دراسة في تنبؤات نوستردامس

دراسة في تنبؤات نوستردامس

المؤلف:


المترجم: الدكتور شريف الدين
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مركز مكالمات وپژوهشهاى فلكى نجومى
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

وإبادتهم لأكثر من مائة سنة حتى تمّ التخلص منهم نهائياً سنة ١٦٠٩.

وفي نفس سنة الاستيلاء على غرناطة (١٤٩٢) قام الملك والملكة المذكوران أعلاه بتمويل الرّحالة الإيطالي ( كرستوفر كولمبس ) للقيام برحلته الاستكشافية المعروفة التي أدّت إلى اكتشاف القارة الأمريكية ( العالم الجديد ) وفَتَحا بذلك ، وبدون علم منهما ، باباً للثروة والرفاه والغنى لأسبانيا تسيطر على أكثر مناطق أمريكا الجنوبية وتستنزف ثرواتها من الذهب وغيره من المعادن النفيسة ولتصبح واحدة من أغنى دول أوروبا. وفي نهاية القرن التاسع عشر بدأت مستعمراتها في أمريكا الجنوبية بالاستقلال عنها الواحدة تلْوَ الأخرى.

وفي سنة ١٩٣١ نشأت الجمهورية الأسبانية الثانية وغلب عليها التحرريون والاشتراكيون المعتدلون [ حزب الجمهوريين ] بينما كان يقف في خط المعارضة جماعة من دعاة المَلَكيّة والارستقراطيين ورجال الكنيسة وكبار رجال الجيش [ وهم تشكلية الحزب المعارض ويسمى بحزب الوطنيين ] ، وأدّى الخلاف بينهم الخلاف بينهم إلى قيام الحرب الأهلية الأسبانية سنة ١٩٣٦.

٨١

وكان الروس الشيوعيون يقدّمون مساعداتهم للجمهوريين ، وبرغم ذلك فإن الأنشقاق في صفوفهم كان شديداً وكان هو السبب الرئيس في إضعافهم. الحزبُ الوطني من جانب آخر كان أكثر تماسكاً واتحاداً وكان ذلك بجهود الجنرال [ فرانكو ] وقد ساعده الحزب الفاشي الأيطالي بزعامة موسوليني والحزب النازي الألماني بزعامة هتلر بالمال والسلاح والرجال وقد قُتل في هذه الحرب الطاحنة حوالي ٧٥٠٠٠٠ شخص أو يزيد ، وانتهت الحرب الأهلية هذه في سنة ١٩٣٩ بدخول [ فرانكو ] مدينة مدريد في ١ / ٤ / ١٩٣٩ وتسلمه سلطة البلاد.

وإلى جنرال فرانكو يشير المقطع التالي من نبوءات نوستردامس.

١ ـ مسقط راسه وسيطرته

« ضابط يأتي من أقصى أسبانيا

وسوف يذهب إلى تخوم أوروبا

باللحظة تصل الإضطرابات إلى بحر [ لينز Lines ]

وعصبة الثوّار سوف تُهزَم بواسطةِ جيشِه العظيم »

العاشر ـ ٤٨

٨٢

ولد الجنرال فرانكو في منطقة [ كاليسيا Galicia ] وهي المنطقة الواقعة في الطرف الشمالي الغربي من إسبانيا وفي السطر الأول من الرباعية يشير نوستردامس إلى مسقط رأسه هو بالفعل في أقصى نقاط إسبانيا إلى الشمال الغربي.

وجبل طارق الذي هو جزء من شبه القارة الأسبانية يمثّل أقصى نقطة للقارة الأروبية وقى قضى فرانكو فترة طويلة هناك وفي شمال أفريقيا أثناء خدمته العسكرية.

[ لينز Lianes ] هي إحدى موانيء الصيد على الساحل الشمالي لأسبانيا وهو إنما يريد الإشارة إلى منطقة السواحل الأسبانية الشمالية ومن باب الإلغاز والتعمية أو باب تسمية الكل باسم الجزء ، وهو يشير بذلك إلي الثورة الأهلية الطاحنة التي عمّت كلَّ أرجاء شبه الجزيرة الأسبانية.

أما الثوار الذين سيهزمهم فهم الجمهوريون الذين حاربهم وهزمهم ودخل مدينة مدريد واستولى على السلطة.

تعريف بالجنرال فرانكو

ولد سنة ١٨٢٩ وحكم أسبانيا منذ سنة ١٩٣٩ حتى وفاته سنة ١٩٧٥. كان فرانكو في شبابه شديد

٨٣

القصر ، شديد النحافة حتى كان أقرانُه يطلقون عليه لقب عود الكبريت ، وكان آباؤه وأجداده ضباطاً في البحرية الأسبانية على مدى قرنين من الزمن ، وسلك هو نفس السبيل فانضمّ إلى الجيش ، وكان زملاؤه يسخرون من صغر حجمه ويعبثون به حتى أنهم أعطوه يوماً بندقية مقطوعة السبطانة ليقولوا له بأن بندقيه كهذه هي التي تناسب حجمك وليس البندقية العادية. ولكنه كان جريئاً على الموت ، وأثناء مشاركته في المعارك الأسبانية في شمال أفريقيا كان يواجه الرصاص بدون مبالاة وفي مواقف يخشى كلُّ واحد من أصحابه أن يرفع رأسه فيها ، فتقدم بسرعة في الترتيب العسكري حتى صار أصغر جنرالات الجيش عمراً في أسبانيا وفي أوروبا كلها نتيجة بلائِه الحسن ، وقامت الحرب العالمية الأولي ولم تنضم أسبانيا الملكية آنذاك إلي أي جانب من جوانب المتحاربين. وتنازل الملك الفونسو الثامن سنة ١٩٢٣ عن السلطة لأحى الجنرالات العسكريين المدعو [ پرايمو دي ريڤيرا ] الذي حكم حكماً دكتاتورياً حتى سنة ١٩٣٠ حيث ترك السلطة وقامت علي أنقاض حكمه حكومه جمهورية يسارية استولت على أملاك الكنيسة والغت مدارسها والغت الأمتيازات التي كان يتمتع بها العسكريون وبدأوا بإصلاح الأرضي الزراعية وغير ذلك من التعديلات الإصلاحية كما أنهم أبعدوا الجنرال

٨٤

فرانكو بصحبة زوجته وابنته إلى جزر الكناري ( تابعة لأسبانيا ) الواقعة في المحيط الأطلسي الشمالي عند السواحل المراكشية ووضع تحت الرقابة المشددة.

وعندما ثار الإنقلاب العسكري ضد الحكومة اليسارية دعاه زعماء الإنقلاب إلي الإنضمام إليهم ، فوافق وساعدت بيطانيا ( بطلب من الإنقلابيين ) في نقله على متن إحدى طائراتهم إلي مراكش ، ومن هناك اتصل بكل من هتلر وموسوليني لمساعدته بالسلاح ولنقلَ القوات التي اجتمعت تحت إمرته عبر مضيق كانت ما زالت تحت سيطرة الحكومة الجمهورية اليسارية ، وتمّ له ذلك وكانت تلك أول عملية إنزال لقوات محمولة جواً في التأريخ ، واتجه فرانكو إلى أشبيلية ثم إلى مدينة القصر ثم قرر زعماء الجيش اختياره رئيساً لأركان الجيش ، فتسلم بذلك أسبانيا كلها نحلة شخصية واستأثر بالحكم وبالرأي. وقد حافظ على اتصلاته بهتلر وموسوليني ، وفي غضون الحرب العالمية الثانية وعندما كان هتلر قي قمة من قمم السلطة وقد سقطت فرنسا في قبضته وصارت بريطانيا في أضعف حالاتها سافر هتلر بالقطار إلى الحدود الفرنسية الأسبانية للقاء فرانكو والتباحث معه حول مجالات التعاون بينهما ، وقد تمّ اللقاء في عربة

٨٥

هتلر الخاصة في القطار الذي جاء به. ولا يُعرف بالضبط ماذا جرى بينهما إلاّ أن هناك روايتان ، الأولى هي الرواية. الرسمية والتي أدلى بها فرانكو نفسه ويقول فيها بأن هتلر التمس إليه ورجاه بالأنضمام إلى المانيا وحلفائها في الحرب إلا أن فرانكو رفض ذلك.

والرواية الثانية هي ما ذكره أحد مرافقي فرانكو من الأسبان والذي كان موجوداً أثناء اللقاء المذكور ، وقد جاء في روايته بأن فرانكو معكوسة وذلك أنه هو الذي كان يعرض على هتلر أن يقدم له كل ما في وسعه وأن يقف إلى جانبه في الحرب رسمياً ولكن على شرط وهو أن يتعهد له هتلر بإعطائه مراكش ومساحات حددها له من الساحل الأفريقي الشمالي ثمناً لذلك. ثم يذكر هذا المرافق الراوي أن كل ما كان يفعله هتلر أثناء عروض فرانكو عليه هو أنه كان يتثاءب.

وانتهت الحرب العالمية الثانية ولم تشارك أسبانيا مشاركة فعالة في الحرب وكرّس فرانكو شخصه كمعبود للجماهير ووثق علاقته بالكنيسة الكاثوليكية إلى أبعد الحدود وبنى صليباً من الحجارة يؤيد ارتفاعه على برج إيفل في باريس وصار هو رمز أمجاد النصرانية الكاثوليكية وفارسها الذي سيعيد لاسباينا أمجادها التالدة ، وأغلق حدود أسبانيا وعاش في عزلة داخلية لفترة من الزمن حتى

٨٦

اضطره التدهور الأقتصادي في بلاده إلى الانفتاح على العالم وقام الرئيس الأمريكي ايزنهاور بزيارة رسمية إلى أسبانيا وتعهّد بتقديم الدعم المالي اللازم لأسبانيا في مقابل السماح بإقامة القواعد العسكرية الأمريكية على الأراضي الأسبانية تحت غطاء مواجهة المدّ الشيوعي.

وقد عُرف عن الجنرال فرانكو عداؤه الشديد جداً للماسونية ومنظماتها ومحافلها. وتوفي سنة ١٩٧٥ ودفن عند الصليب الحجري الذي أقام نصبه في إحدى مدن أسبانيا.

٢ ـ اسمه بالنص

« فرانكو سيأتي من مجلس حكومي في [ كاستل ]

الممثّل لن يرضى وسيُسبّب انقساماً

أولئك الذين مع [ دي ريڤيرا ] سيكونون معه

وسيرفضون الدخول في خليج المحنة »

التاسع ـ ١٦

هذه نبوءة غريبة في بابها ، فإنّ نوستردامس قد أتى بأسمين واقعيين الأول هو فرانكو والثاني هو دي ريڤيرا.

والواقع فإن هذا المجلس الحكومي الذي يتحدث عنه نوستردامس قد تمّ تشكليه بالفعل من عدد من

٨٧

جنرالات الجيش وكان فرانكو من ضمنهم ولكنه لم تكن له الزعامة فيه وإنما ساعدته الظروف فيما بعد للأخذ بزمام الأمور. وكان اجتماعهم في مدينة [ برغوس Burgos ] وهي مدينة في أسبانيا تقع في منطقة [ كاستل Castile ] واسم الأخيرة هو الإسم الذي أورده نوستردامس. وكاستل هو في الأصل إسم مملكة أسبانيّة قديمة وهو اليوم إسم المنطقة الوسطى في أسبانيا وتعتبر لغتها هي اللغة الأسبانية النقيّة.

دي ريڤيرا هو [ پرايمو دي ريڤيرا Primo de Rivera ] وهو جنرال في الجيش الأسباني أيضاً ، قاد انقلاباً عسكرياً سنة ١٩٢٣ واستولى على حكومةِ أسبانيا بعد أن تنازل له الملك الفونسو عن الحكم وحكم حكماً دكتاتورياً استبدادياً طيلة سبع سنوات حتى اضطر لترك السلطة بسبب انتشار المعارضة ضد حكمه. فنوستردامس يشير إلى أن من كان مع هذا الدكتاتور من أتباع ومؤيدين سينضوون تحت لواء [ فرانكو ] وهو ما حصل فعلاً.

والسطر الأخير في الرباعية النبوءة يشير إلى وقوف فرانكو على الحياد أثناء الحرب العالمية الثانية وعدم خوضه بحر الفتنة والبلاء الذي اجتاح العالم آنذاك ، وذلك على الرغم من أن أطراف المحور [ المانيا النازية وإيطاليا الفاشية ] كانوا إلى جانبه أيام الحرب الأهلية في

٨٨

أسبانيا وساعدوه بالسلاح والمال والرجال كما ساعدوه على المجيء إلى رأس السلطة إلا أن أسبانيا وقفت على الحياد أثناء قيام الحرب العالمية الثانية على عهد الجنرال فرانكو.

٨٩
٩٠

الحرب العالمية الثانية

هناك العديد من نبوءات نوستردامس في خصوص الحرب العالمية الثانية وقد اخترت منها النبوءة التالية التي تشير إلى تحالف المانيا مع إيطاليا وإلى الإنزال في منطقة [ النورماندي ] الفرنسية وإلى المقاومة الفرنسية.

« أهل كمبريا [ Cimbrians ] يتحالفون مع جيرانهم

وسوف يأتون إلى أسبانيا ويسببون دمارها

الناس المتّحدون في [ كوين Guyennd ] و [ ليموزين Limouzin ]

سيشكلون عصبة ويأخذون الساحة ضدهم »

الثالث ـ ٨

أهل كمبريا هم قبائل جرمانية كانت تسكن السفح الأيمن من جبال الألب وهو إشارة إلى الألمان لأن هؤلاء هم من أجدادهم ، وهذا من أساليب الإبهام التي يستعملها نوستردامس كثيراً في نبوءاته. وجيرانهم هم

٩١

الإيطاليون ، وقد كان هتلر قد تحالف مع الزعيم الإيطالي موسوليني تحالفاً مصيرياً. أما مجيؤهم إلى أسبانيا وتدميرها فهو إشارةٌ إلى دورهم في الحرب الأهلية الأسبانية حيث قَدّموا معونات جمّة إلى الجنرال الأسباني فرانكو مما ساعد على إدامةِ طاحونة الحرب هناك وإراقة المزيد من الدماء وتعميم الدمار.

وأما الناس المتحدون فإنه يتحدث هنا عن المقاومة الفرنسية أثناء الحرب العالمية الثانية وهو يتنبأ هنا عما سيحصل بعد موتِه بمئات السنين عند ساحل [ النورماندي ] شمال غرب فرنسا حيث تمّ إنزال جيوش الحلفاء لغزو القوات الأمانية وبقية قوّات المحور المتواجدة على الأرض الفرنسية وقد كانت هذه العملية من أيام الحرب الحاسمة التي مهّدت الطريق لإلحاق الهزيمة التامّة بهتلر ، وقد قام الألمان يومها بتحريك قواتهم الإحتياطية في ( تولوس ) باتجاه القوات المهاجِمة ولكن كتيبتين من كتائب المقاومة الفرنسية وهما من المنطقتين المذكورتين في النص وحّدتا جهودهما لتعويق وصول هذه القوات الألمانية للوصول إلى ساحل النورماندي.

[ كوين ] هو إسم المنطقة الواقعة جنوب غرب فرنسا و [ ليموزين ] هو إسم منطقة أخرى تقع إلى الشمال من الأولى.

٩٢

نبوءات نوستردامس في خصوص هتلر

التعريف بهتلر

ولد في مدينة على الحدود بين ألمانيا والنمسا وعاش فترة طويلة في مقتبل عمره في مدينة ڤينا ( النمسا ) وعمل في البداية رسّاماً ولكنه لم يستمر على هذا الخط ودخل الخدمة العسكرية في الحرب العالمية الأولى. إنضم إلى حزب العمّال الألمان سنة ١٩١٩ في إقليم [ بڤاريا ] الذي هو أكبر أقاليم ألمانيا ويقع على حدود النمسا ، فأعاد تنظيم هذا الحزب وصار يعرف بعدها بالحزب الوطني الإشتراكي وذلك سنة ١٩٢١ وجعل منه نظاماً شبه عسكري.

وفي سنة ١٩٢٣ حاول الإستيلاء على السلطة في [ بڤاريه ] ولكنه فشل في ذلك وتمّ أعتقاله وسجنه ، وفي السجن ألّف كتابَه الذي وضع فيه معالمَ خطّتِه للحزب النازيّ ومباديء أفكاره وقد توسع الحزب كثيراً فيما بعد

٩٣

وقوي مركزُه في المجلس التشريعيّ الألماني [ Reichstag ] ورشّح هتلر نفسه لإنتخابات الرئاسة في ألمانية سنة ١٩٣٢ ولم ينجح ، ولكن الرئيس الجديد عيّنه رئيساً لوزرائه أو مستشاراً [ Chancellor ] كما جرت عليه العادة في تسمية رئيس الوزراء في ألمانيا.

وفي أحد الأيام من عام ١٩٣٣ احترقت بناية المجلس التشريعي الألماني ، ويقول البعض بأن هتلر هو الذي أوعز بإحراقه بنفسه ، واتّهم الشيوعيين بارتكاب هذا العمل وأعلن حالةَ الطوارىء وتعطيلَ العملية التشريعية وشلَّ أعمال المجلس التشريعي وأحاله إلى مجرد رمز ، ونشأ بذلك [ الرايخ الثالث ] وهو الإسم الذي أُطلق على الحكومة الألمانية تحت زعامة هتلر والحزب النازي من سنة ١٩٣٣ إلى سنة ١٩٤٥.

وعندما مات الرئيس الألماني المنتخَب [ هايدنبرغ ] سنة ١٩٣٤ أصبح هتلر هو رئيس ألمانيا وابتدأ بتوسيع رقعة ألمانيا ، إحتلّ [ أرض الراين Rhineland ] سنة ١٩٣٦ ضم النمسا سنة ١٩٣٨ إحتل بشكوسلوڤاكيا ١٩٣٨ ، وغزا بولندا سنة ١٩٣٩ ، وبغزوه لبولندا فقد أشعل نارَ الحرب العالمية الثانية ونجح فيها نجاحاً فائقاً في البداية وانتهى هتلر عندما غزت روسيا مدينة برلين سنة ١٩٤٥.

٩٤

١ ـ مسقط راسه

« قُربَ [ الراين Rhine ] وفي جبال [ نوركَم Noricum ]

سيولد قائدٌ عظيم للناس وسيأتي متأخراً

وسيدافع عن نفسه أَمامَ روسيا وهنكاريا

وما سيحصُل له سيكون مجهولاً »

الثالث ـ ٥٨

الراين Rhine هو من أنهار أوروبا الرئيسية وينبع في جبال سويسرا ويتجه نحو الشمال ويجري في الأراضي الألمانيا من الجنوب إلى الشمال الغربي حيث يدخل هولندا ثم ينتهي هي البحر. وهو يشير بذلك إلى ألمانيا أنّ [ الراين ] نهرٌ ألمانيّ بشكل رئيسي.

و [ نوركَم Noricum ] هو إسمٌ قديم لمنطقةٍ هي اليوم جزءٌ من النمسا ومن [ بڤاريا Bavaria ] وباڤاريا هي أكبر مقاطعات ألمانيا وتقع في الزاوية الجنوبية الشرقية على تخوم النمسا وتشكوسلوڤاكيا ، وجبالُها هي جبال الألب.

وكان والد هتلر موظفَ كمارك يعمل على الحدود ووُلد هتلر في مدينةٍ على الحدود الباڤارية ـ النمساوية سنة ١٨٨٩ وقد جاءت نبوءة نوستردامس عن مسقط رأسه

٩٥

دقيقة إلى درجة كبيرة بإشارة إلى منطقةٍ حدودية متوسطة ومشتركة بين كل من ألمانيا والنمسا.

ولقد كان هتلر قائداً بكل ما في الكلمة من معنى وبغض النظر عن إنحراف أفكاره ومبادئه في كثير من جوانبها.

وكما أنه واجه مقاومة عنيفة من لَدُنِ هنغاريا فإنه واجَهَ روسيا في ضمن الدول التي تحالفت ضده في كل أقطار الدنيا ، وكان دخولُ الجيش الروسي إلى مدينة برلين عام ١٩٤٥ هو ساعة انتهاء الحرب العالمية الثانية.

وقد أصاب نوستردامس في السطر الأخير عندما أشار إلى مصيره المجهول وذلك أن رواية دول الحلفاء المنتصرة حول نهايته هي أنه إنتحر بإطلاقِ رصاصة في فمه بعد أن قتل زوجته [ إيڤابراون ] وكان قد أمر قبلها بأن تُحرَقَ جثّتَه وجثةَ زوجتِه ، ويقال مع ذلك بأن شيئاً من بقايا جثتيهما لم يمكن العثور عليها وبقي الدليل على موته غير مؤكد.

وفي مؤتمر صحفي عقده المارشال الروسي [ زوكوف ] يوم ٩ / ٦ / ١٩٤٥ قال عندما سُئل عن موت هتلر : ـ الظروف كانت غامضة ، لم نستطعٍ التعرُّفَ على جثةِ هتلر ولا أستطيع أن أُعطي جواباً قاطعاً عن مصيره. لقد وجدنا عدة جثث وقد تكون جثةُ هتلر واحدةً منها

٩٦

ولكننا لا نستطيع تأكيدَ موته ). واعترف نفس المارشال في اليوم التالي بأن الجنود الروس لم يجدوا أثراً لهتلر.

٢ ـ المذهب النازي

«طرزٌ جديد من الفلاسفة

يحتقرون الموتَ والذهبَ والجاه

سيولدون عند الحدود الألمانية

ومن سيتبعهم سيحضى بالدعم والتأييد »

الثالث ـ ٦٧

هنا إشارة إلى الحزب النازي بكل فروعه ومجاميعه.

في النمسا ، وبالذات في مدينة ڤينا ، تبلورت مفاهيم النازية عندما عاش هتلر هناك ودرس. وهتلر هو الذي كان يقول عن ڤينا أنها أصعبُ مدرسة في حياته ولكنها أكثرها ثمرة.

هناك تبلورت عنده الخطوط العامة لأفكاره ، وفي مقاطعة [ بڤاريا ] الحدودية نشأت بذرةُ الحزب النازي ، وهذا هو معنى ما قاله بأنهم سيولدون عند الحدود الألمانية ، لأن النمسا تحدّ ألمانيا من الجنوب ، وبڤاريا هي المقاطعة الألمانية المتاخمة للنمسا.

وكان هتلر يأخذ عهداً من جمعية شباب الحزب

٩٧

النازي. المعرف بال‍ ( S.A ) ببذل الغالي والرخيص وببذل حياتهم في سبيل تحقيق أهداف الحزب الكبرى. وهو الذي عناه نوستردامس باستهانتهم بالموت والذهب والجاه.

ومن جملة أساليب دعم أفكار ومباديء حزبه كان ، كما هو معهود ، أسلوبُ الثواب والعقاب ، فمن تابعهم وجاراهم فهُم له أعوان وتسهّلت حاجاته ، ومن كان ضدّهم وجد العناء والأذى أينما وَلّى وجهه ، وهو المقصود بالسطر الأخير ، وهي سياسة جرى عليها هتلر بكل دقّة وكان لوزير إعلامه ( هملر ) دورُ مهم في دعمها وترسيخها.

٣ ـ وثينة جديدة

« طوائفُ متنوعةٌ ستبرز في ألمانيا

وتقتربُ إلى حدّ كبير من الوثنيّة السعيدة

القلبُ أسير ، المردودُ الماليّ قليل

وسيجعلُهم ذلك منهوبين بالتالي »

الثالث ـ ٧٦

هذه الطوائف المذكورة هي مختلف تجمعات وتشكيلات الحزب النازي مثل اتحاد شباب الحزب النازي ( SA ) وشباب هتلر ( SS ) ، واقترابُهم من الوثينة

٩٨

هو بتركهم بعضَ الطقوس والشعائر المسيحية واستبدالها بطقوس والشعائر بديلة ، منها ما هو موروث من القبائل الجرمانية القديمة ( الوثنية ) ، وذلك من قبيل طقوس الزواج ؛ حيث صاروا بدل أن يذهبوا إلى الكنيسة لعقد الزواج فإن العريس والعروس يقفان أمام قائدِ مجموعتِهم الحزبيّة ويتابدلان الأختام ويقوم قائد المجموعة بإعطائهما خبزاً وملحاً ، إلى غير ذلك.

كذلك فإن هتلر نصب من نفسه وثناً يُعبَد ويُفَدّى بالأرواح. مثال ذلك بطاقات التهنئة التي تسلمها في عيد ميلاده في ٢٠ / ٤ إذ جاء فيها : ( أُقسمُ أمامك أدولف هتلر ، قائدي ، بأن إخلاصي وبسالتي لك ، وأَعِدُك وأَعِدُ كلَّ من تُعينُهُ ليقودني ، بالطّاعةِ حتى الموت ).

٤ ـ اسم هتلر تقريبا

« وحوشٌ مسعورونَ جوعاً يعبُرون الأنهار

[ هستر Hister ] سيُسيطر على مناطقَ أوسع

ألقائدُ العظيم سوف يُسحَب في قفص من حديد

حينما لا يَرعى إبنُ ألمانيا أيَّ قانون »

الثاني ـ ٢٤

ما أقرب [ هستر ] إلى [ هتلر ] ولكن يبدو أنه ( أي

٩٩

نوسترادمس ) تسلم الإسمَ بطريقةٍ مضطربة مُشَوَّشة ، أو لعلها من أساليب التعمية التي درج عليها نوستردامس في نبوءاته أو أنها غلطةٌ إملائية كما يحلو لبعضهم أن يقول. أما أولئك الذين كتبوا عن نوستردامس قبل سنة ١٩٣٠ فإنهم كانوا يذهبون في تفسير كلمة [ هستر Hister ] إلى مذهبين ، الأول يقول أنها مشتقة من الإسم اللاتيني لنهر الدانوب وهو [ Ister ] ، ويقول الثاني أنها كلمةٌ منحدرة من لغةِّ إحدى الشعوب القديمة التي سكنت غربي إيطاليا وتعني [ الممثل الكوميدي ]. ولكن ومع مجيء هتلر وبروزه على مسرح التأريخ بدا لها هذا المعنى الجديد.

وهذه الرباعية تشير إلى الإحتلال النازيّ لفرنسا سنة ١٩٤٢ وقد كانت حملةُ إحتلالها في الواقع هي معركة وعمليات عبور أنهار ، وهو يصف الجنودَ الألمان في عبورهم بأنهم كالوحوش الكاسرة الجائعة والباحثة عن فريسةٍ تلتهمُها ، فهو يريد أن يُبيِّن شدةَ بأسِهم وحماسِهم واندفاعهِم في وحشيةٍ وعنف.

والقائدُ العظيم قد يكون المقصود منه [ پتان Petain ] الفرنسي الذي كان مجلسُ النوّاب الفرنسي قد مَنَحه سلطات مطلقة سنة ١٩٤٠ لإدارة أمور البلاد حتى حين ، ثم أنه تنازل عن سلطته تحت الضغط الألماني سنة ١٩٤٢.

١٠٠