تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ٢

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 978-600-5213-31-7
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٦٣٨
الجزء ١ الجزء ٢

تارة : في المراد من الاعتقاد المطلوب فيها من انّه اليقين أو أمر آخر متقوم به أو غير متقوم به أصلا.

واخرى : في جريان الاستصحاب فيها حكما أو موضوعا.

امّا الأول : فالظاهر بل المقطوع انّ المراد من الاعتقاد العقد القلبي بها والانقياد الطوعي والتسليم لها في مقابل الجحود والانكار لها قلبا كما في قوله تعالى : ( وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ) (١) حيث انّ الظاهر انّ المراد من الجحود ليس مجرد الانكار باللسان بناء على كون الآية تعريضا على المنافقين المقرّين باللسان صورة ، بل لو كان المراد من الاعتقاد مجرد اليقين لما كان قابلا للتكليف عقلا أو نقلا لكونه من الكيفيات النفسانية والصفات القلبية التي ليست من مقولة الأفعال ؛ إلاّ ان يكون المراد تحصيل اليقين بالأسباب الموجبة له ، كما انّ الظاهر انّ الاعتقاد القلبي بالمعنى المذكور لا يتقوّم باليقين بل يحصل عند عدم العلم بالمعتقد معلقا على وجوده واقعا بل مطلقا بالبناء التشريعي على وجوده كما في التشريع. نعم قد يكون المطلوب عقلا أو نقلا الاعتقاد اليقيني بالمعتقد طلبا مطلقا فيجب تحصيل اليقين عند عدمه مقدمة للواجب المطلق كما في الاعتقادات الخمسة أو مشروطا فلا يجب إلاّ عند حصول العلم بنفسه كما في غيرها من بعض تفاصيل المعاد ونحوه.

[ وأمّا الثاني : أي ] (٢) الكلام في جريان الاستصحاب فيها فنقول :

انّ الشك لو كان في نفس الحكم مع العلم ببقاء المعتقد بأن كان الاعتقاد به واجبا سابقا ثم شك في وجوبه لاحقا ؛ فلا اشكال في جريان الاستصحاب ، لعموم دليله مع تحقق شرائطه في المستصحب من اليقين السابق والشك اللاحق وبقاء

__________________

(١) سورة النمل : ١٤.

(٢) في الاصل المخطوط ( أمّا ).

٤٨١

موضوعه. وامّا لو كان الشك في بقاء الموضوع بأن شك في زوال المعتقد بنفسه :

فان قلنا انّ الاعتقاد بشيء عين اليقين به أو متقوما به ؛ فلا اشكال في عدم جريان الاستصحاب فيه كما هو واضح. نعم يجب تحصيل العلم به لو كان واجبا مطلقا لا فيما كان وجوب الاعتقاد مشروطا.

وان كان غير اليقين ولا متقوما به كما هو التحقيق ؛ فالظاهر جريان الاستصحاب في بقاء المعتقد لترتيب وجوب الاعتقاد عليه لو كان معتبرا من باب الظن ولم يكن الأثر ـ بحسب دليله ـ مترتبا على خصوص الاعتقاد اليقيني وإلاّ لكان اللازم تحصيل العلم به. وكذا بناء على اعتباره من الاخبار ، لاطلاق الأدلة في مطلق المشكوكات كما هو الظاهر.

فما ذكره في الفرائد من قوله : « وامّا الشرعية الاعتقادية فلا يعتبر الاستصحاب فيها لأنّه ان كان من باب الأخبار فليس مؤداها إلاّ الحكم على ما كان معمولا به على تقدير اليقين به والمفروض انّ وجوب الاعتقاد بشيء على تقدير اليقين به لا يمكن الحكم به عند الشك لزوال الاعتقاد فلا يعقل التكليف الخ » (١) لا وجه له ان كان الشك في نفس بقاء الحكم ، لعدم طريان الشك حينئذ في متعلقه ، وكذا لو كان الشك في بقاء موضوعه لما عرفت من عدم تقوم الاعتقاد بشيء باليقين عقلا به ؛ إلاّ ان يكون مراده قدس‌سره من وجوب الاعتقاد بشيء على تقدير اليقين به اعتبار الاعتقاد اليقيني في الاعتقاديات من الخارج عقلا أو نقلا لا لعدم إمكان الاعتقاد بدونه كما هو ظاهر كلامه زيد في علو مقامه.

ومن هنا ظهر : انّ مراد من لم يعتبر الظن في الاعتقاديات إنّما هو لأجل ما ذكرنا من اعتبار اليقين بحسب الدليل لا لأجل عدم الامكان المذكور.

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٢٥٩.

٤٨٢

ثم انّ ما ذكرنا من جريان الاستصحاب في الاعتقاديات إنّما هو في غير الشك في بقاء النبوة ونسخ الشريعة على تقدير تحقق الشك في غيره على اشكال في الشرعيات الاعتقادية.

امّا صفة النبوة : فيقع الشك فيها :

تارة : في كونها معنى قابلا للجعل من دون رجوعه إلى جعل الأحكام ووقوع الشك فيها كذلك وعدمه.

واخرى : في حجية مثل هذا الاستصحاب.

امّا الأول : فالظاهر بل المحقق انّ صفة النبوة منصب من المناصب الإلهية قابل للجعل نظير سائر المناصب من الولاية والخلافة ويكون جعله بيد من بيده الجعل والاختراع وهو في مثل النبوّة إليه تعالى وحده ، وله آثار خاصة :

منها : الإخبار وتبليغ الأحكام منه تعالى بلا توسيط بشيء آخر ، سواء كان بالهام منه تعالى أو بإرسال ملك على اختلاف مراتب الأنبياء.

ومنها : الرئاسة المطلقة على من جعل واسطة بينهم وبينه تعالى في التبليغ على اختلاف المراتب أيضا من كونه نبيّا بالنسبة إلى طائفة ولو خصوص أهل بيته بل ولو خصوص نفسه ، أو إلى كثير إلى أن يبلغ جميع أهل زمانه ، في مدة مغياة من الزمان كثير أو قليل أو غير مغيّاة بل إلى آخر الأبد.

إذا عرفت ذلك فاعلم : انّ أصل صفة النبوّة وملكة الرئاسة الثابتة للنبي ـ بالنسبة إلى طائفة أو أزيد ـ قائمة بنفسه الشريفة باقية إلى يوم القيام وغير قابلة للنسخ. نعم إذا ثبت بالنسبة إلى أهل زمان فيمكن أن يقع الشك في ثبوت نبوّته بالنسبة إلى أهل غير ذاك الزمان من الأزمنة المتأخرة. وبعبارة اخرى : يشك في انّ رئاسته بالنسبة إلى الاشخاص الواقعة في زمان خاصّ أو بالنسبة إلى غيرهم الواقعين في المدة المتأخرة أيضا.

٤٨٣

فبناء على كون النبوة منصبا خاصا أثره في كل زمان يثبت ذاك المنصب فيه وجوب الاطاعة على أهل ذاك الزمان مع عدم الفرق فيه بين حال الحياة والممات ؛ يجري فيه الاستصحاب.

نعم بناء على كون النبوة معنى قائما بالنفس ناشئا من مجرد قابليتها لافاضة الأحكام عليه بلا جعل تشريعي فيه إلاّ تبعا للجعل التكويني في أصل خلقة النفس فلا يجري فيه الأصل بل لا بدّ من اجرائه في جملة أحكام تلك الشريعة المتقوم بها بقاؤها.

ولكن التحقيق : هو الأول فتكون النبوة معنى قابلا للجعل الاستصحابي فيقع الكلام في قيام الدليل عليه.

ولكنه مشكل :

امّا بناء على كون الاستصحاب من باب الاخبار فلأنّه لا يخلو : فامّا أن يكون في الشرع السابق فالمفروض الشك في نسخه ؛ وامّا ان يكون في الشرع اللاحق فلم يثبت حقّيته فكيف يتمسك بالحكم الثابت فيه؟

وامّا بناء على كونه من باب الظن فلا بدّ من دليل تأسيسا أو امضاء من احدى الشريعتين على حجيته بالخصوص ، وإذ ليس دليل خاص في البين فلا بدّ من دعوى طريقة العقلاء على العمل بالظن ببقاء النبوة السابقة مع عدم ردع النبي لتلك الطريقة.

ولكن هذه الدعوى ـ مضافا إلى عدم صحتها بحسب الصغرى بعد نسخ غالب النبوات ـ غير صحيحة ، لعدم ثبوت الامضاء لا من الشرع اللاحق لعدم ثبوت النبوّة مع انّ ثبوته مساوق لارتفاع الظن والقطع بنسخ الشرع السابق ، ولا من السابق حيث انّ العمل على هذا الظن لم يكن بمرآه وإلاّ لما بقي الشك بحاله ، كما هو واضح.

٤٨٤

إذا عرفت عدم حجية هذا الظن بالخصوص فلا بدّ من اجراء مقدمات الانسداد ، ولم يتمّ بالنسبة إلى العمل بالظن وترك العمل بالاحتياط في غير ما يلزم من ترك العمل به اختلال النظام وان لزم منه الحرج في مقام العمل بأحكام الشريعتين لعدم الدليل على نفيه في الشرع السابق بعد عدم ثبوت اللاحق فلا بدّ من الاحتياط بمراعاة أحكام الشريعتين إلاّ فيما لزم منه الاختلال فيرجع إلى الظن.

فظهر مما ذكرنا انّه لا دليل على جريان الاستصحاب في مثل النبوّة ، ولا في مجموع الشريعة التي شك في نسخها.

ومن هنا ظهر : انّ ما يحكى من تمسك بعض أهل الكتاب في مناظرته مع بعض الفضلاء السادة (١) باستصحاب شرعه مما لا وجه له.

توضيحه : انّ غرض الكتابي من التمسك به في مقام المناظرة :

ان كان مجرد الالزام على المسلمين وإفحامهم في مقام الاستدلال ، ففيه :

انّ كل دليل كان متقوما بالامور الوجدانية من اليقين والشك ونحوهما لا يصح الالزام به على أحد كما في المقام ، حيث انّ الاستصحاب كان متقوما باليقين السابق والشك اللاحق فيمن جرى في حقه الاستصحاب فمع إخبار المسلم بقطعه بنبوّة النبي اللاحق ونسخ الشريعة السابقة فكيف يلزم بالاستصحاب؟

فان قلت : لا بدّ في مقام المناظرة من فرض كل من المتخاصمين قطعه بمنزلة العدم وحينئذ فيفرض شاكا فيلزم بالاستصحاب.

قلت : على تقدير تسليم فرض القطع في مقام المناظرة كذلك فانّما هو فيما لم يكن الدليل متقوما بالشك وامّا معه كما فيما نحن فيه فلا.

وبعبارة اخرى : لا بدّ من تسليم الخصم الذي اريد الزامه الدليل الذي يلزم به

__________________

(١) يقول الآشتياني في بحر الفوائد ٣ : ١٥٠ ان السيد المذكور هو السيد باقر القزويني ، وقد ناظر بعض اليهود في بلدة ذي الكفل في العراق.

٤٨٥

صغرى وكبرى حتى يلزم بالنتيجة لا فيما لم يتحقق الدليل كبرى أو صغرى كما في المقام ، حيث انّ المسلم وإن يسلّم أصل الاستصحاب لكنه لا يسلّمه بحسب الصغرى في مورد النبوّة ، لدعواه القطع بنبوة النبي اللاحق.

هذا كله فيما كان مقصود الكتابي افحام المسلم.

وامّا لو كان غرضه من الاستصحاب اقناعه بنفسه في مقام عمله وحدّ تديّنه بالدين ، ففيه :

ما عرفت من انّ الاستصحاب :

لو كان من باب الظن فلم يحصل ظن بالبقاء فيما نحن فيه بعد ما كان غالب النبوّات منسوخة. مع انّه على تقدير تسليمه فلا دليل عليه بالخصوص تأسيسا كما هو واضح ، ولا امضاء لعدم ثبوته من اللاحق ولا من السابق لعدم كون هذا الشك بمرآه وإلاّ لزال كما لا يخفى ، ولا بالعموم لعدم جريان مقدمات الانسداد إلاّ فيما يلزم من العمل بالاحتياط العسر المخلّ وهو غير لازم.

ولو كان من باب الأخبار فبعد الاجماع على وجوب الفحص في اجرائه لم يبق شك لو تفحص في مثل المسألة مما كان باب العلم فيه مفتوحا ، ولذلك قالوا بعدم معذورية الجاهل في الاعتقاديات كما يظهر من بعض الأخبار الحاصرة للمكلفين بين المسلم والكافر ، هذا. مضافا إلى عدم تسليم الانسداد لمثل هذا الشخص الناشئ بين بلاد الإسلام بل بين علمائهم ولو سلّم في الجملة لعدم انسداد باب العلم في مسألة النبوّة بالكلّية حتى بالنسبة إلى من كان بصدد الفحص والبحث كما يظهر من قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) (١) ، وعلى تقدير الفحص وبقاء الشك فقد عرفت عدم الدليل على حجية الاستصحاب

__________________

(١) سورة العنكبوت : ٦٩.

٤٨٦

في حقه لا في الشرع السابق كما يظهر من مناظرته والتمسك به على طريق الاسلام وعدم ثبوت الشرع اللاحق ؛ فإذا كان حال الاستصحاب كذلك فكيف يجوز للكتابي العمل به؟

نعم لو كان قاطعا بحجيته في حقه من الله ولو من جهة ثبوته في الشريعتين مع تحقق الشرائط عنده لما كان للمسلم الزامه بترك العمل به إلاّ باقامة البرهان على اثبات مدّعاه من زوال الشرع السابق ، كما انّه عليه إقامة البرهان على بقائه لو كان غرضه الاثبات على المسلم. وعلى كل حال فلا يكفي الواحد منهما الاستصحاب على خصمه بل لا بدّ من إقامة البرهان لكل منهما على مدّعاه ؛ ولذلك صار الإمام عليه‌السلام في مناظرته مع الجاثليق (١) بصدد الاثبات لا من أجل كون الأصل في الطرف الآخر كي يدل على تسليمه الاستصحاب في مثل المسألة.

والحاصل : انّه ظهر عدم الوجه في مناظرة الكتابي مع المسلم في ثبوت الاستصحاب لا الزاما ولا اقناعيا من كل من الطرفين ، فلا وجه لتسليم بعض السادة (٢) ذلك منه.

ثم انّ منع كون الاستصحاب دليلا الزاميا كما قد يكون من جهة منع الشك في البقاء من المسلمين بل كانوا قاطعين بنسخ نبوة موسى وعيسى عليهما‌السلام مثلا كذلك قد يكون لأجل منع اليقين السابق غير المجامع لنبوة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله وإنّما المسلّم اليقين الملازم لنبوّة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو لا يجديه كما هو واضح.

بيانه : انّ العلم بنبوّة النبي السابق إنّما حصل من العلم بصدق إخبار

__________________

(١) عيون اخبار الرضا ١ : ١٤٢ طبعة بيروت و ١ : ١٥٧ طبعة ايران ؛ الاحتياج ٢ : ٤١٧ طبعة بيروت و ٢ : ٤٠٤ طبعة ايران ( اسوة ).

(٢) قد مضى انه السيد القزويني.

٤٨٧

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المتوقف على العلم بنبوته بحيث لو لا كونه نبيا لما يحصل العلم بصدقه فيرتفع العلم السابق بنبوة النبي السابق.

وبعبارة اخرى : اليقين بنبوة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله :

امّا ملازم مع اليقين بنبوة موسى وعيسى عليهما‌السلام أو واسطة في الثبوت له ، حيث انّه لا طريق آخر له إلاّ الأخبار الموجب للعلم من جهة العلم بصدقه المتوقف على العلم بنبوته.

أو نقول : انّ المسلّم من العلم بشريعة موسى وعيسى عليهما‌السلام إنّما هو العلم بجملة من شريعتهم كان من تلك الجملة الإخبار بمجيء نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله بحيث انّا لا نعلم إلاّ بالشريعة الخاصة منهم وهو يلازم مع العلم بنبوة نبينا بحيث لو خرج من تلك الجملة خصوص نبوّة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله لارتفع العلم بالجملة الخاصة فيزول اليقين السابق.

ومما ذكرنا ظهر : انّ ما ذكر في فرائد الشيخ رحمه‌الله (١) من الوجه الأول والثالث والرابع والخامس كلها راجعة إلى وجه واحد من منع كون الاستصحاب دليلا الزاميا من أجل كونه متقوما بالامور الوجدانية فتارة يمنع الشك اللاحق واخرى يمنع اليقين السابق بوجوه من المنع فليس كل منها وجها على حدة فالأولى جعلها وجها واحدا.

كما انّ التحقيق : أن لا يجعل الوجه الثاني من منع الدليل على حجية الاستصحاب وجها على حدة ، بل الأولى أن يجعل مع ما ذكرنا وجها واحدا ويردّد فيه كما ذكرنا سابقا من انّ المقصود لو كان الالزام على المسلم فلا يصحّ بوجوه وان كان المراد الاقناع بلا دليل على حجية الاستصحاب كما ذكره في

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٢٦٦ ـ ٢٧٢.

٤٨٨

الوجه الثاني.

وامّا ما نقله أولا (١) من جواب المحقق القمّي قدس‌سره (٢) والفاضل النراقي (٣) فلا وجه لهما كما هو واضح.

[ الامر الثامن ] : (٤) لا شبهة انّ الرجوع إلى استصحاب شيء بعد اليقين به إنّما هو فيما لم يكن الدليل متعرضا له وجودا أو عدما في الزمان اللاحق بل كان مجملا أو مهملا ، وإلاّ فلا اشكال في كونه هو المرجع لا الاستصحاب.

ثم بعد دلالة الدليل وعمومه للآنات اللاحقة لو ورد عليه تخصيص بالنسبة إلى بعض الحالات والأزمنة فشك في الحكم بعد ذلك فهل المرجع هو حكم العام؟ أو استصحاب حكم المخصص؟

فنقول : انّ العموم الزماني في دليل العام :

امّا بنحو يلحظ الزمان مفردا له بحيث يكون الموضوع مقيدا بكل آن من الآنات فردا للعام فتكون الافراد متعددة حسب تعدد آنات وقوع الفعل نظير الافراد العرضية.

وامّا بنحو يكون الزمان ملحوظا ظرفا بحيث لا يتعدد العام موضوعا وحكما بحسب الأزمنة وان كان يتعدد بحسب الافراد العرضية ؛ بل العموم الزماني بالنسبة إلى كل فرد يكون موجبا لاستمرار حكم العام فيه مع وحدة موضوعه وحكمه فيكون استمراره الخارجي امتثالا واحدا للحكم لا متعددا كما

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٢٦١.

(٢) القوانين المحكمة ٢ : ٧٠ السطر ٧.

(٣) مناهج الاحكام : ٢٣٩ السطر ٢ ـ ١٣ قوله : « فوائد : الاولى : اعلم ان بعد ما عرفت حال تعارض الاستصحابين ... الخ ».

(٤) في الاصل المخطوط ( الامر ).

٤٨٩

في الصورة الاولى.

وعلى كل منهما فالزمان الملحوظ في الخاص على قسمين أيضا ، بمعنى انّ الزمان : امّا ان يلحظ فيه بنحو القيدية ، أو الظرفية ولو بالنسبة إلى خصوص الزمان الأول ، لا انّه يكون عاما بحسب الزمان أيضا كي يدفع الشك بالرجوع إلى اطلاق دليله.

إذا عرفت ذلك فنقول : لو انقطع حكم العام في فرد منه بالنسبة إلى زمان بدليل المخصص المجمل بالنسبة إلى الزمان الثاني.

فان كان الزمان ملحوظا في العام على النحو الأول فلا اشكال في كون المرجع هو حكم العام في الزمان اللاحق لكون المتيقن من التخصيص فردا واحدا من العام وهو الفعل في الزمان الأول لا أزيد منه وهو الفعل في الزمان الثاني ؛ والشك في زيادة التخصيص مثل الشك في أصله في اتّباع حكم العام. نعم ان سقط العام بالنسبة إلى اللاحق بوجه فيرجع إلى استصحاب حكم المخصص لو كان الزمان ملحوظا فيه على نحو الظرفية وإلاّ فلو كان ملحوظا فيه على نحو القيدية أيضا فيرجع إلى سائر الاصول العملية.

وامّا ان كان الزمان ملحوظا في العام على نحو الظرفية فلا يرجع إليه بعد الانقطاع حيث انّ دلالته على ثبوت الحكم في كل من الافراد العرضية من حيث الزمان إنّما هو على استمرار الحكم الواحد في الموضوع الواحد ، ومن المعلوم انّ الحكم لو كان بعد الانقطاع هو حكم العام أيضا يكون حكما آخرا في موضوع آخر لا استمرارا لحكم الأول وقد فرض انّ العام لا يدل على تعدد الفرد بحسب الزمان وعلى عوده بعد انقطاعه وان دل على استمراره ما لم تدل حجة أقوى على انقطاعه ، فحينئذ يكون المرجع استصحاب حكم الخاصّ لو كان الزمان ملحوظا فيه على نحو الظرفية وإلاّ فإلى سائر الاصول.

٤٩٠

فان قلت : انّ استمرار الحكم يصدق ولو كان الفعل بحسب الأزمنة متعددا موضوعا وحكما فمجرد دلالة العام عليه لا يكون موجبا لعدم الرجوع إليه بعد حكم الخاص.

قلت : نعم يكون صدق الاستمرار بحسب مقام الثبوت مشتركا بين كون حكم العام متعددا بحسب الأزمنة موضوعا ومصلحة أو واحدا بنحو يقبل التجزئة في استيفاء المصلحة كشرب الماء لرفع العطش أو لا يقبل ذلك كما في الصوم ، فإذا كان الأمر كذلك بحسب مقام الثبوت فلا يكون الدليل في مقام الاثبات دالا على واحد منها في الفرض المذكور لو لم يكن ظاهرا في خصوص الأول ، لما عرفت انّه لا يدل إلاّ على مجرد الاستمرار لا على التعدد والتكثر فكيف يتمسك به بعد الانقطاع؟

ثم انّ الظاهر انّ دليل الوفاء بالعقد يكون كذلك بناء على التحقيق من كونه دالا على الحكم الوضعي ومجرد لزوم العقد وان دلّ على ثبوت التكاليف ولزوم ترتيب الآثار الخارجية للملك باللّمّ تبعا لدلالته على لزوم الملك لا على التكليف ابتداء كي يدل على لزوم العقد بالإن استكشافا ، ومن المعلوم انّ لزوم العقد أمر واحد مستمر بحسب دليله لا امور متعددة ؛ وحينئذ فإذا انقطع لزوم الوفاء بثبوت الخيار كما في خيار الغبن بعد ظهوره بناء على اشتراط حدوثه به فلا يدل دليل اللزوم على عوده إذا شك في كون الخيار على الفور أو على التراخي بل المرجع استصحاب الخيار كما عن الشهيد الثاني في المسالك (١) خلافا للمحقق الثاني قدس‌سره. (٢)

هذا لو ثبت الخيار في الأثناء.

__________________

(١) مسالك الافهام ٣ : ١٩٠.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٣٨.

٤٩١

وامّا لو ثبت من الأول كما في خيار المجلس والحيوان فشك في الفورية ، أو ثبت في الوسط وشك في مبدأ حدوثه وانّه قبل الزمان المعلوم أم لا فالظاهر الرجوع إلى دليل اللزوم ، لكون الشك حينئذ في تخصيص العام في الفرد مضافا إلى تقييد الحالي ، حيث انّ دلالة الدليل بالنسبة الى افراد العقود بالعموم فيكون الشك في خروج الفرد بالكلية أو في خصوص الزمان الأول كي يبقى العموم الفردي على حاله وبعد تقييد الدليل بعنوان المجلس مثلا يكون مقتضى اطلاقه في الاستمرار من الأول فالأول وكذا من الآخر ما لم يعلم بانقطاعه ، هو الرجوع اليه عند الشك من الأول أو الآخر كما لا يخفى.

[ الأمر التاسع ] (١) : قد أجرى بعضهم الاستصحاب فيما إذا تعذر بعض اجزاء المركّب لاثبات الوجوب في الباقي ، وهو بظاهره مشكل ، حيث انّ الثابت للاجزاء الباقية إنّما هو الوجوب الغيري وهو مرتفع قطعا ، والمشكوك اتصافها به إنّما هو الوجوب النفسي وهو مسبوق بالعدم فلا وجه للاستصحاب المذكور.

ولكنه يمكن توجيهه :

امّا باستصحاب الطلب القدر المشترك بين النفسي والغيري.

وتوهم : عدم صحته من جهة انّ الاستصحاب في الأحكام يرجع إلى جعل المماثل للمستصحب حقيقة في الزمان اللاحق ؛ ومن المعلوم انّ القدر المشترك من الطلب لا يقبل الجعل حقيقة بدون تحققه في ضمن الوجوب النفسي إلاّ انشاء ومعه يكون مثبتا.

مدفوع : باتحادهما بنظر العرف بحيث يكون جعل القدر المشترك جعلا للنفسي فلا واسطة في البين وقد عرفت سابقا صحة الاستصحاب في المتحدين

__________________

(١) في الاصل المخطوط ( الامر ).

٤٩٢

عرفا إذا كانا مسبوقين بالحالة السابقة من جهة ومشتملا على الأثر من جهة اخرى وبالملازمة بينهما مطلقا ولو ظاهرا.

وامّا باستصحاب الوجوب النفسي بعد المسامحة في الموضوع عرفا فيما كان المتعذّر بعض الاجزاء غير المقومة كما في استصحاب الكرّية للماء الباقي فيما لو نقص مقدار قليل منه يوجب الشك في بقائها وان كان فرق بينه وبين المقام من جهة احتمال عدم دخل الناقص من الماء حين وجوده للكرّية إلاّ في حصول العلم دون الناقص في المقام لليقين بدخله في موضوع الوصف في حال الاختيار غاية الأمر يكون تعذره بنظر العرف من قبيل الاختلاف في الحالات.

وامّا باستصحاب الواجب النفسي ، وبعبارة اخرى : ذات الموصوف بوصفه العنواني فيما كان المتعذر لا يتسامح فيه ولكن يشك في كونه داخلا في الواجب في جميع الحالات أو في خصوص حال الاختيار فيشك في بقاء الواجب بوصفه كما في مثال الكرّ لو نقص من الماء مقدار كثير منه بحيث لا يكون الباقي متحدا مع الأول عرفا فيستصحب وجود الكرّ في المحل الأول وان لم يثبت به كون الماء الباقي كرا إلاّ بالمثبت كما في المقام ، إلاّ انّ في المقام يحكم بلزوم تحصيل الفراغ اليقيني ولا يحصل إلاّ بالاتيان بالباقي.

وتظهر فائدة المخالفة بين التوجيهات في تعذر الشرط فانّه لا يجري الأول دون الأخيرين ؛ وفي تعذر معظم الاجزاء فانه لا يجري الوسط دون الأول والآخر ، وحيث انّ بناء العرف اجراء الاستصحاب في تعذر الشرط وعدم اجرائه في تعذّر المعظم فيكشف عن صحة التوجيه الثاني دون الأول والثالث.

والظاهر اجراؤه على الثالث أيضا وان لم يساعد العرف لكونه من جهة الخطأ في التطبيق فلا بأس به فيما كان جاريا حقيقة وواقعا كما في الثالث.

٤٩٣

[ الأمر العاشر ] : (١) في مطلب كبروي في مقابل التنبيهات الماضية الراجعة إلى النزاع الصغروي وهو :

انّه لا فرق في احتمال خلاف الحالة السابقة بين كونه مساويا لاحتمال البقاء أو مرجوحا بالنسبة إليه أو راجحا عليه ، لوجوه :

الأول : الاجماع ، لو لم يناقش فيه بأن مستند المجمعين هو الأخبار فلا يكون وجها على حدة.

الثاني : انّ المستفاد من الاخبار انّ المناط مجرد عدم العلم بالنقض.

أمّا أولا : فلأنّ الظاهر من الشك لغة كما في الصحاح أو في استعمالاته وتعارفه في الأخبار ذلك كما يشهد بذلك مقابلته في أخبار الباب باليقين بالانتقاض بقوله عليه‌السلام « لا تنقض اليقين بالشك ولكن تنقضه بيقين آخر » فانّه يدل على انّ المنهي عنه نقض اليقين بما عدى العلم وإلاّ لكان الأخبار غير متعرض لصورة الظن بأحد الطرفين وهو خلاف ظاهرها في كونها في مقام التحديد وجعل الضابط بين ما يحرم فيه النقض وبين ما يجب فيه ذلك.

ويدل على ما ذكرنا أيضا : قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة الاولى : « فان حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم الخ » (٢) فان ظاهرها فرض السؤال فيما كان في البين أمارة على النوم ، ومن المعلوم انّ مثل هذه الأمارة مفيدة للظن بالارتفاع ؛ إلاّ ان يقال : انّ ذكرها في السؤال من جهة اخراج الاحتمال الذي لا يعتني به العقلاء وادخاله فيما يعتنون به لا لإفادة حصول الظن. إلاّ انّ مجرد ذلك لا يلائم جعل غاية الحكم ببقاء الطهارة اليقين بالنوم بقوله عليه‌السلام بعد السؤال : « لا ، حتى يستيقن انّه قد نام » ؛ ثم ذكر قوله : « لا تنقض اليقين بالشك » بعد هذه الغاية يدل على ارادة المعنى الأعم

__________________

(١) في الاصل المخطوط ( الامر ).

(٢) وسائل الشيعة ١ : ١٧٤ الباب ١ من ابواب نواقض الوضوء ، الحديث ١.

٤٩٤

من الشك وإلاّ لما صح جعله كبرى لمغيّا هذه الغاية كما لا يخفى.

ويدل على ما ذكرنا أيضا : تفريع قوله عليه‌السلام : « صم للرؤية وافطر للرؤية » (١) على قوله : « اليقين لا يدخله الشك ».

الثالث : ما ذكره شيخنا العلاّمة (٢) أعلى الله مقامه : من انّ الظن غير المعتبر ان علم بعدم اعتباره فمعناه :

انّ كلما يترتب على تقدير عدمه ـ ومنها جريان الاستصحاب ـ فهو يترتب على تقدير وجوده.

وان كان مما شك في اعتباره فرفع اليد عن اليقين السابق به يكون نقضا بالشك.

ولكنه يرد عليه : بأنّ معنى عدم اعتبار الظن أو عدم العلم باعتباره عدم ترتيب الآثار المترتبة على الطريق ـ ومنها عدم اثبات الواقع به ـ لا ترتيب آثار الشك عليه كما في المقام.

هذا بناء على اعتبار الاستصحاب من باب الاخبار.

وامّا بناء على اعتباره من باب الظن :

فعلى الظن النوعي فالظاهر اجراؤه ولو مع الظن الشخصي على الخلاف ، ولذلك قد تمسكوا به في مقامات غير محصورة مع عدم الالتفات إلى الأمارات الموجودة فيها.

نعم ، على الظن الشخصي فلا بدّ أن يقتصر عليه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٧ : ١٨٤ الباب ٣ من ابواب احكام شهر رمضان ، الحديث ١٣.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٢٨٦.

٤٩٥

خاتمة

ذكر بعض العلماء (١) للعمل بالاستصحاب شروطا : كبقاء الموضوع وعدم المعارض ، والفحص عنه.

والتحقيق أن يقال : انّ المراد من الاستصحاب لو كان هو مفاد « لا تنقض اليقين الخ » من حرمة النقض ووجوب المضي على طبق الحالة السابقة كما هو الحق بل مطلق حكم الشارع بالبقاء ولو امضاء كما على القول بأخذه من باب طريقة العقلاء فلا شبهة في انّه لا يشترط العمل به بعد تحققه بواحد من الشروط. نعم بدونها لا يتحقق أصلا ، لا انّه لا يعمل به ، حيث انّ حكم الشارع على وجوب المضي والابقاء لا يتوجه بدون بقاء الموضوع وعدم المعارض والفحص ومعها يتوجه ، فلا يشترط الاخذ به [ فيها ] (٢) بل :

التحقيق : انّ الاصول العملية كلّها عبارة عن حكم الشارع فعلا بأحكام مخصوصة من حرمة النقض وحلية المشكوك ووجوب الاحتياط ونحوها ، فلا يشترط بعد وجودها بشرط أصلا.

نعم لو اريد من الاستصحاب هو مجرى حكم الشارع تعبدا بحرمة النقض

__________________

(١) الوافية : ٢٠٨ ؛ الفصول الغروية : ٣٧٧ السطر ٢٢ « الثانية » و ٣٨١ السطر ١٠ « الخامسة » ؛ مناهج الاحكام : ٢٣٤ السطر ١٤ قوله : « تتميم ... الخ » ؛ ضوابط الاصول : ٣٩٠ السطر ٩ « المقام الرابع : في انه هل يشترط في الاستصحاب بقاء الموضوع ».

(٢) في الاصل المخطوط ( بها ).

٤٩٦

من كون الشيء متيقن الثبوت سابقا ومشكوك البقاء لاحقا كما يعلم ذلك من تحديد القمي له : « بكون حكم أو وصف يقيني الحدوث في السابق الخ » (١) أو امضاء ، كما يعلم من تحديد آخرين (٢) له بالظن بالبقاء وغيره من التعريفات ، فيصح ان يجعل شروطا لتعلق حكم الشارع بوجوب المضي على هذا الموضوع حيث انّ الموضوع كان قبلها فلا يتعلق به حكم بدونها.

ولكنه خلاف التحقيق ، بل الحق ما عرفت من كون الاصول العملية نفس حكم الشارع بالأحكام المخصوصة. نعم لمّا كانت الأمارات متعلقات حكم الشارع بالحجية من مثل قول المخبر الواحد والاجماع المنقول والشهرة ونحوها ومن المعلوم انّ لها تحققا بدون الشرائط وحكم الشارع بالحجية ، فيصح أن يجعل لجواز العمل بها وحجيتها شروطا كي يتحقق حكم الشارع بعد ذلك. ومما ذكرنا ظهرت التفرقة بين الاصول والأمارات من حيث الشرائط.

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم : انّه يعتبر في حقيقة الاستصحاب على وجه وفي تحقق مجراه بناء على وجه آخر امور :

الأول : بقاء الموضوع [ و ] يقع الكلام فيه تارة : في تعيين المراد من بقائه وما به احرازه ؛ واخرى : في الدليل على اشتراطه.

أمّا الأول : فالمراد به أن يتعلق الشك في الآن اللاحق بعين ما تعلق به اليقين سابقا. وبعبارة اخرى : ان تتحد القضية المشكوكة لاحقا مع القضية المتيقنة سابقا موضوعا ومحمولا ، بحيث ما حصل التفاوت بينهما إلاّ في مجرد اختلاف الزمان وتبدل اليقين بالشك وإلاّ فلو اختلفتا موضوعا مثلا لم يصدق انّ الشك في بقاء ما كان بل في حدوث حادث آخر غير ما كان أولا ؛ ولكن لمّا كان اليقين بحسب

__________________

(١) القوانين المحكمة ٢ : ٥٣ بتفاوت يسير.

(٢) هو العضدي في شرحه على مختصر ابن الحاجب ٢ : ٤٥٣ السطر الثاني قبل الاخير.

٤٩٧

متعلقه مختلفا فتارة : كان متعلقا بوجود المعروضات محمولا ونفسيا ، واخرى بالاعراض : بوجودها النفسي بمفاد كان التامة مرة ، وبوجودها الربطي لغيرها بمفاد كان الناقصة اخرى ، فيختلف الشك بحسب اختلاف تعلقه بما تعلق به اليقين بانحائه ، ويختلف أيضا بحسبها احراز الموضوع.

بيانه انّه :

لو كان الشك متعلقا بوجود المعروض كوجود زيد المعروض للقيام فلا اشكال في استصحابه في حال الشك في البقاء وكون المشكوك عين المتيقن بنفسه وهو الوجود النفسي لزيد وبموضوعه وهو ماهية زيد ، ولا معنى لاحراز الموضوع في مثله إلاّ كون الشك في نفس المتيقن وهو وجود زيد لا وجود عمرو.

وان كان متعلقا بوجود العارض كقيام زيد مثلا :

فان كان المنشأ للأثر وموضوعه هو وجوده النفسي بمفاد كان التامّة فلا اشكال في جواز استصحابه ولو كان منشأ الشك في بقائه هو وجود معروضه ، حيث انّ الموضوع للوجود النفسي هو نفس ماهية العارض وهو القيام الخاص والاشارة إلى وجود زيد حينئذ للاشارة إلى خصوصية العارض بنحو يكون وجود المعروض خارجا وان كان التقيد به داخلا ، ولا شبهة في كون المشكوك عين المتيقن بحيث لو كان باقيا لكان عين القيام الأول من قيام زيد الموجود.

وان كان الموضوع للأثر هو وجوده الربطي الثابت للغير بمفاد كان الناقصة :

فبالنسبة إلى استصحاب النسبة بمفاد كان التامة لا اشكال أيضا.

وامّا بالنسبة إلى نفس العارض بوجوده الربطي فقد اختار الاستاذ (١) دام ظله بجواز استصحابه ولو كان منشأ الشك الشك في بقاء معروضه حيث انّه من

__________________

(١) كفاية الاصول : ٤٨٦.

٤٩٨

جهة الشك في بقائه يشك في بقاء العارض له فيكون الشك في البقاء ، ولا يكون كذلك إلاّ أن يكون المشكوك عين المتيقن بنفسه وبموضوعه وان يكون ذلك قيام زيد لا قيام عمرو.

وامّا احراز وجود الموضوع خارجا في اللاحق فما دلّت عليه آية أو رواية ، بل لأجل تحقق الشك في البقاء وهو متحقق مع اتحاد القضيتين موضوعا ومحمولا ، بحيث لو كان القيام باقيا لما كان إلاّ قائما في زيد الموجود غاية الأمر يكون تقدير بقاء زيد هو تقدير بقاء القيام وتقدير عدمه هو تقدير عدمه ، فلا يستلزم الشك في البقاء بقاء الموضوع خارجا. نعم يكون التعبد بالعارض غير المتحقق إلاّ بالمعروض تعبدا به في الجملة لكن لا مطلقا بحيث يترتب عليه آثاره مطلقا بل بمقدار يتحقق التعبد بوجود العارض ربطيا. وبعبارة اخرى : يكون التعبد ببقاء القضية لترتيب أثر العارض.

ثم انّ الدليل على بقاء الموضوع بالنحو الذي ذكرنا هو نفس حدود الاستصحاب من قولهم انّه : « إبقاء ما كان » (١) و « انّ الشيء الفلاني قد كان ولم يعلم عدمه وكلما كان كذلك فهو مظنون البقاء » (٢) ونحوهما وأدلته ، سواء كان من باب الاخبار من قوله عليه‌السلام : « لا تنقض اليقين بالشك » أو من باب الظن من باب بناء العقلاء على العمل بالظن بالبقاء الناشئ من الكون السابق ، حيث انّ من المعلوم عدم صدق الشك في البقاء والظنّ به وكذا النقض والارتفاع إلاّ مع كون الموضوع للمشكوك هو عين الموضوع للمتيقّن وبدونه يكون الشك في الحدوث لا في البقاء كما هو واضح.

ومما ذكرنا ظهر : انّ مسألة بقاء الموضوع بالمعنى المذكور في

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٩.

(٢) شرح العضدي على مختصر ابن الحاجب ٢ : ٤٥٣ أواخر الصفحة.

٤٩٩

الاستصحاب من القضايا التي قياساتها معها فلا يحتاج إلى مزيد بيان وإقامة برهان كما تكلفه شيخنا العلاّمة أعلى الله مقامه في الفرائد (١) واستدل له بأنّ [ تشخص ] (٢) الاعراض بالموضوع وانّ بقاءه بلا موضوع ـ وكذا انتقاله من موضوع إلى آخر ـ محال ؛ فينتج انّ بقاءه في الآن اللاحق لا يكون إلاّ في عين الموضوع الأول ، فلا بدّ من بقائه أولا حتى يحكم بإبقاء الحكم ثانيا ، حيث انّه يرد عليه :

انّه كذلك لو كان المراد الابقاء الحقيقي الواقعي لا التعبدي التنزيلي وإلاّ فهو يتحقق ولو مع القطع بعدم بقاء الموضوع ، أو المغايرة بين المنزّل والمنزّل عليه كما في قوله عليه‌السلام : « الطواف في البيت صلاة » (٣) فضلا عن الشك فالوجه ما عرفت من انّه لمّا كان الموضوع المأخوذ في الاستصحاب هو الشك في البقاء ـ وهو لا يتحقق إلاّ مع اتحاد الموضوع ـ فلا بدّ من احرازه.

ثم انّ ما ذكرنا : من انّ المراد من احراز بقاء الموضوع هو اتّحاد القضيتين موضوعا ولو كان مشكوك الوجود خارجا إنّما هو مع عدم التطبيق على موضوع خارجي والاشارة إليه ليثبت اتصافه به انطباقا. وامّا معه فلا شبهة في احراز الوجود

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٢٩٠ ـ ٢٩١.

(٢) في الاصل المخطوط ( شخص ).

(٣) أو « الطواف بالبيت صلاة » ، هذا الحديث نبوي لم يثبت من طرقنا. سنن النسائي ٥ : ٢٢٢ ؛ المستدرك للحاكم ١ : ٤٥٩ و ٢ : ٢٦٧ ؛ سنن الدارمي ٢ : ٤٤ ؛ المعجم الكبير ١١ : ٢٩ / ١٠٩٥٥. وما في بعض كتب احاديثنا فهو منقول عن العامة مثل عوالي اللآلي ١ : ٢١٤ / ٧٠ و ٢ : ١٦٧ / ٣ ، هذا. وفي وسائل الشيعة ٩ : ٤٤٥ الباب ٣٨ من ابواب الطواف ، الحديث ٦ « فان فيه صلاة » بطريقين احدهما صحيح والثاني ضعيف عند البعض بـ سهل بن زياد. وهناك رواية ثانية بنفس اللفظ « فان فيه صلاة » وطريقها صحيح في الاستبصار ٢ : ٢٤١ الباب ١٦١ باب السعي بغير وضوء ، الحديث ٢. لكن قد يقال : اساسا لفظ « فان فيه صلاة » لا يفيد التنزيل ، فلا ينفعنا في المقام.

٥٠٠