دراسة في تنبؤات نوستردامس

دراسة في تنبؤات نوستردامس

المؤلف:


المترجم: الدكتور شريف الدين
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مركز مكالمات وپژوهشهاى فلكى نجومى
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

لقرون عديدة وما قد يحصل نتيجة قراءتها فإنني قد أحرقتها. أحَلتُها إلى رماد حتى لا تُغري أحداً باستعمال الأعمال السحرية الخفية للبحث عن الصيغة الکاملة لتحويل المعادن الخسيسة إلى معادن نفيسة (Transmutation) أما بخصوص ذلک التمييز أو الإدراک الذي يمکن تحصيله بمراقبة النجوم والکواکب فأُحبُّ أن أُنبِّهک إلى التالي : بتحاشي أية تصورات تنبع عن الهوى ، فإنک ومن خلال الحکم الصائب قد تحصل على بصيرة في رؤية المستقبل إذا التزمت بأسماء الأماکن التي تتناسب مع التشکيلات الکوکبية. وبالإلهام فإن الأماکن والهيئات سوف تعطي الخصائص الکامنة وأعني بذلک تلک القوة التي بحضورها فإن الماضي والحاضر والمستقبل يمکن أن تُدرک کأبدية والتي بتجلّيها للعيان فإنها تحتوي عليها جيمعاً ].

وهذا الکلام الأخير يعيد إلى أذهاننا ما سبق وإن ذکرناه عن تجربة بعض المستبصِرين المتأخّرين ممن حاز تلک الموهبة على رؤية المستقبل ( أو الماضي مما لم يطّلع عليه ) فيما نقلوه من أنهم يصيرون في حالة ينبسط فيها وعيُهُم على مساحة أوسع من الزمن حتى لتشمل الماضي والحاضر والمستقبل.

ويقول نوستردامس لأبنه في مکان آخر من رسالته إليه : ـ

٢١

[ هناک عنصران يکوّنان عقلية العرّاف ، الأولى هي عندما يملأ الضّياءُ الروحي ذلک الشخص الذي يتنبأ بواسطة علم النجوم فينوّره. أما الثاني فإنه يتيح له التنبؤ من خلال الإيحاءات الإلهامية ، والتي هي فقط جزء من اللانهائية الإلهية وحيث يأتي هذا العرّاف المتنبّيء ليرى ما قدّمته له هذه الطاقة الإلهية وبواسطة عظمة الله وبهذه الموهبة الطبيعية ، فيرى بأن هذا الذي أنذر به حقيقة ، ومن مصدر أبديّ. ومثلُ هذا النور أو اللهب الضيئل له فعّاليةٌ وأثرٌ عظيم ولا يقلُّ وضوحاً عن الطبيعة نفسها ].

وهو يفتتح کتابه في التنبؤات برباعيتين يرسم فيهما صورة عن نفسه وهو يمارس تلک الطقوس والشعائر التي تشحذ قدرته تفتح أمامه آفاق النظر في المستقبل. فرباعيته الأولى من القرن الأول تقول : ـ

« جالس لوحده ليلاً في مکتب سري.

إنه من نحاس موضوع على حامل ثلاثي الأرجل.

لهبُ ضيئل يخرج من الفراغ.

وينجح ذاک الذي يجب أن لا يُصدَّقَ به عبثاً.

٢٢

ثم يقول في الرباعية الثانية من القرن الأول : ـ

« الصَولجان باليد يوضَعُ في وسط الحامل الثلاثيّ الأرجل.

بالماء يرش أهداب ثوبه وأقدامه.

صوتٌ ، خوفٌ ، إنه يرتجف وسط ردائه.

إشراق إلهي ، الربّ جالس في مکان قريب ».

هاتان الرباعيتان تصفان طريقة نوستردامس في العرّافة والتکهّن. إنها أساليت استعملت منذ القرن الرابع الميلادي کما بين قواعدها [ لامبلکس Lamblicus ] في کتابه الأسرار المصرية المذکور آنفاً والذي نشر في ليون ( فرنسا ) سنة ١٥٤٦ والذي من المؤکد أن نوستردامس کان قد اقتناه واستعمل أساليبه إلى جانب غيره من الکتب التي نصّ في رسالته لإبنه بأن الأجيال کانت تتوارثها خفية وسراً ولقرون من الزمن ، وهي التي أحرقها وأحالها إلى رماد.

وفي الرباعيتين المذکورتين أعلاه نجد بعض عناصر ومکونات ممارسة السحر. الوقت ليل ونوستردامس جالس لوحده في غرفة دراسته وأمامه إناء من نحاس فيه ماء وهو موضوع على حامل صغير ثلاثي

٢٣

الأرجل ، ويحدِّقُ العرّافُ في الماء حتى يرى الماء وقد تعکّر وتضبّب وتبدأ صور المستقبل بالظهور. يضع صولجانه ( عصاه ) في وسط الماء ، ويبلّله ويرش منه الماء على أهداب ثوبه وقدميه ، يحس بالخوف من تلک الطاقات التي إستثارها في داخله ، يسمع صوتاً ويرى إشراقاً إلهياً نورانياً ويکتب ما يراه إلهاماً وکشفاً.

أعتقد بأنه قد صارت لدينا صورة واضحة عن طبيعة عمل نوستردامس ، فهو عرّافة أو کهانة وتنجيم مع ممارسة السحر وغيره مما يعرف بالعلوم الخفية أو السرّية ( Occult ) فنمها ما کان مباحاً مقبولاً لدى الکنيسة الکاثوليکية التي کانت هي المسيطرة على السياسة وعلى العقول في آن واحد في ذلک الزمان. فالتنجيم کان أمراً عادياً ولم يکن بلاط أحد من الملوک خلواً من منجّم يستشيره في أمور حربِه أو سلمِه ، إدارتِه أو حياتِه الخاصة ، ولکن من هذه العلوم أو الممارسات التي استعملها نوستردامس ما کان محرَّماً أشدَّ التحريم ويعاقَبُ عليه من يمارسه بالإعدام حرقاً ، وذلک هو ممارسة السحر ، وهو ما کان نوستردامس يخشاهُ أشدَّ الخشية ، ولهذا فإنه کتب کتابه بذلک الخليط اللُّغوي الغريب ونثر تنبؤاته نثراً عشوائياً وبدون تسلسل زمنيّ محدد. وقد صرح بذلک لإبنه قيصر وقال له في موضع من رسالته إليه

٢٤

بأنه قد استعمل الإبهام والتعمية دون الوضوح والصراحة لکي يفوّت الفرصة على الحکام والمسيطرين فلا ينالونه بسوء. لقد کان يخاف أن يُتَّهَم بالسحر فيعاقَب على ذلک بالإعدام حرقاً بالنار إلى جانب إتلاف نتاجه هذا الذي نحن في صدده ، کتاب القرون. لقد لفّ أکثر کلامه بالغموض والإبهام واستعمل الرمز والإلغاز ولم يذکر تواريخ محدده للوقائع التي يذکرها إلا في مواضع نادرة أبرز فيها التأريخ عناية منه للإشارة إلى أهمية وخطورة هذه الواقعة أو هذا الظرف المعين.

من جانب آخر فإنه من الممکن جداً أن يکون نوستردامس قد أطلع على کتب المسلمين ( ما وصل إلينا منها وما لم يصل ) من أخبار الملاحم والتي زخرت بالأحاديث النبوية الشريفة التي تخبر عما ستأتي به الأيام في مستقبل الزمان واستنسخ منها ما شاء له المقام.

٢٥
٢٦

خط عريض في کتاب نوستردامس

إن کتاب ( القرون ) وإن کان مجموعة ضخمة من التنبؤات التي تغطي مدة حوالي ٤٥٠ سنة من توقعات ورؤى نوستردامس لمستقبل العالم. إلا أننا نستطيع أن نکتشف فيها خطاً عريضاً أو خيطاً مُتَّصلاً ينتظم أغلب نبوءاته تلک ، وذلک أن نوستردامس کان فرنسياً من ناحيةٍ وکان مسيحياً کاثوليکياً من ناحية ثانية ، ولهذا فقد انصبَّ أکثر اهتمامه في نبوءاته على فرنسا وعلى الکنيسة الکاثوليکية ومقام البابويّة ، واعتبرها العمود الفقري للحضارة الغربية ومجدها ورکّز کثيراً على المناطق التي تمثّل الکنيسة الکاثوليکية مثل اسبانيا وإيطاليا ، وقد کان هذا المعنى فيما يبدو مستقراً في خلفية ذهنه في رؤاه المستقبلية ويشکّل بذلک الخط العريض الذي يبرز أمامک في أغلب ما کتبه ، وکتعبير عن ذلک فقد اعتبر سنة ١٧٩٢ بدايةً لعهد جديد وذلک في رسالته إلى الملک الفرنسي هنري الثاني مشيراً بذلک إلى أهمية تلک السنة وخطورتها ، وهي سنة إعلان الجمهورية الفرنسية وهي

٢٧

التي تُعتبر بداية النهاية لعصر السلطة الکنسيّة الکاثوليکية والمسيحية بشکل عام في العالم الغربي ، وهي واحدة من نبوءاته التي تحققت وواحدة من النبوءات النادرة جداً التي يذکر فيها تأريخاً محدّداً لحادثة ما ، وکما ترى فإنها تدلّ على عناية خاصة بفرنسا وبالکنيسة دون غيرهما.

الحادثة الثانية التي يذکر لها تأريخها محدّداً والتي هي امتداد أو تعبير آخر عن نفس الخط المذکور هي ما ذکره في رسالته لولده قيصر مشيراً بها إلى الکاتب الفرنسي ( جان جاک روسو ) حيث يقول له : ( حيث أنه بحسب العلامات السماوية فإن العصر الذهبي سوف يعود بعد فترة اضطرابات ستقلب کل شيء والتي ستأتي من لحظة کتابتي لهذا بعد ١٧٧ سنة وثلاثة أشهر وأحد عشر يوماً والتي ستجلب معها فساد الأفکار والأخلاق والحروب والمجاعات الطويلة ... ). وقد کتب رسالته هذه في مارس من سنة ١٥٥٥ حسب التأريخ المذکور في ذيلها ، فإذا أضفنا إليها عدد السنوات التي ذکرها فإن النتيجة ستکون سنة ١٧٣٢ وهي السنة التي وصل فيها جان جاک روسو ( Rousseau ) إلى باريس ، وروسو هو صاحب نظرية العقد الإجتماعي المعروفة والتي تُشکِّل إلى قدرٍ کبير أَساسَ وفلسفة نظام الدولة الأوروبية الحديثة وقد کان لکتاباته وأفکاره تأثيراً واسعاً وعميقاً على

٢٨

دول العالم الغربي في السياسة والاجتماع والتعليم ، حتى أن المباديء والأفکار التي جاء بها في روايته المعروفة باسم ( أميل ) کانت هي الأساس في وضع المنهج التربوي القائم في مدارس الدول الأوروبية إلى يومنا هذا وصياغةِ مبادئه ، کما أنه يعتبر فيلسوف وملهم الثورة الفرنسية ، ويعتبرُهُ نوستردامس أساسَ الفکرِ الثوريّ والإلحاديّ. وقد وُلِد روسو في جنيف سنة ١٧١٢ ، وعاش طفولة تعيسة ، وکتب أهم کتبه التي ألهمت العالم الغربي وهو في سنّ الخمسين ، وتوفي سنة ١٧٧٨ وحيداً فريداً وفي أشدِّ حالات الفقر والعوز.

ونوستردامس يتوقع لهذه الإضطرابات والتقلّبات أن تسود العالم ابتداءاً من ظهور روسو ومجيء الثورة الفرنسية على مسرح التأريخ وإلى نهاية القرن العشرين حيث تصل تلک التحولات إلى ذورةٍ من الشدة والعنف في النصف الثاني من سنة ١٩٩٩ ( وهو تأريخ آخر ذکره بالتحديد ) والتي اعتبرها هي موعد النهاية الفعلية للکنيسة وللبابويّة وللسيطرة الغربية والتي سيأتي بعدها العصر الذهبي الذي جاء على ذکره في رسالته إلى ابنه في النص المذکور وستتضح أبعاد ذلک أکثر عند ذکرنا لنبوءاته حول مستقبل هذا القرن.

کذلک فإنه رأى بأن تأريخ الحضارة الغربية

٢٩

والنصرانية يرتبط بقوة بتأريخ بني إسرائيل وبفلسطين التي هي مسقط رأس السيد المسيح (ع) ومنطلق النصرانية.

وللعالم الإسلامي والعربي أعظم الخطر وأحسم المواقف في تنبوءاته ، وقد ورد ذکر المسلمين بتسميات مختلفة ، تارة باسم أقوامهم وشعوبهم المختلفة وتارة باسم بلدانهم ومناطق تواجدهم المعروفة ، فهو يسمّيهم بالأندلسيين ( Moors ) والبرابرة ( نسبة إلى ساحل البربر الذي هو ساحل شمال إفريقيا وخصوصاً في منطقة مراکش وتونس والجزائر ) ، والعرب ، والفرس ، والإسماعيليين ، والمحمديين ، أو يقول فاس والجزائر وترکيا وقرطاجة والعراق وفلسطين ... الخ ، حيث جاءت هذه التسميات فيما لا يقل عن (١١٠) رباعية من رباعيات الکتاب أي فيما يزيد على ١ / ١٠ من مجموع نبوءاته.

٣٠

الطبعات القديمة من الکتاب

الطبعات القديمة من کتاب القرون لنوستردامس موجودة في مکتبات المتاحف الأوروبية بشکل واسع ، ويوجد عدد منها في متبة المتحف البريطاني على سبيل المثال. وأقدم نسخة يمکن العثور عليها في المتحف المذکور يعود تأريخ طبعها إلى سنة ١٥٨٩ وهي مطبوعة في فرنسا وتقع تحت رقم ٣٢٤ / ١٦٠٦ بحسب فهارس مکتبة المتحف. وهناک نسخة أخرى طبعت في فرنسا سنة ١٦٥٠ تحت رقم ١٤٨١-de.٢٠ ، ونسخة ثالثة طبعت سنة ١٦٦٨ تحت رقم ٢٠٠٠٩.d.٢٠ کما توجد هناک أقدم ترجمة للکتاب إلى اللغة الإنکليزية صدرت سنة ١٦٧٢ وطبعت في لندن ( رقمها ٧١٨.i.١٦ ) وقام بترجمتها والتعليق عليها طبيب اسمه ثيوفلس دي غارنسيرز ( Theophilus de Garencieres ) ، ولعلة ما نجد أن کثيراً ممن اعتنى بالکتاب وبالتعليق عليه هم من الأطباء ( وکاتب السطور طبيب أيضاً ) وقد يکون منشأ ذلک هو طبيعة إشتغال الطبيب في مهنته وما يتضمنه ذلک من

٣١

ممارسة مستمرة لتفسير الظواهر والعلامات ومحاولات متصلة للتکهُّن وللتنبؤ بما سوف يحصل سواء أکان ذلک على مستوى سير المرض الطبيعي أو على مستوى إختيار العلاج وماقد ينتج عن ذلک من تأثيرات مما يجعله يعيش في عالم قريب جداً من عالم نوستردامس وأمثاله ( ولا ننسى أن نوستردامس نفسه کان طبيباً ).

٣٢

منهج کتابنا هذا

لقد کان عملي في هذا الکتاب انتقائياً حيث أخترتُ من بين الرباعيات التي وردت في کتاب القرون لنوستردامس ، والتي بلغ عددها ٩٤٢ رباعية ، عدداً محدوداً تکاد أن تکون نماذج في بابها ، فمثلاً فيما يخصّ نبوءاته عن نابليون بونابرت کان هناک ما لا يقل عن خمسين رباعية بينما أوردتُ منها تسع رباعيات فقط وترکت الباقي حيث أن فيه ذکر الکثير من التفاصيل التي توقعت أنها قد تکون مُمِلَّة. کما أن عدداً کبيراً من الرباعيات هو مما يحتمل عدة تأويلات ، أو أنه مما ينطبق على أي شيء فکنت أترکها ولا آخذ إلا بما له دلالة واضحة ، ومن بين التي لها دلالة واضحة هناک عدد کبير يتعلّق بحوادث تأريخية جزئية مما حصل في أوروبا ومنذ أزمنة سحيقة وهي بعيدة عن إهتمام وعناية القاريء العربي.

وقد ابتدأتُ بايراد نبوءات لنوستردامس مما تم

٣٣

تحقُّقه وشهد العالم حصوله وذلک لکي نستکشف مقدار مصداقية الرجل في رؤاه للمستقبل ، فلما استوفيتُ هذا الغرض صرت أعرض لنبوءاته التي خَصَّها بمستقبل هذا القرن العشرين وما جرى مجراها مما يحتمل المستقبلية ، وسلکتُ نفس المنهج الانتقائي هنا أيضاً ، حيث أن هناک رباعيات کثيرة تتعرض لتفاصيل ما سوف يصيب الدول والمدن الأروبية في مستقبل هذا القرن لم أتعرض لها وإنما اکتفيت ببعضها الذي يشير إلى نفس الدول والمناطق. ثم إنني أوردتُ ما يحتاجُه شرح النصوص من فذلکة تأريخية أراها ضرورية لفهم الموضوع الذي تتعرض له الرباعية ، أو أنها ضرورية لتضعنا في الجو المناسب ، مع توضيح توسّطتُ فيه بين الأختصار والأسهاب عند التعرض لأسماء بعض المدن وخصوصاً ذات التأريخ منها ، فلا أقول مثلاً أن المدينة الفلانية تقع في البلد الفلاني ولکني أذکر بضع کلمات في خصوصها.

وقد راعيت في ترجمة النص الأصلي منتهى الدقة ، فکنت أعرض مختلف الترجمات التي صدرت له باللغة الإنکليزية بعضها على البعض الآخر لکي أکتشف إن کان هناک موضع اضطراب أو خلل ، فإن کان هناک شيء من ذکل رجعتُ إلى أًل الکلمات اللاتينية أو

٣٤

اليونانية التي استعملها ، لغرض فهمها بالضبط ، فإن وجدت أن الإضطراب الموجود ليس بالإمکان حلَّة کنت أترکُ النصَّ وأَهمله تماماً ولا أورد إلا ما وثقت من سلامته.

وقد کان من جملة أساليب نوستردامس في التعمية والإبهام هو أن يأتي بإسم مدينة أو قرية صغيرة ليشير بها إلى دولة کبيرة أو إلى منطقة واسعة ، أو أنه يأتي بأسماء قديمة جداً عُرفت بها هذه المناطق أو الدول ، فکنت إما أن أذکر المدينة في ترجمة النص کما وردت في الأصل ثم أذکر بعد ذلک في الشرح موقعها وما أشارت إليه ، أو أنني أذکر الدولة المشار إليها في ترجمة النص ثم أعود في شرحه إلى ذکر ما ورد في النص الأصلي من عبارة تخصّها.

وقد کان منهجي هو أن آتي بترجمة الرباعية ثم أن أذکر موضعها من کتاب (القرون) ويتلو ذک رقمها ، فمثلاً عندما يأتي في ذيل الرباعية عبارة [ الثامن ـ ١٣ ] فهي تعني أنها الرباعية رقم (١٣) من القرن الثامن ، ثم أتي بعد ذلک بشرح دلالتها وتفسير ما يحتاج إلى تفسير منها.

تاريخ

فيمايلي نستعرض شطراً من نبوءات نوستردامس ممّا طوته صفحاتُ التأريخ وکشفت لنا عن معانيها

٣٥

ومضامينها ، لنرى فيها مقدار ما أصاب فيه الرجل في توقعاته ورؤاه لمستقبل الأيام وهو يشاهد ويکتب في منتصف القرن السادس عشر. ونراعي فيها تسلسلها التأريخي على الرغم من أنها جاءت أصلاً في کتاب ( القرون ) مبعثرة نثراً عشوائياً وبدون ترتيب على الإطلاق ، ونشير إلى موضع کل رباعية ومکانها من الکتاب الأصلي.

٣٦

٣٧
٣٨

مقتل ملک فرنسي

« الأسد الشاب سيقهر الأسد الأکبر منه

سوف يفقأ عينه وهي في قفصها الذهبي

في نزال من بين النزالين في ساحة المعرکة

ثم سوف يموت موتةً شنيعة ».

الأول ـ ٣٥

هذه نبوءة تحققت في حياة نوستردامس ، وکان قد تنبأ بها وأثبتها في کتابه الذي صدر في جزئه الأول سنة ١٥٥٥ وکان يتکون کما ذکرنا سابقاً من الفصول ( القرون ) الثلاثة الأولى ونصف القرن الرابع ، وثم تحققت النبوءة ( کما سنرى تفاصيل ذلک ) في ١٠ / ٧ / ١٥٥٩ أي بعد أربع سنوات من تثبيتها في کتاب نبوءاته. وهي تخص الملک هنري الثاني ، ثاني ملوک فرنسا ، والقصة أن هذا الملک شارک في مباراة بين الفرسان مما کان يعقد في القرون الوسطى حيث يحصل النزال على شکل منازلات أو جولات بين فارسين يمتطي کل منهما جواده وهو في أتم قيافته الحربية وهذا يعني أن يکون متسربلاً

٣٩

بالحديد من قمة رأسه إلى أخمص قدميه ، وتستعمل فيها رماح مسطحة النهايات يقارع بها بعضهم البعض الآخر في عرض للقوة والمهارة والکفاءة القتالية والفائز هو الذي يسقط خصمه من على سرج حصانه الذي يمتطيه وکانت أمثال هذه المباريات تقليد جار في أوروبا الغربية.

وکانت المناسبة خاصة للغاية ، إذ کانت هناک حفلة زواج مزدوج حيث کانت أخته ستتزوج من ملک أسبانيا ، وفي نفس الوقت کانت ابنته ستتزوج من ( دوق ساقوى ) وکان ذلک في صيف سنة (١٥٥٩) واستمرت المهرجانات لمدة ثلاثة أيام آنذاک وکانت المنازلات بين الفرسان جزء من مثل هذه الإحتفالات ، وشارک هذا الملک الفرنسي المذکور فيها.

وفي صباح ذلک اليوم من حزيران ( يونيه ) کان الملک يفوز المرة تلو الأخرى على من ينازله حتى حلّ منتصف النهار ، وکان الجو حاراً جداً فطلب منه أعوانه أن يکف عن القتال ولکنه أصر على الإستمرار ، وکان خصمه هذه المرة أحد قواد الحرس الشباب وتقارعا بالرماح ، ولکن الرمحين تکسرا ولم يسقط واحد منهما عن جواده. وأصر الملک على جولة ثانية معه ، ورمى کل واحد منهما برمحه المکسور واتسبدله برمح جديد ، ومرة ثانية تتکسر الرماح ولايقع واحد منها عن جواده. ويزداد إصرار الملک على الإستمرار رغم نصيحة حاشيته له ،

٤٠