تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ٢

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 978-600-5213-31-7
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٦٣٨
الجزء ١ الجزء ٢

المتصف بعدم الحيضية ، بمعنى سلب الربط لا السلب المحمولي.

ومنها : أصالة بقاء الكرّية في الماء المسبوق بها على نحو الاتصاف مع كون الموضوع باقيا بالمسامحة العرفية فيثبت بها الاتصاف ، لا في الماء المقارن لها غير المسبوق بالاتصاف بها كما فيما كان الباقي من الماء في المحل مغايرا عرفا مع الماء المتصف بها سابقا في ذاك المحل فانّه لا يثبت بأصالة بقاء الكرّ في المحل اتصاف الماء الموجود فيه المغاير مع الأول عرفا.

الأمر الثاني : انّه قد أشكل في جريان الاستصحاب في :

الزمان ، كاليوم والليلة ونحوهما.

والامور غير القارّة التي لا استقرار لوجودها بل تكون متصرمة الوجود بحيث يكون حدوث كل جزء منها مقارنا لارتفاع جزء آخر منها كالحركة والتكلم والقراءة.

والامور القارّة المقيدة بالزمان.

فلا بدّ من التكلم في كل من المقامات الثلاث.

امّا الزمان : فوجه الاشكال : فقدانه لبعض أركان الاستصحاب وهو الشك في البقاء وهو وجود الموجود السابق في اللاحق بعين الوجود السابقي ، وحيث انّ اجزاء الزمان كانت متصرّمة ومتقطعة وغير مجتمعة في الوجود فما كان منها يقيني الوجود في السابق قد علم بارتفاعه ، وغير الجزء المتيقّن مشكوك الحدوث بحيث يكون اليقين بحدوثها مساوقا لليقين بارتفاعها وحينئذ :

فان كان الشك في مثل اليوم والليلة في كون الجزء المشكوك فيه منهما فيرد عليه :

بعدم كون الجزء المشكوك مسبوق الوجود فضلا عن اتصافه بكونه منهما.

وان كان الشك في نفس بقاء اليوم والليلة فيرد عليه :

٤٤١

أولا : بعدم كون كل منهما أمرا واحدا ، بل مؤلفا من الاجزاء غير المقارنة في الوجود ، فكيف يعدّ المجموع المؤلف منها أمرا واحدا؟

وثانيا : على فرض تسليم الوحدة يكون حدوث المركب بحدوث تمام اجزائه وبقائه ببقائها جميعا فكيف ذلك في الاجزاء المتصرمة غير المجتمعة؟

وملخص الجواب في نفس استصحاب بقاء اليوم والليلة لا في اثبات كون الجزء المشكوك منهما وإلاّ فالاشكال فيه باق بحاله ، ان يقال : انّه لا يخلو :

فامّا ان يقال : انّهما عبارتان عن الحركة التوسطية للشمس ، بأن يكون اليوم عبارة عن كون الشمس في قوس النهار بين المبدأ وهو نقطة الطلوع من المشرق والمنتهى وهو نقطة الغروب من المغرب ، والليل عبارة عن كون الشمس في قوس الليل بين المبدأ والمنتهى ؛ ولا يخفى انّ الحركة التوسطية شخص واحد بسيط مستمر من أول القطعة إلى آخرها ، فإذا شك في تجاوز الشمس عن كل من القطعتين فالأصل بقاء حركتها في القطعة المشكوكة فيحكم ببقاء اليوم أو الليلة بلا مسامحة لا في الموضوع ولا في البقاء كما لا يخفى.

وامّا أن يقال : انّ اليوم والليلة عبارتان عن حركة الشمس في تمام كل من القطعتين على نحو الانطباق بأن يجعل مجموع الآنات المنطبقة على مجموع مسافة القطعة أمرا واحدا ، وحيث انّ المعلوم انّ الحركة القطعية لا توجد بجميع حدودها في الخارج إلاّ موهوما ويكون الموجود منه حقيقة في الخارج في كل آن حدّ منه فلا بدّ في اجراء الاستصحاب فيه أولا من جعل المجموع أمرا واحدا ثم جعل حدوث المجموع بحدوث جزء منه ولو مسامحة ، بادّعاء كون وجود الجزء هو وجود الكل وبقائه بعدم حدوث الجزء الأخير منه أو بعدم حدوث جزء مقابله فيصدق حينئذ ـ إذا شك في تمامية اجزائه ـ انّه شك في البقاء بلا مسامحة في البقاء بعد المسامحة في جعل حدوث المجموع بحدوث أول جزء منه.

٤٤٢

نعم مع عدم المسامحة كذلك تكون المسامحة في الحدوث والبقاء كما لا يخفى.

وعلى كل حال فلا مانع عن جريان الاستصحاب في الزمان بنظر العرف ولو مسامحة امّا في جعل حدوث القطعة المركبة من اجزاء عديدة بحدوث جزء منها ، أو في الحدوث والبقاء حيث انّ المناط في تحقق أركان الاستصحاب هو نظر العرف بهذا النظر.

ثم يتصور في استصحاب الزمان الأقسام الثلاثة المذكورة للكلي.

امّا الأول : فكما لو شك بعد معلومية عدد ساعات الليل المعيّن في تماميته بتماميتها.

وامّا الثاني : فكما لو تردد الليل بين الطويل والقصير من جهة اشتباه الشهور أو الفصول.

وامّا الثالث : كما لو شك في ما بعد التاسع والعشرين من رمضان مثلا انّ هذه الليلة من رمضان مثلا أم لا لتردد الشهر بين ثلاثين وتسعة وعشرين ، فانّه بالنسبة إلى الليل من رمضان يكون من [ القسم ] (١) الثالث من الكلي حيث انّه بعد العلم بتمامية الليالي المعلومة يشك في بقاء الليل الكلي من رمضان في ضمن فرد آخر أم لا ؛ وكما لو ترددت ساعة الليل المعيّن بين الأقل والأكثر فيما كان الأثر مترتبا على الساعة الكلية منه.

والحاصل : انّه بعد جعل اليوم والليلة نفس الحركة التوسطية الباقية حقيقة بعين الوجود الأول ، أو جعلهما عبارة عن الحركة القطعية بعد المسامحة في تحققهما بتمامهما بالجزء الأول منهما ، أو بعد المسامحة في حدوث الأمر التدريجي

__________________

(١) في الاصل المخطوط ( الاقسام ).

٤٤٣

بجعله عبارة عن حدوث الجزء الأول منه وبقائه بجعله عبارة عن عدم حدوث جزء مقابله فلا اشكال في جريان الاستصحاب فيهما ؛ كما لا اشكال في تصوير الأقسام الثلاثة من استصحاب الكلي فيهما كما عرفت. نعم لا يثبت باستصحابهما كون الآن المشكوك فيه من واحد منهما إلاّ بالمثبت.

وامّا الاستصحاب في الأمر التدريجي : فالاشكال فيه الاشكال في الزمان.

والجواب :

امّا بالنسبة إلى ما كان من أقسام الحركة كالقراءة لكونها أيضا حركة اللسان في مخارج الحروف والحركة الأينية ونحوها فالجواب :

امّا بجعلها عبارة عن الحركة التوسطية ، فيتصور فيها البقاء حقيقة.

وامّا بجعلها المجموع المركب من الاجزاء بعد جعل حدوثه هو حدوث جزء منه بادّعاء الاتحاد ، أو بعد المسامحة في الحدوث والبقاء كما عرفت في الزمان.

ثم انّه يتصور أقسام الكلي في القراءة ونحوها أيضا.

أمّا القسم الأول : فكما لو علم بالشروع في قراءة سورة معيّنة من القرآن وشك في تماميتها بعد مضي مقدار من الزمان.

وأمّا القسم الثاني : فكما لو شك في الشروع من أوّل الأمر بسورة قصيرة يقينية الارتفاع أو بسورة طويلة يقينية البقاء.

وامّا القسم الثالث :

فالقسم الأول منه : كما لو علم بقراءة شخص معيّن قد علم بتمامية قراءته وشك في قراءة شخص آخر طويل القراءة معه أم لا.

والقسم الثاني منه : فكما لو علم بقراءة سورة معيّنة وتماميتها وشك في

٤٤٤

الشروع بقراءة سورة اخرى بعدها أم لا.

وأمّا الثالث منه : فلا يجري في الحركة والقراءة ، ولا في الزمان ؛ كما انّ الأول منه لا يجري في خصوص الزمان ؛ وأمّا بالنسبة إلى شخص واحد فلا يجري في القراءة والحركة أيضا إلاّ أن يجعل ذلك بحسب الداعي الباعث إليهما كما لا يخفى.

وأمّا المقيد بالزمان : فالشك فيه على قسمين :

الأول : أن يكون الشك في بقاء المقيد من جهة الشك في زوال قيده وهو الزمان كما لو وجب الجلوس إلى الزوال وشك فيه من جهة الشك في الزوال ، وحينئذ :

فان كان المقيد بحسب آنات القيد متجزّيا بحيث كان العمل في الجزء المشكوك كونه قبل الزوال بوصف كونه كذلك موضوعا على حدة فلا يجري فيه الاستصحاب لاثبات كون الجلوس في الآن المشكوك فيه الجلوس قبل الزوال كما هو واضح.

وان لم يكن كذلك بل كان الجلوس إلى الزوال موضوعا واحدا لحكم واحد فيستصحب بقاء الجلوس المقيد أو بقاء نفس الزمان لاثبات قيد الموضوع لو كان مقيدا لا خاصا ولكن يثبت به بقاء المقيد لا كون الجزء الواقع في الآن المشكوك من المقيد كما عرفت.

الثاني : ان يكون الشك في بقاء حكم العمل مع القطع بزوال قيده وهو الزمان الخاص ، فلو كان الاستصحاب جاريا حينئذ لكان في نفس الحكم لا في موضوعه كما في القسم الأول.

ولكنه لا بدّ من الجزم بعدم جريان الاستصحاب حينئذ ، حيث انّه بعد تقيد موضوعه ـ بحسب الدليل ـ بالزمان الخاص فيكون الواقع بعد ذاك الزمان موضوعا

٤٤٥

آخرا ، يكون إثبات الحكم فيه بالاستصحاب من قبيل اسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر به وهو باطل ، بل يشكل استصحاب الحكم فيما كان موضوعه عمل المكلف ولو فيما لم يقيّد بحسب الدليل بالزمان لأنّ تشخص الأفعال يختلف باختلاف المشخصات ومنها الزمان ، لوضوح انّ الفعل الواقع في زمان غير الفعل الواقع في زمان آخر ، وباختلاف المشخصات يختلف الفعل بل تختلف المصلحة والمفسدة اللتان كانتا ملاكا للأحكام وكانتا مقومتين لموضوعاتهما بناء على التحقيق من كونهما بالوجوه والاعتبار فيختلّ بعض أركان الاستصحاب وهو اتحاد الموضوع ، بل يكون استصحاب العدم الأزلي للحكم بعد الزمان الخاص جاريا ، حيث انّ المنقطع منه إلى الوجود إنّما هو بالنسبة إلى الزمان الخاص وامّا بالنسبة إلى ما بعده فلا ، والمفروض كما عرفت تغاير الفعل الواقع فيه مع الفعل الواقع فيما قبل ، ولذلك قد أرجع النراقي (١) في الأفعال المحكومة بحكم في زمان معلوم وصارت مشكوكة الحكم بعده إلى استصحاب العدمي وقد تعرّض لبيان اتصال الشك اللاحق باليقين السابق بتقطيع الأفعال بالنسبة إلى الأزمنة بجعل عدم كل منها متيقّنا سابقا ومشكوكا لاحقا متصلا باليقين لأنّه وقع الشك في حكم الفعل قبل مجيء زمانه ؛ ولكنه قد أوقع التعارض بين استصحاب الوجود مع استصحاب العدم وسيجيء ما فيه.

والتحقيق : أن يقال : انّه بناء على أخذ موضوع الاستصحاب من العقل فلا مجال لاستصحاب أحكام الأفعال الوجودية ، وحيث انّه خلاف التحقيق بل المرجع في الموضوع هو العرف فلا بدّ ان يفصّل في الاستصحاب الوجودي :

بين أن يكون الزمان قيدا للموضوع ومقوّما له بحسب الدليل بحيث كان

__________________

(١) مناهج الاحكام : ٢٣٩ السطر ٢ ـ ١٣ قوله : « فوائد : الاولى : اعلم ان بعد ما عرفت حال تعارض الاستصحابين الخ ».

٤٤٦

مكثّرا للفعل وكان الفعل في كل جزء من الزمان فردا للموضوع غير الواقع في الجزء الآخر منه فيرجع إلى الاستصحاب العدمي بعد الزمان المتيقّن لكون الشك حينئذ في التكليف بالنسبة إلى موضوع حادث لا في استمرار الحكم الأول. نعم لو تسامح العرف في بعض الموارد بإلغاء الزمان وجعل الفعل مستمرا واحدا موضوعا وحكما لأمكن الاستصحاب ولو مع كون الزمان قيدا في الدليل ، ولكن فيما كان الشك راجعا إلى التعدد المطلوبي لا فيما لم يرجع إلى ذلك كما هو واضح.

وبين أن يكون ظرفا للفعل بحيث لم يلحظ في الدليل إلاّ ظرفا وان كان قيدا دقة فيرجع إلى استصحاب الوجود لا إلى استصحاب العدم الأزلي ، حيث انّ الشك حينئذ في استمرار الوجود الأول موضوعا وحكما ولا يكون الزمان حينئذ موجبا لتكثّر الموضوع واختلافه بل يكون الفعل في الزمان المعلوم وبعده مستمرا واحدا موضوعا وحكما بحسب الدليل والنظر العرفي.

ولا وجه لأن يقال : انّ المتيقن انقطاع العدم الأزلي في الزمان الخاص وامّا بعده فلا ، فيرجع إلى استصحابه بالنسبة إلى القطعة المشكوكة.

حيث انّ تعدد العدم ووحدته إنّما هو بتعدّد الوجود المضاف إليه ووحدته فبوحدته ـ بحسب الدليل غاية الأمر مع الشك في قصر الموضوع وطوله كما هو المفروض ـ يكون العدم واحدا أيضا ، فبتبدّله إلى الوجود انقطع استمراره فيكون الشك في الاستمرار بالنسبة إلى خصوص الوجود فالاستصحاب فيه هو المحكّم ليس إلاّ ، فلا وجه لملاحظة التعارض بين استصحاب الوجود والعدم.

فان قلت : بناء على أخذ الزمان ظرفا في الدليل يمكن الرجوع إلى الاستصحاب الوجودي بالنظر العرفي وإلى العدمي بحسب الدقة لتكثّر الفعل بحسب الأزمنة دقّة كما عرفت فباطلاق دليل الاستصحاب بالنسبة إلى كلا النظرين

٤٤٧

يحصل التعارض كما ذكره النراقي قدس‌سره. (١)

قلت : لمّا لم يكن الجامع بينهما مأخوذا في الدليل بل كان سوق الدليل بالنظر الخارجي ولم يمكن اجتماع النظرين لتباينهما مصداقا من حيث استلزام أحدهما لملاحظة الزمان في الموضوع واستلزام الآخر الغاءه فلا بدّ من واحد منهما ، وحيث انّ المتعيّن هو نظر العرف فلا بدّ من الرجوع في المفروض إلى الاستصحاب الوجودي.

ونظير المقام في عدم اجتماع النظرين قد مرّ في عدم قيام الأمارات بحسب دليل اعتباره مقام القطع الموضوعي والطريقي ، فراجع.

هذا كلّه فيما كان الشك من جهة الزمان.

وامّا لو كان الشك من جهة طروّ حالة اخرى ـ غير الزمان ـ على الفعل فكذلك لا بدّ أن يلحظ الدليل ويفرّق بين كون الحالة المتيقنة قيدا ومكثرا للفعل بحسب الدليل وبين كونها من حالات الفعل.

ثم انّه لو كان الموضوع للحكم من الموجودات الخارجية كحياة زيد ورطوبة ثوبه ونحوهما :

فان لم يكن في مقام موضوعيته مقيدا بقيد فلا اشكال في جريان الاستصحاب فيه موضوعا لو شك في بقائه بنفسه ، وحكما لو شك في بقاء حكمه.

وان كان مقيدا بزمان أو حال وشك في ثبوت الحكم له بعدهما فيجري فيه التفصيل الذي عرفت من كون أخذ الزمان قيدا أو ظرفا.

وامّا ان كان مشكوك البقاء بعد الزمان الخاص أو بعد حالة خاصة هو الطهارة والنجاسة كما لو شك في بقاء الطهارة بعد خروج المذي مثلا أو شك في

__________________

(١) مضى تخريجه.

٤٤٨

بقاء النجاسة بعد الغسل مرة إلى غير ذلك من الأمثلة :

فان كانت الطهارة والنجاسة من الامور الواقعية المحمولة بالضميمة فحالهما حال الموضوعات.

وان كانتا من الأحكام الشرعية القابلة للجعل فكالأحكام الشرعية.

وعلى أيّ حال لا اشكال في كون الشك فيهما في الرافع ، لوضوح كون الطهارة الحادثة بالوضوء والنجاسة الناشئة من الملاقاة من الامور النافية لو لا الرافع ، فيشك في زوال الاولى بالمذي وفي زوال الثانية بالغسل مرة ، فلا وجه لأصالة عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد المذي وأصالة عدم كون الملاقاة سببا للنجاسة بعد الغسل مرة كما في كلام النراقي (١) المحكي في الفرائد (٢) فراجع.

الأمر الثالث : قد يكون المستصحب في السابق موجودا مطلقا غير معلق على شيء فيطلق على استصحابه التنجيزي.

وقد يكون معلقا على شيء وغير منجز في السابق ويشك في بقائه في اللاحق لبعض الجهات الطارئة ويسمى الاستصحاب فيه « التعليقي » مرة و « التقديري » اخرى ، وربما يشكل في الاستصحاب التعليقي لتخيّل الاختلال ببعض أركانه. ولا بدّ في هذا التنبيه من بيان الاشكال من جهة التعليق ، حيث انّه لا بدّ في كل تنبيه البحث من الجهة التي كانت مهمة في ذاك التنبيه.

ثم لا يخفى انّ التعليق لو كان على وجود الموضوع بنفسه أو على القيد المأخوذ فيه بحيث لو وجد الموضوع في السابق لكان الحكم متيقن الثبوت له ولكن وجد في اللاحق بخصوصية شك في ثبوت الحكم معها فلا اشكال في جريان الاستصحاب حينئذ ، لتحقق أركان الاستصحاب فيه بلا فقد شرط فيه حتى

__________________

(١) تقدم تخريجه.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٢٠٩.

٤٤٩

الاطلاق في الوجود ـ على تقدير توهم الاشتراط به ـ حيث انّ الاطلاق في الحكم إنّما هو بعدم تقيد الهيئة بشيء ، والتعليق على وجود الموضوع إنّما كان بحكم العقل كما هو واضح وسيجيء تحقيق عدم الاشتراط بوجود الموضوع في السابق في استصحاب الشريعة السابقة.

وامّا لو كان التعليق بغير وجود الموضوع مما كان شرطا لترتب الحكم عليه بأن كان الحكم التعليقي متيقن الثبوت في السابق للموضوع وصار مشكوك التحقق له ، لبعض الخصوصيات الطارئة الموجبة للشك ، كما لو ثبتت الحرمة في العنب معلقة على الغليان ثم شك بعد صيرورته زبيبا في ثبوت الحرمة كذلك فقد يشكل بعدم جريان الاستصحاب فيه.

ووجه الاشكال :

امّا للاشكال في اتحاد الموضوع.

وامّا لتوهم المعارضة بين الاستصحاب في الحكم التعليقي وبين الاستصحاب في الحكم المنجز.

وامّا من جهة كون التعليق بنفسه مانعا عن جريان الاستصحاب.

ولكن التحقيق : جريان الاستصحاب وعدم صحة الاشكال من هذه الجهات.

امّا توهم اختلاف الموضوع ففيه : مضافا إلى النقض باستصحاب الحكم المنجز ؛ انّه يفرض الشك في الحكم التعليقي فيما كانت الخصوصيات الطارئة من حالاته غير المقوّمة له عرفا.

وامّا توهم المعارضة فسيجيء اندفاعه.

وامّا مانعية التعليق بنفسه :

فان كان من جهة توهم عدم وجود المستصحب في السابق أصلا ؛ ففيه : انّ

٤٥٠

ثبوت التعليق في السابق نحو وجود للحكم وان لم يكن وجودا فعليا له ، حيث انّ الحرمة المعلقة على الغليان كانت موجودة بخطاب « العنب إذا غلا ينجس » بعد ما لم يكن شيئا مذكورا ، ولذا كانت الملازمة بينها وبين الغليان متحققة فعلا بذاك الخطاب وهو يستلزم ثبوت الحكم على نحو التعليق.

وان كان من جهة اشتراط الوجود المنجز في جريان الاستصحاب ؛ ففيه : انّه لا مانع من هذه الجهة. توضيحه يحتاج إلى بيان امور :

الأول : انّه بعد ما عرفت من كون التعليق نحو وجود ثابت للحكم بعد ما لم يكن ؛ لا اشكال في كون هذا الحكم التعليقي حكما شرعيا ثابتا بخطاب الشرع وهو قوله : « العنب إذا غلى ينجس » مثلا فيكون قابلا للوضع والرفع الشرعيين.

الثاني : انّ دليل الاستصحاب يكون موجبا لتعميم دليل المستصحب في السابق المجمل بالنسبة إلى الزمان اللاحق وشارحا لاهماله.

الثالث : انّ دليل الاستصحاب يكون عاما لكل ما كان متيقنا سابقا ومشكوكا لاحقا وكان قابلا للوضع والرفع بنفسه أو بأثره ، فيشمل ما كان موجودا سابقا على نحو الاطلاق وما كان موجودا على نحو التعليق بلا تفاوت بينهما في شمول الدليل ؛ ولا موجب للانصراف إلى الأول.

إذا عرفت ما ذكرنا فيظهر : انّه لا مانع من جريان الاستصحاب في الحكم التعليقي إذا صار وجوده التعليقي مشكوكا في اللاحق.

وتوهم عدم كونه أثرا شرعيا قد عرفت ما فيه.

وكذا توهم عدم كونه موجودا أو اشتراط الاطلاق ، كتوهم انّه لا بدّ من كون الثابت بالاستصحاب حكما عمليا وليس كذلك الحكم التعليقي ، لعدم وجود المعلق عليه.

ووجه الدفع : انّ الحكم التعليقي وان لم يكن حكما عمليا في السابق إلاّ انّه

٤٥١

يكون كذلك في اللاحق حيث انّ المفروض وجود المعلّق عليه في زمان الشك ويكفي في الاستصحاب ثبوت الأثر كذلك في حال جريانه وان لم يكن كذلك سابقا.

وتوهم : عدم كون الحرمة الفعلية في مثال العنب من آثار الحرمة التعليقية فكيف يجري فيه الاستصحاب بلحاظه؟ مدفوع :

بعدم الاحتياج في استصحاب الحكم التعليقي بعد كونه شرعيا إلى أثر مترتب عليه ، غاية الأمر بعد ثبوت الحكم التعليقي مع وجود المعلق عليه يترتب عليهما الفعلية بواسطة خطاب الشرع ، وعلى فرض تسليم كون الترتب المذكور عقليا لا بأس به أيضا بعد كون الأثر المترتّب لازما أعمّ بالنسبة إلى الوجود الواقعي والوجود الاستصحابي ، مع انّ استصحاب القدر المشترك بين التعليقي والتنجيزي يكفي في ترتب الأثر الفعلي بعد حصول المعلق عليه.

والحاصل : انّ أركان الاستصحاب في الحكم التعليقي متحققة بالتمام فلا وجه للاشكال.

وامّا معارضة الاستصحاب المذكور باستصحاب الحكم الفعلي السابق وهو الاباحة في المثال المفروض ، ففيه :

أولا : انّ الشك في الاباحة الفعلية بعد الغليان مسبّب عن الشك في بقاء الحرمة التعليقية قبله في حال الزبيبية مثلا بحيث لو علم بقاؤها على نحو التعليق لما شك في ارتفاع الاباحة.

وتوهم العكس أيضا ؛ مدفوع : بأنّ الاباحة الفعلية لمّا لم تكن مضادة مع الحرمة التعليقية ولذا كانت مجتمعة معها في السابق بل كانت ضدا للحرمة الفعلية المسببة عن التعليقية فتكون الاباحة كذلك ، لمكان قضية المضادة من اتحاد الضدين في المرتبة. وهذا كتوهم : انّه بناء على تسليم السببية يكون ارتفاع

٤٥٢

الاباحة من الآثار العقلية لا الشرعية ؛ لاندفاعه : بكونها لازما أعمّ كما عرفت في الحرمة الفعلية.

وثانيا : انّ الثابت في السابق ليست هي الاباحة المطلقة بل المغيّاة بالغليان شرعا ، فيكون الثابت حكمان خاصان أحدهما معلق على الغليان والثاني مغيّا به ، فلو شك في حال الزبيبية مثلا بقاؤهما على ما كانا عليه من الخصوصية فالأصل بقاؤهما كذلك ، ولازمه ثبوت الحرمة الفعلية بعد الغليان وارتفاع الاباحة كذلك كما لا يخفى.

فظهر : انّ الوجه عدم صحة معارضة استصحاب الحرمة التعليقية باستصحاب الاباحة وانّه لا مانع عن استصحابها أصلا فلا حاجة إلى الرجوع إلى استصحاب الملازمة الفعلية بين الحرمة وبين الاباحة كما في الفرائد (١) ـ بناء على الاحتياج إلى الوجود المطلق في اجراء الاستصحاب ـ حيث انّ الملازمة ليست بأثر شرعي ولا ذي أثر كذلك ، وترتب اللازم عليها كنفسها عقلي محض كما لا يخفى.

الأمر الرابع : لا فرق في المستصحب بين أن يكون حكما ثابتا في هذه الشريعة أو حكما من أحكام الشريعة السابقة ، لاطلاق دليل الاستصحاب وعدم ما يصلح أن يكون مانعا عنه ؛ عدا ما يتخيل من عدم اتحاد الموضوع حيث انّه كان سابقا هو « الجماعة الثابتة في الشريعة السابقة » وفي زمان الشك يكون هو « الجماعة في الشريعة اللاحقة » وبالنسبة إليهم يكون الشك في أصل حدوث التكليف لا في بقائه كما لا يخفى ، فتختلّ أركان الاستصحاب.

وما أجاب به الشيخ العلاّمة الأنصاري قدس‌سره (٢) عن هذا الاشكال :

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٢٢٣.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

٤٥٣

تارة : باثبات الحكم المشكوك نسخه في حق المدرك للشريعتين بالاستصحاب وفي حقّ غيره بأدلة الاشتراك في التكليف من الاجماع والضرورة.

واخرى : بأنّ الحكم الإلهي ثابت للجماعة بنحو لا دخل فيه لاشخاصهم ؛ وبعبارة اخرى : للطبيعة الكلية من المكلفين ، ويقبل الكلي لتعلق الحكم به كما في الملكية القابلة للتعلّق بالكلّي من الفقير ونحوه أيضا غاية الأمر يكون الحكم الاستصحابي من جهة اشتمال موضوعه على اليقين والشك غير القائمين بالكلي متعلقا بالاشخاص فيكون كل واحد من اشخاص الشريعة اللاحقة متيقنا بثبوت الحكم للكلي من المكلفين وشاكا في بقائه كذلك بحيث لو كان ثابتا في اللاحق لكان ساريا إليه بتوسط دليل الاستصحاب.

ففيه : انّه لا يصح الجواب لكل من الوجهين.

امّا الأول : فلأنّ دليل الاشتراك إنّما يجدي بالنسبة إلى كل من كان مشتركا مع المحكومين بالحكم الخاص في العنوان من الحضر والسفر ونحوهما ، غاية الأمر يشك في دخل بعض الاشخاص في الحكم بخصوصه فيدفع الاحتمال بدليل الاشتراك ، لا انّ الحكم الثابت للواجدين لعنوان يثبت للفاقدين له بدليل الاشتراك كما هو واضح ؛ ومن المعلوم انّ الحكم الاستصحابي إنّما هو في حق من كان متيقنا بثبوت الحكم له سابقا وصار شاكا في البقاء فكيف يثبت لغير المتيقن بدليل الاشتراك؟ نعم يكون عاما بالنسبة إلى كل من كان متيقنا وشاكا كما هو واضح.

وأمّا الثاني : فالتحقيق : ثبوت الفرق بين الملكية القابلة لتعلقها بالكلي وبين التكاليف ، فانّها لا تقبل لذلك من جهة استلزامها لبعض آثار خاصة من الاطاعة والعصيان والمثوبة والعقوبة وغيرها غير القابلة للتعلق إلاّ بالاشخاص ، فلا يجدي الجواب بتعلق الأحكام بالكلي.

٤٥٤

فالتحقيق في الجواب : بعد النقض بالشك في نسخ أحكام هذه الشريعة بالنسبة إلى المعدومين في زمان الخطاب ، ان يقال : انّ القضايا المتعارفة في العلوم المشتملة على اثبات المحمولات للموضوعات إنّما هي قضايا حقيقية ثابتة فيها الحكم لأفراد الموضوع كانت محققة الوجود أو مقدرة لا خارجية بقصور الحكم لخصوص الافراد الخارجية كما قرر في المنطق ، وإذا كان كذلك فنقول : انّ القضايا الكلية في هذه الشريعة أو في الشريعة السابقة مثل « يا أيّها المؤمنون » أو ( لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ ) (١) ونحو ذلك يكون لها [ جهتا ] (٢) عموم افرادي بالنسبة إلى كل فرد من المكلفين إلى يوم القيامة غاية الأمر يكون بالنسبة إلى الحاضرين الموجودين حكما فعليا وبالنسبة إلى المعدومين حكما شأنيا تكون فعليته معلقة على وجود المكلفين خارجا ، وهذا غير تعلق خطاب المشافهة بالمعدومين كما قرر في محله. وقرر أيضا جواز تعلق الحكم الشأني بالمعدومين.

فاذا كان الخطاب من حيث الافراد عاما افراديا أو مطلقا فان كان من جهة الحالات أيضا كذلك فلا حاجة إلى الاستصحاب.

وأمّا ان كان مهملا من هذه الجهة فيشك في ثبوت الحكم في بعض الحالات فيحتاج إلى الاستصحاب سواء كانت الحالة الطارئة المشكوك ثبوت الحكم معها بعد وجود الموضوع وفعلية الحكم له ، أم كانت مقارنة لأول وجوده كما في المقام حيث انّ الشك في النسخ كان للاّحقين من أول وجودهم ولكن كان تعلق الحكم بهم في زمان صدور الخطاب متيقنا انشاء وان كان لم يكن فعليا وصار مشكوك البقاء من أول وجودهم خارجا فيستصحب بقاء الخطاب بالنسبة إليهم كما كان

__________________

(١) سورة آل عمران : ٩٧.

(٢) في الاصل المخطوط ( جهتان ).

٤٥٥

فيصير فعليا ، لحصول شرط الفعلية وهو وجود الموضوع.

ولا فرق في استصحاب الحكم وعدم نسخه بين كونه من هذه الشريعة أو الشريعة السابقة بالتقريب الذي ذكرنا إذا كان الشك في النسخ الاصطلاحي بأن علم أوّلا من الدليل أو من الخارج استمراره ثم شك في البقاء من جهة الحالة الطارئة مع عدم إطلاق الحالي للدليل ، وإلاّ فلا حاجة إلى الاستصحاب.

نعم يمكن أن يقال : بعدم احراز العموم الافرادي لدليل الحكم في الشريعة السابقة ، فيكون الشك في أصل التكليف.

ولكنه يدفع : بعدم اختصاص ذلك بالشريعة كما هو المهم.

كما انّ الغاء استصحاب الشريعة السابقة من جهة العلم الاجمالي بالنسخ ، مندفع :

مضافا إلى عدم اجدائه فيما هو المهم في هذا التنبيه من بيان الفارق بين استصحاب الحكم في هذه الشريعة والشريعة السابقة ؛ بانحلال العلم الاجمالي إلى العلم التفصيلي بالنسخ في غالب الموارد ، مع انّه على فرض تسليم بقاء العلم الاجمالي لا يوجب اسقاط الأصل عن الموارد المشكوكة بعد عدم جريانه في الموارد التي علم حكمها في هذه الشريعة على التفصيل سواء وافق الشريعة السابقة أم لا ، لعدم تأثير الأصل في هذه الموارد في شيء أصلا كما لا يخفى.

وقد ذكر لاستصحاب الشرع السابق ثمرات :

منها : اثبات وجوب نية الإخلاص في العبادة بقوله تعالى حكاية عن تكليف أهل الكتاب : ( وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (١) الخ.

ولكنه لا يخفى انّه يتم الاستدلال بناء على كون اللام للغاية وكانت غاية

__________________

(١) سورة البينة : ٥.

٤٥٦

للمفعول المحذوف أي : وما امروا باتيان شيء لغاية من الغايات إلاّ لغاية الإخلاص. وامّا بناء على كونها غاية وعلة لتشريع أصل الأمر فلا ، حيث انّه يحصل بحصول الاخلاص منهم ولو في واحد من الواجبات بل ولو لم يكن لهم واجب عبادي أصلا ولكن حصل لهم الإخلاص في بعض واجباتهم التوصلية كما لا يخفى.

كما انّه لا يتم الاستدلال بناء على كون اللام زائدة وتكون الآية دالة حينئذ على انحصار واجباتهم في التعبدي ، حيث انّه لا يدل على وجوب الإخلاص بالنسبة إلى جماعة لم تكن واجباتهم منحصرة في العبادة بل كان بعض واجباتهم توصلية كما لا يخفى.

الأمر الخامس : قد عرفت انّ مفاد دليل الاستصحاب بلا تجوّز أو تقدير فيه هو الالتزام ببقاء المتيقن عملا أي يكون حرمة النقض كناية عن ذلك.

ومرجع ذلك إلى التعبد بنفس المستصحب وجعل المماثل له لو كان من الآثار الشرعية تكليفا كان أو غيره من المجعولات فيترتب عليه آثاره مطلقا إذا كانت بلا واسطة ؛ والى التعبد بآثاره وجعل المماثل لها لو كان من الموضوعات الخارجية غير القابلة للجعل شرعا.

ومن المعلوم انّ رجوع التعبد بالمتيقن في عدم نقض اليقين بالشك فيما كان من الموضوعات الخارجية إلى انشاء الآثار إنّما هو من جهة عدم كونها قابلة للتعبد والجعل شرعا فلا بدّ من هذه الجهة الاقتصار في طرف الآثار بالشرعية منها دون العقلية أو العادية منها لعدم كونهما مثل ملزوماتها قابلة للجعل والوضع ؛ ولكنه هل يتعدى إلى كل أثر شرعي ولو كان مترتبا عليه بالواسطة حتى يكون الأصل حينئذ مثبتا؟ أو لا بدّ من الاقتصار بخصوص ما لا يترتب عليه إلاّ بلا واسطة؟ قولان.

٤٥٧

ولا بدّ أن يعلم انّه لا اشكال في ترتيب مطلق الآثار فيما كانت الوسائط جميعا شرعية حيث انّ حقيقة الواسطة وهو الأثر الشرعي يتحقق بتنزيل ذيها فيترتب عليه ما لها من الآثار فإنّما الكلام في ما إذا كانت الواسطة عقلية أو عادية وعلى القول بالمثبت ، فان لم يكن لذي الواسطة أثر شرعي بلا واسطة فينحصر اثر التنزيل بالنسبة إلى أثر الواسطة وإلاّ فليشملهما.

ثم انّ الواسطة على أقسام :

أحدها : أن تكون خفية بحيث يستند أثرها إلى تعلق المستصحب عرفا.

وثانيها : أن تكون لازما للأعم من الوجود الواقعي للمستصحب والوجود التنزيلي له.

وثالثها : أن تكون ملازما معه في التنزيل عرفا بحيث يفهم من تنزيل المستصحب تنزيلها أيضا.

[ و ] رابعها : أن تكون الواسطة جلية ولازما لخصوص الوجود الواقعي وغير ملازم معه في التنزيل.

والكلام إنّما هو في خصوص الأخير ، وأمّا الثلاثة الاولى فسيجيء حجية المثبت فيها.

ولا بدّ أن يعلم انّه لا شبهة في عدم دلالة الأخبار ولو على القول بالمثبت في أثر اللازم على ترتيب أثر الملازم للمستصحب أو الملزوم له ، حيث انّ المناط في الدلالة في اللازم هو كون أثره أثرا لنفس المستصحب فيرجع جعله غير المعقول إلى جعل أثره. وأمّا ما لم يكن أثرا له أبدا بل لملازمه أو لملزومه فلا وجه لترتيبه ولا يكون رفع اليد عنه نقضا للمستصحب إلاّ إذا كان بينه وبينهما ملازمة في التنزيل.

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم : انّ القائل بالمثبت امّا يقول به بنفس تنزيل

٤٥٨

الملزوم وحده ، أو مع تنزيل الواسطة أيضا. ولا بدّ أن يفرض الكلام فيما لم يكن للواسطة حالة سابقة وامّا معها فلا حاجة إلى القول بالمثبت إلاّ لبعض الثمرات ؛ ولكن نفرض الكلام فيما ليس لها حالة سابقة فنقول : انّه لا اشكال في مقام الثبوت في تنزيل الملزوم بلحاظ أثر اللازم بتوسيط تنزيل اللازم أيضا أو بدونه ، كما لا اشكال في مقام الاثبات لو صرح بالواسطة أيضا أو دلّ الدليل على التنزيل في خصوص مقام لم يكن فيه أثر الاّ للواسطة فيستكشف بدلالة الاقتضاء عن تنزيل الواسطة ، وإنّما الكلام في الدليل العام الشامل لجميع الموارد بلا تصريح بالواسطة أيضا كما في « لا تنقض اليقين بالشك ».

والتحقيق : عدم الدلالة ، لحجية الأصل المثبت سواء كان بلا تنزيل الواسطة أو معه أيضا.

امّا الأول : (١) فلأنّ الدليل يدل على ترتيب أثر المتيقن في السابق بالنسبة إلى كل أثر يكون رفع اليد عنه وعدم ترتيبه نقضا لليقين بالمستصحب بالشك فيه ؛ ومن المعلوم انّ أثر اللازم ليس أثرا له عرفا حيث انّ الكلام في جلاء الواسطة فلا يكون عدم ترتيبه عليه نقضا له بالشك ولا عموم للدليل إلاّ بالنسبة إلى كل أثر يكون رفع اليد عنه نقضا وبعد ما عرفت من عدم استناد الأثر إلى المستصحب فلا يشمله الدليل فترتبه إنّما يكون على وجود اللازم واقعا أو تنزيلا والمفروض انتفاؤه بكلا الوجودين فلا وجه لترتيبه ولا دلالة اقتضاء في البين بعد عدم انحصار المورد فيما لم يكن الأثر إلاّ للواسطة.

وتوهم : عموم اليقين والشك وشمولهما لمورد لم يكن فيه الأثر إلاّ للواسطة فيكون كالتصريح بذاك المورد في لزوم ترتيب أثر الواسطة.

__________________

(١) ويأتي الثاني بقوله : « مدفوع ».

٤٥٩

مدفوع : بما نشير إليه في الوجه الثاني وهو القول بالمثبت مع الالتزام بتنزيل الواسطة أيضا.

فنقول : انّ تنزيلها فيما لا حالة سابقة لها لا يكون بالتنزيل الاستصحابي بلسان حرمة نقض اليقين بالشك في البقاء لعدم اليقين بالنسبة إليها ، ولا يكون الشك فيها في البقاء بل في الحدوث ، بل يكون مثل التنزيل في قوله : « الطواف بالبيت صلاة » (١) تنزيلا بدويا غاية الأمر يكون فيما نحن فيه بتنزيل المشكوك منزلة المعلوم دون المثال ، فان كان أثر بلا واسطة لنفس المستصحب أيضا فيرجع التنزيل إلى تنزيلين :

أحدهما : التنزيل الاستصحابي بالنسبة إلى نفس المستصحب.

وثانيهما : التنزيل البدوي بالنسبة إلى اللازم وان لم يكن إلاّ للواسطة ، فيكون حقيقة التنزيل في خصوص اللازم ويكون تنزيل الملزوم توطئة له ومع التصريح باللازم بأن يقال : لا ينقض اليقين بشيء بملازمه ، أو التصريح بخصوص مورد لم يكن فيه الأثر إلاّ للواسطة فلا اشكال.

وامّا مع عدمهما كما في المقام فيشكل الأمر ، بل التحقيق عدم الحجية لعدم شمول نقض اليقين بالشك للتنزيل البدوي في اللازم بل يكون دالا في خصوص تنزيل الملزوم.

__________________

(١) أو « الطواف في البيت صلاة » ، هذا الحديث نبوي لم يثبت من طرقنا. سنن النسائي ٥ : ٢٢٢ ؛ المستدرك للحاكم ١ : ٤٥٩ و ٢ : ٢٦٧ ؛ سنن الدارمي ٢ : ٤٤ ؛ المعجم الكبير ١١ : ٢٩ / ١٠٩٥٥. وما في بعض كتب احاديثنا فهو منقول عن العامة مثل عوالي اللآلي ١ : ٢١٤ / ٧٠ و ٢ : ١٦٧ / ٣ ، هذا. وفي وسائل الشيعة ٩ : ٤٤٥ الباب ٣٨ من ابواب الطواف ، الحديث ٦ « فان فيه صلاة » بطريقين احدهما صحيح والثاني ضعيف عند البعض بـ سهل بن زياد. وهناك رواية ثانية بنفس اللفظ « فان فيه صلاة » وطريقها صحيح في الاستبصار ٢ : ٢٤١ الباب ١٦١ باب السعي بغير وضوء ، الحديث ٢. لكن قد يقال : اساسا لفظ « فان فيه صلاة » لا يفيد التنزيل ، فلا ينفع في المقام.

٤٦٠