شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٩٩

قال : نحن أهل البيت.

فعلى هذا يجيء الأمر شيئا بعد شيء على يد واحد بعد واحد من الائمة من أهل بيت محمد صلوات الله عليهم ولا يكون ذلك دفعة واحدة. وكان سبب ذلك ومفتاحه وأول من جرى على يديه المهدي صلوات الله عليه.

[١٢٢٩] وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أنه قال : لا يزال الناس ينقصون حتى لا يقال الله إلا خفية ، فاذا كان ذلك بعث الله من يملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما.

[١٢٣٠] وعنه عليه‌السلام ، أنه قال : كان ذلك ينقص الناس حتى لا يقول أحد الله إلا خفية ، فاذا كان ذلك بعث الله يعسوب الدين ، فضرب بذنبه (١) ، فيجتمعون [ إليه يجتمع ] قزع الخريف (٢) ، إني لا أعلم اسم أميرهم ، ومتاخر رجالهم (٣).

[ ضبط الغريب ]

اليعسوب : أمير النحل الذي يلاذ به ويجتمع إليه ، والقزع واحده قرعة ، وهي قطعة من السحاب دقيقة كذلك يجتمع سحاب الخريف شيئا الى شيء من مثل ذلك حتى يعظم.

فشبه أمير المؤمنين علي عليه‌السلام اجتماع أنصار المهدي بذلك وكذلك كان أمرهم إنما اجتمعت الدعوة التي هاجر إليها ، وأظهر الله عزّ وجلّ أمره بها ، ونصره بأهلها ، الى القائم بدعوتهم ، الواحد بعد الواحد والثلاثة الى أن كثّر الله عددهم ونصرهم وأظهرهم على أهل السلطان والقوة والعدد والعدة

__________________

(١) هكذا صححناه وفي الاصل : بنانيه.

(٢) وفي الاصل : فيجتمعون كقزع الخريف.

(٣) وفي الملاحم والفتن ص ٨١ : ومناخ ركابهم.

٣٦١

الذين كانوا قبل ذلك يملكونهم ويظهرون عليهم ، وكانوا قبل ذلك أذلة فيهم فملكهم الله عزّ وجلّ أمرهم ، وقتل الجبابرة بينهم بأيديهم وورثهم ملكهم وديارهم وأموالهم وكذلك يورث الله الأرض ومن فيها أولياءه كما وعدهم عزّ وجلّ ذكره وهو لا يخلف وعده.

[١٢٣١] وعن علي عليه‌السلام ، أنه قال : بنا يبتر الله الكذب ، وبنا يدرك ثاره المؤمن ، وبنا يتخلع ربق الذلّ من أعناقكم لا بكم ، وبنا يختم لا بكم.

[ ضبط الغريب ]

قوله : يبتر : أي يقطع. والبتر : قطع الذنب ونحوه إذا استوصل ، يقال منه : بتره ، فانبتر.

وكذلك قطع أولياءه الله الكذب الذي كذبه الظالمون على الله عزّ وجلّ وعلى رسوله وأوليائه بما أتوا به من الحق عن الله وعن رسوله فقطعوا بذلك كذب الظالمين ، وانتحال المبطلين. البترة : الظلامة في الدم وغيره ، فباولياء الله يدرك المؤمنون ما ظلموا به من ذلك ، ويدرك أولياء الله ثاراتهم ممن نال ذلك من أسلافهم.

وقوله : بنا يتخلع ربق الذل من أعناقكم.

الربق جمع ربقة ، وهو الخيط الواحد أيضا منه ربقة ، وهو ما يجعل في العنق يربط به الشاة وغيرها. وفي الحديث : من فعل كذا وكذا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ، أي في عنقه من عقد الاسلام. وقتل منه شاة مربقة ومربوقة كل ذلك صفات التي يربط في عنقها خيط ، فبأولياء الله يزول ربق الذل من أعناق المؤمنين التي كان أعداء الله أوثقوهم بها في غلبهم عليهم.

[١٢٣٢] وعن أبي سعيد الخدري ، قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه

٣٦٢

وآله يقول : أبشروا (١) بالمهدي فانه يبعث [ في امتي ] على اختلاف من الناس شديد وزلازل (٢) يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، ويرضى به ساكن السماء ، وساكن الارض ، ويملأ الله به قلوب عباده سرورا وسعهم (٣) عدله.

[١٢٣٣] وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال : المهدي من نسل فاطمة سيدة نساء هذه الامة ـ طالت الايام أو قصرت ـ يخرج فيملأ الارض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما.

قيل : ومتى يخرج يا رسول الله؟

قال : إذا كان زلازل في أطراف الارض وارتشت القضاة ، وفجرت الامة ، يخرج من المغرب في ساقه شامة وبين كتفيه شامة فردا غريبا.

قيل : وكيف يكون فردا غريبا يا رسول الله؟

قال : لانه ينفرد من أهله ويتغرب عن وطنه.

وكذلك قام فردا غريبا من المغرب.

وكانت قبل قيامه زلازل ، وكانت به العلامة التي وصفها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يقم حتى ارتشت القضاة ، وصار القضاء كذلك يتقبل بالمال ، وفجرت الامة.

[١٢٣٣] وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال : لا بدّ من قائم من ولد فاطمة يقوم من المغرب بين الخمسة الى السبعة يكسر شوكة المبتدعين ، ويقتل الضالّين.

__________________

(١) وفي كتاب الفتن لأبي نعيم لوحة ٩٤ : ابشركم بالمهدي.

(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : بلابل ، راجع تخريج الأحاديث.

(٣) هكذا صححناه وفي الاصل : سيعمهم.

٣٦٣

وكذلك قام المهدي عليه‌السلام من المغرب ، وظهر فيه أمره بعد أن كان مستترا بوصول صاحب دعوته المغرّب بجموع عساكر أوليائه المستجيبين لدعوته إليه في سنة ست وتسعين ومائتين ، وصار الى دار مملكته بالمغرب ـ بإفريقية ـ في سنة سبع تسعين تتلوها.

[١٢٣٤] وعن جعفر بن محمد بن على صلوات الله عليهم ، أنه ذكر المهدي عليه‌السلام. فقال : تطلع الرايات السود. وأومى بيده الى المشرق ، وتطلع رايات المهديّ من هاهنا ، وأومى بيده الى المغرب.

وذلك في أيام بني أميّة قبل قيام بني العباس.

وطلعت راياتهم السود من قبل المشرق من جهة خراسان ، فطلعت رايات المهدي بعد ذلك من المغرب كما قال صلوات الله عليه.

[١٢٣٥] عبد الرحمن بن بكار الأقرع القيرواني ، قال : حججت ، فدخلت المدينة ، فأتيت مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرأيت الناس مجتمعين على مالك بن أنس يسألونه ويفتيهم. فقصدت نحوه ، فاذا أنا برجل وسيم حاضر في المسجد وحوله حفدة يدفعون الناس عنه ، فقلت لبعض من حوله : من هذا؟

قالوا : موسى بن جعفر.

فتركت مالكا ، وتبعته ، ولم أزل أتلطف حتى لصقت به ، فقلت :

يا ابن رسول الله إني رجل من أهل المغرب من شيعتكم وممن يدين الله بولايتكم.

قال لي : إليك عني يا رجل ، فانه قد وكّل بنا حفظة أخافهم عليك.

قلت : باسم الله ، وانما أردت أن أسألك.

فقال : سل عما تريد؟

٣٦٤

قلت : إنا قد روينا أن المهدي منكم ، فمتى يكون قيامه ، وأين يقوم؟

فقال : إن مثل من سألت عنه مثل عمود سقط من السماء رأسه من المغرب وأصله في المشرق ، فمن أين ترى العمود يقوم إذا اقيم؟

قلت : من قبل رأسه.

قال : فحسبك ، من المغرب يقوم وأصله من المشرق وهناك يستوي قيامه ويتم أمره.

وكذلك كان المهدي عليه‌السلام ونشأته بالمشرق ثم هاجر الى المغرب ، فقام من جهته. وبالمشرق يتم أمره ، ويقوم من ذريته من يتم الله به ذلك فيما هناك ، ويورثه الأرض كما قال عزّ وجلّ في كتابه المبين : ( وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ ) (١) وكله ينسب الى المهدي عليه‌السلام لانه مفتاحه وبدعوته امتدّ أمره ، وكل قائم من ولده من بعده مهدي قد هداهم الله عزّ وجلّ ذكره ، وهدى بهم عباده إليه سبحانه ، فهم الائمة المهديّون والعباد الصالحون الذين ذكرهم الله في كتابه أنه يورثهم الارض وهو لا يخلف الميعاد.

[١٢٣٦] أبو وهاب ، باسناده يرفعه الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال : يخرج ناس من المشرق ، فيعطون المهدي سلطانه (٢) يدعونه.

ودعوة المهدي عليه‌السلام والائمة من ولده عليهم‌السلام قد انتشرت بحمد الله في جميع الأرض ، وغرت في غير موضع من أقطارها بالمشرق والمغرب فيوشك أن يكون بعض أوليائهم يقومون من قبل المشرق يدعوهم في تمام أمرهم فيقومون لوليّ الزمان هناك سلطانه والله يقرب ذلك وينجز وعده لاوليائه

__________________

(١) الأنبياء : ١٠٥.

(٢) وفي كنز العمال ج ١٤ / الحديث ٣٨٦٥٧ : فيوطئون للمهدي.

٣٦٥

بفضله ورحمته لعباده وحوله وقوته.

وقد يكون المراد بالذين يخرجون من المشرق من خرج منه من الدعاة إليه كما كان أبو عبد الله صاحب دعوة المغرب ومن كان معه ممن أرسله داعي اليمن ، وقد ذكرت خبرهم في كتاب الدولة.

[١٢٣٧] الحبري ، باسناده ، عن علي عليه‌السلام ، وسلمان ، وحذيفة بن اليمان يرفعونه الى [ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ] : تمام أمر آل محمد عليهم‌السلام عند ظهور رايات تخرج من السند (١).

ودعوة وليّ الزمان قد ظهرت بالسند ، وعن أوليائه بها من غلب داعية هناك على صاحب مملكة السند ، فقتله ، وكان على المجوسية ، وقتل رجاله ، وهدم الصنم الذي كانوا يعبدونه ، وجعل الهيكل كل الذي كان فيه مسجدا جامعا ، وعزّ سلطانه ، وذلك بحول الله وقوته ، يشهد انجاز وعده لأوليائه على ما جاء في هذا الخبر من ظهور رايات السند ، إذ قد ظهرت رايات السند في دعوة أولياء الله هناك ، وعن أهلها وظهر سلطان وليّ الزمان بها.

[ الصادق عليه‌السلام مع قوم من أهل الكوفة ]

[١٢٣٨] عن جعفر بن محمد عليه‌السلام ، أنه قال لقوم من أهل الكوفة : أنصارنا غيركم ما يقوم مع قائمنا من أهل الكوفة إلا خمسون رجلا ، وما من بلدة إلا ومعه منهم طائفة إلا أهل البصرة فانه لا يخرج معه منهم إنسان.

فأهل الكوفة في قدم الزمان هم كانوا اكثر أنصار من قام من أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يدعي الامامة ممن قدمنا ذكره. وكان في هذا

__________________

(١) بكسر أوله وسكون ثانيه وآخره دال مهملة ، بلاد بين الهند وكرمان وسجستان ( معجم البلدان ٣ / ٢٦٧ ).

٣٦٦

الحديث ما يوجب إبطال ما ادعوه فيما قدمنا ذكره. ودعوة وليّ الزمان اليوم بحمد الله قد ظهرت ، وقامت دعاته في أكثر البلدان ، وأجاب إليها في كل بلدان عالم منه ، وأقل ذلك اليوم بالكوفة كما جاء في الخبر.

وأما البصرة : فالغالب على أهلها اليوم القول بالاعتزال ، ويوشك أنه متى ظهر القائم بالمشرق لا تقوم معه منهم لبعد المعتزلة من قول أهل الحق حتى يغلب عليهم قهرا ، وعلى أمثالهم بحول الله وقوته إن شاء الله تعالى.

[١٢٣٩] ومن رواية محمد بن حميد القيرواني ، وكان شيعيا يرفعه ، الى سالم بن أبي الجعد ، أنه قال : كنت أطوف بالبيت أنا وسعيد بن حمير ، فطفنا ما شاء الله ، ثم أتينا حلقة في هذا المسجد فيها عبد الله بن عمر ، وابن العاص ، وابن صفوان ، وناس من قريش ، فقال عبد الله بن عمر : ولنا من أين أنتم؟

قلنا : من أهل العراق.

قال : ومن أيّ أهل العراق؟

قال له عبد الله بن صفوان الجمعي : سواء أهل الكوفة وأهل البصرة.

فقال عبد الله بن عمر : ولأهل الكوفة خير من أهل البصرة لانهم اكثر تتبعا للمهدي.

وهذا مما لم يقله عبد الله بن عمر برأيه ، ولا من قبل نفسه ، وإنما هو شيء سمعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو بلغه عنه ، لأن هذا ومثله من علم ما يكون لا يؤخذ إلا عن أنبياء الله. وهذا مما ذكرنا قبله مما يعلو أهل البصرة بالقول بالاعتزال الى اليوم ، وذلك مما يخلفهم من القيام مع وليّ الزمان إذا انتهى إليهم حتى يظهر عليهم وعلى غيرهم من أمثالهم كما ذكرنا بحول الله وقوته.

[١٢٤٠] وروى سليمان بن جعفر حديثا يرفعه الى علي بن أبي طالب عليه

٣٦٧

السلام ، أنه ذكر أمر القائم من آل محمد المهدي ، وما يكون منه على يديه من الأمر ، ثم قال : صاحب هذا الأمر الطريد الشريد الفريد الوحيد.

وكذلك كان المهدي عليه‌السلام لما فشت دعوته بالمشرق وكثرت دعاته وبنو أخيه والمستجيبون لهم ، نقم الاعداء [ عليه ] ، فطلبوه ، واتصل الخبر به ، فخرج من بني أهله وأسلم أمواله ، طريدا لخوفهم شريدا لما اتقاه منهم ، فريدا لا صاحب له في هجرته ، ولا أنيس له من وحدته غير وليّ الامر من بعده وهو حينئذ طفل صغير لم ينتصر من أهله إلا عليه (١) ليؤدي أمانة الله عزّ وجلّ إليه ، وكان همّه واشتغاله به اكثر من همّه واشتغاله بنفسه ، وكان سبيله في ذلك سبيل جده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ خرج من مكة خوفا من المشركين لما اجتمعوا على قتله ، وأبى الله إلا نجاتهما وظهورهما على من ناواهما ، واظهار دينه بهما وعلى أيديهما ، ولو كره الكافرون.

تمّ الجزء الرابع عشر من كتاب شرح الأخبار في فضائل الائمة الطاهرين الابرار ، والحمد لله وحده ، وصلاته على رسوله سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، وسلامه عليهم أجمعين ، من تأليف سيدنا الأجل القاضي النعمان بن محمد بن منصور ، قدّس الله روحه وانسه.

__________________

(١) هكذا في الاصل.

٣٦٨

٣٦٩
٣٧٠

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[ حول ظهور المهدي عليه‌السلام ]

[١٢٤١] عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام يقول : إن الإسلام بدأ غريبا ، وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء.

( وهذا حديث معروف يروى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، رواه كثير من الخاصّ والعام ، وإنما حكاه جعفر بن محمد الصادق عنه صلوات الله عليه ، وتركت إسناده إليه ) (١).

قال أبو بصير : فقلت له : اشرح لي هذا ، جعلت فداك يا ابن رسول الله.

قال عليه‌السلام : يستأنف الداعي منا دعاء جديدا كما دعا رسول الله.

وكذلك المهدي استأنف دعاء جديدا الى الله لما غيّرت السنن وكثرت البدع ، وتغلّب أئمة الضلال ، واندرس ذكر ائمة الهدى الذين افترض الله طاعتهم على العباد وأقامهم للدعاء إليه ، والدلالة بآياته عليه ، ونسي ذكرهم ، وانقطع خبرهم لغلبة ائمة الجور عليهم.

فلما أنجز الله بالدعاء للائمة ما وعدهم به من ظهور مهديهم احتاج

__________________

(١) ما بين القوسين هو كلام المؤلف.

٣٧١

أن يدعوهم دعاء جديدا كما ابتدأهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالدعاء أولا.

[ خطبة أمير المؤمنين في الكوفة ]

[١٢٤٢] وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أنه خطب الناس في الكوفة ، وندبهم الى الجهاد ، وحذرهم الفشل ، وما يخشى من سوء عواقبه. فلما فرغ من خطبته قام إليه رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين ، من ذا يرومنا (١) وأنت فينا أخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وابن عمه ، وصهره ، ومعنا لواء رسول الله ورايته ، ومعنا ابنا رسول الله الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، فلو اجتمعت الجن والإنس علينا ما أطاقونا.

فقال له علي عليه‌السلام : وكيف يكون ذلك ، ولم يشتدّ البلاء وتظهر الحمية وتستبى الذرية ، ويطحنكم طحن الرحى ببقالها حتى لا يبقى إلا نافع لهم ، أو غير ضارّ لهم. فإذا كان ذلك ابتعث الله خير هذه الامة ( أو قال : البرية ) فيقتلهم هرجا هرجا حتى يرضى الله ، وحتى يقول قريش والعرب : والله لو كان هذا من آل محمد لرحمنا. ويتمنون أنهم رأوني ساعة من نهار لأشفع لهم الله.

فقام إليه رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ومتى يبلغ رضا الله؟

قال : يقذف الله في قلبه الرحمة ، فيرفع السيف عنهم.

فقال له : متى يكون ذلك؟

قال : إن شاء الله.

__________________

(١) يرومنا : يريدنا.

٣٧٢

[ ضبط الغريب ]

قوله : طحن الرحى ببقالها. البقال : خرقة أو جلدة تلقى تحت الرحى إذا كانت تطحن.

قوله : هرجا هرجا : القتال ، والاختلاط فيه.

وكذلك لم يقم المهدي حتى اشتد البلاء وظهرت الحمية من بني العباس ومن بني أميّة ، وسبيت الذرية ـ ذرية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عند مقتل الحسين عليه‌السلام ، وطحنت الفتنة طحن الرحى ببقالها ، وحتى لم يبق من المؤمنين إلا نافع لأعداء الله لما ينالون منهم ، أو غير ضارّ لهم. فعند ذلك قام ابن خير هذه الامة وهو المهدي ابن علي الوصي (١) وابن خير البرية لانه ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . فقتل من أعداء الله أيام مدته من وصلت إليه يده.

ويقتل كذلك من ولده منهم من بقي حتى يجعل الله في قلبه الرحمة ، فيرفع السيف عنهم كما قال علي عليه‌السلام ، ولم يقل عليه‌السلام من ذلك إلا ما أخبره به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأطلعه على ما يكون من مثل ذلك وغيره ، وذلك من شواهده وبراهينه عليه‌السلام.

[ سيرة المهدي ]

[١٢٤٣] وعن جعفر بن محمد عليه‌السلام ، أنه قال : لو قام قائمنا ما أقام الناس على الطلاق إلا بالسيف ، ولو قد كان ذلك لم يكن إلا بسيرة علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

وكذلك كان الأمر لما قام المهدي ، أقام الناس على طلاق العدة (٢)

__________________

(١) أقول كما ذكرت في ج ١٤ : إن هذه كلها تدل وتشير على بقية الله الاعظم المهدي ابن الحسن العسكري عجل الله فرجه وليس كما تصوره المؤلف.

(٢) وهو أن يطلق على الشرائط ثم يرجع في العدة ويطأ.

٣٧٣

والسنّة (١) على ما نصّه الله في كتابه وسنّة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقطع طلاق البدعة (٢) ، وكل ما ابتدعه المبتدعون في الدين والاحكام ، والقول في الحلال والحرام ، وأقام الناس بالسيف على سيرة علي عليه‌السلام التي سار بها في الامة على ما عهد إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومما آثره على ذلك الأئمة من ولده ، فأحيوا ما أماته المبطلون من أحكام الدين ، وقطعوا بدع المبتدعين ، ولا يزال ذلك حتى يعود الدين جديدا غضّا كما ابتدأ في الإسلام صفوا محضا كما نشأ. ويكون الدين لله كما وعد تعالى في كتابه ، ويظهر على كل دين كما أوجب في ايجابه ، ويكون ذلك على أيدي ائمة دينه وأوليائه ، وينسب الى المهدي أو لهم إذا كان سبب ابتدائه ، وعنه تفرع ما تفرع فيه الى غاية انتهائه كما ينسب ذلك وما قبله الى محمد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ هو في شريعته وملّته ولأهل دعوته وامته وعلى يد الائمة من ذريته.

[١٢٤٤] ومما جاء مما يؤكد ذلك مما هو في معناه ما روي عن سلمان الفارسي رحمة الله عليه مما آثره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه ذكر المهدي عليه‌السلام وقال : إنه لقاتل الظالمين ويقتل الزنادقة ، ولا يقبل منهم توبة ، ولا يأخذ منهم جزية ، ولا يدع في الأرض أحدا على غير دين الاسلام إلا قتله ، ويهلك الترك والخزر والديلم والحبش ، ويؤتي بملوك الروم مصفدين في الحديد ، ولا يدع يهوديا ولا نصرانيا ، ولا يوجب لهم ذمة ، ويردّ الناس جميعا على ملّة إبراهيم ومحمد عليهما‌السلام.

فهذا مما ذكرنا أنه يجري شيئا بعد شيء على يد المهدي والائمة من ولده ، وينسب إليه إذ هو أول من فتحه وقام به ، والى رسول الله إذ هو صاحب

__________________

(١) وهو الطلاق مع الشقاق بينهما وعدم التلاؤم فيما بينهما وينقسم الى بائن ورجعي.

(٢) وهو الطلاق مع عدم تمامية الشروط مثل طلاق الحائض.

٣٧٤

الشريعة والملّة ووليّ الائمة والامامة وصاحب الرسالة والدعوة كما قيل أنه يكون لبعض الائمة فلم يكن فيه حتى قبض وهو يكون في وليه من بعده وينسب إليه.

[١٢٤٥] وقد جاء هذا أيضا عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام فيما رواه حمزة بن حمران عنه ، أنه قال : عددت عليه الائمة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واحدا بعد واحد حتى بلغت إليه ، وشهدت أن الله تعالى فرض طاعتهم ، فلما سميته أومى بيده إليّ أن أسكت ، فسكتّ.

فقال : ما كانت الائمة على حال مذ قبض الله نبيّه ، ألا ومن سميت أولى الناس بالناس.

ثم قال : إذا حدثتكم في رجل منا بشيء بأنه يكون فيه فلم يكن فيه فهو كائن في ولده من بعده.

فهذا بيان ما ذكرته ومصداقه ، ويؤيد ذلك ويشده ويؤكده قول الله تعالى في محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (١) هذا وعد من الله لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنجز له بعضه في حياته ، ثم أظهر عليه من الأديان ، وأنجز ذلك وينجز باقيه على أيدي الائمة من ذريته.

[١٢٤٦] ومن مثل ذلك ما رواه الحسن بن محبوب ، باسناده ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام ، أنه قال : إذا قام القائم منا عرض الإيمان على كل ناصب ، فان دخل فيه بحقيقة والاّ ضرب عنقه ، أو يؤديه (٢) الجزية كما يؤديها أهل الذمة اليوم ، ويشدّ (٣) على وسطه

__________________

(١) التوبة : ٣٣.

(٢) وفي بحار الانوار ٥٢ / ٣٧٥ : أو يؤدي.

(٣) هكذا صححناه وفي الاصل : يشتد.

٣٧٥

الهميان ، ويطردهم من الأمصار الى السواد.

وهذا مما لم يكن بعد ممن مضى من الائمة ، وهو كائن لمن يقول منهم اذا دان العالم ، وقوى أمره ، وكان الدين واحدا كما وعد الله تعالى.

[١٢٤٧] ومما رواه زادان ، عن سلمان الفارسي ( رحمة الله عليه ) ، ومن ذلك مما آثره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : لا بدّ من قائم من ولد فاطمة يقوم من المغرب يقتل الزنادقة ، ويملك الترك ، والخزر ، والديلم ، والحبش ، ويؤتى بملوك الروم مصفدين في الحديد ، ولا تقوم راية إلا راية الايمان.

وهذا من معنى ما تقدم ذكره وشرحناه.

[ المهدي هو الفاتح للقسطنطينية ]

[١٢٤٨] ومن رواية الشعبي ، عن حذيفة بن اليمان ، مما آثره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال :

لا يفتح بلنجر ، ولا جبل الديلم ، ولا القسطنطينية إلا رجل من بني هاشم (١).

يعنى امام ذلك الزمان من ولد المهدي ، ولم يكن ولا يكون إمام من بني هاشم ، إلا علي عليه‌السلام والائمة من ذريته ، نسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذريته من فاطمة الزهراء سيدة نساء العالم ، كما جاء ذلك فيما تقدم ذكره من هذا الكتاب ، ولا يفتح هذا الموضع إلا هم عليهم‌السلام (٢).

[١٢٤٩] ومن ذلك أيضا ما رواه الشعبي ، أنه قال : أخبرني مالك بن

__________________

(١) وفي عقد الدرر ص ٢٢٣ : إلا على يدي رجل من آل محمد.

(٢) وقد زالت الدولة الفاطمية ولم تفتح هذه الاماكن ، وهذه هي علامات للحجة المنتظر عجل الله فرجه.

٣٧٦

صحار الهمداني ، قال : غزونا بلنجر في خلافة عثمان ، فنكثنا ، وجرح أخي فحملته بين يدي جريحا ، وقد انصرفنا ، فاني لأسير يوما إذ أدركني رجل من خلفي ، فضرب ظهري بسوط في يده ، فالتفت فاذا هو حذيفة ( بن اليمان ) فسلّمت عليه.

فقال : من هذا بين يديك؟

فقلت : أخي مجروحا ، ولقد رأيت ما لقينا في غزوتنا ، ولكنا نرجو أن نفتحها من قابل إن شاء الله تعالى.

فقال حذيفة : الذي يفتح الديلم ، وبلنجر ، والقسطنطينية رجل من بني هشام ، بهم فتح الله الأمر وبهم يختم.

فما أنه فتح ، ويفتح من هذه المواضع وغيرها ، فلا بدّ أن يفتحه الفتح الكامل الذي لا يكون بعده دين غير دين الاسلام قائم ذلك الزمان من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يجمع الله له أمر العباد ويظهر دينه على الدين كله كما وعد سبحانه ذلك في الكتاب.

[١٢٥٠] ومن حديث وكيع بن الجرّاح ، يرفعه الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال : ليفتحن القسطنطينية ، ولنعم الأمير أميرهم ، ولنعم الجيش ذلك الجيش.

والقسطنطينية بعد لم تفتح ، والذي يفتحها كما جاء في الخبر قبل هذا ، قائم من الامة من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

٣٧٧

[ صفة المهدي ]

[١٢٥١] ومن حديث سفيان الثوري ، يرفعه الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال : المهدي رجل من ولدي ، أرى وجهه كالكوكب الدري ، اللون لون عربي ، والجسم جسم إسرائيلي.

فكذلك كان المهدي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسيما من أجمل الرجال وجها كأن وجهه كوكب دري كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في صفته.

[ ضبط الغريب ]

والكوكب الدري : هو المضيء من الكواكب ، وجمعها دراري.

وكذلك كان وجه المهدي مشرقا مضيئا كأنما هو نور يلوح منه لمن نظر إليه.

قوله : اللون لون عربي. وكذلك كان لونه كلون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سيد العرب ، أبلج الوجه ، يشوبه حمرة ، وهو الذي يقول له أهل المعرفة بالحلي من العرب : الرفق والسمرة ، ولا يقولون : أبيض في ألوان الناس ، وهذا أفضل ألوان الناس عند العرب ، وهو اكثر ألوان أشرافهم.

وقوله : الجسم جسم إسرائيلي : وأجسام بني اسرائيل أجسام جسيمة ، وهم في الاكثر والأغلب أجسم من العرب.

وكذلك كان المهدي وسيما جسيما بساطا لا يكاد أحد يماشيه إلا

٣٧٨

قصر عنه ، وصغر الى جانبه ، وكذلك كان من صارت إليه الامامة من بعده الى اليوم ، قد أتاهم الله تعالى بالفضل والجمال والكمال.

ولقد حاول المهدي بالله في حين استتاره أن يخفي نفسه ويخملها فما قدر على ذلك ، وكان حيثما مرّ ورآه من يحصّل أمره ، يقول : والله ما هذا إلا ملك من الملوك ، وما هذا سوقة ولا تاجر كما يقول.

وكذلك حاول المنصور مرارا أن يخفي نفسه لبعض من أراد أن يسمع كلامه فتزيا بغير زيّه ، ولبس خلاف لباسه ، ودخل بين جماعة تقدم إليهم في اطراح اجلاله وتبجيله ، وأن يحلوه محل أحدهم. ففعلوا ، فما خفي على من رآه.

وفعل ذلك في بعض أسفاره ودخل الى بعض حصون المرابطين في بعض الأطراف ، وبها من لم يره قط ، فما خفي عنهم. وفعل مثل ذلك لما ظفر باللعين مخلد ، وصار في أسره. وبمعتد بن محمد بن جرز لما صار في الأسر إليه أيضا ، فما خفي عن واحد منهما بل عرفاه ، وما كانا قبل ذلك رأياه. والعرب تقول في مثل هذا في بعض امثالها : هيهات لا يخفى القمر.

[١٢٥٢] وروى عبد الله بن عمر ، وذلك مما آثره أو نقله عن رسوله الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال :

يعطى المهدي قوة عشرة.

وكذلك كان المهدي قويا معروفا بذلك من حداثة سنّه.

[١٢٥٣] ومن حديث قتادة ، يرفعه الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال :

المهدي أجلى الجبهة أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.

وكذلك كانت صفة المهدي أقنى وأجلى ، وهاتان الصفتان من أحسن صفات الجباه والانوف ، وملأ عدله ما وصل إليه سلطانه من الأرض ، ويملأ باقيها من يأتي بعده.

وقيل لبعض الائمة الماضين : أنت المهدي؟

٣٧٩

قال : كيف أكون المهدي ، وقد بلغت من السن ما ترون. وأخذ ساعده فمدّ جلده ، وقال : المهدي لا يؤخذ له بالركاب.

[١٢٥٤] وعن أبي جعفر محمد بن علي عليه‌السلام ، أنه قال : يقوم المهدي عليه‌السلام وليس في رأسه ولا لحيته طاقة بيضاء.

وكذلك كان المهدي لما قام بالامامة ، وسلمها إليه إمام الزمان الذي كان في عصره ونصّ عليه بأنه مهديّ الائمة ، ودعت بذلك إليه دعاته. وهو يومئذ حدث السن مقتبل الشباب من الفتيان وأحسن الشبان.

[١٢٥٥] وروي عن عبد الله بن مسعود مما آثره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال : إنكم معشر هذه الامة تصيرون أربع امم.

امة قائمة على الحق لا ينقص الباطل منها شيئا.

قيل : ولا يقاتلون؟

فقال : بلى ، ويزلزلون زلزالا شديدا.

وامة على الباطل ليسوا من الحق على شيء.

قيل : وهم يصلّون؟

قال : نعم ، وتكون صلاتهم عليهم شاهدا.

وامة يذهبون يريدون الحق ، فيخطئونه ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ولا يعودون فيه حتى يعود السهم على فوقه.

وامة برأيهم يقولون هؤلاء أهدى بل هؤلاء أهدى فيلبثون في ذلك ما شاء الله أن يلبثوا. ثم يوشك الإسلام أن يعود الى الباب الذي خرج منه.

قيل : إلى أين يا عبد الرحمن؟

قال : الى بني عبد المطلب.

٣٨٠