دراسة في تنبؤات نوستردامس

دراسة في تنبؤات نوستردامس

المؤلف:


المترجم: الدكتور شريف الدين
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مركز مكالمات وپژوهشهاى فلكى نجومى
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

يدين بلون من الشرك والصنميّة وألوان من العبودية لغير الله تعالى مما يتجاوز الحصر ، فعندنا مثلاً صنم الغرب وحضارته ، وصنم الهوى ، وطغاة صغار هنا وهناك جعلوا من أنفسهم أوثاناً تُعبَد ولهم عُباد كثيرون يجذبهم إليهم بريق الأبيض والأصفر وحب الجاه والملذات ، هذه وثنية أكيدة. إذن فعباد الرحمان هم الفائزون وأن كلمة الله تعلو ولا يَعلا عليها ولا حاجة لنا بنوستردامس ليقول لنا هذا فإنما هو وعدُ من لا يخلف وعده.

وأرى أنّ هناك خيطاً متصلاً يربط هذه النبوءات الأربعة وكأنه يريد أن يقول بأن هذه الأمور ستجري في مرحلة من مراحل التأريخ بشكل متقارب يتداخل بعضها في بعض وهذا يجعلنا نتفاءل بخصوص قانون التوحيد الذي سترتفع راياته قريباً بعونه تعالى وهذه نبوءة تَصبُّ في مجرى نبوءته الكبرى عن نهاية هذا القرن كما سنرى.

ولقد أورد نوستردامس ذكراً للعلاقة بين القوة الإسلامية وبين فرنسا في مكان آخر من كتابه في الفصل ( القرن ) السادس فقال :

« [ أوكميون ] ستكون له السيطرة

تتخلى له عنها القوة الإسلامية العظيمة

وسوف يمدُّ سيطرته على عموم إيطاليا

٢٢١

وأنها سوف تُحكَم بزيف بارع دقيق »

السادس ـ ٤٢

وقد رأينا كيف أن [ أوكميون ] هو ما رمز به إلى فرنسا. وقد رمز إلى الإسلام بالهلال في النص الأصلي فقال : ( قوة الهلال العظيمة ) حيث أن الهلال هو واحد من الرموز أو الشعارات العريقة للعالم الإسلامي.

وهو يقول هنا بأن هذه القوة الإسلامية العظيمة الواسعة سوف تتخلى عن مكانها ، عن دورها في الحياة ، عن سيطرتها وحكمها حتى على نفسها ، عن تقرير مصيرها ، تتخلى عن السيطرة وتجعلها إلى فرنسا وإلى من تمثله فرنسا في عالم الغرب.

وفي السطر الثالث يقول أن فرنسا سوف تمدّ سيطرتها على عموم إيطاليا ولعل في هذا شيء من معنى الإنضمام معها في حلف الناتو.

وفي السطر الرابع يبدو أنه يشير إلى حال ( القوة الإسلامية العظيمة ) وقد تخلت عن السيطرة إلى فرنسا وما تمثله وهي راضية متسلمة فصارت بذلك إلى أن تُحكَم بالزيف ، وتزوير وتزويق بارع ودقيق.

ومما يثير عجبي هو أن حزب البعث العربي الإشتراكي هو حزب جاء من فرنسا وأن التزييف البارع

٢٢٢

الذي أتى به والذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وشملها بزيفه وتزويره هو أصدق شاهد على كلام نوستردامس يخطر على البال وهو حيّ ماثل في عصرنا.

٢٢٣
٢٢٤

الدول العربيه تعيد تقييم منهجها

« أهل [ رودس ] سيبطلون المساعدة

مخذولون بسبب إهمال ورثتهم لهم

الأمبراطورية العربية ستُعيد تقييمَ منهجها

قضيّتُها تنشط من جديد بواسطة الغرب »

الرابع ـ ٣٩

[ رودس Rhodes ] هي جزيرة يونانية تقع في البحر الأبيض المتوسط يفصلها عن البر التركي مضيق يبلغ عرضه عشر أميال فقط ، وقد أستوطنها اليونانيون حوالي سنة ٤٠٨ ق. م. ثم استولى عليها الرومان حوالي سنة ٤٣ ق. م. ثم صارت تابعة للإمبراطورية العثمانية سنة ١٥٢٢ م إلى أن تم تفكيك هذه الأمبراطورية فتمّ تسليمُ هذه الجزيرة إلى إيطاليا ، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية صارت الجزيرة جزءاً من دولة اليونان الحالية.

فأهلُ رودس هم اليونانيون بالدرجة الأولى والرومان بالدرجة الثانية ، أما ورثتهم فهم أهل المدينة

٢٢٥

الغربية الحديثة بلا أدنى ريب ، بل أن هذه هي دعوى الغربيين أبد الدهر ، فهم يعتبرون أن الحضارة اليونانية القديمة كانت صاحبة التأثير الأعظم عليهم من بين ما عداها من حضارات سابقة ويليها في التأثير عليهم المدنية الرومانية القديمة.

والأمبراطورية العربية أما أن تكون مقصودة بالذات أو أن تكون إشارة إلى الأمبراطورية الإسلامية ، وليس للعرب ولا للمسلمين إمبراطورية في يومنا هذا ، فلا بد وأن يكون معنى هذه اللفظة هو عالم العرب أو عالم المسلمين وإن كانت لفظة إمبراطورية لا تخلو من إشعارٍ بوجود أواصر قوية من الترابط والتجاذب بين شعوب هذا العالم تجعل لهم نوعاً من الوحدة.

وهو يتنبأ بأن هذا العالم سوف يُعيد تقييم منهجه ، سوف ينظر نظرة جديدة إلى نفسه وإلى موقعه من هذا العالم وإلى ما يجري في داخله ومن حوله ، إنه لن يبقى مسلوب الإرادة ، مثل الكرة يتلاقفها هذا وذاك ، لن يبقى مستعبداً يكدح دهره لإمتاع المترفين وأشباع شهواتهم وهو لا يعرف معنى الحياة ولا كيف يعيشها ، سوف يُعيد تقييم نفسه وجميع مناهجه ، وستكون أفعال الغرب وتصرفاته مع هذا العالم العربي والإسلامي هي الباعث على إحياء قضيته برُمَّتها.

٢٢٦

وفي هذه الرباعية وصف آخر للوضع العالمي القادم ، ويبدو إلى جانب ما ذكرنا أن المعسكر الغربي سيشهد حالة من التفك والتشتُّت بحيث أن بعض أطرافه يخذل بعضها الآخر لأن لكلٍّ منهم يومئذ شأنٌ يعنيه ، حالةٌ من الصراع الحامي والدامي بين الغرب وبين القوة الإسلامية أو العربية أو القوة العربية وهي تتزعّم القوة الإسلامية ( والأخيرة هي الأصحّ إذا ما جارينا نوستردامس في رؤاه وكما سنرى فيما بعد ) يُثير البلبلةَ والاضظراب في كل مكان. وهنا حالة خاصة يذكرها وهي أن أهل اليونان ( أو ما يحيطها من دول البلقان ) سيصيبهم شيء ما يجعلهم يستنجدون بأحلافهم من الدول الغربية ولكن هؤلاء سوف يخلُفون معاهداتهم ومواثيقهم معهم ويخذلونهم ، يلاحظ أن اليونان هي من أعضاء حلف شمال الأطلسي ( حلف الناتو ) منذ سنة ١٩٥٢ وفي هذا الأمر من الدلالات ما لا يخفى.

٢٢٧
٢٢٨

العربي العظيم

« العربي العظيم سوف يتقدم إلى الأمام

وسوف يخذله البيزنطيون

[ رودس ] القديمة ستتقدم للقائه

إنه سيتكبد أذى أشدّ من الهنغاريين »

الخامس ـ ٤٧

كانت هنغاريا على حياة نوستردامس ( ١٥٠٣ ـ ١٥٦٦ ) تحت سلطة العثمانيين إذ كانت قد وقعت في يد السلطان سليمان الأول سنة ١٥٤٦ ، وبقيت تحت سلطتهم لمدة ١٥٠ سنة حتى طردهم منها النمساويون ، بل أن الأمبراطورية العثمانية على حياة نوستردامس كانت قد بلغت ذروة من القوة والسيطرة ، ففي عهده حكم السلطان سليم الأول ( ١٥١٢ ـ ١٥٢٠ ) وأعلن نفسه خليفةً على المسلمين ووريث الخلفاء السابقين ، واحتل سوريا ومصر والجزائر واحتلّ بعض أجزاء بلاد فارس. وجاء سليمان الأول ( ١٥٢٠ ـ ١٥٦٦ ) وجاء بكثير من

٢٢٩

الأصلاحات القانونية وشجع الآداب والفنون وبنى الأسطول العثماني وغزا بلغراد ورودس وانتصر على الملك الهنغاري لويس الثاني سنة ١٥٢٦ وسيطر بعدها على بلغاريا ، وحاصر ڤيينا ( عاصمة النمسا ) ولكن جيشه تراجع عنها سنة ١٥٢٩ ، وغزا العثمانيون أثناء حكمه العراق وما جاوره من بلاد فارس سنة ١٥٣٠ ، بل أن العثمانيين تحالفوا على حياة نوستردامس مع ملوك بلده فرنسا ضد حكام النمسا والامبراطورية المقدسة وهي معاهدة استمرت بعد ذلك لقرون من الزمن.

وفي آخر أيام نوستردامس كان السلطان سليم الثاني قد جاء ألى الحكم ( ١٥٦٦ ـ ١٥٧٤ ) فاحتل قبرص وسيطر على تونس. على كل حال فقد بدأت على عهد هذا السلطان حالةٌ من الضعف تصيب مقام السلطان وتأثيره بسبب دخول بعض التأثيرات الجديدة وشهدت سنة ١٥٧١ معركة بحرية مهمة هي معركة [ ليپانتو ] التي كانت أول هزيمة مهمة للتوسع العثماني أوقفتهم فيها عند حدِّهم.

على كل حال ففي هذه الرباعية صارت الصورة أكثر تفصيلاً عن توقّعات نوستردامس لمستقبل العالم الإسلامي والعربي ، فنحن هنا نرى هذا الرجل الإسلامي العظيم وهو يتقدم كما يفعل الفاتحون ، أنه يتقدم غرباً

٢٣٠

باتجاه هنغاريا ( قلنا أن هنغاريا كانت على عهد نوستردامس تحت سيطرةٍ محكمة من جانب الأمبراطورية العثمانية التي كانت في أوج قوتها وفي كلامه هذا شيء من مصداقية أنّ الرجل إنما يرى مشاهد من المستقبل بالفعل ) وسوف يشتبك معهم ويلقى أذى أشدّ من هذا الذي سيلقاه من جانب أهل اليونان الذين سيتقدمون أيضاً لصدّه ولرفع قواته ، كما يبدو بأن الأتراك ( أهل بيزنطة ، وبيزنطة هي الإسم القديم لمدينة إسطنبول التركية ) سوف تكون بينه وبينهم معاهدة أو اتفاق أو أنه على الأقل يتوقع منهم العون والنصرة ( حيث أنهم مسلمون ) ولكنهم يخذلونه. ولا ننسى أن كلاً من تركيا واليونان هما عضوتان في حلف الأطلسي ( الناتو ) وقد انضمتا كلتاهما إليه في سنة ١٩٥٢ ويبدو أن هذا التحالف التركي سيكون السبب وراء خذلانهم لهذا الزعيم المسلم. كذلك فإن هنغاريا كانت إحدى الدول الأعضاء في حلف وارشو منذ تأسيسه سنة ١٩٥٥.

٢٣١
٢٣٢

قائد عربي قوي

« في المنطقة العربية الغنّية

سوف يولد شخصٌ قوي في شريعةِ محمد

إنه سوف يُربك أسبانيا ويقهر غرناطة

إضافة إلى الشعب اللّيغوريّ بواسطة البحر »

الخامس ـ ٥٥

إذا أخذنا بالتعميم فإن الشعب اللّيغوري هو إشارة إلى الشعب الإيطالي وذلك لأن [ ليغوريا Liguria ] هو إسم المنطقة الإيطالية الساحلية المجاورة للساحل الفرنسي على البحر الذي يعرف بنفس الإسم ( والذي هو طبعاً جزء من البحر الأبيض المتوسط ) ومركزها هو مدينة جنوا.

غرناطة هي المدينة الإسلامية الأندلسية العريقة الواقعة في أسبانيا وهي على بعد ١٩٥ كيلومتراً شمال شرق جبل طارق وتحوي على آثار باقية من العهد الأندلسي وأهمها قصر الحمراء الذي بُني في حدود

٢٣٣

سنتي ١٢٤٨ ـ ١٣٤٥ م. وهناك مدينة ثانية باسم غرناطة تقع في نيكاراغوا في أمريكا الوسطى وتعتبر أقدم مستوطنات أسبانيا في نيكاراغوا أيام عصر توسعها وقد بُنيت هناك في حدود سنة ١٥٢٣ م.

وواضح أن نوستردامس يتحدث هنا عن نفس القائد العربي المسلم الذي كما في صدده آنفاً ولكننا أصبحنا نعرف بأنه عربي بالفعل يولد في المنطقة العربية ، ليس هذا وحسب ولكنه من المنطقة العربية الغنية من بين المناطق العربية الأخرى ، ولا شك أنها إشارة إلى مناطق النفط وهذا يعني بالتأكيد منطقة الجزيرة العربية والعراق حيث يوجد أضخم احتياطي للنفط في الكرة الأرضية كلها. من هذه البقعه من الأرض مهبط الأنبياء والرسل ، التي بارك الله تعالى فيها أيّما بركة ومنذ فجر الأنسانية الأول ، سوف يأتي شخص ليس قوياً فقط ولكنه قويّ أيضاً في شريعة الإسلام ( التي يسميها صاحبنا بشريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم يقل في النص الأصلي بأنه شخص قوي على شريعة محمد (ص) ولكنه قال بأنه شخص قوي في شريعة محمد (ص) ، وأرى أن لهذا دلالة قوية جداً لأنه كان يستطيع أن يقول بأنه سيكون عارفاً أو عالماً بالشريعة الإسلامية أو أنه مسلم وحسب إذا كان يريد الإشارة إلى هذا المعنى ،

٢٣٤

ولكنه قال بأنه قويّ في الشريعة المحمدية لأنه يقصد بأنه سوف ينهج منهجاً يريد به أن يُمضي هذه الشريعة على أصولها التي جاء بها الرسول العظيم محمد (ص) وبدون أية حلول توفيقية ، لا تأخذه في الله الحق لومة لائم ، وأن شريعة الإسلام تعني عنده شريعة الإنسان وحكم فطرته التي فطره الله عليها وأن أمر العالم والإنسانية سوف لن يستقيم إلا بها.

ثم إننا هنا أمام مشهد جديد فيه تطور على ما سبقه حيث أننا نرى الزعيم العظيم وهو يتوسّع في فتوحه غرباً ونراه يغزو إيطاليا عن طريق البحر ، ونراه يفتح مدينة غرناطة الواقعة جنوب أسبانيا ويخضعها ليسطرته ويسبّب بذلك أرباكاً للدولة كلها.

٢٣٥
٢٣٦

الاسماعيلي العظيم

« حرب البرابرة تصل البحر الأسود

إراقة دماء تجعل [ دلماشيا ] ترتجف

الأسماعيليّ العظيم يصل ذروتَه

المُتذمّرون يرتجفون مع عون من البرتقال »

التاسع ـ ٦٠

الإسماعيليّ تعني بطبيعة الحال العربي ، وهي نسبة إلى إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام حيث أن جميع العرب هم من نسل هذا النبي الكريم. قد شاعت هذه النسبة لدى الغربيين خصوصاً في أدبياتهم الدينية القديمة.

[ دلماشيا Dalmacia ] هو الإسم التقليدي القديم لما يعرف اليوم بجمهورية [ كرواتيا Croatia ] إضافة إلى النصف الجنوبي مما يعرف اليوم بجمهورية بوسنيا ـ هوسكوفينا وهما إحدى الجمهوريات الستة الصغيرة التي تشكل بمجموعها جمهورية يوغسلاڤية القديمة ، وتقع

٢٣٧

[ دلماشيا ] على ساحل بحر الأدرياتيك الشرقي مقابل البر الإيطالي ، كرواتيا وبوسنيا هما الجمهوريتان اللتان ثارت فيهما الاضطرابات في يومنا هذا نتيجة مطالبتهما الحازمة بالاستقلال عن يوغسلاڤيا.

لم تعرف يوغسلاڤيا باسمها هذا إلا في سنة ١٩٢٩ ، وهي إحدى دول شبه جزيرة البلقان ( والتي هي عبارة عن الزاوية الجنوبية الشرقية من أوروبا وتشمل بالإضافة إلى يوغسلاڤيا كلاً من ألبانيا واليونان ورومانيا وبلغاريا ) وقد كانت أرضها في الأصل جزءاً من الأمبراطورية الرومانية ثم استولت عليها القبائل المعروفة بأسم [ السلاڤ Slav ] في القرن السابع الميلادي. وبدأ تأريخها الفعلي مع نشوء الدولة الصربية في بداية القرن الرابع عشر الميلادي والتي وحّدت بقية الأقوام السلاڤية وبدأت تغزو بقية مناطق البلقان. ولكن لم ينته القرن الرابع عشر إلاّ وتقع أراضي يوغسلاڤيا تحت سيطرة الأتراك العثمانيين الذين قاموا بغزوها سنة ١٣٨٩ وبقيت تحت سيطرتهم التامة حتى سنة ١٨٧٨ ( أي أنها كانت تحت حكم العثمانيين المسلمين على حياة نوستردامس ) حيث ضعف وجودهم فيها ، وجاءت النمسا لتضم المنطقة الوسطى حيث جمهورية ( بوسنيا ـ هرسكوڤينا )

٢٣٨

إليها سنة ١٩٠٨ ، وهي منطقة تسكنها غالبية عظمى من المسلمين ، ولم يتم خروج الأتراك تماماً من صربيا وبقية أنحاء المنطقة إلا سنة ١٩١٢ أثناء حرب البلقان. وفي حزيران من سنة ١٩١٤ قام طالبان من الصرب بأغتيال ولي عهد النمسا في مدينة [ سرايي‍ڤ‍و ] مركز منطقة المسلمين وهي الحادثة التي يقال بأنها أشعلت فتيل الحرب العالمية الأولى ، ومع نهاية هذه الحرب برزت على أرض يوغسلاڤ‍يا الحالية دولة جديدة باسم مملكة الصرب والكرواتيين والسلاڤ‍يين ، وقد شهد عصر هذه المملكة تصاعداً مستمراً في التعصب العرقي والوطني لدى كلٌّ من الصرب والكرواتيين مما أدى بأحد ملوكها المعروف باسم الأسكندر أن يعلن في سنة ١٩٢٩ عن تبديل إسم المملكة إلى يوغسلاڤ‍يا بدلاً من إسمها القديم وحاول أن يوحّد ويجمع كلمة أهالي المقاطعات المختلفة بأن يجعل ولاءهم متوجهاً نحو الدولة ( بأسمها الجديد ) بدل أن يكون نحو العرق أو المنشأ ، ولكنه لم ينجح وانتهى الأمر باغتياله سنة ١٩٣٤. ونشبت الحرب العالمية الثانية سنة ١٩٣٩ وحاول الألمان أيامها أن يدفعوا يوغسلاڤ‍يا للأنضمام إلى معسكرهم ولكنها رفضت ، فقامت كل من ألمانيا وإيطاليا وهنغاريا وبلغاريا بغزو يوغسلاڤ‍يا فاجتاحوها واقتسموها فيما بينهم. وفي أثناء الحرب العالمية الثانية نشأت مقاومة يوغسلاڤ‍ية عنيفة

٢٣٩

ضد المانيا وإيطاليا في فصائل متعددة كانت تقاتل المحتلّين من جانب وتتقاتل فيما بينها من جانب آخر ، وكانت هناك مذابح وكان نصيب المسلمين اليوغسلاڤ منها هو إثناء عشر ألف قتيل ، وبرز من بين تلك الفصائل فصيلة الحزب الشيوعي بقيادة تيتو. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية سنة ١٩٤٥ كان الحزب الشيوعي اليوغسلاڤ‍ي قد أحكم سيطرته على الجيش والشرطة ومن ثم بسط حكمه على عموم المنطقة حتى تم الإعلان عن تأسيس جمهورية يوغسلاڤ‍يا نهاية سنة ١٩٤٥ وتمّ جعلها من مقاطعتين وست جمهورايت صغيرة تتمتع كل منها بحكم ذاتي مع سيطرة محكمة من جانب الحكومة المركزية بزعامة المارشال تيتو. ومع موت تيتو سنة ١٩٨٠ عادت الصراعات العرقية القديمة إلى الظهور على السطح من جديد وخصوصاً بين صربيا وكرواتيا وبلغت القمة في أيامنا هذه في هذا الصراع الدامي الذي نشهده على أرض كرواتيا وبوسنية ( دلماشيا ). ويشكل المسلمون خمس سكان يوغسلاڤ‍يا البالغ عددهم خمس وعشرون مليوناً ويتركزون في وسط يوغسلاڤ‍يا في جمهورية بوسينا ـ هرسكوڤ‍ينيا المذكورة أعلاه وهي تنحصر بين صربيا شرقاً وبين كرواتيا غرباً ، وتعتبر عاصمتها ( سرايي‍ڤ‍و ) مركزاً للثقافة الإسلامية اليوغسلاڤ‍ية.

٢٤٠