط معا.

وثانيهما : أن يكون للشرط محل مخصوص قد حصل التجاوز عنه كما في مثل الطهارة فانّ محل احرازها قبل الصلاة دون مثل الستر والاستقبال ونحوهما ؛ فحينئذ يحصل الفرق بين كيفية أخذ الشرائط :

فان كان أخذها لتمام العمل أن يكون محرز الوجود قبل الدخول فيه كما في مثل الوضوء فيحكم بعدم الاعتناء بالشك لو شك فيه في أثنائها.

وان كان أخذها بنحو لا بدّ أن يحرز من أول العمل إلى آخره كالستر مثلا فلا بدّ من الاعتناء به لعدم التجاوز عن المحل كما لا يخفى.

ولكن التحقيق : عدم اجراء قاعدة التجاوز في الشرط مطلقا.

امّا أولا : فلانصراف أدلّتها أو عدم اطلاقها بالنسبة إلى الشرط وان قلنا بعمومها في جميع المركبات.

وأمّا ثانيا : فلعدم الفرق بين الشرائط في كون المحل لاحرازها من أوّل العمل إلى آخره حتى في مثل الطهارة ، حيث انّ الشرط هو الطهارة الحادثة لا سببها وهو الوضوء والغسل.

ثم انّه كلما تجري قاعدة الفراغ في صحة المركب بعد الفراغ عنه ـ من جهة الشك في الإتيان بشرطه أو جزئه مثلا ـ يحكم بخصوص صحته ، دون تحقق منشأ الشك فيه وان كان ملازما معه واقعا ، لعدم حجية القاعدة إلاّ في نفس صحة المشكوك لا في لازمه وملزومه ، لعدم حجية المثبت منها. امّا بناء على كونها من الاصول التعبدية كما لو كان مدركها هو مثل قوله : « كل شيء شككت فيه مما قد مضى الخ » ونحوه مما أخذ الشك في موضوعه ، فواضح. وامّا بناء على كونها من الأمارات كما لو كان مدركها مثل قوله عليه‌السلام : « هو حين يتوضأ أذكر منه الخ » فلعدم دلالة دليلها إلاّ في خصوص أثر صحة المشكوك فيه دون آثار ملازمه ولوازمه

٥٤٠