شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٩٩

بكاء الحسن والحسين عليهما‌السلام فقام فزعا حتى علم حالهما ، ثم انصرف وهو يقول : إن الولد لفتنة لقد قمت وما أعقل (١).

[ أبو هريرة مع الامام الحسن ]

[١٠٠٩] شريك بن عبد الله ، باسناده ، عن أبي هريرة ، أنه قال للحسن بن علي عليه‌السلام : اكشف لي عن بطنك [ فداك أبي ] (٢) حتى اقبّل المكان الذي رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقبّله ، فكشف له عن بطنه ، فقبّل سرّته.

قال شريك : لو كانت السرّة من العورة ما كشفها الحسن عليه‌السلام.

وكذلك هو فيما جاء عن الأئمة صلوات الله عليهم أن عورة الرجل ما بين سرته وركبته.

ثمّ الجزء الحادي عشر من كتاب شرح الأخبار في فضائل الائمة الأطهار عليهم‌السلام.

__________________

(١) وفي رواية اخرى : وما معي عقلي.

(٢) ما بين المعقوفتين من ذخائر العقبى ص ١٢٦.

٨١
٨٢

٨٣
٨٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[ بقية فضائل الحسنين عليهما‌السلام ]

[١٠١٠] الدغشي ، باسناده ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليه‌السلام ، أنه قال :

كان الحسن والحسين عليهما‌السلام عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وهما صغيران ـ فطلبا الماء ، فابطي عليهما ، فبكيا ، فأعطاهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لسانه ، فامتصاه ، فدرّ عليهما ماء ، فشربا حتى رويا.

[١٠١١] أبو نعيم ، باسناده ، عن حذيفة اليماني ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

أتاني جبرائيل عليه‌السلام ، فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.

[ هؤلاء أهل بيتى ]

[١٠١٢] إسماعيل بن أبان ، باسناده ، عن أمّ سلمة ، قالت : دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، فأخذ الحسن فوضعه على صدره ، واحتضن الحسين على ذراعه.

٨٥

قالت أمّ سلمة (١) : وكنت أنا جالسة خلفه ، وفاطمة بين يديه ، فلبث هويا من الليل لا نرى إلا أنه قد رقد فزجل الحسين عن ذراعه ، فذهبت لأخذه ، فسبقني إليه لأخذه.

فقلت : يا رسول الله ما كنت اراك إلا نائما.

قال : ما نمت مذ أتوني.

ثم قال لفاطمة ـ بعد ما مضى من الليل صدر ـ : آتي أهلك لا أرى إلا وقد أعجبهم أن تأتيهم.

فحملت الحسين ومشى الحسن بين يديها ، وجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ينظر إليهم.

ثم قال : اللهمّ هؤلاء عترتي ، وأهل بيتي ، اللهمّ إني احبهم ، فأحبهم ـ ثلاث مرات ـ.

[١٠١٣] الليث بن سعد (٢) ، باسناده ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلّي يوما في بيته (٣) والحسين بن علي عليه‌السلام صغير بالقرب منه ، فكان إذا سجد جاء الحسين عليه‌السلام يركب ظهره ، ثم حرك رجليه ، وقال : حل ، حل. فإذا أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يرفع رأسه أخذه فوضعه الى جانبه ، فإذا سجد عاد على ظهره ، وقال : حل ، حل. فلم يزل يفعل ذلك حتى فرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من صلاته ، ورجل من اليهود بالقرب منه ينظر الى ذلك من فعله.

فقال : يا محمد إنكم لتفعلون بالصبيان شيئا ما نفعله نحن بهم.

__________________

(١) واسمها هند بنت أبي أميّة حذيفة ـ سهيل ـ بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم ، أم المؤمنين.

(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : سعيد.

(٣) وفي المناقب ٤ / ٧١ : في فئة.

٨٦

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما لو كنتم تؤمنون بالله ورسوله لرحمتم الصبيان.

فقال : فاني أومن بالله وبرسوله.

وأسلم لما رأى من رسوله الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع عظيم قدره.

[ ضبط الغريب ]

قوله : حل ، حل.

يقال من ذلك للإبل إذا فلت ( حل ) بالتخفيف. وهو زجر للابل تساق به. تقوله العرب إذا زجرتها لتسوقها.

[ يدهن رجلي أكرم الناس ]

[١٠١٤] الليث بن سعد (١) ، باسناده ، أن رجلا نذر أن يدهن بقارورة عنده رجلي أفضل قريش ، فسأل عن ذلك.

فقيل له : إن مخرمة أعلم الناس اليوم بأنساب قريش ، فاسأله عن ذلك.

فسأله ـ وقد خرف ـ وعنده ابنه المسور ، فمدّ الشيخ رجليه ، وقال : ادهنها.

فقال المسور ـ ابنه ـ للرجل : لا تفعل ، أيها الرجل ، إن الشيخ قد خرف ، إنما ذهب الى ما كان في الجاهلية.

وأرسله الى الحسن والحسين صلوات الله عليه ، فقال [ له ] : ادهن بهما أرجلهما فهما أكرم الناس ، وأفضلهم اليوم (٢).

__________________

(١) هكذا صححناه ، وفي الأصل : سعيد.

(٢) وفي المناقب ٣ / ٤٠٠ : فهما أفضل الناس وأكرمهم اليوم.

٨٧

[ الحسن والحسين سبطان ]

[١٠١٥] عبد الله بن صالح ، باسناده ، عن يعلي بن مرة ، أنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نمشي (١) ، فاذا الحسين عليه‌السلام وهو صبي صغير يلعب. فبسط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يديه نحوه ، فجعل الحسين يمرّ مرة هاهنا ، ومرة هاهنا ، ويضاحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى أخذه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل إحدى يديه تحت ذقنه ، والاخرى عند رأسه ، وأهوى إليه ، فقبّله ، واعتنقه.

ثم قال : حسين مني وأنا منه ، أحبّ الله من أحبه.

ثم قال : الحسن والحسين سبطان من الأسباط.

[ التسمية ]

[١٠١٦] أبو غسان ، باسناده ، عن علي صلوات الله عليه ، أنه قال :

لما ولد الحسن سمته أمه حربا ، فجاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : أروني ابني ، ما سميتموه؟

قلت : حربا.

قال : لا ، بل هو حسن.

فلما ولد الحسين سمته حربا ، فجاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أروني ابني ، ما سميتموه؟

قلت : حربا.

قال : لا ، بل هو حسين.

فلما ولد محسن سمته حربا ، فجاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال :

__________________

(١) وفي مقتل الخوارزمي ص ١٤٦ : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى طعام دعي له.

٨٨

أروني ابني ، ما سميتموه؟

قلت : حربا.

قال : بل هو محسن. ثم قال : إني سميتهم بأسماء أولاد هارون شبر وشبير ومشبر.

[١٠١٧] وبآخر ، عن عمران بن سلمان ، أنه قال :

إن الحسن والحسين اسمان من أسماء أهل الجنة ، لم يكونا في الجاهلية (١).

[ مولدهما ]

[١٠١٨] أبو نعيم ، باسناده ، عن أبي رافع ، أنه قال :

رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أذّن في اذن الحسن بن علي عليه‌السلام لما ولد. وأذّن كذلك في اذن الحسين عليه‌السلام لما ولد.

[١٠١٩] ابن أبي كريمة ، باسناده ، عن ابن عباس (٢) ، أنه قال :

كان رسول الله يعوذ حسنا وحسينا. فيقول : اعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة. ثم يقول : هكذا كان أبي ابراهيم عليه‌السلام يعوذ إسماعيل وإسحاق.

[ ضبط الغريب ]

قوله : هامة.

الهيم : دبيب الهوام الأرض. والهوام ما كان من حشاش الأرض نحو

__________________

(١) وفي العوالم ص ٢٥ : من أسامي أهل الجنة ولم يكونا في الدنيا.

(٢) وهو عبد الله بن عباس.

٨٩

العقارب وما أشبهها. الواحدة هامة لأنها تهم : أي تدب.

والعين اللامة : التي تلمّ بالانسان : أي تصيبه. ويقولون : أعوذ بالله من السامة واللامة : يعنون باللامة ما يلمّ مما يخاف منه أن ينزل.

[ العقيقة ]

[١٠٢٠] أبو غسان ، باسناده ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عقّ عن الحسن والحسين صلوات الله عليهما شاة شاة.

وقال : كلوا وأطعموا وابعثوا الى القابلة برجل.

يعني الربع المؤخر من الشاة ، ولا تكسروا عظمها. ولم يكن بينهما إلا الطهر طهرت في نفاس الحسن ، وحملت بالحسين عليه‌السلام.

[ ضبط الغريب ]

قوله عقّ العقيقة : الشعر الذي يولد به المولود ، وكذلك الوبر الذي يولد به الفضل وغيره من الدواب ، فاذا سقط ذلك ذهب هذا الاسم عنه.

وسنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يحلق رأس المولود في اليوم السابع من ولادته ويتصدق عنه بوزن الشعر ورقا ويذبح عنه شاة ، ويجعل دمها على موضع الحلق من رأسه ، وتفصّل الشاة أعضاء ، ويعطى القابلة الربع المؤخر ، ويطعم المساكين. وتسمى تلك الشاة عقيقة ، لأنها ذبحت بسبب حلق العقيقة.

[ ضبط الغريب ]

وأصل العقيقة : هو الشعر الذي يولد به المولود قال امرؤ القيس :

أيا هند لا تنكحي بوهة

عليه عقيقته أحسبا

٩٠

والبوهة من الرجال : الضعيف.

قوله : عليه عقيقة : معناه أنه لم يحلق رأسه مذ ولد. يصفه باللؤم وسوء الهيئة.

والأحسب : الذي ابيضت جلدته من داء ، وفسد شعره فصار أحمر وأبيض كذلك هو من الابل. وهو من الناس الابرص.

وكذلك عقيقة الدابة : شعرها ، أو وبرها ، أو صوفها الذي تولد به.

قال زهير يصف حمارا وحشيا :

إذ لك أم أم في البطن جأب

عليه من عقيقة عفاء

الجأب : الحمار

٩١

[ يحيى بن يعمر والحجاج ]

[١٠٢١] الشعبي (١) ، قال : كنت بواسط ، وكان يوم أضحى (٢) فحضرت صلاة العيد مع الحجاج (٣) ، فخطب خطبة بليغة ، فلما انصرف ، جاءني رسوله ، فأتيته ، فوجدته جالسا مستوفزا ( يعني جالسا متهيئا للقيام غير مطمئن بالجلوس ).

فقال : يا شعبي ، هذا يوم الاضحى ، وقد أردت أن اضحي فيه برجل من أهل العراق ، فأحببت أن تسمع قوله ، فتعلم أني قد أصبت [ الرأي ] فيما أفعل به.

فقلت : أيها الأمير ، أفترى أن تستنّ بسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتضحي بما أمر أن يضحى به ، وتفعل مثل ما فعله ، وتدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم الى غيره.

قال : يا شعبي ، إنك إذا سمعت ما يقول صوبت رأيي فيه لكذبه على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإدخاله الشبهة في الإسلام.

__________________

(١) أبو عمرو الكوفي الحميري.

(٢) يوم العاشر من شهر ذي الحجة.

(٣) الحجاج بن يوسف الثقفي ، ولد في الطائف واشتهر بولائه للبيت الاموي. ولاه عبد الملك بن مروان ، وتولى مكة والمدينة والطائف والعراق ، أسس مدينة واسط ، اشتهر بالخطابة والظلم والشدة في الحكم ، وسفك الدماء. توفي بواسط ٩٥ ه‍.

٩٢

قلت : أفيرى الأمير أن يعفيني عن ذلك؟

قال : لا بدّ من ذلك.

ثم أمر بنطع (١) ، فبسط ، وبسياف ، فاحضر. وقال : أحضروا الشيخ. فأتوا به ، فاذا هو يحيى بن يعمر (٢) [ العدواني ] ، فاغتممت غما شديدا ، وقلت في نفسي : وأيّ شيء يقول يحيى مما يوجب قتله.

فقال له الحجاج : أنت تزعم أنك زعيم العراق؟

قال يحيى : [ الزعم كذب ] (٣) ولكني أقول إني فقيه من فقهاء أهل العراق.

قال : فمن أيّ فقهك؟ زعمك (٤) الحسن والحسين من ذرية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

قال : ما أنا زاعم لذلك بل أنا قائله بحق.

قال : وبأيّ حق قلت ذلك؟

قال : بكتاب الله عزّ وجلّ.

فنظر إليّ الحجاج ، فقال : اسمع ما يقول فإن هذا مما لم يكن سمعته عنه أتعرف أنت في كتاب الله عزّ وجلّ دليلا بأن الحسن والحسين من ذرية محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فجعلت افكر في ذلك

__________________

(١) بساط من الجلد يفرش تحت المحكوم عليه بالعذاب أو بقطع الرأس.

(٢) هكذا صححناه ، وفي الاصل : معمر. العدواني الوشقي المضري البصري التابعي ، قال الحموي في معجم الادباء : انه لقي عبد الله بن العباس وعبد الله بن عمر ، وروى عنه قتادة السندوسي ، ولد بالبصرة ، ومنشأه خراسان ، والعدواني نسبة الى عدوان قيس بن غيلان ، وكان عداده في بني ليث بن كنانة ، أحد قراء البصرة ، وعنه أخذ عبد الله بن اسحاق. وكان إمام القراء بالبصرة عالما بالقرآن فقيها لغويا ، توفي ١٢٩ ه‍.

(٣) هكذا صححناه ، وفي الاصل : الزعم الكذب.

(٤) وفي بحار الانوار ٢٥ / ٢٤٤ : فمن أي فقهك زعمت أن الحسن والحسين ...

٩٣

فلم أجد في القرآن شيئا يدلّ على ذلك ، وفكر الحجاج مليا ، ثم قال ليحيى : لعلك تريد قول الله عزّ وجلّ ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (١) وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين.

قال الشعبي : فكأنما أهدى الى قلبي سرورا ، وقلت في نفسي : قد خلص يحيى ، وكان الحجاج حافظا للقرآن. فقال له يحيى : والله إنها الحجة في ذلك البالغة ، ولكني ليس منها أحتجّ لما قلت.

فاصفرّ وجه الحجاج ، فأطرق مليا ، ثم رفع رأسه الى يحيى ، وقال له : إن جئت من كتاب الله عزّ وجلّ بغيرها فلك عشرة [ آلاف درهم ] (٢) ، وان لم تأت بها فأنا في حلّ من دمك.

قال : نعم.

قال الشعبي : فغمني قوله وقلت في نفسي : لما كان في الذي نزع له الحجاج ما يحتجّ به يحيى ويرضى بأنه قد عرفه ، وسبقه إليه ، ويتخلص منه حتى ردّ عليه ، فأفحمه ، فإن جاءه بعد هذا بشيء لم آمن أن يدخل فيه عليه من القول ما يبطل به حجته ، لأنه يريه أنه قد علم ما قد جهله هو.

فقال يحيى للحجاج : قول الله عزّ وجلّ ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ ) (٣) من عني بذلك؟

__________________

(١) آل عمران : ٦١.

(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : الادف ادهم.

(٣) الأنعام : ٨٤.

٩٤

قال الحجاج : إبراهيم.

قال يحيى : فداود وسليمان من ذريته؟

قال [ الحجاج ] : نعم.

قال يحيى : ومن نصّ الله عزّ وجلّ عليه بعد هذا أنه من ذريته؟

فقرأ الحجاج. ( وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ).

قال يحيى : ومن؟

فقرأ الحجاج : ( وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى ) (١).

قال يحيى : ومن أين كان عيسى من ذرية إبراهيم ولا أب له من صلبه؟

قال : من قبل أمه.

قال يحيى : فمن أقرب رحما مريم (٢) من إبراهيم أم فاطمة من محمد أم الحسن والحسين منه أم عيسى من إبراهيم.

قال الشعبي : فكأنما لقمه حجرا.

فقال : اطلقوه قبحه الله وادفعوا إليه عشرة آلاف درهم لا بارك الله له فيها.

ثم أقبل عليّ ، فقال : قد كان رأيك صوابا لكنا أبيناه. ودعا بجزور فنحره ، وقام فدعا بالطعام ، فأكل وأكلنا معه ، وما تكلم بكلمة حتى انصرفنا ، وما زال واجما غما بما احتجّ به يحيى بن يعمر عليه.

[ ضبط الغريب ]

قوله : واجما.

__________________

(١) الأنعام : ٨٥.

(٢) أي : مريم بنت عمران.

٩٥

الوجوم : السكوت على غيظ أو همّ ، يقال منه : رأيته واجما واقما.

[ ويل للظالم من يوم المظلوم ]

[١٠٢٢] إسماعيل بن أبان ، باسناده ، عن الحسن بن علي عليه‌السلام ، أنه مرّ ـ في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بحلقة فيها قوم من بني أميّة ، فتغامزوا به وذلك عند ما تغلّب معاوية على ظاهر أمره. فرآهم وتغامزهم به. فصلّى ركعتين ثم جاءهم. فلما رأوه جعل كل واحد منهم يتنحى عنه مجلسه له.

فقال لهم : كونوا كما أنتم فاني لم أرد الجلوس معكم ولكن قد رأيت تغامزكم بي. أما والله لا تملكون يوما إلا ملكنا يومين. ولا شهرا إلا ملكنا شهرين ، ولا سنة إلا ملكنا سنتين. وأنا لنأكل في سلطانكم ونشرب ونلبس ونركب وننكح ، وأنتم لا تأكلون في سلطاننا ولا تشربون ولا تلبسون ولا تنكحون (١).

فقال له رجل : وكيف يكون ذلك يا أبا محمد ، وأنتم أجود الناس ، وأرأفهم ، وأرحمهم تأمنون في سلطان القوم ولا يأمنون في سلطانكم؟

فقال : لأنهم عادونا بكيد الشيطان ، وكيد الشيطان كان ضعيفا ، وإنا عاديناهم بكيد الله ، وكيد الله شديد.

[ ضبط الغريب ]

الكيد : من المكيدة ، وهي الاحتيال. والفعل منه كاد يكيد كيدا ، وهو في الحق حلال ، وفي الباطل حرام. قال الله عزّ وجلّ ( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ

__________________

(١) وفي المناقب اضاف : ولا تركبون.

٩٦

كَيْداً فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً ) (١) فكيد الكافرين هو احتيالهم على أولياء الله عزّ وجلّ وذلك حرام عليهم ، وكيد الله هو احتيال أوليائه على أعدائهم ، وذلك من الحلال المباح لهم.

[ سخاء الحسن ]

[١٠٢٣] عبد الله بن موسى ، عن علي عليه‌السلام ، أنه خطب الناس ، فقال :

إن ابن أخيكم الحسن بن علي قد جمع مالا وهو يريد أن يقسمه بينكم.

فحضر الناس لذلك ، فقام الحسن عليه‌السلام فقال : إنما جمعته للفقراء. فقام كثير من الناس ، وجلس كثير ، وكان أول من أخذ منه الأشعث بن قيس.

[١٠٢٤] ابن أبي خيثمة (٢) ، باسناده ، عن علي عليه‌السلام ، أنه قال :

كان الحسن أشبه الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما بين الصدر الى الرأس. والحسين أشبه الناس به فيما كان أسفل من ذلك.

[١٠٢٥] ابن الأعرابي ، باسناده ، عن أبي هريرة ، أنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول :

من أحبّ الحسن والحسين فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني (٣).

__________________

(١) الطارق : ١٦.

(٢) وهو أبو بكر ، وأظنه أحمد بن زهير ( أبي خيثمة ) بن حرب بن شداد النسائي ولد ١٨٥ ه‍ ، مؤرخ من حفاظ القرآن عامي ، توفي في بغداد ٢٧٩ ه‍.

(٣) وفي مسند أحمد ٢ / ٢٨٨ : لم يذكر اسم الحسنين في صدر الحديث بل ذكر في آخر الحديث : يعني حسنا وحسينا.

٩٧

[ من أحبّنا فهو معنا ]

[١٠٢٦] نضر بن الجهضمي (١) ، باسناده ، عن علي عليه‌السلام ، أنه قال :

أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد الحسن والحسين عليهما‌السلام فقال :

من أحبني ، وأحبّ هذين ، وأباهما ، وامهما كان معي في درجتي في الجنة.

[ الشجرة الطيّبة ]

[١٠٢٧] عبد الله بن لهيعة ، باسناده ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال لعلي عليه‌السلام :

أنا وأنت يا علي من شجرة ، أنا أصلها وأنت فرعها ، والحسن والحسين من أغصانها ، وفاطمة ثمرتها (٢) ، فمن تعلق بغصن من أغصانها أدخله الجنة.

[ تميمة من زغب جناح جبرائيل ]

[١٠٢٨] محمد بن سلام ، باسناده ، أن رسول الله كان له وسادة لا يجلس

__________________

(١) هكذا صححناه وفي الاصل : الجهضي.

(٢) وفي مقتل الخوارزمي ص ١٠٨ لم يذكر هذه الجملة ( فاطمة ثمرتها ). وفي كفاية الطالب ص ٤٢٥ ذكر : وفاطمة فرعها. وأنشد أبو بكر الحلبي على ضوء هذا الحديث :

يا حبذا دوحة في الخلد نابتة

ما في الجنان لها شبه من الشجر

المصطفى أصلها والفرع فاطمة

ثم اللقاح عليّ سيد البشر

و الهاشميان سبطاها لها ثمر

و الشيعة الورق الملتف بالثمر

هذا حديث رسول الله جاء به

أهل الرواية في العالي من الخبر

إني بحبهم أرجو النجاة غدا

و الفوز مع زمرة من أحسن الزمر

٩٨

عليها أحد إلا جبرائيل عليه‌السلام إذ جاءه ، فإذا قام طويت ، فعلق بها من زغب (١) جناحه ، فتلتقطه فاطمة عليها‌السلام حتى إذا اجتمع عندها جعلته في تمائم الحسن والحسين عليهما‌السلام.

[ ضبط الغريب ]

التمائم : جمع تميمة. والتميمة : قلادة من يسور. ونحو ذلك يجعل فيها العوذة ، وتعلق في أعناق الصبيان.

قال الشاعر [ رقاع بن قيس الأسدي ] :

بلاد بها نيطت عليّ تمائمي

وأول أرض مسّ جلدي ترابها

وقال آخر :

وكيف يضلّ العنبري ببلدة

بها قطعت عنه يسور التمائم (٢)

وفي الحديث : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن التمائم والتول. وقال ـ في تعلق تميمة ـ : فلا أتم الله له. ورخص فيما كان من ذلك من كتاب الله عزّ وجلّ وما يتقرب به إليه.

والنهي الذي جاء في ذلك عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما هو فيما يعلقونه فيه من الودع والخرز والأعواد والحديد والنحاس وأشباه ذلك مما يرون أنه ينفع من علق عليه. فنهى عن ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

والتول : ما تضعه النساء مما يزعمن أنه يحببهن الى أزواجهن ويسمينه : العطف ، وهو ضرب من السحر ، واحدته توله وجمعه تول.

[ آخر لحظات مع الرسول ]

[١٠٢٩] وبآخر ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما احتضر دعا بالحسن

__________________

(١) الزغب : صغار الريش.

(٢) لسان العرب ١٢ / ٧٠ ، والقائل هو الفرزدق.

٩٩

والحسين عليهما‌السلام فوضعهما على وجهه ، وجعل يقبّلهما حتى اغمي عليه ، فأخذهما علي عليه‌السلام عن وجهه ، ففتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عينيه ، وقال لعلي عليه‌السلام :

دعهما يستمتعان مني وأستمتع منهما فانه سيصيبهما بعدي أثرة.

أراد بالإثرة ما استأثر به أهل التغلّب من حقهما ، فأخذوه لأنفسهم فآثروه به عليهما أثرة بغير حق.

[ ريحانتا الرسول ]

[١٠٣٠] علي بن هاشم (١) ، باسناده ، عن سعيد بن المسيب ، أنه قال : دخل رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) وهو مستلق على ظهره ، والحسن والحسين يلعبان على بطنه ، فقال : أتحبها يا رسول الله؟

قال : وكيف لا احبهما وهما ريحانتاي (٣) في الدنيا والآخرة.

[١٠٣١] علي بن هاشم ، باسناده ، عن أبي رافع ، أن فاطمة عليها‌السلام أتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالحسن والحسين عليهما‌السلام وهما صغيران.

فقالت : يا رسول الله هذان ابناك ، فانحلهما.

فقال : نعم ، أما الحسن فقد نحلته هيبتي وحلمي ، وأما الحسين فقد نحلته جودي ونجدتي (٤). أرضيت يا فاطمة؟

__________________

(١) أبو الحسن ، وأظنه علي بن هاشم بن البرية الكوفي الخزاز ، المتوفى ١٨١ ه‍.

(٢) وفي كنز العمال ٧ / ١١٠ : سعة بن مالك ، قال : دخلت علي النبي ( ص ) ...

(٣) قال الرضي ( ره ) : شبه بالريحان لان الولد يشمّ ويضمّ كما يشمّ الريحان. وأصل الريحان مأخوذ من الشيء الذي يتروح إليه ويتنفس من الكرب به.

(٤) وفي الخصال ص ٧٧ : أما الحسن فان له هيبتي وسؤددي ، وأما الحسين ، فان له جرأتي وجودي.

١٠٠