دراسة في تنبؤات نوستردامس

دراسة في تنبؤات نوستردامس

المؤلف:


المترجم: الدكتور شريف الدين
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مركز مكالمات وپژوهشهاى فلكى نجومى
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

اوضاع العالم اثناء الحرب الكبرى

نأتي فيما يلي على ذكرِ أحوال وأوضاع المناطق والدول التي رأى نوستردامس في نبوءاته عن المستقبل بأنها سوف تشملها الحرب والاضطرابات والتحولات الجذرية في شهر تموز ( يوليو ) من سنة ١٩٩٩ أو أنها سوف تسبق أو تلي هذا التأريخ وقد جاء ذكر بعضها. ويمكن اعتبار أغلبها كمشاهد من الحرب الكبرى التي سيقودها ذلك الإسماعيلي العظيم الذي سماه ( ملك الرعب ) والذي سيمهد بحربه هذه لقيام دولة عدل عالمية قوية وذلك على أنقاض دولة الأستكبار العالمي الحالي وسيطرته.

هجوم بحري

« نبتون العظيم يُؤتى من أعماق البحر

يختلط الدم الفرنسي بدم رجال قرطاجة

الجُزُر تَدمى بسبب الشخص المُتمكِّث

٣٠١

إنّ هذا أشدُّ سوءاً من إخفاء سرِّهم »

الثاني ـ ٧٨

[ نبتون Neptune ] هو إله البحار الروماني ، وكما سبق ذكره فإنه يُعتبر رمزاً للسلطة البحرية وللسيطرة على البحار ، وقد كان ولمدة قرون من الزمن يرمز ويشير إلى بريطانيا في قوة أساطيلها وسعة نفوذها على البحار ، أما في عالم اليوم فإنه لا يتعدّى أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية وبقية أطراف حلف شمال الأطلسي ( والتي بضمنها بريطانيا وفرنسا طبعاً ) في تفوّقها البالغ في القدرة العسكرية سواء أكان ذلك في البحريه منها أو غيرها ، هذه القوات التي تحكم البحار والمحيطات سوف تتمّ مهاجمتها من أعماق البحر ، وهذا يعني أن الهجوم سيأتي عن طريق غواصات مثلاً. وسوف تجري معارك ضارية تُراق فيها دماء الفرنسيين ودماء المسلمين من العرب ومن غيرهم ، وقد يكون ذلك على أرض فرنسا أو في مكان آخر ، كذلك فإن الفرنسيين قد يرمزون هنا إلى غيرهم من حلفائهم أيضاً. وقرطاجة هي مدينة أسسها الفينيقيون بالقرب من مدينة تونس الحالية ، وقد قدموا إليها من السواحل اللبنانية حيث موطنهم الأصلي ، وقد يكون المقصود برجالها هو عموم العرب والمسلمين أو أن يكون المقصود هو أهل تونس وما يحيطها من الجزائر ومراكش

٣٠٢

بالذات ، وقد تكرّر هذا المعنى كثيراً من نبوءات نوستردامس ، فإذا ما شاء الله تعالى فإن الدور الذي سيلعبه سكان هذه المناطق العريقة في مستقبل العالم سيكون من الخطورة بدرجة. الجُزُر مرة أخرى هي الجزر البريطانية وسوف تدمى ، وإدماؤها قد لا يكون حتماً بحصول معارك على أرضها ولكن بمعنى إصابتها بمقتل حتى إنها لَتدمى من جرّاء ما سيصيبها من أذيً ، وسيكون ذلك بسبب شخص متوانٍ كثير التردد في أَتّخاذ موقف معين ( متمكِّث ) وأبطأ مما ينبغي في إختيار القرارات الحاسمة ، وسوف لا يمكنهم في بريطانيا أن يُغيّروا من الحقائق شيئاً بأباطيلهم وتزويقاتهم وتحريفهم للوقائع باللعب على الكلمات وباللّف والدوران حول معناها ومغزاها كما هو مألوفهم وذلك أنّ الخَطْب سيكون من الضخامة ومن الشناعة إلى درجة تُلغي كل باطل ولا ينفع منه تزريق أو ترفيع وسيكون أشدُّ أذىً وسوءاً من إمكانية التستُّر عليه. ذلك هو يوم شؤمهم الذي سوف لن ينفع معه شيء.

وحول ظهور الغوّاصات في مستقبل الأيام واستعمالها في الحروب نجد أن نوستردامس قد تنبأ بحصول هذا الأمر كما هو واضح من الرباعية التالية والتي من المحتمل أن تكون في خصوص هذه الحرب الكبرى

٣٠٣

التي نحن في صددها.

« عندما تكون الأسلحة والوثائق مضمومةً داخل سمكة

يخرج منها رجلٌ سوف يثير حرباً

سيكون أسطوله قد سافر بعيداً عبر البحر

لكي يظهر قرب الشاطيء الإيطالي »

الثاني ـ ٥

وأرى أن وصف السمكة هو أقرب ما يمكن لإنسانٍ عاش قبل أربعة قرون أن يصف به غواصة ، ونحن نعرف أنه يعني ذلك بقرينة ما يذكره من أنها تضُمُّ في داخلها بشراً وأسلحةً وثائق ، وهو يقول بأنها سوف تصل في ضمن أسطول يكون قد أتى من نقطة بعيدة إلى الشواطيء الإيطالية ، وأن ذلك سيكون إيذاناً بنشوب حرب يشعل شرارتها ويثيرها أحد أولئك الوافدين ضمن هذا الأسطول وسوف يخرج من غواصة.

وفي رباعية أخرى نرى نوستردامس وهو يصف آليةً تبدو وكأنها قطعة برمائية فيقول :

« السمكةُ التي ترحل براً وبحراً

عندما ترتفع إلى الشاطيء بموجه عظيمة

شكلها غريب ، ناعم ومرعب

٣٠٤

ومن البحر يصل العدو إلى الأسوار عاجلاً »

الأول ـ ٢٩

إنه يبدو لك وكأنه إنسان من كوكب آخر يحاول أن يصف لك شيئاً بحسب ما تستوعبه الألفاظ التي يعرفها ، وهي أوصاف وأن كانت تبدو مضحكة بالنسبة لنا لأننا جميعاً نعرف ما هي الغواصة أو الآلية البرمائية ولا بد وإن واحدنا قد شاهد ولو صورة فوتوغرافية لها إلا أنها شكلاً وهيئة في منتهى الغرابة لإنسان يعيش في عالم مختلف تماماً عن عالمنا وهو يتسلّم هذه الرؤوس العجيبة عن عالم المستقبل.

خط العرض ٤٥ درجة

« السماءُ سوف تلتهب عند خطّ عرض ٤٥ درجة

النار تصل إلى المدينة الجديدة العظيمة

في لحظة سينتثر متصاعداً لهبٌ هائل

عندما يريدون أن يختبروا ال‍ [ نورمان ] »

السادس ـ ٩٧

إنّه يصوّر لنا هنا مشهداً رهيباً من مشاهد حرب التحرير الكبرى القادمة والتي ستدول بها دولة الاستكبار القائمة اليوم.

٣٠٥

خط العرض ٤٥ يمرّ بالولايات الشمالية من الولايات المتحدة الأمريكية ويمرّ بفرنسا وإيطاليا ويوغسلاڤ‍يا ورومانيا والأتحاد السوڤ‍يتي ( سابقاً ) والصين.

وأما النار التي يذكرها فهي نارٌ تنبعث من ضربات صاروخية أو جوّية أو من يدري فلعلّها أن تكون نوويّة ، فهو يقول بأن لهباً هائلاُ سوف يتصاعد منتثراً في لحظة واحدة ، وهو وصف قريب جداً لإنفجارات الصواريخ والقنابل. ولكن أيّ رعب وأي هول هو هذا الذي يأتي صاحبنا على وصفه ، أن آفاق المساء سوف تلتهب بهذه النار عند خط العرض المذكور ، وتمتد النار وتنتشر حتى تصل إلى المدينة الجديدة العظيمة.

والمدينة الجديدة التي ذكرها تحتمل أن تكون إشارة إلى عدد من المدن ، ولا يغرب عن بالنا أن معظم المدن الواقعة في الولايات المتحدة الأمريكية هي مدن جديدة بالنسبة إلى عصر نوستردامس ، ومن بين هذه المدن فأن أرجح الاحتمالات هو أن تكون مدينة نيويورك ، وهي المدينة والولاية الأمريكية الرئيسية والتي تعتبر في نفس الوقت واحدة من أكبر المدن وكذلك من أكبر الموانيء التي في العالم كله ، وهي تقع عند خط العرض ٤١. وكلمة نيويورك تتألف من مقطعين؛ [ نيو New ] وتعني الجديد ، و [ يورك York ] وهي إسمُ علم

٣٠٦

نسبةً إلى دوق يورك الأنكليزي والذي هو أخو الملك في وقته ، وذلك أن هذه المدينة كانت أوّل إنشائها مستعمرةً خاصة بالهولنديين وكانوا قد أطلقوا عليها إسم [ نيو أمستردام ] نسبة إلى عاصمتهم أمستردام ، وكانوا بالأصل قد اشتروا الأرض التي أقاموا عليها مستعمرتهم هذه من الهنود الحمر سكانها وسكان أمريكا الأصليين مقايضةً ببعض الأقمشة والخزر وبما لا تزيد قيمته على ٢٤ دولاراً ولكنها صارت فيما بعد موضع نزاع بينهم وبين الأنكليز حيث أن الأخيرين كانوا يعتبرونها جزءاً من منطقة [ ڤ‍رجينيا ] الواقعة تحت سيطرتهم والتي سبق لهم أن احتلّوها ، فصاروا يحاولون إخراج الهولنديين منها ، وفي سنة ١٦٦٤ قام الملك تشالز الثاني الإنكليزي بإعطائها لأخيه [ دوق يورك ] الذي قام بدوره بإرسال الأسطول البريطاني إليها لدعم مطالب بريطانيا فيها بالقوة ، ولكن الهولنديين تركوها للإنكليز بدون مقاومة فصارت لهم بصورة « رسمية » وتمّت إعادة تسميتها فصارت تعرف باسم نيويورك نسبة إلى ذلك الدوق بدل إسمها القديم [ نيو أمستردام ].

كذلك فإن المدينة الجديدة العظيمة قد تكون إشارة إلى مدينة أخرى هي مدينة جني‍ڤ في سويسرا ، حيث أنها تقع على خط العرض ٤٦ ، كما أن أصل معنى

٣٠٧

كلمة جني‍ڤ عند أرجاع هذه اللفظة إلى أصلها اللاتيني الذي جاءت منه ( وهي اللغة التي أكثر نوستردامس من استعمالها في كتابه ) هو المدينة الجديدة ، أي أن المعنى الحرفي لكلمة جني‍ڤ هي المدينة الجديدة.

فالمدينة الجديدة التي ستلتهمها تلك النار تحتمل أن تكون أية واحدة من بين هاتين المدينتين المذكورتين أو غيرهما.

أما ال‍ [ نورمان Norman ] فإنها تحمل معنيين ، لغوي واصطلاحي عَلَمي ، فمن الناحية اللغوية فإنها لفظة لاتينية الأصل وتعني [ أهل الشمال ] ، وأما المعنى الإصطلاحي فهي إسم عَلَم يُطلق على سكان شمال غرب فرنسا وهي المقاطعة التي تسمى بمقاطعة النورماندي.

فعلى المعنى الثاني يصير المقصود هو أن هؤلاء الذين سيقومون بأشعال النار في السماء عند خط العرض ٤٥ وفي تلك المدينة الجديدة سيكون عندهم في نفس الوقت غرضٌ معين وهو اختبار أهل فرنسا وفحص ردّة فعلهم وتقدير مدى قوتهم ، وعلى هذا يكون المقصود من المدينة الجديدة هو مدينة جني‍ڤ على الأرجح.

فإذا كان قصده من النورمان هو أهل الشمال فإن عملية الأختبار تلك ستكون موجَّهة إلى أهل الشمال

٣٠٨

الذين هم أهل شمال الكرة الأرضية من روسيا وأوروبا وأمريكا ، وعلى هذا المعنى فإن المقصود من المدينة الجديدة العظيمة سيكون مدينة نيويورك.

ويبدو أن عملية الأختبار هذه هي من باب التكتيكات العسكرية المستعملة في الحروب عندما يقوم أحد الطرفين المتحاربين بإستعمال هجمات وضربات يحاول بها أن يقيس ويقدّر احتمالات وعنف ردود الفعل التي سيبادر خصمه إلى اتخاذها إذا ما أراد ذلك الطرف أن يقوم بهجمة رئيسية له ويريد بها أن يحقق نصراً أكيداً.

المدينة الجديدة

« حديقةُ العالم قرب المدينة الجديدة

في طريق الجبال الجوفاء

سوف يُستَولى عليها وتوضع في الصهريج

وتُجبَر على شرب ماء مسموم بالكبريت »

العاشر ـ ٤٩

المدينة الجديدة المذكورة هنا في هذه الرباعية الغريبة هي مدينة نيويورك الأمريكية. ونيويورك هي أكبر مدينة وأكبر ميناء وأهم مركز ماليّ في أمريكا كلها ، وهي في نفس الوقت إحدى الولايات الخمسين التي تتكون منها الولايات المتحدة الأمريكية وتقع على الساحل

٣٠٩

الشرقي وتطل على المحيط الأطلسي ، وتتكون من خمسة أقسام إدارية ، أقدمها وأهمها هو القسم المركزي واسمه [ مانهاتن ] وتتركز فيه أهم المصارف والمؤسسات المالية في أمريكا وبالذات في أحد الشوارع المعروف باسم [ وول ستريت Wall Street ] ، وفي مانهاتن تتركز تلك البنايات العملاقة التي تسمى ناطحات السحاب ، وفي وسط مانهاتن تقع واحدة من أكبر الحدائق في العالم ببحيراتها وغاباتها وهي البارك المركزي ، والظاهر أنّ حديقة العالم المذكورة في النص أعلاه هي إشارة إلى هذا البارك المركزي بالذات أو قد تكون إشارة إلى ولاية [ نيوجرسي ] الواقعة الى جوار ولاية نيويورك وكلهما مدينة جديدة [ إسماً وواقعاً تاريخياً ] إضافة الى أن نيوجرسي تعرف أيضاً باسم شعبي شائق وهو [ الولاية الحديقة Garden State ] والجبال الجوفاء قد يكون هو أقرب وصف ممكن لرجل القرن السادس عشر لناطحات السحاب التي اشتهرب بها مدينة نيويورك والتي يبلغ ارتفاع أعلى واحدة فيها حوالي ٤٤٢ متراً وهي باسم ( بناية ولاية الأمبراطورية ) حيث أن ولاية الامبراطورية هو اللقب الشائع لولاية نيويورك بين أهاليها. فناطحات السحاب في ارتفاعها الهائل تبدو وكأنها الجبال ولكنها جوفاء تقريباً لما فيها من الغرف والأقسام التي تشبه الكهوف والمغارات ، وهذا وصف صادق ودقيق لها. كذلك فإن الذي يريد الوصول إلى

٣١٠

حدائق مانهاتن الكبرى في نيويورك فلا بد له من المرور بناطحات السحاب الواقعة في الطريق.

هذه المنطقة المذكورة سوف يتم الاستيلاء عليها لتوضَع في صهريج وهذا التعبير الأخير قد يكون المقصود منه هو تمام الإستيلاء عليها وإخضاعها أو قد تكون إشارة إلى شيء آخر لا نعرف ماذا يمكن أن يكون ولكن سوف يتبين معناه فيما بعد.

وإجبارها على شرب ماء مسموم بالكبريت يشير إلى حالة تلوث مياه عام وشائع يجعل من مسألة تناوله أمراً لا مناص منه ولا مجال لتفاديه وهذا بحد ذاته أما إشارة إلى كارثة في البيئة المحيطية أو إلى حالة حرب تستعمل فيها المواد الكيمياوية.

حر وجفاف وحرب

« عند خط العرض ٤٨ درجة.

حتى نهاية السرطان ، سيكون جفافٌ عظيم

السمك في البحر والأنهار والبحيرات تغلي

[ بيرن ] و [ بيغور ] في شدّةٍ بسببِ نار في السماء »

الخامس ـ ٩٨

إنه يتوقع هنا جفافاً رهيباً يصيب الدول والمناطق

٣١١

المحصورة بين خط العرض ٤٨ درجة ومدار السرطان وعددها كثير حقاً ونذكر منها ما يلي : الولايات المتحدة الأمريكية كلها تقريباً ، المكسيك ، فرنسا ، أسبانيا ، سويسرا ، إيطاليا ، رومانيا وهنغاريا ويوغسلاڤ‍يا ( سابقاً ) وبلغاريا واليونان ، البلاد العربية قاطبة ، تركيا وإيران ، الهند والباكستان وأفغانستان ، الصين والمناطق الجنوبية من ما كان يعرف بالأتحاد السوڤ‍يتي.

هذه المناطق سوف يشملها جفاف عظيم تصحبه حرارةٌ من الشدة والقسوة ما يجعل المياه تغلي في البحار والأنهار والبحيرات ، حرارة من الأرتفاع إلى درجة تطبخ السمك طبخاً وهو يسبح في أعماق المياه ، ويبدو أنه يتنبأ هنا عن تغيُّرات بيئية عنيفة ستؤذي إلى هذه الحالة ، وليس هذا بالأمر المستبعد في ظل الدراسات الواسعة والمتعددة في مجال البيئة والتحولات المناخية ، حيث تشير نتائج هذه الدراسات إلى وجود عاملين رئيسيين في خصوص التأثير على درجة حرارة محيط الأرض ، العامل الأول هو كثافة غاز ثاني أوكسيد الكاربون في الهواء والعامل الثاني هو جريان تيارات المحيطات ، والموضوع في حاجة إلى شيء من التوضيح ؛ ففي خصوص العامل الأول نلاحظ أنه في الأحوال الطبيعية البعيدة عن حالة تلوث الجو بأن أشعة الشمس التي تصل إلى الأرض سيتمّ إمتصاص قسم منها عند سطح الأرض وسيتمّ

٣١٢

إنعكاس قسم آخر عنها وانفلاته في الجو وبالقدر المناسب للإبقاء على الدرجة الحرارية الملائلة للحياة على الأرض ، أما في الظرف الراهن فإن هناك حالة غير طبيعية وهي أن كثافة غاز ثاني أوكسيد الكاربون ( وغازات أخرى بدرجة أقلّ ) في الجو أصبحت عالية جداً وهي في تصاعد مستمر بحيث أن هذا الغاز صار يشكل طبقةً تلفّ كرتَنا الأرضية ، ولهذه الطبقة الغازية خصوصية معينة من ناحية تأثيراتها وهي أنها تسمح للأشعة الحرارية القادمة من الشمس بأن تعبر من خلالها متجهةً إلى الأرض ولكن من ناحية أخرى فإنها تمنع مرور الأشعة الحرارية المنعكسة عن سطح الأرض والتي من الضروري إنفلاتها إلى الفضاء الخارجي للإبقاء على الحرارة المناخية المناسبة وتكون النتيجة هي الحالة التي تسمّى بتأثير البيت الزجاجي حيث تحتبس الأشعة الحرارية في محيط الأرض وتؤدي إلى الأرتفاع التدريجي في معدل حرارة الجوّ ، وقد لوحظ أن الأزدياد المستمر في كثافة هذا الغاز يرجع إلى سببين مهمين وهما :

١ ـ كثرة إحراق الوقود لغرض توليد الطاقة الكهربائية ولغرض تشغيل المعامل الصناعية المختلفة ولغرض تشغيل وسائل النقل بمختلف أشكالها مما يؤدي إلى الإلقاء بكميات هائلة جداً من هذا الغاز في جو

٣١٣

الأرض ( ملايين الأطنان سنوياً ).

٢ ـ الأشجار والنباتات لها دور جوهري في الحفاظ على توازن ومستوى هذا الغاز في الجو حيث أنها تستهلكه لغرض صنع الغذاء في أوراقها. ويبرز هذا الدور بشكل واضح في مناطق الغابات الكثيفة الي تنمو في مناطق تساقط الأمطار الأستوائية الغزيرة. والذي حصل ويحصل هو أن هذه الغابات تقع في بلاد الفقراء والمستضعفين من أبناء هذا العالم الذين اضطرتهم ديونهم وفوائد ديونهم لبنوك ومؤسسات المترفين والمتجبرين في الطرف المستكبر من العالم إلى الهجوم على هذه الغابات قطعاً وتحريقاً في أشجارها وبشكل واسع جداً إما لغرض بيع أخشابها أو لغرض استمعال الأرض التي تنمو عليها هذه الغابات للزراعة. وقد أدّى ذلك إلى خلل كبير في توازن البيئة وإلى ارتفاع مستويات الغاز المذكور بسبب نقص كثافة الأشجار التي من المفروض أن تستهلكه في صنع غذائها.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد وحسب ، ولكن تأثير بعض المعامل والصناعات الحديثة تعدّى هذا الأمر إلى أمر خطير آخر وهو أنها تؤدي إلى الإلقاء بكميات هائلة من المواد الكيمياوية في الجو تحمل تأثيراً آخر على طبقات الجو العليا وخصوصاً طبقة غازية تحيط بالأرض

٣١٤

إسمها طبقة الأوزون ، وفائدة هذه الطبقة الغازية الموجودة بصورة طبيعية هي أنها تمنع وصول الاشعاعات الفضائية الضارّة إلى الكائنات الحية الأرضية ( وبضمنها البشر ) ، هذه المواد اليكمياوية الصناعية تؤدي إلى تلف في هذه الطبقة وإلى إحداث ثغرات فيها تؤدي إلى تسرّب هذه الإشعاعات الضارّة إلى سطح الأرض مما يسبب ارتفاع نسبة الأمراض وخصوصاً السرطانية منها وإلى ظهور أمراض جديدة بسبب تأثير تلك الإشعاعات على الطبيعة الداخلية للكائنات الحية ومن جملتها طبعاً الميكروبات وال‍ڤ‍يروسات.

هذا فيما يخص العامل الأول المؤثر على درجة حرارة محيط الأرض والمناخ السائد فيها ، أما العامل الثاني فهو حركة التيارات المائية التي تجري وسط المحيطات ، وقد برزت الأهمية القصوى لهذه التيارات من خلال بعض البحوث الحديثة التي جرت في القطب الشمالي وفي مياه المحيط الأطلسي الشمالي وبالذات التيارات التي تحمل المياه الدافئة من ناحية خط الإستواء وباتجاه القطب الشمالي ، وكان الهدف من هذه الدراسات هو إستكشاف العوامل التي أدّت إلى إنتهاءِ آخر عصر جليدي في الكرة الأرضية والذي عمّ الأرض قبل حوالي إثني عشر ألف سنة ( ١٢٠٠٠ سنة ) ، وقد

٣١٥

دلّت حساباتهم وكشفياتهم على عدد من الأمور ، ومنها أن نهاية العصر الجليدي الأخير تزامنت بالضبط مع إبتداء ظهور وجريان تلك التيارات الدافئة التي سبقت الإشارة إليها بين خط الاستواء والقطب الشمالي عبر المحيط الأطلسي ، وقد لوحظ وجود علاقات متبادلة بين درجة حرارة المناخ وبين سرعة جريان هذه التيارات ، تغير مناخ الأرض باتجاه ارتفاع عمومي في الحرارة سوف يؤثر على سرعة حركتها أما باتجاه الزيادة أو النقصان ، هبوط سرعة التيارات يؤدي إلى برد قارص في النصف الشمالي من الكرة الأرضية وزيادة سرعتها يؤدي إلى حرّ شديد. ونفس الشيء يقال عن تغيّر اتجاه هذه التيارات وليس سرعتها وحسب. وقد كان الاعتقاد السائد هو أن مثل هذه التحولات سوف تحتاج إلى وقت طويل لكي تحصل ولكن أهمّ ما دلّت عليه هذه البحوث الجديدة هو أن مثل هذه التغيّرات قد ينقدح زنادها في أي لحظة وأن مثل هذه التغيرات المناخية قد يحصل بصورة حادّة وسريعة جداً مما يؤدي إلى أن تدخل الأرض بحرارة إستوائية عالية جداً.

بناءاً على ما تقدم وكما هو واضح فإن حصول مثل هذه الانقلابات التي وردت في هذه النبوءة هو أمر ممكن

٣١٦

تماماً إن لم يكن متوقعاً على ضوء ما نراه في أيامنا هذه من كوارث مناخية في كل مكان.

[ بيرن Bearn ] هو إسم مقاطعة في جنوب فرنسا بالقرب من حدودها مع أسبانيا. ونفس الإسم يطلق على مدينة أخرى في مقاطعة [ كويبك Quebec ] في كندا. والمقصود هو الأولى.

[ بيغور Bigorre ] هو إسم منطقة فرنسية أيضاً وتقع إلى جوار مقاطعة [ بيرن ] المذكورة أعلاه.

ويشير السطر الرابع من هذه الرباعية إلى مسألة أخرى غير مسألة الجفاف التي ساقها في البداية حيث يقول هنا بأن جنوب فرنسا سيكون في شدّة بسبب ما يبدو وكأنه هجمات بالصواريخ عليها وذلك لما ذكره عن النار التي في السماء والتي يمكن أن تكون تصويراً لصواريخ تسحب وراءها ذيولاً من نار وهي تجوز الفضاء متّجهة إلى أهدافها. ونستطيع أن نلمس نوعاً من الترابط بين المسألتين إذ يمكن أن نفهم من قوله هذا أن ظرف الجفاف والحرارة الشديدة سيكون متواقتاً مع حرب مدمّرة تشهد فرنسا طرفاً منها ، كما قد يكون في ذكره للصواريخ أو للنار التي في سماء فرنسا إشارة من طرف خفيّ إلى أن ظرف الحرارة والجفاف إنما هو بسبب استعمال أسلحة يكون لها هذا الأثر في جملة آثارها التدميرية.

٣١٧

وإلى جانب ذلك وفي رباعية أخرى من فصل ( قرن ) آخر نجد نوستردامس وهو يتوقع حصول مجاعة عالمية لا تبقى ولا تذر ، فهو يقول :

« إن المجاعة العظمى التي أُحسُّ بها تقترب

سوف تدور كثيراً حتى تعمُّ العالم كلّه

عظيمة وطويلة إلى درجة

حتى ينتزعوا الجذور من الأشجار والأطفال من الأثداء »

الأول ـ ٦٧

فهو يقول بأنه هذه المجامعة التي يتوقّعها للعالم سوف تبدأ بالظهور هنا وهناك وبشكل متفرق وعلى ما هي الحال التي نجدها اليوم ، فالمجاعة تارة في أثيوبيا والصومال وأخرى في السودان ثم تتحول إلى العراق وهكذا تدور في موطن إلى آخر ، ولكنها سوف يأتيها اليوم الذي تعمُّ فيها العالم كله حتى أن الناس من فرط شحّة الغذاء ليأكلون جذور الأشجار بعد أن يفنى كل ما بين أيديهم حتى حشائش الأرض وهوامها ، وحتى أن الأطفال لا يجدون ما يشربونه من أثداء أمهاتهم ، بل أن الأمهات في شأن آخر يشغلهنّ عن أمر أطفالهنّ ، إنها مجاعة عالمية بشعة للغاية تلك التي يراها صاحبنا.

٣١٨

أوروبا في قبضة السيف

« أنوح على [ نيس ] ، [ موناكو ] و [ پيزا ] و [ جنوا ]

[ ساڤونا ] و [ كاپوتا ] و [ سين ] و [ مودينا ] و [ مالطا ]

التي سوف يغطيها الدم وهي في قبضة السيف

نار ، الأرض ترتجف ، غرق ، تعاسة غير مرغوب فيها »

العاشر ـ ٦٠

مشهد رهيب لدمار واسع يصيب الدول الأوروبية عموماً وبالذات فرنسا وإيطاليا التي يركز عليهما نوستردامس كثيراً في نبوءاته بالإضافة إلى أسبانيا لأنها في نظره معاقل الكنيسة الكاثوليكية التي كان ينتمي إليها ويتحمس لها ويرى فيها العمود الفقري للعالم الأوروبي في وجوده الحضاري وفي تكوينه الفكري وتكوين شخصيته.

٣١٩

[ نيس Nice ] مدينة فرنسية وهي في الأصل مدينة إيطاليا تابعة لمملكة ساردينيا فاحتلتها فرنسا سنة ١٨٦٠ وضمّتها إلى أراضيها منذ ذلك العهد.

[ موناكو Monaco ] هي أصغر دولة في العالم حيث أن مساحتها هي نصف ميل مربع تقريباً وتقع على الساحل الجنوب الشرقي لفرنسا على البحر الأبيض المتوسط وعاصمتها تحمل نفس الإسم موناكو وتوجد فيها مونتي كارلو الشهيرة بكازينوهات القمار وبفنادقها الفاخرة جداً والتي تحيط بها حدائق غنّاء. ومع أن موناكو هي تحت الحماية الفرنسية وأن اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية فيها إلاّ إنها دولة مستقلّة بنفسها لها جيشها وشرطتها محاكمها الخاصة ويحكمها أميرٌ من عائلة [ غريمالدي ] التي جاءت في الأصل من مدينة جنوا الإيطالية المجاورة والتي تتوارث الحكم عليها منذ القرن الخامس عشر. وهي الدولة الوحيدة في أوروبا التي لا تأخذ ضرائب كمركية والتي لا يدفع فيها سُكانها ضرائب من أيّ نوع وذلك أن عوائد الدولة من السياحة ومن موائد القمار التي فيها تغنيها عن أخذ الضرائب.

[ پيزا Pisa ] مدينة نهربة في إيطاليا ، وهي التي يوجد فيها البرج المائل الشهير ( برج بيزا ) وهو برج يوجد في أعلاه ناقوس ويبلغ ارتفاعه ٥٥ متراً ويميل بمقادر

٣٢٠