دراسة في تنبؤات نوستردامس

دراسة في تنبؤات نوستردامس

المؤلف:


المترجم: الدكتور شريف الدين
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مركز مكالمات وپژوهشهاى فلكى نجومى
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

نبوءات في شؤون ايرانية

١ ـ الثورة الاسلامية في ايران والامام الخميني

« هياجُ ، مجاعةٌ وحرب لا تتوقّف في فارس

إندفاعٌ عظيم سوف يفضح المَلِكَ

نهايتُه سوف تبدأ في فرنسا

من قِبَل الكاهن الساكن في مكان معزول »

الأول ـ ٧٠

الملك : هو الشاهُ الإيرانيّ ، وكلمةُ شاه تعني بالفارسية الملِكَ ، فارس : هو الإسم القديم الذي عُرفت به إيران ، والكاهن هي إشارةٌ إلى آية الله الخميني ، والمكان المعزول هو تلك القريةُ الفرنسية الصغيرة التي كانت آخر محطة له في منفاه الطويل خارج بلده إيران وتمسى [ نوفل لوشاتو ] ، وكان ذلك بعد أن أخرجته حكومة صدام حسين من مدينة النجف في العراق ، وقد كانت عودتُه إلى إيران من هذه القرية ، وبدأ بذلك عملُه

١٢١

لأقامة الحكومة الإسلامية هناك على أنقاض النظام الملكي الشاهنشاهي. وأنت ولا شك تشاركني. العجب من هذه النبوءة التي جاء بها هذا الرجل قبل أربعة قرون لتُبلغنا هذا الخبر عن ذلك الإندفاع الشعبيّ الهائل في إيران والذي أدّى إلى خلع الشاه وإنهاء دولته وإفتضاح دوره في المنطقة الإسلامية ( ناهيك عن فضائح أنظمة كثيرة سقطت عن وجوهها الأقنعة وشاهدناها عياناً فيما بعد ) ، وكان آية الله الخميني في تلك الفترة الحاسمة يسكن داراً في قرية فرنسية لا يعرفها أحد ولم يسمع باسمها من قبل أحد في العالم الخارجيّ ، وكان يرسل برسائله الصوتية والمكتوبة إلى داخل إيران ويتصل بزعماء الثورة هناك يحرّض الناس على إسقاط الطاغوت الإيراني وعلى أن لا يترددوا في التضحية بدمائهم في سبيل نصرة الله والإسلام.

وقد كانت نهايةُ الشاه من فرنسا بالفعل وعلى يد هذا الذي سمّاه بالكاهن الساكن في بقعة معزولة.

وبعد أن قامت دولة جديدة على أرض إيران وأعلنت بأنّها لن ترضى بغير القرآن الكريم دستوراً لها وبالفقه الإسلامي قانوناً وبدأوا أول الخطوات في طريقهم لمحاولة إحياء إسلام حقيقي في بقعة واحدة على الأقل في هذا العالم الإسلامي الوسيع خشي العالم الغربي

١٢٢

وعلى رأسه أمريكا من أن يخرج الماردُ الإسلامي من قُمقمِهِ فيكتسحَ كل مصالحهم ويضع حداً لجشعهم فحاربوا إيران بمختلف الوسائل سياسياً واقتصادياً وإعلامياً حتى وصلوا إلى ذروة تصدّيهم لهذه الموجةِ الجديدة بأن أعلنوها حرباً طاحنة ضدها وجعلوا صدام حسين وجيشه يحارب بالنيابة عنهم وجعلوا من العراق ، البلد الإسلامي العريق ، سدّاً منيعاً أمام أي نوع من المدّ الإسلامي ، وتستمر الحرب ضد إيران لمدة ثمان سنوات شهدت إيران خلالها من المصاعب والحرمان والشدّة شيئاً فظيعاً للغاية.

بقي أن نشير إلى مسألة لها دلالتها المهمة في هذا المقام وهي أن نوستردامس جاء في رباعيته بنصّها الأصلي بعبارة [ Augur ] فيما ترجمناه بكلمة الكاهن في السطر الرابع ، وهي كلمة لاتينية تعني بالضبط الكاهن أو رجل الدين الذي يتنبأ بالمستقبل ، فإذا ما عرفنا بأن آية الله الخميني كان يكرّرُ القولَ بأنّ التسعينات من هذا القرن سوف تشهد غَلَبَة المستضعفين على المسنكبرين وأن القرن العشرين سيشهد في النهاية هزيمةَ القوى الاستكبارية ، لكان لهذا المعنى أهمية بالغة وليدخل في تناغم وانسجام تام مع ما سيأتينا فيما بعد من نبوءاته عن مستقبل هذا القرن وبشكل يزيد من أعجابنا بما يقوله

١٢٣

الرجل ويبعث قدراً مهماً من المصداقية في نبوءاته.

٢ ـ دور رجال الدين في ايران

« عصياناً للملك وهو في حالة ضعف

يُصيبُه الأذى وهو يتبجّح بجيشه

الأب يستعرض قدرة إبنه

عنئذ سيفعل الزعماءُ الروحيّون في [ فارس ] ما فعلون بالسابق »

العاشر ـ ٢١

هذا وصف رائع لما سيحصل في إيران أيام ثورة شعبها على الشاه المخلوع ، وهو يبدأ بذكر عصيانٍ وتمرد وثورة الشعب الإيراني بكل فئاته ضد الشاه الذي صارت حصانته تضعف يوماً بعد آخر ولجأ إلى إرهاب الشعب وتخويفه بالجيش الشاهنشاهي الذي اندفع بدباباته ومصفحاته إلى الشارع لإخماد الهياج الشعبي العام.

كانت حركةٌ من الشاه يريد بها إظهار عزته ومنعته وسلطته دولته أمام جماهير الناس الذين لم يَعرف لهم من قبل من دور إلا أن يكونوا خدماً له لا يعرفون غير الطاعة والرضوخ وتقبيل الأيدي والإقدام الملكيّة ، ولكنه لم يزد على كونه تبجُّحاً واستعراضاً ولم يؤدّ إلى أية نتيجة لأن أجَلَه قد حلّ بلا رحمة.

١٢٤

عبارة ( الزعماء الروحيون ) التي أوردتُها في الترجمة جاءت في النص الأصلي لنوستردامس بعبارة [ Mage ] وهي كلمة يونانية تعني الواحد من طبقة خاصة من رجال الدين الذين ظهروا في فارس القديمة والذين صاروا يُعرفَون لدى الغربيين فيما بعد باسم [ ماجي Magi ] ، وهذه الطبقة كانت على زمن الديانة الزرادشتية التي كانت سائدة في بلاد فارس القديمة قبل الإسلام ، وكان هؤلاء يعيشون حياة غاية في التقشّف والصعوبة ، وكانت لهم من الفضائل والقوى ( أما أنّها موجودةٌ فيهم بالفعل أو أن الناس يعزونها لهم ) مما جعل لهم سلطة قوية جداً على عقول الناس وقلوبهم عموماً وبضمنهم طبقة النبلاء وكان الملك نفسه يفتخر بأنه تلميذ لهم ، وكان كثيراً ما يستشيرهم في بعض الأمور.

إذن نوستردامس يشير في هذه العبارة إلى الزعماء الروحانيين ( أي الدينيين ) الإيرانيين بالذات ، وهو يتنبأ بأنه ستكون لهم سلطةٌ قوية داخل المجتمع الإيراني في مستقبل الأيام تشبه تلك التي كانت لتلك الطبقة المذكورة في سالف الأيام ، وقد أصاب كما نعلم ذلك حيث أن السلطة السياسية ناهيك عن الدينية هي اليوم بيد رجال الدين وهم المسيطرون على معظم مرافق الدولة في إيران.

١٢٥

٣ ـ الحرب ضد ايران

« الأمير العربي ، المريخ والشمس والزهرة ، برج الأسد

شريعة الكنيسة ستخضع من خلال البحر

باتجاه إيران قرابة المليون جندي

بيزنطة ومصر ، حيّة حقيقية ، تهاجم »

الخامس ـ ٢٥

الكواكب والبرج المذكورة تشير إلى تأريخ محدّد ، وقد حصل اقتران المريخ والشمس والزهرة في برج الأسد آخر مرة في ٢١ / آب ( أوغسطس ) من سنة ١٩٨٦.

وقد جاء إسم إيران في الأصل بعبارة [ فارس ] ؛ إسمها القديم الذي لم يتغير حتى سنة ١٩٣٥ حيث تمّ استبداله بإسمها الحالي.

[ بيزنطة ] هو الإسم القديم لمدينة اسطنبول الحالية وهو إشارة إلى تركيا ككل.

والأمير العربي يبدو بما لا شك فيه أنه صدام حسين خصوصاً وأنه هو الذي صار يُطلقُ على نفسه هذا اللقب في جملة ألقابه التشريفية التي تربو على المائة

١٢٦

والتي حاول فيها أن يضاهي تعداد الأسماة الحسنى لله عز وجل.

وقد كان تعداد الجيش العراقي وفق المصادر العراقية الرسمية والمصادر الغربية هو قرابة المليون عسكري وهو نفس الرقم الذي ذكره صاحبنا.

فهذه الرباعية تقول لنا بأنه في سنة ١٩٨٦ سيكون هناك أمير عربي وسوف يدفع بجيش تعداده قريب من المليون جندي بإتجاه إيران ( فارس ) ، ثم أنه يصف تركيا ( بيزنطة ) ومصر بأنهما سوف تهاجمان أيضاً بلاد فارس ولكن كالأفعى أي بطريقة فيها مكرٌ وشيطنة ، وكأنه يشير إلى الدعم المادي والإعلامي والسياسي الذي كانت تقدمه هاتان الدولتان إلى صدام حسين أثناء حربه ضد إيران ( إضافة إلى قدر مهم من العسكري بالرجال والسلاح كانت تقدمه مصر إليه ووقوف قوات تركيا على أهبة الاستعداد لإسناده ).

وفي ذلك الوقت كانت مياه الخليج العربي تزخر بالأساطيل الحربية الغربية من كل جنسية فكانت هناك الأمريكية والبريطانية والفرنسية والإيطالية والنرويجية .. الخ في تعبئة عالمية ضد إيران وذلك لأن إيران كانت قد خرجت على قواعد لعبة الشطرنج فأخلّت بموازين المعادلة الدولية التي تقررها الدول الكبرى ، وما

١٢٧

كان خروجها هذا الذي أقام الدنيا كلها عليها غير أَنّ شعبها قال كلمته واختار لنفسه من دون تدخل أحد من الخارج ، ثم إنّ شعب إيران لم يقف عند هذا الحد بل تجرأ على الغرب والشرق وأعلن بأنه يريد أن يتخذ من الإسلام ( دين الله ) قانوناً وشريعة حاكمة فيه ، وبهذه الخطوة الخطيرة وقّع الملايين من أبناء هذا الشعب على أوامر أعدامهم التي أصدرتها محكمة المجتمع الدولي والعادلة وذلك لأن هذا الأمر هو من الجرائم الممنوعة التي لا يجوز لأحد من المسلمين ارتكابها.

وما جاء في السطر الثاني هو في خصوص هذه الأساطيل حيث وصف نوستردامس هذا التحشد الضخم بأنه إهانةٌ لشريعة الكنيسة وإخضاعٌ لها ، وما شريعة الكنيسة المسيحية ولُبُّ رسالتها إلا الدعوة إلى إشاعة المحبة والخير والتسامح بين بني الإنسان ، والذي فعلته تلك الأساطيل الصليبية وكل الذين باركوا لها من رجال الكنيسة ثم غضّوا الطرف عن كل تلك المآسي الدامية التي جرت في تلك الحرب المجنونه والتي سعّر نارها الصليبيون وأشرفوا على إدامتها وتغذيتها بكل ما وسعهم من حيلة ومكر ، الذي فعلوه بذلك كله إنما هو إهانة وسحق لرسالة المسيحية التي يدّعونها وإخضاع لصوتها.

والتأريخ الذي أعطاه نوستردامس لهذه الحملة

١٢٨

على إيران وهو سنة ١٩٨٦ كان عجيباً في دقّته ، لأن الحرب التي دامت ثماني سنوات بدأت سنة ١٩٨٠ وانتهت سنة ١٩٨٨ وكانت سنة ١٩٨٦ تشهد بعضاً من أشد المعارك ضرواة بين الجانبين.

١٢٩
١٣٠

نبوءات في شؤون عراقية

١ ـ طاغية داعر

« شرّيرٌ ، بغيضٌ ، مغمور ، سوف يدخلُ

ويستبدّ طغياناً في العراق

كلهم أصدقاء لجمهورية داعرة

الأرض سترتعب من ملامح وجهِهِ الكريهة »

الثامن ـ ٧٠

جاء إسم العراق في النصّ الأصلي باسمه اليوناني القديم [ بلاد ما بين النهرين Mesopotamia ] ، أن الشخص الذي يصفه نوستردامس هنا ويرسم ملامحه هو صدام حسين بلا منازع وبلا ريب ، واحد من أبغض الطواغيت الذين عرفهم التأريخ.

نبذه من تأريخ حياة صدام حسين :

ولد سنة ١٩٣٧ في قرية العوجة من أعمال مدينة تكريت الواقعة شمال بغداد من عشيرة البيكات التي

١٣١

يُعتقد بأنها من العشائر التركية أصلاً. وقد عُرفت عشيرته هذه بين بقية عشائر المنطقة بجلافةٍ وبقسوةٍ شديدتين في مجال تعاملها معهم. ولما بلغ صدام الحادية عشرة من عمره قام الأب بطرد أمّه من البيت فلجأت مع ابنها إلى دار أحد أقاربهم ، وشهد صدام أباه وهو يحاول أن يقتلَ أمَّه فيما بعد في ذلك الدار بعد أن شاعت في خصوصها التُهَم ، ولم يتمكن الأب من فِعلته وتركها مع إبنها حتى وافاه الأجل ، وتزوجت الأم من شخص آخر كان له عدد من سيارات الأجرة تعمل بين تكريت وبغداد وصار صدام في رعاية زوج أمّه وصار يعمل على خط النقل هذا ، وصار له أخ من أمّه اسمه بَرَزان ( وهو الذي شغل منصب إدارة جهازات المخابرات الرهيب فيما بعد ) إضافة إلى أخوين اثنين آخرين من أمه هذه هما وطبان وسبعاوي ، وفي هذه الفترة ، وصدام في العقد الثاني من عمره ، قَتَلَ بيده إبنَ عمٍّ له ثأراً منه. وانتقل إلى بغداد ودخل هناك المدرسة الثانوية ( إعدادية الكرخ للبنين ). وفي نهاية الخمسينات تشكّلت في بغداد عصابة لها ارتباط قوي جداً بعصابات المافيا العالمية ويُعتقَد بأنها فرع من فروعها وكانت هذه العصابة تُعرف باسم عصابة حُنَيْن وتُعرف أيضاً باسم آخر وهو عصابة قَنِيّ ، فانضمّ صدام إليها ثم سرعان ما صارت له الصّدارة فيها ( وقد تطورت هذه العصابة بالتدريج فيما بعد عندما استحكم صدام في

١٣٢

السلطة إلى جهاز حماية خاص به ومن ثم إلى جهاز مخابرات واسع جداً حكم العراق بالإرهاب والدم ) ، وقد كان انضمام صدام إلى حزب البعث في فترة مقاربة وذلك حوالي سنة ١٩٦٠.

وكان للسفارة البريطانية في بغداد علاقة مهمّة بهذه العصابة وبالذات عن طريق النائب الأول في السفارة المدعو جورج رِمِنكتون ، وقد استخدموا أفرادها في محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم حاكم العراق آنذاك والذي كان يتمتع بشعبية واسعة فيه. وفشلت تلك المحاولة فهرب صدام الذي كان أحد المشاركين فيها إلى مصر وعاش هناك تحت رعاية خاصة ، وقد التقى به بعضهم هناك ونقل بأنه كان يثير القرف والاشمئزاز لإستهتاره وإفراطه في الرذيلة وصُحبته لأكثر الناس شراً.

وبعد سقوط قاسم سنة ١٩٦٣ في انقلاب شارك فيه البعثيون عاد صدام حسين إلى العراق وإلى عصابة حنين ليصير بعدها مسؤول الحرس القومي في قاطع الرصافة ( قسم بغداد على الضفة الشرقية من نهر دجلة ) وقد مارس الحرسُ القوميّ وبصورة رسمية من عمليات الأرهاب والتعذيب والإبادة والاعتداء على الحُرُمات مما جعل شخص في العراق يشمئزّ ويرتعب من إسم حزب البعث ( وهو الذي جعلهم يُخفون

١٣٣

هويتهم لفترة طويلة نسيباّ بعد أن عادوا إلى الحكم في انقلاب ١٧ تموز ( يوليو ) ١٩٦٨ ) واستمر على نشاطاته في نفس الوقت مع عصابة حنين التي كانت تقوم بعمليات سطو مسلح على بيوت الأثرياء وكان صدام يشارك فيها بنفسه ويمزق ضحاياه بالسكاكين. وفي تلك الفترة من حياته عُرف عنه بأنه قد ذهب مع عشرين من أفراد عصابته هذه إلى ألمانيا الغربية لمدة عشرة أيام من كل شهر ولفترة من الزمن للتدريب على حرب العصابات والشوارع وأساليب إنتزاع الإعترافات والتعذيب.

وكانت رئاسة الجمهورية العراقية في انقلاب ١٩٦٣ قد صارت إلى أحد الضباط العراقيين وهو عبدالسلام عارف ، فانقلب هذا بدوره على البعثيين وأزاحهم من سلطة في السنة التالية وسجن الكثيرين منهم وبضمنهم كان صدام حسين التكريتي ، وقد جمعه السجن بعدد من الأشخاص من مختلف الإتجاهات السياسية والعقائدية ، فعاشروه وعرفوه عن كثب نظراً لما تمتاز به بيئة السجون وما تفرضه على نزلائها من احتكاك مباشر وقريب ، ونقل هؤلاء فيما بعد شيئاً من انطباعاتهم عنه ، فكان مما قالوه عنه أنه كان قذر اللسان إلى درجة غير معهودة ولا يعرف في مناقشاته معهم غير لغة التهديد والوعيد فهذا يدفنه حياً وذاك يقطع يديه ورجليه وغير ذلك مما جعله مثار السخرية فأنّما هو يومذاك عضو

١٣٤

عصابة تافه مغمور ، وكان يدخّن الحشيشة في السجن ، منظره كئيب مُقرِف ، عاداته قبيحة تثير الإشمئزاز. وصدام هذا الذي يُمزّق فرائسه تمزيقاً عندما صارت إليه السلطة لم يتحمّل نفسُهُ ضربةً واحدة أثناء التحقيق عندما سألوه عن رفاقه في التنظيم الحزبي فأعطى أسماء كل بعثيّي العراق من الذين كان يعرفهم من أول صفعة تلقّاها أثناء التحقيق معه. وخلاصة كلامهم أنه لم يكن فيه ما يجعلك تحترمه حتى شاع عنه أنه حيوان غبي بين رفاق سجنه.

وبعد انقلاب ١٧ / ٧ / ١٩٦٨ الذي جاء بالبعثيين مرة ثانية إلى الحكم وصل صدام إلى منصب نائب رئيس الجمهورية ، وفي سنة ١٩٧٩ وبعد سلسلة لقاءات تمّت في الأردن والسعودية وغيرها بين صدام و ( فانس ) وزير خارجية كارتر و ( برجنسكي ) سكرتير شؤون الدولة ومستشار كارتر إضافة إلى مباحثات أخرى في نطاق حلف شمال الأطلسي تمّ المجيء بصدام رئيساً على العراق خلفاً لأحمد حسن البكر الذي تَمَّت تصفيتُه بعد ذلك ، وقد حكم صدام أهل العراق كرئيس عصابة لصوص وقتله بالفعل وليس كرئيس دولة أو حكومة مما هو معهود في باقي دول العالم.

تأريخه أسود ملطخ بالدماء والإرهاب قبل وبعد

١٣٥

تسلمه لسلطة الرعب والدم في بغداد ، كتبوا عنه ما لا يقل عن عشرة كتب وسيظهر منها المزيد في الأيام التالية ، أقرأ عنه واسمع العجب فإنه من الظواهر البشرية البشعة جداً وسترى إلى أي منحدر قد يصل الإنسان وسترى أيضاً أيّ كائن صبور هو ابن آدم وأي قدرة له على التكيف عندما ترى الشعب العراقي وقد عاش كل هذه السنوات في مثل تلك الأجواء القاتمة الأرهابية.

جمهورية صدام جمهورية داعرة حقاً تبيع نفسها لمن يدفع الثمن ، هكذا فعلت في حربها مع إيران نيابة عن الغرب وهكذا فعلت عندما حاربت الشعب العراقي نفسه الذي صار أسيراً لديها وعندما جعلت من أفراده عبيداً وخولاً لها نيابة عن الغرب أيضاً كما أن المعسكر الغربي هو الذي جاء بصدام إلى سدة الحكم لحماية مصالحه في هذا البلد البائس الشقيّ. وجمهورية صدام أيضاً شجعت على الدعارة ( بمعناها الأخلاقي الشائع ) وغذّتها وتبنتها كسياية داخلية من أجل تهديم الأخلاق التي بتهديمها سيكون بالأمكان السيطرة على الإنسان بأفراغ ذاته وفكره ومن ثم تحوير ذلك كلّه بما يحلو لهم.

وتبنّت جمهورية صدام الدعارة الأدبية والإعلامية والصحفية حيث تنفخ أبواق الباطل والدجل بما يحلو لها ولكن كل شيء بثمن ، دولارات نجسات تدخل جيوب

١٣٦

الشعراء والصحفيين والأدباء ، دعارة وعُهر من الطرز الأول.

ولقد ارتعبت الأرض من ملامح وجهه الكريهة وحلّ الدمار في كل موضع وطئته أقدامه أو أقدام أنصاره وهذه الكويت شاهد حيّ يراه كل إنسان في أقطار الأرض.

٢ ـ حزب البعث العربي الاشتراكي والصراع العراقي السوري

« العصابةُ الكبيرة التابعة لطائفة الصليبيين

سوف تظهر في العراق [ Mesopotemia ]

الرفاقُ الأقلُّ الذين عند النهر القريب

سيعتبرون قانونَهم ( نظامهم ) عدائياً لهم »

الثالث ـ ٦١

نبذه عن تأريخ ومنشأ حزب البعث وظهوره في العراق : ـ

أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية ( ١٩٣٩ ـ ١٩٤٥ ) كانت أجواء المثقفين العرب مشبعة بفكرةِ ضرورةِ تغيير النظام الإجتماعي في العالم العربي على أساس القومية والإشتراكية ، وفي سوريا قام كل من ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار في ضمن آخرين

١٣٧

بتقديم صيغة إيديولوجية لهذه المفاهيم والتي كانت تركز بشكل أساسي على مسألة الخروج عن التيار الإسلامي الذي يسود الحياة في المجتمع العربي وينبع من أعماق ضمير الناس وصاروا يبشرون لذلك في داخل سوريا ولبنان. وقد دخلت الأفكار البعثية إلى العراق حتى قبل الإعلان عن تشكيل الحزب بشكل رسمي في سنة ١٩٤٧ ، ففي سنة ١٩٣٩ تمَّ ضمُّ منطقةِ الإسكندرونة السورية إلى تركيا فهاجر منها جماعةٌ من أهلها إلى العراق وكان هؤلاء جميعاً تقريباً يحملون فكراً قومياً متحمساً وكان بعض منهم على مذهب عفلق والبيطار ، فانضموا إلى مدارس وكليات العراق ، منهم الطلبة ومنهم المدرّسون ، وصاروا يبشرون بدعوتهم في العراق وأهمّ هؤلاء الطلبة كان فيض إسماعيل ( طالب قانون وأكثر الطلبة نشاطاً في العراق وقد عاد إلى سوريا سنة ١٩٥٠ وصار عضواً في حزب البعث وشغل مقعداً وزارياً سنة ١٩٧٣ ) وأحمد مصطفى ( عاد إلى سوريا وعمل في السياسة ) وسليمان العيسى ( عاد إلى سوريا وهو شاعر وأديب ) وزكي الأسوزي ( الذي يرى البعثيون السوريون اليوم أنه هو الذين الهمهم مبادىء حزبهم وأنه هو الذي صاغ إيديولوجية حزب البعث وليس ميشيل عفلق حتى أنهم أقاموا له تمثالاً قرب بيته في دمشق ).

١٣٨

كما نشط في العراق بعثيون آخرون من غير الإسكندرونة ، فمن الأردن جاء عدنان لطفي ويوسف خُريز ومصطفى خصواني ، ومن تونس جاء أبو القاسم محمود كارو ومن السعودية جاء طه علي رشيد ( درس في بغداد وعاد ليعمل في وزارة الخارجية السعودية سنة ١٩٥٢ ). ولم تكن هذه هي القناة الوحيدة لدخول أفكار البعث إلى العراق ولكن كان هناك الطلبة العراقيون الذين ذهبوا إلى سوريا ولبنان للدراسة ومنهم عبدالرحمن الضامن وعبدالرزاق الغريري اللذين حضرا المؤتمر التأسيسي الأول الذي أُعلن فيه عن إنشاء حزب البعث سنة ١٩٤٧ وصارا عضوين فيه وعادا إلى العراق لتشكيل حزب البعث العراقي بصورة رسمية. وقد كان من هؤلاء الطلبه العراقيين الذين انضموا إلى الحزب في الخارج : عزت مصطفى ( درس الطب في جامعة دمشق وشغل منصب وزير صحة في العراق ) وسعاد خليل إسماعيل وسعدون حمادي ( الجامعة الأمريكية في بيروت وشغل الأخير منصب رئيس الوزراء العراقي سنة ١٩٩١ ). وقد بدأ تنظيم خلايا حزب البعث في العراق منذ ذلك الوقت وقد إنضمّ إليهم من الضباط في ذلك الوقت : أحمد حسن البكر ، صالح مهدي عمّاش ، عبدالله سلطان ، فؤاد الركابي ( سعدون غيدان ، حسن النقيب ، حردان التكريتي وآخر انضموا إلى الحزب انضموا إلى الحزب بعد ثورة ١٩٥٨

١٣٩

التي أطاحت بالنظام الملكي ). وقد تسلم هؤلاء جميعاً مناصب رفيعة جداً في الدوله بعد ١٩٦٨ كما تمّت تصفية غالبيتهم العظمى فيما بعد.

ولقد كان دور حزب البعث في وسط العالم العربي جزءاً من الحملة الصليبية الجديدة التي هي امتداد للحملات الصليبية القديمة ، وهذه الموجة الصليبية الجديدة هدفُها كان بوضوح هو إشغال الناس عن دينهم وإسلامهم ومحوه من قلوبهم ومن ضمائرهم ، وقد أتّخذ الصليبيون الجُدُد لذلك أساليب متعددة تختلف باختلاف المجتمع الإسلامي الذي يعملون فيه ويكيدون ، فواحدهم يخاطب الإيراني بغير ما يخاطب به التركي أو الأندنوسي ويخاطب الأفريفي بإسلوب يختلف عن خطابه للآسيوي. حزب البعث جاء لإلغاء أثر الدين الإسلامي ودوره في حياة المجتمع العربي ، وكانت سياستُه أن لا تُسفِّه الإسلامَ وتُسقِطه في مواجهة مباشرة وحادّة لعقيدته ولكن بأن تدّعي بأن الإسلام هو إفرازُ العروبة في جانبها الإنساني المتمثّل بشخص محمد (ص) وأنه ظرف تأريخي مضى انتهى دوره وأن في استطاعة الأمة العربية أن تُنجبَ محمداً ثانياً وثالثاً وبرسالة جديدة ومتجدّدة في كل عصر وأن محمد هذا العصر هو ميشيل عفلق ورفاقه من أمثال صدام حسين وقد اتخذ هذان الإثنان دور ومهمة الأنبياء والرُسُل بالفعل.

١٤٠