دراسة في تنبؤات نوستردامس

دراسة في تنبؤات نوستردامس

المؤلف:


المترجم: الدكتور شريف الدين
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مركز مكالمات وپژوهشهاى فلكى نجومى
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

ويتهيأ لجولة ثالثة ، ويستبدل رمحه المکسور بآخر سليم ، ولکن غريمه قائد الحرس ينسى أن يستبدل رمحه المکسور فيبقى بيده ، وللرمح نهاية حادة قد تؤدي إلى مقتل غريمه وهو أمر لا تسمح به قوانين مثل هذه المنازلات ولهذا فإنهم يضعون محکّمين أو مراقبين ليلاحظوا حصول مثل هذه الأخطاء وعنئذ ينفخون في البوق للتنبيه على أن خطأ ما قد حصل ليتوقف الخصمان المتنافسان عن المباراة.

ويأخذ کل من المنتافسين موقعه في ساحة النزال ويعدو کل من الفارسين باتجاه الآخر ، ولکن لا أحد يسمع صوتاً للبوق ولا خبر من نافخة ، وعندئذٍ يدفع قائد الحرس برمحه ذي الطرف المکسور في صدر الملک فينزلق الرمح على درع الملک ويدفع بالجزء المتحرک من خوذته الذهبية اللامعة ويدخل عينه اليمنى ويخرج من أذنه.

ولا يخفى عليک ما يتلو أمثال هذه الجروح من ألم وعذاب وقد مات الملک بعد ذلک بأقل من شهر يوم ١٠ / ٧ / ١٥٥٩ وتحققت نبوءة نوستردامس بحذافيرها ، وقد أکسبه ذلک شهرة عريضة في فرنسا وجعل له مصداقية وأهمية في أوساط مجتمع کان يأخذ مسألة التنجيم مأخذاً جدياً ويحسب لأقوال المنجمين حسابها.

٤١
٤٢

تنبؤات نوستردامس حول الثورة الفرنسية

ما هي الثورة الفرنسية ؟

إنها صراع طويل استمر حوالي العشر سنوات ، من سنة ١٧٨٩ إلى سنة ١٧٩٩ ، أدّى إلى سقوط الملکية في فرنسا وقيام النظام الجمهوري. ولقد کان سببها هو النظام المالي المتهرّيء للحکومة الفرنسية الملکية وحالة من الرفض الشعبي لطبقة النبلاء کما شجّع وساعد على هياج الناس واندلاع الثورة في فرنسا وهي الثورة التي قامت في أمريکا آنذاک وکذلک انتشار موجة من المباديء والأفکار التي تتحدث عن الحرية وعن دور الحکومة وموقعها من المجتمع وبالعکس ، وغير ذلک مما يسمى بأفکار التنوير ( Enlightment ). وکانت فرنسا تُدار قلبها من جانب الملک من خلال رجال مسؤولين أمامه مباشرة ، ولم يکن فيها برلمان مثلما هو الحال اليوم وإنما کان لفرنسا مجلس تتمثل فيه طبقات المجتمع ، فکان يتکون من ثلاث طبقات طبقة النبلاء وطبقة رجال الدين وطبقة

٤٣

العوام ، والأخيرة تمثل التجار والمهنيين ( مثل المحامين والفلاحين والعمال ) وکان الفلاحون في مزارعهم والعمال داخل المدن من الفقر والحاجة بدرجة قاسية جداً حيث کان عليهم أن يدفعوا ضرائب باهضة للأقطاعيين والبنلاء في الوقت الذي لم يکن فيه على هؤلاء النبلاء شيء يذکر من الضرائب ، وکانت حياتهم کسلاً وترفاً وبذخاً ولم يکن لهم في الغالب من عمل معين يقومون به وإنما کانوا يعيشون من أراضيهم ومن عطاءات الملک. وفي سنة ١٧٨٩ کانت الحالة الإجتماعية قد بلغت درجة هائلة من التدهور وکانت خزينة الملک قد أفسلت ، فقرر أن يستدعي مجلس الطبقات ذاک للانعقاد واعداً بإجراء بعض التغييرات إذا ما تمکن المجلس من تدبير بعض المال للملک. وکانت آخر مرة ينعقد فيها هذا المجلس هي قبل ذلک اليوم بفترة ١٧٥ سنة !!! أي أن أعضاءه لم يکونوا غير أسماء فيه طيلة هذه المدة ولم ينعقد خلالها إلا هذه المرة وفي هذا الإجتماع طالبت طبقة العوام بوضع دستور يخضع له الجميع حتى الملک نفسه ، وکثُر الإحتجاج واللغط والنقاش من جانب الطبقتين الأخريين ، ثم قرر الملک أن يحلّ المجلس من أساسه فقد صار باباً للمتاعب بعد أن لم يکن شيئاً مذکوراً ، ولکن ممثلو طبقة العوام أقسموا أن لا ينفضّ جمعهم حتى يتمّ لهم إعطاء فرنسا دستوراً شرعياً

٤٤

وأطلقوا على أنفسهم إسم مجلس النواب الوطني ، وبعد حوالي ثلاثة أشهر من ذلک الإجتماع انقضّت الجماهيرُ الهائجة على سجن الباستيل وعمّت ثورةُ الشعب على سادته کلَّ أنحاء فرنسا واتخذت شعارَ الحرية والمساواة الذي أعلنه مجلس النواب الوطني في وثيقة حقوق الإنسان ، وآل الأمر إلى ثورة دموّية سيطر فيها الإرهاب وتزعمّها عدد من البرجوازيين المعتدلين ، وقبضوا على الملک [ لويس السادس عشّر وعائلته وحاشيته وتمّ إعدامُ غالبيتهم فيما بعد ، کما أعطى مجلسُ النواب حقَّ التصويت لکلّ رجل بالغ وحاول الثوار ولعدة مرات إنشاءَ دولةٍ جمهورية يسودها الإستقرار لتمسک بزمام الأمور بعد أن عمّت حالة من الفوضى والإضرابات والمسيرات الجماهيرية وثوراتٌ ضدّ ثورات ، ولکنها کانت تفشل في کل مرة ، حتى انتهى الأمر بتکوين قنصلية أو نظام قنصلي [ Consulate ] على يد نابليون زعيمهم العسکري العظيم ، وهي سلطةٌ دکتاتورية تتکون من ثلاثة قناصل ( جمع قنصل ) يرأسها القنصل الأول الذي هو نابليون بونابرت نفسه.

وکان ذلک سنة ١٧٩٩ وتعتبر هي السنة التي انتهت فيها المرحلة التأريخية للثورة الفرنسية ، وقد خاضت فرنسا أثناء فترة ثورتها هذه عدةَ معارک ضد بريطانيا والنمسا.

٤٥

١ ـ سقوط الباستيل يوم ١٤ ـ ٧ ـ ١٧٨٩

« قبل الحرب سيسقط الجدارُ الکبير

الملک سيتمّ إعدامه ، موتُه سريعٌ وفاجع

إنها لم تتمّ حتى الآن ولکنها قطعت الشوط الأکبر

قرب النهر ستَصبغُ الدماءُ الترابَ »

الثاني ـ ٥٧

الحربُ التي يتحدث عنها إنها هي ثورةُ الشعب الفرنسي على سادته المتسلطين عليه والتي أنهى بها الفرنسيون عهد الحکومة الملکية وأسقطوا الملکَ لويس السادس عشر عن عرشه ثم قطعوا رأسه ورأسَ الملکة ورؤوس عدد کبير من أعيان البلد.

وقد کان هجوم الناس على سجن الباستيل قبل انقضاضهم على الملک وعائلته وحاشيته. وقد أَشار نوستردامس إلى الباستيل بعبارة : الجدار الکبير ، وکان الهجوم عليه في يوم ١٤ / ٧ / ١٧٨٩ وهو يوم عيد وطني في فرنسا إلى يومنا هذا باعتباره رمزاً لإنتهاء العهد القديم وبداية العصر الجديد ، وکانت هذه الحادثة هي شرارة اندلاع الثورة العارمة وانتشارها ، وبإعدام الملک لويس سنة ١٧٩٢ تکون الثورة الفرنسية قد قطعت شوطاً بعيداً

٤٦

في مسارها ولکنها لم تنتهِ بعد إذ ذلک إنقلابات وقطع رؤوس في ضمن الثورة نفسها وفي ضمن زعاماتها ، ثم جاء نابليون سنة ١٧٩٩ وساد نوعٌ من الاستقرار داخل فرنسا في ظل حکمه ، وهو الأمر الذي عناه في السطر الثالث عندما قال بأن الحرب لنت تمّ بإعدام الملک ولکنها ستکون قد قطعت الشوط الأکبرَ والأهمَّ من طريقها.

النهرُ هو نهر [ السينّ ] الذي تقع عنده مدينة پاريس العاصمة.

الباستيل کان في أصله حصناً عسکرياً بُنيَ سنة ١٣٧٠ في باريس ولکنه صار بعد ذلک سجناً خاصاً بالملک ومن ثم صار رمزاً للسلطة العشوائيةِ التي کان يمارسها. وعندما اجتاحتْهُ جماهيرُ الشعب آنذاک فإنهم إنما کانوا يبحثون عن السلاح والذخيرة ولم يکن فيه من السجناء غير سبعة أنفار.

٢ ـ رسالة بدون ختم :

کان الملک لويس السادس عشر قد قام بعدة محاولات فاشلة لتهدئة الأوضاع ولم ينجح وحاول الهرب سنة ١٧٩١ مع عائلتهِ المالکة وأفراد حاشته ولکن الثوار أمسکوا بهم وسجنوا الملک مع عائلته وکبار حاشيته ، وفي نفس الوقت حاولوا الإعلان عن حکومة ملکية

٤٧

دستورية ، وتطور الأمر فقرَّ قرارُهم على إعلان جمهورية أو الإعلان عن نظام جمهوري في السنة التالية. ومن ثم قُدِّم الملکُ للمحاکمةً واتُّهم بالتآمر مع جهات أجنبية ضدّ فرنسا وتمَّ إعدامه بالمقصلة مع زوجته ( مارى أنطوانت ) وقد کان من جملة أدلّة الإدانة التي قدمت في المحکمة ضد الملک هي بعض الأوراق التي وجدوها في قصره وکانت موضوعة في خزانةٍ حديدية مدفونة في أحد الجدران. وکان من جملة تلک الأوراق رسالة لا تحمل ختماً کما ينبغي وعلى ما هو المألوف وکانت تلک الرسالة عبارة عن ( عقد للدفاع ) وفيها ذکرٌ لمبلغٍ من المال ، وسألوه عنها فأنکر معرفته بتلک الخزانة وبما تحتويه من أوراق ، وأنکر معرفته بتلک الورقة التي تخص إتفاقاً بينه وبين طرف آخر أجنبي واعتبروا ذلک تآمراً منه على فرنسا.

يقول نوستردامس :

« الرسالة الموجودة في خزانة الملک ستُکشف

من دون ختم ولا إسم لکاتبها

الشرطة سوف تُخفي القوائم المالية

وکذلک ستُخفي من هو المستفيد المجهول »

الثامن ـ ٢٣

٤٨

وهناک بالفعل من يقول بأن الذين قاموا بالتفتيش في قصر الملک وکسرَ الخزانة الحديدية المدفونة في حائط قصره قد أتلفوا أو أخفوا بعضَ الأوراق التي تثبت براءته من التهمة الموجَّهةِ إليه من قبيل قائمة مصروفاته ومدخولاته والتي قد تُبيِّن المغزى فيما سبق وأن وجدوه في تلک الرسالة الخالية من الختم.

وکما ترى فإن نوستردامس يذکر هذه الحادثة التي ما هي إلا زاوية التأريخ وبدقّة متناهية وکل ذلک قبل مائتي سنة من حدوثها وهو أمر غاية في الغرابة.

٣ ـ المقصلة تاخذ براس الملک

« وسط اضطراب هائل فإنّ بوقَ الصيد سيصوِّت

إتّفاق سابقٌ سوف يُلغى

رافعاً بالرأس إلى السماء ، الثغُر يسبحُ بالدّم

الوجهُ الممسوحُ بالحليب والعسل مرميٌّ به إلى الأرض »

الأول ـ ٥٧

بوقُ الصيد معروف في مراسيم صيد الثعالب وغيرها في أوروپا حيث ينفخون فيه إشارةً لبدءِ عملية الصيد وغير ذلک ، فالسطر الأول يشير إلى الثورة الشعبية

٤٩

العارمة التي صارت بالتدريج إلى مطاردة العائلة المالکة لإصطياد أفرادها وقطع رؤوسهم.

ويقال أن الجلاّد الذي قطع رأس الملک لويس السادس عشر بالمقصلة أمسک بالرأس ورفعه إلى السماء ليُريهُ للناس المحتشدين حول المقصلة وکان الدم يصب من عند منحر جثته ، ثم رمى بالرأس في سلّة کبيرة موضوعة عند قاعدة المقصلة. وکما تلاحظ فإن وصف نوستردامس لهذا المشهد کان دقيقاً في نبوءته.

وهو يقول أن الوجه مَمسوحٌ بالحليب والعسل وهذا إشارة إلى أنه رأس ملک لأن هذا جزءٌ من عملية تتويج ملوک فرنسا حيث يمسحون رأسَ الملکِ المتوِّج بالحليب والعسل.

٤ ـ ثلاثون وريثا

« يجتمعُ الناسُ ليروا شيئاً لا سابقة له

ملوکٌ ، أمراء ، حاشية ملکية

الأعمدة والجدران تهدمّت ، ولکن معجزة

الدمُ الملکيّ سيبقى إلى حدِّ ثلاثين من الورثة »

السادس ـ ٥١

٥٠

الأمر الذي لاسابقة له هو هذا الحشد من العامة الذي يقف حول المقصلة ليَرى الرؤوسَ الملکية تهوي واحداً بعد آخر وهو أمرٌ فريد من نوعه في بلاد أوروپا بصورة عامة حيث يتمتّع المقام الملکي بحصانة خاصة ويتسربل بنوعٍ من القداسة ، حالة لم تکن تدور في خلد أحد من الناس في يوم من الأيام.

الأعمدة والجدران التي تهاوت هي تلک التي لسجن الباستيل والتي لقصر الملک.

أما المعجزة فهي بقاء وريث العرش الفرنسي ، الملک الأمين ( لويس ١٧ ) الذي به يتمّ ثلاثون من ورثة العرش الفرنسي منذ عهد المدعوّ ( روبرت القوي ) وهو الجدّ الأکبر لهذه السلالة التي تمسى بال‍ ( کاپت Capet ) ، وذلک حيث أن الثوار کانوا قد ألقوا القبض على الملک ( لويس ١٦ ) وزوجته ( ماري أنطوانيت ) وأخت الملک ( أليزابيث ) وابنه ( لويس ١٧ ).

وقد تمّ إعدامُ الجميع ما عدا إبنه فإنهم أبقوا عليه وقد مات فيما بعد في السجن وإن کان هناک البعض ممن اعتنى بتدوين تأريخ تلک الفترة من يقول بأن ( لويس ١٧ ) قد تمکن من الهرب من السجن واختفى في مکان ما. على کل حال فإن مسألة الإبقاء عليه في وسط تلک الفوضى التي خلقت بحيرةً من الدماء تعتبر معجزة حقاً.

٥١

٥ ـ القاتل يقتل

« من دون دعمٍ فإن عائلة [ کاپت Capet العظيمة ستضطرب

سيتقدم الحمر لإبادتها

سوف يغمرها الموتُ تقريباً

الحمرُ المتطرّفون سوف يقتلون الشخصَ الأحمرَ وغيرَه من الحمر »

الثامن ـ ١٩

هذه العائلة المشار إليها هي سلالة ملوک فرنسا وآخرهم کان [ لويس ١٧ ] وهو الملک الثلاثون منهم ، وقد صحّ خبُره. وقوله : سيغمرها الموت تقريباً کان في محله لأن الإبادة لم تشملهم جميعاً.

وهو يشير باللون الأحمر إلى الثوار الفرنسيين الفعليين.

وقد شخّص من بينهم شخصاً بعينه وسماه [ الشخص الأحمر ] وهو من غريب التنبؤات عندما نعلم بأنه کان يشير إل [ روبسبير ] ومعنى اسمه حرفياً هو [ الصخرةُ الحمراء ] ، وکان رأساً خطيراً من رؤوس الثوار ولکنّه تمّ إِعدامه على أيدي رجالِ الثورة فيما بعد مع (٢٢) شخصاً من مؤيديه وذلک سنة (١٧٩٤).

٥٢

روبسبير هذا کان محامياً وکان هو زعيمُ الحزب المعروف بحزب [ اليعقوبيين ] ، وکان هذا الحزب على شکل آلاف من اللّجان الثورية التي انتشرت على کل الأرض الفرنسية ، وکان لهم دورٌ رياديٌّ فعال في الثورة الفرنسية وفيما سمي فيما بعد بسلطة الرّعب التي قامت مع قيام أول جمهورية فرنسية سنة (١٧٩٢) ، روبسبير کان هو رأسهم ويقع على عاتقه کثير من المجازر والدمار الذي حصل أثناء تلک الفترة ، وکان قد سعى حثيثاً لإعدام الملک وحاشيته. ولکنه وفي النهاية ألقي عليه القبض مع حشد من مؤيديه وأنصاره ، وفي أثناء ملاحقته لإلقاء القبض عليه أصابته رصاصةٌ في فکّه فهشّمته وفي نفس المساء أُخذ إلى المقصلة وقُطع رأسه مع (٢٢) من أتباعه ، وفي اليوم التالي قُطعت رؤوس (٨٣) شخصاً آخرين.

وإلى هذا تشير نبوءة نوستردامس حيث قال أن الشخص الأحمر ( روبسبير ) سوف يقتلُه الحمرُ أي الثوار إلى جانب قتلهم لثوارٍ آخرين.

رؤوس من الشمع

ولقد کان من جملة ما يفعله الثوار بالرؤوس المقطوعة هو أن يأخذوها إلى إمرأة عرفت بمهارتها في نحت التماثيل من الشمع لکي تصنع نماذج على

٥٣

صورتها ، وکان من بين الرؤوس التي نحتت لها : رأس الملک لويس وزوجته ماري أنظوانت ورأس روبسبير وغيرهم.

هذه المرأة هي مدام توسود Tussaud ( ١٧٦١ ـ ١٨٥٠ ) التي أنشأت متحف الشمع في لندن المعروف بإسمها حتى اليوم ، وهي فرنسية تعلمت من خالٍ لها کيفية صناعة التماثيل من الشمع واشتغلت بصنعتها هذه للعائلة المالکة الفرنسية ثم انتقلت إلى لندن في بريطانيا في سنة ١٨٠٢ وأخذت معها مجموعة أعمالها من الشمع وأقامت معرضاً لها هو الذي صار نواة للمتحف القائم اليوم ، وما زال ورثتها هم القائمون على إدارته إلى يومنا هذا.

٥٤

نبوءات ( نوستردامس ) حول نابليون بونابرت

لقد جاء نوستردامس بنبوءات مدهشة للغاية في خصوص نابليون وسوف نأتي بها تباعاً ضمن الشرح المناسب لما تتعلق به هذه النبوءات لکي يکون مغزاها واضحاً.

من هو نابليون بونابرت : ـ

ولد سنة ١٧٦٩ وتوفي سنة ١٨٢١.

إمبراطور فرنسا من ١٨٠٤ إلى ١٨١٤. من أعظم الغزاة في التأريخ ، خلق إمبراطورية قصيرة العمر لفرنسا إشتملت على کل القارّة الأوروبية تقريباً ، وساعد على نشر الفکر التحرري الذي جاءت به فرنسا وکان له أثر مهمّ في قيام أوروبا الحديثة.

ولد في ( کورسيکا ) في فرنسا وعمل ضابط مدفعية في جيش فرنسا في عهدها الملکي وذلک سنة (١٧٨٥) ، وقامت الثورة الفرنسية وأُعلن عن قيام الجمهورية

٥٥

الفرنسية الأولى التي صار لها جيشها الخاص وخدم نابليون في جيش الجمهورية في تلک الفترة ، وأرسلت فرنسا حملةً عسکرية على إيطاليا وأعطى الثوارُ الجمهوريون قيادةَ هذه الحملة إلى نابليون وکان ذلک سنة ١٧٩٦ وقد نجح فيها نجاحاً باهراً مما جعل منه بطلاً قومياً في فرنسا.

وفي سنة (١٧٩٨) بدأ حملةً على مصر واحتل مدينة الإسکندرية في شهر تموز ( يوليه ) واشتبک مع جيش المماليک هناک فهزمهم وذلک في نفس الشهر ( تموز ) وواجهَ بعدها الأسطولَ البريطاني في نهر النيل ولکنه انهزم أمامهم ، وکان ذلک نهاية شهر تموز ( يوليه ). وتحالف الإنکليزُ مع روسيا والدولة العثمانية والنمسا والبرتغال ، کلّهم ضد نابليون الذي هاجم الدولة العثمانية هذه المرة في سوريا في شهر شباط ( فبراير ) من سنة ١٧٩٩ أي بعد حوالي ستة أشهر من حملته الفالشة على مصر ، وفشل في هذه المرة أيضاً ، واستمر بعد ذلک في عدة معارک واشتباکات هنا وهناک ورجع بعدها إلى فرنسا منتصف ذلک العام (١٧٩٩) ليجد الحکومة الجمهورية في فرنسا ضعيفة منهکة القوى فأسقط الحکومة القائمة هناک في التاسع من شهر تشرين ثاني ( نوڤمبر ) سنة ١٧٩٩ واستولى هو على السلطة وسمى نفسه ( قنصل ) لفرنسا

٥٦

التي صار يعرف نظامها الآن بالقنصلية ( Consulate ) وذلک قبل أن تصير إمبراطورية بعد ذلک بحوالي أربع سنوات. وبعد أن استمکن واستقرت له الأمور في پاريس رجع إلى حروبه التي استمرت من ١٨٠٠ وإلى سنة ١٨١٥ عندما تمت هزيمته التامة في معرکة ( واترلو ).

وننظر الآن إلى ما قاله نوستردامس وکيف تنبأ ببعض تلک الأحداث قبل حدوثها بما يزيد على مائتي سنة :

١ ـ نهاية الثوار على يد نابليون

« أعداءُ السلام سوف يُقهَرون

بعد أن يکون قد قهرَ إيطاليا

هذا المتعطِّشُ للدماء سيصلُ إلى تسويةٍ مع الحمر

ومن خلال الحرب سيجعل الدماءَ تسيلُ وتصبغُ الماءَ »

السادس ـ ٣٨

فأعداءُ السلام والحمرُ هم الثوريون أو رؤساؤهم أثناء فترة الفتن والاضطرابات التي جاءت مع الثورة الفرنسية وقيام الجمهورية الفرنسية الأولى ، وهو يتنبأ بأنهم سوف يقهرون وإن الذي سيقهرهم هو ذلک الذي

٥٧

قهر إيطاليا والمتعطش إلى الدماء ، وهو يشير بذلک إلى نابليون الذي عاد من حملته الإيطالية والمصرية وغيرها إلى فرنسا ليصل إلى تسوية مع زعماء الثورة وليسيطر على حکومة فرنسا ويعلن نفسه قنصلاً ، والسطر الأخير يشير إلى ما تلا ذلک من حروب ذهب ضحية لها مئات الآلاف من البشر.

٢ ـ صعود نجمه

« من جندي بسيط سيصل إلى إمبراطور

من الرداء القصير سينمو ليلبس رداءاً طويلاً

باسلٌ في الحرب ، جريءٌ على الکنيسة

يشاکسُ الرهبان ، مثل الماء الذي يملأ الإسفنجة »

الثامن ـ ٥٧

في سنة ١٨٠٤ جرت محاولةٌ لإغتيال نابليون ولکنها فشلت فوجد نابليون بأن الظرف مناسب لإجراء بعض التغييرات فأعلن نفسَه إمبراطوراً واتخذ لنفسه هذا اللقلب إثر هذا الحادث مباشرة بعد أن کان يسمّي نفسه ب‍ ( القنصل ) وکان آنئذ يلبس بالفعل أرديةً قصيرةً نسبةً بما صار يرتديه فيما بعد من أردية طويلة تناسب مقامٍ الإمبراطورية على حد تصوره. وقد کان بالفعل ضابطاً

٥٨

صغيراً في الجيش وإذا به يصعد إلى هذا المقام الجديد ، مقام الإمبراطورية.

شجاعتهُ وبسالته في الحرب معروفة ، وسِعَةُ فتوحاتِه وغزواته التي کان يقودها هو بنفسه هي خيرُ شاهد على ذلک ، وفي نفس الوقت فقد عُرِف عنه جرأتهُ على الکنيسة الکاثوليکية وسلطتها في ( روما ) إذ أنّه ألقى القبض على البابا پايس السادس ( Pius ) وأخذه إلى فرنسا وأودعه السجنَ هناک سنة ١٧٩٨ أي قبل وصوله إلى سدّة الحکم في فرنسا. وبعد أن أعلن نفسه إمبراطوراً وإثر بعض الخلافات مع البابا ( پايس Pius السابع ) الذي جاء على کرسي البابوية بعد البابا المذکور أعلاه ، فإن نابليون ألقى القبض على هذا البابا وأودعه السجن واستولى على الولايات والمقاطعات التابعة للفاتيکان وضمَّها إلى نفسه ، فإذا کان هذا فعله بکبير الکنيسة فما ظنک به مع من هم دون مقام البابا.

ونوستردامس يستعمل التشبيه هنا فيأتي بصورة الماء الذي يدخل الإسفنجة فلا يبقى له جرم واضح وهو ما فعله نابليون برجال الدين حث امتصّ وجودَهم وتأثيرهم الإجتماعي الواسع وما عادوا إلى ما کانوا عليه في السابق.

٥٩

٣ ـ ملک بلقب جديد

« بأسم لم يحمله ملکٌ فرنسي من قبل

صاعقةً مرعبة لم يکن لها مثيلٌ من قبل

إيطاليا ، أسبانيا ، بريطانيا ترتجف منه

وسوف يلاطف امرأة أجنبية »

الرابع ـ ٥٤

کان ملوک فرنسا يستعملون القاباً أو أسماء معينة وهي تتکرر بشکل مستمر ، فنهاک ( لويس ) وقد تسمى به ستة من الملوک وهناک ( هنري ) وقد تسمى إثنان ، و ( تشالز ) وتسمى به إثنان وهکذا ، ولکن لا وجود للقب ( بونابرت ) الذي حمله [ نابليونّ فهو إسم مستجدّ لا سابقة له ].

وقد وصفه بأنه صاعقةٌ مرعبة ، وهذا وصف دقيق لنابليون لأنه لم يُلقِ السلاحَ طيلة فترة سلطته ، کان رعباً دائماً لکل العالم القائم آنذاک.

ولقد کانت بريطانيا عدوّته اللدودة التي حاول إخضاعها ولکنه لم يتمکن من ذلک تماماً وذلک بسبب قوة أساطيل بريطانيا الحربية التي سعت لبنائها على مدى قرنين من الزمن ، فقام بحرب اقتصادية ضدها بحضْرِ التجارة مع بريطانيا في کل الدول الأروبية التي سيطر

٦٠