دراسة في تنبؤات نوستردامس

دراسة في تنبؤات نوستردامس

المؤلف:


المترجم: الدكتور شريف الدين
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مركز مكالمات وپژوهشهاى فلكى نجومى
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

خمس درجات ونصف وقد تمَّ بناؤه بين سنتي ١١٧٣ ـ ١٣٥٠.

[ جنوا Genoa ] ميناء إيطالي يقع في الشمال الغربي من إيطاليا وقد كان من أهم الموانيء التجارية والحربية في العصور الوسطى ، والمدينة هي مسقط رأس كرستوفر كولمبس مكتشف القارة الأمريكية وقد اشتهرت بصناعات الصلب والسفن ولكنه الآن في تدهور مستمر.

[ ساڤ‍ونا Savona ] إسم مقاطعة ومدينة في إيطاليا ، كما أنه إسمٌ يطلق على مدينتين أخريين الأولى في كولومبيا البريطانية والثانية في ولاية نيويورك الأمريكية ، والظاهر أن المقصود هو الأولى.

[ كاپوا Capua ] مدينة جنوب إيطاليا قرب مدينة نابولي.

[ سين ] هو النهر الفرنسي الذي تقع عليه مدينة باريس ويبلغ طوله ٧٧٥ كيلومتراً [ مودينا Modena ] هي مقاطعة كبيرة في إيطاليا ، كذلك هو إسم مدينة في أمريكا وإسم منطقة في ولاية نيويورك.

[ مالطا Malta ] هي جزيرة في وسط البحر الأبيض المتوسط وإحدى دول الكومنولث وتبعد حوالي ٦٠ ميلاً عن جزيرة سردينيا الإيطالية ، وتعتبر مالطا من أكثر دول

٣٢١

العالم في الكثافة السكانية.

وتستمر أنباء هذه الهزيمة الأوروبية الشنيعة في رباعيات أخرى نأتي على ذكر بعضها.

٣٢٢

هجرة واسلاب

« من موناكو إلى سسلي

كل الشريط الساحلي سيبقى مهجوراً

سوف لن يبقى ريفٌ أو مدينة

لم ينهبها أو يسلبها البرابرة »

الثاني ـ ٤

[ سسلي Sicily ] هي الجزيرة المثلثة الشكل تقريباً التابعة لإيطاليا ، وهي أكبر جزر البحر الأبيض المتوسط ويفصلها عن طرف البر الإيطالي مضيق ضغير ، وهي ذات كثافة سكانية عالية جداً. وقد سبق ذكر ( موناكو ) وغرقها بالدماء ومن قبل ذلك خرابها الاقتصادي. ونرى هنا مشهد عاصفة عربية إسلامية هو جاء لا تُبقي ولا تذر ، إن الرعب الذي سيسببه ذلك الإسماعيلي العظيم لهو من الشدة إلى درجة أن يترك الناس أوطانهم ويهجرونها إلى مواضع أخرى ، وسوف تغنم الشعوب المسحوقة كل ما كان في أيدي وحوزة أولئك.

٣٢٣
٣٢٤

باريس مهجورة وهجوم ضد بريطانيا

« ستبقى غير مأهولة لمدة طويلة

المنطقة التي عند التقاء نهري [ السين ] و [ مارن ]

يهاجم الجنود نهر [ التايمس ]

ينخدع حرّاسُه بأنّهم صَدّوهم »

السادس ـ ٤٣

نهر [ السين Seine ] ونهر [ مارن Marne ] يقعان في فرنسا ، وعند ملتقاها تقع مدينة باريس ، منطقة باريس وما حولها سوف تبقى مهجورة غير آهلة بالسكان ولمدة طويلة من الزمن بسبب الحرب الكبرى المتوقَّعة سنة ١٩٩٩ ـ ٢٠٠٠.

نهر [ التايمس Thaims ] يقع في برطانيا ، وهو ينبع في غرب انكلترا ويتجه شرقاً وجنوباً ليمرّ في وسط مدينة لندن حيث يطل عليه البرلمان البريطاني ، ويصب فيما بعد في البحر شمال القنال الأنكليزي ( المانش ). وهنا مشهد عن هجمة عسكرية ضد بريطانيا وهي جزء من

٣٢٥

تلك الحرب الكبرى المتوقعة ، ويبدو أن الغزو المتوقّع سيمر عبر فرنسا ومن ثم القنال الأنكليزي إلى شواطيء بريطانيا عند مصب نهر التايمس وأن الأمر سيكون مفاجئاً حيث سيتصور الجيش البريطاني بأن هجوم القوات المعادية قد تمّ صدّه ولكنهم سيكونون مخطئين في ذلك حيث ستصلهم قوات الغزو في عقر دارهم ، ولعل للنفق الجديد الذي سيتمّ إنشاؤه وافتتاحه في السنوات القليلة القادمة والذي يمر تحت سطح البحر ويربط البر الفرنسي بالبر الانكليزي عند موانيء لندن دورٌ في هذه العملية. وهناك إشارة إلى مدينة عظيمة يبدو على الأرجح أنها باريس مع إشارة إلى هجرة أهلها منها وإخلائها من سكانها تأتي في الرباعية التالية :

« المدينة العظيمة سوف تُهجَر تماماً

لن يبقى منها ولا واحد من سكّانها

الجدار ، المعبد ، الجنس ، العذراء ، تُنتهَك كلها

سيموت الناس من الوباء وقذائف المدافع »

الثالث ـ ٨٤

فأما الجدار فما هو إلاّ رمز لكل ما هو بناء عمراني من مساكن وفنادق وغيرها من منشآت ، وأما المعبد فأنّه إشارة إلى الكنائس وما شابهها ، الجنس هو رمز للذكور

٣٢٦

والأناث أو للرجال والنساء ، العذراء هو إشارة إلى النساء وإلى حديثات السنّ منهن خاصة. هذه كلها سوف يتمّ إنتهاكها إي إنها سوف تسقط عنها الحرمة ولن يكون لها من يحميها من هذه القوة التي ستأتي بقذائف المدافع ، وكل هذا يعني حصول حرب طاحنة يشير إليها في السطر الرابع ، والمعنى يتضمن أن هذه المدينة العظيمة أو دولتها ستكون بلا حول ولا قوة فيشيع الموت في الناس بسبب الوباء وبسبب القتل ، قتل وآسر في الرجال وفي النساء والعذارى. يشيع الدمار والخراب في الأبنية والمنشآت العمرانية وفي الكنائس وأماكن العبادة بسبب الغزو وبسبب الهجرة التامة والدمار الشامل.

ونفس المعنى ، ولكن بتفصيل وتوضيح أكثر ، يأتي في رباعية أخرى : ـ

« السفن ممتلئة بالأسرى من كلّ الأعمار

الأيام التعيسة بدلَ الطّيبة ، مُرُّها بدلَ حلوها

يقعون فرائس للبرابرة المستعجلين للرؤية

وتذهب الشكوى كريشة في مهبّ الريح »

العاشر ـ ٩٧

البرابرة هي إشارة إلى سكان الساحل الأفريقي الشمالي وبالذات تونس ومراكش والجزائر ، وتكون إشارة إلى العرب وإلى المسلمين بصورة عامة.

٣٢٧

وقد استعمل للفظ السفن عبارة [ Trireme ] وهي سفن امتاز الفينيقيون بالذات باستمعالها وكانت ذات ثلاثة سطوح وتستعمل فيها المجاذيف ، وكما عرفنا فإن الفينيقيين هم سكان لبنان وسوريا الأصليون وإشارة من نوستردامس إلى أهل الشرق الأوسط عموماً على أغلب الظن ، فالسفن القادمة التي سوف تمتليء بالأسرى والسبايا هي من تلك الجهة من العالم.

والمشهد هنا هو عن هجوم إسلامي وعربي كاسح يفترس كل ما يواجهه ، ويقع كل شيء في قبضة هؤلاء المسلمين ( البرابرة ) ولا يفلت منهم شيء حتى البشر يصبحون ملك يمينهم ويستحيل الطغاة إلى عبيد وإلى إماء ، من كل الأعمار ، يقعون فرائس في أيدي هؤلاء الغزاة وعيونهم تتفرس في الوجوه بحثاً عما هو أفضل وعما هو أحسن من الغنائم على عجلة من أمرهم لأن هناك الكثير ينتظرهم من أمامهم ومن ورائهم. أما من يشتكي فإن شكواه تذهب أدراج الرايح ، وماذا نفعت من قبل شكاوى المستضعفين وأنين المظلومين !! بل إنها كانت وكأنها إغراء للفراعنة بمزيد من الظلم وبمزيد من الإيذاء والنكاية. إنه يوم جديد ينقلب فيه كل شيء رأساً على عقب وتستحيل أيام هؤلاء الحلوة الطيبة إلى مرارة وتعاسة ، وكذلك تقلُّب الأيام بين الناس والعاقبة للصابرين المتقين.

٣٢٨

اهل العراق غاضبون

« سكّان العراق وأهلُه

غاضبون على حلفاء أسبانيا

لعبٌ ، طقوس ، حفلات ومآدب ، كلُّهم نائمون

البابا عند [ الرون ] ، مدينتُه يتمّ احتلالها وكذلك إيطاليا »

السابع ـ ٢٢

لقد جاءت الإشارة إلى أسبانيا في النص الأصلي بإسم إحدى مقاطعاتها وهي [ تَراغونا Tarragona ] الذي هو إسم مقاطعة ومدينة قديمة في أسبانيا تقع على البحر الأبيض المتوسط على بعد ٩٥ كيلومتراً جنوب غرب ميناء برشلونه ، وتوجد فيها آثار رومانية قديمة.

وقد جاء إسم العراق أصلاً بعبارة [ ميزوبوتيميا Mesopotamia ] وهي التسمية اليونانية القديمة لما يُعرف اليوم بأرض العراق وهي تعني من ناحية لفظها « بلاد ما

٣٢٩

بين النهرين » ، وهي بلاد ذات حضارة عريقة جداً تعود إلى أكثر من ستة آلاف سنة وقد توالت عليها حضارات ومدينات مختلفة كما توالت على حكمها شعوب مختلفة من فرس ويونانيين ومغول وأتراك وإنكليز إلى آخره ، وقد تم تدميرها وتدمير منشآتها على يد المغول سنة ١٢٥٨ والذين قاموا بتخريب جسورها وقنوات الريّ فيها وغير ذلك مما أحالها إلى صحراء قاحلة ، وجاء الأمريكان وحلفاؤهم إلى العراق في ١٧ / ١ / ١٩٩١ فدمروا كل منشآت البلاد الحيوية وأحالوا مدنه إلى خرائب وأنقاض فأرجعوا البلد بذلك إلى عهود القرون الوسطى. وحيث أنها كانت مكيدة دبّروها لغاية معينة فإن أهل العراق سوف ينتبهون إلى كامل أبعاد تلك المكيدة فيغضبون لأنفسهم غضبةً سوف يكون لها دور مهمّ في مستقبل العالم والمنطقة. ولم تكن تلك الحرب غير خطة أمريكية بالدرجة الأولى دبّرتها مع حليفاتها وبالاتفاق مع صاحبهم وربيب نعمتهم وصنيعة يدهم صدام حسين ، مخططوا لحربٍ مضمونة النتائج يخوضونها من جانب واحد ويقررون لها سلفاً من الذي سيكون الطرف الرابح فيها ومن سيكون الخاسر وعلى نفس النمط المألوف عندهم في مباريات المصارعة الحرة وبحسب الاتفاق !! وما كان ذلك إلا من أجل الوصول إلى بعض الأغراض التي يمكن إجمالها بما يلي :

٣٣٠

١ ـ محو عقدة ڤ‍يتنام وجرحها الدامي الذي لم يندمل في ضمير المجتمع الأمريكي ، ولقد قالوها صريحة بلا رتوش وعلى لسان رئيسهم بوش في خطابه الذي أعلن به عن نهاية عمليات عاصفة الصحراء حيث قال ( لقد تحررنا بعون الله من ڤ‍يتنام للمرة الأخيرة وإلى الأبد ).

٢ ـ محاولة اليأس للخروج من حالة الركود الاقتصادي والانحسار الذي عمّ كل مرافق الحياة الاقتصادية في أمريكا وبريطانيا وغيرهما من دول العالم الغربي ناهيك عن بقية أطراف العالم الثاني والثالث.

٣ ـ توجيه لكمة عنيفة للنزعة التحررية بين أبناء شعوب العالم الثالث وخاصة الإسلامية منها بعد شيوع حالة من إحترام الذات هي أقرب إلى التمرّد على القيم الاستكبارية السائدة وذلك بعد إنتهاء فترة الإنبهار بالمدينة الغربية وبعد إنكشاف الخدعة الماركسية مع حالة من الوعي والانفتاح يصحبها إحساس شديد بالحيف والمظلومية أمام القوى الفرعونية التي علّت في الأرض بغير الحق ، فأراد هؤلاء المستكبرون إلحاق هزيمة نفسية عنيفة بأبناء هذا العالم الثالث وتلقينهم درساً قاسياً بأن ما يحلمون به من حرية وإنعتاق هو مما لا سبيل إليه ( ما بلّ بحرٌ صوفة ) وما دامت السماوات والأرض ، وأن لا مفرّ

٣٣١

لأحد من الإستسلام والخضوع لأمريكا أو لبريطانيا أو لفرنسا وللغربيين عموماً. وكانت خطتهم هي بالضبط ما حصل ، إذ صنعوا من صدام بطلاً أسطورياً يواجه قوى العالم أجمع مواجهة حدّية فاجأة الناس جميعاً ، فأحسّ بعضهم باللعبة وقال كلاّ لا يمكن أن يكون هذا هو صدام الذي نعرفه وما هذا بردائه ولا هذا هو حجمه أو خلقه ، إنه يتحرك ويتكلم وفق دور يلعبه في لعبة كبيرة ، بينما أغفلت عنها الغالبية العظمى التي رأت في صدام فارس أحلامها فتعلّقت به القلوب والآمال لأنه واجه أمريكا وتحدّى الغرب الذي يبغضونه جميعاً ، وصاروا ينتظرون ساعة النزال الذي سيسوّد وجوه الأمريكان بعد أن يتلقوا من الضربات الموجعة على يد هذا البطل الجديد ما يكسر من كبريائهم وإستعلائهم. وإذا بفارس الأحلام صدام لا يرفع سيفاً ولا عصا ولا يصول ولا حتى صولة واحدة على فرسه الأشهب بل إنه لم يرفع رأسه ولا حتى للخطة بل أنه إنتظر العاصفة حتى سكنت فانكبّ على أحذية الأمريكان والإنكليز يقبّلها صاغراً راضياً بكل ما يملونه عليه ، وكانت صاعقة تنزل على رؤوس المخدوعين بالسّراب فتنسف الآمال والأمنيات وتدفع بالكثيرين إلى حالة من الدهشة والخواء أو حتى الذلة والهوان.

٣٣٢

٤ ـ أرادوا بتدمير العراق وتمريغ أنف خادمهم صدام بالتراب أن يجعلوا منه نموذجاً ومضرب مثل بالنسبة للدول الإسلامية ودول العالم الثالث الأخرى ورؤسائها لترتدع حتى عن التفكير بأي عمل فيه خروج عن الإرادة الأمريكية أو فيه تجاوز للحدود المرسومة لها وذلك في جملة ترتيباتها لفرض النظام الدولي الجديد في أركان الدنيا. وقد كان ذلك على الصورة التي صارت مألوفة لدينا منهم وهو أسلوب الصعقة الماحقة الشديدة التي تشرد بلبّ الآخرين وتجعلهم دائخين مُنقادين.

٥ ـ كان يجب التخلص من فائض السلاح الموجود لدى جيش صدام لأنه إنما كان وديعة عنده إلى حين إنتهاء حربه مع إيران والتي خاضها نيابة عن المستكبرين ، فهل يكون إتلاف هذا السلاح هكذا بهدوء وببساطة أم أن يكون تدميره بطريقة فنّية فيها ضجّة وصخب وهول ولغرض إستراتيجي ماكر ؟! خصوصاً وأن لدى المعسكر الغربي أيضاً من فائض العتاد ما يجب تدميره والتخلص منه بسرعة بعد أن حصل التقارب السوڤ‍يتي الأمريكي ( قبل أن يتفكك الأتحاد السوڤ‍يتي وينتهي بالفعل ) ، خصوصاً وأن هذا العتاد المتطوّر هو من النوع الذي يحتوي على كميات من اليورانيوم المشعّ كجزء من تركيبته والتي يكلّف إتلافها قدراً جسمياً من

٣٣٣

المال والجهد والحيلة ، فكانت حرب الخليج هي أفضل قناة للتخلص منه بإلقائه على من لا يُغني شيئاً من عرب العراق والخليج حتى بلغ مقدار اليورانيوم المشعّ الذي خلّفه القصف الجوي والصاروخي الذي جرى أثناء حرب الخليج ما يقدّر بحوالي الأربعين طنّاً. وهكذا قدّروا بأن الأجدر بهم هو جنايةُ بعض الفوائد من هذا العتاد المخزون بدل أن تذهب أموالهم دخاناً في الفضاء ، وقد جاءتهم بالفعل بلايين الدولارات من أجل تخريبهم للعراق والكويت وفي بثّ الشقاء والتعاسة بين أهله ما لم يُصرف أتفه اليسير منه على راحة ورفاه شعوب العالم الثالث مجتمعة أو لإنقاذها من فقرها أو من تخلّفها.

٦ ـ خلق المبرر الكافي الذي يعطي غطاءاً « شرعياً » أو عقلانياً لتواجد القوات العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج بشكل فعليّ وعلى المكشوف وبكثافة عالية من أجل ضمان السيطرة المباشرة على منابع النفط ومصادر الطاقة من قبل أمريكا لتأمين حاجاتهم من ناحية ولأبتزاز الدول الصناعية الأخرى مثل اليابان وألمانيا وفرض السيطرة علهيم والتحكّم بهم من ناحية ثانية.

٧ ـ كانت هذه الحرب حقل تجارب لأسلحة جديدة لم تستخدم قبلها ، وكانت ساحة الحرب معرضاً حياً للأسلحة المتطورة المسموح ببيعها وكانت أفضل

٣٣٤

وسيلة إعلامية لمصانع إنتاجها. كما كانت تجربة إختبارية للدور الجديد الذي ستلعبه قوات حلف الناتو ( شمال الأطلسي ) بقيادة أمريكا بعد إنحسار الخطر الروسي.

هذا إلى جانب فوائد أخرى جناها الأمريكان خاصة والغربيون عامة أو أرادوا أن يجنونها ولكنهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ، إذ ما أكثر ما ينقلب السحر على الساحر ، ولم يفلحوا حتى في هذه الجريمة الكبرى أو بالأحرى هذه المسرحية الإجرامية الكبرى وبالذات في خصوص ما كانوا يأملونه من تحسُّن التدهور الاقتصادي الذي يعيشونه إذ أنهم لم يرتقوا بعدها درجتين في السلّم حتى إنحدروا إلى نفس المستوى الذي كانوا عليه أو إلى ما هو أدنى ، ذلك بأن يومهم قد اقترب وذلك بأن الحيلة لم تعد تنقع في إصلاح كل ما أفسدوا وأن غداً لناظره لقريب.

لقد استباحوا العراق لمدة ثلاثه أشهر وعاثوا فيه فساداً ، حتى إذا أتمّوا مهمتهم وانتهى كل طرف من الأطراف من لعب دوره وبدأ المخرجون بأسدال الستار على خشبة المسرح إستفاق أهل العراق على حجم الكارثة التي حلّت بهم ، ثم انتبهوا إلى أن سيف جلاّدهم المسلّط على رقابهم قد سقط من يده ولأيام معدودات ،

٣٣٥

فإذا بهم يثورون بملايينهم ثورة رجل واحد وذلك في النصف الأول من شهر آذار ( مارس ) من سنة ١٩٩١ يطلبون الحرية والانعتاق من قيود الاستعباد ، وترنّح الطاغوت في العراق وكاد أن يهوي من على عرشه وإذا بأمريكا وبقوى العالم الاستكباري تمسك به لئلا يسقط وتسنده وتعينه على ملايين الناس الواقعة في أسره ، فاستأسد صدام والأشقياء الشّقاة من أصحابه على شعب العراق فصار يحصدهم بالدبابات وبالطائرات ، بالمدفعية وبالرشاشاة ، وبالعتاد الكيمياوي والعادي ، وسقط منهم عشرات الآلاف يسبحون في بحر من الدم ، وصار العالم يتستّر وبكل صلافة على إبادته الجماعية للبشر من أهل ذلك البلد الذي يتسلّط عليه ، ولما صارت روائح الجثث تزكم الأنوف وما عاد بالأمكان الإغفال عما يحصل هناك جعلت القوى العالمية تُسلّط الأضواء على مشاكل مهّدوا هم لظهورها ولإبرازها بشكل مكثّف للغاية في سبيل التعمية على ما هو أبشع وأفضع مما يجري هنا وهناك من مجازر رهبية بكل ما في الكلمة من معنى ، وهم بذلك يستطيعون أن يدّعوا بأنهم مهتمّون بالوضع الداخلي للعراق وبأن عينهم لم تغمض عما يجري هناك وبأنهم قالوا كذا ونقلوا كذا وكذا.

سوف ينتبه أهل العراق إلى أن الأمر إنما كان خطة

٣٣٦

مدبَّرة لتدمير هذا البلد وتعويقه وشلِّة تماماً وإخضاعه بطريقة لا رجعة فيها للسيطرة الاستكبارية العالمية وبأسلوب في منتهى القسوة والهمجية التي لا رحمة فيها ، عند ذلك فإن أهله المعروفين بإبائهم وبعزّةٍ لا تُضام سوف يعيشون حالة غضب على حلفاء أسبانيا وأصدقائها من أعضاء حلف الناتو الذي جرّوا إليهم من المآسي ما لا يحتمل وما لا يمكن أن ينسونه أو أن يغفرونه ، وكانت أسبانيا قد انضمت إلى دول حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) في سنة ١٩٨٢ ، وما حلفاؤها المذكورون إلا الدول الاعضاء في هذا الحلف وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ، وأما عن بقية أعضاء الحلف فهم : بلجيكا ، كندا ، الدانمارك ، إيطاليا ، هولندا ، إيسلندا ، لوكسمبرغ ، النروج ، البرتغال ، تركيا ، اليونان ، وبالإضافة إلى أسبانيا التي كانت آخر من انضمّ إلى الحلف ، وقد شاركت جميع هذه الدول بشكل أو بآخر في تلك الحرب ضد أهل العراق. وغضبُ أهل العراق هذا ، والذي يتنبأ به نوستردامس منذ تلك القرون السحيقة وبهذه الروية الغريبة جداً ، سوف يؤدي إلى هجوم غاضب يبدو أن لأهل العراق دور مهمّ فيه على دول الغرب التي هي في جملة أصدقاء وحلفاء أسبانيا يأخذهم على حين غرّة عندما يكون الجميع نائمين آمنين ، أو يأخذونهم على حين غفلة وهم سادرون في

٣٣٧

لهوهم ولعبهم ومُتَعهم وحفلات رقصهم ومآدبهم ، أو وهم في غرورهم بما هم فيه مشغولين بشعائر تشريفاتهم وبحفلاتهم وطقوس توزيع الجوائز ومنح الأوسمة التقديرية الباردة.

في هذا الظرف المشحون بالغضب والهياج سوف يقوم البابا بمغادرة دولة ال‍ڤ‍اتيكان التي هي مقرّه الرسمي إلى منطقة ما عند نهر [ الرون Rhone ] ، ونهر الرون ينبع في جبال الألب في سويسرا وهو يجري في قسمه الأعظم في الأراضي الفرنسية حتى مصبّه في البحر الأبيض المتوسط ، والظاهر هو أن البابا سوف يخرج من محل إقامته في ال‍ڤ‍اتيكان ويتّجه إلى منطقة ما من فرنسا بينما يتمّ احتلال دولة ال‍ڤ‍اتيكان ( التي تقع وسط مدينة روما الإيطالية ) من قبل القوات الإسلامية والعربية وسوف يكون لأهل العراق دور أساسيّ في هذا الأمر.

ويبدو أيضاً أن لهذا الظرف التأريخي إشارة أخرى تأتي في رباعية أخرى تقول :

« النجمةُ العظيمة تحترق لمدة سبعة أيام

من خلال الغَمام تبدو الشمسُ مزدوجةً

كلبُ [ الماستِف ] يعوي طوال الليل

عندما يغيّر البابا محل إقامته »

الثاني ـ ٤١

٣٣٨

كلب [ الماستف Mastiff ] هو فصيلة من الكلاب ستعملت في بريطانيا لحراسة وللقتال ولمدة لا تقلّ عن ألفي عام ، وطالما أُشير به إلى تشرتشل ( رئيس الوزراء البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية ) وإلى الإنكليز بصورة عامة ، فهو يريد أن يقول هنا بأن الرئيس البريطاني سوف يعوي طوال الليل ، وعواؤه هو خطاباته وتهديده أو وعيده وإنذاره .. الخ.

وهذه النجمة المحترقة قد تكون مذنَّباً أو تكون شيئاً آخر مما لا يُعرف كنهه الآن ( خصوصاً وأنها قد تثير دخاناً ) وعلى كل حال فإنها ستكون لها من شدة الأنارة والضوء ما يجعلها تبدو وكأنها شمس ثانية تسطع في السماء.

ونشاهده هنا أيضاً وهو يتوقع لبابا ال‍ڤ‍اتيكان أن يخرج من محل إقامته ويتخذ لنفسه مكاناً آخر ، ولا بد أن يكون ذلك عند نهر الرون في فرنسا كما سبق ذكره. ومسألة خروج البابا من ال‍ڤ‍اتيكان واتخّاذه من مكان آخر مقاماً ومركزاً له هو من الحوادث النادرة جداً في التأريخ ومن أمثلتها هو ما حصل على عهد نابليون بونابرت الذي قام بإخراج البابا [ بايس Pius ] السادس ومن بعده بايس السابع بالقوة من مقرهما في ال‍ڤ‍اتيكان ، واعتقل كلاً منهما وأودعه السجن واستولى على بعض الأملاك التابعة للكنيسة الكاثوليكية كما سبق ذكره في أخبار نابليون.

٣٣٩
٣٤٠