دراسة في تنبؤات نوستردامس

دراسة في تنبؤات نوستردامس

المؤلف:


المترجم: الدكتور شريف الدين
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مركز مكالمات وپژوهشهاى فلكى نجومى
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

أوضاع عالمية

« عندما يتّحد معاً أولئك أهل القطب الشمالي

سيكون في الشرق خوف عظيم ورعب

شخصٌ جديد سوف يُنتخَب تسنده رجفه عظيمة

[ رودس ] وبيزنطة سوف تصطبغ بالدم البربري »

السادس ـ ٢١

تكفيك نظرة إلى خارطة الكرة الأرضية لتدرك بأن المقصود من أهل القطب الشمالي هو بالذات الأتحاد السوڤيتي سابقاً والولايات المتحدة الأمريكية ، وإتحادهما هو تقاربهما وتعاونهما على إدارة شؤون هذا العالم وستأتي فيما بعد نبوءات أخرى تخص هذا الموضوع.

وهو يرى بأن هذا التقارب أو الاتحاد سوف تصحبه تحولات مرعبة في الشرق مع خوف وشدة وهي حالة

٢٠١

شهدناها في كل ما حصل في الصين وجمهوريات الأتحاد السوڤيتي وجمهوريات أوروبا الشرقية من ثورات جماهيرية عارمة وقمع وعنف من جانب السلطات الحاكمة ، وقد بلغت الذروة هي هذه التحولات المخيفة في أزمة الخليج العربي واحتلال صدام حسين للكويت ثم حرب الإبادة ضد العراقيين من جانب قوات الحلفاء. وعلى العموم فإن ما اصطُلح على تسميته بالشرق يعيش اليوم حالة خوف عظيم ورعب لجملة من الأسباب منها سياسة ومنها اقتصادية ومنها اجتماعية أو طبيعية.

ثم أنه يقول بأن شخصاً سوف يُنتخَب ، ولسنا ندري من أي بلد ولا من أية كتلة أو معسكر سيكون هذا الشخص ، فإذا أُريد له أن يكون من الشرق فإنه أمرٌ خلاف المألوف تماماً وإلى عهد قريب جداً ، أن نرى شخصاً يُنتخب انتخاباً حراً من جانب الناس ليقوم بوظيفة اجتماعية أو سياسية إلا الّهم أن تُعزز تلك التحولات التي ستحصل تغييراً جذرياً يجعل من مثل هذا الأمر شيئاً ممكناً ، خصوصاً إذا ما التفتنا إلى ما يذكره من أن رجفة عظيمة سوف تسنده ، تغييراً كهذا الذي نشهده اليوم على أرض ما كان يعرف بالأتحاد السوڤيتي ، ولست أرى كلامه هذا إلا إشارة إلى حدث يجري أو سوف يجري في هذا الظرف من العالم ، إنه وصف لظرف يعيشه كل واحد منا في يومنا هذا.

٢٠٢

[ رودس Rhodes ] هي واحدة من أكبر الجزر التابعة لليونان وتقع في البحر الأبيض التوسط على بعد عشر أميال من البرّ التركي.

وأقدم المستوطنات التي فيها يرجع تاريخها إلى حوالي سنة ١٤٠٠ ق. م. وقد استوطنها اليونانيون في حدود سنة ٤٠٨ ق. م. ، وكانت هذه الجزيرة تحتوي على واحدة من عجائب الدنيا السبعة يومئذ وهو تمثال برونزي لإله الشمس [ هليوس Helios ] يبلغ إرتفاعه حوالي ٣٢ متراً وقد تهدم تماماً سنة ٢٢٤ ق. م. أثر هزة أرضية ضربت الجزيرة. ويقال أن أول قانون للملاحة البحرية في التأريخ كان قد صدر فيها حوالي سنة ٩٠٠ ق. م.

[ بيزنطة Byzentium ] هي مدينة أنشأها اليونانيون حوالي سنة ٦٦٠ ق. م. وهي المدينة الوحيدة في العالم المبنية على قارتين ، أوروبا وآسيا ، ودخلت تحت سيطرة الإمبراطورية الرومانية فاختارها الإمبراطور قسطنطين عاصمة للملكته بدلاً من روما العاصمة الأصلية وأطلق عليها إسماً جديداً فسمّاها القسطنطينية نسبة إلى نفسه وذلك سنة ٣٣٠ م ، فلما قهر الأتراكُ العثمانيون الأمبراطورية الرومانية الشرقية سنة ١٤٥٣ واستولوا على هذه المدينة أعادوا تسميتها فجعلوا إسمها إسطنبول. وقد

٢٠٣

كانت القسطنطينية عاصمة للأمبراطورية الرومانية لمدة ألف سنة ثم صارت عاصمة للإمبراطورية العثمانية لمدة خمسمائة سنة ، وبنهاية دولتهم جاء مصطفى كمال أتاتورك فنقل العاصمة التركية إلى أنقرة سنة ١٩٢٣.

وكما سبق أن ذكرنا فإن نوستردامس يشير بالبرابرة غالباً إلى العرب أو إلى المسلمين بصورة عامة. فهو هنا يتنبأ بحرب أو بمعارك تُراق فيها دماء العرب والمسلمين على أرض تركيا واليونان في أثناء الظرف التأريخي الذي يحصل فيه اتحاد أهل القطب الشمالي والذي يتّسم بخوف عظيم ورعب في الشرق إلى آخره ، وهو إشارة إلى ظرفنا الحالي بلا شك.

٢٠٤

صلح بعد عراك

« البَلَدان اللذان يتعاركان بينهما سوف يتّحدان

عندما ستُجَرّ أكثُر البُلدان إلى دخول حرب

الدولةُ الأفريقية الكبرى سوف ترتجف

وحكومة الإثنين هذه سيتمّ تعقّبها وتشتيتها »

الخامس ـ ٢٣

نحن هنا ما زلنا مع قضية التقارب الأمريكي السوڤيتي ، بلدان كانا في صراع بينهما ثم يتّحدان ، ولكن ما أكثر ما الدول التي تصارعت فيما بينها ثم اصطلحت وعلى مدى القرون الأربعة التي تفصلنا عن نوستردامس فلما أذن هذا التخصيص ولماذا هذا التشخيص بالذات ؟ الدليل على ما ذهبنا إليه يأتي من ذكره لحكومة الإثنين الذي ورد في السطر الرابع لأنه يشير بذلك إلى ظرف تأريخي استثنائي جداً لم نجد له شبيهاً فيما سبق من تأريخ هذا العالم وذلك أن عالمنا

٢٠٥

المعاصر تحكمه أساساً حكومتان ، الأتحاد السوڤيتي إلى عهد قريب والولايات المتحدة الأمريكية ، وما غالبية بقاع العالم الأخرى غير مقاطعات تابعة لواحدة منهما يفعلون بها وبشعوبها ما يشاؤون ، وهم لا يقومون فقط بتنصيب هذا الحاكم نائباً عنهم هنا أو عزل ذلك الحاكم هناك وإنما هم يقومون أيضاً على تعيين ما هو العدل وما هو الظلم ، ما هو الحق وما هو الباطل ، ما الصواب وما الخطأ ، قَبِل عقلُك ما يرونه أو رَفَضه ، ويرسمون للعالم وشعوبه دستوراً ويُسمُّونه بالقانون الدولي وهم الذين يفسّرونه على ما يحبّون ، ويُعيّنون مساحة تطبيقة وزمانه ، وهم الذين يقرّون ما هو الممنوع وما هو الجائز ... الخ.

كل هذه الأمور إنما يتمّ تعيينها من قبل هاتين الحكومتين وبسلطة لم يسبق لها نظير في تأريخ العالم الذي نعرفه وذلك أساساً بسبب هذا التقدم التكنولوجي الذي لا نظير له والذي يجعل من مثل هذه السيطرة الفريدة أمراً ممكناً.

ولا شك أن الصراع المذكور بينهما هو إشارةٌ إلى الحرب الباردة التي كانت تشكّل تقريباً قوام النظام العالمي ولمدة أكثر من أربعين عاماً حتى أن بعضهم كان يسميها مجازاً بالحرب العالمية الثالثة.

٢٠٦

وقد تمّ وضعُ نهايةٍ رسمية لهذه الحرب في مؤتمر قمة واشنطن سنة ١٩٨٧ بين ريغان وغورباتشوف والتي يمكن أن نسميها صلحاً أو تقارباً أو قد يمكن تسميتها اتحاداً كما فعل نوستردامس خصوصاً إذا ما لاحظنا سلوك المعسكرين الشرقي والغربي الحالي في تخطيطهم للنظام العالمي الجديد.

وقد رأى نوستردامس بأن هذا الاتحاد سوف يكون إيذاناً وموعداً لحرب تَنجَرُّ إليها أكثر بلدان ، وقد أصاب في نبوءته حقاَ فإنما هي إشارة صحيحة إلى حرب الخليج الأخيرة بين قوات الحلفاء وصدام حسين والتي جُرَّت إليها عشرات الدول جرّاً بفعل التأثير الاستكباري السائد في العالم.

وأما ما جاء به في السطر الرابع من أن حكومة الإثنين هذه ( روسيا وأمريكا ) سوف تُطارَد وتتفتّت وتتشتّت فقد رأينا بالفعل تحقّق شطر من هذه النبوءة عندما جرى ما جرى في ما كان يعرف إلى وقت قريب بالأتحاد السوڤيتي وشاهدنا الأمبراطورية الروسية وهي تتفكك وتنتهي وما زلنا نعيش أحداثها ولا ندري إلى أي مدى ستصل بها الأيام ، فإذا كان نوستردامس قد أصاب في هذه وبكل دقة أحراه بأن يكون مصيباً في الشطر الباقي فنرى في يوم قريب تفكك وانهيار الأمبراطورية

٢٠٧

الأمريكية ونرى نهاية سلطتها الأستعلائية في الأرض.

ويبدو أن المقصود بالدولة الأفريقية الكبرى التي سوف ترجف هي مصر بدلالة رباعي أخرى يتوسّع فيها فيصف إلى جانب ذكره للرجفة في مصر حرباً شعواء ترتجُّ لها الأرض في حوض البحر الأبيض المتوسط مما قد يشهده مستقبلنا ، جاء في هذه الرباعية ما يلي :

« الأسطول سيتحطّم قرب بحر الأدرياتيك

الأرض ترتجف ، تندفع في الهواء ثم تقع ثانية

مصرُ ترتجف وتسند المحمديّين

القائد العام سيُطلَب منه التسليم »

الثاني ـ ٨٦

بحر الأدرياتيك هو ذلك الجزء من البحر الأبيض المتوسط الذي يتمد بين يوغسلاڤيا وإيطاليا ، والمحمديون هم المسلمون طبعاً وهي عبارة شائعة عند الغربيين أن ينسبوا المسلمين إلى رسولهم الكريم محمد (ص). والمشهد كما ترى يصف رجفة مرعبة تصيب المنطقة.

٢٠٨

مدة التحالف

« سوف لن يبقى الإثنان متحالفين لمدة طويلة

من خلال ثلاث عشرة سنة يستسلمون للقوة البربرية

سوف يكون قدر عظيم من الخسائر بين الطرفين

حتى أنّ أحدكم ليدعو للسفينةَ ومَلاّحِها »

الخامس ـ ٧٨

مرةً أخرى الإثنين المذكورين هما روسيا وأمريكا وهو يتنبأ هنا بأن التحالف المذكور بينهما سوف يستمر لمدة ثلاث عشرة سنة ينتهي بعدها بصورة ما ، وفي أثناء هذه الفترة فإنهما سوف يستسلمان بالتدريج ويتنازلان للقوة البربرية التي هي إشارة إلى القوء العربية أو الإسلامية.

فإذا ما علمنا بأن نوستردامس يرى بأن موعد الطامه

٢٠٩

الكبرى التي سيكون فيها اندحار الاستكبار العالمي هو حوالي سنة ٢٠٠٠ ( كما سنرى فيما بعد ) فإنه يكون بذلك قد أتى بأمر عجب في رؤيته هذه ، لأنك إذا رجعت ١٣ سنة إلى الوراء من هذا الموعد ( أي سنة ٢٠٠٠ ) فإن التأريخ الذي سيحصل عندك هو سنة ١٩٨٧ وهي السنة التي عُقدت فيها قمة واشنطن بين الرئيس الأمريكي ريغان والرئيس الروسي غورباتشوف والتي وضعت نهاية للحرب الباردة بين الطرفين وآذنت ببداية عصر جديد من الصداقة والتحالف بينهما ، ثم تبعتها قمة ثانية في موسكو سنة ١٩٨٨ ثم قمة مالطا سنة ١٩٨٩ ثم قمة واشنطن سنة ١٩٩٠.

فهو إذاً إنما يقول بأن التحالف بين البلدين سيبدأ سنة ١٩٨٧ وهو ما حصل. فنحن إذا ما جمعنا بين النصوص التي يتنبأ فيها نوستردامس عن مستقبل هذا القرن نجد بأنه في الواقع قد ذكر تأريخاً محدداً لحصول هذا التحالف بين الدولتين المتصارعتين مثلما أنه وضع تأريخاً محدداً لنهاية سيطرتهما وحكومتهما العالمية ، ووجود هذا النوع من الترابط بالإضافة إلى دقّة لا بأس بها في توقعاته يجعلنا نطمئن أكثر إلى مصادقية الرجل في قدرته على رؤية مستقبل هذا القرن. وقد شاهدنا في تنبؤاته إلى حد الآن بأن سلطة هذين البلدين سوف

٢١٠

تستلمها القوى الإسلامية والعربية.

ويحكي في السطر الثالث عن قدر عظيم من الخسائر بين الطرفين ، ولسنا ندري في هذه المرحلة من هو المقصود بالطرفين ، هل هما روسيا وأمريكا أم أنهما طرف الحكومة الاستكبارية العالمية الحالية كطرف مقابل لطرف القوة الإسلامية والعربية ، وإنما هو أمر ستكشفه لنا الأيام ، ولكنه سيكون صراعاً تدميرياً رهيباً يجعل الفرد من الناس يتمنى لو أنه كان في مكان آخر من هذا العالم غير المكان الذي هو فيه وذلك من هول ما يراه من حوله ، وهو المعنى الذي أراده عندما قال في السطر الرابع بأن أحدهم سيدعو للسفينة ولملاّح السفينة التي سوف تنقله إلى طرف آخر من العالم ، أو يدعو الله تعالى أن ينقذه فيبعث له بسفينة تُنجيه ، أو أنه ببساطة يغبط من هو على متن سفينة في عرض البحار بعيداً عن تلك المآسي التي سيرتجف لها العالم كلّه.

٢١١
٢١٢

فرنسا والمحمديون

« بسبب الخلافات الداخلية والإهمال في فرنسا

سيُفتَح الطريق أمام المحمديين

أرضُ السين وبحرُها سوف تغرق بالدم

وميناء [ مارسل ] تغطيه السفن والأشرعة »

الأول ـ ١٨

نبوءة أخرى عن تفسُّخ وتلاشي العالم الغربي في واحدة من أعرق وأشرس دولِهِ وأكثرها مكراً بالإسلام ، وقطب من أقطاب الاستكبار العالمي ، فرنسا ، ونلاحظ أن نوستردامس الفرنسي غير مرتاح على الإطلاق في كل ما يتنبأ به لمصير هذا العالم الصليبي ولكنه يراه ويشاهد قوة المسلمين ( المحمديين ) تزداد وتتسع وتسيطر.

[ السين Seine ] هو النهر الرئيسي في شمال فرنسا وتقع عليه مدينة باريس ويبلغ طوله حوالي ٧٧٥ كيلومتراً ويتجبه شمال غرب ليصبّ في القنال الإنكليزي ( بحر

٢١٣

المانش ) الذي هو البحر الفاصل بين فرنسا وبريطانيا ، ويعني بأرض السين حوض نهر السين ، أما بحرُه فقد يكون المقصود به ماؤه أو قد يكون المقصود هو البحر الذي يصب فيه وهو القنال الإنكليزي ( بحر المانش ).

[ مارسل ] هي ثاني أكبر مدن فرنسا وأكبر موانئها وتقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط ، وهي مدينة أنشأها الفينيقيون ( سكان لبنان الأصليون ) وسكنها بعد ذلك اليونانيون حوالي ٦٠٠ ق. م.

وهذا النص يتنبأ بغزوٍ إسلاميّ لفرنسا وتصحبُهُ إراقةُ دماءٍ من الفظاعة إلى درجةَ أنّ الأرض والبحر سوف تغرق بالدم.

ولما كانت مارسل هي ميناء أصلاً ولا غرابة في مسأله وجود السفن فيها فإن المقصود هنا لابد وأن يكون سفن حربية إسلامية وغير إسلامية خصوصاً وأن الجو جو قتال والحرب ، أما الأشرعة فقد تكون أقرب عبارة ممكنة توصل إليها نوستردامس القرن السادس عشر ليصف بها الطائرات.

٢١٤

المذنب والزعماء الثلاثه

« عندما يُشاهَد ظُهورُ المذنَّب

الزعماءُ الكبار الثلاثة سيصيرون أعداءاً

ضرباتٌ تأتي من السماء ترتجف لها الأرض

[ پو Pau ] ، التايبر ، هائجة ، حيّة على الشاطىء »

الثاني ـ ٤٣

هذا المذنَّب هو مذنّب هالي المعروف وكان قد ظهر سنة ١٩١٠ قبل نشوب الحرب العالمية الأولى بحوالي أربع سنوات ، ثم عاد إلى الظهور سنة ١٩٨٦.

[ پوPau ] هي مدينة تقع جنوب فرنسا.

[ تايبر Tiber ] هو ثالث أكبر أنهار إيطاليا يجري في وسطها وتقع على ضفافه مدينة روما ، وعليه وعلى الوديان المحيطة به نشأت الأمبراطورية الرومانية القديمة ، كما وتقع على ضفته اليمنى دويلة ال‍ڤ‍اتيكان التي لا تتجاوز مساحتها النصف ميل مربع والتي تقع داخل حدود مدينة روما نفسها.

٢١٥

فهو يقول بأن جنوب فرنسا وإيطاليا سوف تشهد هياجاً وثورة وأن حيّة تقف منتصبة على شاطيء النهر الإيطالي التابير ، وليس واضحاً ماذا أراد بالحية ، هل هو يشير بها إلى ما ترمز إليه الحية في أساطير العهد القديم من الكتاب المقدس حيث تعني إبليس أو الشيطان ، فيكون ما يريده بذلك هو أن شراً عظيماً سيكون في تلك المنطقة ، أم أنه يشبه بها شيئاً ما يكون على هيئتها أو صفتها من قبيل القطار أو الغوّاصة أو ما شابه.

كذلك فمن غير المعلوم من هم هؤلاء الزعماء الثلاثة ، فقد يكونون أي ثلاثة من بين الزعماء الأوروبيين أو غيرهم ، ولكن السطر الثاني يشير إلى أن هؤلاء الزعماء الثلاثة أو دولهم التي يتزعمونها سوف تُرمى من السماء بما ترتجف له الأرض ولا شك أنها صواريخ أو قنابل تلقي بها طائرات من الجو وهو أمر يشكّل تنبؤاً غريباً من رجل القرن السادس عشر.

٢١٦

الجامعة العربية ؟

« [ أوكميون Ogmion ] سوف يتقرب من القسطنطينية العظيمة

سيتم طرد عصبة وتحالف البرابرة

وسوف يسقط من القانونين الوثني منهما

البرابرة والرجل الحر في نزاع دائم »

الخامس ـ ٨٠

[ أوكميون ] أو [ أوكميوس ] هو إحدى شخصيات الأساطير القديمة من خرافات الأوروبيين إذ هو إسم إله من آلهة سكان بلاد الغال التي هي فرنسا الحالية وهو آله البلاغة والفصاحة والشعر ويصورونه كشيخ يحمل قوساً وهراوة ويرمي من فمه شباكاً من الكهرمان والذهب يصطاد بها ألوان مختلفة من الناس.

ونوستردامس يرمز به إلى فرنسا على أغلب الظن وذلك لأنه إله قديم لسكان فرنسا القدماء من ناحية ومن ناحية أخرى فهو لما اشتهر تأريخياً عن فرنسا وبلاطها من

٢١٧

عناية مفرطة بتنميق الكلام وتدبيجه إلى الدرجة التي تصبح فيه الفصاحة والبيان اللفظي هي المقصودة بالذات بغض النظر عن المضمون أو عقلانية النتائج ، وهذا مثل آخر على التعقيد الموجود في النص الأصلي إذ أنه أراد أن يقول فرنسا ولكنه سلك إلى ذلك كل هذا المسلك الوعر.

والقسطنطينية هي الإسم القديم لمدينة اسطنبول التركية وهو يشير بها إلى تركيا ككل.

والبرابرة هم سكان الساحل الشمالي لأفريقيا ، وهنا فهو إما أن يريد بهم سكان تلك المناطق بالذات أو العرب بصورة عامة ( وهو ما أُرجِّحه ) أو المسلمين. ولقد اختص سكان هذا الساحل بهذه التسمية لدى الأوروبيين منذ القرن السادس عشر الميلادي ولكنه كان قبل ذلك إسماً مشتركاً بينهم وبين فئة أخرى من الناس إذ كان أيضاً تسمية يطلقها أهل الأمبراطورية الرومانية المقدسة ( وهي كيان سياسي في وسط أوروبا وتشتمل على دولتي النمسا والمانيا الحاليتين وامتدت في تأريخ وجودها من القرن العاشر إلى القرن التاسع عشر الميلادي ) على قبائل الشمال التي كانت تغزو حدودهم الشمالية من أن لآخر.

وما ترجمناه بعبارة ( الرجل الحر ) جاء في الأصل

٢١٨

بعبارة [ Franche ] وهي كلمة لاتينية تعني [ الرجل الحر Freeman ] وقد تعني أيضاً [ الشخص الفرنسي French ] أو يمكن تأويها إلى [ البنّاء الحرّ Freemason ] وهي الكلمة الأنكليزية للواحد من المنتمين إلى التنظيم الماسوني السري الذي يحكم العالم من طرف خفي ومن وراء الكواليس للسيطرة عليه. وبأيّ هذه التأويلات أو المعاني أخذتَ فإن المعنى سيأتي مستقيماً وموافقاً للواقع ، فالعالم العربي والإسلامي هو حقاً في صراع دائم مع العالم الغربي الذي يدعي بأنه حرّ ، وكيد فرنسا بالعرب وبالمسلمين معروف ، والماسونية شر مستطير يخيم على العالم كله ، وهذا هو الذي أراده نوستردامس في السطر الرابع من رباعيته هذه والتي نرى فيها بالواقع أربع نبوءات ، واحدة في كل سطر ، ففي السطر الأول يقول بأن فرنسا سوف تتقرب إلى تركيا ، وأرى أن هذا يشير إلى انضمام تركيا إلى حلف الناتو ، ومعلوم أن فرنسا كانت من أوائل الدول الأطلسية التي وقَّعت إتفاقية هذا الحلف العسكري في ٤ / ٤ / ١٩٤٩ وتم انضمام تركيا إليه في سنة ١٩٥٢ وهو يرى في السطر الثاني رؤية عجيبة من رجل عاش قبل أربعة قرون وهي أن سيكون للعرب ( البرابرة ) عصبة أو تحالف والتي هي ما يعرف اليوم بالجامعة العربية والتي لم يفارق مقرها منطقة الساحل البربري الذي هو ساحل إفريقيا الشمالي فمن

٢١٩

مصر إلى تونس ومن تونس إلى مصر ، وهو يتنبأ لها بالطرد وهو أمر يحتمل أموراً كثيرة ، فقد يكون طرداً حقيقياً وقد يكون طرداً معنوياً بمعنى العزل والأهمال. وعلى كل حال ففي رسالة نوستردامس إلى الملك هنري ثاني ملوك فرنسا والتي تضمنها كتاب نوستردامس يقول له في تنبؤ عن مستقبل العرب فيقول : ( والطائفة البربرية سوف تُبتَلى إبتلاءاً شديداً وتُطرَدُ وتُنفى من جانب بقية الأمم ) وهو توقّع صادق إلى درجة بعيدة لأن العربي اليوم لا يرى من الشرق والغرب غير الرفض والاستهجان الذي يصل إلى حد الاحتقار في كثير من الأحيان سواء في ذلك ما كان على مستوى تعاملهم مع الدول أو على مستوى تعاملهم مع الأفراد من أبناء هذه الأمة المتَبلاة الممتَحنة.

وفي السطر الثالث يبدو لي أنه ما زال في رؤيته العجيبة في المنطقة العربية فيقول بأن هناك قانونين واحد منهما وثني وذلك يعني ضمناً أن القانون الثاني توحيديّ يجعل من مسألة عبادة الله تعالى وحده لا شريك له هو المركز والبداية والنهاية في شأنه كله ، يكون فيه الحكم والأمر لله تعالى وتكون فيه الطاعة والخضوع لرب العباد وبارئهم وحده. ولا شك هنا أن القانون الوثني هو النظام السياسي والاجتماعي والعقائدي وبضمنه القضائي الذي

٢٢٠