شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٩٩

وجدت كتابا قد تقادم عهده

رواية أشياخ كرام المناسب

رواية وهب عن سطيح ودينل

مشايخ علم صادق غير كاذب

تتابع رايات من الشرق سبعة

الى الغرب سود خافقات الذوائب

يسين بأخزر العيون تراهم

مباسمهم سمط طوال الشوارب

ويقول فيها هذه الأبيات :

ولاة بني العباس عشرون واليا

تدين لهم بالرغم أرض المغارب

وفي الست والتسعين تهبط راية

من الغرب في جمع كثيف المواكب

يمزق أرض البربرية جمعهم

بخيل كأمثال القطا المتسارب

وتطلع شمس الله من غرب أرضه

فلا توبة ترجى هناك لتائب

سمي نبيّ الله وابن وصيه

واكرم مولود وأشرف طالب

فيملأ أرض الله عدلا ورحمة

بأيام صدق طيبات المكاسب

وبالأعور الدجال ينهدّ جمعه

سوى عصبة في باذخ الطود راتب

ويقتله من بعد عيسى بن مريم

بقدرة ربّ ماله من مغالب

ومن بعدها موت ابن مريم مفضيا

الى الله في حكم من الله واجب

فرمز له فيها ، وأغمض معانيها ، وجعل كلامها شعرا ليحمل الحذف والاغماض.

[ ضبط الغريب ]

وأما قوله : وأسلمت القريض. يقول : تركت قول الشعر ، يعني من قبل ذلك. والقريض ، في اللغة : قول الشعر ، والنطق به. يقال منه : فلان يقرض الشعر أي يصنفه. والقريض الاسم من ذلك القصيدة.

والرواتب : القوائم. يقال منه : رتب يرتب الرجل : إذا نفض قائما.

وقوله : إن جبّ غار بي.

الجب : استئصال ما يقطع من السنام وغيره اذا قطعه بأجمعه. قيل : جبّه ،

٤٢١

وهو مجبوب ، وقد جبّه ، أي قطعه كلاّ (١).

الغارب : أعلى الظهر ، وأعلى السنام ، ولهو الغارب أيضا ، ومنه قيل : حبلك على غاربك (٢) ، شبهتها بالبعير الذي يلقى رسنه على ظهره ، ويثبت ، وإذا قطع سنام البعير ضعف ، فشبه نفسه بضعف الكبر بالبعير المجبوب الغارب.

الاوبة : الرجوع يعني الرجوع الى الله بالتوبة ، والآئب : الراجع.

وقوله : وإلا فجبّت من يميني رواجبي ، جبّ كما ذكرنا قطعت واستأصلت.

والرواجب ، جمع راجبة. والراجبة : يجمع ما بين الرجبين من كل اصبع ومن السلامي ما بين المفصلين. والراجبة الطائرة التي [ في ] الدائرة من الحامين الوجنتين من رجليه يقول : وإلا قطعت أصابعه من ذلك الحدّين يمينه تقسم بذلك على ما ذكره (٣).

خزر العيون : الخزر في العين انقلاب الحدقة نحو اللحاظ وهو حول قبيح. وفعل ذلك ناظر الشيء من غير حول. قيل : خزر فلان عورا ذلك إذا نظر إليه بلحظ عينيه كالمغضب. ومنه قول الراجز :

لقد تخازرت وما بين من خزر

ثم كسرت العين من غير عور يصفهم بالغضب ، ويقال للرجل الطويل الاصابع : انه أبسط الاصابع (٤).

والكثيف من الكثافة : وهي الكثرة والتفاف. والفعل منه كثف يكثف كثافة ، والكثيف اسم كثرية يوصف به العسكر والسحاب والماء (٥).

__________________

(١) ومنه قال الشاعر :

ونأخذ بعده بذناب عيش

أجب الظهر ليس له سنام

وفي الحديث : أنهم كانوا يجبون أسنمة الإبل وهي حية. ( لسان العرب ١ / ٢٤٨ ).

(٢) هذه الجملة كناية عن الطلاق يعني أنت مرسلة مطلقة غير مشدودة ولا ممسكة بعقد النكاح

(٣) راجع لسان العرب ١ / ٤١٢.

(٤) لسان العرب ٤ / ٢٣٦.

(٥) ومنه قول الشاعر :

٤٢٢

والمواكب جمع موكب ، وهو ما اجتمع من الخيل وانفرد من الكثير منها. والجم : الكثير. والطود : الحبل الباذخ المشرف. والراتب : القائم.

فهذا شرح ما في هذه الأبيات من الغرائب.

[ شرح القصيدة ]

وأما شرح معانيها وما كان مما ذكر فيها.

فأما قوله : تتابع رايات من الشرق سبعة ، فهي الرايات التي دخلت إفريقيا من أرض المغرب. وقيل : إنه لا بدّ من راية ثامنة تدخل وهي التي تفتح المغرب. وهذا إنما يكون لأولياء الله إذا ملكوا المشرق وأنفذوها مما هناك إن شاء الله تعالى.

وقوله : وفي الست والتسعين ، يعني ما قدمنا ذكره أن ذلك في سته وتسعين ومائتين ، أعني فتح أبي عبد الله إفريقيا ، وازالة دولة بني العباس منها.

وقوله : وتطلع شمس الله من غرب أرضه وقد ذكرنا معناه قبل هذا.

وقوله : بالأعور الدجال ينهدّ جمعه. الأعور الدجال هو ذو العوار المبين مخلد (١) اللعين هدّ بباطله جموع الله فلم يبق منهم إلا من لحق بالجبل الابيض بالمهدية.

فمن كان ساكنا بها فزع إليهم ممن كان ساكنا في نواحي إفريقيا.

وقوله : ويقتله من بعد ذلك ابن مريم. يعنى المنصور وفي بعض الروايات : ويقتله المنصور وهو ابن مريم ، ومن هذا المعنى قول ابن أعقب شعرا :

قد قلت لما طار عني الكرى

حتى متى ذا الليل لا يصبح

عذبني الحزن وفقد الكرى

كلاهما أقسم لا يبرح

وكيف لا يحزن من لا يرى

بانه ببلع يا مسطح

__________________

وتحت كثيف الماء في باطن الثرى

ملائكة تنحط فيه وتصعد

(١) هو أبو يزيد مخلد كيداد المغربي. ( اسماعيليان در تاريخ ص ١٧١ ).

٤٢٣

دهرا يرى فيه امام الهدى

بأسه بالمعروف يستفتح

ويبتني البيضاء في لجة

خضراء فيها نونها يسبح

ينجو من الاهوال سكانها

والأرض منها كلها تفتح

لو مدّ من عمري الى عمره

لكنت في القرن الذي يفلح

هيهات ما ذا العمر مما أرى

فيما أرى الموت به يسمح

[ ضبط الغريب ]

الكرى : النوم. وعنى بالبيضاء : مدينة المهدية (١).

وقوله : ينجو من الاهوال سكانها. وكذلك نجوا من أهوال فتنة مخلد الدجال.

ومن ذلك قول ابن أعقب ، شعرا :

اسمع الحق ودع عنك اللعب

وهاك قولا صادقا غير كذب

في الست والتسعين يأتيك العجب

بعد كمال المائتين في رجب

ينفض من جيحل جيش ذو لجب

امضى من الجمر إذ الجمر التهب

من بربر يسعون من كل حدب

ركبا ورجلا ما يملّون التعب

قد ملأوا المشرق خوفا ورهب

وأنزلوا المغرب ذلاّ ونصب

إذا رأى الكوكب الطويل الذنب

فذاك حدث ظاهر قد اقترب

تسعين ألفا بين رأس وذنب

سيماهم الحقد واظهار الغضب

يعززها الراكب في عذر الركب

يقودهم كهل عظيم بالكتب

يأوى الى الحزم إذا الجبل اضطرب

ويأخذ الامر البعيد من كتب

تنقلب الدولة فيما تنقلب

مهدية في نصّ انتظار الكتب

عن دانيال وسطيح للعرب

__________________

(١) بناها عبيد الله المهدي تقع على سبعين ميلا جنوب القيروان يحيط بها البحر من ثلاث جهات.

٤٢٤

[ ضبط الغريب ]

قوله : جيش ذو لجب. اللجب صوت العسكر يقال من ذلك (١).

والحدب : ما ارتفع من الارض. والكتب : القرب.

وقوله : في الست والتسعين بعد المائتين. كذلك كان دخول أبي عبد الله إفريقيا ، وازالته ملك بني الاغلب منها في سنة ستة وتسعين ومائتين في رجب. وكذلك دخول الخوف من أجله على أهل المشرق ، فأزال أعداء الله تعالى من المغرب وكذلك كان جيشه عامته بربر وفيهم أخلاط من قريش ومن العرب ، ممن كان في المدائن التي افتتحها قبل ذلك ، وكذلك كان أبو عبد الله في حين ذلك أهلا عليما بالكتب ذا سياسة بالامور ، وكذلك انقلبت الدولة به الى المهدي. وما سمعنا من أخبارها يكون بأصحّ من هذا الشعر في المعنى.

وأنشد أبو اليسر إبراهيم بن محمد الشيباني (٢) أبا عبد الله هذا الشعر لما صار. الى إفريقيا ، وعنده وجوه أهل القيروان. فقال أبو عبدون القاضي ما سمعنا من الحدثان شيئا أصدق من هذا الشعر.

وكان ابراهيم بن أحمد قد نقم على أهل بلزمة أمرا فعلوه ولم يكن يقدر عليهم ، فلطف بهم وأظهر برّ من يأتيه منهم واكرامه وأقطعهم القطائع ووفّر لهم الصلات وأتاه جماعة منهم ، أنزلهم برفادة في موضع بنى عليه سورا ونصب عليهم أبوابا ، فلما اجتمع إليه منهم من رأى أنه لا يأتيه غيرهم فتك بهم في ليلة من الليالي ، فقتلهم عن آخرهم.

وكان ببلزمة يومئذ رجل من الشيعة يقال [ له ] : محمد بن رمضان من أهل

__________________

(١) لسان العرب ١ / ٧٣٥.

(٢) البغدادي أصلا ولد ٢٢٣ واستقر في القيروان فترأس ديوان الإنشاء لبني الاغلب ثم للفاطميين الى أن توفي سنة ٢٩٨ ه‍.

٤٢٥

نفطة من مدائن قسطنطينة وكان شاعرا. وصار إليه علم من علم ما يكون ويذكر انقطاع دولة بني الأغلب ، ويصف المهدي ويذكر قرب ظهوره ، فانتهى ذلك عنه الى إبراهيم بن أحمد ، فأمر بطلبه ، وأحسن بذلك فلجأ الى بلزمة ومدح رؤساءها ، فأووه وحموه ، فلما وقع إبراهيم بن أحمد بن أوقع به ، وانتهى إليه ، قال في ذلك هذه الأبيات :

جلّ المصاب لئن كان الذي ذكروا

مما أتتنا به الأنباء والخبر

عن ألف أروع كالاساد قد قتلوا

في ساعة من سواد الليل إذ غدروا

لو كان من بيت الآساد أيقظهم

حلّت به منهم الاحداث والغير

قل لابن أحمد ابراهيم مالكه

عن الخبير بما يأتي ولا يذر

عن المشرّد في حبّ الائمة من

آل النبي وخير الناس إن ذكروا

اعلم بأن شرار الناس أطولهم

يدا يمكروهم يوما اذا قدروا

لا سيما الضيف والجار القريب ومن

أعطوه ذمتهم من قبل ما خفروا

فما اعتذارك من عار ومنقصة

أتيتها عامدا إن قام معتذر

جرّعت ضيفك كأسا أنت شاربها

عما قليل وأمر الله ينتظر

فدولة القائم المهدي قد أزفت

أيامها في الذي أنبا به الاثر

عن النبيّ وفيها قطع مدتكم

يا آل أغلب أهل الغدر فاقتصروا

وقطع أمر بني العباس بعدكم

وقطع أمر بني مروان إذ بطروا

المالكة : الرسالة. أزفت : قربت وأخبر بقرب قيام المهدي وكان كما قال ، وأدرك قيامه وأيامه ، واستقضاه على الناحية التي كان بها ، ومات في أيامه ، وقد قارب المائة سنة.

ومما قاله قبل ذلك في ظهور المهدي ، قوله في قصيدة :

كأني بشمس الأرض قد طلعت لنا

من الغرب مقرونا إليها هلالها

فيملأ أرض الله قسطا بعدله

بما ضمّ منها سهلها وجبالها

إذ آمن منها ما أخاف وأتقي

فأظفر بالزلفى به وأنا لها

٤٢٦

فقال : شمس الأرض : يعني المهدي على ما قدمنا شرحه وما جاءت به الروايات في ذلك.

وقوله : مقرونا إليها هلالها. فالهلال الذي ذكرناه وليّ عهده القائم من بعده ، وما علمنا أحدا قبله. ذكر مثل ذلك ولحق مما قال بإمامته وظفر بالزلفى لديه به كما ذكرنا عنه. وبما أخبرنا به بعض من أدركنا من شيوخ إفريقيا ممن كان يصحب ولاتها الأغالبة وأقاربهم. وكان الغالب عليهم التشيع. وكان من جملتهم أعني الغالبة رجل يقال له : يعقوب بن المصا ، فأخبرنا من أدركه وصحبه ممن كان يجامعه على التشيع أنه كانت له ضيعة بالساحل ، وبالقرب من الجزيرة التي ابتنيت مدائن من بعد ، فكان إذا خرج الى ضيعته يأتي هذه الجزيرة ، فيصلّي فيها ، ويمشي بها ، وينظر إليها ، ويقول : هذه والله صفة الجزيرة التي يقال إن المهدي يبتني فيها مهدية ، وما أعلم ساحل إفريقيا الذي يقال إن المهدي يبني فيها مدينة موضعا هو أشبه بما وصف من هذه الجزيرة. وكان ابن أحمد المعروف بالحلواني قديم الاختلاف الى حصون الرباط الساحل من وقت حداثته للرباط والحرس. ثم بعد ذلك حصن المفسر منها واشتهر ذكره ، وترأس به فكان يحدث أنه أتى مرة قصر جمة الذي هو بقرب الجزيرة التي بنيت بها المهدية.

قال : وكان لهذا القصر رجل فاضل متعبد يقال له : سليمان الغلفاني ، وكان يغشاه ليتبارك به ، فأتيناه مرة ، فأقمنا بقصر جمة مختلف إليه وكانت الجزيرة بنيت بها المهدية بقرب هذا القصر ينزل بها الروم في فوارن بحلوها ويستترون ، فيختطفون ما قدروا عليه من الناس والأموال.

قال : وكان المرابطون إذا نزلوا قصر جمة في وقت اجتماعهم للمشي بالعدة على ساحل البحر يدخلون هذه الجزيرة ويختبرون أن لا يكون فيها أحد من العدو.

قال : فدخلناها مرة مع الغلفاني ، فاختبرناها فلم نجد فيها أحدا. ثم سرنا مع الغلفاني الى غار كان فيها بالموضع الذي ابتنى فيه المهدي قصره ، فاختبرناه فلم

٤٢٧

نجد به أحدا ، وخرجنا منه وصلّى الغلفاني ركعات عند الغار ، وصلّينا كذلك معه. ثم جلس يحدثنا فكان مما قال : إن الله تعالى سيعرّف (١) هذا الموضع بأحبّ خلق الله إليه.

وهذا مما بلغه على ما قدمنا ذكره وانما جاء مما ذكرناه مما انتهى إلينا من بشرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمهدي وبالائمة من ولده ، وما يكون منه ومنهم في ذلك ، كما بشرت الأنبياء به صلى‌الله‌عليه‌وآله من قبل مبعثه. وكذلك جاءت عنه الأخبار عمن كان آثر العلوم وقبل ذلك في الشعر كما جاء عن أميّة بن أبي الصلت ، وورقة بن نوفل ، وزيد بن عمرو ، وأسعد بن أبي كرب ، وسيف بن ذى يزن ، والقس (٢) بن ساعدة ، وخالد بن سنان ، وغيرهم.

ومما كان في أمر المهدي والائمة من ولده صلوات الله عليهم أجمعين من البراهين والآيات المشاهدة لإمامتهم بعد الذي ذكرناه من خروج المهدي من وطنه الى المغرب في هجرته وما حرسه الله تعالى به وصرفه عنه كيد الظالمين بعد بذلهم المجهود في تطلبه ، وتعمّ الرسل من بين يديه ، بصفته وخبره الى جميع عمالهم ليقبضوا عليه ، وأعمى الله تعالى عيونهم عنه ، ووقاه ، وسلّمه الى أن حلّ مدينة سجلماسة ، وكلما حلّ ببلد أفضل على العامل عليه ، ووصله ، فأهدى إليه ، فمنهم من لم يعرفه واكرمه لذلك ، ومنهم من عرفه وترك التعرض له لما كان منه ومنهم من عرفه ذلك حذره. واخبارهم بذلك مما يطول ذكره ، وذلك كله لما ألقاه الله تعالى في قلوبهم له حتى إذا حلّ سجلماسة عامل ابن مدرار سلطانها بذلك ، فكان يخصه ويكرمه ويوجب حقه الى أن وصلت رسل صاحب بغداد وافريقيا إليه واتصلت الاخبار من جهات كثيرة به ، وبأنه هو الذي يدعو إليه أبو عبد الله ، وأمر بالقبض عليه ، وحذر من أن يفوته أو أن

__________________

(١) هكذا في الاصل.

(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : القيس.

٤٢٨

يداهن في أمره. فسأله عن نفسه ، فعرفه أنه من ولد الحسين عليه‌السلام لصلبه.

فقال : لم لم تعرّفنا بذلك قبل هذا؟

فقال : ما كان لي من حاجة الى ذكر ذلك ، فأذكره [ عند ما ] تسألني عنه ، فاذا سألتني عنه لم يسعني أن أنتفي من [ نسبي ولا ] أن اكتمه ، فأطلعتك على ما سألتني.

فقال له : فهذا الرجل [ يذكر ] ببلد كتامة ، وغلب على نواحي إفريقيا إليك يدعو.

قال : ما رأيت الرجل ولا أعرفه.

وكذلك كأن لم يكن [ يتذكر ] ، كما قدمنا الخبر بذلك. قال : ولكنه بلغني أنه يدعو [ للمهدي ] من آل محمد.

قال : فإنه أخذ إفريقيا وأقبل بعساكره ، وما يدعو إلا إليك.

قال : أهل النسب بالمغرب كثير ، فان كان [ لي يدعو ] نفعتك عنده ، ولم أضرك ، وإن كان الى غيري لم [ يكن لي ] في ذلك مقال.

فحرم الشقي حظه منه وغلبت الشقوة [ عليه ] واختطفه ، وجعل الحرس عليه وأقصاه ، وأظهر جفوته وهرب أبو عبد الله منه ، وكتب إليه بخبر ، فانه إليه جاء ويسأله [ أن لا ] يتعرض ، ويعده بالجميل. فقتل رسل أبي عبد الله ومزق الكتاب وأظهر الغضب والانفة مما كتب به إليه ، وغلّ الله يده عنه ، وقصرها أن يناله بمكروه حتى نزل أبو عبد الله سجلماسة ، وخرج بمجموعة إليه وحاربه. فتغلّب أبو عبد الله عليه وولّى هاربا ، فأدرك فاتي به إليه بعد أن خرج المهدي وتلقاه أولياؤه. وأمر بقتل الفاسق ابن مدرار ، وكان [ قد ] كفّ يده عنه ، وهو في حوزته ، وقد أصرّ عليه لشقوته ، آية عبرة وبرهان للمهدي.

وقد كان أبو عبد الله يقول لاصحابه الذين استجابوا لدعوته : إن الله يحفظ المهدي ويقيه ويدفع عنه حتى يظهر ويعز نصره. فلما رأوا ذلك قويت بصائرهم وخلصت نياتهم ، وكان أبو العباس أخو أبي عبد الله وهو اكبر منه ،

٤٢٩

وأخصّ بالولاية قديما قد قدم مع المهدي حتى وصل معه الى طرابلس. ثم أرسله المهدي الى أخيه مقدما بين يديه ، وهو يومئذ ببلد كتامة ، وكان عزم المهدي أن يقصد قصد أبي عبد الله ، وأراد أن يعرفه ذلك فظهر على أبي العباس بالقيروان. وعلم أنه أخو أبي عبد الله ، وبأنه قدم مع المهدي فعاقبه [ على ] ذلك وأخرجه الى جهة قسطنطينة. فلم ير المهدى أن يقصد الى أبي عبد الله خوفا على أبي العباس أن يعلم بحقيقة أمره فيقتل. فحمل نفسه على المكروه ، وسار الى سجلماسة ، وكتب الى أبي عبد الله بذلك ، وكان أبو العباس رديء السيرة. ولما ثار مدلج على زيادة الله خرج أهل السجن وخرج أبو العباس فيمن خرج وتوجه راجعا الى المشرق ، فلحقه زيادة الله في وقت هروبه بطرابلس ، وقبض عليه ثم خلاه. ولما اجتمع مع أبي عبد الله أحدث نفاقا واستفسد رجال الدولة بعد أن صار المهدي الى إفريقيا ، ووسوس الى أخيه أبي عبد الله واستفسده ، وأراد أن يكون الأمر والنهي والإصدار والإيراد لهما دون المهدي ، وأن يكون المهدي كالمولى عليه معهما. وكان أبو عبد الله قد عوّد شيوخ المياميين قبل ذلك امور عشائرهم بأيديهم والأموال التي أفاء الله بها على وليه في أيديهم. فلما وصل المهدي قبض ذلك ، وصار إليه ، وانفرد بالأمر كما أفرده الله به ، وأخلّ أبو العباس الشيوخ من هذا الوجه ، ويشبه عليهم دلّ اكثرهم عليه ، وعاقده على الوثوب على المهدي كما تعاقد المنافقون على الوثوب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من قبله ، فكلما عقدوا عقدا انحلّ في أيديهم ، وكلما أبرموا أمرا أحلّه الله عليهم ، واذا دخلوا إليه ليخاطبوه بما أبرموه وتوثبوا عليه أفحموا عما أرادوا أن يقولوه ، وغلّت أيديهم عنه ، وهو في ذلك قد علم أمرهم فلم يرعه ذلك ولا غير شيئا من حاله ، وكانوا يدخلون إليه بسلاحهم فلا يحجبهم ، ولا يتعدّاهم ، ولم يبق له على الوفاء بما أخذ له عليهم إلا قليل منهم حتى شتت الله أمرهم ، ومحقهم ، وقتل من قتل منهم ، ثم هرب من هرب منهم عن بابه ، ولحقوا ببلد كتامة ، وأقاموا وغدا من أوغادهم يدعون إليه ، وأحدقوا دعوة ، واستحلّوا فيها المحارم ، وأتوا فيها بالعظائم ، فأخرج

٤٣٠

إليهم المهدي وليّ عهده (١) فهدم جمعهم وقتل رجالهم ، وأسر المناجم فيهم ، وتاب أكثرهم ، فعفا عنهم ، وأصلح امورهم ، وكانت في ذلك آيات وبراهين ومعجزات وأخبار يطول شرحها ويخرج عن حدّ هذا الكتاب استقصاؤها وشرحها.

فأما من ثار عليه وعلى الائمة من ولده من الوثاب ، وخرج عليهم من الخوارج ، وما كان في ذلك أيضا لهم من البراهين فهو ما إن ذكرناه قطع ما أردناه من بسط هذا الكتاب الذي عليه بسطنا وخرج عن حده. وأعظم ذلك ما كان في فتنة الدجال اللعين مخلد في أيام القائم والمنصور والمعز ( صلعم ) لما قام من بعد [ هم ] ، وقد بسطنا من أخبار فتنة الدجال اللعين مخلد ، وما كان من الآيات والبراهين والمعجزات فيها للقائم والمنصور ( صلعم ) كتابا ضخما كبيرا استقصينا فيه جميع ما جرى في ذلك ، وبسطنا أيضا كتابا عددا في سير المعز الى حين انتهى إليه. ومما أفرده الله به وخصه بالفضل فيه ، وما له في ذلك من البراهين الواضحة والشواهد البينة في أقل القليل من ذلك ما يكتفي به أولو الألباب ، ومن هدى الله الى الحق ، ووفق للصواب. وانما رسمنا كتابنا هذا برسم الاختصار والاقتصار على عيون الأخبار ، وإن كان قد طال ، وان كنا قد اختصرنا وتركنا كثيرا مما ينبغي أن نذكره ، فحذفنا ذلك لكثرة فضائل أولياء الله التي قصدنا الى ذكرها ، وما وهبه الله تعالى ، واختصهم به منها ، والله يصل ذلك بالمزيد لهم من فضله كما وعدهم وهو لا يخلف الميعاد.

تمّ الجزء الخامس عشر من كتاب شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار من تأليف سيدنا القاضي النعمان بن محمد قدّس الله روحه وأنعم.

__________________

(١) وهو القائم الفاطمي.

٤٣١
٤٣٢

٤٣٣
٤٣٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[ صفات شيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام ]

[١٢٩٢] [ بشير ] بن أبي بشير (١) قال : تخلفت عن زيارة أبي جعفر محمد بن علي عليه‌السلام سنينا لتعذر الاشياء عليّ. ثم لطفت في شيء حتى اجتمع لي ، فخرجت الى الحج ، فلما قضيت حجي قصدت المدينة الى أبي جعفر عليه‌السلام ، فدخلت عليه ، فقال لي : يا أبا بشير لم أرك سنين؟

فقلت له : جعلت فداك ، كبر سنّي ، ودقّ عظمي ، وقلّت ذات يدي ، فلما كان هذا العام وقع في يدي شيء ، فاشتريت نضوا (٢) وزادا ، وتركت لأهلي نفقة بما شئت عنه اكثر مما ركبته ، فلما قضيت حجي ، قلت : أمرّ بأبي جعفر ، فأقضي من حقه ما يجب.

فقال لي : يا أبا بشير إذا كان يوم القيامة فزعتم إلينا ، وفزعنا الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفزع الى الله ، فأين تذهب يا أبا بشير؟

قلت : الى الجنة.

__________________

(١) وأظنه بشير بن ميمون الوابشي النبال الكوفي. راجع اعيان الشيعة ٣ / ٥٨٦.

(٢) أي بعيرا هزيلا.

٤٣٥

قال : الى الجنة ، والله الى الجنة ، والله الى الجنة ـ يقولها ثلاث ـ.

[ محبة الاخوة ]

[١٢٩٣] [ سماعة ] بن مهران ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : يا سماعة ، كيف حبك لا خوانك؟

قلت : جعلت فداك ، والله اني احبهم وأودهم.

قال : يا سماعة إذا رأيت الرجل شديد الحبّ لاخوانه فهكذا هو في دينه.

يا سماعة إن الله يبعث شيعتنا يوم القيامة على ما فيهم من عيوب ، ولهم من ذنوب ، مبيضة وجوههم ، مستورة عوراتهم ، آمنة روعاتهم قد سهلت مواردهم وذهبت عنهم الشدائد ، يحزن الناس ولا يحزنون ، يفزع الناس ولا يفزعون ، وذلك قوله تعالى ( مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ) (١).

[ أعينونا بورع واجتهاد ]

[١٢٩٤] عمران بن مقدم ، قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام ، يقول : خرجت مع أبي الى مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى إذا كنا بين القبر والمنبر نظر الى ناس من أصحابه ، فدنا منهم وسلّم عليهم.

ثم قال لهم : إني والله احبّ ريحكم وأرواحكم ، فأعينونا على ذلك بورع واجتهاد. [ واعلموا أن ولايتنا لا تنال إلا بالعمل والاجتهاد ] (٢) أنتم والله شيعتنا ، فأنتم شرطة الله ، وأنتم أنصار الله ،

__________________

(١) النمل : ٨٩.

(٢) ما بين المعقوفتين من أمالي الصدوق ص ٥٠٠.

٤٣٦

وأنتم السابقون الأولون [ والسابقون ] الآخرون ، السابقون في الدنيا الى الخير ، والسابقون في الآخرة الى الجنة. ضمنّا لكم (١) الجنة بضمان الله ، وضمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

والله ما على درج الجنة اكثر أرواحا منكم ، وانكم لفي الجنة. فتنافسوا في الدرجات أنتم الطيبون ، ونساؤكم الطيبات ، كل مؤمنة حوراء عينا ، وكل مؤمن صديقكم.

ولقد قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أبشروا فو الله لقد مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو راض عنكم أيها الشيعة ، ألا إن لكل شيء ذروة (٢) ، وذروة الإسلام الشيعة ، ألا لكل شيء دعامة ، ودعامة الإسلام الشيعة ، ألا إن لكل شيء شرف ، وشرف الاسلام الشيعة ، ألا إن لكل شيء سيد ، وسيد المجالس الشيعة ، ألا إن لكل شيء أمانا ، وأمان الأرض الشيعة.

والله لو لا من في الارض منكم ما استكمل أهل خلاقكم [ ولا أصابوا ] الطيبات ما لهم في الدنيا ، وما في الآخرة نصيب ، كل ناصب وان تعبّد واجتهد منسوب الى هذه الآية ( عامِلَةٌ ناصِبَةٌ. تَصْلى ناراً حامِيَةً ) (٣).

[ ضبط الغريب ]

قوله : ذروة الإسلام الشيعة. ذروة كل شيء أعلاه ، ودعامة الشيء : أصله الذي يثبت عليه. والناصب هو الذي نصب العداوة لآل محمد ، وقد

__________________

(١) هكذا صححناه وفي الاصل : هنيئا لكم.

(٢) وفي أمالى الصدوق : لكل شيء عروة.

(٣) الغاشية : ٣ و ٤.

٤٣٧

أمر الله تعالى في كتابه بمودتهم ، فمن عاداهم فقد خالف الله ورسوله وكتابه ولم ينفعه عمل يعمله ما كان مصرا على ذلك غير تائب.

وقوله : وأنتم شرطة الله ، القيام بأمره من ذلك. شرطة الجيش : هم شراطة السلطان الذين يقومون بالامور.

[ من مات على الولاية ]

[١٢٩٥] موسى بن عباس ، باسناده ، أنه قال لي أبو عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام : من مات منكم على أمرنا كمن ضرب فسطاطه الى روات القائم ، بل بمنزلة من استشهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

[١٢٩٦] [ حماد ] بن أعين ، قال : قال أبو عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام : أما ترضون ـ يعني الشيعة ـ أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتكفوا ألسنتكم ، فتدخلوا الجنة.

أما ترضون بأن يأتي قوم يلعن بعضهم بعضا. ألا أنتم ومن قال مثل قولكم من مات منكم على أمرنا هذا كان بمنزلة من استشهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

[ من سرّ أخاه المؤمن ]

[١٢٩٧] أبو بصير ، عن أبي حمزة ، قال : دخلت على أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام وعنده أبان ، فقال له أبان : حدثني جعلت فداك عن فضل المؤمن.

قال : نعم يا أبان. المؤمن منكم إذا توفي أتاه رجل في أحسن ما يكون من الصور إليه في حين خروج نفسه ، وعند دخوله قبره ، وعند

__________________

(١) وفي البرهان ٤ / ٢٩٣ : على هذا الأمر لشهيد بمنزلة الضارب بسيف في سبيل الله.

٤٣٨

نشوره ، وعند وقوفه بين يدي ربه ، فيقول : ابشر يا وليّ الله بكرامته ورضوانه.

فيقول له المؤمن : يا عبد الله ، ما أحسن صورتك وأطيب رائحتك ، وتبشرني عند خروج نفسي ، وعند دخول قبري ، وعند نشوري ، وعند موقفي بين يدي ربي ، فمن أنت جزيت خيرا؟

فيقول له : أنا السرور الذي أدخلته على فلان يوم كذا وكذا ، بعثني الله إليك لأقيك الأهوال حتى تلقاه.

يا أبان ، المؤمن منكم إذا مات عرج الملكان ، فيقولان : إنا كنا مع وليّ لك ، فنعم المولى كنت له ، وقد أمرت بقبض روحه ، وجئنا أن نعبدك في سماواتك. فيقول تعالى : لا حاجة لي أن تعبداني في سماواتي يعبدني غيركما ، ولكن اهبطا الى قبر وليي ، وآنساه ، وصلّيا عليه في قبره الى يوم أبعثه. فيصلّي ملك عند رأسه ، وملك عند رجليه ، الركعة من صلاتهما أفضل من سبعين ركعة من صلاة الآدميين.

[ مقام الموالي ]

[١٢٩٨] زيد بن أرقم ، قال : قال الحسين عليه‌السلام : ما من شيعتنا إلا صدّيق وشهيد.

[ قلت ] : جعلت فداك أنّى يكون ذلك ، وهم يموتون على فراشهم؟

فقال : أما تتلو كتاب الله تعالى في الذين آمنوا بالله ورسوله : ( أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ) (١).

قلت : جعلت فداك ، كأني والله ما قرأت هذه الآية [ من كتاب

__________________

(١) الحديد : ١٩.

٤٣٩

الله ] قط.

قال : إنه لو لم يكن الشهداء إلا من قتل بالسيف لقال الله الشهداء (١).

[ الشرح ]

وهذا خبر يحتاج الى الشرح. ومجمل [ القول ] : الشهداء والصدّيقون هم الائمة من آل محمد في كل قرن منهم شهيد كما قال الله تعالى ( جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ) (٢) يعني الذين هم في عصره لان قوله هؤلاء لا يكون إلا لقوم أشار إليهم قد حضروا ولا يكون لمن لم يأت بعد ، والشهيد على كل امة امام زمانهم والائمة هم الشهداء لقول الله تعالى : ( وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ ) (٣) والنبيّون هم الرسل الى العباد ، والشهداء هم الائمة بين كل نبيين وبعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من ذريته الى أن تقوم الساعة لقول الله تعالى ( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) (٤) عنى به الائمة ، فهم رءوس المؤمنين. واسم الايمان يجمع الرسل والائمة وسائر المؤمنين لانهم كلهم آمنوا بالله والائمة أيضا هم الصدّيقون بالحقيقة لانهم صدّقوا الرسول بما بلغوا عنهم وقاموا بما قاموا له من دين الله الذي شرعه لعباده بهم ، وهم الشهداء عليهم ، كل امام شاهد على أهل عصره يشهد لهم وعليهم عند الله تعالى بما شاهد من أعمالهم والله تعالى أعلم بذلك من الخلق أجمعين ولا يسأل عما يفعل كما قال الله تعالى ( وَهُمْ يُسْئَلُونَ ) ، ولا يكون الشاهد إلا على من شاهده ورآه ووقف عليه.

__________________

(١) وفي البرهان ٤ / ٢٩٢ : قال : لو كان ليس إلا كما تقولون كان الشهداء قليلا.

(٢) النساء : ٤١.

(٣) الزمر : ٦٩.

(٤) الحديد : ١٩.

٤٤٠