دراسة في تنبؤات نوستردامس

دراسة في تنبؤات نوستردامس

المؤلف:


المترجم: الدكتور شريف الدين
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مركز مكالمات وپژوهشهاى فلكى نجومى
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

وقد بالغت السلطات اليوغسلاڤ‍ية على عهد تيتو ومن جاء بعده في اضطهاد المسلمين بشكل عنيف جداً حتى انهم صلبوهم على أبواب المساجد وحتى أنهم حصدوهم بالدبابات حصداً ناهيك عن تخريب جوامعهم وبيوتهم والتشريد بهم والتعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثالثة ، وخصوصاً على أيدي الصرب الذين يسيطرون على البلاد.

أما البحر الأسود فإنه يشكل فاصلاً طبيعياً بين قارتي آسيا وأوروبا وتحيط به من الغرب رومانيا وبلغاريا ومن الجنوب تركيا ، وعبر الأراضي التركية ومياه بحر مرمرة يتصل البحر الأسود بمياه البحر الأبيض المتوسط من خلال مضائق البسفور والدردنيل ، وإلى الشرق من البحر الأسود تقع جمهورية جورجيا وإلى شماله تقع أوكرانيا وهما جزء من الإتحاد السوڤ‍يتي بصورته القديمة. كما تمتد إلى الشرق من البحر الأسود أراضي المسلمين الواقعة تحت النفوذ الروسي وهي أذربيجان ( تقع فيها أكبر حقول النفط في الأتحاد السوڤ‍يتي ) ، اوزبكستان ، كازخستان ، تركمانستان ، تترستان.

وفي الواقع فإنني عندما انتهيت من تأليف هذا الكتاب حوالي نهاية الشهر الخامس من سنة ١٩٩١ لم تكن أحداث كرواتيا ومن بعدها أحداث جمهورية بوسنية

٢٤١

قد برزت إلى السطح كحدث عالمي مهم وكنت قد كتبت حول هذه الرباعية نبوءة عن أحداث عارمة ستجري في يوغسلاڤ‍يا تجعلها ترتجف ولكن سرعان ما بدأت الأحداث تتصاعد فيها وتنمو بشكل غريب مما جعلني أعيد كتابة هذا الفصل مرة ثانية ( كما فعلت في مواضع أخرى كانت الأحداث المتسارعة تلقي أضواء جديدة عليها ) وارتجفت أخيراً.

ويبدو لنا نوستردامس هنا وهو يستلم لقطات من المستقبل بدون أن يضعها في تسلسل تأريخي معيّن ، فنحن نرى أحداث كرواتيا ( دلماشيا ) مثلاً ولكننا لا نرى أثراً للإسماعيلي العظيم الذي يذكره ، كما أننا نرى الأضطرابات الشاملة التي تحيط بمنطقة البحر الأسود في سلسلة ما يجري فيما كان يعرف بالأتحاد السوڤ‍يتي ودول أوروبا الشرقية ، ولكننا لا نرى أثراً ملموساً لنهضة التغييرات الكبرى الإسلامية ( حرب البرابرة ) في الوقت الحاضر ناهيك عن وصولها إلى منطقة البحر الأسود ، هذا إذا ما أردنا تفسير عبارة البرابرة على أنها تعني المسلمين. ولكن وجه الأهمية في هذه النبوءة عدا كونها تحققت في جزء منها وهو أرتجاف كرواتيا ومن بعدها بوسنية بدرجة أفضع وأقسى وأراقه الدماء فيهما هو أنها تعطينا ما يشبه التوقيت أو تعيين الفترة الزمنية التي

٢٤٢

ستحصل فيها بقية أجزاء النبوءة ، وبمعنى آخر أن اليوم الذي ستحصل فيه رجفة دلماشيا وإراقة الدماء فيها سنرى فيها وصول حرب المسلمين إلى البحر الأسود وسوف نرى فيها الإسماعيلي العظيم وهو يصل إلى ذروة قوته إلى آخره.

ويبدو من جملة المشهد بأن سبل الحيلة ستنقطع بطوائف من الناس في الشرق والغرب ويشيع فيهم تذمرّ في هلع وأن عوناً من نوع ما سيصل عن طريق البرتغال لأغاثة هؤلاء المتذمرين ، ويبدو أنه يشير إلى قوة بحرية ستأتي من الغرب عبر البرتغال وكأنيّ بها أساطيل أمريكا وحلفائها من دول المحيط الأطلسي ، والبرتغال عضوة في هذا الحلف منذ تأسيسه سنة ١٩٤٩ ، بل ما هي غير إشارة واضحة جداً إلى القوات التي تبعث بها اليوم دول حلف شمال الأطلسي تحت عنوان قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام وتأمين وصول المعونات.

ولنوستردامس رباعية أخرى في موضع آخر يبدو أن لها علاقة بأحداث البحر الأسود هذه يقول فيها :

« بسببِ حرارةٍ كحرارة الشمس

فإن السمك في البحر الأسود سيُطهى نصف طهو

سكانه سوف يُتلفونه

٢٤٣

بينما في رودس وجنوا هناك عوز للطعام »

الثاني ـ ٣

هذه الحرارة الرهبية التي تطبخ السمك الذي يسبح في أعماق البحر الأسود قد تكون بسبب عوامل بيئية ، أي بمعنى أن تكون ظرفاً مناخياً استثنائياً ، أو أنها تحصل بفعل نوع السلاح الذي سيستخدم في تلك الحرب ، وفي نفس الوقت فإنه يشير إلى مجاعة تصيب اليونان ( رودس ) وإيطاليا ( جنوا هي مدينة إيطالية عريقة تقع على سواحل البحر الأبيض التوسط ) ، وقد يكون قصده أوروبا كلها من شرقها إلى غربها ، ولا يبعد أن يكون ذلك جزءاً من المجاعة العالمية التي يتنبأ بها في أكثر من موضع.

٢٤٤

الرجل العظيم من اسيا

« من فاس ستمتد السلطة إلى ممالك أوروبا

المدُن تحترق ، السيفُ يقطع

الرجلُ العظيم من آسيا يأتي بجيشٍ هائل بالبر والبحر

ومعه أناسٌ شاحبة ألوانهم كالموتى يسوقون الصليب إلى الموت »

السادس ـ ٨٠

فاس هي مدينة في مراكش وفيها مسجد القرويّين الذي هو واحد من أكبر المساجد في العالم وهو في نفس الوقت من أقدم جامعات العالم وقد أنشيء حوالي سنة ٨٥٠ ميلادي ، ونفس مدينة فاس أنشئت سنة ٨٠٨ م بواسطة مولاي إدريس الثاني وبلغت ذروةُ مجدها في القرن الرابع عشر حيث صارت تجتذب طلاب العلوم المختلفة من كافة أقطار العالم الإسلامي وبعض أقطار أوروبا.

٢٤٥

إن نوستردامس يتنبأ هنا عن هولٍ عظيم ، إنه فتحٌ واسع عريض سوف يبدأ من أرض المسلمين العرب وبزعامة هذا الرجل العظيم الذي سيقود جيشاً هائلاً يأخذ البر والبحر حتى يدخل به مدن أوروبا الواحدة تلو الأخرى وستلتهب النيران فيها وسوف يأخذ أهلها بالسيف يقطع به رؤوساً طالما علت واستكبرت في الأرض بغير الحق وطالما أفسدت وبثّت البؤس والتعاسة بين عباد الله الآمنين ولم تعرف غير لغة القوة والعنف والإبادة وسحق الشعوب بلا رحمة.

ومن الذي سيكون معه في جيشه الجرّار ذاك !! إنهم فئة من الناس يقول عنهم أنهم شاحبةٌ ألوانهم وكأنها ألوان الموتى ، إنهم جياعٌ آسيا وأفريقيا والعالم الثالث والعاشر ، إنهم جموع البؤساء والمحرومين الذين جاؤوا للثأر لكرامتهم الإنسانية ولأخذ حقوقهم المُغتصبَة وللانتقام من المتخمين المترفين. ومن ثم فإنهم سوف يسوقون الصليب إلى الموت ، الصليب الذي طالما إستتر وراءه هؤلاء اللصوص القتلة لبثّ الشقاء والدمار بين شعوب العالم المستضعفة ، كم أراقوا من دماء وكم أشاعوا من دمار بإسم الصليب وبمباركة البابا في مدينة الفاتيكان في روما وعلى مدى القرون من دون أن تأخذهم تقوى الله في خلقه والسيد المسيح عليه السلام

٢٤٦

براءٌ منهم ومن شنائعهم. إن هؤلاء وبقيادة هذا الزعيم العظيم سيضعون نهاية لهذه اللعبة الصليبية وسوف يطهّرون إسم هذا الرسول الكريم عيسى المسيح (ع) من الدنس الذي لحقه منهم.

وأرى أن اختياره لمدينة فاس إنما جاء للإشارة إلى نور الحضارة الإسلامية ( وهي حضارة بكل ما في الكلمة من معنى دون ما يسمونه اليوم حضارات ) الذي سيغمر أوروبا فيما بعد ، وذلك بالنظر لموقع هذه المدينة الحضاري والعلمي الرفيع لقرون مديدة من الزمن في وقت كانت فيه جاراتها من البلدان الأوروبية غارقة في ظلمات الجهل والبؤس الذي اختاروه اختياراً وكانوا يرفضون الخروج منه بكل شدة.

ولا ننسى أن مدينة فاس هي من أعرق مراكز الساحل البربري الذي طالما ركزّ نوستردامس عليه في نبوءاته ، وفي هذا دلالة واضحة على مدى ضخامة الدور الذي سيلعبه سكان هذا الساحل وأهله من البربر في مستقبل هذا العالم.

ولكن متى ؟؟

« في السنة ١٩٩٩ وسبعة أشهر

من السماء سوف يأتي ملكُ الرعبِ العظيم

إنه سيُعيد إلى الحياة ملك [ أونكوموا

٢٤٧

Angoumois ] العظيم

قبل ذلك وبعده ستسود الحرب كما يشاء لها الحظ »

العاشر ـ ٧٢

إذن هذا هو موعد الطّامّة الكبرى التي يتوقعها نوستردامس للسيادة الغربية الإستعلائية والتي بانهيارها سيدخل العالم عصره الذهبي الجديد.

شهر تموز ( يوليو ) من سنة ١٩٩٩ سوف يأتي من السماء ملكٌ عظيم ، ولكن أيّ ملك !! إنه ملك الرعب. ولا بد وأن عرّافنا أو كاهننا نوستردامس هذا قد رأى القرن العشرين بصورة ما فشاهد زعماء المعسكرات الشرقية والغربية ورأي زعماء أمريكا وبريطانيا وروسيا وفرنسا وبيدهم صولجان الارهاب وسلطانه ، إنهم كبراء هذا الفن البشع وأساتذته وإن كانوا يرمون هذا وذاك بهذه التهمة على قاعدة حكيمنا العربي ( رمتْني بدائها وانسلّت ) ، ولكن يبدوا أنه رأى ذلك كله وكأنه شيء بسيط إذا ما قورن بما سيراه العالم من هذا الشخص ، فإنه ملك عظيم للرعب ، أنه سيد الرعب ، أنه أفضل من سيُلقِّن هذه الفراعنة « المتصنّمة » درساً من العذاب يصبُّه عليهم صَباً قبل أن يُلاقوا رباً لا يفوته في حسابه لهم مثقال حبة من خردل فيجزيهم الجزاء الأوفى ، إنه هو ذلك

٢٤٨

الإسماعيلي العظيم القوي في دين محمد (ص) الذي سيولد في المنطقة العربية الغنيّة.

أما مجيؤه من السماء فقد يكون المقصود منه أنه يأتي رحمة لأهل الأرض من رب السماء جل وعلا ، أو أنها بمعنى أنه يأتي جواً بطائرة من نوع ما ، أو أن المراد به الإثنان معاً.

والسطر الثالث يحتاج إلى شيء من التوضيح في خصوص ملك [ أونكوموا ] لأن الأمر يهمنا أن نعرف كل شيء بخصوص هذه الرباعية.

[ أونكوموا Angoumois ] هي مقاطعة قديمة في جنوب غرب فرنسا الحالية ، وكانت عاصمتها هي مدينة [ أنكوليَم Angouleme ] في وقت لم تكن فيه فرنسا قد عُرفت بعد بهذا الإسم ولا كان لها كيان سياسي مترابط كما حصل فيما بعد ، وكانت تحت سيطرة الأمبراطور الروماني في ضمن الأجزاء الأخرى من بلاد الغال ( التي صارت تعرف فيما بعد بفرنسا ) منذ حوالي سنة ٥٠ ق. م. وحتى بداية القرن الخامس الميلادي عندما صارت مسرحاً لعدد من الغزوات ولتصير تحت سلطة عدد من الملوك والفاتحين ، ونحتاج أن نأتي الموضوع بشيء من التسلسل حصوصاً وإن ذلك سيلقى بعض الضوء على القصد النهائي من ذلك.

٢٤٩

ففي بداية القرن الرابع الميلادي كانت هناك قبائل بدوية تسكن جنوب وشرق البحر الأسود وتعرف بقبائل [ الهان Huns ] وكانوا على شبه كبير بالجنس المغولي حتى أن بعضهم يعتبرهم فرعاً منهم ، وكانوا مقاتلين في منتهى الشراسة وبارعين للغاية في الفروسية وفي استعمال القوس والنشّاب وصاروا يغزون أطراف الهند وفارس ومن ثم صاروا يتقدمون غربا ليحتلوا أجزاء من أوكرانيا وأوروبا الشرقية حيث كانت تسكنها قبائل من أصل اسكندناڤي تعرف بال‍ [ كوث Goth ] وذلك في حدود سنة ٣٧٠ م وصار هولاء يهربون من وجه الهان ويهيمون في الأرض من فرط الرعب الذي أصابهم نتيجة غزو الهان لأطرافهم الشرقية واتجهت غالبيتهم غرباً إلى حدود الدولة الرومانية أنذاك واحتموا بإمبراطورها الذي سمح لهم بالإقامة داخل حدوده تحت حمايته ولكنه فرض عليهم ضرائب عالية جداً جعلتهم يثورون في وجهه ومن ثم أن يهجموا على مدينة روما عاصمة الأمبراطورية وينهبوها سنة ٤١٠ م وصاروا بعدها يهاجرون غرباً فاستقر قسم منهم في منطقة [ أونكوموا ] وتسلطوا عليها وحكموها واستقر القسم الآخر جنوباً في أسبانيا. وكان ذلك في سنة ٤١٧ م. أما سلطتهم في بلاد الغال فقد انتهت سنة ٥٠٧ على يد قبائل جرمانية تعرف باسم [ فرانك Frank ] وهم الذين أعطوا فرنسا إسمها الحالي بعد إسمها

٢٥٠

الروماني القديم ( الغال ) وأما سلطة القسم الثاني من قبائل الكوث في أسبانيا فقد انتهت سنة ٧١١ م على يد الفاتحين المسلمين الذين أسسوا الدولة الإسلامية في الأندلس.

ثم صارت منطقة [ أونكوموا ] جزءاً من إمبراطورية تشارلمان ثم صارت تابعة لملك انكلترة ثم حكمها دوقات مختلفون قبل أن تصبح جزءاً من فرنسا ككل. وقد كانت هذه المقاطعة ومركزها مدينة [ أنكوليم ] نقطة نزاع بين إنكلترة وفرنسا أثناء حرب المائة عام التي استمرت من ١٣٣٧ إلى ١٤٥٣. وفي أواخر القرن السادس عشر وعلى حياة نوستردامس كانت مسرحاً لحروب دينية بين طائفتي الرومان الكاثوليك والبروتستانت مورسَتْ فيها ألوان الإضطهاد والعنف.

وقد كان لقب دوق أنكولَيم يطلق على ثلاثه أشخاص ممن حكمها. كذلك فإن فرعاً من العائلة المالكة الفرنسية المعروفة بسلالة أو بعائلة [ ڤ‍الوا Valois ] كان قد عرف باسم عائلة [ أنكوليم Angougeme ] وحكموا هذه المقاطعة بين سنتي ١٥١٥ و ١٥٧٤ أثناء فترة الحروب الدينية.

ونعود إلى قبائل الهان ، فإنهم وبعد غزوهم واحتلالهم للقسم الشرقي من أوروبا وبعدما أحدثوه من

٢٥١

موجات عظيمة للهجرة حوالي سنة ٣٧٠ م صاروا يتقدمون غرباً حتى احتلوا أوروبا الوسطى وحتى وصلوا إلى حدود الدولة الرومانية الشرقية وفرضوا الجزية على إمبراطورها سنة ٤٣٢ م على زمن ملك الهان [ روغيلاس Rugilas ] ، فلما توفى الأخير جاء من بعده [ عطيل Attila ] سنة ٤٣٤ م وورث عنه ملكه ، وكان عطيل يُعرف عند الغربيين وعلى مدى القرون التي تلت ذلك بلقب ( عذاب الله ) ، وعلى عهده بدأ الهان يهاجمون الدولة الرومانية ، وقام عطيل بقيادة ثلاث حملات في داخل الأمبراطورية الرومانية في السنوات ٤٤١ ، ٤٤٧ ، ٤٥١ تغلغل في الأولى في داخل أمبراطوريتهم حتى حدود القسطنطينية وكاد أن يحتلها ، وفي الثانية جاز خلال دول البلقان ووصل إلى اليونان ، وفي الثلاثة حاول الاستيلاء على بلاد الغال ( فرنسا الحالية ) وكاد أن يستولى على [ أونكوموا ] ولكنه لم يفلح في ذلك حيث تحالف الرومان مع قبائل الكوث القاطنة فيها والحاكمة فيها لصد هجومه فهزموه سنة ٤٥١ وتراجع ولكنه مع ذلك هجم على إيطاليا في طريق عودته فاحتلها لفترة قصيرة وخرّبها ونهبها. وقد توفى عطيل سنة ٤٥٣ بعد حفلة أقامها بمناسبة زواجه لتتفكك بعده مملكة الهان الواسعة وليتشتت قومه وليرث الله الأرض ومن عليها. وقد كان عمر عطيل يوم مات ٤٧ عاماً.

٢٥٢

فأيّ هؤلاء الملوك الذين تعاقبوا على أونكوموا هو المقصود بكلام نوستدامس ؟! لا شك أنه أراد الأخير ، عطيل وقومه وغيره من ملوكهم ، مع أنه لم يملك أونكوموا بالفعل وإنما وصلها وكاد يحتلها لو لا أنهم دفعوه عنها ، وذلك لأن المقام هو مقام تمثيل أو تشبيه لدرجة الرعب التي سيسببها ملك الرعب العظيم المذكور ، وقد رأينا أي رعب أصاب ممالك أوروبا من جانب قبائل الهان بحيث أن شعوباً بكاملها كانت تترك أوطانها أمام زحفهم بحثاً عن المجأ الآمن ، كما رأينا أيّ مقاتل شرس ومرعب كان عطيل حتى أن اللقب الذي صار يعرف به لدى العالم الغربي وعلى مرّ التأريخ هو ( عذاب الله ).

ويضيف نوستردامس بأن حالة الحرب ستسود العالم قبل هذا التأريخ وبعده وكما يشاء لها القدر.

ونوستردامس كان نادراً ما يعطي تأريخاً واضحاً وبالارقام لأية نبوءة يعطيها وهذه الرباعية هي من تلك النوادر. وكان قد أعطى تأريخاً محدداً لإنتهاء العهد الملكي في فرنسا وأصاب فيه تماماً وذلك في رسالته إلى ملك فرنسا هنري الثاني والتي تضمنها كتاب ( القرون ) هذا والتي قال له فيها : ( إن الملكية ستبقى حتى سنة ١٧٩٢ وهي التي ستعتبر بداية عهد جديد ). وهي بالفعل

٢٥٣

السنة التي قامت فيها الجمهورية الفرنسية وانتهى بذلك عهد النظام الملكي الذي كان سائداً ( وهو أمر سبقت الإشارة إليه بشيء من التوسع ) ، كما أنها السنة التي يمكن اعتبارها نهاية عهد السيطرة الكنيسة على الدولة وسياستها في فرنسا وفي بقية دول العالم المسيحي فيما بعد ، وهذا هو وجه الأهمية الذي جعل نوستردامس يولي لهذا التأريخ عناية خاصة فيذكره بالتحديد ، ومن نفس المنطلقات نراه في هذه الرباعية وهو يذكر تأريخاً محدداً جداً إلى درجة أنه يعيّن حتى الشهر الذي يتوقع فيه لهذا الحدث الهائل أن يحصل ، أي أن الحدث إنما يكتسب أهمية لدي نوستردامس من مقدار تأثيره على سلطة وهيبة الكنيسة الكاثوليكية من ناحية وسيادة فرنسا والغرب من ناحية ثانية ، فكما كان للثورة الفرنسية من آثار واسعة على العالم الغربي فكذلك سيكون للثورة العالمية القادمة من الآثار على الغرب وعلى العالم ما سيرسم له ملامح جديدة تماماً.

٢٥٤

رعب الجنس البشري

« رجلٌ سيُحيي آلهةَ هانيبال الجهنمية

إنه رعبٌ للجنس البشريّ

ولن تنقل الجرائدُ مطلقاً أنّ رعباً أعظم حصل قبلَها

من هذا الذي سيُصيب الرومان من خلال بابل »

الثاني ـ ٣٠

هانيبال أو هانيبعل هو أعظمُ قائد قرطاجيّ عرفه تأريخ قرطاجية. وقرطاجة هي مدينة عريقة أنشئت بالقرب من مدينة تونس الحالية قبل الفينيقيين الذين قدموا إليها من لبنان حوالي سنة ٨١٤ قبل الميلاد ، ثم نمت هذه المدينة وصارت دولة قوية ثم صارت تنافس الأمبراطورية الرومانية للسيطرة على غربي البحر الأبيض المتوسط ، وخاضت ضدها ثلاث حروب رئيسية بين ٤٦٤ و ١٤٦ ق. م. أي على مدى أكثر من ثلاثة قرون

٢٥٥

من الزمن ، وانتهت الحرب الأخيرة بتدمير مدينة قرطاجة وإبادتها تماماً ، ثم أعاد الرومان بناءها بعد ذلك بمائة عام لتصبح مركزاً إدارياً لهم في شمال أفريقيا ، وكانت قرطاجة تسيطر على أجزاء واسعة من شمال أفريقيا إضافة إلى جزر سسلي وسردينيا ومالطا في البحر الأبيض المتوسط إضافة إلى منطقة واسعة جنوب إسبانيا.

هانيبال ( ٢٤٧ ـ ١٨٣ ق. م ) كان ابن قائد قرطاجي كبير فأنشأه نشأة عسكرية ، وعندما بلغ من العمر ٢٦ عاماً صار قائداً للقوات القرطاجية في أسبانيا ، فهجم على مدينةٍ أسبانية كانت تحت سيطرة الرومان واستولى عليها في وقت كانت بين الإثنين معاهدة سلام فاعتبر الرومان ذلك خرقاً للمعاهدة وبدأت بذلك الحرب القرطاجية الثانية ، وهنا قام هانيبال بحملة لغزو الرومان في عُقر دارهم تعتبر واحدة من مفاخر الحملات العسكرية في التأريخ ، إذ أنه أخذ جيشاً من أربعين ألف جندي بين مشاة وفرسان ومعه قطار من الفيله لحمل المؤَن والمعدات وانطلق بهم من أسبانيا واتجه شمالاً وعبر سلسلة الجبال التي تفصلها عن فرنسا ودخل جنوب فرنسا وعبر بهم نهر الرون وبقي يتجه شمالاً ليخفي نواياه عن الرومان ، فلما اطمأن إلى أنه قد خدعهم عن قصده إستدار جنوباً وعبر بجيشه جبال الألب وسط الثلوج ( وكان

٢٥٦

الفصل شتاءاً ) ودخل شمال إيطاليا وأوقع هزائم منكرة بالرومان وبخطط عسكرية محكمة ولكنه لم يدخل مدينة روما العاصمة ، وبقي داخل الدولة الرومانية حتى صيف تلك السنة ( ٢١٨ ق. م ) ليقود حولة أخرى ضدهم متوغّلاً في داخل بلادهم وتمكن من دحرهم مرة أخرى. وبعد سنة أخرى قاد حملة ثانية ضدهم وهزمهم فيها أيضاً. ولكنه وفي معركة حصلت سنة ٢٠٢ ق. م. هُزم أمام الرومان ولاحقته الهزائم حتى اضطر للألتحاق بملك سوريا [ انتيوكس Antiochus ] وتحالف معه ولكنه تركه بعدها وذهب إلى آسيا الصغرى ( تركيا ) حيث مملكة [ بثنيا Bithynia ] وتحالف مع ملكها لحرب الرومان ، ولكن هذا الملك خسر حربه معهم هذه المرة أيضاً وكاد هانيبال أن يقع أسيراً بيد الرومان فتناول سماً كان يخفيه في خاتم في أصبعه كان طالما قد حمله معه لساعة كهذه ومات حوالي سنة ١٨٢ ق. م. عن عمر يناهز الخامسة والستين عاماً.

أما ألهة قرطاجية التي ورد ذكرها ، فإن القرطاجيين كانوا تقريباً على دين أسلافهم الفينيقيين من عبادة الأوثان ، وكان إلههم الرئيسي هو [ بعل ] الذي ورد ذكره في التوراة ، ثم تأتي بعده في الأهمية إلهة السماء وهي أثنى إسمها [ تانيت Tanit ] أو تأنيث.

٢٥٧

وكان من مظاهر ديانتهم هو تقديم القرابين البشرية لآلهتهم يطلبون بها رضاها وخصوصاً أيام الشدة والمحن ، ويقال أن من أساليب تقديم القربان كان برمي ذلك الشخص في نار تستعر بين رجلي الصنم الهائل الحجم.

فالسطر الأول هو تمثيل شعري لما سيكون عليه الرجل الذي يُخبِر عنه نوستردامس ويقول عنه بأنه رعبٌ للجنس البشري ، فإنه سيكون شأنُه ومسلكه تجاه العالم الغربي كشأن وكمسلك هانيبال. وهانيبال رجل شرق أوسطيّ من أصل فينيقي ، والفينيقيون هم قبائل سامية سكنت سوريا ولبنان ، والرومان هم سادة العالم الغربي ورمز قوته وسيطرته وهم الذين سادت أمبراطوريتهم وحكمهم على حوض البحر الأبيض المتوسط وأكثر أوروبا لمدة حوالي إثنى عشر قرناً.

هذا الرجل الذي يصفه بأنه رعبُ الجنس البشري هو نفسه ذلك العربي الإسماعيلي القوي في دين محمد (ص) والذي سماه من قبل بملك الرعب ، وسيفعل فعل هانيبال بعالم سيطرة الغربية وسوف يصل إلى ما يريد ولو بتقديم القرابين تلو القرابين من البشر في سبيل الوصول إلى هدفه الكبير في تطهير العالم من أرجاسه ، وهذا هو ما أراده نوستردامس بأنه سوف يحيي آلهة

٢٥٨

هانيبال الجهنمية ، فكما أن هانيبال وقومه كانوا يسعون لإرضاء آلهتهم بالقرابين البشرية فإن هذا الرجل وقومه سوف يسعون لتحقيق أهدافهم الكبرى وإرضاء ربهم العظيم جل وعلا مهما كلف الثمن ونلاحظ نوستردامس هنا وكأنه قد رأى شيئاً جعل الدماء تنشف في عروقه وأفقده صوابه فلا نحسّ به مرتاحاً على الإطلاق إلى ما ستؤول إليه الحال ببلاد الغرب وبالصليب المعبود.

ثم يأتي في السطر الثالث بعبارة الجرائد أو الصحف اليومية وهو أمر غريب ، لأن الجرائد لم تكن معروفة في وقته ، نعم كانت هناك على آخر سنوات حياته نشرة صغيرة تصدر على نحو غير منتظم في مدينة ڤ‍نس الإيطالية وذلك في سنة ١٥٦٦ ، وهي من أوائل ما عرف من نشرات خبرية في أوروبا بعد اكتشاف الطباعة سنة ١٤٤٤ ، ولكنها لم تكن جريدة بالمعنى الذي نعرفه ، ويُعتقد أن صدور أول صحيفة مُنتظمة في أوروبا كان في المانيا سنة ١٦٠٩ ، وصدرت أول صحيفة باللغة الأنكليزية سنة ١٦٢٠ ولكنها لم تكن تصدر في بريطانيا نفسها وإنما كانت تصدر في أمستردام في هولندا ويتم إرسالها إلى بريطانيا عن طريق البحر. وأما في فرنسا ، وطن نوستردامس ، فإن أول صحيفة يومية صدرت فيها وكانت في سنة ١٧٧١ بإسم ( جورنال دي پاريس ). وعلى

٢٥٩

كل حال فإن الجرائد لم ولن تنقل خبراً عن شيء يشبه هذا الذي سيصيب الرومان ( العالم الغربي ) على يد هذا الزعيم العظيم ، أن الكارثة التي ستحلّ بهم على يده ستكون من الفظاعة إلى درجة لم يسبق لها مثيل ولن يكون لها مثيل فيما بعد وإلى يوم الدين.

ثم يأتي أمامنا شيء جديد هنا يلقي بعض الضوء على منشأ هذا الرجل أو من سيكون مقدمه أو نقطة انطلاقه في فتوحه العظيمة ، وذلك عند ذكره لمدينة بابل الواقعة في وسط العراق ، فهو يقول بأن سوط العذاب الذي سيقع بالرومان على يد هذا الزعيم الإسلامي سيأتي من خلال بابل ، وبشيء من التوسع ، من خلال العراق. وهذا قد يعني على الأقل بأن هذا الرجل سيأتي من العراق ، أي أن ملك الرعب هذا ، الإسماعيلي العظيم الذي يأتي من المنطقة العربية الغنية والقوي في دين محمد (ص) والذي سيظهر سنة ١٩٩٩ في شهر تموز ( يوليو ) سيكون مركز حكمه ومنطلق فتوحاته ( ولعله حتى مكان نشأته ونموّ دعوته ) هناك من العراق أو بالأحرى وسط العراق الحالي ، وأنه سوف يمدّ ذراعيه القويّتين من هناك ليحتوي بهما العالم كله ، وأن سيفه سوف يسبب من الرعب والرهبة للطواغيت وللظلمة اللصوص ما لا مثيل له وما لم ولن يُسمَع بشبيه له من قبل.

٢٦٠