تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ٢

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 978-600-5213-31-7
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٦٣٨
الجزء ١ الجزء ٢

فبالنسبة إلى الشبهة الموضوعية مما لا اشكال فيه ، لاطلاق أدلتها بدون مقيد لها من اجماع ونحوه.

وامّا بالنسبة إلى الشبهة الحكمية :

فبالنسبة إلى أدلتها العقلية : من قبح العقاب بلا بيان في البراءة وقبح الترجيح بلا مرجّح في التخيير فلا اشكال في عدم جريانها قبل الفحص ، لعدم استقلال العقل بقبح العقاب على التكليف المشكوك قبل الفحص لا في الشكّ في أصل التكليف الالزامي كما في مورد البراءة ولا في دوران الأمر بين المحذورين كما في مورد التخيير. ومجرد عدم استقلاله بذلك واحتماله العقاب يكون كافيا في الحجة على التكليف المشكوك ؛ وقد مرّ انّ المراد من الحجة هو ما يصح معه العقوبة على التكليف ، غاية الأمر يكون المحذور في ترك الفحص هو العقاب فيما لو تفحص لظفر بالواقع ؛ ومحذور التجري فيما لم يصل إليه ولو بعد الفحص.

وأمّا بالنسبة إلى أدلتها النقلية : فالظاهر اطلاق أدلة البراءة فيها كما في الشبهة الموضوعية ، ولا تكون مقيدة بحكم العقل على حسن العقاب قبل الفحص لكونه على نحو التعليق بعدم الترخيص الشرعي ، وتكون الأدلة الدالة على الترخيص واردة عليه ولكن تكون مقيدة بما بعد الفحص بوجوه :

الأول : الاجماع القطعي على عدم جواز اجراء البراءة قبل استفراغ الوسع من الأدلة لو لم يناقش فيه باحتمال استناد بعض من يتقوم به الاجماع إلى حكم العقل بعد تطرّق العقل في المسألة وان لم تكن عقلية صرفة ، الاّ ان يعتمد على دعوى الاجماع القطعي من الشيخ قدس‌سره في الفرائد (١) فان دعواه منه مع التفاته الى

__________________

(١) فرائد الاصول ٢ : ٤١٢.

٣٢١

ما يخلّ بالاجماع يطمئن منه بعدم اعتماد المجمعين الى طريق العقل.

الثاني : أدلة الاحتياط بعد الجمع بينها وبين أدلة البراءة بحملها على ما قبل الفحص فيما يتمكن منه وحمل أدلة البراءة على ما بعده ، هذا لو لم يناقش في أدلة الاحتياط أيضا بحملها على الارشاد أو على زمان الانفتاح والتمكن من السؤال عن الامام عليه‌السلام كما في بعض أخباره.

الثالث : الأدلة الدالة على وجوب تحصيل العلم والسؤال ، مثل آيتي النفر للتفقّه وسؤال أهل الذكر والأخبار الدالة على وجوب تحصيل العلم ومؤاخذة الجهّال والذم والتوبيخ بفعل المعاصي المجهولة المستلزم لوجوب تحصيل العلم ، لحكم العقل بوجوب التحرّز عن مضرة العقاب ، مثل قوله عليه‌السلام لمن أطال الجلوس في بيت الخلاء لاستماع الغناء : « ما كان أسوأ حالك لو متّ على هذه الحالة » (١) ثم أمره بالتوبة وغسلها ، وما ورد (٢) في تفسير قوله تعالى : ( فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) (٣) من انّه : « يقال للعبد يوم القيامة هل علمت؟ فان قال نعم فقيل له فهلاّ عملت وان قال لا فقيل له فهلاّ تعلّمت حتى تعمل » (٤) إلى غير ذلك من الأخبار.

والانصاف تمامية دلالتها على وجوب الفحص بعد ما سيجيء من كون وجوب تحصيل العلم شرطية للتكاليف لا نفسية ، فيكفي في تقييد أخبار البراءة وان

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ : ٩٥٧ الباب ١٨ من ابواب الاغسال المسنونة ، الحديث ١.

(٢) أمالي المفيد : ٢٢٨ آخر المجلس السادس والعشرين ؛ أمالي الطوسي ١ : ٩ المجلس الاول ؛ تفسير الصافي ٢ : ١٦٩ ذيل آية ١٤٩ من سورة الانعام ؛ بحار الانوار ١ : ١٧٧ الحديث ٥٨.

(٣) سورة الانعام : ١٤٩.

(٤) هذه الرواية وردت هكذا : « ... انّ الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : أكنت عالما؟ فان قال : نعم ، قال له : أفلا عملت بما علمت؟ وان قال : كنت جاهلا ، قال له : أفلا تعلمت حتى تعمل؟ فيخصمه ، وذلك الحجة البالغة ». بحار الانوار ١ : ١٧٧ الحديث ٥٨.

٣٢٢

لم يتمّ الاجماع وأخبار الاحتياط.

الرابع : العلم الاجمالي لكل أحد قبل الأخذ في استعلام المسائل بوجود واجبات ومحرمات كثيرة في الشريعة ومعه لا يصح التمسك بالبراءة ، لكون الشك حينئذ في المكلف به ولا بدّ من كونه في التكليف.

وقد اورد عليه : بأنّه يقتضي عدم جواز الرجوع إلى البراءة في أول الأمر ولو بعد الفحص ، لبقاء العلم الاجمالي ، وإلاّ لم يوجب التوقف من أول الأمر. وقيل في الجواب : بأنّ المعلوم اجمالا وجود التكاليف في الوقائع التي يقدر المكلف عن الوصول إلى مداركها بحيث لو تفحص عنها لظفر بها وبعد الفحص واليأس يعلم بخروج مورده عن أطراف العلم من أول الأمر.

ولكنه يرد على تقرير العلم الاجمالي : مضافا إلى لزوم دعواه بأحكام فعلية منجّزة بحيث كانت منافية مع اجراء البراءة ولا يكفي مجرد دعواه على أحكام واقعية ، وأنّى للمدّعي بذلك ؛ بأنّ مقتضاه عدم لزوم الفحص في المسائل التي يبتلي بها المكلف بعد الظفر بمقدار المعلوم بالاجمال من التكاليف من الاجماعيات والقطعيات والمظنونات التي اطلع عليها اتفاقا أو بالفحص ولكن مع عدمه في تلك المسائل ، والحال انّ من صرح بوجوب الفحص صرح بوجوبه في الجميع حتى في الموارد المذكورة ، فالمقيد هو الاجماع والأخبار الدالة على توبيخ الجاهل ووجوب تحصيل العلم بعد ظهورها في الوجوب الشرطي.

هذا كله في وجوب الفحص.

وامّا مقداره : فيختلف بحسب اختلاف الأدلة على وجوبه.

فبناء على التمسك بحكم العقل بلزوم الفحص من جهة احتمال العقاب فلا بدّ منه حتى يحصل الأمن منه ؛ ولكنه يكفي فيه الفحص بمقدار المتعارف

٣٢٣

بالتجسس في مظان وجود المدرك ولا يلزم تحصيل العلم بعدمه بالتجسس عن كل ما احتمل وجوده فيه ولو ضعيفا مثل التفحّص لمسائل الصلاة في باب الديات مثلا.

وكذا لو كان المدرك هو الاجماع ، لعدمه بعد ذلك المقدار.

وامّا لو كان هو الاخبار الدالة على توبيخ الجاهل مثل قوله : « هلاّ تعلّمت حتى تعمل » فيحتمل أن يكون اشارة إلى ما هو المركوز عند العقل من تحصيل العلم بقدر المتعارف فيطابق حكم العقل ؛ ويحتمل أن يكون اشارة إلى ما هو الواجب تحصيله شرعا بالأدلة الدالة عليه مثل طلب العلم فريضة ونحوها.

والظاهر اطلاقها بقدر الامكان فيجب كذلك ، غاية الأمر تكون مقيدة بأدلّة العسر والحرج وقاعدة نفي الضرر بمقدار لا يلزم منه العسر والحرج وامّا إذا لزم منه ذلك فلا يجب.

وامّا إذا كان المدرك هو العلم الاجمالي فيجب الفحص حتى يرتفع العلم الاجمالي.

بقي الكلام في حكم أخذ الجاهل بالتكليف بالبراءة قبل الفحص مع لزومه تارة : في استحقاقه العقاب ، واخرى : في صحة عمله.

امّا الأول : فهو في الحقيقة راجع إلى المسائل الكلامية ، ففي ثبوته مطلقا أو في صورة مخالفة البراءة للواقع مطلقا أو فيما لو تفحص عن الواقع لظفر به ، وجوه.

المحقّق ثبوته في صورة مخالفة الواقع فيما كان يصل إليه على تقدير الفحص ، ولكن في كونه على نفس مخالفة الواقع أو على ترك الفحص؟ المشهور :

٣٢٤

خلافا لصاحب المدارك (١) تبعا لشيخه الأردبيلي (٢) على الأول وهو الأقوى.

ولكن مخالفة الواقع يتصور على وجوه :

الأول : أن تقع المخالفة مع فعلية الأمر مستجمعا لجميع شرائطه حتى الوقت ، غير انّ المكلف كان جاهلا ببعض اجزاء المأمور به وشرائطه أو بنفس التكليف ولكنه كان ملتفتا وقادرا على رفع جهله وتاركا للتفحص والسؤال مع ذاك الالتفات أو الشك إلى أن خرج الوقت أو عجز عن المأمور به أو عن تحصيل العلم فحصلت المخالفة به ، فتكون المخالفة في هذا القسم بسوء اختياره ملتفتا إلى التكليف إلى آخر الوقت.

ولا اشكال في استحقاق العقاب على مخالفة الواقع حينئذ :

لا عقلا ، لعدم كونه عقابا عليه بلا بيان بل مع البيان والبرهان وهو حكم العقل بحسنه على الواقع على تقدير ثبوته في هذه الصورة ، وعدم كون الجهل مع التمكن عن رفعه عذرا كما هو واضح ؛ وقد عرفت انّ المراد من البيان ليس هو الإبلاغ من الشارع بل الحجة على صحة العقوبة ، ونعمت الحجة حكم العقل بلزوم دفع احتمال العقاب باحتمال التكليف.

ولا نقلا ، لكون الأخبار الدالة على وجوب تحصيل العلم والتوبيخ على الجاهل ظاهرة في كون العقاب على ترك الواقع وكون وجوب العلم غيريا لا نفسيا كما هو واضح فراجع.

الثاني : الصورة بحالها من الالتفات إلى التكليف في أول الوقت مع التمكن

__________________

(١) مدارك الاحكام ٢ : ٣٤٥ و ٣ : ٢١٩.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ١١٠.

٣٢٥

من رفع الجهل ولكن مع حصول الغفلة في آخر الوقت فيسقط الأمر حين الغفلة ، لقبح توجهه إلى الغافل ، دون العقاب ، فيستشكل بلزوم ترتب العقاب بترك الفعل في آخر الوقت مع عدم الأمر ؛ فمن هنا التجأ صاحب المدارك إلى كون العقاب على ترك التعلم.

ولكنه يدفع : بأنّ العقاب من جهة اسقاط الأمر المنجّز في أول الوقت بالعصيان بامتناع المأمور به على نفسه بترك التعلم مع قدرته عليه ، فحيث انّه صار التكليف منجزا عليه في أول الوقت وصار بنفسه سببا للسقوط يستقل العقل باستحقاق العقاب وهذا كالقاء نفسه عن شاهق في الدار الغصبي مع عدم قدرته على تركه بعد الالقاء بعد القدرة عليه قبله ، وكترك المستطيع السير إلى الحج مع القافلة الأخيرة مع امتناعه بعده فانّه لا اشكال في حكم العقل بكفاية تنجز الأمر في زمان لاستحقاق العقوبة على مخالفته وان سقط بعد ذلك فيما إذا كان السقوط باختياره ؛ فلا وجه لالتجاء مثل صاحب المدارك إلى القول بكون استحقاق العقوبة من جهة ترك التعلم ، إلاّ أن يوجّه كلامه بأنّ استحقاق العقوبة بترك الواقع إنّما هو حين ترك التعلم لحصول العصيان في هذا الوقت فلا وجه لانتظار مضي الوقت بتمامه ، ولا وجه أيضا للقول ببقاء الأمر بعد الغفلة لا انّ مراده انّ العقاب بنفس ترك التعلم.

الثالث : أن يكون الالتفات إلى التكليف والقدرة على التعلّم عليه قبل الوقت مع حصول الغفلة من أوله إلى آخره ، وحيث انّه ما صار الأمر في هذه الصورة منجّزا لا قبل الوقت كما هو واضح ولا بعده لحصول الغفلة فلا وجه على القاعدة لاستحقاق العقوبة على المخالفة ؛ إلاّ انّ المشهور بل ادّعي الاجماع عليه استحقاق العقوبة في هذه الصورة أيضا.

٣٢٦

فلا بدّ من المصير إلى أحد وجوه ثلاثة :

الأول : القول بكون تلك الواجبات بالنسبة إلى الوقت معلقة بأن يكون الوقت قيدا للمأمور به لا للأمر فيكون الوجوب قبله فيستمر بالنسبة إلى المقدمات التي يتمكن من تحصيلها قبل الوقت مع العلم بعدم التمكن منها بعده ، فانّه بحسب تحصيل هذه المقدمات حينئذ فيما لم يكن وجودها الاتفاقي قيدا للمأمور به كالاستطاعة بل كان وجودها على نحو الاطلاق ـ ولو كان بتحصيل المكلف ـ مأخوذا في المأمور به كالطهارة المائية بالنسبة إلى الصلاة مثلا ومن جملتها التعلم ، لكون الواجبات بالنسبة إليه كما يظهر من المشهور واجبا مطلقا ولو قبل الوقت وان كانت بالنسبة إلى سائر المقدمات واجبا مشروطا بمعنى انّها أخذت في المأمور به بنحو لا يجب تحصيلها ، كأخذ المقدمات التي لا يتمكن المكلف من تحصيلها من الوقت ونحوه.

ولكنه لا يخفى انّه يسقط الأمر عن المكلف حين الغفلة عنه لقبح توجيهه إلى الغافل ، دون ما هو أثره من العقوبة والمبغوضية بسبب العصيان الحاصل بسوء الاختيار من ترك التعلم والتفحص عن الواجب حين الالتفات إليه والقدرة على تعلّمه كالملقي نفسه بالاختيار عن شاهق بالنسبة إلى الالقاء فانّه كان منهيّا عنه قبله وأمّا بعده فيسقط بنفسه دون أثره ، وكالمتوسط في الأرض المغصوبة بالنسبة إلى حال الخروج فانّه كان منهيّا عنه قبل الدخول لا بعده وان كان العقاب عليه باقيا حينئذ.

ثم انّ استحقاق العقاب على مخالفة الواقع عقلا إنّما يحصل بمجرد صيرورة المكلف سببا لامتناع الفعل على نفسه بتركه التعلّم وغفلته بعد ذلك بلا حالة منتظرة إلى زمان الفعل.

٣٢٧

ثم انّه لا يتوهم مما ذكره المشهور من فساد الصلاة في الدار الغصبي بالنسبة إلى الجاهل بالحكم والمتوسط فيها في سعة الوقت ولو في حال الخروج ، بقاء النهي الفعلي بالنسبة إليهما مع حصول الغفلة عن الحكم في الأول وعدم القدرة على التخلص عن الغصب بغير الخروج في الثاني ، لانه لو لا النهي الفعلي فلا وجه للحكم بفساد الصلاة كما في الجاهل بالموضوع والناسي له ، ولازم ذلك بقاء الأمر بالنسبة إلى الجاهل الغافل فيكون العقاب على مخالفة الأمر الفعلي لا على مخالفة الأمر الساقط بالغفلة.

لانّه يدفع : بأنّ وجه حكم المشهور بفساد الصلاة إنّما هو مبغوضيّة الفعل وكونه مبعدا للعبد عن ساحة المولى ، ولا بدّ مضافا إلى نية القربة في العبادة لا من كون الفعل صالحا للتقرب به إليه تعالى ، وما كان مبغوضا له فعلا ـ وان لم يكن فعلا منهيا عنه لعدم قدرة المكلف ولو باختياره ـ لا يصلح لذلك ، ولا ينحصر وجه الفساد في بقاء النهي حتى يستكشف من ذهابهم إلى الفساد بقاؤه ولو مع عدم القدرة الناشئة بسوء الاختيار مع كون القدرة على التكليف شرطا لتوجه الأمر عقلا مطلقا بحيث يقبح بدونه.

نعم ، لو لم يكن الفعل منهيا عنه فعلا ولا مبغوضا صدورا وان كان منهيا عنه شأنا لا مانع عن صحة العبادة حيث تكون جهة العبادة مع صدورها عن قصد التقرب محسّنة بلا مزاحم في البين ، لأنّ مزاحمة جهة النهي مع جهة الأمر إنّما يكون إذا كانت فعلية ومؤثرة في قبح صدورها من الفاعل لا ما إذا كانت شأنية وغير مؤثرة أصلا فانّه حينئذ يكون التأثير في جهة الأمر فقط مع قصد التقرب به ، كما بالنسبة إلى الناسي والجاهل بالموضوع إذا كان غير غاصب ؛ فالمناط في المزاحمة وعدمها هو كون جهة النهي فعلية في البغض وعدمها.

٣٢٨

وقد يشكل الأمر في حكم المشهور بصحة الصلاة بالنسبة إلى المتوسط في حال الخروج في ضيق الوقت مع كونه مبغوضا منه ومعاقبا عليه بالنهي الفعلي السابق عن مطلق الغصب ولو عن الكون الخروجي مع سقوطه بعد الدخول لكونه أقل المحذورين منه ومن البقاء في الغصب.

ولكنه يدفع :

تارة : بكون الخروج من جهة كونه معنونا بعنوان التخلص عن الغصب حسنا وغير منهي عنه أزلا وأبدا.

وفيه : انّه لا يخرج عن كونه تصرّفا في الغصب ومقدورا على تركه قبل الدخول بتركه ، فيكون مبغوضا وان كان النهي ساقطا من جهة كونه أقل المحذورين.

واخرى : بمنع كون الصلاة في تلك الحالة إلاّ النية والأقوال ، فيكون الكون الخروجي خارجا عن الصلاة ، إلى غير ذلك من الأجوبة.

ولكن التحقيق : بعد فرض الاجماع على الصحة انّ المصلحة الصلاتية في تلك الحالة تكون مزاحمة مع المفسدة الغصبية فتكون الصلاة حينئذ بعد الكسر والانكسار محبوبة والكون في تلك الحال غير مبغوض عليه فلذلك تكون الصلاة صحيحة.

الثاني : أن يلتزم بأنّ المستفاد من الأدلة كون التفحص وتعلم التكاليف واجبا نفسيا وان كانت المصلحة في ايجابه تهيؤ المكلف نفسه بسبب التعلم لأن يدخل في دائرة التكليف فلا يفوته مصالح التكاليف الواجبة ولا يقع في مفاسد المحرمات فيكون وجوب التعلم نفسيا وتهيئيا وان كان ناشئا عن المصالح في غيره من التكاليف.

٣٢٩

وبعبارة اخرى : يكون واجبا للمصلحة في غيره لا لوجوب غيره ، فيفترق عن الوجوب الغيري المقدمي في المقدمة ، لكون وجوبها ناشئا عن وجوب ذي المقدمة فلا يكون واجبا قبل وجوبه ، وفيما نحن فيه كان التعلم واجبا قبل التكاليف المشروطة. نعم لو حصل شرطها وصارت مطلقة يكون التعلم مقدمة وجودية بالنسبة إليها فيكون واجبا غيريا حينئذ ويسقط وجوبه النفسي حينئذ ، لحصول الغرض منه وهو التهيؤ للتكليف ولو من غير هذه الجهة بالتفات وعلم اجمالي ونحوهما ، نظير مطلق الواجبات التوصلية فانّها بعد حصول الغرض منها يسقط وجوبها كما هو واضح.

إذا عرفت ذلك فاعلم : انّ العقاب على ترك الواجبات بترك التعلم يكون واحدا دائما ، غاية الأمر يكون ذاك العقاب بنفس ترك التعلم فيما لم يحصل شرط الوجوب وبقيت التكاليف في الاشتراط حتى فات وقتها بسبب ترك التعلم والتهيؤ بسوء الاختيار ؛ وبترك نفس الواجبات فيما صارت مطلقة بحصول شرطها والتهيؤ لها بغير جهة التعلم ، ولا يكون حينئذ على ترك التعلم ، لكونه واجبا غيريا مقدميا ولا عقاب على ترك المقدمات وان كان ترك ذيها مستندا إلى تركها.

فلا يتوهم ، بناء على ما ذكرنا من كون التعلم واجبا نفسيا : تعدد العقاب في ترك الواجبات المطلقة بالنسبة إلى الجاهل ، الأخذ بالبراءة قبل الفحص.

ثم انّه لا اشكال فيما ذكرنا إلاّ ما يدعى من كون الأخبار ظاهرة في كون التعلّم واجبا غيريا وانّ العقاب على ترك نفس التكاليف.

ولكنه لا يخفى انّ الأخبار وان كانت ظاهرة في انّ وجوب التعلم من جهة التكاليف ولمصالحها إلاّ انّه أعم من أن يكون للوجوب الناشئ من ايجابها ، فيكون واجبا غيريا ومقدميا كما عليه المشهور وان يكون واجبا لمصلحة في غيره

٣٣٠

ولحصول التهيؤ لغيره وان لم يكن الغير واجبا فعليا بل مشروطا قبل شرطه كما ذكرنا.

ودلالتها على ترتب العقاب حين مخالفة التكاليف ـ بسبب الجهل بها ـ أعم من أن يكون على ترك التهيؤ لها أو على تركها بنفسها.

نعم ، قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيمن غسل مجدورا اصابته جنابة فكزّ فمات : « قتلوه قتلهم الله ، ألاّ سألوا ألاّ يمّموه » (١) ظاهر في المذمة والعقاب على نفس الفعل لا على ترك التعلم إلاّ أنّه من جهة كون الفعل في مثله وهو الغسل حراما فعليا لكونه عصيانا للواجب المطلق المنجز وهو انقاذ النفس وحفظها عن المهالك ، فلا دلالة في انّ العقاب في غيره أيضا كذلك.

الثالث : أن يلتزم بترتب العقاب على ترك نفس التكاليف وان كانت مشروطة فيما كان التفويت من قبل العبد فيما يعلم بتكاليف للمولى مشروطة بشروط يتمكّن من تحصيلها مع العلم بفوتها فانّ العقل يحكم حينئذ باستحقاق العقاب على تفويت المصالح الملزمة ولو بتفويت ما يوجب التهيؤ للتكليف بها وهو التعلم ، فتدبر.

هذا كله في استحقاق العقاب في صورة مخالفة الواقع فيما لو تفحص عنه لظفر بها.

وامّا فيما كان الحكم الواقعي لم يظفر بها واقعا ولو بعد الفحص ، ففي استحقاق العقاب على مخالفته؟ أو على التجري؟ وجهان.

__________________

(١) هذه العبارة ملفقة من روايتين : الاولى عن ابي عبد الله (ع) : « ... فقال : قتلوه ، الاّ سألوا؟ ألاّ يمّموه؟ انّ شفاء العيّ السؤال » ؛ والثانية في نفس الباب عن النبي (ص) : « ... قتلوه قتلهم الله انما كان دواء العيّ السؤال ». وسائل الشيعة ٢ : ٩٦٧ الباب ٥ من ابواب التيمم ، الحديث ١ و ٦.

٣٣١

ولكنه لا يبعد القول بترتب العقاب على مخالفة الواقع ، لكون حكم العقل بالاحتياط قبل الفحص ـ مع (١) التمكن من الوصول إليه ولو بالاحتياط وعدم جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان ولا الأدلة النقلية على البراءة لتقيدها بالاجماع على ما بعد الفحص ـ حجة وبرهانا على الواقع ، وقد مرّ المراد من البيان بالنسبة إلى الواقع وهو ما يصح معه المؤاخذة على مخالفته.

هذا كله في عقاب الجاهل قبل الفحص.

وأمّا الكلام في صحة عمله بعد الالتفات وتعلم التكاليف الواقعية عن اجتهاد أو عن تقليد صحيح فالتحقيق : أن يقال : انّه على وجوه ثلاثة :

الأول : أن يعلم أو يؤدي الطريق المعتبر بصحة عمله ومطابقته للواقع ، فالظاهر الصحة والإجزاء بالنسبة إلى الواقع عبادة كان أو معاملة.

أمّا المعاملة : فواضح.

وامّا العبادة : فلاشتمال المأتي به على جميع ما يعتبر في العبادة من قصد القربة وغيره حتى قصد الوجه وتميز المأمور به عن غيره فيما دار أمره بين الأقل والأكثر ، لكون الجزء المشكوك مثلا جزء طبيعة أو جزء فرد ؛ وعلى كل حال لا يضر بكون الوجود المأتي به وجود الطبيعة ، لما قرر في محله من عينية الفرد مع الطبيعة وجودا.

وامّا احتمال اعتبار تميز الاجزاء الواجبة عن الاجزاء المستحبة ، فسخيف إلى النهاية.

نعم ، فيما دار الأمر بين المتباينين فربما يقال : بعدم الصحة :

__________________

(١) جملة معترضة طويلة.

٣٣٢

امّا للاخلال بقصد الوجه في المأمور به ، ولكنه مدفوع : بتأتّيه من المكلف بتحققه باتيان الفعلين بقصد امتثال الأمر الحاصل بأحدهما.

وامّا لاعتبار التميّز ، ولكنه مدفوع أيضا : بعدم اعتباره ، لعدم دليل عليه بل يقطع بعدمه لأنّه وان كان من الشرائط العقلية التي كان الحاكم بها العقل ـ ولو مع الشك في اعتباره في مقام الامتثال لا الشرع إلاّ ارشادا ـ إلاّ أنّه لمّا كان مما يغفل عنه الغالب وليس مما يشك في اعتباره إلاّ النادر نادرا فلو كان له دخل في حصول الغرض لكان على الشارع البيان وإلاّ لزم نقض الغرض في ترك البيان بالنسبة إلى الغالب فيستكشف من عدم البيان عدم الدخل كما لا يخفى.

وامّا لتوهم كون الامتثال بالتكرار لعبا بأمر المولى فلا يتحقق به الامتثال.

وفيه : انّه مضافا إلى عدم اللعب فيه إذا كان بداع عقلائي ؛ انّه على فرض التسليم يكون اللعب في اختيار هذا النحو من كيفية الاطاعة لا في أصل أمر المولى إلاّ إذا جعل ملعبة بخصوصه ، وليس كذلك فيما نحن فيه ، مع انّه على فرضه لا اختصاص بخصوص ما نحن فيه.

الثاني : أن يكون الحكم العملي بعد الاجتهاد أو التقليد الصحيح على طبق البراءة كالعمل التالي لليأس عن الظفر بالواقع ، ففي لزوم الاعادة ، أو القضاء من جهة تنجز الواقع بلزوم الاحتياط وعدم البراءة قبل الفحص وعدمه من جهة مطابقته للاجتهاد ، وجهان.

التحقيق : انّه بالنسبة إلى لزوم التعجيل في الوقت أو بالنسبة إلى تفويت أصل الوقت غير معذور من جهة العقوبة ، وامّا بالنسبة إلى أصل الاعادة أو القضاء فتجري البراءة ، للشك في صدق الفوت المنوط به القضاء.

الثالث : أن يعلم أو يقوم دليل معتبر على فساد العمل المأتي به حال الجهل ،

٣٣٣

فالقاعدة تقتضي الفساد وعدم الاجزاء في المعاملة والعبادة ولزوم الاعادة على المكلف في الوقت بدليل أصل الواجب لعدم اتيان المأمور به ، وكذا القضاء لو قلنا بكونه بالأمر الأول ؛ وبناء على كونه بأمر جديد فبالنسبة إلى الملتفت في الوقت ولو في بعضه فلا اشكال أيضا ، وبالنسبة إلى الغافل في مجموعه فيبتني على كون المراد من الفوت في دليل القضاء فوت الفريضة الواقعية كما هو الظاهر فيلزم عليه القضاء أو الفريضة المنجزة المتوجه أمره فعلا إلى المكلف فلا ، لكونه غافلا رأسا فيما توجه إليه الأمر ؛ هذا لو لم تقم قاعدة ثانوية تقتضي الصحة في بعض المركبات مثل : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة » (١) بناء على عدم اختصاصه بحال السهو والنسيان وكونه شاملا للجاهل المقصر بل العالم العامد وان كان خارجا بالاجماع.

ثم انّه إذا عرفت كون القاعدة في مثل هذه الصورة الفساد فيقع الاشكال في الجاهل المقصر في مسألة الجهر والاخفات والقصر والاتمام بناء على ما هو المشهور من الحكم بصحة القصر في موضع الاتمام والجهر في موضع الاخفات وبالعكس ، وتقريبه حينئذ : انّه لا يخلو الأمر :

فامّا أن يقال : بانقلاب الأمر عن الواقع إلى ما أتى به الجاهل ولو حال الجهل ، فيرد عليه : مضافا إلى التصويب ؛ انّه لا وجه للعقاب حينئذ.

وامّا أن يكون الأمر الفعلي بالنسبة إلى الواقع باقيا بحاله فلا وجه للحكم بصحّة ما أتى به من العمل.

وظاهر المشهور كونه موافقا للأمر كما هو ظاهر الخبر أيضا « تمّت

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ : ٦٨٣ الباب ١ من ابواب افعال الصلاة ، الحديث ١.

٣٣٤

صلاته » (١) وليس على الانسان في حال واحد إلاّ صلاة واحدة مع انّه على تقدير الصحة وضعا مع عدم الأمر به من جهة امكان اسقاط غير الواجب اياه ، فيقع الاشكال في الحكم بالعقاب وعدم الاعادة في صورة كشف الخلاف في الوقت حيث انّه ما صار سببا للتفويت فكيف يعاقب على مخالفة الواقع وان قيل به في خارج الوقت.

هذا كله ، مضافا إلى الاشكال في انفكاك الحكم الوضعي وهو الصحة عن الحكم التكليفي بحسب المعذورية.

والتحقيق في حل الاشكال بحذافيره أن يقال : انّ طبيعة صلاة القصر والاتمام للمسافر والجهر والاخفات للجاهل مثلا بحسب تعذر الجامع بين الصلاتين مشتملة على مقدار من المصلحة اللازمة الكافية في الأمر بكل واحد منهما تخييرا لو لا المانع ، ولكن خصوصية صلاة القصر للمسافر وصنف الاتمام للحاضر مشتمل على مقدار زائد من المصلحة لازم الاستيفاء أيضا بحيث لا تحصل تلك المصلحة الزائدة عن الاتمام في السفر وعن القصر في الحضر كما في المصلحة غير اللازمة الاستيفاء في الصلاة في المسجد بالنسبة إلى الصلاة في الحمّام والبيت بلا تفاوت بين كون تلك المصلحة الزائدة من جنس مصلحة الطبيعة من جهة مناسبة بينها وبين خصوصية الصنف موجبة لتأكّدها أو من غير جنسها بناء على الاختلاف في القلة.

ثم انّ المصلحة الزائدة كانت بحيث يمكن الاستيفاء بها إذا استوفيت مع الجامع وإلاّ فمع استيفائه لا مجال لاستيفائها بالاعادة كما كانت الزيادة غير اللازمة

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ : ٧٦٦ الباب ٢٦ من ابواب القراءة في الصلاة ، الحديث ١.

٣٣٥

في المسجد كذلك.

إذا عرفت ذلك ، فظهر المزاحمة بين صلاتي القصر والاتمام حيث انّه مع اتيان أحدهما لا يبقى مجال للآخر سواء كان هو المشتمل على الزيادة أو لا ، وإذا كانت بينهما مزاحمة كانت بينهما مضادة فيكون الأهم منهما وهو القصر للمسافر والاتمام للحاضر مأمورا به فقط ، ولكن لمّا كان التحقيق هو : عدم اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده كان غير الأهم باقيا على ما هو عليه من المصلحة وصالحا للتقرب به إليه تعالى من جهة محبوبيته الذاتية بناء على ما هو التحقيق في العبادات : من عدم احتياج الصحة فيها إلى الأمر ، فحينئذ إذا أتى المكلف بغير الأهم جهلا لا يبقى مجال لامتثال الأمر بالأهم ، فان كان عن قصور فلا يعاقب على فوت المصلحة الزائدة ، وان كان عن تقصير فيعاقب على تفويتها.

إذا عرفت ذلك فظهر دفع الاشكال بحذافيره : امّا صحة المأتي به غير المأمور به من القصر في موضع الاتمام والجهر في موضع الاخفات وبالعكس ، فلاشتماله على المصلحة الجامعة.

وامّا العقاب على ترك الواقع المأمور به ، فلتفويت ما هو المشتمل عليه من المصلحة الزائدة اللازمة الاستيفاء ولو انكشف الخلاف في الوقت ، لعدم امكان الاستيفاء بعد الاتيان بغير الأهم ، ولذلك ورد في الخبر : « تمّت صلاته ولا يعيد » (١) مع فتوى المشهور على العقاب على مخالفة الواقع.

وقد اجيب عن الاشكال :

تارة : بمنع تعلق التكليف فعلا بالواقعي المتروك والعقاب عليه امّا بانقلاب

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ : ٧٦٦ الباب ٢٦ من ابواب القراءة في الصلاة ، الحديث ١.

٣٣٦

التكليف الى المأتي به واقعا أو ظاهرا كما في الجاهل بالموضوع.

واخرى : بمنع تعلقه بالمأتي به بل كان باقيا بحاله مع التزام اسقاط غير الواجب اياه.

وثالثة : كما عن كشف الغطاء (١) وصاحب الحاشية (٢) واخيه المحقق (٣) ، بالتزام تعدد الأمر على نحو الترتب بأن يكون الامر بالاهم مطلقا غير معلق على شيء والأمر بغيره معلقا على العزم على معصية الامر بالأهم بناء على الشرط المتقدم أو على المعصية الواقعية الحاصلة فيما بعد بناء على الشرط المتأخر.

ولكنه يرد :

على الأول : بعدم كونه موافقا لما هو عليه المشهور ودافعا للاشكال بناء عليه كما لا يخفى.

وعلى الثاني : بأنّه لا وجه حينئذ لصحة المأتي به من العمل ؛ وعلى تقدير اسقاط غير الواجب إيّاه فيقع الكلام في وجهه والعقاب على ترك الواقع في صورة كشف الخلاف في الوقت.

وعلى الثالث : مضافا إلى مخالفته مع ما هو المتفق عليه بينهم من عدم التكليف في حال واحد بصلاتين ، وإلى بقاء الاشكال في استحقاق العقاب في صورة كشف الخلاف في الوقت ؛ باستلزامه الأمر بالضدين في حال واحد وعدم اجداء الترتب بنحو الشرط المتقدم أو المتأخر في دفعه ، لأنّه وان كان مجديا في لزوم الأمر بالضدين مع عدم العزم على معصية الأمر بالأهم والبناء على امتثاله إلاّ

__________________

(١) كشف الغطاء ١ : ١٧١ ؛ والطبعة الحجرية : ٢٧ البحث الثامن عشر السطر ٢٢ ـ ٢٣.

(٢) لم نعثر عليه.

(٣) الفصول الغروية : ٤٢٨ السطر ١ ـ ٦.

٣٣٧

أنّه لا يجدي في لزومه في حال العزم على معصيته ، إذ حينئذ يكون الأمر بالأهم باقيا على حاله لعدم سقوطه بمجرد العزم على المعصية مع بقاء وقته كما اعترف به القائل بالترتب ، ويتوجه الأمر بغيره أيضا لحصول شرطه وهو العزم حالا أو المعصية الواقعية فيما بعد.

وتوهم : عدم المحذور فيه إذا كان ناشئا من سوء اختيار المكلف بعزمه على المعصية ، مدفوع :

بقبح التكليف الفعلي من المولى بالمتضادين ، بل استحالته مطلقا ولو معلقا على فعل اختياري للمكلف ، وإلاّ فلو صح بالترتب لصح الأمر بهما ابتداء معلقا على فعل اختياري له بدون ترتب في البين.

وتوهم : انّ استحالته إنّما يكون إذا رجع إلى إرادة الأمر الجمع بين الضدين وهو مفقود في المقام بعد فرض خلوّ الوقت عن الأهم وعدم الاتيان به ، مدفوع :

بأنّه كيف لا يلزم ذلك مع عدم التجاوز عن الأمر بالأهمّ ولو مع العزم على معصيته ، والأمر بغيره كما لا يخفى.

وامّا ما يتراءى من ذلك من العقلاء فهو : امّا للتجاوز عن الأمر بالأهم ، وامّا للارشاد إلى محبوبية غيرهم أيضا فلعله يأتي به المكلف بعد عدم اتيانه بالأهمّ ليتدارك به مقدارا من المصلحة الفائتة من تركه ليوجب استحقاق العقاب المترتب على تركه.

هذا كله في لزوم الفحص قبل اجراء البراءة وأحكامه وجودا وعدما وقد اعتبر ... (١)

__________________

(١) هنا انقطعت العبارة في الاصل المخطوط وبقيت ناقصة.

٣٣٨

قاعدة لا ضرر

ثم انّ من القواعد المعروفة المسلّمة عندهم في الجملة قاعدة « نفي الضرر » ، وقد استدلوا عليها بأخبار كثيرة :

منها : ما اشتهر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله في قصة سمرة بن جندب ، وقد روي بألفاظ مختلفة ، ففي موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « انّ سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار وكان منزل الأنصاري بباب البستان وكان سمرة يمرّ إلى نخلته ولا يستأذن فكلّمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء فأبى سمرة فجاء الأنصاري إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فشكى إليه فأخبره بالخبر فأرسل إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخبره بقول الأنصاري وما شكاه وقال إذا أردت الدخول فاستأذن فأبى فلمّا أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن له ما شاء الله فأبى أن يبيعه فقال لك بها عذق في الجنة فأبى أن يقبل فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للأنصاري اذهب فاقلعها وارم بها إليه فانّه لا ضرر ولا ضرار ». (١)

وفي رواية الحذّاء عن أبي جعفر عليه‌السلام نحو ذلك إلاّ أنّه قال لسمرة بعد الامتناع : « ما أراك يا سمرة إلاّ مضارا اذهب يا فلان فاقلعها وارم بها وجهه » (٢) إلى غير ذلك من الروايات الواردة في حكاية سمرة.

ومنها : رواية عقبة بن خالد عن الصادق عليه‌السلام : « قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشفعة

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٤١ الباب ١٢ من ابواب احياء الموات ، الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٤٠ الباب ١٢ من ابواب احياء الموات ، الحديث ١.

٣٣٩

بين الشركاء في الأرضين والمساكن قال لا ضرر ولا ضرار ». (١)

ومنها : ما عن التذكرة (٢) ونهاية ابن الاثير (٣) مرسلا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ». (٤)

إلى غير ذلك من الروايات المشتركة ، مع ما ذكرنا في نفي الضرر في ضمن مضامين مختلفة ، كما ذكرت أكثرها في تقرير الشيخ قدس‌سره في القاعدة ، فراجع. (٥)

ولا بدّ من التكلم فيها في مقامات :

[ المقام ] الأول : في تصحيح سندها فنقول :

انّ الأخبار الواردة في هذا الباب وان لم يثبت كونها صحيحة باصطلاح المتأخرين إلاّ انّ كثرتها بحدّ الاستفاضة يوجب صحتها باصطلاح القدماء التي كانت عبارة عن كون الخبر موثوق الصدور ولو كان الوثوق بسبب أمر خارجي فضلا عمّا إذا كان حاصلا من كثرة الأخبار في باب واحد ، فيكفي هذا القدر في حجية أخبار القاعدة ويكون مغنيا عن تصحيح سندها ، هذا. مضافا إلى حكاية تواتر نفي الضرر عن فخر الدين (٦) فيكون نقله نقل تواتر في هذا الباب.

إلاّ أنّه لا بدّ أن يعلم : انّ مراده من التواتر ليس هو التواتر اللفظي ، لاختلاف

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣١٩ الباب ٥ من ابواب الشفعة ، الحديث ١ ؛ و ١٧ : ٣٤١ الباب ١٢ من ابواب احياء الموات ، الحديث ٥.

(٢) تذكرة الفقهاء ١١ : ٦٨ المسألة ٢٥٢.

(٣) النهاية في غريب الحديث والاثر ٣ : ٨١ باب الضاد مع الراء.

(٤) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٧٦ الباب ١ من ابواب موانع الارث ، الحديث ١٠ ؛ عوالي اللآلي ١ : ٢٢٠ الحديث ٩٣ و ١ : ٣٨٣ الحديث ١١. والحديث روته العامة وليس له طريق صحيح عندنا.

(٥) المكاسب الطبعة الحجرية : ٣٧٢ رسالة في قاعدة نفي الضرر السطر ٣ ـ ١٥ ، والطبعة الحديثة بعنوان « رسائل فقهية » طبع محققا في مجموع مؤلفات الشيخ بعنوان المجلد ٢٣ ، رسائل فقهية ٢٣ : ١٠٩ ـ ١١١.

(٦) ايضاح الفوائد ٢ : ٤٨.

٣٤٠