شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٩٩

[ ضبط الغريب ]

قوله : يمرقون. المروق : الخروج من الشق من غير مدخله. والمروق من الدين :

الخروج عنه بالنفاق ، وذلك خلاف الدخول فيه بالايمان. ومروق السهم خروجه منها من غير موضع الذي دخل منه ، وهو أن يرمي الرامي الصيد ، أو ما رمى بسهمه فينفذه ويخرج السهم كله منه من الموضع الذي انفذ منه لشدة الضربة ولا يعلق بالسهم شيء من الدم لسرعة خروجه لشدتها.

وقد وصف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الخوارج بهذه الصفة ، فقال : يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.

والرميّة : هي المرمية فعيلة في مكان مفعولة.

وقوله : ثم لا يعودون حتى يعود السهم على فوقه.

والفوق من السهم الشق الذي في طرفه الذي يجعل في الوتر في حين الرمي به ، وللسهم اذا رمى به ، فانما يقع على نصله ، وليس يعود الى فوقه. فأراد أنهم لا يرجعون الى الإسلام بعد خروجهم منه.

وقوله : يصيرون أربع امم. امة قائمة على الحق فانهم يقاتلون ويزلزلون زلزالا شديدا. فهم علي عليه‌السلام وأصحابه ومن تولاّهم ، وكذلك قوتلوا معه عليه‌السلام ومن بعده ، وزلزلوا زلزالا شديدا.

والامة الذي ذكر أنهم على الباطل ليسوا هم من الحق على شيء ، وأنهم يصلّون وتكون صلاتهم عليهم شاهدا ، فهم أهل التغلب والتوثب ، ائمة الضلال من بني أميّة وبني العباس ، ومن والاهم واتبعهم.

والامة الذي ذكر أنهم يريدون الحق فيخطئونه ، وأنهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية فهم الخوارج ، وبذلك وصفهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

والامة الذين يقولون هؤلاء أهدى بل هؤلاء أهدى ، هم العوام المنسوبين

٣٨١

الى العلم من العامة الذين ترأسوا على الامة بما انتحلوه من العلم بآرائهم وأهوائهم ، واختلفوا في تفضيل الرؤساء والأتباع في الحلال والحرام والقضايا والاحكام ، فقوم يقولون هؤلاء أهدى.

ولبثوا كما قال على ذلك ما شاء الله حتى قام مهديّ الامة ، فعاد الاسلام الى الباب الذي خرج منه كما قال بما أقامه فيه مدة أيامه ، وحيث انتهت طاعته ، وأقامه ويقيمه كذلك الائمة من ذريته على ما قدمنا ذكره بدعوته وسيرته حتى يجمع الله تعالى على طاعتهم ويورثهم الأرض كما وعدهم ، ويكون الدين ـ كما قال تعالى ـ كله لله ويظهره ( عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (١).

[١٢٥٦] وروي عن أبي صادق أنه سمع رجلا يقول : فتح الملهب طبرستان (٢).

فقال أبو صادق : حكاه عن حذيفة ، فيما آثره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن الذي يفتتح طبرستان والديلم ومدينة بلنجر والقسطنطينية رجل من بني هاشم.

فما أفتحه المسلمون من هذه البلدان وغيرها من سلطان من كانت في يديه من المشركين وغيرهم قائم وأمرهم ثابت يحاربون من افتتحها ويغلب هؤلاء مرة وهؤلاء مرة عليها وينال كل فريق منهم من الفريق الآخر ، فليس ذلك مما يعدّ فتحا.

وإنما الفتح ما كان مع هلاك العدو ، والظهور عليه وحسم أثره ، وانقطاع مدته وخبره ، وزوال سلطانه ، وذلك ما يكون على يدي أولياء الله الذين وعدهم الله في كتابه أنهم يرثون الأرض ، وأنه يظهر بهم دينه على الدين كله والله

__________________

(١) التوبة : ٣٣.

(٢) وهو ما يعرف الآن بمازندران شمال ايران.

٣٨٢

تعالى هو ينجز لهم وعده ، ولا يخلف الميعاد.

فما جاء أنهم يفتحونه ، وقد فتحه غيرهم من قبل ظهور أمرهم ، وتمام الوعد لهم ، فليس ذلك الفتح مما يعدّ فتحا حتى يكون الفتح لهم بهلاك أعداء الله أجمعين على أيديهم وايراثهم جميع الأرض. وظهور دين الله تعالى على الدين كله كما وعد في كتابه ، وهلاك أعدائه ، وانقطاع أمرهم ، وانحسام ذكرهم ، وما كانوا به يدينون وآلهتهم وما كانوا يعبدون ، فذلك هو الفتح المبين كما قال الله تعالى لنبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ( إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ) (١) وكان ذلك فتح مكة عليه وظهوره على أهلها وانقطاع دينهم الذي كانوا به يدينون ، وعبادتهم وما كانوا يعبدون ، وكذلك وعد الله تعالى عباده الصالحين وهم أولياء الائمة الطاهرين أن يورثهم ويظهر دينه بهم ( عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (٢) فهذا هو الفتح المبين ، والله ينجز وعده ، ولا يخلف الميعاد.

[١٢٥٧] ومما رواه عنان بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام ، أنه قال : لو كان لي من الأمر شيء لهدمت كل بناء يحول بين الصفا والمروة ، ولا يكون ذلك إلا على يدي رجل من بني هاشم.

فما بين الصفا والمروة ولا يكون ذلك إلا سعي الحجيج.

وأول من سعى فيه آدم عليه‌السلام ، فلما صار ببطن الوادي تراءى له ابليس اللعين الذي أخرجه من الجنة ، وقد انحدر من الصفا يريد المروة ، فلما رآه سعى عليه‌السلام ، فصار السعي هناك سنّة ، وأحدث الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هناك أبنية حالت بين الصفا والمروة ، فأخبر الصادق صلوات الله عليه ما أحدثوه ، وابتدعوه ، فانّ هدمه من الواجب ، وأخبر أن ذلك لا يكون إلا على يدي رجل من بني هاشم فلم يكن ذلك الى اليوم ، وسيكون لمن يظهره الله من ائمة الحق وشيكا إن شاء الله.

__________________

(١) الفتح : ١.

(٢) التوبة : ٣٣.

٣٨٣

[١٢٥٨] وعن علي عليه‌السلام ، أنه قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أمنّا المهدي أم غيرنا (١)؟

قال : بل منّا. بنا يختم الدين كما افتتح بنا ، وبنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة [ الفتنة ] كما ألف بنا بين قلوبهم بعد عداوة الشرك.

فهذا مما قدمنا ذكره ، مما تواترت الأخبار به من أن المهدي من ذرية محمد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن ولد علي بن أبي طالب عليه‌السلام. وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بنا يختم الدين كما افتتح بنا. فافتتاح الدين كان برسول الله. وبما أقام وصيه عليا من القيام بما أسند إليه منه. وكذلك يختم بالمهدي وبالائمة من ولده حتى يكون انقطاع الدنيا ، وقيام القيامة في عصر إمام منهم ، ويجمع الله الامم كلها على دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي ابتعثه كما أخبر تعالى في كتابه أنه يظهره على الدين كله ، ويكون الدين كله لله ، وأنه يورث الأرض عباده الصالحين ، وهم أولياؤه ائمة دينه من ذرية محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وولد علي ، وأنه كما أخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أن الله تعالى يؤلف بهم بين قلوب عباده بعد عداوة الفتنة كما ألف بين قلوبهم بعد عداوة الشرك. وذلك قول الله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً ) (٢).

[ المهدي من أهل البيت ]

[١٢٥٩] وعن علي عليه‌السلام ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة واحدة.

قوله : يصلحه الله في ليلة واحدة ليس ذلك أنه كان فاسدا فيصلحه ، ولكنه

__________________

(١) وفي عقد الدرر ص ٢٥ : أمنّا المهدي ، أو من غيرنا؟

(٢) آل عمران : ١٠٣.

٣٨٤

من قول القائل : فلان يصلح لأمر كذا ، إذا كان أهلا لذلك الأمر ، كذلك رآه الله تعالى أهلا لما صار إليه ورآه كذلك بتوفيقه من كان أمر الامامة إليه في وقته قبل مصيره إليه. فسلم أمرها إليه في ليلة واحدة أراه الله ذلك فيها.

وقد كان قبل ذلك أهل غيره لها فما أهل لذلك أحد إلا مات لما أراد الله تعالى من مصيرها الى مستحقها ، ولذلك قيل إن الامام الذي سلّمها إليه يمثل في وقت تسليمها إليه ، فقال عند ذلك : الله أعطاك التي لا فوقها ، وكم أرادوا صرفها وعوفها عنك ، ويأبى الله إلا سوقها إليك حتى طوقوك طوقها.

[١٢٦٠] وعن عبد الله بن مسعود ، أنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول : لا تنقضي الدنيا حتى يليها (١) رجل من عترتي ، ويحكم بما أنزل الله.

[١٢٦١] ومن رواية عبد الرزاق ، يرفعه الى أبي سعيد الخدري ، أنه قال : ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بلاء يصيب هذه الامة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم.

ثم قال : ثم يبعث الله رجلا من أهل بيتي فيملأ الارض قسطا وعدلا ، كما ملئت جورا وظلما ، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض لا يبقى السماء (٢) من قطرها [ شيئا إلا صبته ] مدرارا ، ولا [ تدع ] الأرض من نباتها شيئا إلا أخرجته حتى يتمنّى الاحياء الاموات.

[ ضبط الغريب ]

قوله : عترتي أهل بيتي. العترة في لغة العرب القرابة من ولد الولد ، وبني

__________________

(١) وفي فرائد السمطين ٢ / ٣٢٨ : حتى يلي امتي.

(٢) وفي مشكاة المصابيح ٣ / ٢٧ : لا تدع السماء.

٣٨٥

العم دينا. فالمهدي وولده قرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من ولد فاطمة عليها‌السلام ومن ولد علي عليه‌السلام ، وهو ابن عمه دينا ووصيه ومن تقدم ذكر فضله واثبات إمامته ، وإمامة الائمة من ذريته. وما ذكر رسول الله في هذا الخبر من أنه يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، فقد ذكرنا فيما تقدم ما كان ويكون من ذلك ، وبيّنا الوجه فيه ، فأغنى ذلك عن اعادته.

[١٢٦٢] وروى الشعبي ، عن تميم الداري (١) ، أنه قال : ما دخلت مدينة من مدائن الشام أحبّ إليّ من مدينة أنطاكية (٢) ، قال رسول الله : بها كسر ألواح موسى ، ومائدة سليمان ومنبره ، وعصا موسى في غار من غاراتها ، فما من غمامة شرقية ولا غربية ولا جنوبية ولا قبلية إلا إذا جاءت تلك الغار أرخت عليه من بركاتها لما فيه. أما أنه لا تذهب الأيام والليالي حتى يتولاها رجل من ولدي من عترتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي (٣) ، أشبه الناس بخلقي خلقا وبخلقي خلقا.

[١٢٦٣] وروى محمد بن سلام ، باسناده عن أبي جعفر محمد بن علي عليه‌السلام ، أنه قال : إذا قام القائم منّا سار الى انطاكية ، فيستخرج منها

__________________

(١) أبو رقية تميم بن أوس بن خارجة الداري أسلم ٩ ه‍ مات بفلسطين ٤٠ ه

(٢) انطاكية : قصبة العواصم من الثغور الشامية بينها وبين حلب يوم وليلة ( معجم البلدان ١ / ٣٨٢ ).

(٣) ومن الملاحظ أن الحديث الذي نقله صاحب عقد الدرر لم يكن جملة ( يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي ) ، ولكن الذي لا يمكن انكاره كثرة الأحاديث الواردة والمتضمنة لهذه الجملة.

قال يحيى بن الحسن : اعلم إن الذي قد تقدم في الصحاح مما يماثل هذا الخبر من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اسمه اسمى ، واسم أبيه اسم أبي. وهو أن الكلام في ذلك لا يخلو من أحد قسمين :

إما أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أراد بقوله : اسم أبيه اسم أبي ، انه جعله علامة تدل على أنه ولد الحسين دون الحسن لان لا يعتقد معتقد ذلك.

فان كان مراده ذلك ، فهو المقصود ، وهو المراد بالخبر لان المهدي عليه‌السلام بلا خلاف من ولد الحسين عليه‌السلام ، فيكون اسم أبيه مشابها لكنية الحسين ، فيكون قد انتظم اللفظ والمعنى وصار حقيقة فيه.

٣٨٦

التوراة من غار هي فيه مع عصا والحجر.

وقوله : يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي فكذلك جاء في غير موضع أن القائم بالامامة من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من ولد المهدي الذي يجمع الله تعالى له الامم ويكون له الدين واحدا ويظهر الله تعالى دينه على الدين كله ، كذلك اسمه محمد بن عبد الله وهذا لا يكون كما ذكرنا دفعة واحدة بل تعالى الله بالائمة من ولد المهدي أمره ودينه والايمان والمؤمنين شيئا شيئا ، ويفتح على يدي كل واحد منهم ما يفتحه حتى يكون الذي يدين له جميع أهل الارض يفتح ما بقي منها ، ويقتل باقي من فيها من أعداء الله ، ويكون الدين كله لله كما أخبر تعالى بذلك في كتابه ووعده عباده الصالحين ائمة دينه يوم القيامة ، ويكون النقلة من الدنيا الى الآخرة.

[ ممن هو المهدي؟ ]

[١٢٦٤] ومن رواية ابن غسان ، باسناده ، عن عبد الله بن عباس ، أن

__________________

والقسم الثاني : أن يكون الراوي وهم من قوله : ابني الى قوله أبي فيكون قد وهم بحرف تقديره انه قال : ابني ، فقال : هو « أبي » ، والمراد بابنه الحسن لان المهدي عليه‌السلام محمد بن الحسن باجماع كافه الامة.

وقال الكنجي في كفاية الطالب ص ٤٨٥ : ولا يرتاب اللبيب أن هذه الزيادة لا اعتبار بها مع اجتماع هؤلاء الائمة على خلافها.

وذكر أبو داود : وفي معظم روايات الحفاظ والثقات من نقلة الاخبار اسمه اسمي فقط ، والذي روي واسم أبيه اسم أبي فهو زائدة وهو يريد في الحديث وان صح فمعناه واسم أبيه اسم أبي ، أي الحسين وكنيته أبو عبد الله ، فجعل الكنية اسما كناية عن أنه من ولد الحسين دون الحسن ، ويحتمل أن يكون الراوي توهم قوله ابني فصحفه ، فقال : أبي ، فوجب حمله على هذا جمعا بين الروايات.

وقال علي بن عيسى : أما أصحابنا الشيعة فلا يصححون هذا الحديث لما ثبت عندهم من اسمه واسم أبيه ، وأما الجمهور فقد نقلوا أن زائدة كان يزيد في الاحاديث فوجب المصير إلى أنه من زيادته ليكون جمعا بين الأقوال والروايات. انتهى.

أقول : وأقل ما يمكن أن يقال هنا إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال ، وبهذا يتضح فساد ما استدله المؤلف في ذيل الحديث (١٢٦٣) على ما فيه.

٣٨٧

رجلا سأله عن السماء مما هي؟ وعن البرق مما هو؟ وعن أول شيء عاذ بالبيت؟ وعن المهدى ممن هو؟

قال له ابن عباس : لقد سألت عن عظيم ، وهو في علم الله يسير.

أما السماء فهي ماء مكفوف.

وأما البرق فهو من الماء.

وأما أول شيء عاذ بالبيت فان الحيتان الكبار كنّ يأكلن الصغار منهم في زمن الطوفان ، فاستعذن بالبيت فأعاذهنّ الله.

فأما المهدي ، فانه من أهل البيت أكرمكم الله بأولهم وسينقذكم بآخرهم.

قوله : أكرمكم بأولهم ، يعني محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أكرم الله المؤمنين بأن أوجب لهم بطاعته الجنة في الآخرة ، وهي أعظم ما يكرم الله به المطيعين من عباده ، واكرامه وانعامه اكثر من أن يحصيه عباده كما قال تعالى ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها ) (١) وبالائمة من ذريته يستنقذ آخرهم من فتنة المنافقين الضالّين ، وغلبة المشركين حتى يكون له الدين كما أخبر في كتابه المبين.

[ الفتن ثلاث ]

[١٢٦٥] من رواية ابن سلام ، باسناده ، عن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، أنه قال : الفتن ثلاث : فتنة السرّاء ، وفتنة الضرّاء ، وفتنة يمحّص الناس فيها تمحيص ذهب المعدن ، ولا يزالون كذلك حتى يخرج رجل منّا عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيصلح الله أمرهم.

[ ضبط الغريب ]

قوله : فتنة السرّاء ، ما قد فتن به من مضى من هذه الامة بما اعطوه من

__________________

(١) ابراهيم : ٣٤.

٣٨٨

الدنيا بغير حلّة ، واستمالهم به أعداء الله المتغلبين على أمر أولياء الله.

وفتنة الضرّاء : ما فتن به العباد وابتلوا به من جور ائمة الجور عليهم وتغلبهم وانتهاكهم اياهم.

وأما قوله : فتنة يمحّص الناس فيها تمحيص ذهب المعدن. فالمحص ـ في لغة العرب ـ : إخلاص الشيء ، تقول محصته محصا : أي أخلصته من كل عيب ، قال الله تعالى : ( وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ ) (١) فيما امتحن الناس به من افتتان أعداء الله بائمة الجور واتباعهم الناس ببذل الدنيا لمن أسعدهم ، وتتابع المكروه على من تمسك بدينه صابرا على مكروههم. محّص الله تعالى المؤمنين وأخلصهم ، وأبانهم ممن مال الى أعدائه للرغبة والرهبة ، فلم يزالوا على ذلك حتى قام مهديّهم ، فاستنقذ من بلغت إليه دعوته ومدّته وأيامه ، ونالته يده من المؤمنين ، واستنقذ بعده وتستنقذ كذلك الائمة من ذريته من بقي منهم حتى ينجز الله وعده لأوليائه وعباده المؤمنين ، ويحق وعيده على أعدائه الكافرين ويكون الدين كله كما قال. فالسعيد كل السعيد من صبر لذلك وأخلص وانتظر ، كما قال وهو أصدق القائلين : ( فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ) (٢).

[١٢٦٦] وروى أحمد بن عمر ، باسناده ، عن علي عليه‌السلام أنه قال لبعض شيعته وقد ذكر تغلّب أهل الباطل : يا معشر شيعتنا صلّوا معهم الجمعات ، وأدوا إليهم الأمانات ، فإذا جاء التمييز قامت الحرب على ساق ، فمعنا أهل البيت باب من أبواب الجنة من اتبعه كان محسنا ، ومن تخلّف عنه كان ممحقا ، ومن لحق به لحق بالحق.

ألا إن الدين [ بنا ] فتح وبنا يختم ، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم

__________________

(١) آل عمران : ١٤١.

(٢) الاعراف : ٧١.

٣٨٩

واحد لولاّه الله تعالى رجلا منا يملأها عدلا كما ملئت جورا.

وقوله : فمعنا أهل البيت باب من أبواب الجنة : يعني امام الزمان في كل عصر فهو باب الجنة ، من قصده ودخل في جملته وعمل بأمره صار الى الجنة ، ومن تخلّف عنه محق. وقد ذكرنا فيما تقدم معنى قوله : يملأها عدلا كما ملئت جورا. وأن أصل ذلك وأول ما فعله المهدي ، ويتم الله ذلك من بعده بالائمة من ولده ، وينسب ذلك إليه إذ كان ابتداؤه ومفتاحه وسببه وأول قائم به.

[١٢٦٧] وروى عبد الله بن حبلة ، باسناده ، عن علي عليه‌السلام ، أنه قال : ليخرجن الاسلام نادّا من أيدي الناس كأنه البعير الشارد من الإبل ، لا يردّه الله إلا برجل منا.

[ أقول ]

سمعت الامام المعز لدين الله عزّ وجلّ يحدّث عما كان من أمر المهدي ، وقول بعض شيوخ الأولياء : يا مولانا ، أأنت المهدي المنتظر الذي يجمع الله لك العباد ويملك الارض ، ويكون لك الدين واحدا؟

فقال له المهدي : فضل الله تعالى كثير واسع ، ولنا منه قسم جزيل ، ولمن يأتي من بعدنا فضله ، ولو كان الفضل لواحد لما وصل إلينا منه شيء.

ثم قال المعز : كان المهدي مفتاح قفل الفضل والرحمة والبركات والنعمة فيه فتح الله تعالى ذلك للعباد ، وذلك يتصل عنه من ذريته حتى يتمّ لهم وعد الله الذي وعدهم اياه بفضله وقوته وحوله. وقول علي عليه‌السلام : ليخرجن الاسلام نادّا من أيدى الناس.

فالندود : الشرود. يقال منه : ندا البعير ، إذا شرد واستقصى ، وهو نادّ اذا فعل ذلك.

٣٩٠

[ احذروا ثلاثا ]

[١٢٦٨] ومن رواية ابن غسان ، باسناده ، عن علي عليه‌السلام ، أنه قال :

احذروا على دينكم ثلاثا : رجلا آتاه الله القرآن وكان يدين الاسلام غير ذلك ما لله ، ثم انسلخ ونبذه وراء ظهره وسلّ سيفه على جاره ، ورماه بالإشراك.

قالوا : يا أمير المؤمنين ، فأيهما أولى بها؟

قال : الرامي.

ورجلا استخفته الأحاديث ، فكلّما وضع احدوثة كذب ، وانقطعت أمطها بأطول منها أن يدارك الرجال سعته.

ورجلا هو كأحدكم ، آتاه الله سلطانا ، فقال : من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله وكذب ، ليس لمخلوق طاعة في معصية الخالق.

ألا وانه لا بدّ من رحى سلطان يقوم على ضلالة ، فإذا قامت طحنت ، وان لطحنها رءوفا ، وان رؤفها حدتها ، وعلى الله فكها.

ألا وان أطائب ارومتى ، وأبرار عترتي ، أحكم الناس صغارا ، وأعلم الناس كبارا ، بنا يبتر الله الزمان الكدي ، وبنا يبتر الكذب ، وانا أهل بيت من حكم الله حكمنا ، ومن قول صدق سمعنا ، فان تتبعوا آثارنا تهدوا ببصائرنا ، وان تحيدوا عنا تهلكوا بأيدينا ، أو ما شاء الله.

ويح للفروخ فروخ آل محمد من خليفة غير مستخلف يقتل خلفي ، وخلف الخلف ، والله لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّله الله حتى يخرج منا رجل يقال له : المهدي ، يملأها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.

٣٩١

[ ضبط الغريب ]

قوله : أمطها ، يقول : أمدها ، أي : اتبعها باخرى. يقال من ذلك : تكلم فمطّ حاجته ، أي مده.

قوله : وهو رجل كأحدكم آتاه الله سلطانا ، فقال : من أطاعني فقد أطاع الله ... الخ. يعني من وصف المتغلبين سلطان الدنيا يبين بذلك. قوله : رجل هو كأحدكم ، يعني من سائر الناس يدعي أن من أطاعه أطاع الله ، ومن عصاه عصى الله وكذب. ولم يقل أنه نبي ولا امام ، أما أنبياء الله وائمة دينه فمن أطاعهم فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصى الله لقوله تعالى : ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ) (١) وقوله : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٢) وشرحنا هذا لئلاّ يحمله من لم يتسع في العلم على العموم إذا سمعه.

وقوله : لا بدّ من رحى سلطان يقوم. يعني ما يدور عليه أمره ، والرحى يضرب مثلا لذلك ، وللحرب يقال : دار رحى الحرب الى حومته ، ورحى الموت الى موقعه. قال الشاعر :

والناس في غفلاتهم

ورحى المنية تطحن

وقال : إن لطحنها رءوفا.

الرءوف : القرن ، شبّه حدثها بحدة القرن. وعلى الله فكها. يقول : إن الله سيفكّ ذلك الحد.

وقوله : ألا وإن أطائب ارومتى.

الارومة : أصل الشجرة. وأصل الخشب يعني بارومته اياه وبعترته ، ولده وولد ولده. وقد شرحنا ذلك فيما تقدم.

__________________

(١) النساء : ٨٠.

(٢) النساء : ٥٩.

٣٩٢

وعني بالخليفة الذي استخلفه الناس. فسنّ ذلك لمن بعده. فقتلوا فروخ آل محمد يعني من قتل من ذريته ، والخلف : الذرية الصالحة ـ بفتح اللام ـ. والخلف ـ بجزم اللام ـ الذرية السوء. وقال الله تعالى : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ ) (١).

[١٢٦٩] ومن رواية ابن غسان ، باسناده ، عن علي عليه‌السلام ، أنه قال : يخرج منا رجلان ، أحدهما من الآخر ، يقال لأحدهما المهدي ، وللآخر المرضي.

فالمهدي قد كان. والرضي يكون من ذريته كما قال علي عليه‌السلام : إنه منه.

[١٢٧٠] وفي رواية اخرى عن علي عليه‌السلام ، أنه قال : كأني أنظر الى دينكم موليا يحصحص بذنبه ليس بأيديكم منه شيء حتى يرده الله عليكم برجل منا.

قوله : يحصحص بذنبه ، شبّه الدين إذا ذهب من أيدي الناس ببعير قد ندّ واشتدّ عدوا وهو يحرك ذنبه. والحصحصة في اللغة : الحركة في الشيء حتى يستقر. والحصص ـ الحصحصة أيضا ـ : السرعة في العدو.

[١٢٧١] وعنه عليه‌السلام ، أنه قال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو لم يبق من الدنيا غير يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يملك فيه رجل مني ، فاذا رأيتم ذلك اليوم لم يرم رام بسهم ولا بحجر ولا يطعن برمح فاحمدوا الله ، فان ابتليتم فاصبروا فان العاقبة للمتقين.

فهذا مما تقدم القول فيه أنه يكون من ذرية المهدي في الائمة من يجمع الله العباد على طاعته وتقطع الحرب ويكون الدين كله لله كما أخبر تعالى وليظهر دينه على الدين كله.

__________________

(١) مريم : ٥٩.

٣٩٣

[ المهدي من نسل فاطمة ]

[١٢٧٢] ومن رواية مخنف بن عبد الله ، باسناده عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، [ أنه ] قال : المهدي من نسل فاطمة سيدة نساء العالمين. طالت الأيام أم قصرت يخرج فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، ويطيب العيش في زمانه ، ويصيح صائح بلعنة بني أميّة وشيعتهم ، والصلاة على محمد والبركة على علي وشيعته ، فيومئذ يؤمن الناس كلهم أجمعون.

فهذا ما ذكرنا أنه يكون لبعض الائمة من نسل المهدي ، وينسب إليه ؛ لأنه سببه ومفتاحه ، وأول من قام من آل محمد كما يكون ذلك أيضا ، ينسب الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لانه بني الامة وصاحب الشريعة والملّة ، وقد قال الله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) (١) وينسب ذلك إليه ، إذ كان أول من قام بذلك وسنّه وأصّله.

[١٢٧٣] ومن حديث عبد الرزاق ، عن معمر بن سعيد بن أبي عروفة ، عن قتادة ، قال : قلت لسعيد (٢) : المهديّ حقّ؟

__________________

(١) الفتح : ٢٨.

(٢) وهو سعيد بن المسيب.

٣٩٤

قال : حق.

قلت : ممن؟

قال : من قريش.

قلت : من أيّ قريش؟

قال : من بني هاشم.

قلت : من أيّ [ بني ] هاشم؟

قال : من بني عبد المطلب.

قلت : من أيّ بني عبد المطلب؟

قال : من ولد فاطمة.

ولو سأل من أيّ ولد فاطمة هو ، لأخبره من ولد الحسين ، لأنّه قد روى ذلك ، وسنذكره. ولم يقل سعيد هذا برأيه ولكنه سماع سمعه.

[١٢٧٤] وروى أبو المليح ، عن زياد بن بشار ، عن ابن نفيل ، عن سعيد بن المسيب ، عن أمّ سلمة ، أنها قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : المهدي من عترتي من ولد فاطمة ابنتي.

فما جاء فيما تقدم ذكره من أن المهدي من قريش ومن بني هاشم فانما روي ذلك على مثل ما جاء الخبر فيه عن سعيد بن المسيّب ولم يسأل السائل من روى ذلك له عمّا بعد ، ولو سأل عن ذلك لأوقف عليه ، وسنذكر بعد هذا من أوقف عليه النصّ إن شاء الله.

[١٢٧٥] وروى زاذان ، عن سلمان الفارسي ، أنه قال : لا بدّ من قائم من ولد فاطمة يقوم من المغرب فيكسر شوكة المبتدعين ، ويقتل الظالمين. وكذلك قام المهدي من المغرب ، وهو من فاطمة ، ولما جاءت به الروايات من هذا خاف بنو العباس من ادريس بن الحسين لمّا صار الى المغرب ، واحتالوا في أن سمّوه ـ وقد ذكرت فيما مضى ـ وكانوا في ذلك كما قال الله تعالى : ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ

٣٩٥

الْكافِرُونَ ) (١).

[١٢٧٦] حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن إدريس ، قال : كنت قاعدا في حلقة المسجد فيها المسيب ، فسمعته يقول : سمعت عليا عليه‌السلام يقول :

ألا اخبركم عن أهل بيتي ، أما عبد الله بن جعفر فصاحب لهم. وأما الحسن بن علي فصاحب جفنة وخوان ، ولو قد التفت بحلف البطان لم يغن عنكم في الحرب حبالة عصفور. وأما ابن عباس فلا يقرؤكم. وأما أنا والحسين فنحن منكم وأنتم منّا.

وإن هؤلاء القوم سيدولون عليكم بمعصيتكم إمامكم في الحق ، وبطاعتهم إمامهم في الباطل ، وبفسادكم في أرضكم ، وصلاحهم في أرضهم ، ويطول دولتهم عليكم حتى لا يبقى منكم إلا نافع أو غير ضار حتى يكون نصرتكم منهم نصرة العبد من سيده ، إذا رآه أطاعه ، واذا غاب منه شتمه ، وحتى يكون الناس باكين. باك يبكي على دينه ، وباك يبكي على دنياه ، وحتى لا يدعو الله حرمة إلا استحلوها ، وحتى يدخل ظلمهم كل بيت شعر ومدر. فإن أتاكم الله بالعافية بالعلل فاحمدوه. وان ابتليتم فاصبروا ، فان العاقبة للمتقين. وفو الذي فلق الحبة وبرئ النسمة لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله لهم من يسقيهم كأسا مصبرة (٢) ؛ حتى يتمنوا أن اكون فيهم فأشفع لهم عنده ، وحتى يقول الناس من قريش : لو كان هذا من قريش لرحمنا.

[ ضبط الغريب ]

قوله : حبالة عصفور : الحبالة الشرك الذي يصاد به الطائر وغيره من

__________________

(١) التوبة : ٣٢.

(٢) أي فيها الصبر وهو نبات مرّ المذاق.

٣٩٦

الصيد.

وقوله : إن هؤلاء القوم سيدلون عليكم. يعني بنو أمية وبنو العباس يدالون لتكون لهم الدولة.

والباكي على دينه لما يراه قد انتقص فيهم. والباكي على دنياه هو لما يظلمونه فيه ويأخذون منها من يديه.

[١٢٧٧] وروي عن جعفر بن محمد عليه‌السلام ، عن جده علي بن الحسين عليه‌السلام ، أنه سئل عن المهدي ، فقال : هو من ولدي.

[١٢٧٨] وروى شريك بن عبد الله ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام ، أنه قال : إذا قام قائمنا أهل البيت قسم بالسوية ، وعدل في خلق الرحمن ، البرّ منهم ، والفاجر منهم ، من أطاعه أطاع الله ، ومن عصاه عصى الله (١) ، ويستخرج التوراة والإنجيل وسائر كتب الله [ من غار ] بأنطاكية ، فيحكم بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، [ وبين أهل الزبور بزبورهم ] ، وبين أهل القرآن بقرآنهم. وتخرج الأرض كنوزها من الذهب والفضة ، فيقول : أيها الناس هلموا ، فخذوا ما سفكتم فيه الدماء ، وقطعتم فيه الأرحام ، ويعطي ما لم يعطه أحد قبله ، ولا يعطه أحد بعده. اسمه اسم نبي ، يملأ الأرض [ قسطا و ] عدلا كما ملئت ظلما وجورا.

فهذا ما ذكرنا أنه يكون لبعض الائمة من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من ولد المهدي وينسب ذلك إليه لأنه أول قائم منهم ومفتاح أمرهم.

[١٢٧٩] ومما رواه ونسخه يرفعه الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه

__________________

(١) وفي بحار الانوار ٥١ / ٢٩ بعد كلمة عصى الله : فانما سمي المهدي لانه يهدي لأمر خفي يستخرج ... الخ.

٣٩٧

قال : إني رأيت بني أميّة على منابر الأرض وسيملكونكم ، فتجدونهم أرباب سوء ، فانتظروا وأخلاف سفهائهم ، فإذا اختلف سفهاؤهم ارتدوا على أعقابهم لا يرتقون فتقا إلا فتق الله عليهم أعظم منه حتى يخرج مهديّنا.

واهتمّ رسول الله بالرؤيا التي رآها فأنزل الله عليه : ( وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (١).

فقوله : إن بني أميّة لا يزالون يملكون حتى يختلف سفهاؤهم فاذا اختلفوا ارتدوا على أعقابهم حتى يخرج المهدي هو فيما قدمنا ذكره يعني يخرج المهدي خروج من يملك الارض من ذريته وبني أميّة ، وان انقطع ملكهم من المشرق وبقيت لهم بقية المغرب بجزيرة الأندلس ، وسيكون أمرهم على ما وصفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وينجز الله ما وعده في كتابه المبين من ايراث الأرض عباده الصالحين.

وقوله : لا يرتقون فتقا إلا فتق الله عليهم أعظم منه. الرتق الحلم. الفتق واصلاحه حتى يعود بحال ما كان قبل أن يتفتق ، وكذلك قال أصحاب التفسير في قول الله تعالى : ( السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما ) (٢). قالوا :

كانتا السماء لا تمطر ، والارض لا تنبت ، ففتق الله السماء ، فامطرت السماء وفتق الأرض فأنبتت.

[١٢٨٠] ومن رواية يحيى بن محمد بن سلام ، يرفعه الى عبد الله بن مسعود ، أنه قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما : انطلق معي بابن مسعود. فمضيت معه حتى أتينا بيتا قد غصّ ببني هاشم. فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كان معكم من غيركم ،

__________________

(١) الاسراء : ٦٠.

(٢) الأنبياء : ٣٠.

٣٩٨

فليقم. فقام من كان معهم من غيرهم حتى لم يبق إلا بنو هاشم خاصة ـ بنو عبد المطلب وبنو العباس ـ فقال [ لهم ] النبي : يا علي أخبرني جبرائيل أنك مقتول بعدي ، فأردت اراجع ربي. فأبى عليّ. قال : كأنه ولينكم ولاة بني أميّة يقصدون بكم الضرورة يلتمسون بكم المشقة ، ثم تكون دولة لبني العباس يعملون فيها عمل الجبارين ، فالويل لعترتي ولأهل بيتي ولبني أميّة مما يلقون من بني العباس ، ويهرب من بني أميّة رجال ، فيلحقون بأقصى المغرب ، فيستحلّون فيه المحارم زمانا. ثم يخرج رجل من عترتي غضبا لما لقى أهل بيتي وعترتي ، فيملأ الارض عدلا كما ملئت جورا وظلما يسقيه الله من صوب الغمام.

فقال ناس من بني العباس : يا رسول الله ، أيكون هذا ونحن أحياء.

فنظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليهم كالماقت لهم ، ثم قال : والذي نفسي بيده إن في أصلاب فارس والروم [ لمن هو ] أرجى عندي لأهل بيتي من بني العباس.

وقوله : صوب الغمام ، الصوب : المطر. والغمام : السحاب الرقيق.

٣٩٩

[ الأئمة اثنا عشر ]

[١٢٨١] وعن علي بن الحسين عليه‌السلام ، أنه قال : يقوم القائم منا ( يعني المهدي ) ثم يكون بعده اثنا عشر مهديا ( يعني من الائمة من ذريته ) (١).

[١٢٨٢] وعن أبي الحارث بلال بن فروة ، يرفعه ( الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، أنه قال : لن تهلك هذه الامة حتى يليها اثنا عشر خليفة كلهم من أهل النبي ، كلهم يعمل بالحق ، ودين الهدى ، منهم رجلان ، يملك أحدهما أربعين سنة ، والآخر ثلاثين سنة.

وهذا مثل الحديث الذي قبله.

[١٢٨٣] ومن رواية يحيى بن السلام (٢) ، يرفعه الى عبد الله بن عمر ، أنه قال : ابشروا فيوشك أيام الجبارين أن تنقطع ، ثم يكون بعدهم الجابر الذي يجبر الله به امة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، المهدي ، ثم المنصور ، ثم عدّد ائمة مهديين.

فهذا مما لم يقله عبد الله إلا مما سمعه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو بلغه عنه لأن ذلك من أخبار ما يكون ، ولا يقول ذلك إلا من جاء فيه علم من

__________________

(١) راجع تخريج الاحاديث.

(٢) يحيى بن سلام بن أبي ثعلبة التيمي ولد ١٢٤ ه‍ وتوفي بمصر ٢٠٠ ه‍.

٤٠٠