تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ٢

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 978-600-5213-31-7
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٦٣٨
الجزء ١ الجزء ٢

الأول : فلظهور الألف واللام في نفسه في إرادة الجنس من مدخوله.

الثاني : ظهور القضية المجعولة كبرى مطلقا في الكلية.

الثالث : ظهورها في خصوص المقام من جهة تكرّرها وانطباقها على الصغريات المختلفة في المعنى الوحداني العرفي كما عرفت ؛ ومن المعلوم انّ معناها بلا ملاحظة السابق هو طبيعة اليقين والشك.

الرابع : ظهورها من جهة المناسبة العرفية بين الحكم وموضوعه في كون المحكوم بعدم نقضه لليقين هو الشك بلا خصوصية فيه الناشئة من متعلقه ؛ وكذا في اليقين المحكوم بعدم كونه منقوضا ، لكون اليقين كما سيجيء امرا مبرما اعتبارا والشك انفساخا لذاك الأمر المبرم فلا يكون قابلا لنقضه له ، كان متعلقهما هو الطهارة أو غيرها.

الخامس : ارتكاز ذلك الحكم بالنسبة إليهما بنحو الاجمال في المنشأ وقد عرفت انّ المناسبة والارتكاز لا يعتنى بهما بنفسهما في تعيين الحكم الشرعي وان كانا موجبين لانسباق الذهن إلى المعنى المرتكز من اطلاق اللفظ ، وهو المناط في الظهور.

السادس : انّه لو لا ما ذكرنا من إرادة الجنس من اليقين والشك بل كانا للعهد لزم عدم الفائدة في الكبرى ، لأنّ المراد منها حينئذ : لا تنقض اليقين بالوضوء بالشك فيه ، وهو عبارة اخرى عن عدم وجوب الوضوء ، وهو مفاد الجزاء المقدر القائم مقامه العلة وهي قوله عليه‌السلام : « فانّه على يقين الخ » هذا. مضافا إلى لزوم تكرار لفظ « اليقين » حينئذ في الكبرى كما لا يخفى.

وامّا احتمال كون الجزاء حقيقة هو قوله عليه‌السلام : « لا تنقض اليقين » وإنّما كان قوله : « فانّه الخ » توطئة له ، المانع عن الكلية ، ففيه :

انّه خلاف ظاهر الجملة الاسمية في الخبرية ؛ وامّا قيام العلة مقام الجزاء

٣٨١

فمتعارف.

[ و ] امّا الصغرى : فلوجوه أيضا :

الأول : انّ الظرف في قوله : « هو من وضوئه » (١) متعلق بالمقدر العام وهو الخبر لا بـ « اليقين » ، فيكون الحاصل : وهو من طرف وضوئه على يقين ، فيكون اليقين المذكور والشك المقدر عاما.

الثاني : انّه على فرض تسليم تعلق الظرف باليقين فالظاهر الغاؤه عن القيدية وكونه لمجرد ذكر المورد أو لأجل الاشارة إلى انّ اليقين من الصفات ذات الاضافة لا يتحقق إلاّ مع تعلقه بشيء ما ويكون هذا الظهور ناشئا من تعدد الروايات المشتملة على هذه الكبرى مع انطباقها على الصغريات العديدة المشعر بعدم دخل خصوصيات المورد في الحكم وانّ ذكرها من جهة بيان المورد.

الثالث : انّ الغاء خصوصية الظرف هو مقتضى المناسبة والارتكاز المذكورين.

ولا يخفى انّه بناء على هذه الوجوه المحتملة في الصغرى يتمّ الاستدلال ولو مع كون اللام في الكبرى للعهد ، وعلى فرض الاجمال في الصغرى يكون نفس ظهور الكبرى في الاطلاق والجنسية باقيا بحاله ؛ مع انّه يستظهر ذلك أيضا من قوله : « بيقين آخر » ، حيث انّ الظاهر منه انّ الناقض مجرد اليقين بلا دخل للمورد فيه فيكون مشعرا بأنّ المحكوم بعدم نقضه لليقين هو مجرد الشك بلا دخل للخصوصية فيه أصلا ؛ مع انّ كل هذه الوجوه مجرد بيان مناط الظهور ، وإلاّ فلا شبهة في ظهور الصحيحة في نفسها في كلّية الحكم ولكنه مع ظهور قوله : « فانّه على يقين الخ » في كونه علة للجزاء المقدر بأن يكون المراد : فان لم يستيقن انّه نام فلا

__________________

(١) الرواية هكذا : « فانه على يقين من وضوئه » ؛ وسائل الشيعة ١ : ١٧٤ الباب ١ من ابواب نواقض الوضوء ، الحديث ١.

٣٨٢

يجب عليه الوضوء فانّه الخ ، وامّا بناء على احتمال كون الجزاء مستفادا من قوله : « لا ينقض اليقين الخ » وكان قوله : « فانّه الخ » انشاء للحكم وتوطئة له فلا ظهور للرواية في الاطلاق كما لا يخفى ، ولكنه خلاف الظاهر.

ثم انّك بعد ما عرفت من استكشاف الكلية من الرواية وانّها لا تدلّ على قاعدة المقتضي والمانع فيقع الكلام في استكشاف قاعدة اليقين في الشك الساري وحده أو مع الاستصحاب أو الاستصحاب وحده فاعلم : انّه لا شبهة في إرادة الاستصحاب يقينا من جهة المورد وظهور قوله عليه‌السلام : « فانّه على يقين من وضوئه » في اليقين الفعلي اللازم للاستصحاب كما لا يخفى ؛ وامّا إرادته وحده أو مع القاعدة فسيجيء بيانه ان شاء الله.

ثم انّه كما تدل الرواية على حجية الاستصحاب مطلقا : وجوديا كان المستصحب أو عدميا ، كان من الأحكام الشرعية وضعية أو تكليفية كلية أو جزئية ، أو كان من الامور الخارجية الموضوعات للآثار الشرعية ، فهل تدل على حجيته في الشك في المقتضي والرافع كما هو المختار؟ أو يختص بخصوص الشك في الرافع كما اختاره شيخنا المرتضى العلاّمة (١) أعلى الله مقامه؟

وحاصل ما استند اليه يتوقف على امرين :

أحدهما : بحسب المادة ، وهو انّه لمّا كان النقض بحسب اللغة قطع الهيئة الاتصالية في الامور المحسوسة ـ وهو غير مراد جزما ـ فيدور الأمر : بين ان يراد منه رفع الأمر الثابت فيما كان له مقتضي الثبوت والاستمرار ولو في الامور المعنوية ، وبين أن يراد منه مطلق رفع اليد عن الشيء ولو لعدم المقتضي له ؛ ومن المعلوم انّ الأول لمّا كان أقرب إلى المعنى الحقيقي لمشابهته له في الاستمرار

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٧٨ و ٨٢.

٣٨٣

والاتصال فهو المتعين عند الاطلاق ، بضميمة مقدمات الحكمة.

وتوهّم : معارضته بعموم اليقين والشك بالنسبة إلى الشك في المقتضي أيضا ، مدفوع :

بأظهرية الفعل عن المتعلق ، فيكون مخصصا له بالنسبة إلى الشك في الرافع كما يخصّص بظهور الضرب في مثل « لا تضرب أحدا » عموم متعلقه بالنسبة إلى خصوص الاحياء.

وثانيهما : بحسب الهيئة ، وهو انّه لمّا كان ظاهرها في مثل النهي ونحوه هو الطلب وهو لا يتعلق إلاّ بالامور الاختيارية ، ومن المعلوم انّ نقض نفس اليقين لما لم يكن اختياريا فلا بدّ أن يراد منه المتيقن الذي كان مستمرا اقتضاء أو آثاره الثابتة له كذلك بحيث كان البناء عليها ابقاء لها ورفع اليد عنها نقضا لها ، حيث انّه المقدور في المقام دون غيره.

فحصل مما ذكرنا : انّ الظاهر من الرواية بملاحظة ظهور المادة والهيئة معا هو حجية الاستصحاب في خصوص الشك في الرافع.

ولكن التحقيق ، كما اختاره الاستاذ العلاّمة (١) دام ظله : عموم الرواية بالنسبة إلى الشك في المقتضي والرافع مطلقا ، وعدم صحة ما استند إليه شيخنا العلاّمة قدس‌سره (٢) من التمسك لمرامه من ظهور المادة والهيئة ، فلا بدّ من بيان الخلل فيما ذكره قدس‌سره ثم استظهار المختار ؛ ويتوقف ذلك على ثلاث مقدمات :

الاولى : انّ « النقض » لغة كما في القاموس (٣) وغيره هو « ضد الابرام » ويطلق في الامور المحسوسة على فكّ التركيب وانحلاله ، ولازمه كون المنقوض ذا اجزاء

__________________

(١) درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : ٣١٨ ، والطبعة الحجرية : ١٨٩ قوله : « اذا عرفت ما تلونا عليك ».

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٧٨.

(٣) القاموس المحيط ٢ : ٥١٠.

٣٨٤

مبرمة ولو كان ابرامه واستحكامه لأجل اتصال اجزائه بعضها إلى بعض وفتلها كما في قوله تعالى : ( كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها ). (١) ومنه ظهر : عدم اعتبار الهيئة الاتصالية في معناه بل المعتبر هو الاستحكام الحاصل من قبل اجزاء الشيء ، ونقض ذاك الشيء عبارة عن : تفاسخ اجزائه ، ثم يستعار في الامور غير المحسوسة لما كان له تشدد واستحكام واتقان اعتبارا ، فيكون حلّ ذاك الشيء وانحلاله نقضا له كما في قوله تعالى : ( يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ ) (٢) حيث انّ العهد له تشدد اعتبارا بحيث يكون فسخه وحلّه نقضا له ؛ وكاليقين في المقام حيث انّه لمّا كان من الاعتقاد الجازم فكان له نحو تشدد وابرام ويكون انحلاله بالشك العارض بعده انتقاضا له.

الثانية : انّ الهيئة فيما نحن فيه الظاهرة في طلب النهي عن النقض سواء تعلقت بالمتيقن أو بنفس اليقين لم يكن اختياريا للمكلف.

امّا على الأول : فلوضوح انّ المستصحب المتيقن : لو كان من الموضوعات الخارجية فيدور بقاؤها وانتقاضها مدار واقعها ، وليس كل منهما بيد المكلف واختياره ؛ ولو كان من الأحكام الشرعية فيدور مدار جعل الشارع واقعا ، وليس بيد المكلف أيضا اختياره.

وامّا على الثاني : فلأنّ اليقين في قاعدة اليقين كان منتقضا من دون اختيار المكلف ، وفي الاستصحاب كان اليقين الأول المتعلق بالحدوث باقيا بحاله وغير منتقض أصلا من دون اختيار من المكلف فيه أيضا.

فحينئذ ظهر مما ذكرنا : انّ النقض سواء تعلق بالمتيقن أو باليقين لم يكن اختياريا للمكلف ، ولا بدّ في تعلقه بكل واحد منهما من ارادة عدم النقض تعبدا ، فيرجع إلى انشاء من الشارع آثارا شرعية في حال الشك كانت مماثلة للآثار التي

__________________

(١) سورة النحل : ٩٢.

(٢) سورة البقرة : ٢٧.

٣٨٥

كانت في حال اليقين سواء كانت تلك الآثار للمتيقن فيما كان من الموضوعات أو كانت نفسه فيما كان من الأحكام.

الثالثة : انّ اليقين لمّا كان له جهتان : نفسية ، ومرآتية ، فيصح : أن يطلق تارة ويراد به نفسه بما هو ، ويطلق اخرى ويراد به معناه بما هو مرآة المتيقن ومرائيا له ويجعل كناية عنه ويكون المهمّ ترتيب آثار المتيقن بنحو الكناية وما دام إليها سبيل ، فلا داعي إلى المجاز فيما كان المراد منه آثار المتيقن عملا بأصالة الحقيقة والطريق الأبلغ في باب كشف المقاصد بنحو الكنايات.

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم : انّ جعل صحة النقض إلى المتيقن باعتبار ما جعل كناية عنه وقالبا مرآتيا له وهو اليقين بلحاظ اشتماله على نحو من التشدد والتأكد لمعناه اللغوي وهو « الابرام » أولى مما ذكره قدس‌سره من جعل متعلقه أمرا مستمرا باعتبار المقتضي ، لما عرفت من معناه اللغوي ومناسبته لما ذكرنا لا لما ذكره قدس‌سره ، ولذلك لا يصح استعماله في رفع الحجر من مكانه ولو فيما كان له مقتضي الثبوت والبقاء فيه ؛ ومن المعلوم عدم التفاوت فيما ذكرنا من صحة الاستناد باعتبار لفظ « اليقين » بين إسناده إلى ما كان الشك فيه في الرافع كما يقال : لا تنقض اليقين بالوضوء بالشك في المزيل ، وبين إسناده إلى ما كان الشك فيه في المقتضي كما يقال : لا تنقض اليقين بالتيمم بالشك في وجدان الماء فلا وجه بناء عليه من رفع اليد عن ظهور اليقين والشك في الرواية في العموم ، حيث انّ المتيقن في كل منهما أمر مبرم باعتبار تعلق اليقين به ويكون الشك فيه فسخا وانحلالا له فيصح أن يقال : لا تنقض اليقين بالشك ، فلا وجه لاختصاصه بالشك في الرافع مع اشتراك الشك في المقتضي معه في مناط صحة الاسناد بلحاظ اليقين وعدم كفاية ثبوت المقتضي في الشك في الرافع فيها ، لما عرفت من معناه اللغوي.

لا يقال : إذا جعل اليقين كناية ومرآة للمتيقن وفانيا أي غير ملتفت إليه

٣٨٦

فكيف يلحظ نفسيا حتى يصح اسناد النقض من جهته؟ وإلاّ يلزم اجتماع اللحاظين فيه في استعمال واحد.

لأنّ المدار في المناسبة في المعاني الكنائية لحاظها في التصوّر السابق على الاستعمال ، حيث انّه يلحظ المهم في مقام الافادة قبل الاستعمال مع ما يجعل كناية عنه اشارة اليه مع ما له من المناسبات لو كان هو المقصود ، فيلقى المهم إلى المخاطب بهذا الطريق بنحو الكناية ولو كان المتكلّم حين الاستعمال غير ملتفت إلى الجهة النفسية للمعنى الفاني كما هو المعمول في بعض المناسبات اللفظية أيضا.

فان قلت : على تقدير تسليم ما ذكرت من صحة اسناد النقض إلى المتيقن بلحاظ ابرامه بسبب تعلق اليقين به لا لأجل احراز اقتضاء المقتضي فيه الاستمرار فلا يجدي فيما هو المهم من استكشاف الحجية مطلقا ، لأنّ النقض كما ذكرت ليس باختياري مطلقا فلا أقل في صحة اسناده إلى المتيقن من ثبوت الانتقاض حتى لا يكون استعماله بلا مناسبة ؛ ومن المعلوم انّه على تقدير وحدة متعلق اليقين والشك يثبت الانتقاض كما في قاعدة اليقين دون ما لم يكن كذلك كما في الاستصحاب لكون اليقين بالحدوث والشك في البقاء فلا بدّ في صحة استعماله فيه من الوحدة ؛ ومن المعلوم انّه لو كان المقتضي محرزا وكان الشك في الرافع يكون استمرار المستصحب من أول الأمر متيقنا اعتبارا لكون اليقين باستمرار المقتضي يقينا باستمراره في الجملة فإذا تعلق الشك بالبقاء فانتقض اليقين به لوحدة المتعلق دون ما إذا كان الشك في المقتضي فانّ وحدة المتعلق فيه غير متحققة أبدا ولو اعتبارا ، لعدم اليقين باستمراره مطلقا كذلك.

قلت : ما ذكرت غاية تقريب دلالة الرواية على خصوص الشك في الرافع مع تصحيح الاسناد بتحقق الانتقاض ؛ إلاّ أنّه يبتني على ملاحظة كون اليقين بالمقتضي للشيء يقينا به أولا ، وملاحظة حالة البقاء له ممتازا عنه ثانيا ، كي يتحقق اليقين

٣٨٧

بالبقاء مع تعلق الشك به فيتحقق الانتقاض بهذا الاعتبار ، وكلا اللحاظين محتاجان إلى [ التأمل ] (١) الخارج عن طريقة المحاورة المبتنية على ما هو المتبادر في أذهان العوام ابتداء بلا تكلف أصلا ، فيدور الأمر بين تصحيح النقض لأجل ما ذكرت وبين أن يكون لأجل ما سيجيء بعد ذلك من الغاء جهة الاختلاف في متعلق اليقين والشك في الاستصحاب واسنادهما إلى نفس الشيء من جهة كون كل من بقاء الشيء وحدوثه عين وجوده فيكون متعلّقهما حينئذ واحدا ، فيحصل الانتقاض الموجب لصحة اسناد النقض إلى الشيء.

وحيث كان اسناد كل من اليقين والشك إلى نفس الشيء ـ بنظر العرف بالغاء جهة الحدوث و [ جهة ] البقاء وجعلهما مصححا للنسبة وجهة للقضية لا نفس المسند إليه ـ فكان ما ذكرنا هو المتعين لمساعدة العرف عليه دون ما ذكرت ، ومن المعلوم انّ مقتضاه إطلاق حجّية الاستصحاب بالنسبة إلى الشك في المقتضي والشك في الرافع.

والحاصل : انّ سوق الرواية هو الأعم ويؤيده صحة اسناد النقض في كل من الموردين بمعنى واحد بلا اختلاف فيه أصلا كما يدل عليه اطلاق الروايات الآتية غير المذكورة فيها لفظ النقض اصلا. وما ذكرنا مجرد الصناعة وإلاّ فالظهور مما لا ينكر.

ومنها : صحيحة اخرى لزرارة مضمرة أيضا قال : « قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من المني فعلّمت أثره إلى أن اصيب له الماء فحضرت الصلاة ونسيت انّ بثوبي شيئا وصليت ، ثم إنّي ذكرت بعد ذلك؟ قال عليه‌السلام : تعيد الصلاة وتغسله. قلت : فان لم أكن رأيت موضعه وعلمت انّه أصابه فطلبته ولم أقدر عليه فلما صليت وجدته ، قال : تغسله وتعيد. قلت : فان ظننت انّه أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت ولم

__________________

(١) في الاصل المخطوط ( التعمل ).

٣٨٨

أر شيئا فصليت فيه فرأيت فيه قال : تغسله ولا تعيد الصلاة ؛ قلت : لم ذلك؟ قال : لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا. قلت : فاني قد علمت انّه قد أصابه ولم أدر أين هو فأغسله؟ قال : تغسل من ثوبك الناحية التي ترى انّه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك. قلت : فهل عليّ إن شككت انّه أصابه أن انظر فيه؟ قال : لا ، ولكنك إنما تريد أن تذهب بالشك الذي وقع في نفسك. قلت : ان رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة؟ قال : تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته ، وان لم تشكّ ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعله شيء اوقع عليك فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك » (١) الحديث.

ومورد الاستدلال : فقرتان من الرواية ، أحدهما : قوله عليه‌السلام « لأنك كنت على يقين من طهارتك الخ ».

وتقريب الاستدلال كما مرّ في الصحيحة الاولى ، بل أظهر ، لأبعدية احتمال العهد هنا ، من جهة عدم وقوع القضية في الصغرى جوابا للشرط حتى يوهم كون الجواب هو الكبرى حقيقة وإنّما ذكر الصغرى توطئة لها كما في الصحيحة السابقة.

إلاّ انّ مورد السؤال يحتمل وجهين :

أحدهما : أن تكون النجاسة المرئية بعد الصلاة يتيقّن انّها هي التي خفيت عليه قبلها كما هو الظاهر منها ، وحينئذ فالمراد انّ اليقين بالطهارة قبل ظنّ الاصابة لا ينقض بالشك في النجاسة حين ارادة الدخول فيها.

لكن يرد عليه : انّ عدم جواز نقض ذاك اليقين بذاك الشك إنّما يصلح علّة لجواز الدخول في الصلاة لا علة للإجزاء وعدم الاعادة كما في الرواية ، حيث انّ

__________________

(١) تهذيب الاحكام ١ : ٤٢١ الباب ٢٢ باب تطهير البدن والثياب من النجاسات ، الحديث ١٣٣٥ ، مع تفاوت يسير ؛ وفي وسائل الشيعة مقطعا في اماكن مختلفة ، مثل : ٢ : ١٠٠٦ الحديث ٢ ؛ ٢ : ١٠٥٣ الحديث ١ ؛ ٢ : ١٠٦١ الحديث ١ ؛ ٢ : ١٠٦٣ الحديث ٢ ؛ ٢ : ١٠٦٥ الحديث ١.

٣٨٩

معنى النقض بالشك عدم ترتيب آثار الواقع حين الشك لا حين العلم بخلافه فانّ عدم ترتيب آثاره حينئذ إنّما يكون بالعلم بالخلاف لا بالشك فيه كما لا يخفى.

وتخيل : انّ الإجزاء ليس من جهة كونه من آثار نفس الطهارة حتى تكون الاعادة بعد كشف الخلاف نقضا لليقين باليقين بالخلاف بل من جهة اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء ، غاية الأمر تكون الرواية بملاحظة تعليلها كاشفة عن هذه القاعدة ولو في خصوص الاستصحاب ، مدفوع :

بأنّ الظاهر من قوله عليه‌السلام : « وليس ينبغي لك الخ » انّ الاعادة تكون نقضا لليقين بالشك لا انّه يكون مخالفا لتلك القاعدة ، إلاّ على ما سنشير إليه.

كما انّ دعوى : صحة التعليل بعدم نقض اليقين بالشك بملاحظة كون الاعادة من آثار الطهارة الواقعية ولا بدّ من ترتيبها على الطهارة المشكوكة كما هو مقتضى الاستصحاب فلو لم يترتّب عليه لكان نقضا لليقين بالشك.

مدفوعة : لا بما ذكره الشيخ قدس‌سره (١) من كون الاستصحاب مقتضيا لترتيب الآثار الشرعية للمتيقّن على المشكوك لا الآثار العقلية ـ والإجزاء من الثانية لا الاولى ـ حتى يرد عليه بأنّه من الآثار العقلية التي يكون موضوعها أعم من الواقع والظاهر كوجوب الاطاعة ولا بدّ من ترتيبها في الاستصحاب أيضا كنفس الآثار الشرعية ، وما لا يترتب من العقلية هو الآثار التي يكون موضوعها خصوص الواقع ؛ بل بما ذكرنا : من انّ الاعادة في المقام بعد كشف الخلاف إنّما يكون نقضا لليقين باليقين بالخلاف لا بالشك حتى ينافي الاستصحاب.

لا يقال : هب انّه لا بدّ في الاستصحاب من ترتيب مثل هذه الآثار العقلية أيضا إلاّ انّه إذا جرى مع قطع النظر عنها بملاحظة آثار اخرى شرعية ، وليس في

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٦١.

٣٩٠

المقام أثر آخر شرعي.

لأنّا نقول : انّ الاستصحاب فيما نحن فيه جار بملاحظة جواز الدخول في الصلاة بل بملاحظة الشرطية المترتّبة على الطهارة وهي من الآثار الشرعية الوضعية المجعولة ولو بواسطة مجعولة التكليف المتعلق بالمشروط ، ويكفي في الاستصحاب مثل هذا الأثر القابل للرفع والوضع. وان أبيت إلاّ عن عدم قابليته للجعل فلا ريب انّ منشأ انتزاعه وهو التكليف قابل لذلك ، فيوسّع بواسطة الاستصحاب موضوعه تارة كما في ما نحن ، فيه ويضيق اخرى كما في استصحاب النجاسة فتترتب عليه الآثار العقلية المذكورة.

إذا عرفت ما ذكرنا من عدم تصحيح التعليل بما ذكر من ظاهر التخيل والدعوى فاعلم :

انّ الجواب الفصل أحد وجهين :

أحدهما : ان يقال كما ذكر في التخيل ، إلاّ انّه لا بدّ من ضم دلالة الاقتضاء بأن يقال : انّ تعليل الإجزاء بعدم نقض اليقين بالشك الظاهر في كونه من آثار الطهارة فيما نحن فيه لمّا لم يكد يصح ـ لما عرفت من كون الاعادة بعد كشف الخلاف نقضا لليقين باليقين لا بالشك ـ فلا بدّ من أن يستكشف انّ العلّة واقعا هو امتثال الأمر الظاهري وانّ الإجزاء لازم له ولو في خصوص الاستصحاب ، وحينئذ فلو لم يترتب الاجزاء بعد كشف الخلاف فلزم امّا انفكاك اللازم عن ملزومه أو عدم وجود الملزوم وهو الأمر الاستصحابي ، وكلاهما خلف ، غاية الأمر تكون النكتة في العدول عن التعليل بالملازمة أو وجود الملزوم إلى موضوع الأمر وهو عدم نقض اليقين بالشك وهي الاشارة إلى حجّية الاستصحاب وانّ الأمر الظاهري فيما نحن فيه هو الأمر الاستصحابي لا غيره.

٣٩١

مضافا إلى ما نشير إليه [ قريبا ] : (١) من انّ التعبير بموضوع الاستصحاب بملاحظة حال المصلّي قبل انكشاف الخلاف وانّ الموجب لعدم الاعادة في ذاك الحال هو نفس الطهارة التعبدية ، غاية الأمر بعد انكشاف الخلاف يستكشف انّ الموجب له حقيقة ـ مع عدم الطهارة واقعا ـ هو الأمر الاستصحابي ؛ والتعبير بنفس الطهارة التعبدية لا بالتعبد به لا يخلو عن نكتة تظهر ان شاء الله.

الثاني : أن يقال : انّ الإجزاء بعد كشف الخلاف إنّما هو من جهة كون الصلاة واجدة لشرطها الواقعي بجعل الشرط هو احراز الطهارة الحاصلة بالاستصحاب لا نفس الطهارة الواقعية حتى تكون الاعادة بعد كشف الخلاف نقضا لليقين باليقين بالخلاف ، وإذا كان الشرط هو الاحراز فلا بدّ من الالتزام بالاجزاء ولو بعد الانكشاف وإلاّ لزم الخلف لو لم نقل بكون الشرط هو الاحراز أو عدم اقتضاء الأمر الواقعي للاجزاء وهو باطل.

فان قلت : إذا جعلت الشرط هو احراز الطهارة لانفسها فكيف يجري الاستصحاب في حال الشك فيها حتى يتحقق الاحراز ، حيث انّ الاستصحاب يجري فيما كان نفس المستصحب أثرا شرعيا أو موضوعا له ، ومع عدمه فلا يتحقق الاحراز.

قلت : انّ اجراء الاستصحاب فيما نحن فيه من جهة قيام الشرطية أولا نفس الطهارة ، وباحرازها بعد انكشاف خلافها ثانيا.

بيان ذلك يحتاج إلى تمهيد مقدمة وهي : انّ مصلحة الشرطية :

قد تكون في نفس الواقع وحده فيكون شرطا واقعيا.

وقد يكون في احرازه فيكون شرطا احرازيا.

__________________

(١) في الاصل المخطوط ( آنفا ).

٣٩٢

وقد يكون فيهما معا على سبيل الترتب ، كما فيما نحن فيه ، بأن تكون : مصلحة ابتداء في نفس الطهارة الواقعية بذاتها مقتضية لاشتراط الصلاة بها ، ومصلحة اخرى كافية على تقدير عدم احراز المصلحة الاولى في احراز الطهارة.

وحينئذ : فقد يقوم الدليل على كليهما ابتداء ، ولكن مصلحة الاحراز لمّا كانت مترتّبة على المصلحة الواقعية ويقوم مقامها عند عدمها فيقوم الدليل ابتداء على اشتراط الصلاة بنفس الطهارة ثم يستكشف اشتراطها باحرازها أيضا بدليل ثانوي يدلّ على ترتيب أثر الشرط بعد كشف خلاف الطهارة فيستكشف بدلالة الاقتضاء من هذا الدليل انّ احرازها شرط أيضا كما فيما نحن فيه ، حيث انّ الدليل قام ابتداء بمقتضى قولهم عليهم‌السلام : « لا صلاة إلاّ بطهور » بناء على شمولها للطهارة الخبثية على شرطية الطهارة الواقعية ؛ ويستكشف أيضا من مثل رواية زرارة (١) الحاكمة بعدم الاعادة بعد كشف الخلاف انّ الشرط في هذا الحال هو الاحراز ولو بدلالة الاقتضاء ، فمع عدم الطهارة واقعا يقوم احرازها مقامها ؛ فإذا عرفت شرطية الطهارة ابتداء فيظهر : صحة اجراء الاستصحاب في نفس الطهارة بملاحظة شرطيتها الواقعية فيترتب عليه الاحراز ، ولكن ما دام لم يستكشف الخلاف لا بدّ أن يستند الإجزاء إلى نفس الطهارة التعبدية لكونها في مرتبة متقدمة بالنسبة إلى احرازها ، وما دام إليها سبيل ـ ولو ظاهرا ـ فلا بدّ أن يستند في ترتب الأثر إليه ، وبعد رفع اليد عنها فيتشبث بذيل احرازها في ترتيب آثارها.

فان قلت : على ما ذكرت فلا بدّ أن يتمسك لعدم الاعادة ـ بعد كشف الخلاف ـ بالاحراز والتعبد اليقيني بالطهارة لا بنفس الطهارة التعبدية كما في الرواية ، حيث علل بنفسها لا باحرازها كما لا يخفى.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ١ : ٤٢١ الباب ٢٢ باب تطهير البدن والثياب من النجاسات ، الحديث ١٣٣٥ ، مع تفاوت يسير.

٣٩٣

قلت : انّ العدول عن التعبير عنه إليها للاشارة إلى حجية الاستصحاب وانّ الاحراز من جهتها لا من غيرها ، هذا. مع انّ ذاك التعليل بلحاظ حال المصلي حال الصلاة وانّ المناسب لتلك الحال الاستناد في الآثار إلى نفس الطهارة ولو تعبدا لا إلى إحرازها كما هو كذلك بحسب المرتكز في الأذهان فيما كان الشرط أمران مترتبان.

والحاصل : انّه لا بدّ في صحة تعليل الإجزاء بعدم نقض اليقين بالطهارة بالشك فيها من استكشاف أحد الأمرين بدلالة الاقتضاء ، امّا من اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء وامّا من كون الشرط هو الاحراز بعد رفع اليد عن نفس الطهارة.

وينبغي التنبيه على امور :

الأول : انّه قد يتوهم من التعبير بقوله عليه‌السلام : « وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين الخ » عدم وجوب العمل بالاستصحاب لظهور هذا التعبير في الاستحباب.

وفيه : انّ قوله : « ليس ينبغي » ليس ظاهرا في خصوص الاستحباب بل أعم منه ومن الوجوب فيبقى ظهور الخبرية في مقام الانشاء في تحريم النقض بحاله ، مضافا إلى تكرر هذه القضية الظاهرة في الحرمة في الروايات الاخرى بدون ضمّ اللفظ المذكور إليه فيكون بقرينة التكرار في الأخبار الأخر ظاهرا في الحرمة في هذه الرواية أيضا ، هذا.

مع انّه على تقدير تسليم الاستحباب فيثبت الوجوب بضميمة عدم القول بالفصل وعلى تقدير عدمه فيكفي الاستحباب في الحجية أيضا.

الثاني : انّه قد يتوهّم منافاة هذه الفقرة الدالة على عدم وجوب الاعادة مع كشف الخلاف والعلم بوقوع تمام الصلاة مع نجاسة الثوب مع الفقرة التي بعدها وهو

٣٩٤

قوله : « ان رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة قال تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته الخ » حيث انّها دالة على وجوب الاعادة مع كشف وقوع بعض الصلاة مع النجاسة ، فيلزم الفرق بين وقوع تمامها مع النجاسة فلا يعيد ووقوع بعضها معها فيعيد ، وعلى فرض تسليم التفصيل فيلزم التخصيص في الاستصحاب باجرائه خارج الصلاة لا في أثنائها.

وفيه : مع انّه ليست الرواية ظاهرة في الفقرة الأخيرة في عدم العلم بالنجاسة قبل الرؤية في أثناء الصلاة فيمكن حملها على كون الشك في موضع ملاقاتها مع الثوب مع العلم بأصل وقوعها أولا ثم الغفلة عنها في حال الدخول في الصلاة ، فلا تنافي الفقرة الاولى ، هذا.

مع انّه على فرض ظهورها في عدم العلم بالنجاسة قبل الرؤية يكون ذلك موجبا للتفصيل في الاحراز : بين استمراره في تمام الصلاة فيكون شرطا قائما مقام الطهارة الواقعية ، وبين انقطاعه في الأثناء فلا يكون شرطا لا في الاستصحاب بعد ما عرفت من عدم كفاية مجرده في اثبات الإجزاء واحتياجه معه إلى شرطية الاحراز أيضا كما لا يخفى ، ولا أقل من الاجمال ، فيبقى ظهور القضية في الكلية بحاله بعد كون الفقرة الأخيرة منفصلة عنها.

الثالث : انّ الاحراز على الالتزام بشرطيته يكون شرطا واقعيا موجبا لكون الصلاة معه من افراد المأمور به الواقعي غاية الأمر على نحو الترتب كالصلاة مع التيمم المرتّبة على الصلاة مع الوضوء ، لا أن يكون شرطا ظاهريا مع بقاء الطهارة على شرطيّتها مطلقا غاية الأمر في صورة الخطأ يكون شأنيا حيث انّه بناء عليه تكون الصلاة المركبة منه ومن سائر الاجزاء والشرائط مأمورا بها بالأمر الظاهري فيحتاج الاجزاء إلى اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء ، فيرجع الجواب الثاني إلى

٣٩٥

الجواب الأول كما فهمه بعض الأفاضل من كلام الاستاذ العلاّمة (١) دام ظله.

الرابع : انّه قد يشكل في الحكم بعدم الاعادة في مورد الرواية ، من جهة دخول السائل في الصلاة مع الشك في الشرط بلا طريق إلى احرازه فكيف تمشّى منه قصد القربة والفرض انّه فهم حكم الاستصحاب بعد هذا السؤال؟

ولكنه يدفع : بأنّ السؤال إنّما هو عن القضية الكلّية من باب الاستفتاء لا عن القضية الواقعة ؛ مع انّه على تقدير التسليم يكون تمشّي القربة : امّا لحصول الاطمئنان بعد الفحص عن حاله ، وامّا لكون البناء على الحالة السابقة أمرا مركوزا عند العقلاء وكان جوابه عليه‌السلام تقريرا له ؛ مع انّه على تقدير عدم تمشّي القربة لا يشمل مثل هذه الصلاة حكمه عليه‌السلام بعدم الاعادة حيث انّه حكم عليه‌السلام بعدمها على تقدير الاحراز بالاستصحاب.

هذا كله في الوجه الأول. (٢)

وامّا الوجه الثاني فهو : أن يكون مورد السؤال في انّ النجاسة المرئية مشكوكة في كونها هي المظنونة قبل الصلاة أو انّها وقعت بعدها ؛ وحينئذ :

فيحتمل أن تكون الرواية منطبقة على الاستصحاب بناء على أن يكون المراد باليقين اليقين الذي كان قبل ظن الاصابة والمراد بالشك هو الظن الذي استمر إلى زمان الرؤية بلا انكشاف الخلاف.

ويحتمل أن تكون منطبقة على قاعدة اليقين بناء على أن يكون المراد باليقين اليقين الحاصل بالفحص بعد الظن بالاصابة ، وحينئذ يكون الشك بعد الصلاة ساريا.

__________________

(١) درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : ٣٠٤ ، والطبعة الحجرية : ١٨٠ قوله : « هذا اشكال على الرواية ... ».

(٢) وهو قوله : « احدهما : ان تكون النجاسة المرئية بعد الصلاة ... » قبل عدة صفحات.

٣٩٦

ولكن الظاهر هو الاحتمال الأول.

ومما ذكرنا ظهر : وجه الاستدلال بالفقرة الأخيرة التي في آخر الرواية بل احتمال العهد فيها من جهة عدم ذكر اليقين سابقا أوهن لو لم يشكل بأنّ ظهور التفريع كان في العهد ، إلاّ انّه لا وجه له بعد ظهور كون مثل هذا التعبير للاشارة إلى ما هو المرتكز عند الأذهان ، خصوصا بعد تكرر هذه القضية في الرواية وانطباقها على الصغريات العديدة.

ومنها : صحيحة ثالثة لزرارة : « وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها اخرى ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكنه ينقض الشك باليقين ويتمّ على اليقين فيبني عليه ولا يعتد بالشك في حال من الحالات ». (١)

ولا يخفى انّ هذه الرواية تحتمل وجوها من المعاني مع وحدة الفقرات سياقا على نحو التأكيد في بعض واختلافها في بعض آخر.

منها : ما اختاره جماعة تبعا للسيد المرتضى (٢) وقد اختاره الشيخ قدس‌سره في الفرائد (٣) من انّ المراد باليقين في الرواية قاعدة اليقين في خصوص باب الصلاة المأخوذة من سائر الأخبار من قوله عليه‌السلام : « ألا اعلّمك شيئا إذا صنعته ثم ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شيء الخ » (٤) وقوله عليه‌السلام : « أجمع لك السهو في كلمتين متى شككت فابن على الأكثر » (٥) وغيرهما من الروايات.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ : ٣٢١ الباب ١٠ من ابواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ٣.

(٢) الانتصار طبعة جماعة المدرسين : ١٥٦ ، وطبعة النجف : ٤٩.

(٣) فرائد الاصول ٣ : ٦٣.

(٤) وسائل الشيعة ٥ : ٣١٨ الباب ٨ من ابواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ٣ ، باختلاف.

(٥) وسائل الشيعة ٥ : ٣١٧ الباب ٨ من ابواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ١ ، باختلاف.

٣٩٧

وحاصلها : انّه إذا شك في عدد الركعات فلا بدّ من تحصيل اليقين بالبراءة بالبناء على الأكثر وفعل صلاة مستقلة تكون قابلة لتدارك ما نقص على تقدير النقصان ونافلة على تقدير عدمه.

ولكنه يرد على هذا الاحتمال : مضافا إلى مخالفته بظهورية قوله : « قام فأضاف » في الاتصال انّ قوله عليه‌السلام : « ولا ينقض اليقين » بقرينة انطباقه في الروايات الاخرى ـ الواردة عن زرارة في أسئلته عن إمام واحد ـ على الاستصحاب وارتكاز ذلك المعنى منه في نفسه ظاهر في الاستصحاب ؛ وحمله على قاعدة اليقين في باب الصلاة مستبعد.

ومنها : انّ المراد من عدم نقض اليقين بالشك عدم نقض اليقين بالثلاث بالشك في الرابعة بالبناء على وقوعها بل بحسب البناء على الأقل والاتيان بالمشكوكة ، ولكن مجرد ذلك لا ينطبق على الاستصحاب فلا بدّ من أن يراد من اليقين اليقين بعدم الاتيان بالرابعة سابقا حتى يصير الشك في بقاء المتيقن فينطبق عليه.

وحينئذ ، فامّا أن يحمل قوله : « قام الخ » على الأمر باتيان الرابعة متصلة بالسابقة ، وباقي الفقرات الأخيرة على كونها مؤكدة لقوله : « ولا ينقض الخ » على ما هو مذهب العامة.

ولكنه يرد عليه : بأنّه مخالف لمذهب الخاصة وللأخبار الأخر الدالة على البناء على الأكثر والاتيان بالركعة الاحتياطية منفصلة كما هو ظاهر صدر الرواية أيضا ، فلا بدّ حينئذ من حمل الرواية على التقية بحسب الحكم وهو مخالف للظاهر ثم حمل القاعدة المستشهد بها لمورد التقية على بيان الواقع خلاف ظاهر آخر ، مع انّ الحمل على التقية ينافي ظهور الصدر في كون الركعة الاحتياطية منفصلة.

ومنها : ان يراد من عدم نقض اليقين بالشك هذا الذي ذكرنا ولكن عدم نقض

٣٩٨

اليقين بعدم الرابعة بالشك في اتيانها إنّما هو في مجرد البناء على عدم اتيانها فلا بدّ من الاتيان بها ، لا في جميع الآثار حتى الاتيان بنحو الاتصال بل لا بدّ من انفصال الركعة حتى لا ينافي مذهب الخاصة ، ولا لصدر الرواية :

امّا بالالتزام باختلاف السياق للفقرات الأخيرة مع الفقرة وحملها على بيان كيفية العمل بأن يراد من قوله عليه‌السلام « لا يدخل الشك في اليقين » انّ الركعة المشكوك فيها المبني على عدم وقوعها لا يضمّها الى اليقين بالثلاث بل يأتي بها منفصلة حتى لا ينافي الأخبار الأخر في باب الصلاة وكذا باب الوضوء ، ويكون قوله : « ولا يخلط الخ » مؤكدا له ، ويراد من قوله عليه‌السلام : « ولكنه ينقض الشك الخ » وجوب نقض الشك في الاتيان بالرابعة باليقين بعد اتيانها سابقا بأن يعامل معاملة اليقين بالعدم ، ويكون قوله : « ويتم على اليقين الخ » مؤكدا له ، ويراد من قوله : « ولا يعتد بالشك » وجوب الاتيان بالمشكوك لاحقا وعدم الاعتناء بالاتيان.

لكن يردّ هذا الوجه : مخالفة السياق في الفقرات الظاهرة في وحدة السياق.

وامّا بالتزام كون الفقرات الاخيرة مؤكدة للفقرة الاولى ولكن مع الالتزام بالتفكيك في ترتيب المتيقن وهو عدم الاتيان بالرابعة سابقا على المشكوك بأن يكون التنزيل في مجرد البناء على عدم تحقق الركعة المشكوكة من المصلي فلا بدّ من الاتيان بها ، لا في كيفية الاتيان على نحو الاتصال أيضا بقرينة الصدر الظاهر في الانفصال والأخبار الأخر ، ولا بعد فيه ، حيث انّ التعميم في الآثار إنّما هو بمقدّمات الحكمة الجارية فيما لم يكن قرينة على اليقين أو القدر المتيقن وهو فيما نحن فيه خصوص البناء على لزوم الاتيان كما عرفت ، هذا.

مضافا إلى أولوية الالتزام بالتقييد في الآثار ابتداء لو دار الأمر بينه وبين مخالفة السياق في الفقرات ، وبين الحمل على التقية لشيوعه وأرجحيته. ويؤيده

٣٩٩

ظهور قضية « لا ينقض الخ » في الاستصحاب بلحاظ تكرره في الروايات الأخر وانطباقها على الاستصحاب في موارد عديدة وارتكاز ذلك منها.

وامّا احتمال ارادة قاعدة اليقين بالبراءة منها في خصوص باب الصلاة وإرادة الاستصحاب في غيره كما احتمله بعضهم فسيجيء ما فيه.

ثم انّ الظاهر ـ بناء على حمل الرواية على الاستصحاب ـ عدم دلالتها على أزيد من باب الصلاة لو لم نقل بظهورها في خصوصه بقرينة قوله عليه‌السلام : « ويتم على اليقين فيبني عليه » حيث انّ ظاهره الاختصاص بباب الصلاة.

وتوهم : ارتكاز العموم من القضية الاولى بقرينة وروده في الأخبار الأخر كذلك ، مدفوع :

بمعارضته مع ظهور ارجاع الضمير في هذه الفقرات على « المصلي » وظهور اتحاده في الجميع من جهة المرجع وكذا على العموم بعد ظهور رجوع ضميره إلى المصلي واحتمال ارادة العموم في خصوص باب الصلاة. نعم لا يبعد التعميم في مطلق الموضوعات بضميمة عدم القول بالفصل بينها وبين الصلاة في جريان الاستصحاب وعدمه.

ومنها : قوله عليه‌السلام : « إذا شككت فابن على اليقين. قلت : هذا أصل؟ قال : نعم ». (١)

يحتمل أن يكون المراد من البناء على اليقين تحصيل اليقين بالبراءة بالاحتياط مطلقا أو في خصوص باب الصلاة ، مع كون المراد من الأصل حينئذ القاعدة الكلية في ذاك الباب.

ويحتمل أن يكون المراد منه قاعدة اليقين بالبناء على آثار اليقين الزائل.

ويحتمل أن يكون المراد اليقين في باب الاستصحاب بالبناء على آثار

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ : ٣١٨ الباب ٨ من ابواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ٢ ، باختلاف يسير.

٤٠٠