آداب الأسرة في الإسلام

السيد سعيد كاظم العذاري

آداب الأسرة في الإسلام

المؤلف:

السيد سعيد كاظم العذاري


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٢
ISBN: 964-8629-84-6
الصفحات: ١٤٧

الفصل الرابع الخلافات الزوجية

الخلافات بين الزوجين تخلق في الاُسرة أجواء متوترة ومتشنجة تهدد استقرارها وتماسكها ، وقد تؤدي إلىٰ انفصام العلاقة الزوجية وتهديم أركان الاُسرة ، وهي عامل قلق لجميع أفراد الاُسرة بما فيهم الأطفال ، ولها تأثيراتها السلبية علىٰ المجتمع أيضا ، لأنّ الخلافات الدائمة تزرع القلق في النفوس ، والاضطراب في التفكير والسلوك ، فتكثر التعقيدات والاضطرابات النفسية في أوساط المنحدرين من أُسر مفككة بسبب كثرة الخلافات والتشنجات ، فتنعدم فيهم الثقة بالنفس وبالمجتمع ، لذا حثّ الإسلام علىٰ إنهاء الخلافات الزوجية وإعادة التماسك الاُسري ، قال تعالىٰ : « وإن امرأةٌ خافت مِن بَعلِها نُشُوزا أو إعراضا فلا جُناحَ عليهِما أن يُصلِحا بَينَهُما صُلحا والصُّلحُ خيرٌ ... » (١) .

وأمر القرآن الكريم الزوج بالمعاشرة بالمعروف فقال : « ... وَعَاشِرُوهنَّ

_______________

١) النساء : ٤ / ١٢٨ .

٨١

بالمعرُوفِ فإن كَرِهتُموهنَّ فعسى أن تَكرَهُوا شيئا وَيَجعَل الله فيه خَيرا كثيرا» (١) .

وحذّر الإسلام من الطلاق وإنهاء العلاقة الزوجية ، قال الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام : «ما من شيء ممّا أحلّه الله عزَّ وجلَّ أبغض إليه من الطلاق ، وإنّ الله يبغض المطلاق الذوّاق» (٢) .

وقال عليه‌السلام : «إنّ الله عزَّ وجلَّ يحبُّ البيت الذي فيه العرس ، ويبغض البيت الذي فيه الطلاق، وما من شيءٍ أبغض إلىٰ الله عزَّ وجلَّ من الطلاق» (٣) .

وإذا لم تنفع جميع محاولات الاصلاح وإعادة العلاقات إلىٰ مجاريها ، وإذا لم تتوقف المشاكل والتوترات إلّا بالطلاق ، فقد يكون الطلاق سعادة لكلا الزوجين ، ومع ذلك فقد منح الإسلام الفرصة للعودة إلىٰ التماسك الاُسري ، فأعطى للزوج حق العودة أثناء العدة دون عقد جديد ، وبعد العدة بعقد جديد ، وجعل له حق العودة بعد الطلاق الأول والثاني ، وفيما يلي نستعرض المواقف والمظاهر المتعلقة بالخلافات الزوجية .

الشقاق والنشوز :

إذا حدث الشقاق ، وضع الإسلام أُسسا وقواعد موضوعية لانهائه في مهده ، أو التخفيف من وطأته علىٰ كلا الزوجين ، فإذا كانت الزوجة هي المسببة للشقاق والنشوز بعدم طاعتها للزوج وعدم احترامه ، فللزوج حق

_______________

١) النساء : ٤ / ١٩ .

٢) الكافي ٦ : ٥٤ .

٣) الكافي ٦ : ٥٤ .

٨٢

استخدام بعض الأساليب كالوعظ أولاً ، والهجران ثانيا ، والضرب الرقيق أخيرا (١) .

قال تعالىٰ : « ... واللاتي تَخافُونَ نُشُوزهُنَّ فَعِظُوهنَّ واهجرُوهُنَّ في المضَاجعِ واضرِبُوهُنَّ فإن أطعنَكُم فلا تَبغُوا عَليهِنَّ سبيلاً إنّ الله كانَ عَليّا كبيرا» (٢) .

ثم تأتي المرحلة الثانية وهي مرحلة السعي في المصالحة ببعث حكم من أهل الزوج وحكم من أهل الزوجة ، كما جاء في قوله تعالىٰ : «وإن خِفتُم شِقَاقَ بَينهما فابعثُوا حَكما من أهلهِ وحَكما من أهلِها إن يُريدا إصلاحا يوفِّقِ الله بينهما إنَّ الله كان عَلِيما خَبِيرا» (٣) .

وينبغي علىٰ الحكمين مراجعة الزوج والزوجة قبل بدء التشاور ، فان جعلا إليهما الاصلاح والطلاق ، انفذوا ما رأياه صلاحا من غير مراجعة ، وإن رأيا التفريق بينهما بطلاق أو خلع ، لا يحق لهما امضاء ذلك إلّا بعد مراجعة الزوجين (٤) .

قال الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام : «ليس للحكمين أن يفرقا حتىٰ يستأمرا الرجل والمرأة ، ويشترطا عليهما إن شئنا جمعنا ، وإن شئنا فرّقنا ، فان جمعا فجائز ، وإن فرّقا فجائز» (٥) .

_______________

١) الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة : ٣٣٣ . وجواهر الكلام ٣١ : ٢٠٢ وما بعدها .

٢) سورة النساء : ٤ / ٣٤ .

٣) سورة النساء : ٤ / ٣٥ .

٤) الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة : ٣٣٣ . وجواهر الكلام ٣١ : ٢١٠ ، ٢١٥ .

٥) تهذيب الاحكام ٨ : ١٠٣ .

٨٣

ويجوز للحاكم الشرعي أن يبعث الحكمين من غير أهلهما (٦) .

ومهما اتفق الحكمان فلا يجوز الفصل بين الزوجين في حال غياب أحدهما (١) .

وإن كان أحد الزوجين مغلوبا علىٰ عقله بطل حكم الشقاق (٢) .

وفي جميع مراحل عمل الحكمين يستحبُّ لهما الاصلاح إن أمكن ذلك ، لعموم أدلة بغض الطلاق وكراهيته من قبل الله تعالى .

ومن الأفضل اختيار الحكمين علىٰ أساس العلم والتقوى والكفاءة في مواجهة الاُمور ، والقدرة علىٰ استيعاب المواقف المتشنجة ، والصبر عليها ، وأن يقولا الحقّ ولو علىٰ أنفسهما .

وينبغي علىٰ الحكمين أن يمنحا الفرص المتاحة لاعادة مسار العلاقات الزوجية إلىٰ حالتها قبل الشقاق والنشوز ، وإن طالت مدة الاصلاح والمفاوضات المتقابلة .

الايلاء :

الايلاء : هو حلف الزوج علىٰ أن لا يطأ زوجته (٣) .

والايلاء مظهر من مظاهر الانحراف عن الفطرة ، وهو مقدمة من مقدمات التنافر والتدابر بين الزوجين .

_______________

١) الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة : ٣٣٣ .

٢) المصدر السابق نفسه .

٣) المصدر السابق نفسه .

٤) المبسوط ٥ : ١١٤ .

٨٤

وليس أمام الزوجة إزاء هذه الحالة إلّا أحد خيارين ؛ إمّا الصبر علىٰ ذلك حفاظا علىٰ كيان الاُسرة من التفكك ، وإمّا اللجوء إلىٰ الحاكم الشرعي ، فإن رفعت خصومتها إليه أنظر الحاكم زوجها أربعة أشهر لمراجعة نفسه في ذلك ، فان أبى الرجوع والطلاق جميعا حبسه الحاكم وضيّق عليه في المطعم والمشرب ، حتىٰ يفيء إلىٰ أمر الله تعالىٰ بالرجوع إلىٰ معاشرة زوجته أو طلاقها (١) .

قال تعالىٰ : «لّلِّذينَ يُؤلُونَ مِن نِّسائِهم تَربُّصُ أربعةِ أشهُرٍ فإن فاءُوا فإنّ الله غَفُورٌ رَّحيمٌ * وإن عَزمُوا الطَّلاقَ فإنّ الله سميعٌ عليمٌ» (٢) .

وقال الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام : «إذا إلىٰ الرجل أن لا يقرب امرأته ولا يمسها ولا يجمع رأسه ورأسها ، فهو في سعة ما لم تمض ِ الأربعة أشهر ، فإذا مضت الأربعة أشهر وقف ، فإمّا أن يفيء فيمسّها ، وإمّا أن يعزم علىٰ الطلاق فيخلّي عنها ، حتىٰ إذا حاضت وتطهّرت من حيضها طلّقها تطليقة قبل أن يجامعها بشهادة عدلين ، ثمّ هو أحقّ برجعتها ما لم تمض ِ الثلاثة أقراء» (٣) .

اللعان :

إذا قذف الرجل زوجته الحرّة بالفجور ، وادّعى أنّه رأى معها رجلاً يطأها ، فان لم يأت ِ بشهود أربعة ، لاعَنَ الزوجة (٤) .

_______________

١) المقنعة : ٥٢٣ .

٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٢٦ ـ ٢٢٧ .

٣) تهذيب الاحكام ٨ : ٣ .

٤) المقنعة : ٥٤١ .

٨٥

والذي يوجب اللعان أن يقول : رأيتك تزنين ؛ ويضيف الفاحشة منها إلىٰ مشاهدته ، أو ينفي ولدا أو حملاً (١) .

أمّا إذا قال لها : يا زانية ؛ ولم يدّعِ المشاهدة ، فلا لعان بينهما ، وإنّما يكون الزوج قاذفاً (٢) .

قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « لا يكون لعان حتىٰ يزعم أنّه قد عاين » (٣) .

وصيغة الملاعنة كما ورد في القرآن الكريم : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) (٤) .

فيقول له الحاكم قُل : (أشهدُ بالله إنّي لمن الصادقين فيمن ذكرته عن هذه المرأة من الفجور) .

ويكرر ذلك أربع مرّات ، فإن رجع عن قوله ، جلده حدّ المفتري ثمانين جلدة ، وردّ امرأته عليه .

وإن أصرّ علىٰ ما ادّعاه ، قال له قل : (إنّ لعنة الله عليَّ ان كنت من الكاذبين) .

_______________

١) الانتصار : ٣٣٠ .

٢) المصدر السابق .

٣) تهذيب الاحكام ٨ : ١٨٦ .

٤) سورة النور : ٢٤ / ٦ ـ ٩ .

٨٦

ويقول الحاكم لزوجته قولي : (أشهدُ بالله إنّه لمن الكاذبين فيما رماني به) وتكرّر القول أربع مرات .

وتقول في الخامسة : (إنّ غضب الله عليَّ إن كان من الصادقين) .

فإذا قالت الزوجة ذلك ، فرَّق الحاكم بينهما ، ولم تحلّ له أبداً ، وقضت منه العدّة منذ تمام لعانها له (١) .

أمّا إذا كانت الزوجة خرساء ، فرّق بينهما ، وأقيم عليه الحدّ ، ولا تحلّ له أبداً ، ولا لعان بينهما (٢) .

الطلاق :

الطلاق : من حيث الأحكام الشرعية علىٰ أربعة أنواع (٣) .

الأول : الطلاق الواجب ، وهو الطلاق الناتج عن الايلاء ـ كما تقدم ـ .

الثاني : الطلاق المستحبّ ، وهو طلاق الزوج زوجته حال الشقاق والحال بينهما غير عامرة ، ولا يقوم كلّ واحد منهما بحق صاحبه .

الثالث : الطلاق المحظور ، وهو طلاق الزوج زوجته في أحد موضعين:

١ ـ طلاق الحائض المدخول بها ، ولم يغب عنها زوجها .

٢ ـ طلاق الخارجة من المحيض بعد مواقعة زوجها لها في ذلك الطهر ، قبل أن يستبين حملها .

_______________

١) المقنعة : ٥٤١ .

٢) الانتصار : ٣٣١ .

٣) الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة : ٣١٩ .

٨٧

الرابع : الطلاق المكروه ، وهو طلاق الزوج زوجته والحال عامرة بينهما ، ويقوم كلّ منهما بحقّ صاحبه .

شروط الطلاق :

لا يقع الطلاق إلّا باللفظ ، وهو قول الزوج : أنتِ طالق ، ولا يقع بقوله : فارقتك وسرّحتك ؛ أو بقوله : اعتدّي ، وحبلك علىٰ غاربك (١) .

ولا يقع الطلاق في الحيض (٢) وإنّما يقع في طُهر لم يجامعها فيه .

ولا يقع الطلاق إلّا بشهادة مُسلمَين عدلين (٣) .

ومن كان غائباً عن زوجته ، فليس يحتاج في طلاقها إلىٰ ما يحتاج إليه الحاضر من الاستبراء ، لكنّه لا بدّ له من الاشهاد ، فإذا أشهد رجلين من المسلمين علىٰ طلاقه لها ، وقع بها الطلاق سواء كانت طاهراً أو حائضاً ، ومن أراد أن يطلّق زوجته غير المدخول بها ، طلّقها في أيّ وقت شاء بمحضرٍ من رجلين مسلمين عدلين ، ولم ينتظر بها طهراً (٤) .

ولا يقع الطلاق إن كان مشروطاً (٥) كأن يقول : أنتِ طالق إن دخلتِ الدار .

_______________

١) الانتصار : ٣٠٠ .

٢) الانتصار : ٣٠٦ .

٣) المقنعة : ٥٢٥ .

٤) المقنعة : ٥٢٦ ـ ٥٢٧ .

٥) الكافي في الفقه : ٣٠٥ .

٨٨

شروط المطلِّق (١) :

يشترط في صحة الطلاق بعدما تقدّم ، عدّة أمور ، أهمّها :

١ ـ كون المطلِّق ممّن يصح تصرفه ، وهو العاقل البالغ ، فلا يصحّ طلاق المجنون والسكران والصبي .

قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « ليس طلاق السكران بشيء » (٢) .

٢ ـ أن لا يكون الزوج مكرهاً علىٰ الطلاق ، فلا بدّ من اختياره هو .

عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « لو أنَّ رجلاً مسلماً مرّ بقوم ليسوا بسلطان فقهروه حتىٰ يتخوف علىٰ نفسه أن يعتق أو يطلق ففعل ، فلم يكن عليه شيء » (٣) .

٣ ـ أن يكون قاصداً للطلاق .

قال الإمام الباقر عليه‌السلام : « لا طلاق إلّا لمن أراد الطلاق » (٤) .

٤ ـ أن يكون تلفظه بصريح القول دون الكناية .

عن زرارة قال : قلتُ لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل كتب بطلاق امرأته ثم بدا له فمحاه ، قال : « ليس ذلك بطلاق حتىٰ يتكلّم به » (٥) .

وتجوز الوكالة في الطلاق ، فقد سُئل الإمام الصادق عليه‌السلام عن رجل جعل

_______________

١) الكافي في الفقه : ٣٠٥ ـ ٣٠٦ . وجواهر الكلام ٣٢ : ٨ وما بعدها . والصراط التقويم : ٢٢١ .

٢) الكافي ٦ : ١٢٦ .

٣) الكافي ٦ : ١٢٧ .

٤) تهذيب الاحكام ٨ : ٥١ .

٥) الكافي ٦ : ٦٤ .

٨٩

أمر امرأته إلىٰ رجل ، فقال : اشهدوا أني جعلت أمر فلانة إلىٰ فلان ، أيجوز ذلك للرجل ؟

فقال : « نعم » (١) .

طلاق السُنّة :

طلاق السُنّة هو الطلاق المستوفي للشروط المتقدمة ، من كون المطلق عاقلاً مميزاً مالكاً أمره غير مكره ولا غضبان ولا فاقد العقل ، وأن يكون الطلاق واقعاً في طهر لم يواقع زوجته فيه ، وأن يكون التلفظ بصريح القول ، وأن يكون الطلاق مطلقاً غير مشروط ، وأن يتمّ بحضور شاهدين عدلين في مجلس واحد (٢) .

سُئل الإمام الرضا عليه‌السلام عن طلاق السُنّة ، فقال : « يطلقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشاها بشهادة عدلين كما قال الله عزَّ وجلَّ في كتابه ، فإن خالف ذلك ردّ إلىٰ كتاب الله » (٣) .

طلاق البدعة :

وهو الطلاق غير المستوفي للشروط ، كطلاق الحائض أو طلاق الطاهرة من الحيض بعد مواقعتها في طهرها ، وكالطلاق المعلق بشرط ، وإيقاع الطلاق ثلاثاً بلفظة واحدة (٤) .

_______________

١) الكافي ٦ : ١٢٩ .

٢) الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة : ٣٢٠ ـ ٣٢١ . وجواهر الكلام ٣٢ : ١١٧ .

٣) تهذيب الأحكام ٨ : ٤٩ .

٤) الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة : ٣٢٢ . وجواهر الكلام ٣٢ : ١١٦ . والصراط القويم : ٢٢٣ .

٩٠

عن الحلبي ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته وهي حائض ، فقال : « الطلاق لغير السُنّة باطل » (١) .

وقال الإمام الرضا عليه‌السلام : « طلّق عبدالله بن عمر امرأته ثلاثاً ، فجعلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واحدة ، وردّها إلىٰ الكتاب والسُنّة » (٢) .

ومن طلاق البدعة ، الطلاق بغير شهود ، قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « من طلَّق بغير شهود فليس بشيء » (٣) .

الخلع :

إذا كرهت الزوجة زوجها وآثرت فراقه ، وظهر ذلك جليا في عصيانها لأمره ومخالفتها لقوله ، وعدم الاستجابة للمضاجعة ، فيجوز له حينئذٍ أن يلتمس علىٰ طلاقها ما شاء من المال والمتاع والعقار ، أو التنازل عن مهرها ، فان أجابته إلىٰ ذلك ، قال لها : قد خلعتك علىٰ كذا وكذا درهماً أو ديناراً ، فإذا قال لها ذلك بمحضر شاهدين مسلمين عدلين وهي طاهر من الحيض طهراً لم يواقعها فيه ، فقد بانت منه ، وليس له عليها رجعة ، ولها أن تعقد علىٰ نفسها لمن شاءت بعد خروجها من عدتها ، فان اختارت الرجوع إليه واختار هو ذلك ، جاز لها الرجوع إلىٰ النكاح بعقد جديد ومهر جديد (٤) .

قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « لا يحلّ خلعها حتىٰ تقول لزوجها : والله لا أبرّ

_______________

١) تهذيب الاحكام ٨ : ٤٧ .

٢) تهذيب الاحكام ٨ : ٥٥ .

٣) تهذيب الاحكام ٨ : ٤٨ .

٤) المقنعة : ٥٢٨ ـ ٥٢٩ . والصراط القويم : ٢٢٨ .

٩١

لك قسماً ، ولا أُطيع لك أمراً ، ولا اغتسل لك من جنابة ، ولأوطئنّ فراشك من تكرهه ، ولاُوذننّ عليك بغير إذنك ، وقد كان الناس يرخّصون فيما دون هذا ، فإذا قالت المرأة ذلك لزوجها حلّ له ما أخذ منها ، وكانت عنده علىٰ تطليقتين باقيتين ، وكان الخلع تطليقة » (١) .

المباراة :

إذ أكره الزوج زوجته وكرهت الزوجة زوجها ، وظهر ذلك منهما بأفعالهما ، وعلم كلّ واحدٍ منهما ذلك من صاحبه ، فتختار الزوجة حينئذٍ الفراق ، فتقول لزوجها : أنا كارهة لك ، فأنت أيضا كذلك ، فخلِّ سبيلي، فيقول لها : لك عليَّ دين فاتركيه حتىٰ أُخلي سبيلك ، أو يقول لها : قد أخذتِ مني كذا وكذا فردّيه عليّ أو بعضه لاُخلّي سبيلك ، فتجيبه إلىٰ ذلك فيطلقها .

ولا يجوز له إذا كان كارهاً لها أن يأخذ منها علىٰ الطلاق أكثر ممّا أعطاها .

ولا رجعة لها إلّا بعقدٍ جديدٍ ومهرٍ جديد ، ويشترط في هذا الطلاق حضور شاهدين عدلين وبقية الشروط (٢) ، وليس لها نفقة في عدّتها (٣) .

الفسخ :

للزوج حق فسخ العقد إن كانت الزوجة مصابة بالبرص والجذام

_______________

١) تهذيب الاحكام ٨ : ٩٥ .

٢) المقنعة : ٥٢٩ ـ ٥٣٠ .

٣) المقنعة : ٥٣١ .

٩٢

والعرج والعمىٰ والرتق أو كونها مفضاة .

وللزوجة حق فسخ العقد إن كان الزوج مصاباً بالعنة والجب ـ أي مقطوع الذكر ـ وبالسلّ ، والخصاء علىٰ وجه لا يمكنه من الجماع .

والعيب المذكور يؤثر في الفسخ إن كان تدليساً لا يعلمه الزوج أو الزوجة قبل العقد ، أمّا إذا كان يعلمه ، أو علمه بعد العقد ورضي به ، فلا يحقّ الفسخ بعد ذلك (١) .

ومن تزوج امرأة علىٰ أنّها بكر فوجدها ثيبا ، لم يكن له ردّها ، ولم يجز له قذفها بفجور ، لأنّ العذرة قد تزول بأسباب أُخرىٰ (٢) .

وإذا جُنّ الزوج ، وكان يعقل مع جنونه أوقات الصلاة ، لم يكن للمرأة خيار مع ذلك ، وإن كان لا يعقل أوقات الصلاة ، كانت بالخيار (٣) في البقاء معه أو الفسخ .

المفقود عنها زوجها :

إذا غاب الزوج عن زوجته غيبة لم تعرف فيها خبره ، وكان له وليّ ينفق عليها ، أو كان في يدها مال له تنفق منه علىٰ نفسها ، كانت في حباله إلىٰ أن تعرف له موتاً أو طلاقاً أو ردّة عن الإسلام .

وإن لم يكن له وليّ ينفق عليها ، ولا مال في يدها تنفق منه ، واختارت الحكم في ذلك ، رفعت أمرها إلىٰ الحاكم الشرعي ، ليبحث عن خبره في

_______________

١) الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة : ٣١١ . وجواهر الكلام ٣٠ : ٣١٨ ، ٣٢٠ .

٢) المقنعة : ٥١٩ .

٣) المقنعة : ٥٢٠ . وجواهر الكلام ٣٠ : ٣٢١ .

٩٣

الأمصار ، وانتظرت أربع سنين ، فان عرفت له خبراً من حياة ، ألزمه الحاكم النفقة عليها أو الفراق ، وإن لم تعلم له خبراً اعتدّت عدّة المتوفىٰ عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام ، وتزوّجت إن شاءت .

وإن جاء زوجها وهي في العدة ، أو قد قضتها ولم تتزوج ، كان أحقّ بها من غير عقد .

وإن جاء وقد خرجت من العدّة وتزوجت ، لم يكن له عليها سبيل (١) .

أحكام الرجعة :

للزوج حقّ الرجوع بعد الطلاق ، إن كانت زوجته في عدتها ، ويصحّ الرجوع بشرطين :

الأول : أن تكون المطلقة مدخولاً بها .

الثاني : أن لا يكون الطلاق بائناً . والطلاق البائن : هو كل طلاق لا يكون للزوج المراجعة فيه إلّا بعقدٍ جديدٍ ومهرٍ مستأنف ، أو بعد أن تنكح زوجاً غيره (٢) .

والبائن سبعة أقسام :

١ ـ طلاق من لم يدخل بها .

٢ ـ طلاق من لم تبلغ المحيض ولا مثلها .

٣ ـ طلاق الآيسة من المحيض .

_______________

١) المقنعة : ٥٣٧ .

٢) الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة : ٣٢٩ . والصراط القويم : ٢٢٣ .

٩٤

٤ ـ طلاق المختلعة .

٥ ـ الطلاق بعد المباراة .

٦ ـ الطلاق الثالث .

وفي مقابل الطلاق البائن هناك الطلاق الرجعي ، وهو كل طلاق يكون للزوج حق المراجعة بغير تجديد للعقد .

وهنالك نوعان من المراجعة :

١ ـ المراجعة القولية : كقوله : راجعتها ، ارتجعت ، رددت ، أمسكت ، تزوجت ، نكحت .

٢ ـ المراجعة الفعلية : كالوطىء ، القُبلة ، اللمس بشهوة ، إنكار الطلاق (١) .

عن محمد بن مسلم ، عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال : سألته عن الرجعة بغير جماع ، تكون رجعة ؟ قال : « نعم » (٢) .

عدة المطلقة :

تعتدّ الزوجة المطلقة مدة ثلاثة أطهار إن كانت ممّن تحيض ، وإن لم تكن تحيض لمرض أو عارض اعتدّت بثلاثة أشهر .

وإذا تجاوزت خمسين سنة وارتفع عنها الحيض ، فلا عدّة عليها ، ولا عدة علىٰ القرشية إن تجاوزت الستين .

_______________

١) الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة : ٣٣٠ .

٢) تهذيب الاحكام ٨ : ٤٥ .

٩٥

وإن كانت حاملاً، فعدتها أن تضع حملها ، ولو وضعته بعد الطلاق بساعة واحدة أو أقلّ (١) .

وإن مضت ثلاثة أشهر ، ولم تضع الحمل بانت من مطلقها ، ولكن لا يجوز لها الزواج إلّا بعد وضع الحمل (٢) .

ولا عدة علىٰ غير المدخول بها (٣) .

وإذا طلق الغائب زوجته ، ثم ورد الخبر عليها بذلك ، فعدتها تكون من يوم طلاقها ، فإذا ورد الخبر عليها بعد أن حاضت ثلاث حيضات ، فقد خرجت من عدتها ، ولا عدة عليها بعد ذلك (٤) .

وقد بيّن تعالىٰ مدة العدّة في الأوضاع المختلفة في سورة الطلاق .

أحكام العدة :

يجب علىٰ المعتدة في الطلاق الرجعي ملازمة منزل زوجها ، ولا تخرج منه إلّا باذنه ، ولا يجوز له إخراجها من منزله إلّا أن تؤذيه أو تأتي في منزله ما يوجب الحدّ ، فيخرجها لاقامة الحدّ ويردّها إليه .

ولا يجوز لها المبيت إلّا في منزله .

ويجوز لها استخدام الزينة في أثناء العدّة (٥) .

_______________

١) المقنعة : ٥٣٢ . والصراط القويم : ٢٢٦ .

٢) الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة : ٣٢٥ .

٣) الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة : ٣٢٤ .

٤) المقنعة : ٥٣٥ .

٥) الكافي في الفقه : ٣١٢ .

٩٦

قال تعالىٰ : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ... ) (١) .

ويجب علىٰ الزوج المطلِّق أن ينفق عليها ما دامت في عدّتها منه (٢) .

ومن طلق زوجته المدخول بها ، لم يجز له العقد علىٰ أُختها حتىٰ تنتهي العدة (٣) .

ومن كان عنده أربع زوجات فطلق واحدة منهنَّ ، لا يجوز له العقد علىٰ امرأة أُخرىٰ حتىٰ تخرج المطلقة من عدتها (٤) .

والأحكام الواردة في العدة لو طبقت كما أرادتها الشريعة الإسلامية ، فإنّها تخلق فرصا جديدة للمصالحة والعودة إلىٰ الحياة الزوجية ، فمجرد وجود المطلقة في منزل مطلِّقها وسكنها معه ثلاثة أشهر عامل مساعد في إمكان العودة ، وإعادة النظر في استئناف حياة جديدة ، وتجاوز مشاكل وتعقيدات الماضي ، وإذا كان للمطلقة بنين وبنات فستكون إعادة العلاقة الزوجية أيسر وأسهل .

عدة الوفاة :

يجب علىٰ من مات زوجها العدّة ، وهي أربعة أشهر وعشرة أيام ، قال تعالىٰ : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ

_______________

١) سورة الطلاق : ٦٥ / ١ .

٢) المقنعة : ٥٣٣ .

٣) المقنعة : ٥٣٦ ـ ٥٣٧ .

٤) المقنعة : ٥٣٦ .

٩٧

وَعَشْرًا ... ) (١) .

ويجب علىٰ المرأة إضافة إلىٰ العدة أن تحتدّ .

والحداد : هو امتناعها من الزينة بالكحل والامتشاط والخضاب ، ولبس المصبوغ والمنقوش وما جرىٰ مجرىٰ ذلك من ضروب الزينة (٢)، وتمتنع من الطيب كلّه (٣) .

ويجوز لها المبيت حيث شاءت (٤) في منزلها أو في منزل آخر .

ويبدأ الحداد والعدة من يوم بلغها خبر موت زوجها ، وإن كان متوفياً منذ مدة طويلة ، قال الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام : « المتوفىٰ عنها زوجها تعتدّ حين يبلغها ، لأنّها تريد أن تحتدّ له» (٥) .

وما دامت المرأة ملتزمة بالحداد ، فلها الحق في زيارة الناس وأداء الحج ، روي عن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام في المتوفىٰ عنها زوجها ، أتحجّ وتشهد الحقوق ؟ قال : « نعم » (٦) .

ويجوز للرجل التعريض لها بالخطبة أثناء عدتها وحدادها ، ولا يجوز له التصريح بالخطبة (٧) كما تقدّم .

_______________

١) سورة البقرة : ٢ / ٢٣٤ .

٢) الانتصار : ٣٤٥ . والصراط القويم : ٢٢٦ .

٣) المقنعة : ٥٣٥ .

٤) الكافي في الفقه : ٣١٣ .

٥) تهذيب الاحكام ٨ : ١٦٣ .

٦) الكافي ٦ : ١١٦ .

٧) المبسوط ٤ : ٢١٧ .

٩٨

قال تعالىٰ : ( وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) (١) .

_______________

١) سورة البقرة : ٢ / ٢٣٥ .

٩٩

١٠٠