شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٩٩

امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد.

[٩٥٤] الليث بن سعد ، باسناده ، عن [ ابن ] (١) شهاب ، قال : بلغنا أن خديجة كانت أول من آمن بالله ورسوله ، وماتت قبل أن تفرض الصلاة.

[٩٥٥] وكيع ، باسناده ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لخديجة : يا خديجة ، هذا جبرائيل يخبرني أن الله عزّ وجلّ أرسله إليك بالسلام.

فقالت خديجة : الله السلام ولله السلام وعلى جبرائيل السلام.

[٩٥٦] عبد الرحمن بن صالح ، باسناده ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر يوما خديجة فأثنى عليها ، وعائشة تسمع.

فقالت عائشة : عجبا منك كان رجلا لم يتزوج قبلك ذات وجنتين.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أذكرتيها يا عائشة؟

وغضب فاشتدّ غضبه.

قال : والله لقد كانت أول من آمن بي ، وصدّقني وتبعني.

فقالت عائشة : أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله.

فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تعودي يا عائشة أن تذكري خديجة إلا بما هي أهله.

فقالت عائشة : والله لا أعود الى ذلك أبدا.

[٩٥٧] وبآخر ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه ذكر يوما خديجة ، فترحم عليها ، وذكر محاسن أفعالها ، فغارت عائشة لذلك.

قالت : ليت شعري ، ما يذكرك من عجوز حمراء الشدقين قد

__________________

(١) هكذا صححناه وفي الاصل : أبي. ولد ٦١ ه‍.

٢١

أبدلك الله عزّ وجلّ بها من هو خير منها! فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غضبا شديدا.

قال : لا والله ما بدلت خيرا منها لقد آمنت بي قبل أن تر مني ، وصدّقتني قبل أن تصدّقن ، ورزقت مني من الولد ما قد حرمتنّ.

فقالت عائشة : والله لا أذكرها بعد هذا بسوء يا رسول الله.

فخديجة رضوان الله عليها ولدت الأئمة ، وكانت أول من آمن من الامة والله عزّ وجلّ يقول وهو أصدق القائلين : ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (١) وبشرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالجنة وآتاها جبرائيل عليه‌السلام عن الله عزّ وجلّ ، وأنفقت مالها في سبيل الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله . وكانت أول من عرفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من النساء وبنى بها منهن ، لم يعرف من النساء امرأة قبلها. وكانت أحبّ أزواجه إليه وأكرمهن عليه وأفضلهن عنده وأم بنيه وبناته ومسليته كما ذكر صلى‌الله‌عليه‌وآله ومفرجة غمومه. ولم يكن بينه وبينها اختلاف أيام حياتها حتى قبضت وهو عنها راض ولها شاكر رحمة الله ورضوانه عليها.

__________________

(١) الواقعة : ١١.

٢٢

فاطمة الزهراء عليها السلام

[ ذكر فضل فاطمة بنت رسول الله ]

كانت أحبّ بناته إليه وأكرمهن عليه ، وخصّ الله عزّ وجلّ بها وصيه وخليفته من بعده على امته ، وهي أمّ الأئمة من ذريته. ولها من الفضل ما يطول ذكره. فمن ذلك ما رواه.

[٩٥٨] الدغشي ، عن عائشة ، أنها قالت : أقبلت يوما فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، تمشي ـ كأن مشيتها مشيته ـ فلما رآها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : مرحبا يا بنتي.

ثم أجلسها الى جانبه ، فأسرّ إليها سرا. فبكت [ بكاء شديدا ] (١).

فقلت لها : سبحان الله ، خصّك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بسره وتبكين.

ثم أقبل عليها رسول الله ، فأسرّ إليها سرا أيضا ، فضحكت.

فقلت : ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن وضحكا أقرب من بكاء.

ثم سألتها بعد ذلك عما أسره إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقالت : ما كنت لأفشي سره في أيام حياته.

__________________

(١) حلية الاولياء ٢ / ٢٩.

٢٣

فلما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سألتها عن ذلك.

فقالت : إنه أسرّ إليّ : يا فاطمة ، إن جبرائيل عليه‌السلام كان يعارضني بالقرآن في كل عام مرة ، وإنه عارضني به في هذا العام مرتين لا أراني إلا وقد حضر أجلي وإنك أول أهل بيتي لحوقا بي ، فبكيت. ثم أسرّ لي ثانيا ، فقال لي : يا فاطمة ، إني لك نعم السلف أوما ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الامة ـ أو قال : نساء المؤمنين ـ فسررت بذلك ، وضحكت.

[٩٥٩] وبآخر ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه نظر يوما الى فاطمة عليها‌السلام ، فقال لها :

يا فاطمة إنك سدت نساء امتي كما سادت مريم ابنة عمران على نساء [ عالمها ] (١).

[ الرسول يسقي الحسن ]

[٩٦٠] وبآخر ، عن علي صلوات الله عليه ، أنه قال : زارنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاستسقى الحسن. فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى [ منحة ] (٢) لنا بكية (٣) ، فمصّ منها في قدح ، وأتى به الحسن ، فقام إليه الحسين ، فنال بيده إليه بكفه.

فقالت فاطمة : كأن الحسن أحبهما إليك يا رسول الله؟

قال : لا ، إلا أنه هو الذي استسقاه ، اني وإياك وهذان ـ يعني

__________________

(١) هكذا صححناه وفي الاصل : العالمين.

(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : مبنحه. والمنحة : أن يمنح الرجل أخاه ناقة أو شاة يحلبها زمانا وأياما ثم يردها.

(٣) وفي بحار الانوار ٣٧ / ٧٢ الحديث ٣٩ : فقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الى شاة لنا بكيء ، فدرت.

٢٤

الحسن والحسين ـ وهذا ـ وأومى إليّ ـ في الجنة في مكان واحد [ يوم القيامة ] (١).

[ ضبط الغريب ]

قوله : منحة لنا بكية يعني : شاة للحلب ، قليلة اللبن في الضرع بغير درة فيه. ويقال منه : مصّ صلبه : الشيء إذا أعطاه إياه قليلا قليلا.

والمصّ أيضا : الحلب الذي باصبعين.

[٩٦١] وبآخر ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال : سيد اشباب أهل الجنة الحسن والحسين إلا ابني الخالة يحيى وعيسى. وامهما سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم ابنة عمران (٢).

[ حديث الدينار ]

[٩٦٢] وبآخر ، عن عبد الله بن مسعود (٣) ، قال : جاء علي عليه‌السلام الى أبي ثعلبة الجهني ، فقال له : يا أبا ثعلبة ، أقرضني دينارا.

قال : أمن حاجة ، يا أبا الحسن؟

قال [ أمير المؤمنين ] : نعم.

قال : فشطر مالي لك ، فخذه حلالا في الدنيا والآخرة.

فقال له علي عليه‌السلام : ما بي حاجة الي غير ما سألتك.

قال : فربع مالي أو ما أردت منه خذه حلالا في الدنيا والآخرة.

قال : ما اريد غير قرض دينار ، فإن فعلت ، وإلا انصرف.

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ١ / ١٠١.

(٢) وجملة : وامهما سيدة ... الخ لم تكن في بحار الانوار ٤٣ / ٣١٦.

(٣) وهو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب ، أبو عبد الرحمن الهذلي توفي ٣٣ ه‍.

٢٥

فدفع إليه دينارا واحدا ، فأخذه ليشتري به لأهله ما يقوتهم وقد مضت لهم ثلاثة أيام لم يطعموا شيئا. فمرّ بالمقداد قاعدا في ظل جدار قد غارتا عيناه من الجوع.

فقال له علي عليه‌السلام : يا مقداد ما أقعدك في هذه الظهيرة في ظل هذا الجدار.

قال : يا أبا الحسن ، أقول كما قال العبد الصالح لما تولى الى الظل ( رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) (١).

قال : مذ كم يا مقداد؟

قال : مذ أربع ، يا أبا الحسن.

قال علي عليه‌السلام : فنحن مذ ثلاث وأنت مذ أربع ، أنت أحق بالدينار.

فأعطاه الدينار ، ومضى علي عليه‌السلام الى المسجد فصلّى فيه الظهر والعصر والمغرب مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله [ وكان ذلك اليوم صائما ، فأتاه جبرائيل عليه‌السلام فقال : يا محمد يكون إفطارك الليلة عند علي وفاطمة عليهما‌السلام : فلما قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة المغرب أخذ بيد علي ومشى معه الى منزله ودخلا.

فقالت فاطمة : وا سوأتاه من رسول الله أما علم أبو الحسن أنه ليس في منزلنا شيء.

ودخلت الي البيت ، فصلّت ركعتين ، ثم قالت :

اللهمّ إنك تعلم أن هذا محمد رسولك ، وأن هذا صهره علي وليك ، وأن هذين الحسن والحسين سبطا نبيك ، وأني فاطمة بنت نبيك ، وقد نزل بي من الأمر ما أنت أعلم به مني ، اللهمّ فأنزل علينا

__________________

(١) القصص : ٢٤.

٢٦

مائدة من السماء كما أنزلتها على بني إسرائيل ، اللهمّ إن بني إسرائيل كفروا بها وإنا لا نكفر بها.

ثم التفت ، فإذا هي بصحفة (١) مملؤة ثريد عليها عراق كثير تفور من غير نار ، تفوح منها رائحة المسك. فحمدت الله وشكرته واحتملتها ، فوضعتها بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي عليه‌السلام ودعت الحسن والحسين عليهما‌السلام ، وجلست معهم. فجعل علي يأكل وينظر إليها.

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبا الحسن كل ولا تسأل حبيبتي عن شيء. فالحمد لله الذي رأيت في منزلك مثل مريم بنت عمران : ( كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) (٢) هذا يا أبا الحسن بالدينار الذي أعطيته المقداد. قسمه الله عزّ وجلّ على خمسة وعشرين جزء. عجّل لك منها جزء في الدنيا ، وأخّر لك أربعة وعشرين منها الى الآخرة.

[ فدك لفاطمة ]

[٩٦٣] وبآخر ، عن أبي سعيد الخدري ، أن الله عزّ وجلّ لما أنزل على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) (٣) دعا فاطمة ، فأعطاها فدكا.

[٩٦٤] الحكم بن سليمان ، باسناده ، عن علي عليه‌السلام ، أنه قال :

__________________

(١) وفي بحار الانوار ٤٣ / ٣١ : فاذا بجفنة من خبز ولحم.

(٢) آل عمران : ٣٧.

(٣) الاسراء : ٢٦.

٢٧

زوّجني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خير نساء هذه الامة ، وأنا خير الوصيين.

[ الله يأمر بتزويج فاطمة ]

[٩٦٥] عن النور ، باسناده ، عن عمر بن الخطاب ، أنه ذكر عليا ، فقال : صهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نزل جبرائيل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال :

يا محمد ، إن الله يأمرك أن تزوج فاطمة من علي.

[٩٦٦] الفضل بن دكين (١) ، باسناده ، عن عبد الله بن عباس ، أنه قال :

لما زفّت فاطمة الى علي عليه‌السلام كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قدامها (٢) ، وجبرائيل عن يمينها ، وميكائيل عن شمالها ، وسبعون الف ملك من خلفها يسبحون الله ويقدّسونه حتى طلع الفجر.

[ ليلة زفاف فاطمة ]

[٩٦٧] ابن الأعرابي ، باسناده ، عن أسماء بنت عميس (٣) ، أنها قالت : كنت فيمن زفّت فاطمة الى علي عليه‌السلام ، فلما دخلت بيتها أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى دخل عليها ، فدعا بماء ، فذكر اسم الله عليه ، ثم شرب منه ، ومجّ من الماء فيما بين درع فاطمة وبدنها ، ثم مجّ منه أيضا فيما بين سربال علي وبدنه.

__________________

(١) وهو أبو نعيم ، الفضل بن دكين ـ عمرو ـ بن حماد بن زهير التميمي ، ولد ١٣٠ ه‍ وتوفي ٢١٨ ه‍ وهو من كبار شيوخ البخاري.

(٢) وفي ذخائر العقبى : أمامها.

(٣) راجع الهامش الثاني من صحفة ٥٧ حول أسماء بنت عميس.

٢٨

ثم قال : اللهمّ احفظ أهل البيت ، وبارك فيهم وبارك عليهم ، واجعلهم مباركين أين كانوا.

ثم جزى الله أسماء وصويحباتها خيرا.

[٩٦٨] أحمد بن الطبري ، باسناده ، عن أنس بن مالك ، قال : سألت أمي عن صفة فاطمة عليها‌السلام.

فقالت : بيضاء بيضة كأنها القمر في ليلة التمام ، والشمس إذا خرجت من السحاب (١).

[ يغضب الله لغضب فاطمة ]

[٩٦٩] جعفر بن محمد ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لفاطمة : يا فاطمة إن الله عزّ وجلّ ليغضب لغضبك ، ويرضى لرضاك.

فقيل : إن بعض موالي (٢) جعفر بن محمد عليه‌السلام بلغه هذا الحديث ، فأتاه.

فقال : ما هذا الحديث الذي يحدّث عنك بعض فتبان قريش؟

قال : وما هو؟

قال : يزعمون أنك حدّثتهم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لفاطمة عليها‌السلام : إن الله ليغضب لغضبك.

قال : نعم ، قد حدثتهم بذلك ، فما أردت بسؤالك عن ذلك؟

__________________

(١) وفي دلائل الامامة ص ٧٥ : بيضاء مشربة حمرة لها شعر أسود.

قال عبد الله : فكانت والله كما قال الشاعر :

بيضاء تحسب من قيام شهرها

وتغيب فيه وهو داج أسحم

فكأنها فيه نهار مشرق

وكأنه ليل عليها مظلم

(٢) أمالي الصدوق ص ٣١٤ : هو صندل.

٢٩

قال : سمعت قوما ينكرونه.

قال : أو ليس قد جاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال :

إن الله عزّ وجلّ ليغضب لعبده المؤمن [ ويرضى لرضاه ] ، فما أنكروا أن تكون فاطمة أحد المؤمنين [ يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها ] (١).

قال الموالي : الله أعلم حيث يجعل رسالته.

[ فاطمة بضعة مني ]

[٩٧٠] حسن بن زيد ، عن جعفر بن محمد عليه‌السلام ، أنه قال ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

إنما فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ، ومن أحبها فقد أحبني ، ومن سرها فقد سرني (٢).

[ فاطمة وأسماء ]

[٩٧١] موسى بن أيوب ، باسناده ، عن أسماء ابنة عميس ، أنها قالت : لما اشتكت فاطمة عليها‌السلام شكواها التي توفيت فيها.

قالت لي : وا سوأتاه ، فما يصنع بالنساء إذا متن؟

قالت : وكنّ يحملن على سرير الموتى وعليهم ثوب.

فقلت لها : ألا اريك شيئا رأيته إذ كنت مع ابن عمك بأرض الحبشة يصنعونه بالنساء إذا حملن.

قالت : نعم.

__________________

(١) أمالي الصدوق : ص ٣١٤.

(٢) قال الشاعر :

وقد علموا أن النبي يسره

مسرتها جدا ويشنى اغتمامها

٣٠

فدعوت بجريد [ رطبة ] ، وعملت نعشا ثم أراءتها إياه ، فاستحسنته وقالت : نعم ، اجعلي هذا عليّ ولا يلي غسلي إلا علي وأنت.

وأمرت صلوات الله عليها بأن تدفن ليلا.

فدفنت ليلا ، ولم يصلّ أحد منهم عليها ، ولا عرفوا مكان قبرها ... وقالوا في ذلك لعلي عليه‌السلام ، فقال : بذلك أوصت.

وكان الذي بين وفاتها ووفات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سبعين يوما.

[٩٧٢] سفيان ، باسناده ، أن عليا عليه‌السلام ذكرت له بنت أبي جهل ، فأراد أن ينكحها ، فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال على المنبر ـ وعلي عليه‌السلام يسمعه ـ : ألا وإنه انتهى إليّ أن عليا أراد أن ينكح العوراء ابنة أبي جهل ، ولم يكن له أن يجمع بين بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبنت عدو الله ، وإنما فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد أغضبني (١).

__________________

(١) ومحصل ما قاله السيد المرتضى في تنزيه الأنبياء ص ٢١٢ :

إن هذا الخبر من الاخبار الموضوعة وينحصر راويه بالكرابيسي وهو من العامة مستدلا به للنيل من مقام أمير المؤمنين عليه‌السلام مما يشهد العقل بكذبه وفساده ، وهي امور :

١ ـ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا ينكر ما اباحه الاسلام ، فللرجل أن يتزوج أربعا فكيف ينكر الرسول هذا المباح ويعلن بذلك على المنابر.

٢ ـ أن الخبر يتضمن الطعن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لانه انما زوج فاطمة عليها‌السلام من أمير المؤمنين بعد أن اختار الله لها ذلك ، ومن المعلوم أن الله لا يختار لها من بين الخلائق من يؤذيها ويغمها ، وهذا أدل دليل على كذب القصة.

٣ ـ أنه لم يعهد من أمير المؤمنين عليه‌السلام خلاف على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا كان ، فكيف يتصور منه هذه المخالفة التي توجب تأثر الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد ذكر ذلك المؤلف في الرواية المشابهة (٩٨٧) قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : ما كنت لآتي شيئا تكرهه يا رسول الله.

٤ ـ أنه لو صحّ ذلك لانتهزه الاعداء من بني أميّة وأتباعهم للطعن به على أمير المؤمنين في الوقت الذي لم نعثر على من يرويه سوى الكرابيسي.

٣١

فماتت صلوات الله عليها وهي غضباء على جميعهم لما [ منعوها وأخذوا ] (١) من حقها ، واستنصرت بهم فلم تجد أحدا ينصرها. ومن أجل ذلك منعتهم الصلاة عليها ، وأوصت أن تدفن ليلا كما جاء ذلك ، ولم يشهدها غير علي عليه‌السلام وخاصته وذلك لما كان من أمرها.

[ مطالبتها بالميراث ]

[٩٧٣] مما رواه محمد بن سلام بن سار الكوفي ، باسناده ، عنها عليها‌السلام ، أنه لما أمر أبو بكر بأخذ فدك (٢) من يديها ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقطعها إياها لما أنزل الله عزّ وجلّ ( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) (٣) فكانت مما أفاء الله عزّ وجلّ عليه.

فقال أبو بكر : هي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فشهد علي عليه‌السلام وأم أيمن ـ وهي ممن شهد له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالجنة ـ إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقطعها ذلك فاطمة عليها‌السلام.

فردّ أبو بكر شهادتها ، وقال : علي جار الى نفسه وشهادة أم أيمن وحدها لا تجوز.

فقالت فاطمة عليها‌السلام : إن لا يكن ذلك ، فميراثي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

(١) وفي الاصل : لما منعته وأخذ من حقها.

(٢) واحة في الحجاز على مقربة من خيبر ، كان أهلها من المزارعين اليهود اشتهرت قديما بثمرها وقمحها ، أرسل النبي عليا على رأس مائة من رجاله لمحاربتهم ثم صالحهم على املاكهم سنة ٧ ه‍ ، فوهبا لفاطمة الزهراء وجعلت فاطمة عاملها فيها. وبعد وفاة الرسول طرف عاملها وصادروها.

(٣) الاسراء : ٢٦.

٣٢

فقال : إن الأنبياء لا يورثون.

وهذا خلاف كتاب الله عزّ وجلّ لأنه يقول جلّ من قائل : ( وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ) (١) وقال حكاية عن زكريا عليه‌السلام : ( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) (٢). وذكر فرض المواريث ذكرا عاما لم يستثن فيها أحدا.

خرجت صلوات الله عليها في ذلك الى مجلس أبي بكر ، واحتجت فيه عليه ، فلم ينصرف الى قولها واستنصرت الامة فلم تجد لها ناصرا ، فلذلك ولما هو أعظم وأجلّ منه في الاستيثار بحق بعلها ، وبينها لزمت فراشها أسفا وكمدا (٣) حتى لحقت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد سبعين يوما من وفاته غما وحزنا عليه ، وهي ساخطة على الامة لما اضطهدته فيها وابتزته من حق بعلها وبنيها.

__________________

(١) النمل : ١٦.

(٢) مريم : ٦.

(٣) لقد أجمل المؤلف الكلام هنا ، وليس ملازمتها الفراش لما ذكره فحسب ، بل عوامل اخرى أجاد الشاعر بيانها قائلا :

وللسياط رنة صداها

في مسمع الدهر فما أشجاها

والأثر الباقي كمثل الدملج

في عضد الزهراء أقوى الحجج

ومن سواد متنها اسود الفضا

يا ساعد الله الامام المرتضى

ولست أدري خبر المسمار

سل صدرها خزانة الأسرار

وفي جنين المجد ما يدمي الحشى

وهل لهم إخفاء أمر قد فشى

والباب والجدار والدماء

شهود صدق ما به خفاء

لقد جنى الجاني على جنينها

فاندكت الجبال من حنينها

ورضّ تلك الاضلع الزكية

رزية ما مثلها رزية

وجاوز الحدّ بلطم الخدّ

شلت يد الطغيان والتعدي

فاحمرت العين وعين المعرفة

تذرف بالدمع على تلك الصفة

فإن كسر الظلع ليس ينجبر

إلا بصمصام عزيز مقتدر

أهكذا يصنع بابنة النبي

حرصا على الملك فيا للعجب

٣٣

[ خطبة الزهراء ]

[٩٧٤] [ وروى ] (١) محمد بن سلام ، باسناده ، عن فاطمة عليها‌السلام ، أنه لما اعتزم أبو بكر على منعها فدك والعوالي (٢). لاءت خمارها على رأسها [ واشتملت بجلبابها ] ، ثم أقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم من مشية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مشيتها حتى انتهت إلى أبي بكر ، وهو في حشد من المهاجرين والأنصار. فنيطت دونها ودون الناس ملاءة. [ فجلست ] ثم أنّت أنّة أجهش القوم لها بالبكاء [ فارتجّ المجلس ].

فأمسكت حتى سكن نشيج القوم ، وهدأت فورتهم. ثم افتتحت الكلام بالحمد لله والثناء عليه بما هو أهله ، والصلاة على نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله . فعلت أصوات الناس بالبكاء عند ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . فأمسكت حتى سكنوا ثم قالت :

[ أيها الناس اعلموا أني فاطمة وأبي محمد ، أقول عودا وبدء ، ولا أقول ما أقول غلطا ، ولا أفعل ما أفعل شططا ] (٣) بسم الله الرحمن

__________________

(١) وفي الاصل : واه.

(٢) العوالي : ضيعة عامر بينها وبين المدينة ثلاثة أميال. ( عمدة الاخبار للعباسي ص ٣٧٤ ).

(٣) ما بين المعقوفتين من دلائل الامامة.

٣٤

الرحيم ( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) (١). فإن تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم ، وأخا ابن عمي دون رجالكم ، قد بلغ النذارة صادعا بالرسالة ، سائلا عن مدرجة المشركين ، حائدا عن سنتهم ، ضاربا ثبجهم (٢) ، وآخذا بأكظامهم ، يجذ الهام ويكبّ الاصنام ، حتى انهزم الجمع وولّوا الدبر ، وأوضح الليل عن صبحه ، وأسفر الحق عن محضه ، ونطق زعيم الدين ، وخرست شقاشق الشياطين ، وفهتم بكلمة الإخلاص ، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم ، مذقة الشارب ، ونهزة الطامع ، وقبسة العجلان ، وموطأ الإقدام ، تشربون الطرق ، وتقتاتون القد ، أذلة خاشعين ، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم ، فأنقذكم الله برسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد اللتيا والتي ، وبعد أن مني ببهم الرجال ، وذؤبان العرب ، وبعد لفيف من ذوايب العرب ، كلما أحشوا نارا للحرب أو نجم قرن للضلالة أو فغرت فاغرة للمشركين [ فاها ] قذف أخاه عليا في لهواتها ، فلا ينكفئ حتى يطأ سماكها بأخمصه ، ويخمد حرّ لهبها بحده ، مكدودا في ذات الله [ مجتهدا في أمر الله ، قريبا من رسول الله ، سيدا في أولياء الله ] مشمرا ناصحا ، وأنتم في رفاهية ، وادعون آمنون ، حتى إذا اختار الله لنبيه دار أوليائه ومحل أنبيائه ، ظهرت حسكة النفاق واستهتك جلباب الدين ونطق كاظم الغاوين ، ونبغ خامل الآفلين ، وهذر فنيق المبطلين ، يخطر في عرصاتكم وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه صارخا بكم ، فوجدكم لدعائه مجيبين ولعزمه متطاولين ، واستنهضكم فوجدكم خفافا ،

__________________

(١) التوبة : ١٢٨.

(٢) وفي الاصل : اشجعم.

٣٥

وأحمشكم فألفاكم غضابا ، فوسمتم غير إبلكم ، ووردتم غير شربكم ، هذا ، والعهد قريب والكلم رحيب ، والجرح لما يندمل [ والرسول لما يقبر ].

حذرا زعمتم خوف الفتنة ، ألا في الفتنة سقطوا ، وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ، فهيهات [ منكم ، وكيف ] بكم وأنى لكم أنى تؤفكون ، وكتاب الله بين أظهركم [ اموره ظاهرة ، وأحكامه زاهرة ، وأعلامه باهرة ] وزواجره بينة ، وشواهده لائحة ، وأوامره واضحة. أرغبة عنه تريدون أم بغيره تحكمون؟ بئس للظالمين بدلا.

ألا ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين.

ثم أنتم هؤلاء تزعمون أن لا إرث لنا ، أفحكم الجاهلية تبغون؟ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟

إيها معاشر [ الناس ] أبتزّ إرثيه.

[ يا ابن أبي قحافة ] أفي الكتاب أن ترث أباك ولا أرث أبي! لقد جئت شيئا فريا.

[ جرأة منكم على قطيعة الرحم ونكث العهد.

أفعلي عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم ، إذ يقول :

( وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ) (١) وفيما اقتصّ من خبر يحيى وزكريا إذ يقول ( قالَ رَبِ ) ( ... فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا. يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) (٢) وقال عزّ وجلّ : ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) (٣) وقال تعالى : ( إِنْ تَرَكَ خَيْراً

__________________

(١) النمل : ١٦.

(٢) مريم : ٣ ـ ٦.

(٣) النساء : ١١.

٣٦

الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (١).

وزعمتم أن لا حظّ لي ولا إرث من أبي. أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟ أم تقولون : إن أهل ملّتين لا يتوارثان؟

أو لست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة؟ أم أنتم بخصوص القرآن وعمومه أعلم ممن جاء به ] (٢).

فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك. فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد ، والموعد يوم القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون ، ولكلّ نبأ مستقر ، وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم.

ثم عدلت صلوات الله عليها الى مجلس الأنصار ، فقالت :

معاشر [ النقيبة ] (٣) وأعضاد الملّة وحصون الإسلام ما هذه الفترة في حقي والسنة عن ضلامتي؟ أما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله [ أبي يقول : المرء ] (٤) يحفظ في ولده.

سرعان ما نسيتم وعجلان ما أحدثتم. ثم تقولون مات محمد فخطب جليل استوسع وهيه ، واستشمر فتقه لفقدان راتقه فاظلمت البلاد لغيبته واكتأب خيرة الله لموته (٥) واكدت الآمال واطيع الحريم وزالت الحرمة عند مماته صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فتلك نازلة أعلن بها كتاب الله في [ افنيتكم ] (٦) ، وعند ممساكم

__________________

(١) البقرة : ١٨٠.

(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الاصل ، ونقلناها من دلائل الامامة.

(٣) وفي الاصل : البقية.

(٤) سقط من الاصل ، ونقلناها من دلائل الامامة.

(٥) هكذا صححناه وفي الاصلى : واكتابت خيرة الله في خلقه.

(٦) وفي الاصل : افيتكم.

٣٧

ومصبحكم هاتفا بكم ولقبل ما حلّ بأنبياء الله ورسله. ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) (١).

[ إيها بني قيلة! أأهضم ] (٢) تراث أبي؟ وأنتم بمرأى ومسمع تشملكم الدعوة ، وفيكم [ العدة ] والعدد ولكم الدار ، وأنتم نخبة الله التي انتخب لدينه وأنصار رسوله والخيرة التي اختار لنا أهل البيت ، فنابذتم [ فينا ] العرب ، وكافحتم الامم ، حتى دارت بكم وبنا (٣) رحى الإسلام ، وخضعت رقاب أهل الشرك ، وخبت نيران الباطل ، ووهنت دعوته ، واستوسق نظام الدين ، فنكصتم بعد الإقدام ، وأسررتم بعد البيان لقوم نكثوا أيمانهم ( أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (٤).

[ ألا لا أرى والله إلا أن أخلدتم الى الخفض وركنتم الى الدعة فمججتم الذي استرعيتم ، ولفظتم الذي سوغتم ( إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ. أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ ) (٥) ( وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ )] (٦).

__________________

(١) آل عمران : ١٤٤.

(٢) هكذا في بلاغة النساء وفي الاصل : ابني قبلة اهتضم.

(٣) وفي الاصل : لكم بنا.

(٤) التوبة : ١٣.

(٥) قوم ثمود : قبيلة بائدة يرجع تاريخها الى أقدم العصور سكنت بالقرب من الحجر في وادي القرى.

(٦) دلائل الامامة ص ٣٤ والآية ٨ و ٩ من سورة ابراهيم.

٣٨

ألا ، لقد قلت ما قلت على علم مني بالخذلان الذي خامر صدوركم واستفزّ قلوبكم. ولكن قلت الذي قلت لبثة الصدر ونفثة (١) الغيظ ومعذرة إليكم وحجة عليكم وإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإنّ الله لغنيّ حميد.

فدونكموها ، فاحتقبوها دبرة الظهر باقية العار موسومة [ بغضب الله ] وشنار الأبد موصولة بنار الله الموقدة التي تطّلع على الأفئدة. فبعين الله ما تفعلون ، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.

أنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فاعملوا إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون.

ثم قالت : ربنا احكم بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الحاكمين.

ثم انحرفت الى قبر أبيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت : (٢).

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها

واختل قومك فأشهدهم فقد شغبوا (٣)

[ إنا فقدناك فقد الأرض وابلها

وغاب مذ غبت عنا الوحي والكتب

ابدى رجال لنا نجوى صدورهم

لما مضيت وحالت دونك الترب ]

تجهّمتنا رجال واستخفّ بنا

إذ غبت عنا فكل الخلق قد غضبوا (٤)

__________________

(١) هكذا صححناه وفي الاصل : بعثة الغيظ.

(٢) قال الأربلي : ثم التفتت الى قبر أبيها متمثلة بقول هند ابنة أثاثة وذكر الابيات.

والظاهر أن الذي قالته عليها‌السلام هو البيتان الأولان اللذان لهند ، والباقي مقول عن لسانها عليها‌السلام.

(٣) وفي كشف الغمة : فقد نكبوا.

(٤) والعجز في كشف الغمة : لما فقدت وكل الإرث منتصب.

٣٩

[ وكنت بدرا ونورا يستضاء به

عليك تنزل من ذي العزة الكتب

وكان جبريل بالآيات يؤنسنا

فقد فقدت وكل الخير محتجب ]

فليت قبلك كان الموت حلّ بنا

قوم تمنوا فعموا بالذي طلبوا (١)

[ إنا رزئنا بما لم يرز ذو شجن

من البرية لا عجم ولا عرب ] (٢)

ثم انصرفت صلوات الله عليها الى منزلها ، فلم تزل ذات فراش حتى لحقت برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما أخبرها أنها أول لاحق به من أهل بيته.

[ شرح الخطبة ]

شرح ما في خطبة فاطمة صلوات الله عليها جملة ذلك أن معنى كلامها هذا عليها‌السلام ليس فيما منعت من فدك والعوالي خاصة ، بل كان ذلك فيما تغلب فيه عليها من ذلك وعلي بعلها والأئمة من بعده بنيها من الإمامة التي جعلها عزّ وجلّ فيهم ونصّ بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فما قدمنا في هذا الكتاب ذكر جمل منه.

وأرادت بذلك صلوات الله عليها ما قد ذكرته في كلامها من إقامة الحجة على الامة ، وإبلاغ المعذرة إليهم ، وإيضاح الحقّ والبيان فيما فيها اهتضموه ، وتغلب عليهم فيه واستأثر من حقهم به لئلاّ يقولوا ، كما قالوا : أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سلموا ذلك طائعين ، ولم يكن خروجها لما خرجت له وقالته من ذلك إلا عن إذن علي عليه‌السلام إذ لا يجوز أن تخرج من بيتها لمثل هذا المقام ، وأن تتكلم على رءوس الناس بمثل هذا [ من ] المهاجرين والأنصار.

__________________

(١) وفي الكشف :

فليت قبلك كان الموت صادقنا

لما مضيت وحالت دونك الكتب

(٢) ما بين المعقوفات في القصيدة من دلائل الامامة ص ٣٥.

٤٠