تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ٢

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 978-600-5213-31-7
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٦٣٨
الجزء ١ الجزء ٢

لا تنفي الخمرية عن الآخر ، فكيف توجب رفع أثر العلم الاجمالي عن الآخر لو كان خمرا في الواقع؟

قلت : أولا : نفرض المثال فيما لو كانت نافية عن الآخر تصريحا أو بالملازمة كما لو علمنا اجمالا بنجاسة أحد الإناءين وطهارة الآخر وقامت الأمارة على نجاسة أحدهما المعيّن.

وثانيا : انّ المناط قيام الأمارة بحسب الحكاية مقام القطع التفصيلي.

والسرّ : انّ التكليف المنجز ليس أزيد من المقدار المعلوم بالاجمال ، والأمارة صارت موجبة له بهذا المقدار ، والزائد عليه ليس منجزا أصلا ، ولا يخفى انّ الحكم الطريقي في الأثر مثل الحجية ؛ فيكون الجواب ما ذكرنا على كلا القولين.

فظهر ممّا ذكرنا انّ استدلال الاخباريين لوجوب الاحتياط بالعلم الاجمالي بالواقعيات لا وجه له بعد العلم الاجمالي من أول الأمر بالأمارة المعتبرة بهذا المقدار بل أزيد أو المصادفة بهذا المقدار ولو بعد العلم الاجمالي.

ودعوى : عدم كون الأمارة المعتبرة بمقدار المعلوم ، مدفوعة :

مضافا إلى القطع بعدم قلة الأمارات عن المعلوم بالاجمال لو لم يكن أزيد ؛ بأنّ الباقي يكون من قبيل الشبهة غير المحصورة كما هو واضح.

الوجه الثاني : انّ الأصل في الأفعال غير الضرورية الحظر كما نسب إلى طائفة من الامامية فنعمل به حتى يثبت من الشرع خلافه. وما ورد بالعنوان العام على تقدير تسليم دلالته معارض بما ورد من الأمر بالتوقف والاحتياط فالمرجع الأصل.

٢٤١

واحتج عليه في العدة (١) : بأنّ الاقدام على ما لا يؤمن المفسدة فيه كالاقدام على ما يعلم فيه المفسدة ؛ وقد جزم بهذه القضية السيد أبو المكارم (٢) وان قال بعد ذلك بالاباحة بقاعدة اللطف.

والجواب عن الأصل : مضافا إلى عدم تسلّمه عند الاصوليين فكيف يستدل عليهم ، مع انّه على تقدير تسليم البعض يكون الاستدلال بالنسبة إليه إسكاتيا غير مثبت به المطلوب ؛ انّ مستندهم وهو التصرف في سلطان الشارع بغير اذنه مقطوع الانتفاء في المقام بعد كون مفروض المسألة عندهم في الأفعال المشتملة على المنافع الخالية عن الضرر أو خصوص الخالية عن الضرر وكون الشارع منزها عن الأغراض النفسانية كما هو واضح ؛ وعلى تقدير تسليم الأصل بحكم العقل نقول : انّه مغيّا بعدم الاذن من الشارع وقد وصل بالعنوان العام باخبار البراءة ولا ينافي ذلك فرض المسألة فيما لا نص فيه حيث انّ المراد ما لا نص فيه بالعنوان الخاص ولا معارض لها إلاّ اخبار التوقف والاحتياط وقد عرفت انّها على فرض دلالتها على الوجوب لا بدّ من حملها على الارشاد جمعا بينها وبين اخبار البراءة.

وامّا النهي الذي ذكر غاية لقوله عليه‌السلام « كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي » (٣) على تقدير كونه من أدلة البراءة فالمراد منه ورود النهي بعنوانه الواقعي ، وعلى تقدير التعميم فيقال بعدم ورود النهي المولوي بالعنوان الأعم أيضا بعد ما عرفت من لزوم حمل الأمر في أدلة الاحتياط على الارشاد.

__________________

(١) العدة ٢ : ٧٤٢ « والذي يدل على ذلك ... ».

(٢) غنية النزوع ٢ : ٤١٦ ـ ٤١٧.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ١٢٧ الباب ١٢ من ابواب صفات القاضي ، الحديث ٦٠.

٢٤٢

وامّا ما استدل به الشيخ قدس‌سره في العدة (١) ، ففيه : انّ المراد بالمفسدة :

ان كان هو العقاب ، فهو مأمون منه بحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان.

وان كان ملاك حكم الشرع من المصالح والمفاسد ، ففيه : انّ الملاك للأحكام الفعلية هو الجهات الواقعية المتصفة بالحسن والقبح ، ومن المعلوم انّها ما لم يحصل العلم بها لا تتصف بالحسن والقبح ، ومن المعلوم انّ عنوان احتمال المفسدة ليس بنفسه من العناوين والجهات المقبّحة ، والجهة الواقعية قد عرفت حالها ، فلا مقبّح عقلا في البين في صورة احتمال المفسدة إلاّ التجري غير الالزامي.

وامّا ما أجاب به الشيخ قدس‌سره في الفرائد (٢) في صورة اختيار كون المراد غير العقاب :

بأنّ الضرر ممّا يرتكبه العقلاء لبعض الأغراض النفسانية فضلا عن صورة الاحتمال ؛ مضافا إلى كونه شبهة موضوعية لا يجب فيها الاحتياط باتفاق الاخباريين ، ففيه :

انّ المفسدة التي ملاك الحكم الشرعي الموجب للقبح العقلي غير الضرر غير الموجب للقبح ، بل الجهات المقبحة قد تنطبق على الضرر الذي لا يرتكبه العقلاء. وجعله شبهة موضوعية مع انّه لا بدّ فيها من كون منشأ الاشتباه اختلاط الامور الخارجية ، فيه ما لا يخفى ؛ بل لو تنزلنا عما ذكرنا من عدم كون احتمال المفسدة من العناوين المقبحة فلا اشكال في حكم العقل بلزوم الاحتراز عنه فيكون حكم العقل بيانا للحرمة المحتملة ولو على عدم الملازمة ، لكفايته حكم العقل بلزوم دفع المفسدة حجة عليها ولو لم يكن هذا الاحتمال بنفسه للحكم

__________________

(١) العدة ٢ : ٧٤٢.

(٢) فرائد الاصول ٢ : ٩١.

٢٤٣

الشرعي.

ولكن الحق ما ذكرنا من عدم تقبيح العقل بالاحتمال ولا ضرر آخر في البين غير التقبيح في غالب ملاكات الأحكام.

وينبغي التنبيه على امور :

الأول : انّه بحسب دلالة أدلة البراءة لا فرق بين فقدان النص واجمال النص بالنسبة إلى الافراد المشكوك دخولها فيه زائدا على المقدار المتيقن كما في الغناء بالنسبة إلى الافراد المشكوكة ، حيث انّ الشك فيها شك في التكليف ، فيذهب كل من الاصولي والاخباري فيه بما اختاره في صورة فقدان النص.

وهاهنا شبهتان :

إحداهما : انّ الشبهة في مجمل النص ترجع إلى الشبهة الموضوعية ، حيث انّ حرمة الغناء في المثال المذكور معلومة وإنّما الشبهة في كون الفرد المشكوك من مصاديقه ؛ ومنشأ الشبهة عدم العلم بالوضع وليس من شأن الشارع ازالتها بل لا بدّ من الرجوع إلى العرف فلا تكون الشبهة حكمية فلا يجب فيه الاحتياط حتى عند الأخباريين.

وفيه :

انّ المراد بالشبهة الموضوعية : ما كان الشك فيها في انطباق المفهوم المعيّن على المصاديق ، للعوارض الخارجية.

والمراد من الشبهة الحكمية : ما كان الشك في مراد الشارع من الخطاب ولو بأن لم يبرز مراده القواعد العربية [ و ] لم يصدر منه لفظ يكون مع ما يحف به من القرائن المقامية والمقالية ظاهرا في معنى بحسب المتفاهم العرفي بل كان ما صدر منه مجملا مرددا بين الأقل والأكثر كما في مثل لفظ الغناء.

٢٤٤

ولا فرق بين أن يكون الشك في المراد [ منه ] (١) :

ناشئا من عدم العلم بالوضع.

أو ناشئا من احتفاف اللفظ بما أوجب اجماله.

وثانيتهما : انّ في مثل الخطاب المجمل علم بالتكليف المنجز متعلقا بما هو واقع المعنى كما في الغناء فانّه علم حرمته بما له من المعنى الواقعي فيجب الخروج عن عهدة التكليف بالامتثال القطعي بعد الاشتغال اليقيني وهو لا يحصل إلاّ بالاجتناب عن كل ما احتمل كونه من افراده.

وبمثل هذا التوهم قيل بوجوب الاحتياط في الشبهة الموضوعية ، بل بطريق أولى ، للعلم بالمكلف به معينا من الخطاب وكون الشبهة من جهة العوارض فيجب امتثال التكليف المتعلق بالمفهوم المبين يقينا بالاحتياط.

وفيه : انّ الاشتغال اليقيني في الخطاب المجمل لم يحصل من أول الأمر بالأزيد من المقدار المعلوم ، وبالنسبة إلى الزائد كان وجود الخطاب كعدمه ، فيكون مثل فقد النص فتجري فيه أدلة البراءة ؛ وفي الشبهة الموضوعية لم يكن الخطاب حجة إلاّ بالنسبة إلى [ ما ] علم انطباقه عليه ، وبالنسبة إلى الفرد الذي لم يعلم انطباقه عليه كان كعدمه في مقام الحجية فلم تنقطع البراءة عقلا ونقلا.

والحاصل : انّ هذين التوهمين فاسدان في مجمل النص كما عرفت.

الأمر الثاني : انّه لا فرق في اجراء البراءة في الشبهة الحكمية بين الشبهة التحريمية والشبهة الوجوبية ، لاطلاق أدلتها من حديث الرفع والحجب والسعة ونحوها.

نعم مثل قوله عليه‌السلام « كل شيء لك حلال حتى تعرف انّه حرام » (٢) ظاهر

__________________

(١) في الاصل المخطوط ( من ).

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٦٠ الباب ٤ من ابواب ما يكتسب به ، الحديث ٤ باختلاف.

٢٤٥

الاختصاص بالشبهة التحريمية ، ولكنه يلحق بها الشبهة الوجوبية :

امّا لعدم القول بالفصل بالبراءة في الشبهة التحريمية والاحتياط في الوجوبية بعد اختلاف الاخباريين والاصوليين على قولين وخروجه منهما.

وامّا بحمل الحلّية في الرواية بمعنى المضي والاطلاق ، والحرمة بمعنى المنع ، مع جعل متعلقهما أعمّ من الفعل والترك ، وتكون الحلية بهذا المعنى أعم من التكليف والوضع كما في مثل ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ). (١)

ويؤيده إطلاق الحلية والحرمة على هذا المعنى في مضمون الاخبار مثل : « حلّت الصلاة في وبر ما يؤكل وحرمت الصلاة في وبر ما لا يؤكل ». (٢) ويؤيده أيضا استعمال لفظ « المطلق » في قوله عليه‌السلام : « كل شيء مطلق حتى يرد فيه أمر ونهي » (٣) في المعنى الأعم من مقابل الوجوب والحرمة ؛ والظاهر كون الحلية مثله مضمونا.

الأمر الثالث : انّه يعتبر في اجراء البراءة أن لا يكون في مورد الشبهة حكمية كانت أو موضوعية أصل موضوعي يقضي بالحرمة كما في مثل المرأة المرددة بين الزوجة والأجنبية. ومن هذا القبيل اللحم المردد بين المذكى والميتة.

فان كانت الشبهة موضوعية بأن لم يعلم تحقق الذبح الشرعي بعد احراز القابلية في الحيوان فلا اشكال في أصالة عدم التذكية ، لا لاثبات كون اللحم ميتة حتى يرد بأنّه المثبت بناء على كون الميتة أمرا وجوديا بل لاثبات نفس عدم

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٧٥.

(٢) وسائل الشيعة ٣ : ٢٥٠ الباب ٢ من ابواب لباس المصلي ، احاديث متعددة.

(٣) الموجود في المصادر « حتى يرد فيه نهي ». راجع وسائل الشيعة ١٨ : ١٢٧ الباب ١٢ من ابواب صفات القاضي ، الحديث ٦٠ ؛ و ٤ : ٩١٧ الباب ١٩ من ابواب القنوت ، الحديث ٣ ؛ ومن لا يحضره الفقيه ١ : ٢٠٨ الباب ٤٥ باب وصف الصلاة من فاتحتها الى خاتمتها ، الحديث ٢٢ / ٩٣٧.

٢٤٦

التذكية ، لكونه محكوما بحكم الميتة اجماعا.

وان كانت الشبهة حكمية بأن لم يعلم قابلية الحيوان للتذكية مع العلم بورود سائر ما يعتبر في التذكية غير القابلية ولم يكن هناك عموم يدل على قابلية كل حيوان للتذكية إلاّ ما خرج فالظاهر عدم الاشكال في أصالة عدم التذكية الشرعية.

وتوهّم : اجراء أصالة الحلية لكون الشك في حلّية الحيوان على تقدير ورود مثل الذبح والاستقبال ونحوهما فلا يعلم حكمه على هذا التقدير فتجري فيه أصالة الحلية كما لو شك في حكم شيء على كل تقدير ؛ ولا فرق في عدم العلم بحكم الشيء المعتبر في جريانها بين عدم العلم به على كل تقدير كما في شرب التتن وعدم العلم به على بعض التقادير مثل العصير العنبي على بعض التقادير ، مدفوع :

بأنّه مسلّم في المقام لو كانت الحرمة والنجاسة والحلية والطهارة من آثار الحيوان على تقدير وجود الامور المذكورة لا فيما لو كانتا مسببتين من التذكية ، سواء :

كانت التذكية تلك الامور من الفري والاستقبال والتسمية ونحوها بوجوداتها الخاصة من ورودها على الحيوان الواجد لخصوصية به يكون قابلا للتذكية.

أو كان مركبا من مجموع هذه الامور والخصوصية.

وإلاّ ، فأصالة عدم تحقق الوجودات الخاصة المعتبرة في تحقق التذكية بمفاد كان التامة ، أو أصالة بقاء اتصاف الحيوان بعدم التذكية التي كانت حال الحياة بمفاد كان الناقصة في الصورة الاولى ، أو أصالة عدم تحقق التذكية المركبة من تلك الامور في الصورة الثانية ، محكمة ، ولو كان منشأ الشبهة الشك في وجود القيد

٢٤٧

أو الجزء وهو الخصوصية المعتبرة في التذكية في الحيوان ولم يجر فيها الأصل إلاّ بمفاد كان التامة غير المجدية لاثبات عدم التذكية في الحيوان إلاّ بالمثبت. نعم لو علم قابلية الحيوان للتذكية ـ المثبتة للطهارة ـ وشك في حلية لحمه وقلنا بعدم كون الحلية مثل الطهارة مسببة عن التذكية بل من آثار نفس الحيوان في ظرف تحقق التذكية بأن يقال : انّ الحيوان المذكى على قسمين : قسم منه غير مأكول اللحم ، وقسم منه مأكول اللحم ، فلا بدّ بعد العلم بالتذكية من جهة الطهارة من الرجوع إلى أصل آخر من أصالة عدم تحقق سبب الحرمة من الجلل والوطي لو كانت عارضية ، وأصالة الحلية لو كان الشك لخصوصية ذاتية في الحيوان ، فتدبر.

نعم لو كانت هذه الجهة المشكوكة مأخوذة في التذكية وكانت الحلية مسببة عن التذكية فلا تجري أصالة الحلية في ما كان الشك في الخصوصية الذاتية ، ولا أصالة عدم تحقق الجلل والوطي ، ولا استصحاب الحلية التعليقية في ما كان الشك في تحقق العنوان العرضي المأخوذ عدمه في التذكية ، لعدم احراز التذكية إلاّ بالمثبت. نعم لو كان في تلك الصورة الثانية تكون الواسطة وهي التذكية خفية أو بالملازمة في التنزيل فلا بأس باستصحاب عدم تحقق العنوان العرضي أو الحلّية التعليقية.

ومن هنا علم : انّ المناط في اجراء الأصل موضوعا أو حكما وعدمه هو عدم أخذ القيد المشكوك في التذكية بأن يكون بنفسه موضوعا للحلية وأخذه فيه فلا يجوز إلاّ في بعض الصور على بعض الصور.

[ الرابع ] (١) : انّه لا ريب في حسن الاحتياط وان لم يكن بواجب سواء كان

__________________

(١) في الاصل المخطوط ( الثالث ) اشتباها ، فقد مضى الثالث.

٢٤٨

في الشبهة التحريمية أو الوجوبية في التوصليات أو التعبديات ؛ إلاّ أنّه يشكل تحقق موضوع الاحتياط في العبادات حيث انّه عبارة عن اتيان محتمل الأمر بجميع اجزائه وشرائطه بالقطع ، غير انّه ما علم بوجوبه ، وهو لا يحصل فيما إذا كان محتمل الوجوب عبادة لأنّ من شرط صحتها قصد الامتثال وما دام لم يعلم بالأمر لم يتمكن من قصد الامتثال فلم يتمكن من اتيان الفعل عبادة مع الشك في الأمر ، وحينئذ لا يتحقق موضوع الاحتياط بل يجري الاشكال ولو اكتفى في العبادة باتيانها بداعي رجحانها الذاتي ، لأنّه ما لم يعلم بالأمر فلم يعلم بكون الفعل عبادة فلم يتمكن قصد رجحانها الذاتي.

ودعوى : تحقق قصد القربة من قبل الاحتياط الذي يكون حسنه بهذا العنوان ذاتيا امّا باتيان الفعل بقصد رجحانه أو بقصد امتثال الأمر الاحتياطي أو بقصد أوامر التقوى من قوله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) (١) ( اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ ) (٢) إلى غير ذلك ، بل لو لزم قصد امتثال الأمر العبادي بنفسه في العبادة فيستكشف من الأمر بالاحتياط أمر آخر نفسي متعلق بالعبادة ؛ كما انّه بناء على رفع اشكال اخذ قصد القربة في متعلق الأوامر العبادية بما ذهب إليه شيخنا العلاّمة (٣) أعلى الله مقامه من تعدد الأمر يكون هكذا ، فانّه يستكشف من الأمر اللفظي المتعلق بذات العبادة مجردة عن قصد القربة أمرا آخر لبّا يكون متعلقا باتيان المأمور به بالأمر الأول بقصد امتثال أمره ، مدفوعة :

بأنّ رجحان عنوان الاحتياط وان كان ذاتيا إلاّ أن تحقق ذاك العنوان يتوقف على الاتيان بما يحتمل كونه مأمورا به ممّا اعتبر فيه من الاجزاء والشرائط

__________________

(١) سورة التغابن : ١٦.

(٢) سورة آل عمران : ١٠٢.

(٣) فرائد الاصول ٢ : ١٥١.

٢٤٩

غير انّه لم يعلم بتعلق الأمر به ، وفيما نحن فيه لما كان من جملة الشرائط المعتبرة هو قصد الامتثال ولا يتمكن من ذلك إلاّ مع الأمر اليقيني فما دام لم يعلم به لم يتمكّن من قصد امتثاله فلم يحصل عنوان الاحتياط حتى يكتفى بقصد رجحانه الذاتي أو بقصد الأمر القطعي المتعلق به ، ولا يمكن إثبات الموضوع بالأمر.

ومن هنا ظهر ما في توهم كفاية قصد امتثال أوامر التقوى من الخلل فانّه يتوقف أيضا على تحقق عنوان التقوى وهو كالاحتياط لا يحصل في محتمل العبادة ما لم يعلم بالأمر.

وأمّا توهم : استكشاف أمر آخر من الأمر بالاحتياط قياسا بالأمر المتعلق بذات العبادة ، فمدفوع :

بأنّه على فرض التسليم في المقيس عليه فإنّما هو من جهة كون الأمر الأول متحققا فيستكشف منه الأمر الثاني ، بخلاف ما نحن [ فيه ] ، فانّ انطباق الأمر الاحتياطي لما كان متوقفا على تحقق موضوعه غير المعلوم وجوده في المقام فليس بمعلوم الانطباق في المقام فكيف يستكشف منه الامر النفسي كي يؤتى الفعل بقصد امتثاله ، مع انّه على فرض تسليم الكشف كما لو ادّعي الاجماع على جريانه في المقام فيخرج عن عنوان الاحتياط ويدخل في متحقق الأمر العبادي كما لا يخفى.

وممّا ذكرنا من الفارق بين الأوامر العبادية وبين أوامر الاحتياط من القطع بالأول وبموضوعه دون الثاني لعدم العلم بموضوعه فلا يكون بمعلوم فيصح استكشاف الأمر النفسي في الأول دون الثاني :

٢٥٠

ظهر ما في كلام الشيخ رحمه‌الله (١) من النقض بأوامر العبادة.

كما انّه ظهر انه على فرض تسليم الملازمة بين الحكم العقلي بحسن الاحتياط وبين الأمر الشرعي ورفع اليد عن امكان عدم كون المقام مقام الملازمة لا يجدي أيضا ، لكون الملازمة بعد تحقق موضوع الاحتياط ؛ والاشكال في تحققه.

هذا حاصل ما يمكن أن يقال في الاشكال.

والجواب : انّه يبتني على تسليم كون قصد القربة مأخوذا في متعلق الأوامر العبادية فانّه بناء على ذلك لا بدّ من العلم بالأمر حتى يتمكن من اتيان الفعل مشتملا على جميع اجزائه وشرائطه ولا يكفي فيه احتمال الأمر ؛ فمنه انقدح ما في كلام الشيخ رحمه‌الله (٢) من احتمال كفاية ذلك مع انّه ذهب إلى اخذه فيه بتعدد الأمر ولذلك ذهب في آخر كلامه (٣) إلى انّ الاحتياط في العبادات الاتيان بذات الفعل عدى نية القربة.

وامّا بناء على ما ذهب إليه الاستاذ (٤) دام ظله من خروج ذلك عن متعلق الأمر وكونه من كيفيات الاطاعة بحكم العقل بعد العلم بأنّ الغرض في العبادة وهو القرب والتكميل لا يحصل إلاّ بعد كون الداعي في اتيان الفعل العبادي هو امتثال الأمر أو الرجحان الذاتي ، فلا يرد ذلك ، لكون الاحتياط بمعنى الاتيان بمحتمل الأمر بجميع اجزائه وشرائطه وان لم يعلم بأمره حاصلا في المقام حقيقة بلا قصور

__________________

(١) فرائد الاصول ٢ : ١٥٢.

(٢) فرائد الاصول ٢ : ١٥٠.

(٣) فرائد الاصول ٢ : ١٥٣.

(٤) درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : ٥٠ ، والطبعة الحجرية : ٢٢ السطر ١٣ في تعليقه على قول الشيخ : « ولنقدم الكلام في المقام الثاني وهو كفاية العلم الاجمالي » ؛ كذلك درر الفوائد : ٢٤٩ ، والطبعة الحجرية : ١٤٩ عند التعليق على قوله : « مضافا الى ان غاية ما يلزم » ؛ ايضا درر الفوائد : ٢٦٤ ، والطبعة الحجرية : ١٥٨ عند التعليق على قوله : ولا شك ان هذا الاحتياط » ؛ كفاية الاصول : ٣٩٨ ـ ٣٩٩.

٢٥١

فيه أصلا.

غاية الأمر لمّا كان الأمر المحتمل أمرا عباديا فيحكم العقل بأنّه لا بدّ من عدم الداعي للفعل غير امتثال الأمر فان كان قطعيا فلا بدّ من قصد امتثاله وان كان مشكوكا فلا بدّ أن يكون غرض آخر غير الامتثال للأمر الاحتمالي ؛ والعقل في مقام الاطاعة لا يحكم في حصول الاحتياط باتيان الفعل المحتمل أمره بجميع أجزائه وشرائطه مع عدم الداعي لذلك غير موافقة الأمر المحتمل ، وهذا بخلاف ما إذا أخذ القربة في المتعلق لعدم التمكن من الاتيان بما يحكم به العقل حينئذ كما عرفت ، والفرض انّ المأخوذ شرطا هو امتثال الأمر المحقّق الواقعي وليس نظير حكم العقل الذي لا يكون له واقع غير الوجدان غير القابل للشك.

والحاصل : انّه بناء على التحقق من كون قصد الامتثال من كيفيات الاطاعة كما هو المستفاد من المشهور من اجماعهم على جريان الاحتياط في العبادات فلا اشكال أصلا في الاحتياط فيها كما لا يخفى.

ثم انّ هذا كله فيما لم يكن احتمال الوجوب من جهة رواية غير معتبرة دالة عليه ، وإلاّ فيصح قصد القربة ولو بناء على الجزم بالأمر لما ورد من الأخبار الدالة عليه استحباب كل فعل بلغ فيه الثواب وهي كثيرة.

منها : مصححة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من بلغه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وان كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقله ». (١)

ومنها : المروي عن صفوان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمل به كان له أجر ذلك وان كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقله ». (٢)

ومنها : خبر محمد بن مروان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من بلغه عن النبي

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ٦٠ الباب ١٨ من ابواب مقدمة العبادات ، الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١ : ٥٩ الباب ١٨ من ابواب مقدمة العبادات ، الحديث ١.

٢٥٢

شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي كان له ذلك وان كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقله ». (١)

ومنها : خبر آخر لمحمد بن مروان قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « من بلغه من الله ففعله التماس ذلك الثواب اوتيه وان لم يكن الحديث كما بلغه ». (٢)

ومن طريق العامة : عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من بلغه من الله فضيلة فأخذ بها وعمل بها إيمانا بالله ورجاء ثوابه أعطاه الله ذلك وان لم يكن كذلك ». (٣)

والكلام في هذه الأخبار يقع من جهتين :

الاولى : انّ البلوغ ظاهر في وصول الأمر والثواب على الفعل بالقطع أو القطعي بحيث يكون العمل معهما بداعي الأمر المحقق وأمّا وصولهما بغير العلم والعلمي فلا ، إلاّ أن يراد بلوغ الخبر بهما فلا يبعد الصدق على الخبر الضعيف ، كما ان السماع في بعض الأخبار كذلك أيضا ؛ إلاّ أنّ الأولين لو لم يكونا بالقدر المتيقن من البلوغ فلا أقل من اطلاقه لهما.

ولا وجه لرفع اليد عن هذا الاطلاق إلاّ توهم كون ظهور التماس الثواب ورجائه وطلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في كون العمل مع عدم أمر معلوم في البين بل باحتماله قرينة على حمل البلوغ على وصول الخبر بدون طريق معتبر.

ولكنه يدفع : بعدم ظهور تلك الألفاظ في كون البلوغ بالطريق غير المعتبر أولا ، وبعدم المنافاة على فرض تسليم ظهور بعضها في ذلك كما سنشير إلى وجههما.

وتوهم : عدم القاعدة في الاخبار عن ترتب الثواب على العمل على تقدير

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ٦٠ الباب ١٨ من ابواب مقدمة العبادات ، الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١ : ٦٠ الباب ١٨ من ابواب مقدمة العبادات ، الحديث ٧ ، باختلاف.

(٣) تاريخ بغداد ٨ : ٢٩٦ ؛ عدة الداعي : ١٣.

٢٥٣

حمل البلوغ على الوصول بالطريق المعتبر ، ولا في اظهار التفضل عن ذلك ، مدفوع :

مضافا إلى ما نشير إليه [ فيما يأتي ] (١) من الفائدة في التفضل في أصل الثواب مع ذلك ، بأنّه على فرض التسليم يكون التفضل في بيان استحقاق الثواب البالغ المخصوص وان لم يكن ثواب الفعل واقعا بهذا المقدار.

الثانية : انّه هل الظاهر من الأخبار انّ كيفية العمل الصادر من العامل هو صدوره باحتمال الأمر فيكون الثواب عليه على نحو الانقياد ، أو صدوره بامتثال الأمر المحقق فيكون الثواب عليه لكونه إطاعة حقيقية وإتيانا للمأمور به بالأمر الشرعي.

ولكن الظاهر من البلوغ بعد ما عرفت من كون المتيقن منه هو الوصول بالقطع والقطعي ولا أقل من الاطلاق الشامل لكل منهما وللوصول بطريق غير معتبر بنحو واحد ، هو الثاني ، حيث انّ من المعلوم أنّ العمل بالأمر البالغ ـ أعم من المقطوع وغيره ـ بنحو واحد لا يكون إلاّ على نحو الامتثال ، وإلاّ فيلزم الاختلاف في ترتب العمل على البلوغ بالامتثال والانقياد ، وهو خلاف الظاهر.

ويدل عليه أيضا ترتب الثواب في كثير من الأخبار على العمل ، منها :

صحيحة ابن سالم المذكورة في صدر الروايات فانّ المراد من « شيء من الثواب » فيها ـ بقرينة رجوع الضمير واسم الاشارة إليه ـ العمل المشتمل على الثواب ؛ ومن المعلوم انّ استناد الأجر إلى العمل لا يكون إلاّ إذا كان مأمورا به وجيء به بقصد امتثال أمره.

إذا عرفت ما ذكرنا من كون العمل الصادر من العامل بسبب الأمر البالغ العامّ

__________________

(١) في الاصل المخطوط ( آنفا ).

٢٥٤

الصدق على مطلق الأمر بنحو واحد وكون الظاهر من الأخبار ترتب الثواب على نفس العمل فيستكشف من هذا وجود الأمر الشرعي في مورد الرواية غير المعتبرة ، وإلاّ فلا بدّ من كون العمل في هذا المورد انقيادا محضا ، وهو مخالف لظاهر الأخبار من الجهتين.

والحاصل : انّه لا ينكر انّ الظاهر من الأخبار ترتب الثواب على نفس العمل وهو مسبب عن الأمر الشرعي والرجحان النفسي ، فيستكشف بالإن رجحانه وتعلق الأمر به ، فيحكم باستحبابه ، نظير : « من سرّح لحيته ... فله كذا » (١) وان كان لو لا هذه الاخبار لما حكم باستحبابه في المقام.

وقد أورد على ما ذكرنا من استكشاف الاستحباب الشرعي من هذه الأخبار بمجرّد ورود رواية ضعيفة بوجوه :

منها : انّ الظاهر من بعض الأخبار كون الثواب مترتبا على العمل المأتي به التماس الثواب الموعود وفي بعض آخر ترتبه على العمل المأتي به رجاء ثواب الله ، ومن المعلوم انّ صدور العمل التماس الثواب ورجائه لا يكون إلاّ مع احتمال الأمر لا مع العلم به.

وفيه : انّهما صادقان ولو فيما علم فيه بالأمر وأتى بالعمل امتثالا له امّا للخوف عن العقوبة أو لرجاء المثوبة على اختلاف مراتب العبيد ، وإذا كانا صادقين مع العلم بالأمر بلا تكلف أصلا فلا يستكشف منهما ظاهر على خلاف ما ذكرنا. هذا لو كان الثواب ملازما للأمر ، مع انّه غير مسلّم بل المسلّم الملازمة بين الأمر واستحقاق الثواب ومعنى استحقاقه ـ كاستحقاق المدح عند العقلاء ـ انّه لو أثاب المولى المطيع لكان في محله لا انّه لا بدّ من اعطائه فعلا بحيث لولاه لكان ظالما

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ٤٢٩ الباب ٧٦ من ابواب آداب الحمام ، باب استحباب تسريح اللحية سبعين مرة .... ، الحديث ١.

٢٥٥

في حقه ، كما لا شبهة في كون استحقاق المدح من العقلاء كذلك. ولا يخفى انّ الحاكم بالاستحقاقين هو العقل وهو لا يحكم أزيد من هذا المعنى ؛ وحينئذ فمع العلم بالأمر لا يعلم بالثواب الفعلي فيؤتى بالمأمور به القطعي رجاء ترتبه فعلا والتماسا له.

والحاصل : انّ المقصود عدم ظهور للرجاء والالتماس في احتمال الأمر ، وكون العمل بداعي احتماله كي يرفع اليد عمّا ذكرنا من الظهور.

ومنها : انّ في بعض الأخبار ترتب الثواب على صدور العمل طلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والظاهر منه وقوعه بداعي احتمال قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإلاّ فمع العلم به لا طلب له.

وفيه : مضافا إلى كون الظاهر منه ـ ولا أقل من الاحتمال المساوي ـ اتيان العمل لامتثال قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولأجل طلبه في مقابل الاتيان به لا لذلك فلا يكون ظاهرا في خلاف ما ذكرنا ؛ انّه على فرض التسليم يكون الخبر المشتمل عليه يكون (١) في عداد الأخبار الدالة على وعد الثواب على المنقادين ، ولا تنافي بينها وبين سائر الأخبار كي يرفع اليد عن ظاهرها.

ثم انّه لا يرد على ما ذكرنا من صدق الرجاء والالتماس والطلب في صورة العلم بالأمر بعدم الفائدة في الإخبار بالثواب وتفضله لأنّ التفضل حينئذ في مقداره مع صحته في أصله أيضا لما عرفت من عدم الملازمة بينه وبين الأمر.

ومنها : انّ أخبار التسامح على فرض دلالتها معارضة بالأدلة الدالة على عدم حجية الخبر [ غير المعتبر ] (٢) فلا يثبت به الاستحباب.

وفيه : مضافا إلى عدم الملازمة بين استكشاف الأمر من الثواب على الفعل

__________________

(١) زائدة.

(٢) في الاصل المخطوط ( الغير ).

٢٥٦

في موضوع الخبر غير المعتبر وبين حجيته ؛ انّه على تقدير التسليم يكون اختيار التسامح مقدمة على الأدلة المانعة لأخصّيتها عنها.

ومنها : انّ الثواب على الفعل أعمّ من تعلق الأمر به ومن الانقياد.

وفيه : انّ ثواب الانقياد كعقاب التجري على القول به إنّما هو للفاعل بحسن طينته المنكشف بالفعل المنقاد به مثل كون عقاب التجري عليه بخبث طينته المنكشف به لا بنفس الفعل كما هو الأخبار في المقام ، وترتب الثواب عليه لا يكون إلاّ بتعلق الأمر به.

ومنها : ما أورده الشيخ قدس‌سره في الفرائد (١) من انّ الظاهر من الأخبار كون العمل متفرعا على البلوغ وكونه الداعي عليه أي انّ الداعي الأمر المحتمل المخبر به لا الأمر المحقق ؛ ويؤيده تقييد العمل في غير واحد من الأخبار بطلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وفيه : امّا عن التأييد فما عرفت.

وامّا عن التفريع فبأنّ التفريع كما يكون باتيان العمل بداعي الأمر المحتمل البالغ بالخبر غير المعتبر كذلك يكون بمجرد اتيان العمل عقيب البلوغ وصدوره منه بعده ولو بأن يكون الداعي إلى العمل الأمر المحقق المنكشف باخبار التسامح بعد البلوغ.

والحاصل : انّه لا وجه لرفع اليد عن ظاهر الأخبار في انكشاف الأمر عن الثواب على العمل ؛ مضافا إلى انجبار ضعف دلالتها بعمل المشهور وذهابهم إلى العمل بها.

الامر [ الخامس ] : (٢) انّه لا شبهة في اجراء البراءة في الشبهة الوجوبية في

__________________

(١) فرائد الاصول ٢ : ١٥٥.

(٢) في الاصل المخطوط ( الامر .... ).

٢٥٧

كل ما شك انّه من مصاديق الواجب الثابت بدليل لفظي سواء كان الشك في الفردية من جهة اجمال الدليل أو من جهة اختلاط الامور الخارجية لعدم كون العام حجة إلاّ فيما علم انّه من مصاديقه ، ومن المعلوم انّ الحكم الثابت له ينحل إلى أوامر عديدة فكل فرد يعلم انّه من مصاديقه يعلم حكمه منه دون ما لم يعلم انّه من مصاديقه.

وكذا لا اشكال في البراءة في الشبهة التحريمية في الفرض المذكور إذا كان اعدام الطبيعة في ضمن كل فرد مطلوبا على حدة بحيث لو أتى بفرد وترك آخر لحصلت المخالفة بالنسبة إلى واحد والامتثال بالنسبة إلى آخر ؛ وامّا لو كان عدم الطبيعة في ضمن جميع افراده مطلوبا واحدا بحيث لم يلحظ في المطلوب إلاّ عدم الطبيعة بما هي هي بحيث لو ترك جميع افرادها وأتى بواحد منها لكان لم يمتثل أبدا ولحصلت المخالفة بالكلية فيشكل اجراء البراءة حينئذ إذا شك في فرد انّه من مصاديق الطبيعة حيث لو (١) انّه لو أتى به لحصل الشك في امتثال الطلب المتعلق بعدم الطبيعة والفرض انّه لم ينحل إلى أعدام كي يرجع الشك في بعض الافراد إلى تعلق تكليف زائد بالنسبة إليه بعد العلم بتعلقه بالباقي بل الشك في امتثال عين المطلوب متحققا كما لا يخفى ، وهو كما لو تعلق الطلب بايجاد الطبيعة وشك في امتثاله من جهة الاتيان بالشك انّه من مصاديقه فكما يحكم العقل بلزوم تحصيل اليقين بايجاد الطبيعة بالاتيان بما يعلم انّه من مصاديقه فكذلك يحكم باليقين باعدام الطبيعة في الفرض باعدام جميع افراده اليقينية والمشكوكة.

ودعوى : انتقاضه بطرف الوجود إذا كان العام استغراقيا ولكن بحيث كان جميع افراده موضوعا واحدا لحكم واحد بحيث كان مطلوبية كل منها منوطا

__________________

(١) زائدة.

٢٥٨

بمطلوبية باقي الافراد ومع ذلك يشك في بعض الافراد انّه من مصاديقه فيلزم ممّا ذكرت من رجوع الشك في الفرض المذكور إلى الشك في الامتثال عدم اجراء البراءة في الشبهة الوجوبية أيضا ، مدفوعة :

أولا : بالتزام عدم جريان البراءة عقلا في ما كان مطلوبية كل فرد من العام منوطا بمطلوبية الباقي بحيث كان المجموع من حيث المجموع مطلوبا واحدا مركبا يكون الشك في كون فرد مصداقا للعام موجبا للشك في الامتثال بالنسبة إلى المركب.

وثانيا : بكون القياس مع الفارق حيث انّ المطلوب في طرف الوجود حينئذ لما كان مركبا فينحل العلم الاجمالي بالوجوب المردد بين تعلقه بالأكثر والأقل إلى العلم التفصيلي بوجوب الاجزاء المعلومة بالوجوب المطلق المشترك بين كونه نفسيا وغيريا وشكا بدويا في الزائد وفي أصل تعلق الوجوب به ، وهذا بخلاف عدم الطبيعة فانّه مطلوب واحد بسيط ليس بذي اجزاء حتى ينحل إلى المعلوم التفصيلي والمشكوك البدوي كي يرجع الشك إلى أصل التعلق بل يرجع إلى امتثال الطلب المتعلق بالعدم الوحداني فلا بدّ من الاحتياط ؛ لكن هذا كله مع قطع النظر عن أصل موضوعي في البين.

وامّا بملاحظته كأن يقال : الأصل ايجاد الطبيعة بمفاد كان التامة باتيان الفرد المشكوك وبقائه في العدم الأزلي فيتضح به عدم تحقق موضوع المخالفة للخطاب المعلوم فلا اشكال بعد ذلك لاحراز المطلوب وهو ترك الطبيعة بالأصل ويجري البراءة في الفرد المشكوك بأصل البراءة.

[ الامر السادس ] : (١) انّه لا اشكال في جريان البراءة في الشك في

__________________

(١) في الاصل المخطوط لا توجد هنا كلمات بل توجد علامة غير واضحة على ان هذا هو الامر السادس.

٢٥٩

الوجوب التعييني ذاتيا أو عرضيا كالواجب المخير المتعين لأجل الانحصار وكذا في الشك في أصل تعلق الوجوب التخييري إذا لم يكن تعلق الوجوب معلوما ابدا ، وامّا إذا كان أصل الوجوب في الجملة معلوما وعلم بتعلقه بفرد وشك في انّه هل تعلق بفرد آخر بالخصوص حتى يكون تخييريا شرعيا أو من جهة تعلقه بالكلي المشترك بين الفرد المعلوم تعلقه به والمشكوك تعلقه به حتى يكون تخييريا عقليا أو لا حتى يكون الواجب تعينيا فالظاهر عدم جريان البراءة في الفرد المشكوك عقلا ونقلا.

امّا عقلا : فلكون مدرك البراءة هو قبح العقاب من غير بيان ، ومن المعلوم انّ تعلق الوجوب بالفرد المشكوك على نحو التخيير لا يوجب عقابا زائدا على العقاب المعلوم من تعلقه بالفرد المعلوم كي يتمسك بقاعدة القبح حيث انّ تركب الفرد المشكوك لو كان مع ترك الفرد المعلوم الحكم فيكون العقاب من جهة ترك الواجب المعلوم ، وان كان بدونه فلا عقاب قطعا ولو مع القطع بوجوبه فضلا عن الشك فيه.

وامّا نقلا : فلأنّ أدلة البراءة وان كانت شاملة بظاهرها للفرد المشكوك في حكمه من حديث الرفع والحجب والسعة ونحوها إلاّ انّ من المعلوم انّها سيقت مساق الامتنان ، ورفع الوجوب من الفرد المشكوك ينافي التوسعة والامتنان فلا تتم مقدمات الحكمة لاثبات الاطلاق في غير مورد الامتنان كي يتشبث في رفع الحكم المشكوك بذيل اطلاق الأدلة ؛ وامّا أصالة عدم تعلق الوجوب بالفرد المشكوك :

فان كان الشك في تعلقه به بالخصوص وكونه واجبا بالتخيير الشرعي فلا بأس بها للعلم بتعلقه بالفرد المعلوم بالخصوص والشك في تعلقه به فتجري أصالة العدم.

٢٦٠