دراسة في تنبؤات نوستردامس

دراسة في تنبؤات نوستردامس

المؤلف:


المترجم: الدكتور شريف الدين
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مركز مكالمات وپژوهشهاى فلكى نجومى
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

عليها ومنَعَ التبادل التجاري معها في کل الموانيء الأوروبية.

ولکن البابا الذي کان يتمتع عندئذ بسلطة قوية ( البابا پايس Pius السابع ) وله مقاطعات کبيرة تحت سيطرة رفض المشارکة في هذه المقاطعة الإقتصادية ، وکذلک فعل ملک البرتغال.

فکانت استجابة نابليون لذلک بأن ضمّ الولايات التابعة للبابا بالقوة إلى أمبراطوريته وقبض على البابا وسجنه ، وقرر أن يهاجم البرتغال وعبر جيشه إسبانيا لهذا الغرض.

فأنت ترى أن النبوءة قد وصفت الأمر کله وبربط وبتسلسل لا بأس به. أما تلک المرأة الأجنبية المشار إليها في السطر الأخير فهي ( ماري لويس ) التي تزوجها سنة ١٨١٠ بعد أن طلق زوجته الأولى ( جوزفين ) ، وکانت ( ماري لويس ) نمساوية وهي أمُّ ولده نابليون الثاني ، وهي أجنبية بالنسبة لنابليون الفرنسي کما تلاحظ.

٤ ـ مسقط راس القصاب

« إمبراطورٌ سوف يولَد بالقرب من إيطاليا

٦١

وسوف يکلِّف الإمبراطورية ثمناً باهضاً

وسوف يقول عنه الناس عندما يرون عدد حلفائه

بأنه کان قصاباً أکثر منه أميراً »

الأول ـ ٦٠

السطر الأول هو إشارة إلى مسقط رأس نابليون وهي ( کورسيکا ) ومن لطيف الإشارات وغريبها هو قوله ( بالقرب من إيطاليا ) وذلك أن ( كورسيكا ) کانت بالأصل جزء من إيطاليا وتابعة لها في زمن نوستردامس وإنما صارت تابعة لفرنسا في زمن الملک ( لويس الخامس عشر ) (١٧١٠ ـ ١٧٧٤) وذلک بأن اشتراها شراءاً وضمّها إلى فرنسا وکان ذلک قبل سنتين من مولد نابليون فصارت بذلک خارج إيطاليا وفي ضمن حدود الدولة الفرنسية. وأنت تلاحظ أنه لم يقل في إيطاليا أو في فرنسا ولکنه قال بأنها بالقرب من إيطاليا.

وقد کان الثمن الذي دفعته فرنسا باهضاً بالفعل دماءاً وأموالاً وحتى أرضاً ، فعندما حلّت سنة ١٨١٥ تنازلت فرنسا عن کل الأقطار والممالک التي تم احتلالها وصارت في رقعتها أصغر حتى مما کانت عليه قبل بداية حروب نابليون.

٦٢

ولقد کان نابليون قصاباً بحقّ کما سيتضح ذلک في الفصول التالية ، وهو وصف يصحُّ إطلاقه على الکثيرين ممن خلّد التأريخ أسماءَهم بوصفِهم فأتحين أو أباطرة عظماء ولم يکونوا في حقيقة أمرهم غير جزّارين جناة جرت بسببهم الدماءُ أنهاراً من أجل مغانم أو أمجاد أو جاه سلبه الموتُ منهم وکان الله عز وجل هو الوارث بحق للأرض وما عليها.

٥ ـ اسمه المروع

« إنه سيأتي ، وبأسمٍ مروِّع

وکأن اسمه هو [ الأخوات الثلاثة ]

ومن خلال کلامه وأفعاله سينقُصُ الناسُ

وأکثر من أي شخص آخر سيکون مشهوراً »

الأول ـ ٧٦

کلمة ( نابليون ) تعني باللغة اليونانية ( المُبيد الجديد ) من الإبادة والإفناء ، وهو إسم مروّع کما قال الرجل في نبوءته.

وقد کان لخطاباته وکلامه لجنوده من الأثر ما هو مشهور عنه ، کان خطيباً مؤثراً للغاية.

أما الأخوات الثلاثة فهن من عالم الأساطير القديمة إذ تحکي عنهن هذه الأساطير أنّهنّ أخوات ثلاث دَورُهن

٦٣

في هذا العالم هو أن يقطّعن خيوطَ آجالِ الناس فيصّرن بذلک من أعمارهم ، فهنّ بذلک نذيراتٌ وعلامات للدّمار والتخريب ، وقد کان نابليون کذلک بإسمه وبفعله.

وتنقيصُه للناس يعني بوقوع القتل والإفناءِ فيهم حتى يقلُّ عددُهم.

لقد بلغ نابليون قمة مجده حوالي سنة ١٨٠٨ عندما أصبحت القارة الأوروبية کلها تقريباً تحت سلطته. روسيا القيصرية کانت قد دخلت في حلف مع پروسيا [ پروسيا هي الدولة الألمانية القديمة التي کانت تضم الشطرين الشماليين من المانيا وپولندا إضافة إلى کاليننغراد ] سنة ١٨٠٦ وأعلنت الحرب على نابليون وحصلت عدة معارک وانتصر نابليون على پروسيا واحتل عاصمتها برلين.

ثم بدأ حملتَه لغزو روسيا في حزيران ( يونيه ) من سنة ١٨١٢ وحشد ٦٠٠٠٠٠ جندي لهذا الغرض وسار شرقاً باتجاه موسکو ودخل روسيا واستمر في زحفه من دون مقاومة تذکر إذ کان الجيش الروسي ينسحب أمامه حتى إذا ما اقترب من موسکو قام الروس بإحراقِ عاصمتهم موسکو بأيديهم وقد کانت من أکبر ومن أجمل عواصم الدنيا آنذاک ، وکان ذلک في منتصف شهر أيلول ( سبتمبر ) فوصلها نابليون وهي خرائب وبقي فيها حوالي

٦٤

الشهر ثم أمر جيشه بالإنسحاب من موسکو والعودة إلى فرنسا في ١٩ تشرين أول ( أوکتوبر ) وفي طريق إنسحابهم بدأت القواتُ الروسية بالتعرُّضِ لهم وإرباک صفوفهم ، وجاء الشتاء الروسيّ القارص بثلوجه وانجماده فأُصيب الجيشُ الفرنسي بضعف حقيقي ووصل في انسحابه إلى نهر [ برزينا Berezina ] الروسي في ٢٦ / ١١ وکان لا بد لهم من عبوره ، وکان عليه جسرٌ ، فاستغلَّت القوات (٣) الروسية ذلک وبدأت بمشاغلتهم ، وتکبّد جيشُ نابليون على هذا الجسر خسائر عظيمة وتَمَّموا عبورهم له في يومين.

وعندما وصل نابليون إلى باريس يوم ٥ / ١٢ لم يکن معه غير ٣٠٠٠٠ جندي ونجا من جيشه حوالي ٢٠٠٠٠ آخرون فيکون مجموع من بقي من جيشه الهائل هو ٥٠٠٠٠ جندي فقط ، وکانت حملتُه على روسيا هي نکستُه الکبرى إذ بدأت بعدها حروبُ تحريرٍ واسعة لأکثر المناطق والبلدان التي کان قد ضمّها إلى إمبراطوريته. وصار حلفاؤه بالأمس يتحالفون ضده الواحدُ بعد الآخر حتى أُلقيَ القبضُ عليه في ١١ / ٤ / ١٨١٤ ونُفي إلى جزيرة [ ألبا Elba ] الواقعة غربَ البرِّ الإيطاليّ بين ساحلها وجزيرة کورسکا وجاؤوا بأحدهم ونصبوه ملکاً على فرنسا وأعطوه لقب لويس الثامن عشر. وفي

٦٥

شهر مايس من نفس السنة أُعيدت الدول الأوروبية إلى نفس حدودها التي کانت عليها قبل سنة ١٧٩٢.

ولکن ذلک لم تکن فيه نهاية نابليون لأنه استطاع في السنة التالية من الهرب من جزيرة منفاه والعودِة إلى باريس في ٢٠ / ٣ / ١٨١٥ وليحاول إستعادة إمبراطوريته وعرشه.

ويهرب الملک لويس وتنهض فرنسا وراء نابليون ويقومُ بلجيکا في حزيران ( يونيه ) من تلک السنة وينتصرُ جيشُه منتصف حزيران ولکنه يعود ليواجه قوات متحالفة من بريطانيا وپروسيا [ الدولة الألمانية القائمة آنذاک ] ويشتبک معها في معرکة طاحنة عند منطقةٍ في بلجيکا جنوب مدينة ( بروسل ) تسمى ب‍ ( واترلو Waterloo ) وبعد عدة مناورات تصيبه الهزيمة التامة ويتکبد جيش نابليون من القتلى والجرحى حوالي ٢٥٠٠٠ ، ويتکبّد الجيشُ المتحالفُ ضده ٢٣٠٠٠ إصابة وکانت هذه هي نهاية نابليون حيث أُخِذ بعدها ونُفي إلى جزيرة ( سانت هيلينا ) في المحيط الأطلسي الجنوبي في ٢٢ / ٦ / ١٨١٥ ليبقى في منفاه حتى موته سنة ١٨١٢. وتسمى تلک الفترة من حياته التي قضاها من المنفى الأوّل إلى المنفى الجديد بفترة المائة يوم ، وإليها يشير نوستردامس في نبوءته التالية :

٦٦

٦ ـ عودته بعد نفيه

« الأمير المغلوب في إيطاليا

سيعبر البحر إلى ( جنوا ) ويتجه إلى ( مارسيل )

بعد جهد عظيم ستغلبه القوات الأجنبية

سيحصل على برميلٍ بدلاً من العسل »

العاشر ـ ٢٤

فالأمير المغلوب هو نابليون وهو سجينٌ في جزيرة ( البا ) التابعة لإيطاليا ، [ جنوا ] مدينةٌ إيطالية على البحر وصلها نابليون في طريقِ هربهِ واتجّه منها إلى مدينة ( مارسل ) الفرنسية الواقعة إلى الغرب منها وعلى البحر أيضاً ليذهب منها إلى باريس ليحشد جيشه ويذهب به إلى مواجهة قوات الحلفاء الپروسية ـ البريطانية الذين هم أجانت بالنسبة لنابليون ( وبالنسبة إلى نوستردامس الفرنسي أيضاً ) ، وأنت تراه وهو يتنبأ بأن هذه القوات الأجنبية سوف تغلبه بعد جهد عظيم.

والبرميل هو إشارة إلى برميل البارود وهو وصف شعري ( ولاننسى أن نوستردامس کتب نبوءاته على شکل رباعيات منظومة شعرياً ) لإندحاره العسکري بعدما کان يرجوه من حلاوة الملک رمز إليه بالعسل ، کما إن

٦٧

العسل کان يستعمل في مراسيم تتويج الملوک في فرنسا ، فسعيه للحصول على العسل يعني سعيه للحصول على تاج المُلکَ.

کما أنه جاء بوصفٍ لمعرکة [ واترلوا ] التي کانت بها نهاية نابليون وبشکل لا بأس به فقال :

٧ ـ واترلو بعد مائة يوم

« في الشهر الثالث ، عند ارتفاع الشمس

الپروسيُّ والانکليزيُّ يلتقيان على ساحةَ المعرکة

الإنکليزيُّ المُتعَبُ ينظر تلقاءَ السماء

ولکنه لا يرى غير نسرٍ مقاتلٍ تجاه الشمس »

الأول ـ ٢٣

وقولُه في الشهر الثالث يقصد به الشهر الثالث بعد هربه من منفاه الأولى في جزيرة ألبا ، وهو مطابقٌ للواقع تماماً مع فارق بسيط لأنّ نوستردامس يجعلها بذلک حوالي تسعين يومياً بينما هي في الحقيقة مائة يوم وهي الفترة المعروفة تأريخياً بفترة المائة يوم ، والتي عاد فيها نابليون إلى السلطة مرة ثانية قبل دحره نهائياً في هذه المعرکة التي نحن في صددها ومن ثم نفيُه إلى جزيرة نائية قضى فيها نحبه.

٦٨

وقد حصلت هذه المعرکة ( معرکة واترلوا ) في ١٨ حزيران ( يونيه ) من سنة ١٨١٥ وکان الأنکليز بقيادة [ ولنکدون Wellington ] قد تحالفوا مع الپروسيين بقيادة [ بلوشر Blucher ] ووقعت عند سفح جبل قرب مدينة واترلو. وهو اليوم يأتي بجيش قوامه ١٢٥٠٠٠ جندي في مقابل جيش الإنکليز الذي تعداده ١٠٠٠٠٠ جندي إضافة إلى جيش الپروسيين البالغ عدده ٢٥٠٠٠٠ جندي ، وبدأت المعرکة من فجر ذلک اليوم وکانت القوات الپروسية قد تأخرت في وصولها ، ونزلت قواتُ نابليون من أعلى الجبل متجهةً شمالاً وهي تحمل راياتها التي عليها صورة النسر الإمبراطوري الذي کان يتخذه نابليون شعاراً له ، قواتُ الجيش الإنکليزي کانت تواجه الجنوب وکانت تنظم نفسها على شکل مربَّعات وظلّت قواتُ نابليون تکيل الضربات الموجعة للجيش الإنکليزي طيلة ذلک اليوم وعندما قارب النهارُ نهايته جاء المدد الذي کانوا ينتظرونه واستطاعوا من دحر نابليون وجيشه وأخذوه أسيراً ولهذا الموقف رباعية أخرى لنوستردامس نصفه بدقة أيضاً ولکني ترکته خوف الأطالة.

وکما ترى فإنه في السطر الأول أشار إلى المائة يوم وإلى موعد بداية المعرکة ، وفي السطر الثاني أشار إلى التحالف العسکري بين الدولتين المذکورتين ، وفي

٦٩

السطر الثالث نراه يقول بأن الإنکليزي سيصيبهم ما يصيبهم وإن قائدهم سيکون متعباً وإنه ينظر إلى السماء کإشارة إلى أنه ينتظرُ شيئاً أو أنه يأمل بمخرج من هذا المأزق الذي هو فيه حيث تأخرت قوات حلفائه عن الإنضمام إليه ولکنه لا يرى غير النسور المرسومة على رايات نابليون وهي تخفق متراقصةً أمام قرص الشمس وهو مشهدٌ حيّ لواقعِ المعرکة خصوصاً مع ملاحظة أن جيش الإنکليز کان يتجه نحو الجنوب.

وله بعد ذلک رباعيةٌ أخرى يأتي فيها على ذکر ما آل إليه أمرُ نابليون في آخر المطاف فيقول :

٨ ـ منفاه النهائي

« القائدُ الذي حشد حشداً عظيماً بعيداً عن آفاقهم

سينتهي عند جزيرةٍ صخريّةٍ وسط البحر

مع خمسة آلاف نسمة ، بعاداتٍ ولغةٍ مختلفة

القائد الذي سيحاول الهرب سيُحجَر في إسطبل »

الأول ـ ٩٨

هذا القائد هو نابليون ، وحشدُه للناس يعني

٧٠

أخذهم في حملات عسکرية لغزو أقطار نائية بعيداً عن وطنهم الأصليّ ( أُفُقهم ) ، وهو وصفٌ للحملات الحربية التي قادها نابليون. والجزيرةُ الصخريّة هي جزيرةُ [ سانت هيلينا ] التي هي بالفعل جزيرةٌ برکانية صخريّة واقعة في المحيط الأطلسي الجنوبي وهي تبعد حوالي ١٩٠٠ کم عن السواحل الغربية لأفريقيا وفي موازاة دولة ( أنغولا ) الحالية ، وتسکنها أُمّةٌ من الأفارقة الذين يختلفون طبعاً في لغتهم وعاداتهم عن نابليون ويقال إنَّ عدد نفوسها في ذلک الوقت الذي حلَّ فيه نابليون بينهم کان ٥٠٠٠ نسمة ، وقد جعل له الإنکليز لمقرِّه وسکناه بيتاً خشبياً هناک کان في الأصل اسطبلاً للخيول تابعاً لإحدى المزارع. وقد قضى بها نابليون حوالي ست سنوات حتى توفي فيها سنة ١٨١٢.

٩ ـ معرکة الطرف الاغر Trafalgar

« بالطرادات والبوارج من حول سبع سفن

ستقع معرکةٌ ضارية

القائدُ الأسباني سوف يُجرَح

إثنتان تهربان ، تعود بهما إلى البرّ خمسة أخرى »

السابع ـ ٢٦

٧١

هذه نبوءة دقيقة جداً وهي تصف مشهدا من معرکة الأغر التي وقعت بين الأسطول البريطاني وبين الأسطول الفرنسيّ ـ الأسبانيّ المتحالف سنة ١٨٠٥ في زمن نابليون وحروبه.

والطرفُ الأغرّ هو أبعدُ نقطةٍ في أسبانيا عند الجنوب الغربي وحوالي ٦٠ کم غرب جبل طارق ، وبالقرب من سواحل هذه المنطقة حصلت المعرکةُ المذکورة ، وابتدأت في الساعة السابعة صباح يوم ٢١ / ١٠ / ١٨٠٥ وانتهت مساءاً قبل الساعة السادسة بإنتصار الأسطول البريطاني وهزيمة فرنسا وأسبانيا ، وقد ضمن هذا سيطرة بريطانيا على البحار حتى نهاية ذلک القرن وقطع أطماعَ نابليون بغزوِ البريطانية.

کان الأسطول البريطاني بقيادة الأدميرال نيلسون ، وکان نابليون قد دخل في حلفٍ مع أسبانيا التي شارکت ب‍ (١٥) قطعة بحرية بقيادة الأدميرال الأسباني [ کراڤينا Gravina ] ودخل تحت إمرةِ قائدِ القطعات البحرية الفرنسية الأدميرال الفرنسي [ ڤقلينف Villeneuve ] وکان عدد القطعات التي لفرنسا ( ١٨ ) ، فيکون مجموعُ سفنِ الأسطول الفرنسي ( ٣٣ ) قطعة بحرية بين طرّادات وبوارج [ البارجة أکبر من الطّراد ] ومن ضمنها أربع سفن من ذات الطوابق الثلاث ، بينما کان الأسطولُ الإنکليزيّ

٧٢

يتکوّن من ٢٧ قطعة بحرية من ضمنها سبعُ سفنٍ ضخمة من ذات الطوابق الثلاث.

مجموعُ المدافع الفرنسية المحمولة على قطعهم البحرية کان ٢٨٥٦ مدفعاً ، ومجموعُ المدافع الإنکليزية کان ٣٢١٤ مدفعاً وقد تمّ في نهاية ذلک اليوم تدميرُ عشرين قطعة بحرية فرنسية ـ أسبانية مع أسرِ بعض قطعهم من قبل الجانب البريطاني ، ولم يخسر الإنکليزُ شيئاً من سفن أسطولهم ولکنّ قائدهم الأميرال نيلسون قُتل برصاص قناص فرنسي ، کان عددُ القتلى والجرحى في الجانب الفرنسي حوالي ٧٠٠٠ ومثلهم من الأسرى. وقد أُصيب قائد البحرية الأسبانية الأدميرال کراڤينا بجروح أثناء المعرکة وتوفي نتيجتها بعد عدة أشهر.

في اليوم التالي ليوم المعرکة في ٢٢ / ١٠ إستطاع أحدُ ضباط البحرية الفرنسية أن يترک المنطقة بخمسة من قطع البحرية الفرنسية واستطاع في نفس الوقت أن يخلّص إثنتين مع قطعهم التي کامت قد وقعت في الأسر البريطاني فيسترجعها ويعود بها اکلها إلى مواقعها.

فأنت تلاحظ أن نوستردامس هنا يذکر أرقاماً دقيقة إلى درجة مدهشة وکأنه يتفرج على مشهد المعرکة من على شاشة تلفزيون ، أنه يذکر عدد السفن الضخمة للبحرية البريطانية وهي سبعة وتحيط بها قطعٌ أصغر من

٧٣

بوارج ومن طرّادات ، ثم يقول بأنّ القائد الأسباني سوف يجرَح ثم يذکر أن إثنتين من القطع البحرية سوف تهرب وأنّ خمسة أخر ستعود بها إلى البر ، وهو يتنبأ ويرى حصول ذلک قبل حصوله بحوالي ٢٤٠ سنة.

ولنوستردامس عدد کبير من النبوءات الخاصة بنابليون يصف فيها إنتصاراته وهزائمه وبکثير من التفاصيل التي أضربتُ عن ذکرها واخترت منها أبرزها ، وفيها کفاية للتدليل على مصداقية الرجل في رؤاه وأرى بأننا وإلى حد الآن نستطيع أن نأخذ بما سيقوله عن مستقبل هذا القرن بشيء من الأعتبار.

٧٤

بريطانيا العظمى

« ستکون لأنکلترا إمبراطوريةٌ عظيمة

وتکون أقوى قوة لأکثر من ٣٠٠ سنة

قواتٌ عظيمة تعبر البرَّ والبحر

وسوف لن يرضي ذلک البرتغاليين »

العاشر ـ ١٠٠

يتنبأ نوستردامس هنا عمّا سيؤول إليه أمر بريطانيا وبشکل غريب للغاية ، إذ يعتبر المؤرخين أن بداية عهد التوسع البريطاني الذي أدّى إلى نشوء الأمبراطورية البريطانية ( أو ما يعرف ببريطانيا العظمى ) کان قد بدأ سنة ١٦٠٠ على عهد الملکة اليزابيث الأولى ، ففي عهدها نشط العمل التجاري ( إلى جانب الخلافات المذهبية بين الکاثوليک والپروتستانت ) ونشأت عدةُ شرکات ذات امتيازات خاصة وذات حصانة ملکية خاصة. وأهمّ هذه الشرکات کانت الهند الشرقية التي أُنشئت سنة ١٦٠٠ للحصول على حصة في تجارة التوابل في شبه

٧٥

الجزيرة الهندية إلى جانب البرتغاليين والفرنسيين وغيرهم.

الملكةُ هي التي أَعطت الشركةَ امتيازاتِها للعمل في آسيا فركّزت الشركةُ نشاطتها في الهند وتغلّبت على البرتغاليين وطردتهم منها. ثم جاء الملكُ الإنكليزي تشارلز الثاني ليمنحَ الشركةَ سلطاتٍ سياسيةً أيضاً سنة ١٦٦٨ واستمر نفوذُها هناك بالتوسع حتى تم طرد الفرنسيين من تلك المناطق بعد حوالي مائة سنة ( سنة ١٧٦٠ ) وسيطرت الشركة سيطرةً فعلية على الهند سنة ١٧٦٥. ويحصلُ تمرُّدٌ قويّ لدى الشعب الهنديّ ضد الإدارة التي كانت تمارسها الشركة هناك وعندها تسيطر قوات الحكومة البريطانية على الإدارة بنفسها سنة ١٨٥٨ وتمَّ حلُّ الشركة قانونياً سنة ١٨٧٣.

إذن فالقرن السابع عشر شهد بدايات التوسع البريطاني وذلك من خلال عمليات الإستكشاف وحركةِ الأساطيل ومن خلال التجارة والمال ، ومما ساعد بريطانيا على توسُّعِها وتقويةِ إستمكاناتها هو أن أوروبا كانت عندئذ في أزمنات متواصلة وثورات واضطرابات ، وكانت الدولةُ العثمانية ( القوة العظمى آنذاك ) قد سارت شوطاً بعيداً في تدهورها.

وانتهت الحرب العالمية الثانية تاركةً بريطانيا في

٧٦

حالةٍ من الأنهاك الإقتصادي وفي حالةٍ من التأزُّم الإجتماعي والأخلاقي ، أما سياساً فإنها كانت قد دخلت في صفِّ الولايات المتحدة الأمريكية في عداءٍ مستحكم ضدَّ الإتحاد السوقيتي مما زاد في حدة التوتُّرات التي تعيشها ، وصارت تتنازل بالتدريج عن مناطق نفوذها للولايات المتحدة.

إذن فعمر الأمبراطورية البريطانية ( بريطانيا العظمى ) يمكن تقديرُه بأنه ٣٤٥ سنة ( من سنة ١٦٠٠ إلى سنة ١٩٤٥ ) وهو أكثر من ٣٠٠ سنة كما قال صاحبنا.

أما البرتغال فإنها لم تكن في السابق كما نعرفها اليوم فالبرتغال وبعد إندحار الدولة الإسلامية في الأندلس في القرن السادس عشر الميلاديّ إستحالات إلى إمبراطوريةٍ إستعمارية إمتد نفوذُها على الكثير من مناطق آسيا وأفريقيا شديدة من جانب الإنكليز وقد رأيتَ فعلَهم بهم في الهند ، وهنا أيضاً تأتي نبوءةُ نوستردامس في محلها عندما قال : إنّ إمتدادَ النفوذ البريطاني سوف لن يُرضي البرتغاليين.

٧٧
٧٨

نبوءات نوستردامس حول الجنرال

الاسباني [ فرانكو ]

نحن الآن ندخل مع نوستردامس في قرننا الحالي ( العشرين ) وقد طوينا على عجل ثلاثة قرون غطّتها بعضُ نبوءاته.

ونلاحظ نوستردامس وبكلّ وضوح فيما تنبّأ به أنه قد إعتنى عنايةً مفرطةً وخاصةً بالقرن العشرين لأنه رأى بأن هذا القرن سوف يشهد في أثنائه ، وبالذات في نهايته ، من التحوّلات ومن التغيّرات ما سيكون له أحسم الأثر وأقواه في تقرير المصير ليس في أوروبا وفي العالم المسيحي وحسب ولكن في العالم كله وكما سنشاهد ذلك فيما يأتي من هذا الكتاب.

ومن أبرز ما تنبأ به عن أحداث القرن العشرين هو أحداث أسبانيا وخصوصاً أبّان ثورتها الأهلية والتي لعب فيها الجنرال الأسباني [ فرانكو ] دوراً مهمّاً جداً.

٧٩

وقد سبق أن ذكرنا سرَّ اهتمام نوستردامس بكل من فرنسا وإيطاليا وأسبانيا وقلنا بأن الرجل مسيحيّ كاثوليكيّ فرنسيّ وأن جُلَّ اهتمامه كان حول مصير وتقلّبات هذه الكنيسة ، والدول الثلاثة المذكورة تمثّل معاقل الكاثوليكية في العالم.

ولابد لنا من إلقاء بعض الأضواء على خليفة أسبانيا التأريخية لكي تتكون لدينا صورةٌ فيها شيء من العمق حول ما نحن في صدده. فأسبانيا كما هو معروف كانت موطن حضارة إسلامية راقية ( الأندلس ) ، وفي أواخر العهد الإسلامي فيها في القرن الخامس عشر الميلادي كان للمسيحيين ممالك ومقاطعات كانت بينها خلافات وتنافس شديدين. وعندما جاءت سنة ١٤٦٩ تزوج الملك [ فردناند ] من الملكة [ ايزابيللا ] لتكون النتيجة هي توحيد أكبر مملكتين من بين تلك الممالك , وفي سنة ١٤٩٢ يهاجم جيشُ المملكتين مدينة غرناطة آخر معقل للمسلمين وليستوليا عليها وليعملا بعئذ على توحيد أسبانيا ، وكان من جملة أساليب التوحيد هو التوحيد الديني والذي اقتضى طرد اليهود من أسبانيا ولكنّ الأهمّ من ذلك كان مطاردة كل المسلمين وإبادتهم أما بالقتل أو بالتهجير ، وقد كانت المجاوزر رهيبة بحق المسلمين ، واستمرت عملية مطاردة ومحاصرة المسلمين

٨٠