تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ٢

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 978-600-5213-31-7
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٦٣٨
الجزء ١ الجزء ٢

فان كان بأحد الطرفين على نحو التخيير فلا اشكال في رفعه مطلقا ، ضرورة منافاة الترخيص في كل من الطرفين تخييرا مع التكليف الالزامي البعثي إلى أحدهما المعين وان كان لا ينافيه انشاء.

وتوهم : ثبوت التكليف الالزامي بأحدهما على البدل بعد ذلك وهو لا ينافي الترخيص بأحدهما على البدل ، مدفوع :

بأنّ العلم الاجمالي بالمحرّم الواقعي مثل الخمر مثلا يوجب تنجز التكليف في نفس الخمر الواقعي لا غيره ، وهو مناف مع تعلق دائرة الترخيص ولو تخييرا بها أيضا كما لا يخفى.

ولا فرق في زوال أثر العلم الاجمالي في صورة الاضطرار ونحوه إلى أحدهما المخير بين كون الاضطرار قبل العلم أو بعده ، علم ابتداء بطروه بعد ذلك أو لا لما عرفت من المنافاة بين الحكمين الفعليين ولو كان أحدهما تخييريا.

فما في كلام الشيخ قدس‌سره في الفرائد (١) من التنجز في هذه الصورة مطلقا ولو كان الاضطرار قبل العلم بتحقق مناط تأثير العلم الاجمالي فيه وهو انّه لو تبدّل ذلك إلى العلم التفصيلي وتعلق ذلك بكل طرف يوجب التنجيز للزوم العمل به في هذه الصورة ورفع الاضطرار بالآخر ، ففيه :

انّ ذلك ليس كل الملاك في تأثير العلم الاجمالي ، بل هو مع عدم التكليف المنافي كما في العلم التفصيلي فانّ الترخيص الاضطراري فيه يتعلق بغير الحرام لا في صورة العلم الاجمالي لتعلقه من جهة عدم العلم به بكل من الطرفين تخييرا أو هو مناف للتكليف بالمعين ولو بعد ثبوته كما في الاضطرار الطاري فكيف قبل ثبوته كما في الاضطرار السابق. ولا فرق بين تعدد التكليف بتعدد الحالات وعدمه ،

__________________

(١) فرائد الاصول ٢ : ٢٤٥.

٢٨١

لانقطاعه حين الاضطرار إلى أحدهما مطلقا.

وامّا ان كان بأحدهما المعيّن :

فان كان قبل العلم الاجمالي بالتكليف بينه وبين الطرف الآخر فلا اشكال في عدم تأثيره ، لعدم العلم بتكليف فعلي من أجله كما هو واضح.

وان كان بعده ، فلا يخلو :

فامّا أن تكون الشبهة في أطراف العلم الاجمالي موضوعية ، كما لو علم بوجود خمر بين الإناءين.

أو حكمية ، كما لو علم بحرمة شرب النبيذ أو شرب العصير.

وعلى كل منهما :

فامّا أن يعلم من ابتداء العلم الاجمالي بما يضطر اليه من الطرفين بشخصه تفصيلا.

أو يعلم اجمالا بطروّ الاضطرار بعد ذلك بأحد الطرفين معينا بلا علم بشخصه ابتداء.

وعلى الثاني ، فالظاهر عدم وجوب الاجتناب عن غير المضطر إليه بعد طروّه ، بل المرجع فيه الرجوع إلى الأصل وان كان ساقطا قبل طروه من جهة العلم الاجمالي ؛ وبيانه يحتاج إلى مقدمتين :

احداهما : انّ عنوان الاختيار والاضطرار من العناوين الموجبة لتعدد التكليف ومن الحالات الباعثة لتقييده وانّ التكليف بالاجتناب عن المحرمات فيما لم تكن الطبيعة على نحو الاستمرار مطلوبا واحدا كترك الاكل مثلا في الصوم يتعدد بتعدد الآنات كشرب الخمر والنظر إلى الأجنبية ونحوهما.

وثانيتهما : انّ التكليف الواقعي لا يتنجز بنفسه ، بل يصير كذلك بواسطة تعلق العلم به وانّ العلم يوجب تنجز مقدار من التكليف الذي تعلق به لا أزيد

٢٨٢

من ذلك.

فإذا عرفت ذلك فيظهر : انّه لو علم مقارنا للعلم الاجمالي بطروّ الاضطرار بعد ذلك فلا علم إلاّ بالتكليف في حال الاختيار ، وامّا بالنسبة إلى تكليف حال الاضطرار فلا علم به من أول الأمر فيكون الشك بالنسبة إلى حال الاضطرار شكا في التكليف والفرض انّ التكليف متعدد بحسب الآنات والحالات ، فما علم من التكليف إنّما هو بالنسبة إلى حال الاختيار وامّا بالنسبة إلى حال الاضطرار فلا ، والعلم الاجمالي بالنسبة إلى الأول لا يجدي في التنجز بالنسبة إلى الثاني كما لا يجدي العلم بالتكليف في حال الحضر بالنسبة إلى التكليف في حال السفر ، والشك في حال السفر والاضطرار ليس في سقوط ما علم اشتغال الذمة به سابقا كي يرجع إلى قاعدة الاحتياط اللازم.

فان قلت : انّ الاضطرار إلى مورد التكليف يوجب رفعه كما في صورة الاضطرار إلى أحد الطرفين لا الاضطرار إلى غيره ، فحيث انّه لا علم في صورة طروّه إلى أحدهما المعيّن بطروّه إلى مورد التكليف فيكون الشك في سقوط ما علم به الاشتغال عن الذمة ، فيجب فيه الاحتياط.

قلت : انّ الاضطرار إلى المعين وان لم يوجب انقطاع التكليف ـ إلاّ ان يكون التكليف المعيّن في مورده واقعا ـ إلاّ انّ العلم ابتداء بطروّه في زمان يوجب عدم تعلق العلم بالتكليف الواقعي إلاّ إلى حال طروّه.

وبعبارة اخرى : انّ الاضطرار الطارئ وان لم يوجب تحديد مصدر التكليف الواقعي مطلقا إلاّ انّه يوجب تحديد دائرة العلم بما قبل طروّه ، وقد عرفت انّ التكليف الواقعي متعدد بحسب الآنات فيكون العلم موجبا لتنجز التكليف الثابت قبل الاضطرار لا الثابت بعده وحينئذ فيكون التكليف بعده مشكوكا بدويا رأسا بلا منجز ولو آناً ما ، فيرجع فيه إلى الاصول.

٢٨٣

فان قلت : انّ الاضطرار إلى المعين يوجب كون أحد طرفي العلم قصيرا والآخر طويلا فيكون غير المضطر إليه بطوله طرفا للعلم الاجمالي فيجب فيه الاحتياط ولو بعد طروّ الاضطرار إلى الآخر.

قلت : انّ المضطر إليه واقعا لما لم يكن معينا عند المكلف من أول الأمر ويحتمل انطباق الاضطرار إلى أي واحد منهما يلحظه فكل واحد منهما يكون طرفا عند المكلف إلى حد الاضطرار لا أزيد منه.

فان قلت : أيّ فرق بين طروّ الاضطرار إلى أحدهما وبين طروّ سائر ما يوجب زوال العلم الاجمالي من فقدان أحدهما ونحوه يوجب الاحتياط في الثاني دون الأول.

قلت : انّ التكليف في صورة الفقدان لا يكون محدودا ومشروطا واقعا ولا في كونه متعلقا للعلم ، بل العلم في تلك الصورة تعلق بالتكليف التحريمي مطلقا وبلا قيد غير انّه تعلق بالخمر مثلا لوضوح انّ الفقدان ليس من حدود التكليف وان كان لو صادف بموضوعه يوجب ارتفاعه قهرا ، فحيث انّ التكليف مطلق حتى في تعلق العلم به فلا بدّ من العلم باسقاطه عن الذمة إلاّ أن يعلم بسقوطه برفع موضوعه قهرا كما لو فقد الاناءان ، وامّا مع فقدان أحدهما فيكون الشك في سقوط عين ما تعلق به العلم من حرمة الخمر فتكون قاعدة الاشتغال محكّمة ؛ وهذا بخلاف الاضطرار فانّه من حدود أصل التكليف وان كان موضوعه باقيا في البين فمع طروّه إلى أحدهما يكون الشك في التكليف بدويا.

فمحصل الفرق بين صورة الفقدان والاضطرار : انّ الشك في الأول يكون في سقوط ما تعلق به العلم من حرمة الخمر ما دام الخمر في البين ، فما دام لم يعلم بفقدان الخمر فيجب فيه الاحتياط وفي الثاني يكون بدويا في تعلق التكليف غير ما علم اشتغال الذمة به وهو التكليف إلى ما قبل طروّ الاضطرار.

٢٨٤

ومن هنا ظهر الفرق :

بين جميع ما كان من طوارئ التكليف الموجب شرعا أو عقلا لتحديد فعلية التكليف أو تنجزه كالخروج عن محل الابتلاء مثلا.

وبين ما كان من الطوارئ كالفقدان موجبا لرفع الموضوع قطعا لو طرأ على كلا الطرفين وشكا على تقدير فقدان أحدهما ، ويكون الشك في فقدان الموضوع سببا للشك في سقوط الحكم الذي اشتغلت الذمة به ؛ ونحوه المخالفة الاحتمالية والموافقة الاحتمالية فانّهما يوجبان الشك في السقوط أيضا.

هذا كله لو كان المعين المضطر إليه واقعا مجهولا ابتداء.

وامّا لو كان معلوما من أول الأمر فالظاهر بقاء التنجز بالنسبة إلى الآخر حيث انّ غير المضطر إليه يكون بتكاليفه العديدة بحسب حالاته عدلا وطرفا للعلم الاجمالي فانّه تعلق :

امّا بحرمة المضطر إليه إلى حين الاضطرار.

وامّا بحرمة غيره إلى طول أمده وتعدد حكمه فيكون بمنزلة العلم الاجمالي بحرمة فرد في طرف أو حرمة افراد عرضية في طرف آخر فلا بدّ من الاحتياط ، غاية الأمر يكون تعدد الأحكام بحسب الحالات ـ فيما نحن فيه ـ بمنزلة الامور التدريجية الواقعة طرفا للأمر الحالي في وجوب الاحتياط.

ثم انّ ما ذكرنا في صورة العلم بطروّ الاضطرار بعد العلم الاجمالي يجري في صورة احتماله ابتداء بعد طروّه ، فانّه لو كان احتمال الاضطرار بالنسبة إلى أحدهما المردد فلا اشكال أيضا في رفع أثر العلم الاجمالي عن كلا الطرفين بعد طروه ؛ وان كان بالنسبة إلى أحدهما المعيّن : فان كان مجهولا عند المكلف فكذلك ، وان كان معينا ابتداء فالحكم هو الاحتياط في الآخر لعين ما مرّ في صورة العلم بطروّ الاضطرار. نعم لو علم بعدم طروّ مزيل ومناف للتكليف المعلوم بالاجمال أصلا ثم

٢٨٥

ظهر خلافه وطرأ المنافي فالحق هو الاحتياط عن الباقي في غير ما كان الاضطرار إلى أحدهما المردد.

ثم انّه ممّا ذكرنا من منافاة الاضطرار إلى أحدهما المردد أو المعيّن واقعا المجهول عند المكلف ابتداء مع الحكم بوجوب الاجتناب عن الخمر الواقعي بين الأطراف ظهر عدم جريان الاستصحاب الحكمي بالنسبة إلى الخمر الواقعي في كلتا الصورتين ، لمنافاة وجوب الاجتناب عن الخمر المعيّن ولو كان حكما ظاهريا مع الترخيص الناشئ من جهة الاضطرارين.

وتوضيح ذلك : ما إذا كان الاستصحاب الحكمي للخمر سابقا على الاضطرار من جهة طريان بعض ما يوجب الشك في رفع حكم الخمر غير الاضطرار فانّه يجري الاستصحاب ابتداء ولكن بعد طروّ الاضطرار يحكم بعدم بقاء الحكم الاستصحابي ، فكذا الحال لو كان الاستصحاب من جهة طروّ الاضطرار فانّه ينافي مع الترخيص مطلقا.

نعم لو كان الشك بعد ارتكاب المضطرّ إليه وفقدانه فلا يبعد استصحاب بقاء الموضوع ويكون لازمه بقاء الحكم بحيث لو كان باقيا لكان امتثاله عقلا منحصرا في الاجتناب عن الآخر الباقي بدون لزوم المثبت ، وامّا قبله فالموضوع متيقن التحقق ولا يتأتّى الحكم بوجوب الاجتناب فيه مطلقا مع الاضطرار إلى بعض الأطراف كما لا يخفى.

ثم انّك بعد ما عرفت انّ الخروج عن محل الابتلاء قبل العلم مانع عن حدوث التكليف والخروج بعده مانع عن بقاء التكليف في بعض الصور وانّه من جهة حكم العقل بعدم التكليف الفعلي بالنسبة إلى الخارج عن محل الابتلاء ، فاعلم :

انّ وجهه انّ ملاك تكليف العبد مولويا وبعثه إلى الفعل وزجره عنه بعد كون

٢٨٦

فعله المأمور به ذا مصلحة وفعله المنهي عنه ذا مفسدة ليس عقلا إلاّ احداث الداعي له إلى الفعل أو الترك لو لم يكن في نفسه ما يدعوه إليهما ، وبدون ذاك الغرض لا يتأتّى الأمر أو النهي المولويان لكونهما من الأفعال الاختيارية للمولى ولا يصدر الفعل الاختياري إلاّ لغرض يترتب عليه.

فمن هنا يظهر انّه لا يتمشى صدور النهي المولوي إلاّ إذا أمكن كونه داعيا إلى الترك ، وامّا لو لم يكن كذلك بل كان الفعل خارجا عن محل ابتلاء المكلف عادة بحيث لا يبتلى به إلاّ على خلاف العادة وقلنا بأنّ المطلوب بالنهي مجرد ان لا يفعل كما هو التحقيق فحينئذ يكون الفعل منتركا بنفسه بدون اختيار المكلف وحصول الداعي إليه ، ولا يكون نهي المولى داعيا له إلى الترك بل يكون زجره الفعلي عن الفعل لغوا وعبثا عقلا حيث انّ ملاك كون النهي داعيا إنّما يكون فيما أمكن للمكلف فعل المنهي عادة لا فيما لم يمكن ذلك ؛ وقبح مثل هذا التكليف الفعلي كحسنه فيما أمكن ذلك من الامور الوجدانية وليس من البرهانيات كي يثبت بالبرهان.

ولا ينتقض ما ذكرنا في الخروج عن محل الابتلاء من كون الملاك في الحكم المولوي احداث الداعي المنفي في المقام بما كان في نفس المكلف داعي نفساني يدعوه إلى الفعل أو الترك فان تأكد الداعي وتعدده واحداثه فيما كان داعي المكلف في معرض الانقطاع والزوال آناً فآنا ممّا يحسن عليه عند العقلاء لا في مثل الخروج عن الابتلاء بالنسبة إلى التكليف الفعلي إلاّ على وجه التعليق.

نعم لو علم المولى بعدم تخلف الداعي النفساني عن العبد إلى آخر الفعل لكان تكليفه الشخصي المتوجه إليه فعلا كالتكليف بالخارج عن الابتلاء لغوا ، لا النوعي المتوجه إلى النوع وان كان تعميمه إليه لا بدّ أن يكون لفائدة التأكيد أيضا.

ولا ينتقض أيضا بتكليف العصاة مع العلم بعدم حدوث الداعي لهم إلى

٢٨٧

الامتثال فانه يقال بانّ المراد من احداث الداعي اتمام الحجة والتحريك الشرعي فيما ينبغي وكان محلا فعلا للانبعاث والتحرك من المكلف كما فيما كان المكلف به محل الابتلاء ، لا انّ المراد كون الأمر علة تامة لانبعاث المكلف وتحركه وقصده للامتثال تكوينا ومثل هذه الصلاحية العقلية بمعنى انّه لو كان المكلف بصدد الامتثال فعلا لكان له قصد امتثال أمر مولاه ليس فيما كان المكلف به خارجا عن الابتلاء كما لا يخفى.

ثم انك بعد ما عرفت من كون قبح التكليف الفعلي بالنسبة إلى ما خرج عن محل الابتلاء إنّما هو بحكم العقل فاعلم انّه : ان حكم العقل في مورد بقبح التكليف الفعلي أو حسنه فلا اشكال ، وإلاّ ففي صورة التوقف (١) فلا بدّ من الرجوع إلى الاصول والقواعد في الموارد.

الأمر الثالث : انّ المناط في تأثير العلم الاجمالي في تنجز التكليف هو انّه كون التكليف المعلوم بالاجمال واجدا لشرائط الفعلية في أي طرف كان من الأطراف ، فمنه يعلم انّه لا فرق بين كون أطراف العلم امورا حالية وعرضية أو تدريجية وطولية بحسب الزمان لو كان الأمر الاستقبالي واجدا لشرائط التكليف الفعلي ولو بنحو الواجب المعلق وهو ان يكون التكليف الحالي متعلقا بأمر استقبالي كما لو علم بوجوب وطي امرأته في أول الشهر أو آخره بالنذر السابق أو علم بكون إحدى معاملاته الصادرة منه في أول الشهر أو آخره ربوية محرمة.

__________________

(١) امّا من جهة الشك في الخروج عن الابتلاء ، وامّا من جهة الشك في كون بعض مصاديق الخروج عن الابتلاء موجبا لقبح التكليف الفعلي فيرجع إلى البراءة ولا يصح الرجوع إلى إطلاق دليل الحكم لو كان لأنّه يصح الرجوع اليه فيما شك في اعتبار شيء في متعلق التكليف جزءا أو شرطا لا فيما شك في صحته بوجه التكليف من جهة الشك في فقدان بعض شرائطه. فما في كلام الشيخ ( فرائد الاصول ٢ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ) من الرجوع إلى الاطلاق في رفع الشك الناشئ من جهة الشك في الخروج عن الابتلاء ، لا وجه له. ( من المصنف قدس‌سره )

٢٨٨

وامّا إذا لم يكن الأمر الاستقبالي واجدا لشرائط الفعلية لو كان المعلوم بالاجمالي في طرفه قبل زمانه كما في الحيض في المضطربة بين أول الشهر أو وسطه أو آخره فانّ التكليف في غير الطرف الأول لم يكن فعليا في أول الشهر بناء على توجه التكليف إلى الحائض.

وبعبارة اخرى : بناء على أخذ الحيض عنوانا في طرف المكلف كما هو ظاهر الأدلة فانّ التكليف بناء عليه متوجه إلى الحائض والمضطربة العالمة اجمالا بكون بعض أيام شهرها حيضا شاكّة في توجه تكاليف الحيض في أول الشهر فتجري البراءة في حقها وبعد مجيء آخر الشهر تجري البراءة ايضا ، لكون بعض أطراف العلم حينئذ خارجا عن محل الابتلاء ؛ فمن هنا ظهر انّ جعل مثال الحيض المردد بين أول الشهر وآخره نظير المعاملة الربوية المرددة بينهما كما في الفرائد (١) لا وجه له.

هذا كله في الشبهة المحصورة.

وأمّا الشبهة غير المحصورة فيقع الكلام فيه في مقامين :

[ المقام ] الأول : في حكمه. والمشهور على عدم وجوب الاحتياط فيه وان قيل به في الشبهة المحصورة. وقد استدل عليه بوجوه :

الأول : الأخبار الدالة على البراءة.

وفيه : انّها على فرض شمولها لأطراف العلم الاجمالي لا فرق فيها بين المحصور وغيره ؛ وكذا لا فرق بينهما أيضا بناء على عدم الشمول وكون الغاية أعمّ من العلم التفصيلي والاجمالي ؛ كما انّه لا فرق بينهما لو قلنا بأنّها وان شملت أطراف العلم الاجمالي إلاّ انّه لا بدّ من رفع اليد عنها من جهة كون العلم الاجمالي

__________________

(١) فرائد الاصول ٢ : ٢٤٨.

٢٨٩

علة تامة عقلا للتنجز لعدم الفرق في تأثير العلم عقلا.

ومن هنا ظهر انّ الوجه عموم أدلة البراءة لأطرافه مطلقا ، وانّه يكون العلم الاجمالي مقتضيا للتنجز لا علة تامة له فلا يمنع عنها إلاّ إذا علم من الخارج كون المعلوم بالاجمال حكما بعثيا إراديا ، ومعه لا فرق بينهما في المنافاة العقلي بين الحكم البعثي بالنسبة إلى المعيّن والترخيص سواء كان في المحصور أو في غير المحصور كان في جميع الأطراف أو في بعضها.

الثاني : الاجماع على عدم وجوب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة.

وفيه : مع كون المسألة عقلية واقعة في تأثير العلم الاجمالي في التنجز عقلا وعدمه ، انّه يستكشف منه كون العلم الاجمالي مقتضيا لا علة تامة للتنجز وإلاّ فكيف يحصل الانفكاك بين اللازم والملزوم ، فيكون المرجع ما قلنا من الرجوع إلى أدلة البراءة بحسب عموم أدلتها.

الثالث : لزوم المشقة [ من ] (١) الاحتياط في الشبهة غير المحصورة ، فتنفيه أدلة العسر والحرج.

وفيه : مع كون الموارد مختلفة وعدم جريان العسر في جميعها ولو قلنا بكونه غالبية للزوم ملاحظة كل مورد بنفسه بعد ان لم يكن عنوان غير المحصور من الموضوعات الشرعية كي تلحظ الموارد بهذا العنوان ، ومع انتقاصه بالشبهة المحصورة التي كان الاحتياط فيها مستلزما للعسر في بعض الموارد واشتراطه بحصوله من جهة كثرة الأطراف لا غيره لا دليل عليه ، انّه على فرض التسليم خارج عن مفروض المسألة لكونها في الفرق بين المحصور وغيره من جهة خصوص كثرة الأطراف وقلتها بلا طروّ جهة اخرى في البين.

__________________

(١) في الاصل المخطوط ( عن ).

٢٩٠

الرابع : انّ ضعف احتمال الحرام المعلوم بالاجمال في كل من الأطراف في الشبهة غير المحصورة لكثرتها وقوته في الشبهة المحصورة أو لقلتها يوجب الفرق بينهما.

وفيه : مع انتقاض ذلك بالشبهة المحصورة فيما كان ظنّ اطمئناني بكون المعلوم بالاجمال في بعض الأطراف فانّه يكون احتمال وجوده في غيره ضعيفا حينئذ ، انّه لا دليل على اعتبار قوة الاحتمال وضعفه بل لا بدّ من الاحتياط مطلقا لو كان العلم متعلقا بالحكم الفعلي البعثي والبراءة كذلك لو لم يكن متعلقا بمرتبة البعث.

وممّا ذكرنا : من كون محل الكلام في الفرق بين الشبهة المحصورة وغيرها فيما لم يكن فرق بينهما من غير جهة كثرة الأطراف وقلتها ، انّ الاستدلال لعدم وجوب الاحتياط في غير المحصورة بخروج أطرافه عن الابتلاء غالبا ، لا وجه له. نعم ما يمكن أن يعتمد عليه ـ على تقدير تماميته ـ أن يقال :

انّ العقل يستقل بعدم كون العلم الاجمالي ـ ولو كان متعلقا بالحكم الفعلي ـ بيانا للتكليف المعلوم إذا كثر أطرافه غاية الكثرة بحيث يعدّ العقاب عليه مع كثرة أطرافه كالعقاب على التكليف المشكوك البدوي إذا كان فعليا واقعيا ، مثلا إذا كان الواجب أو الحرام الواحد الفعلي مرددا بين آلاف افراد من المشتبهات يحكم العقل بعدم لزوم الاحتياط على المكلف ويستقل بقبح العقاب عليه كالعقاب على التكليف المشكوك بملاك عدم البيان ، بخلاف ما إذا كان المعلوم بالاجمال مشتبها بين أطراف محصورة فانّه لا يحكم حينئذ بقبح العقاب على مخالفته بل يحكم بحسنه على المخالفة إذا كان بعثيا.

والحاصل : انّه لو تم استقلال العقل بقبح العقاب على التكليف المشتبه بين أطراف غير محصورة فيتم الفرق بين الشبهة المحصورة وغير المحصورة ويحكم

٢٩١

العقل بعدم لزوم الاحتياط في الثاني ، لا من جهة عدم اعتنائه باحتمال العقاب إذا كان بين محتملات كثيرة كما يظهر من شيخنا العلاّمة أعلى الله مقامه في الفرائد (١) في الوجه الخامس من وجوه الاستدلال على عدم لزوم الاحتياط في الشبهة غير المحصورة قياسا على الضرر الدنيوي المشتبه بين أطراف غير محصورة لوضوح حكم العقل بلزوم دفع احتمال الضرر الاخروي وان كان مشتبها بين أطراف كثيرة وان لم يحكم بدفع احتمال الضرر الدنيوي إذا كان كذلك ، بل الوجه في حكمه بعدم لزوم الاحتياط في غير المحصورة استقلاله بقبح العقاب على التكليف المعلوم وأمنه منه ، وإلاّ فمع عدم استقلاله بقبحه امّا في مطلق الشبهات غير المحصورة أو في بعض مصاديقها إذا لم تكن أطرافه كثيرة غاية الكثرة أو في المصاديق المشكوكة الاندراج في المحصورة أو في غيرها فلا بدّ من الاحتياط ، سواء كان استقل بصحة العقاب أم لا بل كان متوقفا ، لعدم جريان البراءة حينئذ ، لأنّ ملاكه الأمن القطعي من العقوبة ، وبمجرد عدم أمنه القطعي فتنتفي البراءة بلا حاجة الى كبرى دفع الضرر المحتمل وهو تقبيح العقلاء بارتكاب الضرر المحتمل والزامهم بدفعه لما عرفت سابقا من انّ الوقوع في الضرر المحتمل يدور مدار واقعه لو كان وان لم يحكم العقلاء بتقبيح ارتكابه وانّه لولاه واقعا لم يحصل الوقوع فيه وان كان حكمهم متحققا وانّ ملاك البراءة هو الأمن القطعي لا حكم العقلاء بعدم لزوم الاحتياط.

ثم انّه قد يتوهم الاشكال في توقف العقل عن الحكم بصحة العقاب أو قبحه ، مع انّ الحسن والقبح من الامور الوجدانية التي كانت من الأحكام العقلية ولا معنى للشك في حكمه.

__________________

(١) فرائد الاصول ٢ : ٢٦٣.

٢٩٢

ولكنه يدفع : بأنّ الحسن والقبح وان كانا من الأحكام العقلية غير القابلة لأن يتوقف العقل في انّ له حكم أم لا إلاّ أنّهما بملاكات واقعية قابلة للشك ، فيحصل الشك في وجود ملاك القبح أو الحسن في البين وان كان بمجرد ذلك يقطع بعدم الحكم للعقل لا انّه يحكم بعدم العقاب كما لا يخفى ، هذا.

مضافا إلى كون رجوع الشك بعد عجز العقول القاصرة عن ادراك الملاك لواحد من الحسن والقبح يشك في الحسن والقبح عند العقول الكاملة المحيطة بالجهات الواقعية ، فيتوقف عن الحكم بالبراءة كما عرفت.

ثم انّ هذا كله في حكم الشبهة غير المحصورة.

[ المقام الثاني ] : وامّا الضابط بينها وبين المحصورة فيختلف على حسب اختلاف الأدلة المذكورة.

فعلى التمسك بالأخبار لا فرق ولا ضابط بينهما.

وبناء على التمسك بالاجماع : فان كان في معقده لفظ له ظاهر في بيان غير المحصورة ؛ وإلاّ فلا بدّ من الاقتصار في الحكم بعدم وجوب الاحتياط على القدر المتيقن من غير المحصورة ؛ وفي غيره لا بدّ من الحاقه بالشبهة المحصورة حكما لما عرفت من وجهه مع عدم الأمن القطعي.

وبناء على كون الدليل هو لزوم المشقة فلا بدّ من الاقتصار على المصاديق التي يكون الاحتياط مستلزما للعسر والحرج ؛ وفي غيره لا بدّ من الاحتياط.

وكذلك لا بدّ من الاقتصار على الموارد التي كان احتمال وجود التكليف المعلوم بالاجمال بين الأطراف ضعيفا ، أو كان بعض أطراف الشبهة غير مبتلى بها بناء على الوجه الرابع والخامس.

وامّا بناء على كون الملاك هو حكم العقل بقبح العقاب على التكليف المعلوم المشتبه بين أطراف غير محصورة فلا بدّ من الاقتصار على الموارد التي استقل العقل

٢٩٣

بقبح العقاب على التكليف المشكوك بينها ؛ وامّا في غيرها فلا بدّ من الاحتياط ، سواء استقل بصحة العقوبة أو توقف فيها كما عرفت.

وما ذكرنا في اختلاف الضابط في المقام حسب اختلاف الأدلة نظير اختلاف الضابط في مقدار الفحص عن المعارض للتمسك بالاصول اللفظية من أصالة الاطلاق والعموم حسب اختلاف الأدلة المانعة عن اجراء الاصول قبل الفحص عن معارضها من العلم الاجمالي المعارض او الاجماع أو معرضيتها للتخصيص أو اشتراطها بافادتها للظن بالمراد أو باشتراطها بعدم الظن على الخلاف ، فيختلف على حسبها مقدار الفحص كما لا يخفى.

[ الامر ] الرابع : انّه قد ذهب شيخنا العلاّمة (١) أعلى الله مقامه إلى جواز الترخيص في بعض أطراف العلم الاجمالي وجعل البعض الآخر بدلا عن الحرام الواقعي مثلا وعدم جواز الترخيص في الكل بل ذهب إلى قبحه ، نظرا إلى استلزام الترخيص الأول في المخالفة والمناقضة مع دليل الحرام الواقعي في الثاني دون الأول.

وفيه : انّ لزوم القبح في الكل لو كان من جهة عدم كون موضوع الحكم الظاهري محفوظا مع العلم الاجمالي ، ففيه : انّ موضوعه في كل طرف يجري فيه هو الجهل بالواقع في ذاك الطرف ، وهو متحقق في كلا الطرفين ؛ ومجرد العلم بوجود الواقع امّا في هذا الطرف أو في الطرف الآخر لا يوجب ارتفاع موضوعه عن كل واحد بنفسه وإلاّ لزم أن لا يكون موضوع الحكم الظاهري ـ في الشبهة غير المحصورة وفي الشبهات البدوية الجاري فيها الأصل من أول الفقه إلى آخره مع العلم بمخالفته للواقع في بعضها ـ محفوظا أيضا. ومجرد قلة أطراف العلم وكثرتها

__________________

(١) فرائد الاصول ٢ : ٢٤٥.

٢٩٤

لا يوجب الفرق بينهما كما لا يخفى.

وان كان مناط القبح المناقضة مع الحكم الواقعي ، ففيه :

انّ الواقع لو كان فعليا بعثيا فلا فرق في حصول المناقضة بين الاذن في الكل والاذن في البعض ، لوضوح انّ البعث إلى الواقع المعين والتحريك إليه فعلا [ يتنافى ] (١) مع الاذن في البعض أيضا ؛ ولا مدخلية للعلم في تحقق المناقضة بل هو علم بالمناقضة ، وإنّما المناقضة بين نفس الواقع والظاهر ، ومعه يشكل الأصل في الشبهات البدوية أيضا لو كان موضوعه فيها الشك في الواقع البعثي ، فكما لا يمكن العلم بتحقق [ المتناقضين ] (٢) كذلك لا يمكن الشك فيه أيضا ، كما هو واضح.

وان لم يكن الواقع فعليا في مورد العلم الاجمالي ولو من جهة خصوص الجهل التفصيلي ـ وان كان فعليا من سائر الجهات ـ فلا مناقضة بين الواقع بهذه المرتبة والظاهر ولو كان الأصل جاريا في كلا الطرفين ؛ كما انّ لزوم حمل الواقع بهذه المرتبة هو وجه التوفيق بين الحكم الظاهري والواقعي في الشبهات البدوية أيضا.

فالحاصل : انّ الواقع لو وصل إلى المرتبة الفعلية من جميع الجهات فلا يصح الحكم الظاهري على خلافه ، سواء كان في الشبهات البدوية أو في أطراف العلم الاجمالي في بعضها أو في جميعها ؛ وان لم يصل إلى مرتبة البعث ولو من جهة جعل الجهل عذرا ـ كما هو في غاية الاشكال ـ فلا مناقضة مطلقا ولو مع جعل الحكم الظاهري في جميع الأطراف.

نعم ، بعد امكان كون الجهل عذرا فكما يمكن أن يكون الجهل التفصيلي

__________________

(١) في الاصل المخطوط ( ينافي ).

(٢) في الاصل المخطوط ( المناقضين ).

٢٩٥

مطلقا عذرا ، كذلك يمكن أن يجعل عذرا على بعض التقادير وفي بعض الأطراف دون بعض آخر أيضا فيصح الترخيص حينئذ في بعض دون بعض ؛ وامّا انحصار الامكان في خصوص ذلك واخراج الجهل في جميع الأطراف عن الامكان فلا وجه له كما لا يخفى.

[ الأمر الخامس ] : قد عرفت انّ المناط في وجوب الاحتياط في المشتبهين بالشبهة المحصورة هو العلم الاجمالي بالتكليف المتعلق بالمكلف ، وهذا لا فرق فيه بين حصول العلم الاجمالي من اشتباه المكلف به ابتداء أو من اشتباهه من جهة اشتباه المكلف كما في الخنثى المرددة بين كونه من الرجال أو النساء فيعلم اجمالا بكونه مكلفا امّا بالتكاليف المتعلقة بالرجال أو المتعلقة بالنساء ، ويجري فيه ما يجري في غيره من جميع أحكام العلم الاجمالي من وجوب الاحتياط مطلقا أو مع احراز الفعلية من جميع الجهات على الخلاف.

إلاّ أن يدّعى انصراف الخطابات المتوجهة إلى الرجال أو النساء عن الخنثى واختصاصها بما علم كونه من احدى الطائفتين. أو يدّعى الفرق بين العلم الاجمالي بالخطاب التفصيلي مع كون الشك لاشتباه مصداقه وبين العلم الاجمالي بتوجه أحد الخطابين المعلوم وجود أحدهما كما فيما نحن فيه بدعوى وجوب الاحتياط في الأول دون الثاني. وكلا الوجهين لا وجه لهما كما لا يخفى.

ثم انّه لا فرق في كل ما ذكرنا من الأحكام والأقسام بين العلم الاجمالي في الشبهة التحريمية والشبهة الوجوبية فيجري فيها ما يجري في الشبهة التحريمية.

هذا كله في الشك في المكلف به بين المتباينين.

وامّا لو كانت الشبهة بين الأقل والأكثر بأن علم بتعلق الوجوب بشيء وشك

٢٩٦

في أخذ شيء جزءا له ، ولا يخلو :

فامّا أن يكون الجزء المشكوك جزءا تحليليا ، بأن يكون الجزء الآخر مع ذاك المشكوك جزئيته على تقدير وجودهما معا متحدين في الوجود الخارجي وكانت المغايرة بينهما في تحليل العقل عند تصوره للشيء وهذا نظير الجنس والفصل ، كما لو علم بالوجوب المتعلق امّا بمطلق الحيوان أو به مأخوذا مع الناطق بحيث لو كان الواجب هو الحيوان والناطق لكانا موجودين بوجود واحد فيدور الأمر بين كون الواجب هو وجود العام أو وجود الخاص ؛ ومثل الفصل كل ما كان من الخصوصية المتحدة مع العام في الوجود الخارجي المتغايرة معه في الوجود الذهني كخصوصيات الفرد ، مثل ان يشك في انّ الواجب هو زيد بخصوصه أو ما يعمّه وغيره من الافراد حيث انّ الحق انّ الطبيعي عين الفرد في الوجود.

وامّا ان يكون الجزء المشكوك ذهنيا ، كما في الشرط ، حيث انّ المأخوذ منه في المشروط هو الاشتراط والتقيد بالشرط لا نفس الشرط وان كان موجبا لانتزاعه ، ومن المعلوم انّ الاشتراط لا يكون من الموجودات الخارجية ولو بنحو الاتحاد مع المشروط بل الذهنية الموجبة لخصوصية في وجود المشروط. نعم منشأ انتزاعه وهو الشرط قد يكون متّحدا مع المشروط في الوجود الخارجي كما في البياض بالنسبة إلى المشروط به ، وقد يكون مغايرا معه في الوجود كما في الوضوء بالنسبة إلى الصلاة إلاّ أنّه لمّا لم يكن مأخوذا بنفسه في متعلق الأمر بل الاشتراط به ولا يكاد الجزء الذهني أن يتعلق به الأمر فيرجع الشك فيه بالأخرة إلى كون الواجب هو الوجود الخاص أو ما يعمّه وغيره الفاقد لتلك الخصوصية المباينة معه.

وامّا أن يكون الجزء المشكوك جزءا خارجيا ويكون له وجود على حدة في المأمور به كسائر الأجزاء وان كان المركب منها واحدا ولو في اللحاظ.

٢٩٧

إذا عرفت أقسام الشك في الجزء فلا بدّ من التكلم في مقامات ثلاث :

[ المقام ] الأول : في الجزء التحليلي ، كما لو علم بالوجوب وشك في تعلقه بوجود خاص مثل زيد أو بما يعمّه وغيره من الافراد وربما قيل بانحلال العلم الاجمالي إلى العلم التفصيلي بوجوب العام المأخوذ بنحو اللاّبشرط المقسمي الجامع بين الخاص واللابشرط القسمي والشك البدوي في تعلقه بالخصوصية فتجري البراءة بالنسبة إليه.

ولكن الحق : عدم صحة مثل هذا الانحلال حيث انّه لا بدّ في الانحلال من وجود خارجي مشترك بين أطراف العلم خارجا وكان الشك في وجوب الزائد عليه من الوجود ولا يكفي مجرد الجامع الذهني في الانحلال ، لعدم تعلق الحكم بالوجود الذهني.

فإذا عرفت ذلك فاعلم : انّ العام في المثال وان كان جامعا ذهنيا بين وجود زيد وغيره من الأفراد إلاّ أنّه لم يكن جامعا خارجيا ، حيث انّ العام متحد مع الخاص ويكون عينه في الوجود الخارجي ، وحينئذ فلو كان الواجب هو الخاص وأتى بغيره من الأفراد لكان وجود العام مع غيره من جهة كونه عين ذاك مباينا مع وجود الخاص غير مرتبط به فلا مشترك خارجا حتى يعلم بوجوبه ويشك في غيره. وسرّه : ما قيل من انّ الطبيعي كالآباء بالنسبة إلى الأبناء ويكون متعدد الوجود بعين تعدد الافراد لا كالأب الواحد بالنسبة إلى الأبناء كي يكون له وجود واحد في الجميع ويكون التعدد في غيره.

فإذا عرفت العينية ظهر انّ العام لا يكون جزءا خارجيا للفرد ولا يكون مقدمة له نظير الأجزاء الخارجية كي يعلم تفصيلا بوجوبه امّا غيريا أو نفسيا ويشك في غيره مع انّه على فرض تسليم كونه جزءا خارجيا لا يكون وجوده في ضمن فرد مقدمة لفرد آخر بل وجوده في ضمن كل فرد يكون مقدمة له لا لغيره.

٢٩٨

والحاصل : انّه لا وجه لانحلال العلم الاجمالي بوجوب العام واجراء البراءة عن الخصوصية بعد كونه على تقدير وجوده في ضمن غير الخاص مباينا مع المطلوب لو كان المطلوب هو الخاص.

ثم بعد عدم الانحلال إلى العام ، هل يكون تردد الوجوب التعييني بين تعلقه بالعام بعنوانه أو الخاص بعنوانه بالخصوص نظير المتباينين بناء على جواز اجراء البراءة مطلقا أو على بعض الوجوه؟ أو لا بدّ فيه من الاحتياط واتيان الخاص ولو قلنا بعدم وجوبه في المتباينين؟

التحقيق : أن يقال : انّه بالنسبة إلى الأثر الخاص لكلّ واحد من الوجوب التعييني للخاص أو العام يكون الحكم كالمتباينين لو كان لكل واحد منهما أثر بخصوصه ويكون الحكم هو البراءة لو كان لواحد أثر خاص دون غيره. وأمّا بالنسبة إلى الأثر الثابت لمطلق الوجوب من التعييني والتخييري من وجوب الاتيان خارجا فالحق الانحلال إلى الخاص ، للعلم بوجوب الخاص اما بخصوصه أو لأجل انطباق العام عليه ؛ ومجرد الترديد في الوجوب التعييني لا يضرّ بالانحلال بعد العلم التفصيلي بوجوب الخاص مطلقا كما لا يخفى ، فلا بدّ من اتيانه ويكون الاصل عدم سقوطه لو اقتصر على غيره ، كما انّ الأصل عدم وجوب غيره من أول الأمر لا البراءة لعدم الامتنان في نفي الوجوب عن غير الخاص كي يجري فيه أدلتها.

ثم انّه بعد ما عرفت من اتحاد الخصوصية مع العام وعينيتهما وجودا الموجب للعلم التفصيلي بوجوب الخاص ظهر لك : انّ الوجه عدم البراءة الشرعية كالبراءة العقلية عن وجوب الخصوصية ، حيث انّ ذاك الوجود للخاص معلوم الوجوب تفصيلا ولا وجود زائد فيه يكون مشكوك الوجوب حتى يجري فيه حديث الرفع وغيره من أدلة البراءة فلا بدّ من تحصيل العلم بسقوطه عن الذمة ولا

٢٩٩

يعلم ذلك إلاّ باتيانه بخصوصه.

هذا كله في دوران الأمر بين التعيين والتخيير العقليين.

وامّا لو دار الأمر بين التعيين والتخيير الشرعيين فالأمر فيه ـ من حيث انحلال العلم الاجمالي إلى العلم التفصيلي بوجوب الخاص والشك البدوي في غيره واجراء أصالة عدم سقوط وجوب الخاص باتيان غيره ـ أوضح ، للعلم التفصيلي بتعلق الوجوب بالخاص بخصوصه على كل حال كما لا يخفى.

المقام الثاني : في الشك في الجزء الذهني ، وهو كما لو علم بوجوب الصلاة وشك في اشتراطه بالاستقبال مثلا فالصواب انّه لا تجري فيه البراءة العقلية أيضا حيث انّ الشرط خارج بنفسه عن متعلق الأمر ، والمأخوذ منه جزءا في المشروط إنّما هو الاشتراط ومن المعلوم انّه ليس بموجود في الخارج بل الاشتراط بشرط يوجب خصوصية في المأمور به فيصير المطلوب وجودا خاصا بحيث لو أتى بذاك الوجود وإلاّ لكان الوجود الآخر مباينا بالكلية مع المأمور به ، ومع ذلك فكيف يكون مطلق الوجود ولو مع غير الشرط متيقن المطلوبية حتى ينحل إليه العلم الاجمالي؟

فظهر : انّ الأقوى الحاق الشك في الشرط إلى الشك في التعيين والتخيير العقليين في عدم جريان البراءة العقلية عن التعيين. وامّا البراءة النقلية فالأقوى التفصيل بين الشك في الشرط والشك في التعيين فانّه لا يجري في الثاني حديث الرفع ، لعدم كون الخصوصية في المعين موجودا زائدا فيه حتى يجري فيه الرفع ، دون الأول فانّ شرطية الاستقبال والستر أمر زائد عن أجزاء الصلاة وكان من الأحكام الوضعية يجري فيها حديث الرفع.

ودعوى : انّ مثل الشرطية والجزئية ليس ممّا تنالها يد الجعل التشريعي بل كانت منتزعة من الأمر بالمركب فما دام لم يرفع المنتزع منه ، فكيف يجري الأصل

٣٠٠