تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ٢

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 978-600-5213-31-7
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٦٣٨
الجزء ١ الجزء ٢

كانت في نبأ الفاسق علة تامة للحجية ، فتأمل.

هذا بناء على عدم منع التعليل عن المفهوم بكون المانع هو مطلق الاصابة ، وامّا بناء عليه فلا دلالة للآية على الحجية أصلا ، كما لا يخفى.

الثاني : دلالة مرفوعة زرارة ومقبولة ابن حنظلة على ذلك.

ففي الاولى قال زرارة : « قلت : جعلت فداك يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما نعمل؟ قال عليه‌السلام : خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر ، قلت : سيدي أنهما معا مشهوران مأثوران عنكم ، قال عليه‌السلام : خذ بما يقوله أعدلهما ». (١)

وفي الثانية : ـ بعد فرض السائل تساوي الراويين في العدالة ـ قال عليه‌السلام : « ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فانّ المجمع عليه لا ريب فيه ... الخ ». (٢)

فانّ إناطة الحكم في كلتا الروايتين بالشهرة تدل على اعتبار الشهرة في نفسها مطلقا ولو كانت في غير الرواية كما في الشهرة الفتوائية ، مع احتمال كون المراد من الموصول في الرواية هو مطلق الشهرة ولو في الفتوى.

وفيه :

أولا : انّ المراد من الشهرة في الروايتين بقرينة فرض الراوي الشهرة في كلا الطرفين هو الشهرة في الرواية ؛ ومن المعلوم انّ دخل الشهرة في موضوع خاص في التقدم والتعيّن لا يدل على كونها مناط وجوب الأخذ مطلقا ولو في غير ذلك الموضوع ، كما لو سألت عن انّ : « أيّ المسجدين أحبّ إليك » قلت : « ما كان

__________________

(١) عوالي اللآلي ٤ : ١٣٣ الحديث ٢٢٩ ؛ مستدرك الوسائل ١٧ : ٣٠٣ الحديث ٢ / ٢١٤١٣. في كليهما باختلاف يسير.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٧٦ الباب ٩ من ابواب صفات القاضي الحديث ١.

١٠١

الاجتماع فيه أكثر » لم يحسن للمخاطب أن ينسب إليك محبوبية كلّ مكان يكون الاجتماع فيه أكثر ، بيتا كان أو سوقا ونحوهما.

وثانيا : انّ كون الشهرة هو المناط في وجوب الأخذ في الروايتين إنّما هو في مقام الدوران الذي لا بدّ من الأخذ باحدى الروايتين في نفسهما وكان التحيّر في مجرد التعيين ؛ ومن المعلوم انّ أخذ شيء مناطا للتعيين بعد ثبوت أصل العمل والحجية في نفسه إنّما هو لتعيين ما به التقدم عقلا واعتبارا بحيث لو لا التعيين منه عليه‌السلام لكان العقل حاكما به في ذاك المقام ، فلا يدلّ على كونه مناطا وعلة لأصل الحجية ابتداء كما فيما نحن فيه.

وثالثا : انّ الظاهر من تعليل الأخذ بالمشهور بعدم الريب في المجمع عليه الذي هو الشهرة كما لا يخفى ، انّ المناط في العمل بالمشهور من الروايتين هو عدم الريب والاطمئنان بالصدق بقول مطلق ، بحيث يصدق عليه انّه ممّا لا ريب فيه مطلقا كما هو كذلك في الشهرة في الرواية بين الأصحاب في الصدر الاول ، فانّه لو انعقدت الشهرة بينهم في رواية تدوينا ورواية تطمئن النفس بصدورها من الامام عليه‌السلام بحيث يصدق عليها حينئذ انّها لا ريب فيها مطلقا لا بالاضافة إلى الشاذ كما أفاده الشيخ رحمه‌الله (١) لما عرفت من ظهور التعليل في الاطلاق مع كونه أقرب إلى الاعتبار بالنسبة إلى الشهرة في الرواية في الصدر الأوّل خصوصا مع كون انعقاد الشهرة في سماع الرواية الذي تطمئن النفس بالصدق وعدم الخطأ فإذا كان المناط عدم الريب هكذا ، يظهر عدم دلالة الرواية على حجّية الشهرة الفتوائية التي يتطرق فيها احتمالات باب الخطأ في الحدس الموجبة لانفتاح باب الريب من جهات عديدة.

__________________

(١) فرائد الاصول ١ : ٢٣٥.

١٠٢

فمن هنا يعلم أنّه لو قلنا ـ في مقام دوران الأمر بين الأخذ بالشهرة في الفتوى وغيرها ـ بتعيّن الأخذ بالمشهور [ فهو ] إنّما كان من جهة حكم العقل بالتعيّن حينئذ ، لا من جهة هذه العلة في الرواية ، فتدبّر جيدا.

١٠٣

خبر الواحد

ومن جملة الظنون الخارجة بالخصوص عن أصالة حرمة العمل بالظن خبر الواحد عند المشهور ، بل يكون هو المجمع عليه في الجملة كما يأتي ان شاء الله.

اعلم : انّ استفادة الأحكام الفرعية عن الأخبار المروية عن الحجج صلوات الله عليهم يتوقف على جهات شتى :

منها : تشخيص حقائقها عن مجازاتها وتمييز ظهوراتها العرفية ، وقد عرفت عدم حجية الأمارات المعمولة في ذلك من قول اللغوي ونحوه إلاّ ما يحصل منه القطع بصغرى الظهور.

ومنها : تعيين كون ظهورها مرادا ، وقد عرفت حجية الأمارات المعمولة في ذلك من أصالة الظهور ونحوها بالخصوص.

ومنها : كون صدورها لاظهار المطلوب الواقعي من بيان حكم الله الواقعي لا لجهة اخرى من تقية ونحوها ، والظاهر بناء العقلاء على حمل كلام المتكلم على بيان مطلوبه الواقعي لا على صدوره لجهة طارئة من خوف واضطرار ونحوهما ، إلاّ أن تقوم قرينة على الخلاف.

ومنها : إثبات حجيتها ـ من حيث الاخبار ـ بالصدور منهم عليهم‌السلام وهو المبحوث عنه في المقام.

وقبل الخوض في البحث عن حجية الأخبار وذكر أدلة الطرفين لا بدّ من أن يعلم وجه إدراجها في المسائل الاصولية ، فانّه قد يشكل فيه كما عن المحقق

١٠٤

القمّي رحمه‌الله (١) بناء على مختاره من كون موضوع الاصول الأدلة بعنوان كونها أدلة لوضوح عدم كون البحث عن الحجية الراجعة إلى الدليلية بحثا عن أحوال الموضوع وعوارضه حينئذ. نعم قد يتكلف في إدراجها في المسائل كما عن الفصول (٢) بجعل الموضوع ذات الأدلة بلا ملاحظة الوصف كي تكون الحجية عن عوارضه. (٣)

وقد أفاد الشيخ قدس‌سره (٤) وجه إدراجها في المسائل ـ بحيث لا يحتاج إلى هذا التجشّم ـ بارجاع البحث عن الحجية راجعا إلى البحث عن اثبات قول الحجة عليه‌السلام أو فعله أو تقريره باخبار الآحاد بناء على كون الموضوع وهو السنّة أحد هذه ؛ ومن المعلوم انّ حجيتها مفروغة عنها في علم الكلام ، فالمهمّ اثباتها فيما نحن فيه ودخوله في المسائل لا يحتاج إلى التجشّم المذكور.

ولكنه يرد عليه الاشكال من جهة اخرى ، وهو : انّ البحث يرجع إلى البحث عن تحقق الموضوع ووجوده المحمولي الذي هو مفاد كان التامة المسئول عنه بـ « هل البسيطة » ، ولا بدّ في المسألة من كونها من العوارض المسئول عنها بـ « هل المركبة ».

فان قلت : انّ اثباته الحقيقي كذلك ، لا البحث عن اثباته التعبدي كما فيما نحن فيه ، فانّه ليس إلاّ بمعنى ترتيب الآثار الفرعية عليه التي كانت من العوارض

__________________

(١) النسخة الحجرية القديمة من القوانين المحكمة طبعة ١٢٩١ ه‍ ق ١ : ٦ الحاشية المبدوة بقوله : « موضوع العلم هو ما يبحث فيه ... الخ » وآخرها عبارة : « منه رحمه‌الله ». وهذه الحاشية مقلوبة ، اولها الى اسفل ثم تتدرج الى اعلى الصفحة. والنسخة هذه عثرنا عليها في مكتبة السيد المرعشي في قم برقم ١٧٦ / ٩٥.

(٢) الفصول الغروية : ١٢ السطر ١٠.

(٣) أي كي يكون البحث عن الحجية بحثا عن عوارض الدليل.

(٤) فرائد الاصول ١ : ٢٣٨.

١٠٥

بلا كلام.

قلت : انّ الثبوت التعبدي وان كان كذلك إلاّ انّه بالنسبة إلى ما يشك كونه قول الامام وان لم يكن قوله واقعا ، لا بالنسبة اليه نفسه ، فلو كان المراد من السنّة المندرجة في الأدلة الأربعة المأخوذة في موضوع علم الاصول هو قول الامام واقعا لأشكل كون البحث عن الثبوت التعبدي داخلا في المسائل الاصولية وان كان يجدي دخوله في العوارض ؛ كما انّ التجشّم المذكور لا يجدي في ذلك لعين ما ذكرنا.

والتحقيق : انّ مناط دخول مسألة في علم من العلوم ليس بالموضوع ولا تميزه عن علم آخر به كما حقق في محله ، بل المناط في الاندراج هو الدخل ، بلا توسيط بعيد في الغرض الذي دوّن ذاك العلم لأجله بأن يقع في صغرى أو كبرى قياس منتج لذاك الغرض ، وإنّما التميز بالغرض أيضا لا الموضوع ولا المحمول ، وإنّما الموضوع في كل علم هو : الجامع ، القدر المشترك بين شتات موضوعات مسائله ولو كان عنوانا انتزاعيا متاخرا عنها أخذ لضبط الموضوعات بعنوان واحد ؛ ومن المعلوم تحقق هذا المناط في حجية الخبر الواحد حيث انّه قاعدة ممهدة لاستنباط الحكم الفرعي اثباتا ونفيا على ما هو المقرر في تعريف الاصول من كونه العلم بالقواعد الممهدة للاستنباط المذكور ، فيندرج في مسائله بلا احتياج إلى التجشّم المذكور ، ولا إلى ارجاع البحث إلى البحث عن اثبات قول المعصوم عليه‌السلام باخبار الآحاد.

فإذا عرفت دخول الحجية في المسائل فاعلم : انه لا يبعد كونها في الجملة ـ ولو عند انسداد باب العلم ولو خصوص قسم منه من الخبر الموثق أو المفيد للظن

١٠٦

الاطمئناني ـ اجماعية ومقطوع بها بالخصوص حتى من السيّد (١) وأتباعه ، غاية الأمر انّه يدّعي عدم حجيته من جهة ذهابه إلى انفتاح باب العلم بحيث يظهر منه تسليم حجية الأخبار على تقدير الانسداد بأن يكون الانسداد حكمه بنحو الكشف لحجيتها بالخصوص ؛ فلا يردّ بأنّ تسليمه على فرض الانسداد لا يجدي في تحقق الاجماع على كون الأخبار حجة بالخصوص في الجملة كما سيجيء في تقرير الاجماع على حجيتها ان شاء الله.

وأمّا حجيتها في الجملة مطلقا ولو من باب الانسداد فهو مقطوع بها في أمثال هذه الأزمنة غاية الأمر إنّما الاختلاف في وجه حجيتها من كونها مقطوع الصدور كما عن الأخباريين ، أو كونها من باب الظن الخاص كما عن أكثر المحققين ، أو كونها من باب الظن المطلق كما عن بعض آخر ؛ وعلى كلّ حال فدعوى القطع بجواز العمل بها في زمان الانسداد ـ بل وجوبه الثابت ولو ببرهان الانسداد ـ ممّا لا بعد فيه.

وامّا دعوى : كون وجوب العمل بها من ضرورة المذهب كما عن الشيخ (٢) ، فلا وجه له ظاهرا ، لأنّ وجوب العمل بها فرع حجيتها.

فان كان دعوى الضرورة في وجوب العمل من جهة دعوى حجيتها بالخصوص ، ففيه :

انّه بعد عدم كونها ضروريا كذلك ، لا يتناسب مع هذا العنوان جعل المقام الثاني في النزاع في حجيتها بالخصوص في قبال السلب الكلي ، كما لا يخفى.

__________________

(١) هذا المعنى يدعيه المعالم على السيد صريحا في المعالم : ١٩٦ ـ ١٩٧ ؛ لكن كلمات السيد بنفسها غير صريحة بهذا الحد. راجع الذريعة الى اصول الشريعة ٢ : ٥٣٩ و ٥٤١ ؛ ورسائل المرتضى ٣ : ٣١٣ و ١ : ٥١ هذا ؛ وقد أشبع الكلام حول خبر الواحد في المسائل التبانيات من رسائل المرتضى ١ : ٢١ ـ ٩٦.

(٢) فرائد الاصول ١ : ٢٣٩.

١٠٧

وان كان من جهة حجيتها مطلقا أعم من أن يكون بالخصوص أو بدليل الانسداد ، ففيه :

مع اختلاف القائلين بتمامية الانسداد في النتيجة من كونها خصوص الظن بالواقع أو خصوص الظن بالطريق أو الأعم منهما فيشترط وجوب العمل بها عند كل بحصول ما يتوقف عليه عنده من حصول الظن منها بالواقع أو بالطريق المحتمل العدم ؛ انّه على تقدير القطع بحصول كل ما يتوقف عليه العمل عند كل واحد يكون الوجوب العمل قطعيا ثابتا بالبرهان لا من ضروريات المذهب ، مع انّه قد لا يكون الوجوب شرعيا بل عقليا كما على تقرير مقدمات الانسداد بنحو الحكومة ، كما لا يخفى.

ثم انّ دعوى : كون الاخبار مقطوعة الصدور مع كثرة الدسّ من الكذابين والتقطيع واختفاء الأخبار الصادرة عنّا ووقوع سائر أسباب الخلل ، لا وجه له ؛ فالأولى أن يقع البحث في حجيتها بالخصوص وعدمه.

فقد استدل المانعون :

بالآيات الناهية عن العمل بغير العلم.

وبالتعليل المذكور في ذيل آية النبأ المدعى دلالتها على عدم حجية الخبر غير المفيد للعلم.

وبالأخبار الكثيرة الدالة على عدم حجيتها ووجوب طرحها.

أمّا الجواب :

عن الآيات الناهية : فبأنّ دلالتها بالاطلاق المتوقف على عدم الانصراف والمتيقن في البين ؛ وصورة الانفتاح من الحالات والخبر غير الموثق فيما نحن فيه ممّا انصرف إليهما الاطلاق ، ولا أقل من كونهما المتيقن من الآيات ، وعلى فرض الاطلاق فهي مخصصة بما سيجيء من الادلة المجوزة ؛ هذا لو لم نقل بتخصصها

١٠٨

بأن يكون العلم المنهي عما عداه فيها أعم من الحجة.

وأمّا عن آية النبأ : فسيجيء.

وأمّا عن الأخبار : فبأنّ غاية الاستدلال بها بحيث يخرج عن الاستدلال بخبر الواحد انّها :

بين ما كان دالا على عدم جواز مطلق الخبر غير العلمي.

وبين ما كان ناهيا عن خصوص ما لم يوجد له شاهد من الكتاب والسنّة المعلومة.

وبين ما كان آمرا على ردّ ما لا يوافق الكتاب ، وفي بعضها انّه « زخرف ». (١)

وبين ما كان ناهيا عن الأخذ بالخبر المخالف للكتاب.

وهذه الطوائف وان لم يكن كلّ واحد منها ولا المجموع متواترا لفظا ولا معنى لاختلافها بحسبهما إلاّ أنها متواترة اجمالا بمعنى انّه يعلم بصدور بعضها كذلك بحيث يستحيل عادة أن تكون كلّها كاذبة ، وقضية ذلك أن يؤخذ بأخصها مضمونا وهو الخبر المخالف ؛ ومن المعلوم انّه لا يدل على حكم ما لم يوجد مضمونه في الكتاب فلا دلالة له على السلب الكلي. واشتمال القرآن على كلّ حكم وكل رطب ويابس إنّما هو بالتأويل الذي لا يعلمه إلاّ الله والراسخون.

ثم انّ ملاحظة عدم كون مخالفة الخاص بالنسبة إلى العام مخالفا له عرفا مع ملاحظة القطع بصدور الأخبار المخالفة للكتاب بنحو العموم والخصوص عنهم عليهم‌السلام يقطع بكون المراد بالمخالفة هو المخالفة على وجه التباين الكلي ، ولا أقل من لزوم الحمل عليه جمعا ، فلا يشمل ما كان منها مخالفا للكتاب بنحو العموم والخصوص.

__________________

(١) « وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ». وسائل الشيعة ١٨ : ٧٩ الباب ٩ من ابواب صفات القاضي ، الحديث ١٤.

١٠٩

وامّا الاهتمام في هذه الأخبار بطرح الأخبار المخالفة [ فهو ] لتنبيه الأصحاب على وجود الأخبار الكاذبة المدسوس بها في الاصول ليهذّبونها ويحفظونها أن تنالها يد المخالفين بعد ذلك.

وأمّا توهّم : كون المخالفة في هذه الأخبار هو مطلق المخالفة ـ لعدم صدور المخالفة على نحو التباين الكلي من الكذّابين ـ كي صاروا عليهم‌السلام بصدد التنبيه عليه ، مدفوع :

بأنّ عامة الناس في أزمنة صدور الأخبار ليس لهم مزيد معرفة بحالهم كي لا يقبلوا كلّ ما ينسبوه إليهم من الأخبار المكذوبة ؛ ومن المعلوم انّ غرض المخالفين صرف وجوه الناس عنهم عليهم‌السلام وهو لا يحصل إلاّ باسناد الأخبار المخالفة على وجه التباين ، فصاروا عليهم‌السلام بصدد تنبيه الأصحاب على وجود مثل هذه الأخبار في الاصول صونا لهم بقبول مثلها.

والحاصل : انّ هذه الأخبار لا تدل على النهي عن الاخذ بالأزيد من الأخبار المتباينة بنحو التباين الكلي ؛ وبعد اخراج هذه الطائفة يكون التمسك بالباقي تمسكا باخبار الآحاد.

وان أبيت إلاّ عن التواتر الاجمالي بعد هذه الطائفة أيضا فنقول :

أخص الطوائف مضمونا هو الأخبار الناهية عمّا لا يوافق الكتاب والسنّة المعلومة ، وظاهر القضية السالبة عرفا هو السالبة بانتفاء المحمول ، فيحمل غير الموافق على المخالف ، خصوصا بقرينة تقابل المخالفة مع الموافقة في رواية محمد بن مسلم (١) وصحيحة هشام بن الحكم (٢) ، فتكون هذه الطائفة مشتركة مع

__________________

(١) « يا محمد ما جاءك في رواية من بر أو فاجر يوافق القرآن فخذ به ، وما جاءك في رواية من بر أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به ». مستدرك الوسائل ١٧ : ٣٠٤ الباب ٩ من ابواب صفات القاضي ( باب وجوب الجمع بين الاحاديث المختلفة ) الحديث ٢١٤١٦ / ٥ ؛ بحار الانوار ٢ : ٢٤٤ الباب ٢٩ علل اختلاف الاخبار ... الخ الحديث ٥٠.

(٢) « لا تقبلوا علينا الاّ ما وافق القرآن والسنة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة ، فانّ المغيرة بن سعيد لعنه الله دسّ في كتب اصحاب أبي احاديث لم يحدّث بها ، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا محمد (ص) فانّا اذا حدثنا قلنا : قال الله وقال رسول الله (ص) ». بحار الانوار ٢ : ٢٥٠ الباب ٢٩ علل اختلاف الاخبار ... الخ الحديث ٦٢ و ٤٩ ؛ اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي ) ٢ : ٤٨٩ الحديث ٤٠١ في المغيرة بن سعيد.

١١٠

الطائفة [ السابقة ] في القصور عن النهي عن الاخبار مطلقا ، فتأمّل.

أمّا الاجماع الذي ادعاه السيّد المرتضى (١) على عدم حجية خبر الواحد بل جعله في بعض كلماته كالقياس (٢) في كون ترك العمل به معروفا من مذهب الشيعة ، ففيه :

انّ كونه كالقياس عندهم مقطوع العدم ، فلعل هذه الدعوى امّا اشتباه منه ، أو كانت المقايسة بين القياس وكلّ خبر واحد سواء كان ضعيفا أو مجهول الحال وغيرهما من الأقسام التي لا يذهب إليه.

وأمّا الاجماع فموهون : بذهاب الأكثر كالشيخ (٣) والعلامة (٤) وغيرهما إلى حجيته ، بل ينقل الاجماع على خلافه ، مضافا إلى كونه نقلا واحدا لا يصح التمسك به لعدم حجية خبر الواحد.

وامّا المجوّزون : فقد استدلوا على حجيته بالادلة الاربعة ، فمن الكتاب بآيات ، منها : آية النبأ وهو قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ

__________________

(٣) رسائل الشريف المرتضى ١ : ٢٤ ـ ٢٥ في جواب المسائل التبانيات ؛ و ١ : ٢١٠ ـ ٢١١ في جواب المسائل الموصليات الثالثة ؛ و ٣ : ٣٠٩ في مسألة ابطال العمل باخبار الآحاد ؛ وراجع الذريعة الى اصول الشريعة ٢ : ٥٢٨.

(٤) رسائل الشريف المرتضى ١ : ٢٤ ـ ٢٥ ؛ و ١ : ٢١٠ ـ ٢١١ ؛ و ٣ : ٣٠٩.

(٥) العدة ١ : ١٢٦.

(٦) مبادئ الوصول الى علم الاصول : ٢٠٥ « فكان اجماعا ». نهاية الوصول الى علم الاصول الى علم الاصول ٣ : ٤٠٣.

١١١

فَتَبَيَّنُوا ). (١)

وما قيل أو يمكن أن يقال في وجه الاستدلال بها : وجوه :

منها : من جهة مفهوم الشرط ، حيث علّق وجوب التبيّن في النبأ على مجيء الفاسق فيدل على انتفائه عند انتفائه.

ومنها : من جهة مفهوم الوصف ، حيث حكم بالتبيّن من خبر الفاسق ، فينتفي عند خبر العادل.

ومنها : من جهة دلالة الاشارة ، حيث اقترن بالحكم صفة مناسبة له هو الفسق بحيث لو لم تكن علة له لبعد الاقتران مع شدة المناسبة ؛ وهذه غير جهة مفهوم الوصف كما في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : [ « هلكت وأهلكت » (٢) بعد قول الأعرابي : « واقعت أهلي في نهار رمضان » ]. (٣)

ومنها : انّه تعالى لمّا علل عدم قبول نبأ الفاسق بدون التبيّن بخوف إصابة القوم بدونه ظهر وجود المقتضي للقبول بنفسه ، وإلاّ لكان الأولى تعليل العدم بعدم المقتضي للوجود لا بوجود المانع.

ومنها : من جهة دلالة المنطوق ، بناء على شمول التبيّن للظن والاطمئنان المتحقق في خبر العادل بنفسه ، مع حمل الجهالة في العلة على ما عدى العلم والاطمئنان أو على السفاهة.

ولكن الظاهر عدم تمامية كل منها للدلالة على الحجية.

أمّا مفهوم الشرط ، ففيه :

انّه على تقدير تسليم دلالة القضية الشرطية على المفهوم يكون ذلك

__________________

(١) سورة الحجرات : ٦.

(٢) وسائل الشيعة ٧ : ٣٠ الباب ٨ من ابواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٥.

(٣) في الاصل المخطوط ( بعد قول الأعرابي هلكت وأهلكت واقعت أهلي في نهار رمضان ).

١١٢

بالاطلاق بمقدمات الحكمة المتوقفة على كون المتكلم بصدد بيان الحكم الفعلي في القضية الشرطية على كل تقدير كي يتمّ الاطلاق في ترتب الحكم على الشرط ، ومن المحتمل كونه بصدد بيان خصوص حكم المورد وهو اخبار الفاسق بالارتداد لا حكم الاخبار مطلقا.

ولكن الشيخ رحمه‌الله قد أورد على مفهوم الشرط بعد تقريبه بقوله : « ففيه : انّ مفهوم الشرط عدم مجيء الفاسق بالنبإ وعدم التبيّن هنا لأجل عدم ما يتبيّن ، فالجملة الشرطية هنا مسوقة لبيان تحقق الموضوع كما في قول القائل : ان رزقت ولدا فاختنه ... الخ ». (١)

حاصله : انّ ما كان معلقا على الشرط في القضية الشرطية المسوقة لبيان تحقق الموضوع هو شخص الحكم المترتب على موضوعه ، والتعليق عليه هو التعليق على الموضوع ، فيكون مفهومه انتفاء شخص ذاك الحكم بانتفاء موضوعه من باب السالبة بانتفاء الموضوع لا السنخ ، فلا يدخل خبر العادل في الموضوع لا مفهوما ولا منطوقا.

ويرد عليه :

أولا : انّه لا وجه لجعل الموضوع هو خصوص نبأ الفاسق كي يصير قوله تعالى : ( إِنْ جاءَكُمْ ) توطئة لتحقق الموضوع ، بل الظاهر انّ الموضوع في الآية هو طبيعة النبأ ولا دلالة فيها على كونه خصوص نبأ الفاسق ، فحينئذ يكون معناها : « ان كان الجائي بطبيعة النبأ هو الفاسق فتبيّنوا » وتكون كالقضايا المتعارفة مسوقة لتعليق الحكم على موضوع على شرط ينتفي ذاك الحكم مثل التبيّن عن طبيعة النبأ فيما نحن فيه عند انتفاء ذاك الشرط وهو مجيء الفاسق فيتم المطلوب وهو عدم

__________________

(١) فرائد الاصول ١ : ٢٥٧.

١١٣

وجوب التبيّن عند خبر العادل.

وثانيا : على تقدير تسليم كون القضية مسوقة لتحقق الموضوع ، انّ الظاهر عدم انسلاخ كلمة الشرط عمّا هو عليه من الدلالة على علاقة لزومية بين المقدم والتالي لازمها انتفاء سنخ الحكم الثابت في التالي عند انتفاء المقدم ، والظاهر انّ مدلول القضية بمقتضى ادوات الشرط ليس بأزيد من العلاقة اللزومية بين طبيعة الحكم في التالي وبين المقدم الذي لازمه انتفاء سنخ التالي عند انتفاء الشرط ؛ ولا فرق بين كون المقدم جزء سبب منحصر ، أو تمام السبب المنحصر ، أو كان ملازما للتالي ، أو كان موضوعا له كما في القضايا المسوقة لتحققه فانّه إذا علّق طبيعة الحكم على موضوع بأداة الشرط لكان مفهومه انتفاء سنخ الحكم عند انتفائه كما في مفهوم الوصف واللقب ـ على القول به فيهما ـ كقوله : « الغنم السائمة فيه زكاة » (١) ؛ ومن المعلوم انّه بناء على ما ذكرنا كان دلالة الآية انتفاء التبيّن عند نبأ العادل ، كما لا يخفى.

وثالثا : على تقدير التنزّل عن دلالة القضايا المسوقة لتحقق الموضوع على انتفاء سنخ الحكم عند انتفاء الموضوع ، فلا وجه للقول بالمفهوم الثابت بالدلالة اللفظية أصلا بالنسبة إلى انتفاء شخص الحكم فانّ انتفاء الشخص عند انتفاء موضوعه عقلي ثابت لكل حكم بالنسبة إلى موضوعه سواء كان بنحو التعليق أم لا.

فما يظهر من كلام الشيخ قدس‌سره (٢) من جعل خبر العادل خارجا عن المفهوم وانتفاء شخص التبيّن في خبر الفاسق عند انتفائه داخلا في المفهوم لا وجه له.

وأمّا مفهوم الوصف ، ففيه :

__________________

(١) تهذيب الاحكام ١ : ٢٢٤ / ٦٤٣ الباب ١٠ المياه واحكامها ... الخ الحديث ٢٦. قريب منه.

(٢) فرائد الاصول ١ : ٢٥٤.

١١٤

مضافا إلى عدم تسليمه أصلا خصوصا في الوصف غير المعتمد على موصوفه ؛ انّه على فرض التسليم إنّما هو فيما كانت الفائدة منحصرة في العلّية أو كانت هي أظهر الفوائد ، لا فيما كان غيرها أظهرها ، أو كانا متساويين كما فيما نحن فيه فانّه من المحتمل قريبا أن تكون الفائدة في الآية في ذكر الفاسق التنبيه على فسق الوليد ، فلو لم يكن لذكر الفاسق ظهور في هذا التنبيه فلا أقل من احتمالها المساوي الموجب لعدم انعقاد الظهور في المفهوم.

وأمّا دلالة الاشارة ، ففيه :

انّ عمدة السبب والقرينة في تلك الدلالة هو بعد الاقتران لو لا العلية بحيث يوجب اللغو أو عدم الفائدة في كلام الحكيم ، ومن المعلوم انّ اقتران الوصف للنكتة المذكورة ليس ببعيد ، فتنتفي القرينة العقلية.

وأمّا دلالة تعليل عدم قبول نبأ الفاسق باصابة القوم بالجهالة على تحقق المقتضي فيه ، ففيها :

انّها مسلّمة لو كان المعلل هو العدم مع كون العلّة هو الاصابة بالجهالة. ولكن الظاهر المنسبق من الآية انّ المعلل هو القبول مع التبيّن ، والعلة هو الخروج عن المعرضية التي كانت في نبأ الفاسق ، فعليه تكون الآية منساقة لبيان المقتضي في النبأ الذي لم يكن فيه هذا المقدار من الاصابة ؛ فعلى ذلك يرجع الاستدلال الأخير وهو التمسك بتحقق التبيّن والخروج عن معرضية الاصابة في نبأ العادل بنفسه بلا تبيّن خارجي فلا بدّ من القبول بمقتضى تحقق العلة.

ولكن الجواب : انّه كذلك لو لم يكن التبيّن ظاهرا في خصوص التبيّن العلمي ، بل كان أعمّ منه ومن الظني وهو محل منع مع انّه على فرض الاطلاق فيعارضه ظهور الجهالة التي في العلة فيما عدى العلم ، فلو لم تسلّم أظهريتها فيه فلا أقل من التساوي الموجب للاجمال ، كما لا يخفى.

١١٥

وليعلم : انّ التمسك بهذه الوجوه غير تام. نعم على تقدير التسليم فالأوجه الوجه الأول ثم الثاني.

ولكنه : مضافا إلى ما ذكر من عدم دلالة القضية الشرطية المسوقة لتحقق الموضوع على المفهوم أورد بوجوه من الإيراد :

أحدها : انّ القضية الشرطية بنفسها ظاهرة في المفهوم لو لم يكن معها ما هو أظهر منها على خلافها الموجب لعدم انعقاد ظهور لها فيه وهو العلة في البين الظاهرة في عموم محذورية الاصابة بالجهالة ولو كان في خبر العادل ؛ ومن المعلوم انّ العلة وان كانت دلالتها بالعموم أظهر من المفهوم فلا يستقر للقضية ظهور في المفهوم لو كانت متصلة بها كما فيما نحن فيه.

ولكنه يمكن الجواب عن ذلك : بأنّ الجهالة في العلة وان كانت ظاهرة بنفسها فيما عدى العلم مطلقا ، ولكن مقابلتها مع القضية الشرطية ربما توجب ظهورها في العمل السفهائي المتعارف حملها عليه في بعض المقامات.

والمناقشة : بعدم اقدام جماعة من العقلاء في مورد الآية بالعمل بخبر الوليد لو كان العمل بنبإ الفاسق سفهيا ، مدفوعة :

بأنّ العمل من جهة جهلهم بفسقه مع استبعادهم الكذب في مثل الخبر بالارتداد فنبّههم الله على فسقه وكون العمل به سفهيا لا ينبغي الاقدام عليه.

وان أبيت إلاّ عن ظهورها في ما عدى العلم ولو مع هذه المقابلة أيضا فنقول : انّه على تقدير التسليم فلا ظهور لها في الاطلاق مع وجود القدر المتيقن وهو الجهالة التي في خبر الفاسق ولا أقل من كون المقابلة سببا لذلك. إلاّ أن يقال : انّ المقابلة كما توجب عدم الاطلاق في الجهالة توجب عدم انعقاد الظهور للقضية الشرطية أيضا في المفهوم فتصير الآية مجملة حينئذ. نعم استدلال العلماء بالآية على حجية الخبر يكشف عن كونها ظاهرة فيه عرفا وإنّما الاشكال بحسب

١١٦

الصناعة.

وثانيها : انّه لو سلمنا دلالتها يشكل شمولها للروايات التي بأيدينا لوجهين :

أحدهما : كما هو التحقيق انّ هذه الأخبار ـ غير ما هو الناقل لقول الامام عليه‌السلام بلا واسطة ـ لا أثر لها يهمّ ترتيبه عليها إلاّ نفس الحكم بوجوب تصديق العادل ، وكذا الاخبار بعدالة رواتها بلحاظ ترتيب وجوب التصديق على اخبارها حيث انّه لا بدّ من سوق الآية الحاكمة بوجوب تصديق العادل بترتيب الأثر الشرعي على اخبار بلحاظ أثر شرعي آخر غير نفسه ولا يمكن السوق بلحاظ نفسه بانشاء واحد وإلاّ لزم تقدم الحكم على موضوعه ولا بدّ من التقديم.

نعم لو كان وجوب تصديق نبأ العادل ثابتا له بانشاء آخر سابق وسيقت الآية ثانيا بلحاظ جميع الآثار حتّى بلحاظ وجوب التصديق لما كان فيه بأس ، كما لو أخبر العادل باخبار البينة حيث انّ وجوب تصديق البينة ثابت لها بدليل آخر غير دليل حجية خبر الواحد وهذا بخلاف أخبار الآحاد فانّ وجوب تصديقها لم يثبت لها بغير الآية فكيف تكون مسوقة لأجله؟

وليعلم : انّ الاشكال من هذه الجهة لا فرق في الروايات بين ما لا واسطة فيه بالنسبة إلينا كما لو أخبرنا الشيخ رحمه‌الله بإخبار المفيد إياه ، وبين نفس خبر المفيد الثابت لنا بالواسطة حيث انّ المناط عدم امكان سوق الآية بلحاظ وجوب التصديق الذي لا بدّ منه في جميعها وبدونه لا ينتهي الأمر إلى قول الامام عليه‌السلام.

ولكن الجواب :

تارة : بأنّه وان لم يمكن لحاظ وجوب التصديق بنفسه في الآية ، إلاّ أنّه يمكن إدراجه فيها بتنقيح المناط القطعي بعدم الفرق بين الآثار الشرعية في الحكم بوجوب ترتيبها على المخبر به ، وحكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد.

واخرى : بأنّه يمكن إدراجه في اللفظ أيضا بجعل الأثر الشرعي المحكوم

١١٧

بوجوب ترتيبه على المخبر به هو طبيعة الأثر لطبيعة الخبر بجعل القضية طبيعية ولكن تلحظ الطبيعة بوجودها السّعي بنحو يكون الحكم لازما لها كي يسري الحكم إلى جميع وجوداتها ومصاديقها منها نفسه لكن بالغاء لحاظ خصوصياتها المتقوّمة بها التي تكون خارجة عن الطبيعة ولازما لوجودها.

والطبيعة التي هو الموضوع في هذه القضايا غير ما هو المتداول في المنطق من القضية الطبيعية من كون الموضوع نفس الطبيعة بما هي هي بل بوجودها الذهني نحو « الانسان نوع » و « الحيوان جنس » بل ما هو المعروف في الاصول من كون متعلّق الحكم هو الطبيعة بلحاظ وجودها الخارجي السّعي بنحو تكون الخصوصيات خارجة عن المطلوب ، في قبال القائل بكونه هو الأفراد بنحو تكون هي داخلة فيه.

والأول هو التحقيق بلا فرق بين ادراج الوجود في مفاد الهيئة كي يكون هو طلب الوجود والمادة نفس الطبيعة ، أو ادراجه في المادة كي يكون مفاد الهيئة هو الطلب فقط.

الوجه الثاني (١) للاشكال : من جهة الخبرية في الاخبار مع الواسطة حيث انّ الخبرية فيها مثل خبر المفيد في المثال المذكور إنّما هو فرع شمول الحكم بوجوب التصديق لمثل خبر الشيخ وبدونه ليس خبر في البين ومعه يثبت خبر المفيد إلاّ أنّه لا يمكن كونه موضوعا له ، للزوم تقدم الموضوع على الحكم فلا يشمل ما كان مؤخرا عنه ومتفرعا عليه.

وهذا الاشكال قد أثبته الشيخ قدس‌سره (٢) في الرسائل في الدورة الأخيرة على

__________________

(١) قد مضى الوجه الاول بعنوان ( احدهما ).

(٢) فرائد الاصول ١ : ٢٦٥.

١١٨

ما حكى عنه الاستاذ (١) دام ظله ، وقد أجاب عنه قدس‌سره بتنقيح المناط وبجعل القضية طبيعية.

ولكنه يرد عليه :

أولا : بأنّه على تقدير تسليم الاشكال أولا في الخبر بلا واسطة وهو خبر الشيخ رحمه‌الله فلا تصل النوبة إلى خبر المفيد حينئذ ، حيث انّه يتوقف كونه خبرا لنا على تصديق خبر الشيخ ، ومع عدمه فلا موضوع حتّى يشكل في كونه مشمولا للآية.

وثانيا : بأنّه على تقدير الفراغ عن الاشكال من جهة الأثر في خبر الشيخ رحمه‌الله فلا يبقى مجال للاشكال في خبر المفيد أيضا ، حيث انّ تصديق الشيخ رحمه‌الله بترتب الاثر على ما أخبر به وهو اخبار المفيد باخبار الصفار واثره ليس إلاّ وجوب التصديق بعد كونه أثرا للأخبار الواقعية بآية النبأ ومنها خبر المفيد فيترتّب على مشكوكه بتصديق الشيخ رحمه‌الله ووجوب تصديقه عبارة عن البناء على ثبوت خبره تعبدا ، وبعد ذلك لا يحتاج إلى ادراجه ثانيا في موضوع الآية كي يشكل باستلزامه الدور كما في سائر الموضوعات المشكوكة إذا أخبر بها العادل ، وكذا يكون تصديق المفيد بترتيب أثر ما أخبر به وهو إخبار الصفّار عليه الذي يكون مساوقا لثبوت خبره التعبدي بلا افتقار إلى ادراجه ثانيا في الموضوع ، وهكذا إلى أن ينتهي إلى خبر الامام عليه‌السلام بلا اشكال في البين.

وثالثا : بأنّه على تقدير تسليم الاشكال في خبر المفيد تعبدا بعد الجواب عن الاشكال في خبر الشيخ رحمه‌الله فلا يجدي الجواب بتنقيح المناط أو جعل القضية طبيعية ، حيث انّهما يجديان في تسرية الحكم إلى غير ما يثبت من الأخبار

__________________

(١) درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : ١١٣ ـ ١١٤ ، والطبعة الحجرية : ٦٥ ذيل قول الشيخ : « واما المجوزون فقد استدلوا ».

١١٩

بالحكم حقيقة وواقعا ، كما في كلّ خبري صادق لا في ما نحن فيه ممّا كان وجوده الحقيقي يدور مدار واقعه وإنّما يثبت بالحكم وجوده التعبدي حيث انّه يتبع دليل التنزيل ، ولا يجدي فيه مجرد ثبوت الحكم للوجود الحقيقي من الأخبار ، كما لا يخفى.

وأمّا ما ذكره سابقا عليهما من الحل من كون الممتنع هو توقف فردية بعض افراد العام على اثبات الحكم لبعضها الآخر كما في كل خبري صادق لا [ يتوقف ] (١) العلم ببعض الافراد عليه كما فيما نحن فيه ، ففيه :

انّ محل الحاجة في الاخبار مع الواسطة وجودها التعبدي وهو يتوقف حقيقة على ثبوت الحكم للبعض السابق عليها لا مجرد العلم بها ، وأمّا وجودها الواقعي فمع عدم انكشافها بالحكم اصلا وبقائها في الشك انّه على تقدير التسليم يكون الكاشف عنها ظنا هو الأمارة المحكومة بوجوب التصديق لا نفس الحكم وان كان موجبا لحجيتها ، الاّ أن يقال : بكفاية ذلك في عدم توقف الموضوع على الحكم ثبوتا لو احتيج إلى انكشاف وجوده الواقعي اثباتا ، فتدبّر.

وقد أجاب بعض الأعاظم (٢) عن الاشكال بحذافيره على ما حكي (٣) بما حاصله :

انّه إنّما يتأتّى بناء على كون الأخبار حجة من باب الموضوعية والتعبد كما في الاصول فلا بدّ حينئذ من ثبوت الخبرية واثره له بنفسه كي يترتب عليه ؛ وعرفت عدم تمامية الجهتين.

__________________

(١) في الاصل المخطوط ( توقف ).

(٢) هو الميرزا الآشتياني في بحر الفوائد ١ : ١٥٢ عند التعليق على قول الشيخ ( فرائد الاصول ١ : ٢٦٥ ) : « ومنها : ان الآية لا تشمل الاخبار مع الواسطة ».

(٣) حكاه الآخوند في درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : ١١٤ ، والطبعة الحجرية : ٦٥ ـ ٦٦.

١٢٠