تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ٢

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 978-600-5213-31-7
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٦٣٨
الجزء ١ الجزء ٢

المنتصر على حجيته بخبر ضعيف انّه : كيف يتمسك بخبر ضعيف مع وجود الاخبار الصحاح الواضحة الدلالة على الاستصحاب ، حيث انّ هذا الاختلاف والتعجب يكشف عن كون المعنى المختلف في وجه اعتباره بمعنى يمكن استفادته وكونه مفادا للأخبار ، والصالح له ليس هو إلاّ حكم الشارع بالبقاء ووجوب المضي على طبق الحالة السابقة ولو لا ذلك ـ بل كان نفس الظن أو الملازمة ـ لم يكن مفادا لها ، فلا وجه للايراد والتعجب المذكورين ، كما لا يخفى.

ثم انّه ينطبق على ما ذكرنا تعريفه بـ « الابقاء » كما عن الشيخ (١) و « الاثبات » كما في الزبدة (٢) و « الحكم بالابقاء » كما يستفاد عن غاية المأمول (٣) بناء على كون الحاكم بالبقاء والثبوت هو الشارع كما يستفاد من الشيخ قدس‌سره (٤) من اختياره حجية الاستصحاب من باب الاخبار ؛ وبناء على ذلك فلا يكون ما ذكره شارح المختصر من انّ في استصحاب الحال : « انّ الحكم الفلاني قد كان ولم يظن عدمه وكلما كان كذلك فهو مظنون البقاء » (٥) منطبقا على الاستصحاب لا بحسب الصغرى ولا بحسب الكبرى ، فلا وجه لتشقيق الشيخ قدس‌سره (٦) في هذه العبارة : من انّ الاستصحاب لو كان هو الصغرى فكذا أو الكبرى فكذا مع عدم كونه عنده بواحد منهما ، إلاّ أن يكون التشقيق بحسب مذاق الخصم.

نعم ، بعد ذلك القياس لو رتب قياس آخر مؤلف من نتيجة ذلك القياس يجعل صغرى لكبرى اخرى بأن يقال : « هذا مظنون البقاء وكلما كان كذلك فهو باق

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٩.

(٢) زبدة الاصول : ١٠٦.

(٣) غاية المأمول : ظهر الورقة ١٧٧ اي الصفحة الثانية منه ؛ مفاتيح الاصول : ٦٣٤ السطر ٧.

(٤) فرائد الاصول ٣ : ٥١ و ٥٥.

(٥) شرح العضدي على مختصر ابن الحاجب ٢ : ٤٥٣ أواخر الصفحة.

(٦) فرائد الاصول ٣ : ١١.

٣٦١

شرعا » يكون المحمول في كبرى القياس منطبقا على الاستصحاب.

وعلى أي حال يكون الاختلاف بعد تسليم الاستصحاب بالمعنى المذكور على أحد عشر قولا ـ أو أزيد ـ راجعا إلى النزاع الصغروي من انّه هل الحكم الشرعي بالبقاء في جميع الموارد أو في بعضها دون بعض ، على حسب الاختلافات في هذا الباب.

ثم لا يخفى انّه بهذا المعنى لا ينطبق على سائر اشتقاقاته.

إذا عرفت ما ذكرنا من مساعدة الكلمات وورود النقض والابرام على محل واحد على المعنى المذكور فظهر بطلان تحديد حقيقة الاستصحاب على سائر المعاني لو كان حقيقيّا فتدبر حتى تعرف ما يرد عليها من النقض والابرام ، هذا. مضافا إلى ما في التحديد بالتمسّك من انّه عمل المكلف وليس بدليل للحكم بل الدليل عليه ما يعتمد عليه في العمل ، ومن المعلوم انّ الاستصحاب من جملة الأدلة.

ثم ان كان الاستصحاب بمعنى الظن ينطبق على المحمول في كبرى القياس المذكور وهو قوله : « الشيء الفلاني قد كان ولم يظن عدمه وكلما كان كذلك فهو مظنون البقاء » لا على نفس الكبرى كما يستفاد من الشيخ قدس‌سره. (١) نعم لو كان بمعنى الملازمة فينطبق عليها ، حيث انّ الكبرى هي الملازمة بين الكون السابق والظن بالبقاء لا نفس الظن ؛ وعلى أي تقدير فيحتاج كل منهما إلى دليل الحجية ويكون اثبات حجية الظن بقياس آخر مؤلف من صغرى هي نتيجة ذلك القياس وكبرى شرعية بأن يقال في الكبرى : « كلما كان مظنون البقاء فهو باق شرعا » ولو كان من جهة امضاء طريقة العقلاء بالعمل بالظنّ أو العمل بالملازمة الظنية.

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ١١.

٣٦٢

ولا يخفى انّ النزاع في الاستصحاب على كلا الوجهين يمكن :

أن يكون صغرويا في ثبوت الظن أو الملازمة الظنية بين الكون السابق والبقاء.

وان يكون كبرويا في عمل العقلاء على طبقهما وعدمه.

كما لا يبعد المنع عن الاستصحاب بكلا الوجهين خصوصا الأخير ، حيث لا يعلم من حالهم انّهم يعملون على مجرد الثبوت السابق من دون انطباق دليل وقاعدة اخرى في المورد.

وما استدل له به ، من كون العمل على طبق الحالة السابقة جبلّيا للحيوانات أيضا كما يعلم من المراجعة إلى أو كارها من الأماكن البعيدة ، ففيه :

انّه يمكن أن يكون ذلك من جهة حضور الصورة الارتكازية في مدركتهم ، بحيث لا يحتملون خلافه.

ومن هنا ظهر : انّ الوجه في حجية الاستصحاب هو الاخبار بعد ما عرفت التحقيق من كونه هو الحكم الشرعي بالبقاء ، لا غيرها من طريقة العقلاء.

ينبغي التنبيه على امور :

[ الأمر ] الأول : انّه لا اشكال في كون الاستصحاب من الأحكام الفرعية بناء على استفادته من الأخبار ، لكونه حينئذ من الأحكام المتعلقة بعمل المكلف بلا واسطة على ما هو المعيار لمسائل الفقه.

وامّا بناء على كونه من باب الظن فان كان هو النتيجة كما عرفت فكذلك.

وان كان نفس الظن أو الملازمة الظنية فقيل : بكونه حينئذ من الأحكام العقلية غير المستقلة بناء على ما هو معيارها من الايصال إلى الحكم الشرعي بتوسيط مقدمة غير عقلية كما في الاستلزامات والمفاهيم ؛ والمقدمة غير العقلية في المقام هو دليل

٣٦٣

المستصحب في السابق.

وفيه : انّ الدليل العقلي غير المستقل ما كان موصلا إلى الحكم الشرعي بعد انضمام مقدمة غير عقلية إلى المقدمة العقلية كما في المقيس عليه ، وفيما نحن فيه ليس كذلك ، حيث انّه بعد ملاحظة الدليل في السابق مع الملازمة أو الظن يحتاج في الايصال إلى دليل من الشرع على الحجية ولو امضاء فهو الموصل حقيقة إليه سواء أدرج في كبرى القياس الأول بأن يقال بعد الصغرى المذكورة وهو انّ الشيء الخ : « وكلما كان كذلك فهو باق شرعا » أو رتّب قياس آخر مؤلف من نتيجة القياس الأول وكبرى اخرى كما عرفت.

اللهمّ إلاّ أن يقال : انّ القياس المذكور مع جعل الاستصحاب من باب الملازمة إنّما هو من العامة المتفقين بحجيته من دون احتياج إلى الامضاء وكان اختلافهم في الصغرى ، ومن الظاهر عدم اختلاف الخاصة معهم في حقيقة الاستصحاب فيصح حينئذ جعل الاستصحاب من الأدلة العقلية بطريقتهم ، فتدبر.

ثم انّ جعل البحث عن حجية الاستصحاب من المسائل الاصولية إنّما هو بناء على كونه من باب الظن ، مع جعل موضوع الاصول ذات الدليل مطلقا لا بعنوان الوصفية كما عن المحقق القمّي رحمه‌الله (١) وإلاّ لكان البحث حينئذ من المبادئ لا المسائل ، ولا خصوص الأدلة الأربعة وإلاّ لا يجدي في كونه منها بناء على جعله نفس الظن ، لعدم كونه أحد الأربعة.

نعم بناء على كونه هو الملازمة فيمكن كون البحث عن الحجية من المسائل

__________________

(١) النسخة الحجرية القديمة من القوانين المحكمة طبعة ١٢٩١ ه‍ ق ١ : ٦ الحاشية المبدوة بقوله : « موضوع العلم هو ما يبحث فيه ... الخ » وآخرها عبارة : « منه ; ». وهذه الحاشية مقلوبة ، اولها الى اسفل ثم تتدرج الى اعلى الصفحة. والنسخة هذه عثرنا عليها في مكتبة السيد المرعشي في قم برقم ١٧٦ / ٩٥.

٣٦٤

الاصولية لكونه عن عوارض الملازمة وهو من الأدلة العقلية ؛ هذا بناء على كونه من باب الظن.

وامّا بناء على كونه من الأخبار فيكون من المسائل الفرعية كما عرفت. ولا يجدي اختصاص البحث ـ عن تشخيص مجراه وتعيين مقدار دليله ـ بالمجتهد في كونه من المسائل الاصولية كما ذهب إليه الشيخ قدس‌سره في الفرائد (١) من هذه الجهة ، لكون المناط في المسألة الفرعية اشتراك مضمونه بين المجتهد والمقلد في العمل به وهو موجود في مفاد مثل قوله عليه‌السلام : « لا تنقض الخ » كما لا يخفى. وامّا تشخيص المجرى وتعيين مقدار الدلالة فهو كقاعدة نفي الحرج والضرر من كون الاختصاص بالمجتهد لتمكنه منه دون المقلد فيكون نائبا عنه في ذلك ، كما في غالب المسائل الفرعية.

الأمر الثاني : انّه لا بدّ في الاستصحاب من يقين بالمستصحب في السابق وشك في بقائه في اللاحق بعين الوجود الأول حتى يكون المضي عليه والعمل على طبقه ابقاء واستمرارا له ورفع اليد عنه في اللاحق نقضا لليقين بالشك ، لا ان يكون الشك في حدوثه بوجود آخر كي لا ان (٢) يكون الشك في النقض ولا مرددا بينه وبين البقاء وعدمهما بالكلية كي يشك في صدق النقض ، بل لا بدّ من اليقين بصدق النقض المتوقف على كون الشك في خصوص البقاء لا الحدوث ولا المردد بينهما ؛ وكون الشك كذلك إنّما يتحقق باتحاد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة موضوعا ومحمولا ، غير انّ الفرق في اليقين بالمحمول وهو المستصحب في القضية المتيقنة والشك فيه في المشكوكة ، وامّا الموضوع فلا بدّ من بقائه في اللاحق بعين الوجود الأول.

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ١٨ ـ ١٩.

(٢) الظاهر زيادة ( ان ).

٣٦٥

إذا عرفت ما ذكرنا فيشكل الأمر في الأحكام الشرعية مطلقا ، حيث انّها بناء على تبعيتها للمصالح والمفاسد في المأمور بها والمنهي عنها مع كونهما مختلفة بالخصوصيات والاعتبارات لا بدّ من كون موضوعها مقيدة بالخصوصيات المنوطة بها المصلحة كي يحكم عليه بها فتكون المقومات للمصلحة مأخوذة فيه ، بل الأمر كذلك بناء على تبعية الأحكام للمصالح مطلقا ولو لم يكن في متعلقها بل في نفس تشريعها ، بل ولو على قول الأشاعرة من عدم تبعيتها للمصالح ، بل لاغراض للحاكم متعلقة حيث انّ الموضوع للحكم فعلا بحيث يتّصف بالعنوان فعلا لا بدّ انّ بوجوده الخاص وهو المقترن بالمصالح والاغراض ولو كانت خارجة عن ذاته بحيث لو لم يكن بذاك الوجود الخاص لما كان محكوما عليه بالحكم كما هو واضح.

فإذا عرفت دخل كل ما له دخل في الحكم حتى الأمر العدمي من عدم الرافع وغيره في الموضوع وكونه متقوما به فاعلم :

انّه لا يكون الشك في بقاء الحكم إلاّ من جهة الشك في ارتفاع احدى الخصوصيات المعتبرة في تحققه المأخوذة في موضوعه وإلاّ فلو كانت معلوم البقاء بجميعها لما يحصل الشك في الحكم أصلا والشك فيها يكون شكا في الموضوع فيكون الشك في الحكم ملازما مع الشك في الموضوع ومعه لا يتحقق بقاء الموضوع فلا يحرز صدق النقض بالشك على رفع اليد عن الحكم السابق فيشكل الأمر في جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية مطلقا ، كان الدليل عليها عقليا أو نقليا لما عرفت من مناط الاشكال وجريانه فيهما كما لا يخفى.

فمن هنا ظهر : عدم اختصاص الاشكال في خصوص الأحكام الشرعية المستكشفة بالدليل العقلي ، بل الاشكال يجري ولو في الأحكام الشرعية الثابتة بالدليل النقلي.

٣٦٦

والجواب في كليهما : انّ الاشكال يجري بناء على كون المدار في موضوع الاستصحاب هو النظر الدقيق والموضوع العقلي ؛ وامّا بناء على كون المدار فيه هو الموضوع العرفي المسامحي كما سيجيء ان شاء الله فيرتفع الاشكال عن كليهما.

فان قلت : انّ الرجوع إلى العرف في موضوع الاستصحاب إنّما هو فيما إذا كان الدليل مجملا بالنسبة إلى الموضوع مع كون عنوانه عرفيا عامّا بالنسبة إلى حال الشك وكان الملاك خارجا عن الموضوع محتمل الأخصية بالنسبة إليه كما في الدليل النقلي الدال على حرمة العنب على تقدير الغليان ، فلو شك في اختصاص الحكم له في حال الحموضة مثلا دون الحلاوة من جهة الشك في اختصاص المناط غير الداخل في الدليل بتلك الحال فيستصحب بقاؤه لبقاء موضوع الدليل عرفا وهو العنب ؛ وهذا بخلاف الدليل العقلي فانّه لمّا كان المناط معلوما مبيّنا بحيث لا اجمال فيه ولا اهمال فيكون الموضوع مقيدا ومتشخصا به ومحكوما عليه بحدّ ذاك الملاك لا أعم منه ، فإذا كان معلوما بجميع ما له دخل فيه فلم يكن مهملا كي يرجع في تعيينه إلى العرف بل يرجع إلى نفس العقل وهو مع عدم اختلاف قيد منه لا يشك ومعه لا يشك في تبدل الموضوع فلا يشك في الحكم أصلا وعلى تقدير الشك فيه يكون شكا في حدوثه في موضوع حادث.

قلت : ما ذكرت من عدم الاهمال في حكم العقل واجماله ولا في موضوع حكمه فهو مسلّم ، إلاّ أنّه لا يجدي في عدم جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف منه.

بيان ذلك : انّ في مورد حكمه أربعة أشياء :

أحدها : حكم العقل بالحسن والقبح.

وثانيها : موضوع ذاك الحكم.

وثالثها : الحكم الشرعي المستكشف.

٣٦٧

ورابعها : ملاك هذا الحكم.

ولا ريب في عدم تصوير الشك والاهمال في نفس حكم العقل بالحسن والقبح ، ولا في موضوعه بل لا بدّ من التشخيص فيقطع بحكمه وبدونه يقطع بعدمه. وامّا الحكم الشرعي المستكشف فان كان تابعا ثبوتا للحكم الفعلي للعقل وملاكه كما كان كذلك اثباتا فلا يشك فيه أيضا كما لا يخفى.

ولكنه ليس كذلك ، بل هو تابع للمناط الواقعي وهو لا ينحصر دائرته سعة وضيقا بما يراه العقل ملاكا اثباتا بل ربما يساويه وربما يكون أعم منه ولا يرتفع بارتفاعه ، فإذا كان كذلك فيتصور الشك في ملاكه واقعا وان قطع بارتفاع ما عيّنه العقل اثباتا وكشفا.

امّا لأجل عدم تشخيص ما له دخل في الحكم الشرعي في جملة امور يقطع بوجوده فيها بنحو يكون لكل من تلك الجملة دخل في اذعان العقل بالحكم الشرعي بحيث لو ارتفع واحد منها لقطع بعدم اذعانه ولكنه يحتمل في بقاء الحكم الشرعي لاحتمال عدم كون المرتفع ذا دخل فيه ثبوتا ، ولا بعد في دخل شيء في شيء اثباتا لا ثبوتا كما في الملائمات الحسية ومنافراتها من الملاحة وضدها كما لا يخفى.

وامّا لأجل احتمال ملاك آخر للحكم الشرعي واقعا مقارنا لما يراه العقل من الملاك وأعم منه بحيث بنفسه يبقى ويوجب بقاء الحكم الشرعي فيشك ـ من جهة الشك فيه ـ في بقاء الحكم الشرعي ولا يوجب اجتماعه مع الملاك المعيّن تعدد الحكم الشرعي وان كان يوجب تأكّده كما لا يخفى.

إذا عرفت ما ذكرنا في بيان تصوير الشك في الحكم الشرعي فاعلم :

٣٦٨

انّ المراد من كون موضوع الاستصحاب عرفيا ـ لا [ دقّيا ] (١) ـ ليس هو موضوع الدليل كي يجاب بعدم الاهمال في الدليل العقلي كي يكون للرجوع إلى العرف مجال ، بل هو موضوع قوله : « لا ينقض ». والمراد من كونه عرفيا أن يكون رفع اليد عن ترتيب أثره المتيقن سابقا في زمان اللاحق نقضا لليقين بالشك عرفا والمضي على طبق الحالة السابقة بترتيب الآثار السابقة عليه ابقاء لها كذلك ، لا اثباتها لها حادثا في موضوع حادث كما في ترتيب أثر العنب على التمر مثلا.

ومن المعلوم انّ موضوع صدق البقاء والنقض بالمسامحة العرفية يكون أعم من موضوع الدليل ولو كان نقليا كما في ترتيب أثر العنب ـ وهو الحرمة على تقدير الغليان ـ على الزبيب فانّه يصدق عليه البقاء وعلى عدمه النقض عرفا وان لم يكن بالنسبة إلى موضوع الدليل وهو عنوان العنب كذلك ، لارتفاعه في حال الزبيبية فلا يصدق عليه البقاء بل يصدق عليه بهذا الاعتبار حدوث الحكم في موضوع حادث.

فإذا عرفت عدم الاعتبار بموضوع الدليل ، بل [ كان ] المدار على صدق البقاء والنقض عرفا بملاحظة كون خطاب « لا تنقض » عرفيا ملقى إليهم بحسب نظرهم المسامحي لا [ الدقّي ] (٢) فلا فرق في الحكم الشرعي بين كونه مستفادا من الدليل النقلي أو العقلي.

فما ذكر في وجه الفرق بينهما كما في الفرائد : (٣) من كون الموضوع في الحكم الشرعي هو المناط في الحكم العقلي في الحكم المستكشف بالدليل العقلي دون المستكشف بالدليل النقلي على تقدير تسليمه ؛ إنّما هو بناء على اعتبار

__________________

(١) في الاصل المخطوط ( دقيقيا ).

(٢) في الاصل المخطوط ( الدقيقي ).

(٣) فرائد الاصول ٣ : ٣٨.

٣٦٩

موضوع دليل الحكم المتيقن في السابق لا دليل نفس الاستصحاب كما عرفت ، وسيجيء تحقيق ذلك في التنبيه المتعلق باشتراط بقاء الموضوع في الاستصحاب ان شاء الله.

الأمر الثالث : انّ الاستصحاب كما عرفت متقوم باليقين بالحدوث والشك في البقاء ، فلا بد حين اجرائه من احراز وجود المستصحب سابقا وان لم يحرز قبل ذلك ، فلو لم يحرز ذلك حينه بل كان محرزا سابقا ومشكوكا بالشك الساري حين اجرائه فلا يجري الاستصحاب بالنسبة إليه. نعم على تقدير شمول الأخبار لمثل ذلك ـ كما نشير إليه ـ كان ذلك قاعدة اخرى يعبّر عنها بقاعدة اليقين ولا ربط لها بالاستصحاب.

ثم انّه لا بدّ من كون الشك المتقوم به الاستصحاب فعليا لا تعليقيا على تقدير الالتفات إلى الحكم ، حيث انّ المستند :

لو كان هو الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك فلا شبهة في ظهورها في بيان الوظيفة للشاك الفعلي الأعم من الشك بمعنى تساوي الطرفين حتى مثل قوله : « لا تنقض اليقين إلاّ باليقين » (١) حيث انّه عبارة عن النهي عن نقض اليقين بمقابله ظنا كان أو شكا أو وهما وكل منها لا يتأتّى إلاّ بالالتفات إليه ، هذا ، مع إشعار لفظ « النقض » عليه كما لا يخفى.

وان كان الاستصحاب من باب الظن ولو نوعيا فهو لا يحصل ولا يستند اليه في مقام العمل إلاّ مع الالتفات إليه أيضا.

وان كان من باب بناء العقلاء فبناؤهم على العمل على طبق الحالة السابقة

__________________

(١) الموجود في المصادر : « وانما تنقضه بيقين آخر » أو « ولكن ينقضه بيقين آخر ». وسائل الشيعة ١ : ١٧٤ الباب ١ من ابواب نواقض الوضوء ، الحديث ١ ؛ تهذيب الاحكام ١ : ٨ باب الاحداث الموجبة للطهارة ، الحديث ١.

٣٧٠

ـ اعتمادا على الوجود السابق ـ إنّما هو مع الالتفات إليه والشك فيه وإلاّ فمع الغفلة فلا استناد أصلا ، هذا ؛ مع وضوح انّ بناءهم في حال الغفلة عن الطريق وموضوعه إنّما هو بمعاملة مع الواقع كأن لم يكن في البين طريق أبدا.

ثم انّه هل المعتبر في جريان حكم الاستصحاب الالتفات إلى هذا الحكم الاستصحابي أيضا وانّ المجعول في حقه هو هذا أم لا؟

التحقيق ان يقال : انّ كل حكم كان نفسيا وكان جعله لمصلحة في متعلقه سواء كان واقعيا أوليا أو ثانويا كالأحكام العذرية والاضطرارية وبعض الاصول العملية فتكون المراتب فيه أربع : الاقتضائي ، والانشائي ، والفعلي ، والتنجز ، ولا يتوقف كل منها حتى الفعلية [ على ] (١) العلم ؛ ويترتب عليها آثارها من الإجزاء على تقدير المطابقة ، والقضاء على تقدير عدمها ، والتنجز على تقدير العلم بها إلاّ مرتبة التنجز وهي كون الحكم بنحو بحيث يصح المؤاخذة عليه فعلا ولا عذر في مخالفته ، فانّ هذه المرتبة لا تحصل إلاّ بالعلم بالمرتبة الفعلية.

وامّا ان لم يكن الحكم كذلك ، بل كان طريقيا ولم يكن جعله لمصلحة في متعلقه بل لكونه حجة وموجبا لصحة المؤاخذة على مخالفة الواقع على تقدير الاصابة وعذرا عنه على تقدير الخطأ وغير ذلك من الآثار وعلى أي حال ما روعي فيه إلاّ التوصل بمصلحة الواقع ، فالتحقيق :

انّ فعلية مثل هذا الحكم كتنجّزه لا يكون إلاّ بالعلم وان صار من ناحية المولى تماما ولم يكن له حالة منتظرة إلاّ أنّه ما لم يحصل العلم بانشائه من قبله لا يمكن عقلا ان يكون حقيقيا فعليا ، لأنّ تحقق حقيقة كل شيء بمرتبة فعليته وفعليته بترتب الآثار المرغوبة من تلك الحقيقة عليه ، والمرغوبة منها في الحجة والحكم

__________________

(١) في الاصل المخطوط ( الى ).

٣٧١

الطريقي كونهما مصححا للمؤاخذة على مخالفة الواقع وعذرا عنه وبدون العلم بجعلهما لا تترتب تلك الآثار عليهما عقلا كما لا يخفى ، فلا يكاد أن يصير المجعول حجة انشاء حجة حقيقية إلاّ بالعلم به عقلا وبدونه يكون انشائيا صرفا فلا يترتب عليه الاثر المرغوب منه. نعم يترتب عليه الأثر الانشائي وهو صيرورته فعليا على تقدير العلم دون ما لم يكن انشاء أصلا.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم : انّ الاستصحاب على القول بحجيته من باب الظن وبناء العقلاء أو من الأخبار على تقدير استظهار الطريقية منها فمثل الأحكام الطريقية في انّ فعليته تتوقف على العلم به. وان كان حجة من باب التعبد لمصلحة نفسية مقتضية للإجزاء ـ كما هو الظاهر من بعض الأخبار الأخر ـ يكون كالأحكام الواقعية في عدم توقف فعليتها على العلم بها وان لم يكن في عرضها بل عند الجهل بها كما لا يخفى.

وعلى أي حال فلا بدّ في تحقق موضوعه من الشك الفعلي ببقاء المستصحب وبدونه لا يكاد يتحقق استصحاب أبدا وان فرض الشك فيه على تقدير الالتفات إليه.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم : انّ من صلى غافلا عن الطهارة فشك بعد الصلاة في الطهارة حالها ، فلا يخلو :

امّا أن يكون مسبوقا باليقين بالحدث.

أو باليقين بالطهارة.

أو غير مسبوق باليقين بواحد منهما.

وعلى الأول ، فان لم يكن مسبوقا بالشك بعد اليقين بالحدث أصلا فلا استصحاب له قبل الصلاة حال الغفلة. نعم يجري في حقه بعدها فيحكم بمقتضاه بالاعادة لو لا تقديم قاعدة الفراغ في حقه تحكيما لها على الاستصحاب بناء على

٣٧٢

كونها من الأمارات دونه. وان كان مسبوقا بالشك قبل الغفلة بعد اليقين بالحدث فيحكم عليه بالحدث حال الشك ولو في آن ويكون مقتضاه بطلان العبادة المشروطة بالطهارة ، لأنّ الحدث بعد ما حدث لا يحكم بارتفاعه أبدا إلاّ باليقين برافعه.

نعم ان احتمل في حقه ايجاد الطهارة في حال الغفلة بعد الشك المذكور فتجري في حقه قاعدة الفراغ ، لأنّ الاستصحاب الجاري في حقّه إنّما هو بالنسبة إلى احتمال وجود الطهارة إلى حين الشك وامّا بالنسبة إلى احتمال وجودها بعده في حال الغفلة فلا فيكون بالنسبة إليه غافلا غير مسبوق بالشك أصلا فيحكم عليه بالقاعدة.

وعلى الثاني ، فيحكم عليه بصحة الصلاة مطلقا ، غاية الأمر فيما كان مسبوقا بالشك فمن جهة احراز الطهارة بالاستصحاب وفيما لم يكن مسبوقا به فمن جهة قاعدة الفراغ.

وعلى الثالث ، فالحكم هو الصحة لأجل القاعدة فيما لم يسبق بالشك ، والبطلان من جهة عدم احرازها فيما كان مسبوقا به ولا تجري في حقه القاعدة في هذه الصورة لاشتراطها بعدم السبق بالشك قبل الصلاة كما سيجيء ان شاء الله.

الأمر الرابع : انّه لا فرق في النزاع وجريان الخلاف في حجية الاستصحاب بين كون المستصحب وجوديا أو عدميا ، وأمرا خارجيا أو حكما شرعيا ، جزئيا أو كليا ، تكليفيا أو وضعيا.

وما يظهر : من خروج العدميات من محل الخلاف قياسا بالاصول العدمية في مباحث الألفاظ من أصالة عدم القرينة وعدم الاشتراك ونحوهما من الاصول ، ففيه :

انّ الاصول في مباحث الألفاظ ولو كانت وجودية كانت محل الوفاق ،

٣٧٣

فالوفاق فيها لا يدل على خروج العدميات عن محل الخلاف كما في الوجوديات.

ولا فرق أيضا بناء على القول بحجية الاستصحاب في كل مستصحب بين كون الدليل عليه في الآن السابق هو النقل ، أو العقل ، أو الاجماع ، لوجود مناط الجريان فيها بلا تفاوت وهو الشك في بقاء الحكم الشرعي وان لم يكد يمكن دلالة العقل والاجماع في حال الشك ولا بدّ من عدم الدلالة وإلاّ لم يحتج إلى الاستصحاب في الحكم بالبقاء.

وامّا التقسيم من جهة الشك ، فما ذكر من تقسيمه باعتباره :

تارة : إلى انّ منشأه قد يكون اشتباه الامور الخارجية مثل الشك في حدوث البول وكون الحادث بولا أو وذيا ، ويسمى بالشبهة في الموضوع سواء كان المستصحب حكما شرعيا جزئيا أو موضوعا خارجيا ؛ وقد يكون اجمال النص مثلا كالشك في بقاء نجاسة المتغير بعد زوال تغيره ، وتسمى الشبهة حكمية.

واخرى : إلى انّ الشك في بقاء المستصحب قد يكون من جهة المقتضي ، وقد يكون من جهة الشك في الرافع بأقسامه : من الشك في وجوده ، والشك في رافعية الموجود مستقلا غير الرافع المعلوم ، أو مرددا بين كون شيء رافعا وغيره من جهة تردد المستصحب بين أمرين كما فيما لا يعلم مثلا أن الاشتغال بصلاة الظهر او بالجمعة ، او مرددا بين كونه مصداقا للرافع المبيّن المفهوم أو مصداقا للرافع المجهول المفهوم.

فلا يخفى انّ هذين التقسيمين حقيقة راجعان إلى تقسيم المستصحب من انّه :

يكون حكما جزئيا وموضوعا خارجيا تارة.

وحكما كليا اخرى.

٣٧٤

وقابلا للبقاء لو لا الرافع ثالثة.

أو مشكوك البقاء كذلك رابعا.

فليس ينقسم للشك كما في الفرائد. (١) نعم جعله بالمعنى الأعم من كونه مقابلا لليقين من كونه مساوي الطرفين تارة ، أو رجحان البقاء ، أو رجحان الارتفاع يكون تقسيما له بنفسه ؛ والظاهر انّ كلا منها محلّ النقض والابرام والنفي والاثبات.

الأمر الخامس : انّ عدد الأقوال في حجية الاستصحاب :

مطلقا.

وعدمها كذلك.

والتفصيل بين الوجودي والعدمي.

وبين الامور الخارجية وبين الحكم الشرعي مطلقا بالانكار في الأول.

أو بين الحكم الشرعي الكلي وغيره مطلقا بالانكار في الأول.

أو التفصيل بين الحكم الوضعي وغيره بالانكار في الثاني.

أو التفصيل بين الشك في المقتضي والشك في الرافع بالانكار في الأول.

إلى غير ذلك من التفصيل ، يتجاوز عن أحد عشر قولا بكثير كما ذكره شيخنا العلاّمة (٢) أعلى الله مقامه.

إلاّ انّ تعدادها ليس بمهم ، وحيث انّ الأقوى الأول فالحريّ صرف العنان إلى ذكر الدليل لحجيته من انّه : بناء العقلاء ، أو الظن ، أو الأخبار.

وحيث انّ بناء العقلاء على العمل في حال الشك على طبق الحالة السابقة بمجرد الكون السابق بلا اعتماد على أمر آخر من قاعدة المقتضي والمانع وغيره

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٤٣ و ٤٦.

(٢) فرائد الاصول ٣ : ٥٠ ـ ٥١.

٣٧٥

مما ينطبق على الاستصحاب موردا ومصداقا ، غير محرز ، والاعتماد على الظن غير مسلّم صغرى وكبرى ، فالمعتمد عليه هو التعبد.

ولكنه ليس بحاصل من جهة الاجماع أو استقراء الأحكام الشرعية كما في القراءة لكون الاتفاق غير حاصل أولا ، ووضوح المدارك واختلافها الموجب لعدم استكشاف دليل تعبدي ثانيا. وامّا الاستقراء فعلى تقدير تسليم حكم الشارع على طبق الحالة السابقة فلا يحرز انّه من جهة مجرد الكون السابق لا من جهة قاعدة المقتضي أو قاعدة اخرى مثلا ، ولا من جهة دخل خصوصية المورد كما لا يخفى.

فما يمكن أن يعتمد عليه هو الأخبار المستفيضة ، فلا بدّ من ذكرها ومقدار دلالتها.

منها : مضمرة زرارة ؛ واضمارها ـ لكونه من أجلّ الأصحاب ـ كالاظهار ، قال : « قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء أيوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء قال يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن فإذا نامت العين والاذن فقد وجب الوضوء قلت فان حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم قال لا حتى يستيقن انّه قد نام حتى يجيء من ذلك بأمر بيّن وإلاّ فانّه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبدا بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر » الحديث. (١)

ولا يخفى انّ قوله : « الرجل ينام » إنّما هو سؤال عن حكم الخفقة والخفقتين من انّهما هل تكونان من النواقض :

أمّا في ضمن النوم؟ بناء على كونهما مصداقا له عرفا بعد العلم بكونه ناقضا في الجملة مع الشك في كونه كذلك بجميع مراتبه أو بمرتبة واحدة وهو نوم جميع الأعضاء ، ويكون استعمال قوله : « ينام » في نوم العين وحده حقيقيا حينئذ.

أو على حدة؟ بناء على عدم دخولهما تحته مفهوما ولكن مع الشك في

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ١٧٤ الباب ١ من ابواب نواقض الوضوء ، الحديث ١.

٣٧٦

كونه ناقضا مستقلا مثل النوم أم لا ، أو مرددا بين الوجهين ، بناء على عدم العلم بخروجهما منه.

ولا يخفى انّ استعمال قوله : « ينام » ـ على تقدير علمه بخروج الخفقة عن النوم مفهوما ـ يكون مجازا بالمشارفة كاستعماله عليه‌السلام في الجواب في نوم العين وحده بقوله عليه‌السلام : « يا زرارة تنام العين الخ » ، وان كان يمكن الفرق بكون استعماله عليه‌السلام على نحو الحقيقة لتعلق النوم في كلامه عليه‌السلام بـ « العين » ونوم العضو حقيقة هو خروجه عن الحس دون استعمال زرارة لتعلقه في كلامه بـ « الرجل » والنوم المستند إليه لا يكاد يحصل إلاّ بعدم احساس جميع قواه لا خصوص العين وحدها كما لا يخفى.

وعلى أي حال ، فقول زرارة : « وهو على وضوء » حال عن قوله : « ينام » ولا بأس به بناء على قصد الاشراف على النوم وإرادته منه ، لحصول اتحاد الزمان المعتبر بين الحال والعامل. نعم بناء على إرادة معناه الحقيقي فيشكل ، لكون زمانه حال الشك في الوضوء ، لا ليقين به ، إلاّ أن يكتفى بالمقارنة العرفية كما لا يخفى.

ثم انّ السؤال في هذه الفقرة إنّما هو عن الشبهة الحكمية لا الموضوعية كما يتضح ذلك من جواب الإمام عليه‌السلام.

ثم قوله عليه‌السلام : « قد تنام العين » يحتمل أن يكون استعماله في خصوص نوم العين حقيقيا ، وان يكون مجازيا.

وقول زرارة : « قلت : فان حرّك الخ » سؤال عن الشبهة الموضوعية ، فانه لمّا علم بانحصار الناقض في نوم القلب والاذن كأن يحصل من عدم احساس حركة شيء في الجنب للظن بتحقق ذاك النوم لكونه أمارة ظنّية له فاشتبه عليه ذلك وسأل عن تحقق مصداق الناقض وعدمه ، لا عن كون هذه المرتبة ناقضة أم لا بعد الفراغ عن كونه من مراتب نوم القلب ومصاديقه كي تكون الشبهة حكمية ، وإلاّ

٣٧٧

لكان على الإمام عليه‌السلام إزالة الشبهة ببيان الواقع لا بيان حكم الشبهة بعنوان الاشتباه.

ثم انّ قوله عليه‌السلام : « من وضوئه » في قوله : « وإلاّ فانّه على يقين من وضوئه » يحتمل أن يكون متعلقا باليقين كي يكون موجبا لتخصيصه وان يكون متعلقا بفعل عام مقدر جعل خبرا لكلمة « انّ » فيكون اليقين مجردا عن الخصوصية ، والفرق بينهما تعرفه [ عن قريب ] (١) ان شاء الله ؛ ومحل الاستشهاد قوله عليه‌السلام : « ولا تنقض اليقين أبدا بالشك » ووجه دلالته على الاستصحاب على نحو الاطلاق يتوقف على أمرين :

أحدهما : اثبات عدم وروده في مقام بيان قاعدة المقتضي والمانع.

وثانيهما : إثبات عدم كون اليقين في كلامه خصوص اليقين بالوضوء ، بل كان المراد اليقين بشيء مطلقا.

امّا الأول : فيتوقف على بيان الفرق بين تلك القاعدة والاستصحاب ، وهو من وجهين :

الأول : اختلاف متعلق اليقين والشك بأن يتعلق الأول بالمقتضي ( بالكسر ) والثاني بالمانع عن التأثير في القاعدة. ووحدة متعلقهما : بأن يتعلق اليقين بثبوت المقتضى ( بالفتح ) والشك في بقاء ذاك المتيقن وان كان منشؤه الشك في الرافع في الاستصحاب.

الثاني : انّ المناط في الحكم الاستصحابي هو مجرد الثبوت والتحقق سابقا ، فلا بدّ أن يكون موضوع حكمه هو البقاء والمضي على طبق الحالة السابقة ؛ والمناط في القاعدة هو اليقين بالمقتضي للتأثير في حال الشك في المانع ، ولا

__________________

(١) في الاصل المخطوط ( آنفا ).

٣٧٨

يكتفى فيه باليقين بثبوته سابقا ، كما لا اعتبار فيها بتحقق الأثر خارجا بل المدار في الحكم بترتب الأثر نفس تحقق المقتضي مع عدم الاعتناء بالمانع وامّا وجود الأثر سابقا لو كان فلا دخل له في الحكم كما لو كان الشك في المانع المقارن لوجود المقتضي ابتداء.

فمن هنا ظهر : انّ النسبة بين القاعدة والاستصحاب ـ بحسب المورد ـ عموم من وجه لاجتماعهما في مورد الشك في المانع اللاحق كافتراقهما في الشك في المقتضي والشك في المانع المقارن.

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم : انّ قوله عليه‌السلام : « لا تنقض اليقين بالشك » لمّا سيق على نحو الكبرى بنحو الاستدلال عليه للحكم يظهر منه انّ له ظهور عرفي مسلّم يلقى إليه بنحو التسلّم ، هذا. مضافا إلى تكرر القضية وانطباقها في الروايات العديدة على الصغريات المختلفة مع كون المخاطب شخصا واحدا ، فانّه مع ذلك يستكشف انّ للقضية ظهور وحداني في معنى واحد ينطبق على الصغريات العديدة بذاك الاعتبار لا انّ في كل مورد لها ظهور على حدة تابع للصغرى فيه ، ومن المعلوم انّ معنى القضية عرفا عند الاطلاق ـ خصوصا بضميمة مقدمات الحكمة ـ هو وحدة المتعلق في الشك واليقين وهو المناسب [ لارتكاز العقلاء ] (١) حيث انّ المرتكز عندهم هو انّ ما ثبت يدوم.

ولا ينافي ذلك مع ما قلنا من انكار كون الاستصحاب من باب بناء العقلاء لأنّ المساعدة على ارتكاز البقاء ـ والميل إليه الموجب لانصراف ذهنه من اللفظ إليه ـ غير العمل عليه بدون دليل من الشرع عليه ، هذا.

مع ما في لفظ « النقض » ـ لأجل دلالته على الابرام في المنقوض غير

__________________

(١) في الاصل المخطوط ( للارتكاز العقلائية ).

٣٧٩

الحاصل إلاّ من لحاظ تحقق الوجود فيه ـ من الإشعار على الاستصحاب دون القاعدة لما عرفت من لحاظ بقاء الوجود المتحقّق فيه دونها لكون المناط فيها هو الحكم بالبناء على الوجود في حال الشك مع قطع النظر عن الوجود السابق ، ولو كان هذا كله مع قطع النظر عن الصغرى.

وامّا بملاحظتها فيمكن أن يكون مفادها ذلك أيضا لأنّ قوله عليه‌السلام : « فانّه على يقين من وضوئه » محتاج إلى الشك ، لعدم تمامية الصغرى بدونه ولا يخفى انّ اطلاق قضية الصغرى ـ ولو (١) بضميمة كون الاهتمام في السؤال كما يظهر من قوله : « أيوجب الخفقة الخ » الشك في بقاء الطهارة من جهة اشتراط الصلاة بها ـ ظاهر في الشك في نفس الطهارة المتيقنة وإنّما ذكر الشك في النوم بيانا لمنشا الشك. ويؤيده ظهور قوله عليه‌السلام في الصحيحة الآتية : « لأنك كنت على يقين من الطهارة فشككت فيها » (٢) كما انّ الوضوء في قوله : « الرجل ينام وهو على وضوء » هو الطهارة لا نفس العمل الخارجي المقتضي لها كما لا يخفى.

والحاصل : انّ الصغرى أيضا كانت ظاهرة في الوحدة المعتبرة في الاستصحاب ؛ وعلى تقدير الاحتمال فظهور الكبرى فيها بحالها.

ويؤيده قوله : « ولكن ينقضه بيقين آخر » حيث انّ الظاهر من لفظ « آخر » تعلق اليقين الناقض بعين ما تعلق به اليقين الأول فيستظهر منه انّ المحكوم بعدم كونه ناقضا هو الشك بين اليقينين المتعلق بمتعلقهما لا بغيره.

إذا عرفت عدم دلالة الصحيحة على قاعدة المقتضي ، فالظاهر عدم اختصاصها بخصوص باب الوضوء صغرى وكبرى.

امّا الكبرى : فلوجوه :

__________________

(١) جملة معترضة طويلة.

(٢) وسائل الشيعة ٢ : ١٠٦١ الباب ٤١ من ابواب النجاسات ، الحديث ١.

٣٨٠