شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٩٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله وبين بنت عدو الله (١).

[٩٨٢] وبآخر ، عنه ، أنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إن فاطمة بضعة مني من أغضبها أغضبني.

[ الملائكة تعين فاطمة ]

[٩٨٣] عمرو بن مسهر ، باسناده ، عن عمار بن ياسر (٢) ، قال : بعثني رسول الله الى علي عليه‌السلام لأدعوه إليه ، فأتيت باب حجرته ، فقرعته مليا ، فلم يجبني أحد. فسمعت صوت رحى ، ففتحت الباب ، فإذا فاطمة عليها‌السلام نائمة والحسن نائم على ثديها ، والرحى تدور ولا أرى أحدا يديرها. فانصرفت مرعوبا الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخبرته بما رأيت.

فقال لي : وما يعجبك من هذا يا عمار ، إن كان الله عزّ وجلّ نظر الي ابنة نبيه ولا معين لها فأيدها بمن يعينها على أمرها.

[٩٨٤] إسماعيل بن موسى ، باسناده ، عن عبد الله بن مسعود ، أنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ـ في غزوة تبوك ، ونحن نسير معه ـ :

إن الله عزّ وجلّ لما أمرني أن ازوّج فاطمة من علي ، ففعلت. قال لي جبرائيل عليه‌السلام : إن الله قد بنى جنة من لؤلؤة بين كل قصبة الى قصبة من ياقوت (٣) مشذرة بالذهب وجعل سقوفها زبرجد الأخضر. وجعل فيها طاقات من زمرد (٤) مكللة باليواقيت. ثم جعل

__________________

(١) راجع تعليقة الحديث ٩٧٢ في صفحة ٣١.

(٢) وفي بحار الانوار ٤٣ / ٤٥ : رواه عن أبي ذر الغفاري.

(٣) وفي مجمع الزوائد ٩ / ٢٠٤ : بين كل قصبة الى قصبة لؤلؤة من ياقوتة.

(٤) وفي مجمع الزوائد : وجعل فيها طافات من لؤلؤة مكللة.

٦١

عليها غرفا لبنة من فضة ولبنة من ذهب ، ولبنة من در ، ولبنة من ياقوت ، ولبنة من زبرجد ، وجعل فيها عيونا تنبع في نواحيها وحفها بالأنهار. وجعل على الأنهار قبابا من درّ قد رصعت بسلاسل الذهب وحفت بأنواع الشجر ، وبني في كل غصن بيتا ، وجعل في كل قبة أريكة من درة بيضاء ، غشاؤها السندس والاستبرق ، وفرشها بالزعفران ، وفتقها بالمسك والعنبر ، وجعل [ في كل قبة والقبة لها ] (١) مائة باب على كل [ باب ] جاريتان وشجرتان في كل قبة مفرش وكتاب مكتوب فيه آية الكرسي.

فقلت يا جبرائيل : لمن بنى الله عزّ وجلّ هذه الجنة؟

فقال : هذه الجنة بناها الله جلّ اسمه لعلي بن أبي طالب وفاطمة ابنتك سوى جنانها تحفة أتحفها الله بها ولتقرّ بذلك عينك ، يا محمد.

[ فاطمة في المحشر ]

[٩٨٥] علي بن جرير ، باسناده ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

إذا كان يوم القيامة نصب للنبيين منابر من نور ونصب لي في أعلاها منبر ، ثم يقال لي : قم ، فاخطب ، فأرقى منبري ، فأخطب خطبة لم يخطب أحد (٢) مثلها.

ثم تنصب منابر من نور للوصيين فيكون علي على أعلاها منبرا ، ثم يقال له : اخطب ، فيخطب بخطبة لم يخطب مثلها أحد من الوصيين.

ثم تنصب منابر من نور لأولاد الوصيين (٣) فيكون الحسن

__________________

(١) ما بين المعقوفتين من دلائل الامامة ص ٥١.

(٢) وفي بحار الانوار ٤٣ / ٦٤ الحديث ٥٧ : بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل مثلها.

(٣) وفي بحار الانوار : ثم ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور.

٦٢

والحسين على أعلاها ، ثم يقال لها : قوما فاخطبا ، فيخطبان بما لم يخطب به أحد من أبناء الوصيين.

ثم ينادي مناد (١) : يا أهل الجمع غضوا أبصاركم وطأطئوا رءوسكم لتجوز فاطمة بنت محمد. فيفعلون ذلك ، وتجوز فاطمة وبين يديها مائة الف ملك وعن يمينها مثلهم ، وعن شمالها مثلهم ، ومن خلفها مثلهم ، ومائة الف ملك يحملونها على أجنحتهم حتى إذا صارت الى باب الجنة ألقى الله عزّ وجلّ في قلبها أن تلتفت.

فيقال لها : ما التفاتك؟

فتقول : أي رب إني احبّ أن تريني قدري في هذا اليوم.

فيقول الله : ارجعي يا فاطمة ، فانظري من أحبك وأحبّ ذريتك ، فخذي بيده وأدخليه الجنة.

قال جعفر بن محمد عليه‌السلام : فانها لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحبّ الجيد من بين الحبّ الرديء ، حتى إذا صارت هي وشيعتها ومحبوها على باب الجنة ألقى الله عزّ وجلّ في قلوب شيعتها ومحبيها أن يلتفتوا.

فيقال لهم : ما التفاتكم وقد امرتم الى الجنة؟

فيقولون : إلهنا نحبّ أن نرى قدرنا في هذا اليوم.

فيقال لهم : ارجعوا ، فانظروا من أحبكم في حبّ فاطمة أو سلّم عليكم في حبها ، أو صافحكم ، أو ردّ عنكم [ غيبة ] (٢) فيه ، أو سقى جرعة ماء ، فخذوا بيده ، فادخلوه الجنة.

قال جعفر بن محمد صلوات الله عليه : فو الله ما يبقى يومئذ في

__________________

(١) وفي بحار الانوار : وهو جبرائيل.

(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : عينه.

٦٣

النار (١) إلا كافر أو منافق في ولايتنا ، فعندها يقولون : ( فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ. فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (٢).

ثم قال جعفر بن محمد صلوات الله عليه : كذبوا ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه [ وإنّهم لكاذبون ] ) (٣) كما قال تعالى.

ثم ينادي مناد : لمن الكرم اليوم.

فيقال : لله الواحد القهار ولمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين.

[ أفضل نساء العالمين ]

[٩٨٦] علي بن هاشم ، باسناده ، عن زياد بن المنذر ، عن عبد الله بن عمر بن علي ، عن آبائه ، أنهم يقولون : أفضل نساء العالمين آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

[٩٨٧] وبآخر ، عن الشعبي ، قال : خطب علي صلوات الله عليه ابنة أبي جهل الى عمها الحارث بن هشام (٤) واستأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال : أتأمرني بها؟

فقال له : لا ، فاطمة بضعة مني ولا احبّ أن تجزع ولا تحزن.

فقال علي عليه‌السلام : ما كنت لآتي شيئا تكرهه ، يا رسول الله (٥).

__________________

(١) وفي بحار الانوار : لا يبقى في الناس.

(٢) الشعراء : ١٠٠ ـ ١٠٢.

(٣) الانعام : ٢٨.

(٤) وهو أبو عبد الرحمن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي من المؤلفة قلوبهم ، أسلم يوم الفتح ، انتقل الى الشام ومات بطاعون عمواس ١٨ ه‍.

(٥) وصدر هذا الحديث يناقض ذيله وليس أمير المؤمنين عليه‌السلام ممن لا يدرك أن هذا النبأ يزعج الرسول الاكرم حتى يقدم عليه ثم يعتذر. اضف الى ذلك حال الشعبي وموقفه مع علي مما لا يخفى على أحد.

٦٤

[٩٨٨] علي بن هاشم ، باسناده ، عن عائشة ، أنها ذكرت فاطمة عليها‌السلام فقالت :

ما رأيت أحدا أصدق منها إلا أباها (١).

[٩٨٩] محمد بن سعيد ، باسناده ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال :

لما زفّت فاطمة الى علي عليه‌السلام كبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان بلال بين يديه فكبّر.

فقال رسول الله : لم كبّرت ، يا بلال.

فقال : يا رسول الله كبّرت فكبّرت.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما كبّرت أنا حتى كبّر جبرائيل عليه‌السلام.

[٩٩٠] أحمد بن صالح ، باسناده ، عن حذيفة اليماني ، قال : صلّيت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المغرب (٢) ثم قام يصلّي حتى صلّى العشاء الآخرة ، ثم خرج ، فاتبعته ، فقال لي :

إن ملكا من ملائكة السماء استأذن الله عزّ وجلّ في زيارتي ، فأذن له ، فأخبرني أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.

[٩٩١] محمد بن عبد الرحمن ، باسناده ، عن علي عليه‌السلام : أنه قال :

نظر إليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والى فاطمة.

__________________

(١) وفي حلية الاولياء ٢ / ٤١ : غير أبيها.

(٢) صحيح الترمذي ٢ / ٣٠٦ : عن حذيفة قال : سألتني أمي : متى عهدك؟ ـ تعني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ. فقلت : ما لي به عهد منذ كذا وكذا. فقالت متى؟ فقلت لها : دعيني آتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فاصلّي معه المغرب وأسأله أن يستغفر لي ولك. فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فصلّيت معه المغرب ... الحديث.

٦٥

فقال : يا علي ، من كنت عليه غضبان فإن الله ورسوله عليه غضبانان. ويا فاطمة ، من كنت عليه غضبى فإن الله ورسوله عليه غضبانان.

ويا علي ، من كنت عليه راضيا فإن الله ورسوله عليه راضيان ومن كنت يا فاطمة راضية عنه كان الله ورسوله عنه راضيين.

[ عقد النكاح في السماء ]

[٩٩٢] عبد الرزاق ، باسناده ، عن أم أيمن ، قالت : رآني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أبكي.

فقال : ما يبكيك يا أم أيمن؟

فقلت : يا رسول الله حضرت تزويج فتى من الأنصار فأتي بسكّر مصر ولوز فنثر على من حضر فذكرت تزويج فاطمة ، وإنه لا نثار كان فيه.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أم أيمن ، اخبرك عن تزويج فاطمة.

إن الله عزّ وجلّ بعث الروح الأمين جبرائيل عليه‌السلام ومعه ميكائيل ، فجلسا على كرسيين من نور تحت العرش ، وأقام الملائكة المقربين والحور العين صفوفا. فأوحى الى شجرة طوبى أن انثري عليهم ، فنثرت عليهم الياقوت الأحمر والزمرد الأخضر واللؤلؤ الأبيض والمرجان والمسك الأذفر والعنبر الأشهب والكافور الأبيض والزعفران ، فمن التقطه من الملائكة افتخر به على [ سائر ] الملائكة ، ومن التقطه من الحور العين افتخرت على [ سائر ] حور العين.

وعقد جبرائيل وميكائيل في السماء نكاح فاطمة. فكان جبرائيل المتكلم عن علي ، وميكائيل الرادّ عني ، وما عقدت نكاحها في الأرض

٦٦

حتى عقدت لها الملائكة في السماء.

[ تسبيحة الزهراء ]

[٩٩٣] حمران بن أبان الرازي ، باسناده ، عن علي عليه‌السلام ، قال : كانت فاطمة عليها‌السلام تخدم وتقوم بمهنة بيتها ، فأتعبتها الخدمة وأخلقتها وأثر الرحى في يدها ونالها من ذلك ضرر شديد (١).

وجاء الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رقيق من سبي المشركين.

فقلت لها : لو أنك مضيت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاستخدمته خادما يكفيك الخدمة. فمضت الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فوجدته على شغل ، فانصرفت. فلما كان من غد أتانا فوقف على الباب ، ونحن في لفاعنا.

فقال : السلام عليكم يا أهل البيت.

__________________

(١) ومن العجب أن ابن سكرة العباسي الهاشمي يهاجم الزهراء البتول لأجل هذه الخدمة والجهد في المنزل ولتزويجها بأمير المؤمنين عليه‌السلام ، فيجيبه شاعر أهل البيت ابن الحجاج البغدادي في قصيدة طويلة ذكرها الاميني في الغدير ٤ / ٨٩ مطلعها :

لا أكذب الله إن الصدق ينجيني

يد الأمير بحمد الله تحييني

الى أن يقول

فما وجدت شفاء تستفيد به

إلا ابتغاءك تهجو آل ياسين

كافاك ربك إذ أجرتك قدرته

بسبّ أهل العلا الغرّ الميامين

فقر وكفر هميع أنت بينهما

حتى الممات بلا دينا ولا دين

فكان قولك في الزهراء فاطمة

قول امرئ لهج بالنصب مفتون

عيّرتها بالرحى والزاد تطحنه

لا زال زادك حبا غير مطحون

وقلت إن رسول الله زوّجها

مسكينة بنت مسكين لمسكين

كذبت بابن التي باب استها

سلس الاغلاق بالليل مفكوك الزرافين

ستّ النساء غدا في الحشر يخدمها

أهل الجنان بحور الخرّد العين

( القصيدة ٥٨ بيتا )

٦٧

فسكتنا حياء منه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فوثبت فأخذت ثوبي ، وقلت : وعليك السلام يا رسول الله ادخل فداك أبي وأمي ، فدخل ، وبقيت فاطمة في اللفاع.

فقال لها : ما كانت حاجتك أمس يا بنية؟

فاستحيت منه وسكتت. فخشيت أن يقوم ولا تذكر له شيئا.

فقلت : أنا اخبرك بحاجتها يا رسول الله. أصابها من الخدمة ضرر شديد ، وبلغها أن رقيقا جاءتك ، فقلت لها : لو استخدمت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خادما ، فجاءتك ، لتذكر ذلك ، فوجدتك على شغل.

فقال لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا بنية ما جاءني من الرقيق ما يسع نساء جميع المسلمين ، وما كنت بالذي اوثرك عليهن ، ولكن اعطيك ما هو خير لك من خادم وخادمة ، إذا انصرفت من صلاتك ، أو آويت الى مضجعك فسبحي الله ثلاثا وثلاثين تسبيحة ، وكبّريه ثلاثا وثلاثين تكبيرة ، واحمديه ثلاثا وثلاثين تحميدة. واختمي ذلك بشهادة أن لا إله إلا الله ـ وذلك ذكر الله بما هو أهله ـ مائة مرة ، تكون لك بذلك مائة حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، فيكتب الله عزّ وجلّ لك في ذلك الف حسنة ، فذلك خير لك من خادم وخادمة ومن الدنيا وما فيها.

فأخرجت رأسها من اللفاع ، فقالت : رضيت عن الله وعن رسول الله ـ ثلاثا ـ.

قال علي عليه‌السلام : فما تركناها مذ سمعناها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد كل صلاة مكتوبة (١).

__________________

(١) قال أبو نعيم في الحلية ١ / ٦٩ : عن علي : فما فاتني منذ سمعتها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا ليلة صفين فاني نسيتها حتى ذكرتها من آخر الليل ، فقلتها.

٦٨

[ ضبط الغريب ]

اللفاع : ما يشتمل به وغطى الرأس. قال الشاعر :

أنا إذا أمرّ العدى تسرعا

واجتمعت بالشران تلفعا

يقول : شمل الناس شرهم. ويقال : لفع الشيب يلفع لفعا : إذا شمل الرأس. وتلفع الرجل : اذا شمله الشيب. كأنه غطى سواد شعره. قال سريد :

كيف يرجون شفائي بعد ما

ألفع الرأس مشيب وصلع

ويقال : قد تلفعت الامرأة ، فهي متلفعة : اذا غطت رأسها بشيء. واللفاع مثل القناع.

ففضل فاطمة عليها‌السلام هو فضل علي عليه‌السلام لاختصاص الله عزّ وجلّ بها إياه وتزويجه إياها وايثاره إياه بها. وفضل الأئمة من ولده منها لأنها امهم صلوات الله عليها وعليهم أجمعين.

ومن أغضبها وأسخطها فقد أغضب الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما جاء ذلك عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله . وقد ذكرنا ما تناوله منها من تناوله ، وما كان منها من انكار ذلك وسخطه. وقولها لهم فيه ، وعتبها عليهم. وما أوصت به من دفنها ليلا وأن لا يشهد أحد منهم جنازتها. وكفي بذلك خزيا لمن ارتكب منها ما ارتكب وفعل ، ويوم القيامة يخسر المبطلون وفيه يبلس المجرمون ، وما الله بغافل عما يعملون وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون (١).

__________________

(١) واختلف في تاريخ وفاتها : فبعض ذكر أنها بقيت بعد والدها صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة وسبعين يوما كما ذكره الكليني في الكافي والمفيد في الاختصاص. وبعض ذكر أنها بقيت أربعين يوما كما في روضة الواعظين ص ١٣٠ وكتاب السقيفة لسليم بن قيس الهلالي ص ٢٠٣. وبعض ذكر أنها توفيت في الثالث من جمادى الآخر سنة إحدى عشرة ، ذكره الكفعمي في المصباح والمجلسي في بحار الانوار ٤٣ / ٢١٥ ، رواه أبو بصير عن الصادق عليه‌السلام ، وهو الأصح.

روى الصدوق في الخصال ص ٣٦١ ، عن محمد بن عمير البغدادي ، عن أحمد بن الحسن بن عبد الكريم ،

٦٩

__________________

عن عباد بن صهيب ، عن عيسى بن عبد الله العمري ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي عليه‌السلام : خلقت الارض لسبعة بهم يرزقون ، وبهم يمطرون ، وبهم ينصرون : أبو ذر وسلمان والمقداد وعمار وحذيفة وعبد الله بن مسعود. قال علي عليه‌السلام : وأنا إمامهم وهم الذين شهدوا الصلاة على فاطمة.

روى المجلسي في بحار الانوار ٤٣ / ٢١٠ عن المفيد ، عن الصدوق ، عن أبيه ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن القاسم بن محمد رازي ، عن علي بن محمد الرامهرمزي ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين عليه‌السلام قال : لما مرضت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصت الى علي بن أبي طالب عليه‌السلام أن يكتم أمرها ويخفي خبرها ، ولا يؤذن أحدا بمرضها. ففعل ذلك ، وكان يمرضها بنفسه وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس رحمها الله على استمرار ذلك كما وصت به.

فلما حضرتها الوفاة وصت أمير المؤمنين أن يتولى أمرها ، ويدفنها ليلا ويعفي قبرها. فتولى ذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام. ودفنها ، وعفي موضع قبرها.

فلما نفض يده من تراب القبر ، هاج به الحزن ، فأرسل دموعه على خديه وحول وجهه إلى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال :

السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك من ابنتك وحبيبتك وقرة عينك وزائرتك ، والبائنة في الثرى ببقيعك. المختار الله لها سرعة اللحاق بك ، قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري ، وضعف عن سيدة النساء تجلدي ، إلا أن في التأسي لي بسنّتك ، والحزن الذي حلّ بي لفراقك موضع التعزي ، ولقد وسدتك في ملحود قبرك بعد أن فاضت نفسك على صدري وغمضتك بيدي ، وتوليت أمرك بنفسي.

نعم وفي كتاب الله أنعم القبول. إنّا لله وإنا إليه راجعون. قد استرجعت الوديعة واخذت الرهينة واختلست الزهراء ، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله.

أما حزني فسرمد ، وأما ليلي فمسهد. لا يبرح الحزن من قلبي أو يختار الله لي دارك التي فيها أنت مقيم. كمد مقيّح ، وهم مهيّج سرعان ما فرق الله بيننا. وإلى الله أشكو ، وستنبئك ابنتك بتظاهر امتك علي ، وعلى هضمها حقها ، فاستخبرها الحال. فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد الى بثه سبيلا ، وستقول ، ويحكم الله وهو خير الحاكمين.

سلام عليك يا رسول الله سلام مودع لا سئم ولا قال. فإن أنصرف فلا عن ملالة وإن اقم فلا عن سوء ظني بما وعد الله الصابرين. الصبر أيمن وأجمل ، ولو لا غلبة المستولين علينا ، لجعلت المقام عند قبرك لزاما. والتلبث عنده معكوفا ، ولا عولت إعوال الثكلى على جليل الرزية. فبعين الله تدفن بنتك سرا ، ويهتضم حقها قهرا ، ويمنع إرثها جهرا ، ولم يطل العهد ولم يخلق منك الذكر ، فإلى الله يا رسول الله المشتكى. وفيك أجمل العزاء. فصلوات الله عليها وعليك ورحمة الله وبركاته.

٧٠

__________________

المراثي

ففي الديوان المنسوب الى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أنه أنشد بعد وفاة فاطمة عليها‌السلام.

ألا هل الى طول الحياة سبيل

وأنى وهذا الموت ليس يحول

وإني وإن أصبحت بالموت موقنا

فلي أمل من دون ذاك طويل

وللدهر ألوان تروح وتغتدي

وإن نفوسا بينهن تسيل

ومنزل حق لا معارج دونه

لكل امرئ منها إليه سبيل

قطعت بأيام التعزز ذكره

وكل عزيز ما هناك ذليل

أرى علل الدنيا عليّ كثيرة

وصاحبها حتى الممات عليل

وإني لمشتاق إلى من احبه

فهل لي إلى من قد هويت سبيل

وإني وإن شطت بي الدار نازحا

وقد مات قبلي بالفراق جميل

فقد قال في الأمثال في البين قائل

أضربه يوم الفراق رحيل

لكل اجتماع من خليلين فرقة

وكل الذي دون الفراق قليل

وإن افتقادي فاطما بعد أحمد

دليل على أن لا يدوم خليل

وكيف هناك العيش من بعد فقدهم

لعمرك شيء ما إليه سبيل

سيعرض عن ذكري وتنسى مودتي

ويظهر بعدي للخليل عديل

وليس خليلي بالملول ولا الذي

إذا غبت يرضاه سواي بديل

ولكن خليلي من يدوم وصاله

ويحفظ سرّي قلبه ودخيل

إذا انقطعت يوما من العيش مدّتي

فان بكاء الباكيات قليل

يريد الفتى أن لا يموت حبيبه

وليس الى ما يبتغيه سبيل

وليس جليلا رزء مال وفقده

ولكن رزء الأكرمين جليل

لذلك جنبي لا يؤاتيه مضجع

وفي القلب من حرّ الفراق غليل

وقال ابن قريعة :

يا من يسأل دائبا

عن كل معضلة سخيفة

لا تكشفن مغطئا

فلربما كشفت جيفة

ولربّ مستور بدا

كالطبل من تحت القطيفة

ان الجواب لحاضر

لكنني اخفيه خيفة

لو لا اعتذار رعية

الغي سياستها الخليفة

وسيوف أعداء بها

هاماتنا أبدا نقيفة

٧١

__________________

لنشرت من أسرار آل

محمد جملا طريفة

يغنيكم عما رواه

مالك وأبو حنيفة

وأريتكم أن الحسين

اصيب من يوم السقيفة

ولأيّ حال لحدت

في الليل فاطمة الشريفة

ولما حمت شيخيكم

عن وطئ حجرتها المنيفة

اوه لبنت محمد

ماتت بغصتها أسيفة

وقال الشيخ حسن الحلّي :

لا رعى الله قيلة وعراها

سخط موسى وحلّ منها عراها

أغضبت أحمدا بعزل امام

فيه كم آية جهارا تلاها

واجهته بما لهارون قدما

واجهت قومه ضلالا سفاها

أخرته وأمّرت شيخ تيم

سرّ كفرانها وقطب شقاها

خالفته على الضلال وحادت

عن أخي المصطفى منار هداها

أحدثت للورى أحاديث كذب

لا نبيّ ولا وصيّ رواها

أسخطت ربها فلا رضى الرحمن

عنها وخالفت نصّ طاها

فلكم قال وارثي ووصيي

حيدر وهو للورى مولاها

هو مني كمثل هارون وهو

الفلك للعالمين فيه نجاها

فاحفظوا لي وصيتي بابن عمي

انه للعلوم شمس سماها

أيها القوم إن بعدي كتاب الله

فيكم وعترتي لن تضاهى

إن من صدّ عنهما كبرياء

فله النار في غد يصلاها

فغدا منهم يقاسي كتاب الله

هجرا والآل فرط جفاها

حاربوا فاطما وقد فرض الله

على الخلق حبها وولاها

لقيت منهم خطوبا عظاما

لا يطيق الطود الأشمّ لقاها

كسر ضلع وغصب ارث ولطما

واهتضاما منه استطال عناها

اخرجوها من المدينة قهرا

مذ أطالت لفقد طه نعاها

وعلى هضمها تواطأت

الأنصار سرا وأظهرت بفضاها

عزلت بعلها عن الحلّ والعقد

عنادا وأمّرت ادعياها

غصباها تراثها ولظى الو

جد وفرط السقام قد أورثاها

دفعاها عنه عنادا وظلما

مزقا صكّها وما راعياها

٧٢

__________________

وادّعت نحلة لها من أبيها

سيد الأنبياء فلم ينحلاها

فانثنت والفضاء ضاق عليها

وشواظ الزفير حشو حشاها

وأتت دارها تجرّ رداها

والجوى كاد أن يريها رداها

فأتوا نحو دارها وأداروا الجز

ل كي يحرقوا عليها خباها

عصروها بالباب قسرا الى أن

كسروا ضلعها وهدوا قواها

ألجئوها الى الجدار فألقت

محسنا وهي تندب الطهر طاها

دخلوا الدار وهي حسرى فقادوا

بنجاد الحسام حامي حماها

برزت خلفهم تقوم وتكبو

وحشاها ذابت بنار شجاها

قال الشيخ محمد علي اليعقوبي :

ترك الصبا لك والصبابة

صب كفاه ما اصابه

الى قوله

ولقد يعزّ على رسول

الله ما جنت الصحابة

قد مات فانقلبوا على

الاعقاب لم يخشوا عقابه

منعوا البتولة أن تنوح

عليه أو تبكي مصابه

نعش النبي أمامهم

ووراءهم نبذوا كتابه

لم يحفظوا للمرتضى

رحم النبوة والقرابة

لو لم يكن خير الورى

بعد النبي لما استنابه

قد أطفئوا نور الهدى

مذ اضرموا بالنار بابه

أسد الإله فكيف قد

ولجت ذئاب القوم غابه

وعدوا على بنت الهدى

ضربا بحضرته المهابة

في أيّ حكم قد أباحوا

إرث فاطم واغتصابه

بيت النبوة بيتها

شادت يد الباري قبابه

أذن الاله برفعه

والقوم قد هتكوا حجابه

بأبي وديعة أحمد

جرعا سقاها الظلم صابه

عاشت معصبة الجبين

تئنّ من تلك العصابة

حتى قضت وعيونها

عبرى ومهجتها مذابه

وامضّ خطب في حشى الا

سلام قد أورى التهابه

بالليل واراها الوصيّ

وقبرها عفّى ترابه

٧٣

الحسنان عليهما السلام

[ ذكر ما جاء في فضل الحسن والحسين ]

[٩٩٤] عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، باسناده ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى الحسن والحسين عليهما‌السلام مقبلين إليه.

فقال : هذان سيد اشباب أهل الجنة ، وأبوهما خير منهما.

[٩٩٥] الحسن بن عطية ، باسناده ، عن حذيفة اليماني (١) ، قال : سألتني أمي متى عهدك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم أكن رأيته قبل ذلك بأيام ، فأخبرتها. ثم قالت : امض إليه واسأله أن يستغفر لك ولي.

فأتيته ، فصلّيت معه صلاة المغرب ، ثم انفتل ، فقام فصلّى حتى صلّى العشاء الآخرة. ثم خرج ، فتبعته لأسأله ذلك ، فعرض له رجل ، فوقف معه طويلا ووقفت حتى انصرف عنه.

ومضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاتبعته ، فأحسّ بوقع قدمي ، فانفتل.

فقال : من هذا؟

__________________

(١) وهو حذيفة بن اليمان الصحابي الجليل قتل أبوه في احد خطأ ، شارك في فتح نهاوند وشوشتر ، ولاه عثمان على المدائن ، ولما قتل عثمان أقره أمير المؤمنين على ولايته ، توفي بعد خلافة أمير المؤمنين عليه‌السلام بأربعين يوما سنة ٣٦ ه‍ ودفن في المدائن بالعراق.

٧٤

فقلت : حذيفة.

فقال : ما تريد؟

فأخبرته بخبري.

قال : أرأيت الرجل الذي وقف معي؟

قلت : نعم.

قال : إنه ملك من الملائكة استأذن في زيارتي ، فاذن له ، ولم يكن هبط الى الأرض قبل هذه الساعة. فسلّم عليّ وبشرني : أن الحسن والحسين سيد اشباب أهل الجنة ، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة.

قال : وأخبرته بما كان بيني وبين أمي.

فقال : غفر الله لك ولامك ، يا حذيفة.

[٩٩٦] أبو غسان ، باسناده ، عن أبي هريرة ، قال : بينا نحن نصلّي مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة العشاء إذ دخل الحسن والحسين عليهما‌السلام فجعلا إذا سجد يثبان على ظهره ، فاذا أراد أن يرفع رأسه أخذهما بيده أخذا رفيقا حتى يضعهما على الأرض. فاذا عاد الى السجود عادا حتى قضى صلاته. فانصرف (١) ، فجاءا إليه ، فأخذهما فقبّلهما ، ووضعهما على فخذيه.

قال أبو هريرة : فقمت إليه ، فقلت : يا رسول الله ، ألا أذهب بهما.

قال : لا.

فبرقت برقة ، فقال لهما : الحقا بامكما. فلم يزالا في ضوئها حتى دخلا المنزل.

[٩٩٧] وبآخر ، عن البراء بن عازب (٢) ، قال : رأيت رسول الله صلّى الله

__________________

(١) هكذا في الاصل.

(٢) وهو أبو عمارة البراء بن عازب بن الحارث الخزرجي ، ولي أمارة الري بفارس ٢٤ ه‍ ، ثم سكن

٧٥

عليه وآله يحمل الحسن والحسين عليهما‌السلام وهو يقول : اللهمّ إني احبهما ، فاحبب من أحبهما (١).

[ سيدا شباب أهل الجنة ]

[٩٩٨] وبآخر ، عن جابر بن عبد الله الانصاري ، أنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :

الحسن والحسين سيد اشباب أهل الجنة.

[٩٩٩] وبآخر ، عن أبي هريرة ، أنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :

الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.

[١٠٠٠] وبآخر ، عن أبي هريرة ، أنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :

من أحبّ الحسن والحسين فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني.

[ من أحبني فليحب هذين ]

[١٠٠١] وبآخر ، عن أبي ذر رضي‌الله‌عنه ، أنه قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما يصلّي بالناس ، وأقبل الحسن والحسين عليهما‌السلام ـ وهما غلامان ـ يثبان على ظهره إذا سجد ، وأقبل الناس ينحونهما عنه ، فلما انصرف قال : دعوهما بأبي وأمي هما ، من أحبني فليحبب هذين.

[١٠٠٢] وبآخر ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه سمع بكاء الحسن

__________________

الكوفة ، وتوفي ٧١ ه‍.

(١) وفي رواية اسامة : اللهمّ إني احبهما فأحبهما وأحب من يحبهما.

٧٦

عليه‌السلام (١) وهو صبي ، فقال لفاطمة صلوات الله عليها : ما للحسن ، ألم أقل لك أن بكاءه يؤذيني.

[١٠٠٣] وبآخر ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه كان يفرج ما بين رجلي الحسين (٢) ويقبّل ما بينهما (٣).

[ كرم السبطين ]

[١٠٠٤] وبآخر ، عن الحسن عليه‌السلام ، أن رجلا لقيه ، فسأله.

فقال له : إن المسألة لا تصلح إلا في ثلاث : فقر مدقع ، أو غرم مفظع ، أو حمالة مثقلة (٤).

فقال : يا ابن رسول الله ، ففي بعض ذلك أسأل.

فأمر له بمائة دينار.

[ ضبط الغريب ]

قوله : مدقع.

الدقاع : التراب المنثور على وجه الأرض. قال الشاعر :

وجرت بها الدقعاء هيف كأنها

تسحّ ترابا من حصاصات منخل (٥)

__________________

(١) وفي بحار الانوار ٤٣ / ٢٩٥ : فسمع الحسين يبكي.

(٢) وفي تاريخ بغداد ٣ / ٢٠٩ : وهو يفحج بين فخذي الحسين.

(٣) وفي تاريخ بغداد أضاف : ويقول : لعن الله قاتلك.

قال جابر : فقلت : يا رسول الله ومن قاتله؟

قال : رجل من امتي يبغض عترتي لا تناله شفاعتي ، كأني بنفسه بين أطباق النيران يرسب تارة ويطفو اخرى وأن جوفه ليقول : عق عق.

(٤) وفي الخصال ص ١٣٥ : دم مفجع.

(٥) راجع لسان العرب : مادة ( دقع ).

٧٧

ويقال من ذلك : ادقع فلان ، فهو مدقع ، إذا التزق بالأرض فقرا. والداقع من الرجال : الذي يطلب مداق الكسر. ويقال للجوع الشديد : الديقوع.

وقوله : غرم مفظع.

المفظع من الأمر : الشديد المبرح. يقال منه : فظع الأمر ، يفظع فظاعة ، وأفظع افظاعا فهو مفظع وفظيع.

وقوله : حمالة مثقلة.

الحمالة : هاهنا الدية يحملها قوم عن قوم. وقد يطرحون الهاء منها فيقولون : حمال. قال الأعشى :

فرع تبع يهو في غصن المج

د كثير الندى عظيم الحمال (١)

ويرمي غزير الندى ...

هذا ، قول الخليل في الحمال : إنها الحمالة.

وأما أبو عمرو ابن العلى ، فقال : الحمال ـ هاهنا ـ جمع حمالة.

وأما أبو عبيدة ، فقال : الحمال : العقوبة والمكروه والنكال.

* * *

ثم أتى هذا الرجل الحسين عليه‌السلام ، فقال له مثل ذلك ، وقد علم ما أعطاه الحسن عليه‌السلام ، فأعطاه تسعة وتسعين دينارا. نقص دينارا ، مما أعطاه الحسن عليه‌السلام ، بعد أن قال مثل ما قاله الحسن عليه‌السلام.

ثم أتى عبد الله بن عمر ، فسأله ، فأعطاه تسعة دنانير ، ولم يقل له شيئا.

فقال له الرجل : ما منعك أن تنصح لي كما نصح لي هذان الغلامان؟

__________________

(١) رواه جمال الدين في لسان العرب ١١ / ١٨٠ هكذا :

فرع نبع يهتز في غصن المج

د عظيم الندى كثير الحمال

٧٨

فقال : وما قالا لك؟

فأخبره.

فقال له ابن عمر : وأين تعدلني بابني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فو الله لغرا بالعلم.

[ ضبط الغريب ]

غرا يقول : زقا. يقال من ذلك : يغر الطائر فرخه اذا زقه.

[ الحسنان يتصارعان ]

[١٠٠٥] أبو غسان ، باسناده ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نظر الى الحسن والحسين عليهما‌السلام ، وهما صبيان صغيران يصرعان ، فجعل يقول للحسن : إيها حسن!.

فقالت فاطمة عليها‌السلام : يا رسول الله ، كأنه أحبهما إليك هو أكبرهما (١) تقول له : إيها.

قال : كلا ، ولكن هذا جبرائيل عليه‌السلام يقول : إيها حسين.

[ ضبط الغريب ]

فقوله : إيها : هى لفظة تقولها العرب تريد بها الاستزادة. قال حاتم :

إيها فدا لكم أمي وما ولدت

حاموا على مجدكم واكفو الذي اتكلا

[١٠٠٦] وبآخر ، أن الحسين عليه‌السلام جاء الى عمر ، فاستأذن عليه.

وكان عمر على شغل فلم يؤذن له ، فجلس. ثم جاء ابن عمر ، فاستأذن ، فلم يؤذن له ، فجلس.

__________________

(١) وفي مقتل الخوارزمي ص ١٠٥ : فقالت فاطمة عليها‌السلام : تستنهض الكبير على الصغير.

٧٩

فلما رأى ذلك الحسين عليه‌السلام ، انصرف. ثم أمر عمر بإدخال الحسين عليه‌السلام فخرج الآذن ، فلم يجده ، فعاد إليه ، فقال له : إنه لما لم يؤذن له أنصرف.

فأرسل إليه عمر ، فجاء فقال له : انصرفت بعد أن استأذنت ، يا ابن رسول الله؟

قال : لم يؤذن لي ، وجاء عبد الله ، فلم يؤذن له ، فعلمت أنه إذا لم يؤذن له أنه لا يؤذن لي.

فقال له عمر : وما أنت وعبد الله ، هل [ أنبت ] (١) الشعر في الرأس إلا الله وأنتم (٢). [ إذا جئت فلا تستأذن ] (٣).

[ نعم الراكبان ]

[١٠٠٧] وبآخر ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مرّ بمجلس من مجالس الأنصار ، وقد حمل الحسن والحسين عليها‌السلام على عاتقيه ـ وهما صغيران ـ.

فقالوا : نعم المطية أنت لهما يا رسول الله.

قال : ونعم الراكبان هما (٤).

[١٠٠٨] الامراثي ، باسناده ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه سمع

__________________

(١) هكذا صححناه من الصواعق ص ١٠٧ وفي الاصل : أنت.

(٢) وفي الصواعق : بعد الله إلا أنتم.

(٣) ما بين المعقوفتين من مقتل الخوارزمي ص ١٤٥.

(٤) وفي هذا يقول الحميري ره :

أتى حسنا والحسين الرسول

وقد برزوا ضحوة يلعبان

وضمّهما وتفدّاهما

وكانا لديه بذاك المكان

وطأطأ تحتهما عاتقيه

فنعم المطيّة والراكبان

٨٠