تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ٢

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 978-600-5213-31-7
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٦٣٨
الجزء ١ الجزء ٢

وتوهم : عموم اليقين والشك حتى بالنسبة إلى مورد لم يكن فيه الأثر إلاّ للواسطة فيدل بالاقتضاء في ذاك المورد على تنزيل اللازم. نعم فيما لا ينتهي إلى الأثر أصلا فلا بدّ من التخصيص عقلا دون ما فيه أثر ولو بالواسطة كما في المبحوث عنه ، كما لا يخفى.

مدفوع : بأنّه يدور :

بين ظهور نقض اليقين بالشك في اختصاصه بخصوص ما كان من الموارد للملزوم أثر شرعي وعدم شموله للاّزم.

وبين عموم اليقين والشك حتى بالنسبة إلى ما لم يكن الأثر إلاّ للاّزم بحيث لو اخذ بالعموم فلا بدّ من التصرف بتقدير اللازم مع جعل النقض بمعنى مطلق رفع اليد عن أثر الشيء المشكوك الحكم ولو لم يكن له حالة سابقة.

ومن المعلوم أولوية التقييد في ظهور اليقين والشك في العموم عن التكليف في النقض مع تقدير اللازم ولو كان العموم وضعيا فضلا عما إذا كان إطلاقيا. ومن هنا قيل انّ الفعل يكون قرينة لتخصيص المتعلق كما في قوله : « لا يضرب أحدا » في تخصيصه بالاحياء.

هذا كله مع انّ الاطلاق في الآثار بعد جواز التفكيك بينها في التنزيل إنّما يكون بمقدمات الحكمة ، وتتم المقدمات فيما لم يكن متيقن في البين وامّا معه كما في المقام حيث انّ الآثار بلا واسطة هو القدر المتيقن فلا بدّ من الاقتصار عليه كما هو واضح.

فان قلت : ما الفرق بين الأمارات والاستصحاب مع انّ المثبت منها حجة عندهم بلا اشكال؟

قلت : الفرق في انّ الأمارات الحاكية عن الملزوم حاكية عن لازمه بل عن ملزومه وملازمه ؛ وبعد حصول الظن بتمام الأطراف فلو دل دليل بحجية الخبر في

٤٦١

تمام ما يحكيه من السيرة أو اطلاق الدليل اللفظي مثل آية النبأ ونحوها ليتعدّى إلى كل ما يحكيه من الأطراف. نعم لو لم يدل الدليل على حجية الأمارة إلاّ في خصوص ما يحكي عنه بلا واسطة لا يتعدّى إلى غيره كما سيأتي ان شاء الله في أصالة الصحّة بناء على كونها من الأمارات.

ثم انّه بناء على القول بالأصل المثبت فالظاهر جعل الملزوم مع لازمه موضوعا طولانيا واحدا ثم تنزيله دفعة واحدة حتى يكون في المجموع بلحاظ رأس السلسلة تنزيل الاستصحابي وان كان دقة منحلا إلى تنزيلات على حدة ، لا جعل كل منهما موضوعا واحدا ذا تنزيل على حدة حتى لا يرتبط التنزيل في اللازم بالاستصحاب ، كما هو ظاهر البعض.

ثم انّ المشهور القائلون بالأصل المثبت ، الظاهر انهم قالوا به من جهة ذهابهم إلى حجية الاستصحاب من باب السيرة وبناء العقلاء وكونه من الأمارات لا أنّهم ذهبوا إليه مع أخذهم له من الأخبار كما يظهر ذلك من بعض استدلالاتهم وكلماتهم في حجية الأصل المثبت.

وتلخيص الكلام في عدم حجية الأصل المثبت بناء على استفادة الاستصحاب من الأخبار : انّ معنى عدم نقض اليقين بالشك انشاء الحكم الشرعي المماثل للأثر السابق ابتداء وجعله حقيقة ان كان المستصحب من الأحكام الشرعية ، وبتوسط تنزيل الموضوع الراجع إلى جعل حكمه المماثل للسابق حقيقة ان كان من الموضوعات ؛ فلا بدّ في ترتيب الأثر في الزمان اللاحق من انطباق الدليل في نفسه أو في موضوعه ، ومع عدمهما كما في ما نحن فيه حيث انّ أثر الواسطة ليس موردا لحرمة النقض لا بنفسه ولا بموضوعه ، لعدم الحالة السابقة لهما فلا يسري إليه الجعل بتنزيل ذي الواسطة لعدم كونه من آثاره عرفا كي يكون رفع اليد عنه نقضا لليقين به بالشك عرفا وهو المناط في ترتيب الأثر

٤٦٢

في الاستصحاب. ومقدمات الحكمة غير جارية بعد عدم صلاحية مادة الفعل للشمول ، مع انّه على تقدير الصلاحية يكون لحاظ الآثار بلا واسطة في مقام التنزيل هو المتيقن ، ولا يقاس ذلك بالأمارات ، منها خبر العادل ، لكون النبأ في مثل آية النبأ مطلقا بحسب المادة بمقدمات الحكمة ، لكون كل من اللوازم بل الملزومات والملازمات « نبأ » لغة غاية الأمر تكون بالواسطة ، ومع عدم تقييده في الدليل بخصوص النبأ بلا واسطة يكون مطلقا ، بخلاف ما نحن فيه بناء على استفادته من الأخبار.

ثم انّه يستثنى من عدم حجية الأصل المثبت موردان :

أحدهما : أن تكون الواسطة خفية بحيث يعدّ آثارها الشرعية عند العرف آثارا لذيها ، وحينئذ يلزم بانطباق دليل الاستصحاب بالنسبة إلى الملزوم بترتيب آثار الواسطة بلا احتياج إلى تنزيلها. توضيحه يحتاج إلى بيان امور :

الأول : المراد بخفاء الواسطة الغاؤها عند العرف بحيث يستند آثارها إلى ذيها بلا نظر إليها عندهم وان كانت منظورا إليها دقة.

الثاني : انّ حقيقة حرمة النقض راجعة إلى جعل الأثر وانشائه امّا ابتداء ان كان المستصحب من الأحكام الشرعية أو بلسان تنزيل الموضوع ان كان من الموضوعات.

الثالث : انّ الخطاب لمّا سيق مساق العرف فيكون الظاهر منه ما هو المتفاهم عندهم ، ومن المعلوم انّ الأثر الذي لا بدّ منه في حقيقة التنزيل بنظرهم يكون هو الأثر العرفي.

إذا عرفت ذلك فاعلم : انّ الظاهر من الخطاب ـ بعد تمامية مقدمات الحكمة من صدورها في مقام البيان وعدم القرينة على التقييد في الآثار مع عدم المتيقن منها في البين ـ هو الاطلاق بالنسبة إلى الأثر مع الواسطة أو بدونها ،

٤٦٣

لكونهما في عرض واحد في كونهما أثرا للمستصحب عرفا ؛ والرجوع إليهم في تطبيق الدليل على ذي الواسطة إنّما يكون من باب الرجوع إليهم في تعيين أصل المفهوم لا في المصداق بدونه حتى لا يكون فهمهم في ذلك حجة ، لوضوح كون الشك في المصداق فيما نحن فيه من جهة الشك في سعة دائرة المفهوم وضيقه لا من جهة العوارض الخارجية.

ثم انّ ترتيب أثر الواسطة ـ مع خفائها ـ على ذيها امّا بمجرد تنزيله بلا تنزيل ذيها لما عرفت من رجوع حقيقة التنزيل في الموضوع إلى جعل الأثر فيصح الانتهاء إليه بكل ما يستكشف به ، ومنه الموضوع العرفي ، وإلاّ فلو احتيج في ترتيب ذاك الأثر إلى تنزيل الواسطة فيشكل :

أولا : بعدم كونها موردا للنقض ولا حكمه والفرض عدم كفاية تنزيل ذيها في ذلك.

وثانيا : بعدم الفرق حينئذ بين خفاء الواسطة وجلائها ، حيث انّ الفرق بينهما بالالتفات إلى الجلي دون الخفي فمع لزوم الاحتياج إلى لحاظه فلا يبقى بينهما فرق أبدا اثباتا ونفيا ، هذا ؛ مع ما عرفت من عدم الاحتياج إليه.

ثانيهما : ما إذا كانت الواسطة جلية ولكن كانت ملازمة مع ذيها في الوجود التنزيلي عرفا بحيث لا ينفك التنزيل في أحدهما عن التنزيل في الآخر كما كانا كذلك في الوجود الواقعي عقلا أو عادة وذلك كما في « النور » مع « الشمس » و « الجود » مع « حاتم » ؛ فمع الملازمة العرفية بين الواسطة وذيها كذلك وكون الملزوم موردا لليقين والشك دون لازمه يدل دليل الاستصحاب على تنزيله ابتداء بالمطابقة وعلى تنزيله تبعا بالالتزام فيترتب عليه آثارها.

فان قلت : ما ذكرت إنّما يتم فيما كان الملزوم ذا أثر شرعي أيضا كي يشمله دليل الاستصحاب بلحاظه فيتبعه لازمه دون ما إذا لم يكن كذلك حيث انّه لا يكون

٤٦٤

شاملا له حتى يدل على لازمه بتبعه.

قلت : مضافا إلى عدم القول بالفصل في صحة ترتب أثر اللازم بين ما إذا كان لملزومه أثر شرعي وبين ما لم يكن له أثر كذلك ؛ انّه يمكن أن يكون شدّة اللزوم العرفي بينهما بنحو بحيث يوجب ان يتّحدا في العرف وجودا ويعدّ وجود كل منهما وجودا للآخر وبهذا اللحاظ يصير أثر كل منهما أثرا للآخر.

وبعبارة اخرى : يكونان موضوعا واحدا ذا جهتين متعلقا لليقين والشك من جهة وذا أثر موجب لصحّة التنزيل من اخرى وان لم يكونا كذلك دقة ، وقد عرفت انّ المصحح للتنزيل كون الشيء ذا أثر شرعي عرفا وإذا كان الأثر فلا بأس في تنزيل الملزوم بلحاظ أثر لازمه ولكن مع كون التنزيل واردا على الموضوع بجهتيه لا بخصوص جهة الملزوم وحده كما توهم وإلاّ لم يكن فرق بين الواسطة الخفية والواسطة الجلية وهو فاسد كما لا يخفى.

وامّا التصحيح بوجه آخر من كونهما موضوعين ذا أثر واحد من جهة شدّة اللزوم كما في تعليقة الاستاذ (١) دام ظله على الفرائد فلا وجه [ له ] حيث انّ شدة اللزوم لو لم يوجب الاتحاد لا يوجب استناد أثر أحدهما إلى الآخر مع فرض التعدد كما لا يخفى.

ثم انّه قد يورد على ما ذكرنا من اثبات الأصل في الملزوم لآثار اللازم بمعارضته مع أصالة عدم اللازم الموجب لنفي آثاره بل لنفي آثار الملزوم أيضا بناء على فرض الاتحاد الناشئ من الملازمة.

ولكنه يدفع :

امّا بالنسبة إلى أثر الملزوم : فبثبوت اللازم من طرف وجود الملزوم مع

__________________

(١) درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : ٣٥٦ ، والطبعة الحجرية : ٢١٣ عند تعليقه على قول الشيخ : « نعم هنا شيء وهو ان بعض الموضوعات الخارجية المتوسطة » ، فرائد الاصول ٣ : ٢٤٤.

٤٦٥

لازمه وعدمه من طرف عدم اللازم مع عدم ملزومه.

وسرّه : انّ المعلول لمّا كان من شئونات وجود العلة بل عينه في مقامه النازل ، حيث انّ نحو وجود المعلول منطو بنحو أكمل في وجود العلة فيكون وجود المعلول تنزل وجود العلة في مقام فعله ويكون تنزيلها بوجوده السّعي مشتملا على تنزيله ، وليس وجود العلة بالنسبة إلى وجود المعلول كذلك كما قرر في محله ، لعدم كونه ناشئا منه ، خصوصا في طرف العدم فلا يكون التنزيل في طرف عدمه مستلزما لتنزيل عدمها كي يتعارض ذلك مع الأصل في الملزوم في آثاره كما لا يخفى.

وأمّا بالنسبة إلى أثر اللازم : فبأنّه بعد ثبوت التلازم من طرف الملزوم كما عرفت ، فيكون الأصلان فيهما بمنزلة أصلين في موضوع واحد أحدهما من طرف الوجود والآخر من طرف العدم ، ومن المعلوم انّه في مقام الدوران وعدم الامكان يكون المنسبق إلى الأذهان عرفا دخول الأصل في طرف الوجود في الدليل دون الأصل في طرف العدم خصوصا فيما نحن فيه بعد ما عرفت من السرّ في الوجه الأول ، بل يكون بوجه نظير ما مرّ في دفع ما توهمه الفاضل النراقي من تعارض الأصل في طرف الوجود والعدم من انّه مع كون طرف الوجود موردا للأصل لا وجه لملاحظته في طرف العدم ، فتدبر.

ثم لا بأس بالاشارة إلى بعض المقامات التي توهم كونها من موارد الاصول المثبتة وليست منها :

أحدها : استصحاب الأحكام الشرعية من الايجاب والتحريم ونحوهما ، حيث انّه بعد استصحابها يترتّب عليها آثارها العقلية من وجوب الاطاعة ووجوب المقدمة وحرمة الضد والإجزاء ، مع ما عرفت من عدم جواز ترتيب الآثار العقلية على المستصحب إلاّ بالمثبت.

٤٦٦

ولكنه يدفع : بأنّ الانتقاض إنّما يصحّ لو كان الأثر العقلي المترتّب بالاستصحاب لازما عقليا لواقع المستصحب لا فيما كان لازما للأعم من وجوده الواقعي والظاهري كما في غير الإجزاء من الامور المذكورة ، حيث انّ حكم العقل بوجوب الاطاعة وحرمة الضدّ ووجوب المقدمة إنّما هو بالنسبة إلى مطلق الحكم الشرعي واقعيا كان أو ظاهريا لا بالنسبة إلى خصوص الحكم الواقعي الاوّلي.

وامّا الاجزاء : فبالاضافة إلى سقوط الاعادة والقضاء بالنسبة إلى نفس الأمر المتعلق بالمأتي به واقعيا أو ظاهريا فكذلك. وامّا بالنسبة إلى سقوطهما عن الأمر الواقعي بموافقة الأمر الظاهري فيتوقّف على استكشاف المصلحة في المأمور به الظاهري بحيث لا يبقى مع تحصيلها مجال لتحصيلها عن الأمر الواقعي سواء كانت مساوية أو ناقصة على ما قرر في محله.

وعلى كل حال فلا وجه للانتقاض بمثل هذه الآثار بل بسائرها في كل ما كان الأثر للأعم ، حيث انّ الوجود الظاهري في عرض الواقع في كونه موضوعا لها عقلا ، لا من جهة تنزيلها منزلة الواقع بلحاظها كما لا يخفى.

ثانيها : استصحاب الشرط والمانع وجودا وعدما فيتخيل انّه لا أثر لها شرعا ، فلا بدّ :

امّا من ترتيب الشرطية أو المانعية ، وقد مرّ انّ مثلهما ليس بقابل للجعل شرعا مستقلا بل كان تبعا لمنشا الانتزاع وهو التكليف المتعلق بالمشروط والممنوع.

وامّا من ترتيب هذا التكليف ، وقد عرفت انّه متعلق بالكل ، وترتيبه على استصحابهما لا يكون إلاّ بالمثبت. وامّا جواز الدخول في المشروط عند وجود الشرط وعدم جوازه في الممنوع عند وجود المانع والعكس عند العكس فليسا بأثر شرعي بل عقلي ينتزع من الأمر بالمركب كما هو واضح.

٤٦٧

ولكنه يدفع :

أولا : بأنّ الشرطية والمانعية وان لم يكونا مجعولين مستقلا إلاّ انّهما مجعولتان بالواسطة فيكونان مما تناله يد الجعل من الشارع وضعا في هذا الباب ورفعا في حديث الرفع ، وليس في أخبار الباب لفظ الأثر والجعل حتى ينصرف إلى المجعول بالاستقلال والتكليف بل يكفي أن يكون في البين ما به يصح التنزيل الشرعي ؛ وكفى بما ذكرنا صحة.

وامّا توهم : انّ الشرطية والجزئية ليسا بمشكوكين حتى يترتبا على المستصحب ، فمدفوع :

بأنّ الشك في موضوعهما الجزئي يوجب الشك في الحكم الجزئي كما في جميع الشبهات الجزئية ، ولا يخفى انّه بعد انشاء الشرطية والجزئية بدليل حرمة النقض بداعي وجودهما الواقعي يستكشف بالإن تعلّق الأمر الظاهري المشروط بوجود الشرط أو عدم المانع فيوسّع بواسطة الاستصحاب موضوع الأمر الواقعي.

وثانيا : على تقدير تسليم عدم صحة الاستصحاب بلحاظ نفس الشرطية والجزئية ، ولكنه لا مانع عن اجرائه في الشرط وكذا في الجزء بلحاظ التكليف المترتب على المشروط والمركب حيث انّ لكل من الجزء والشرط دخلا في الأثر المترتب عليهما ، ولذا قرر في محله اتصاف الاجزاء بالوجوب بعين وجوب الكل لا بوجوب مغاير فلولا دخله فيه فلا وجه لاتصافه به في ضمن الكل.

ومن المعلوم أيضا انّه قد رتب في دليل الشرع أثر المشروط على الشرط فحينئذ لا اشكال في صحة اجراء الاستصحاب في الشرط والمانع والجزء بلحاظ الأثر المترتب على المشروط والكل فيوسع بواسطته الموضوع تارة ويضيّق به اخرى ، وقد عرفت كفاية ما به يصح التنزيل ، وليس في البين لفظ الأثر حتى ينصرف إلى الأثر المستقل ، بل قد عرفت في مبحث القطع صحة تنزيل مؤدّى

٤٦٨

الأمارات منزلة الواقع فيما كان القطع به تمام الموضوع فيستكشف به تنزيل القطع بالمؤدّى منزلة القطع بالواقع فضلا عمّا إذا كان القطع جزء الموضوع.

والحاصل : انّه لا بأس في تنزيل جزء الموضوع بلحاظ أثره وإلاّ لانسدّ باب التنزيلات غالبا كما لا يخفى.

هذا كله فيما كان الشرط وعدم المانع مأخوذا في المأمور به.

وامّا لو كانا مأخوذين نظير المقتضي في علة التكليف لا في موضوعه ، فيشكل اجراء الاستصحاب فيهما بلحاظ ذاك التكليف لعدم كونه مترتّبا عليهما إلاّ عقلا فلا يكونان ذا دخل فيه شرعا ولا بدّ منه في تنزيل الموضوعات ولا يكفي الدخل العقلي ، لعدم صحة التنزيل من الشرع توسعة وضيقا في علة التكليف. نعم لو كان الترتب عليهما في لسان الشرع ، لا بأس بجريان الاستصحاب في الشرط مثلا غاية الأمر يحكم بأنّه قيد للموضوع ، فتدبر.

ثالثها : استصحاب الموضوعات الخارجية ، فانّه يتوهم : انّه لا أثر لها شرعا بلا واسطة بل يكون الأثر مترتبا عليها بتوسيط اثبات العناوين الكلية ، حيث انّ الأحكام مترتبة على العناوين الكلية لا بشرط الخصوصيات ، والاستصحاب انما هو فيما كان بشرطها.

ولكنه يدفع ـ بناء على ما هو التحقيق من وجود الكلي الطبيعي بعين وجود اشخاصه وانّها بوجودها الخارجي موضوعات للأحكام لا بما هي هي ـ : بأنّ المستصحب وان كان شخصيا إلاّ انّه عين الطبيعة التي كانت موضوعا للحكم ، لأنّ الطبيعة لا بشرط عين الوجودات الخارجية ويكون وجودها عين وجوداتها لا انّها واسطة لوجودها كي يحتاج ترتب الحكم الشرعي إلى توسيط أمر آخر غير إثبات المستصحب بالاستصحاب كما هو واضح.

رابعها : انّه لو كانت الآثار الشرعية مترتبة على العناوين الثانوية الطارئة

٤٦٩

على العناوين الأولية وكان الاستصحاب مع ذلك جاريا في العناوين الأولية بملاحظة تلك الآثار فانّه يكون من الأصل المثبت ظاهرا ، حيث انّه يحتاج إلى توسيط العناوين الثانوية وذلك كالزوجية الطارئة على ذوات الاشخاص من زيد وغيره فلو شك في حياته يستصحب وجوده لاثبات بقاء الزوجية فيترتب عليه آثاره ؛ وكما لو شك في حياة الموقوف عليهم في الوقف الخاص فيستصحب حياتهم فيترتب عليه آثار الموقوف عليه ؛ وكما لو شك في بقاء حياة الولد في يوم الجمعة فيما نذر الوالد التصدق فيه بدينار فيستصحب حياته فيه فيثبت به كون اليوم مما التزم فيه بالتصدق وكونه منذورا فيه بالتصدق ويتعلق بعد ذلك عليه آثار تعلق النذر ، إلى غير ذلك من الأمثلة.

ولكنه يدفع الاشكال : بأنّ مثل هذه العناوين الثانوية إنّما كان حقيقتها مصاديق العناوين الأولية بعناوينها لا انّ حقيقتها أمر ملازم معها. مثلا حقيقة الموقوف عليه تكون ذوات الاشخاص الخاصة بعناوينها ، وحقيقة الزوج الاشخاص الذين وقع بينهم وبين النساء عقد النكاح ، وحقيقة الملتزم به والمنذور نفس التصدق بالدينار في اليوم الخاص ؛ ومن المعلوم انّها بحقيقتها موضوعات للأحكام الشرعية لا بمفاهيمها. فإذا كان الأمر كذلك فيظهر انّ المستصحبات المذكورة بنفسها موضوعات للأحكام بلا واسطة اثبات عنوان آخر أو حقيقة اخرى ملازمة معها كما لا يخفى.

ويشهد على ذلك انّ الناذر لا يقصد في مقام نذره الاّ نفس التصدق بعنوانه ، وحينئذ يكون خطاب مثل « اوفوا بالنذور » إيجابا لواقع ما التزم به الناذر وعرفت انّه التصدق في اليوم المخصوص الذي ثبت فيه حياة الولد ، غاية الأمر يكون استصحاب الحياة من قبيل استصحاب قيد الموضوع الذي ثبت بقية أجزائه وقيوده بالوجدان.

٤٧٠

هذا كلّه بناء على استفادة الاستصحاب من الأخبار.

وامّا بناء على كونه من باب الظن ، فيكون من الأمارات التي كان مثبتها حجة إلاّ فيما انحصر دليل حجيتها في خصوص الملزوم دون اللازم كما لو ادّعي في المقام انّ بناء العقلاء على الحجية في خصوص الظن بالبقاء دون الظن بالحدوث ، فلا يتعدى إلى اللوازم إلاّ إذا كانت بنفسها موردا للاستصحاب.

ثم انّ ذهاب البعض إلى حجية المثبت في بعض الموارد والفروع الفقهية.

امّا من جهة ذهابه إلى كون الحجية من باب بناء العقلاء.

وامّا من جهة خفاء الواسطة فيها.

وامّا من جهة الملازمة في التنزيل ولو مع جلاء الواسطة.

وإلاّ فمع الاستفادة من الأخبار مع عدم شيء مما ذكر فلا وجه لذلك كما عرفت.

الأمر [ السادس ] : قد يكون الشك في أصل تحقق حادث رأسا فيحكم بعدم حدوثه أصلا بالأصل. وقد يكون الشك في تحققه في زمان خاص بعد العلم بتحققه فيما بعد ذلك.

وبعبارة اخرى : يكون الشك ـ بعد العلم بأصل حدوثه ـ في تقدمه وتأخره ، فهل يجري أصالة عدم الحدوث إلى زمان العلم بحدوثه ويحكم بتأخر حدوثه عن الزمان المشكوك أم لا؟

ثم انّ هذا النزاع أيضا ليس كبرويا بل صغرويا في تحقق ما يتقوم به الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق واتصال الثاني بالأول ليتحقق صدق النقض كما سيظهر.

إذا عرفت ذلك فنقول : انّ تأخر الحادث قد يلاحظ بالنسبة إلى اجزاء الزمان ، وقد يلاحظ بالنسبة إلى حادث آخر.

٤٧١

وعلى الأول ، فلا شبهة في اجراء أصالة عدم الحدوث في الزمان المشكوك إلى العلم بتحققه ، حيث انّه لا فرق في جريانه بين الشك في أصل حدوثه رأسا وبين الشك في حدوثه في زمان معيّن ، ويترتب عليه آثار عدم الحدوث في الزمان المشكوك وامّا اثبات تأخّره عنه فلا ؛ إلاّ بناء على كونه عبارة عن مجرد عدم الحدوث في زمان اريد اثبات تأخره عنه ؛ أو بناء على خفاء الواسطة أو الملازمة في التنزيل وامّا اثبات الحدوث في الزمان الذي علم بأصل تحققه فيه فيبتني على كونه :

عبارة عن أمر مركب من وجود حادث في ذاك الزمان وعدم ذاك الحادث فيما قبله بمفاد كان التامة ، فيثبت ، لكونه حينئذ من قبيل الموضوع المركب الذي يثبت بعض اجزائه بالوجدان وبعض اجزائه الآخر بالأصل.

أو عبارة عن وجود خاص مسبوق بالعدم بحيث يكون ذاك العدم من حالات ذاك الوجود المحقق بمفاد كان الناقصة ، فلا يثبت ، لعدم الحالة السابقة لتلك الحالة في الوجود المحقق. واثباتها بأصالة العدم بمفاد كان التامة لا يكون إلاّ بالمثبت.

وامّا على الثاني ، من لحاظ تأخر الحادث بالنسبة إلى حادث آخر كأن علم بحدوث حادثين ، مثل موت المتوارثين أو حدوث الطهارة والنجاسة وشك في تقدم كل منهما وتأخره عن الآخر ، فامّا :

ان يكونا مجهولي التاريخ.

أو يكون أحدهما مجهول التاريخ والآخر معلومه.

وعلى الأول فلا يخلو :

فامّا ان يكون الأثر الشرعي مترتبا على كل منهما بواحد من وجوداته الخاصة من السابق على الآخر أو المقارن معه أو اللاحق بنحو مفاد كان التامّة فلا

٤٧٢

اشكال في اجراء أصالة العدم الأزلي لذاك الخاص ان لم يعارض بالأصل الجاري في الطرف الآخر بهذا النحو وبالأصل الجاري في طرفه بالنسبة إلى وجوده الخاص الآخر بأن ينحصر الأثر الشرعي في ذاك الخاص المقارن ـ مثلا ـ وجودا وعدما بلا ترتبه على الوجود الخاصّ المقارن من الطرف الآخر وعلى المتأخر واللاحق من طرفه ، وإلاّ فيسقط بالمعارضة كما لا يخفى.

وامّا ان يكون الأثر الشرعي مترتبا على أن يكون الوجود الواقعي المحقق لأحد من الحادثين متّصفا بكونه مقارنا أو متأخرا بمفاد كان الناقصة ، فلا يجري فيه الأصل أصلا لعدم الحالة السابقة حيث انّ الوجود المحقق لكل منهما امّا أن يكون مقارنا مع الآخر أو لاحقا به أو سابقا عليه من أول الأمر بلا حالة سابقة لواحد من الحالات فيه ، فلا مقتضي للأصل كي يسقط بالمعارضة.

وامّا ان يكون الأثر الشرعي مترتبا على بقاء أحدهما على العدم الأزلي إلى زمان تحقق الآخر وحدوثه ، وهكذا في الطرف الآخر ، فهل يجريان في هذه الصورة ويسقطان بالمعارضة؟ أو لا يجريان حينئذ أصلا؟

والتحقيق : هو الثاني.

بيانه : انّ الاستصحاب يحتاج إلى امور :

أحدها : أن يكون المستصحب متيقنا سابقا بأن يكون ظرف المتيقن في السابق لا ظرف الوصف ، ومشكوكا لاحقا كذلك.

وثانيها : ان يكون ظرف الشك متصلا بظرف اليقين حتى يكون العمل على طبق اليقين ابقاء له ورفع اليد عنه نقضا له بالشك وبدونه لا يكون نقض اليقين بالشك أبدا.

ثالثها : انّه إذا احتمل التقدم والتأخر لكل من الحادثين بالنسبة إلى الآخر فلا بدّ أن تكون الأزمنة المحتملة لوجود أحدهما مساوية للأزمنة المحتملة للآخر ،

٤٧٣

مثلا يفرض كون الحادثين متيقن العدم قبل طلوع الشمس ومتيقن التحقق أول الزوال ، ومشكوك التحقق مع احتمال التقدم والتأخر لكل منهما بين الوقتين.

إذا عرفت ذلك فنقول :

ان لوحظ الأصل بالنسبة إلى كل منهما في نفسه إلى الزوال ، فلا اشكال فيه ويرجع ذلك إلى لحاظه بالنسبة إلى زمانه في نفسه.

وان لوحظ بالنسبة إلى الزمان الواقعي للآخر فيرد عليه أوّلا بعدم اتصال الشك باليقين ، حيث انّ المشكوك هو وجود الحادث في زمان الحادث الآخر وليس وجود المستصحب في الآن السابق المتّصل بزمان الآخر بمتيقن العدم كي يستمر ذلك إلى زمانه حيث انّه يحتمل تقدّم المشكوك على الآخر فيكون الآن السابق على الآخر بالنسبة إلى وجوده وعدمه على السوية وليس أحدهما أولى [ من ] (١) الآخر والأسبق بالنسبة إليه كما قبل طلوع الشمس في المثال وان كان اليقين بعدم المشكوك موجودا في زمان إلاّ انّه لا يعلم اتصاله بزمان الآخر الذي هو زمان الشك لاحتمال تأخره عنه ؛ ورفع اليد عن ذاك اليقين بهذا الشك لمّا لم يعلم باتصالهما لا يصدق النقض عليه ، وحينئذ فيكون التمسك بالخبر تمسكا به في الشبهة المصداقية.

فان قلت : بجعل مجموع زمان الشك إلى آن اليقين بعدم الحادث وهو قبل الطلوع زمان الشك فيكون رفع اليد عنه به نقضا لليقين بالشك.

قلت : فلا يكون الملحوظ حينئذ وجود الحادث في زمان الآخر بل يكون الملحوظ وجود المشكوك بالنسبة إلى زمانه في نفسه ، ويخرج عن محل الكلام.

فان قلت : ان لوحظ زمان الآخر قيدا للحادث المشكوك فيكون المشكوك

__________________

(١) في الاصل المخطوط ( عن ).

٤٧٤

وجوده الخاص في الزمان الواقعي للآخر ، فلا اشكال في كونه مسبوقا بالعدم قبل ذاك الزمان فيستصحب عدم ذاك الخاص. وان لوحظ ظرفا فلا وجه لاختصاصه بالشك بل يجعل ذلك إلى زمان اليقين بالعدم ظرف الشك فيتصل باليقين.

قلت : بل يجعل ظرفا ، إلاّ انّ وجه الاختصاص كون الحادث في ذاك الزمان موضوعا للأثر لخصوصيته فيه لا في غيره فلا يتصل باليقين ؛ وعلى تقدير تسليم جعل مجموع الأزمنة إلى زمان اليقين بالعدم ظرف الشك فنقول :

انّه لمّا كان المفروض تساوي الأزمنة المحتملة لوجود الحادثين وكان الآن المتيقن بوجودهما فيه ـ وهو أول الزوال في المثال ـ واحدا مع احتمال كون ذاك الآن زمان حدوث الحادث الآخر فلا يمكن إحراز استمرار عدم المشكوك ولو تعبدا إلى زمان حدوث الآخر بحيث يكون زمان حدوثه زمان التعبد ببقاء عدم المشكوك حيث انّه يحتمل أن يكون الآن المعلوم التحقق آن حدوث الآخر ويكون حدوث المشكوك قبل ذلك فلا يمكن أن يحكم في ذاك الآن بعدم الحدوث.

والحكم باستمراره إلى الآن المتصل به لا يحرز به استمرار عدم المشكوك إلى زمان حدوث الآخر ، بل يدور :

بين أن يكون حدوثه في ما قبل ذاك الآن ، فيثبت استمرار العدم إلى زمان الحدوث.

وبين أن يكون حدوثه في نفس الآن المعلوم التحقق ، فلا يثبت استمرار العدم إلى زمان الحدوث.

وعلى كل حال فلا يحرز بالأصل استمرار عدم المشكوك إلى زمان حدوث الآخر ، لما عرفت.

نعم لو كان احتمالات حدوث الحادث الآخر أقل من محتملات الحادث

٤٧٥

المشكوك من طرف الآخر بحيث كان العلم بتحققه قبل آن الزوال في المثال المفروض ، فيمكن استمرار عدم المشكوك إلى زمان الآخر كما لا يخفى ، إلاّ انّه يدخل هذا القسم في المعلوم التاريخ بالنسبة إلى أحد الحادثين كما يظهر.

هذا كله في القسم الأول من الحادثين وهو : ما لو كانا مجهولي التاريخ.

وامّا القسم [ الثاني ] (١) وهو : ما لو كان أحدهما مجهول التاريخ والآخر معلومه ، فلا يخلو أيضا :

فامّا ان يلحظ الوجود من الطرفين هو الوجود الخاص في زمان الآخر وعدمه بمفاد كان التامة في قبال وجوداتهما الخاصة الأخر من السابق واللاحق بالنسبة إلى الآخر فلا اشكال في أصالة عدم تحقق ذاك الخاص بمفاد كان التامة لو لا معارضته بالأصل في طرف الآخر وبأصالة عدم تحقق أنحائه الاخرى في طرفه كما لا يخفى.

وامّا ان يلحظ الوجود الواقعي لكل منهما متصفا بعدم كونه في زمان الآخر ، فهو ليس مسبوقا بالحالة السابقة في كل منهما لا في طرف المجهول ولا في طرف المعلوم ، لاحتمال اتّصاف الوجود الواقعي لكل منهما بالسبق والمقارنة واللحوق بالنسبة إلى الآخر بلا حالة سابقة لواحد من الحالات وجودا وعدما.

وامّا أن يلحظ بقاء العدم الأزلي لكل منهما مستمرا إلى الزمان الواقعي للآخر بمفاد كان التامة بحيث يكون الملحوظ في كل طرف هو الوجود المطلق لا المقيد بزمان الآخر بمعنى كون لحاظه ظرفا لا قيدا ، فحينئذ يكون الأصل جاريا في طرف المجهول إلى زمان المعلوم.

ولكنه يترتب عليه آثار عدم الحدوث في زمان الآخر لا آثار حدوثه بعده

__________________

(١) في الاصل المخطوط ( الاول ).

٤٧٦

إلاّ بالمثبت ولا يجري الأصل في طرف المعلوم حيث انّه بعد لحاظ الزمان الواقعي للمجهول ظرفا لا قيدا يكون لحاظ المعلوم التاريخ مقيسا إلى زمان المجهول مثل لحاظه بالنسبة إلى زمانه في نفسه ، ومن المعلوم انّه لا جهل في ذلك في طرف المعلوم التاريخ كما لا يخفى.

ومما ذكرنا ظهر عدم التفاوت بين مجهولي التاريخ وبين المختلفين في الوجود الخاصّ بمفاد كان التامّة بجريان الأصل في الطرفين فيهما وفي الوجود الواقعي لكل منهما بمفاد كان الناقصة بعدم جريانه في الطرفين فيهما أيضا ؛ وانّ التفاوت بينهما في استصحاب العدم الأزلي للوجود المطلق بمفاد كان التامة فانّه يجري في طرف المجهول في المختلفين دون طرف المعلوم ولا يجري في كلا الطرفين في مجهولي التاريخ كما عرفت.

ومنه انقدح : عدم صحة إطلاق الفرق بين المجهولين والمختلفين في جريان الأصل في طرف المجهول في الثاني دون المعلوم ؛ وعدم جريانه فيهما في الأول ، فراجع وتدبر.

ثم انّ هذا كله في الشك في الحدوث وتأخر الحادث عن الآخر واستصحاب العدم في كل منهما في زمان الآخر.

وامّا لو كان الشك في بقائهما في الزمان المتأخر عن زمان حدوثهما ، وبعبارة اخرى : في الزمان الثالث مع كون الحادثين مشكوكي التقدم والتأخر فالتحقيق :

عدم جريان الأصل في نفسه في الطرفين في نفسه ، لا انّه يجري ويسقط بالمعارضة ، امّا أولا :

فلعدم اتصال الشك في كل منهما باليقين في طرفه.

بيانه : انّه لو فرض ساعتان من أول النهار كان الانسان في احداهما متطهرا

٤٧٧

وفي الاخرى محدثا ـ مع عدم العلم بتقدم واحد منهما وتأخره ـ ودخل في الساعة الثالثة فيشك في كونه في هذه الحالة متطهرا أو محدثا مع علمه بحدوثهما قبل ذلك ولكنه لا يدري حاله في كل من الساعتين الأوليين ، فحينئذ لا يجوز له اجراء الاستصحاب في واحد منهما. امّا في الطهارة : فلعدم اليقين بها قبل الساعة الثالثة التي كانت هي زمان الشك لا في الساعة الثانية المتصلة بها ولا في الساعة الاولى ، وأمّا قبلهما فليس بزمان اليقين. وامّا علمه بحصولها في إحداهما فغير مجد بعد عدم التمكن من تطبيقه على إحدى الساعتين السابقتين وبدونه لا يحرز اتّصاله بالشك ، لدورانه بين الساعة الثانية فيتصل وبين الساعة الاولى فلا ، فيكون التمسك باخبار حرمة النقض تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية ، بل عرفت من التقرير المتقدم انّه [ ينعدم ] (١) اليقين السابق المعتبر في الاستصحاب بعد كون المكلف في حالة سواء بالنسبة إلى زمان الشك وهو الساعة الثالثة وما قبله من الساعتين الأوليين. ومجرد اليقين السابق بالطهارة اجمالا لا يجدي بعد عدم اتصاله بالشك المعتبر في اليقين السابق.

وان أبيت إلاّ عن كفاية اليقين الاجمالي السابق على الشك مع كون الشك في البقاء اجمالا وان لم يدر انطباقه على إحدى الساعتين تفصيلا فيرد عليه ثانيا :

بأنّ الطهارة والحدث لمّا كانا من العدم والملكة أو المتضادين فلا يمكن الحكم التعبدي بلسان الابقاء والتنزيل الاستصحابي بالنسبة إليهما لو لم يرجع إلى تنزيل آخر غير التنزيل الاستصحابي ، حيث انّ تنزيله إنما يكون فيما أمكن بقاؤهما في زمان واحد وعرفت عدم إمكانه من جهة وحدة المحل. والتعبد ببقاء أحدهما المعيّن ترجيح بلا مرجح ولا معنى لإبقاء أحدهما المردد.

__________________

(١) في الاصل المخطوط ( ينصدم ).

٤٧٨

وان أبيت عن ذلك فيرد عليه ثالثا :

بعدم جواز التعبد بهما أيضا من جهة تعارضهما دائما بعد العلم بكذب أحدهما وكون كل واحد منهما أمرا شرعيا دائما بناء على كونهما من الآثار المجعولة أو ذا أثر كذلك بعد كون الموجب لأحدهما شرعا رافعا للآخر شرعا ، فمن هذه الجهة إذا كان أحدهما شرطا لعبادة يكون الآخر مانعا وعرفت كون كل من الشرطية والمانعية أثرا شرعيا وحينئذ يكونان من قبيل فردي العام المتعارضين دائما فلا بدّ من الحكم باخراجهما عن تحته دائما ، والفرض انّ الاصول العملية ليست من قبيل المتزاحمين كي يحكم فيهما بالتخيير عند التزاحم بل من قبيل المتعارضين فلا بدّ من التساقط عند التعارض.

هذا كله في صورة كون الحادثين مجهولي التاريخ.

وامّا لو كان أحدهما معلوم التاريخ كما لو علم بتاريخ الحدث مثلا وشك في تقدم الطهارة أو تأخرها عنه فلا شك في استصحاب بقاء معلوم التاريخ ؛ وكما لو غسل الثوب بالإناءين المشتبهين فانّه لا اشكال في استصحاب النجاسة لكونها معلوم التاريخ حيث انّه يعلم بها تفصيلا في أول زمان الملاقاة بالاناء الثاني مرددا بين كونها من الأول فلا يحصل التطهير بمجرد الملاقاة مع الثاني وبين حدوثها بالثاني فيشك في بقائها بعد ذلك فيستصحب ، بخلاف الطهارة ، لكونها مجهول التاريخ وقد عرفت عدم جريان الأصل فيه لعدم احراز اتصال اليقين بالشك المعتبر في الاستصحاب. نعم لو كان الاناء الثاني كرّا وقلنا بحصول التطهير بمجرد الملاقاة به فلا يحصل العلم بالنجاسة أيضا تفصيلا فيدخلان في مجهولي التاريخ.

تذنيب : اعلم انّه قد يعلم بتحقق شيء في الزمان اللاحق ويشك في مبدئه ويحكم بتقدمه بالاستصحاب القهقري. مثاله : انّ صيغة الأمر مثلا تدل على الوجوب في الأزمنة المتأخرة ويشك في كونها كذلك في الأزمنة السابقة

٤٧٩

[ عن ] (١) زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والامام عليه‌السلام فيحكم بكونها كذلك في ذاك الزمان.

ولكن التحقيق : انّه أصل لا أصل له ، لعدم دلالة الأخبار ولا بناء العقلاء عليه. نعم كونها في الزمان السابق مثل اللاحق ملازم لنقلها عن المعنى الأول الذي شك في أصله فيحكم بأصالة عدم حدوث نقل أصلا بكونها للوجوب سابقا ، فان كان العمل به من باب بناء العقلاء على طبقه من دون لحاظ الحالة السابقة فلا ربط له بالاستصحاب ، وان كان مع لحاظها فيدخل فيه إلاّ انّه في مباحث الألفاظ من المسلّمات عند العقلاء ويكون مثبته حجة بلا ابتناء على الأخبار وإلاّ فيشكل التمسك فيما لا أثر لعدم النقل شرعا وان كان ينتهي إليه بالواسطة إلاّ انّه بالمثبت ؛ هذا لو شك في أصل تعدد المعنى.

وامّا لو علم به وشك في تاريخ النقل فيحكم بعدم حدوثها إلى زمان القطع به فيترتب عليه آثار العدم لا غير إلاّ بناء على كونه من باب بناء العقلاء أو على الأصل المثبت كما عرفت.

الأمر [ السابع ] : لا اشكال في جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية ولا في موضوعاتها الخارجية أو اللغوية ان كان حجية الأصل في مباحث الألفاظ من باب الاستصحاب كما عرفت.

وإنّما الاشكال في جريانه في الأحكام الاعتقادية التي كان المطلوب بالذات فيها الاعتقاد جانحا لا العمل خارجا.

ووجه الاشكال إنّما هو في تحقق ما يعتبر في الباب ، فيرجع النزاع صغرويا لا كبرويا.

فنقول : انّ الكلام في الاعتقاديات :

__________________

(١) في الاصل المخطوط ( من ).

٤٨٠