شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٩٩

قال : فكيف جعل الله عزّ وجلّ في البول الوضوء ، وفي المني الغسل وهو الأطهر ، هل يقاس هذه؟

قال : لا.

قال : أيهما أعظم الزنا أم القتل؟

قال : القتل.

قال : فقد جعل الله عزّ وجلّ في قتل النفس شاهدين إذا شهدا بالقتل على إنسان قتل إذا طلب قتله وليّ الدم ، ولا يحلّ من شهد عليه بالزنا إلا أن يشهد عليه أربعة ، ولو كان الدين جاريا على القياس لكان القتل [ بالشاهدين ] (١) الذي هو أعظم يكون الشهود فيه اكثر.

وأيهما أعظم الصلاة أم الصوم؟

قال : الصلاة [ أفضل ].

قال : فقد أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الحائض أن تقضي الصوم ، ولا تقضي الصلاة. ولو كان على القياس لكان الذي هو أعظم أحقّ أن يقضى.

فسكت أبو حنيفة ولم يحر جوابا.

__________________

(١) الزيادة غير موجودة في الأصل.

٣٠١

[ من دعائه عليه‌السلام ]

[١٢٠٧] لما قتل داود (١) المعلّى بن خنيس (٢) ، فدخل عليه أبو عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام ، وقد قال لابنه إسماعيل عليه‌السلام : اتبعني بالسيف.

فقال لداود : قتلت مولاي ، وأخذت ما لي؟

قال داود : ما أنا قتلته.

قال : من قتله؟

قال : هذا ـ وأومى بيده الى شرطي بين يديه ـ.

قال جعفر بن محمد عليه‌السلام لإسماعيل ابنه : خذ هذا ـ يعني الشرطي ـ فقبض عليه إسماعيل.

فجعل الشرطي يقول لداود : تأمرني بقتل الرجل ، فلما قتلته بأمرك ، قلت : هذا قتله.

قال له أبو عبد الله عليه‌السلام : قد صدقت فيما قلت ، وما قتله إلا هو. ولأدعون الله عليه.

ثم خرج ، فقال داود : يهددنا بدعائه.

__________________

(١) وهو داود بن علي بن عبد الله بن العباس ـ عم السفاح ـ والي المدينة.

(٢) وهو أبو عبد الله مولى الامام الصادق عليه‌السلام.

٣٠٢

وبات جعفر بن محمد بن علي عليه‌السلام في ليلته قائما يصلّي ويدعو على داود ، وكان مما سمع من دعائه عليه‌السلام عند وجه السحر ، وهو ساجد :

يا ذا القوة والقدرة ، ويا ذا المحال الشديد ، ويا ذا العزة ، التي خضع لك كل خلقك قائما ذليلا ، عجّل أخذك لداود ، وانتقامك منه.

وبات داود هائما قد اغمي عليه.

قالت لبابة بنت عبد الله بن عباس (١) : فقمت ، أفتقده في الليل ، فوجدته مستلقيا على قفاه ، وثعبان قد انطوى على صدره ، وجعل فاه على فيه. فأدخلت يدي في كمي ، فناولته ، فعطف فاه عليّ. فرميت به فانساب في ناحية البيت ، وانبهت [ الى ] داود ، فوجدته حائرا قد احمرتا عيناه ، فكرهت أن اخبره بما كان منه ، وخرجت عنه (٢) فانصرفت إليه ثانية ، فوجدت ذلك الثعبان كذلك ، ففعلت مثل الذي فعلت المرة الاولى ، وحركت داود فأصبته ميتا. فما رفع جعفر بن محمد رأسه من السجود حتى سمع الهاتفة (٣) والناس يقولون : مات داود.

[١٢٠٨] وسعي بجعفر بن محمد عليه‌السلام الى أبي الداوانيق ، فقال للربيع (٤) ـ حاجبه ـ : يا ربيع ، ائتني بجعفر ، قتلني الله إن لم أقتله.

فجاء به الربيع.

__________________

(١) وفي بحار الانوار ٤٧ / ١٧٦ : وفي رواية لبابة بنت عبد الله بن العباس : بات داود تلك الليلة حائرا قد اغمي عليه ، فقمت ... مع اختلافات يسيرة.

(٢) وفي المناقب ٣ / ٣٥٧ والبحار : وجزعت عليه.

(٣) وفي بحار الانوار : سمع الواعية.

(٤) هو أبو الفضل الربيع بن يونس بن محمد بن أبي فروة ولد ١١١ ه‍ عاش الى خلافة الهادي العباسي وتوفي ١٦٩ ه‍.

٣٠٣

قال الربيع : فلما قرب منه حرك شفتيه. فلما دخل عليه قال له : يا جعفر تحاول الفتنة وتريد سفك دماء المسلمين وتلحد في سلطاني وتبتغي (١) الغوائل.

فقال له جعفر بن محمد : يا أمير المؤمنين ما فعلت ذلك ولا أردته فقد علمت قديما ما أنا عليه ، فلا تقبل عليّ من كاذب إن كذب ، وساع إن سعى بي عندك.

فسكت.

ثم قال : يا أبا عبد الله والله اني لأعلم أنت عليه قديما كما ذكرت ، ولو كنت قد فعلت ما قيل لك فقد ابتلي أيوب (٢) ، فصبر.

وظلم يوسف (٣) ، فغفر. وأعطى سليمان (٤) ، فشكر.

[ فقال : ] وهؤلاء أنبياء الله إليهم يرجع أنسابنا ، ارتفع الى هاهنا.

فرفعه إليه ، وأجلسه على فراشه الى جانبه ، ثم دعا برجل فقال : ألست القائل عن هذا كذا وكذا؟

قال : نعم يا أمير المؤمنين.

قال : فسمعت ذلك منه ، أو بلغك عنه؟

قال : بل سمعت باذني.

قال : أفتحلف على ذلك؟

قال : نعم.

قال : فقل : والله الذي لا إله إلا هو الطالب الغالب.

فقال جعفر بن محمد عليه‌السلام : يا أمير المؤمنين إن رأيت أن

__________________

(١) وفي اعلام الورى ص ٢٧٠ : تبغيني الغوائل.

(٢) النبي الصابر ذكره تعالى في القرآن الكريم.

(٣) يوسف بن يعقوب النبي وقصته مع اخوته كما في القرآن الكريم.

(٤) سليمان بن داود الذي أعطاه الله الملك والنبوة.

٣٠٤

تجعل استحلافه إليّ ، فأستحلفه بما شئت.

[ ثم ] قال : يا أمير المؤمنين ، إن العبد إذا وحّد الله ومجّده وحلف بعد ذلك لم ينتقم الله منه ، وان كذب في الدنيا.

ثم أقبل على الرجل فقال له : تحلف بما أستحلفك به؟

قال : نعم.

قال عليه‌السلام : فاتق الله في نفسك ولا تحلف كاذبا ، واستقبل أمير المؤمنين ، وقل الحق.

قال : ما قلت إلا ما سمعته منك ولا أرجع.

قال جعفر بن محمد عليه‌السلام : اللهمّ أنت الشاهد عليه والعالم بقوله.

ثم أقبل عليه ، وقال له : قل إن كنت حالفا : ( برئت من [ حول ] الله وقوّته ، وأسلمت إلى حولي وقوّتي إن لم يكن جعفر بن محمد قال كذا وكذا ) (١).

فقال الرجل ذلك ، فما برح مكانه حتى صرع ، فمات.

قال أبو الدوانيق : خذوا برجليه لعنه الله (٢).

فجروه حتى أخرجوه. وعطف أبو الدوانيق على أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام يسترضيه ، ثم قال : انصرف يا أبا عبد الله فاني أخشى أن يسوء ظن أهلك بنا فيك.

فلما انصرف لحقه الربيع فقال : يا ابن رسول الله لقد دخلت عليه ، وما ظننت إلا أنه سيقتلك لما رأيت من حنقه عليك ، ويمينه أنه ليقتلك ، فلما دخلت إليه رأيتك حركت شفتيك ، فنظرت إليه قد

__________________

(١) وفي اعلام الورى ص ٢٧١ أضاف : والتجأت إلى حولي وقوتي لقد فعل كذا وكذا جعفر.

(٢) وفي اعلام الورى : جروا برجليه.

٣٠٥

حال عما كان لك عليه ، وما أراك إلا دعوت الله تعالى ، فعلّمني ما دعوت.

قال : دعوت بدعاء جدي الحسين بن علي عليه‌السلام.

قال : وما هو ، جعلت فداك؟

قال : قلت : يا عدتي عند شدتي ، ويا غوثي عند كربتي ، احرسني بعينك الّتي لا تنام ، واكفني برحمتك (١) الّتي لا ترام (٢).

[ توضيح وبيان ]

وقول جعفر بن محمد لأبي الدوانيق (٣) : قد علمت قديما ما أنا عليه. وقول أبي الدوانيق : إنه يعلم ذلك.

وانما ذكّره شيئا قد كان شاهده منه ، وذلك أنه يوما في أيام بني أميّة وجعلوا يستحثونه على القيام ، ويذكرون كثرة أوليائه ، وكان أكثرهم قولا أبو الدوانيق ، فضرب أبو عبد الله عليه‌السلام [ على ] فخذ أبي الودانيق.

ثم قال له : أما بلغك قول أبي لاخيه زيد لما همّ بالقيام : ويحك يا زيد احذر أن تكون غدا المصلوب بالكناسة ، إنّا أهل بيت لا يقوم منا قائم قبل أوان قيام مهدينا إلا كان كمثل فرخ طائر نهض عن عشه قبل أن يستوي جناحاه فما هو أن يستقل مرة أو مرتين بالطيران حتى سقط ، فيأخذه الصبيان يتلاعبون به (٤).

__________________

(١) وفي اعلام الورى : بركنك.

(٢) قال الربيع : فحفظت هذا الدعاء فما نزلت بي شدة قط فدعوت به إلا فرج الله عني ( اعلام الورى ص ٢٧١ ).

(٣) وهو أبو جعفر المنصور الدوانيقي ثاني خلفاء بني العباس. والدانق وحدة عملة نقدية كانت رائجة في ذلك الزمان سمي بها لبخله الشديد.

(٤) وقد مرّ البحث حول هذه الرواية في الجزء الثالث عشر.

٣٠٦

فقال له : متى يكون قيام مهديكم يا ابن رسول الله فقال : والله لا يكون ذلك حتى يتلاعب أنت وذريتك من بعدك بهذا الأمر دهرا طويلا.

فقال له أبو الدوانيق : أنا يا ابن رسول الله؟

قال : نعم ، أنت.

فكان ذلك مما صرف الله عنه به شره.

فاذا سعى به إليه ، وقيل له فيه ذكر هذا الحديث ، فعلم أنه لا يقوم عليه.

[١٢٠٩] وأرسل إليه يوما ، وقد سعى به إليه ، وأكد عليه أمره ، وعلم كثرة أتباعه ، فلما دخل أبو عبد الله عليه‌السلام حرّك شفتيه ، فرأى منه أبو الدوانيق فقال : ما تقول يا جعفر ، تسبني ، وتلعنني.

فقال : لا والله يا أمير المؤمنين ما سببتك ، ولا لعنتك.

قال : فما حركت به شفتيك؟

قال : دعوت الله عزّ وجلّ.

قال : بما دعوت؟

قال : قلت : اللهمّ إنك تكفي من كل شيء ، ولا يكفي منك شيء ، فاكفنيه يا كافي كل شيء.

فقال له أبو الدوانيق : لا والله ما مثلك يترك.

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا أمير المؤمنين إني بلغت من السنين ما لم يبلغه أحد من آبائي في الإسلام ، وما أراني أن أصحبك إلا قليلا ، وما أرى هذه السنة تتم لي ، فلا تعجل عليّ فتبوأ بإثمي (١).

فرقّ له وخلّى سبيله. وتوفي تلك السنة سلام الله عليه ، وكانت وفاته في المدينة في شوال سنة ثمان وأربعين ومائة. وهو ابن ثمان

__________________

(١) وفي بحار الانوار ٤٧ / ٢٠٦ أضاف : فقال أبو جعفر : احسبوا له. فحسبوا ، فمات في شوال.

٣٠٧

وستين (١).

ويقال : تسع وستين وقال مالك بن أعين الجهني يرثيه شعرا :

فيا ليتني ثم يا ليتني (٢)

شهدت الذي كنت لم أشهد

فآسيت في بثه جعفرا

وشاهدت في لطف العود

فان قيل نفسك قلت الفداء

وكفّ المنية بالموصد

عشية يدفن فيك الهدى

وغرة زهرة بني أحمد (٣)

وقال الآخر :

يا عين ابك جعفر بن محمد

زين المشاعر كلها والمسجد (٤)

__________________

(١) توفي في الخامس والعشرين من شهر شوال متأثرا بسم دسه إليه المنصور العباسي علي يد عامله على المدينة محمد بن سليمان.

(٢) وفي المناقب ٤ / ٢٧٧ : وغيبت عنك فيا ليتني.

(٣) وفي المناقب أيضا : وغرة من بني أحمد.

(٤) وقال العوني أيضا :

عج بالمطي على بقيع الغرقد

واقرأ التحية جعفر بن محمد

وقل ابن بنت محمد ووصيه

يا نور كل هداية لم تجحد

يا صادقا شهد الإله بصدقه

فكفى مهابة ذي الجلال الأمجد

يا بن الهدى وابا الهدى وأنت الهدى

يا نور حاضر سرّ كل موحد

يا بن النبي محمد أنت الذي

أوضحت قصد ولاء آل محمد

يا سادس الانوار يا علم الهدى

ضلّ امرؤ بولاتكم لم يهتد

وقال أبو هريرة الأبار :

أقول وقد راحوا به يحملونه

على كاهل من حامليه وعاتق

أتدرون ما ذا تحملون إلى الثرى

ثبيرا ثوى من رأس علياء شاهق

غداة حثا الحاثون فوق ضريحه

ترابا وأولى كان فوق المفارق

أبا صادق ابن الصادقين إليه

بآبائك الاطهار حلفة صادق

لحقا بكم ذو العرش أقسم في الورى

فقال الله تعالى رب المشارق

نجوم هي اثنا عشرة كن سبقا

إلى الله في علم من الله سابق

٣٠٨

[ بعض فرق الشيعة ]

وكان لجعفر من الأولاد الذكور خمسة : عبد الله ، وإسماعيل. امهما فاطمة بنت الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

وامها : أم حبيب بنت عمرو بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

وامها : أسماء بنت عقيل بن أبي طالب.

ولم يكن جعفر بن محمد عليه‌السلام تزوج عليها ولا اتخذ سرية حتى ماتت.

[ الاسماعيلية ]

وكان إسماعيل أحبهما إليه وأبرّهما به. وولد لإسماعيل [ محمد ] بن إسماعيل ، وبلغ مبلغ الرجال في حياة أبيه ، وتوفي أبوه في حياة أبيه جعفر بن محمد عليه‌السلام بالعريض ، فحمل على رقاب الرجال حتى دفن بالبقيع. وكان أبوه جعفر بن محمد عليه‌السلام يأمر به ، فينزل ، ثم يكشف عن وجهه ، وينظر إليه ، ففعل ذلك ، وهو يسار به الى البقيع مرارا. وكان ذلك سببا (١). وكان قوم من الشيعة يقولون : توفي إسماعيل في حياة أبيه.

ويقولون : انه عهد إليه ، وانه هو عهد الى ابنه محمد (٢) وهم على ذلك الى

__________________

(١) هكذا في الاصل.

(٢) أقول : كيف يعهد إليه أبوه وهو لم يستلم العهد بعد ، لان أباه كان حيا ومات هو في حياة أبيه.

٣٠٩

اليوم يقولون بامامة ولده واحد بعد واحد.

[ الفطحية ]

وقال فريق من الشيعة بإمامة عبد الله بن جعفر [ الافطح ] (١) بعد أبيه جعفر بن محمد. ومات عبد الله بعد أبيه جعفر عليه‌السلام سبعين يوما ، ولم يدع ولدا ولا عقب له. وانقرض الذين كانوا يقولون بامامته ، فليس يقول أحد بذلك.

وولد لجعفر بن محمد عليه‌السلام بعد وفاة فاطمة أمّ عبد الله وإسماعيل ، موسى ومحمد وعلي لام ولد.

فقال قوم : بامامة موسى بعد أبيه جعفر بن محمد عليه‌السلام (٢).

ثم اختلفوا بعد موته ، فزعم قوم أنه حي لم يمت ولا يموت حتى يقوم ويملأ الارض عدلا.

[ القطيعية ]

وقوم منهم قطعوا على موته ، وقالوا : بامامة علي ابنه من بعده (٣) ، وسموه علي

__________________

(١) سمي بذلك لانه كان أفطح الرأس.

(٢) ومما يدل على امامته عليه‌السلام :

ما رواه الطبرسى عن محمد بن يعقوب الكليني ، باسناده ، عن أحمد بن ادريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن سليمان بن خالد ، قال : دعا أبو عبد الله أبا الحسين موسى ـ ونحن عنده ـ فقال لنا : عليكم بهذا بعدي فهو والله صاحبكم بعدي.

وروى أيضا عن محمد بن الوليد ، قال : سمعت علي بن جعفر ، قال : سمعت أبي جعفر ابن محمد عليه‌السلام يقول لجماعة من خاصته وأصحابه : استوصوا بابني موسى خيرا فإنه أفضل ولدي ومن أخلف من بعدي وهو القائم مقامي والحجة لله تعالى على كافة خلقه من بعدي.

(٣) ومما يدل على امامته عليه‌السلام :

ما رواه محمد بن يعقوب ، عن أحمد بن مهران ، عن محمد بن سنان واسماعيل بن عباد القصري ، جميعا عن

٣١٠

الارض ، وهذه الفرقة سميت القطيعية ، لقطعهم بالموت على موسى. [ في حبس هارون الرشيد مسموما ].

ثم اختلفوا بعد الموت على ابن موسى.

[١] فقال قوم منهم : مات علي ، ولم يخلف ولدا بالغا ، وانما خلف ابنه محمدا صغيرا طفلا لا يؤتم به ولا علم عنده.

[٢] وقال قوم منهم بامامته ، وسموه محمد التقي النقي (١). ثم قالوا : بإمامة ابنه علي وسموه علي الناصح (٢). ثم قالوا : بامامة ابنه من بعده الحسن ، وسموه

__________________

داود الرقي ، قال : قلت لأبي ابراهيم : جعلت فداك إنه قد كبر سني فخذ بيدي وانقذني من النار من صاحبنا بعدك.

قال : فأشار إلى ابنه أبي الحسن علي الرضا ، فقال : هذا صاحبكم من بعدي.

وعنه ، عن ابن مهران ، عن محمد بن علي ، عن الضحاك بن الاشعث ، عن داود بن زربي ، قال :

جئت إلى أبي ابراهيم عليه‌السلام بمال فأخذ بعضه وترك بعضه.

فقلت : جعلت فداك أصلحك الله لأيّ شيء تركته عندي؟

فقال : إن صاحب هذا الأمر يطلبه منك.

فلما جاء نعيه بعث إليّ أبو الحسن الرضا عليه‌السلام فسألني ذلك المال فدفعته إليه.

(١) ومما يدل على امامته عليه‌السلام :

ما رواه محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن صفوان بن يحيى قال : قلت للرضا عليه‌السلام : قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول : يهب الله لي غلاما ، فقد وهبه الله لك ، فأقرّ عيوننا فلا أرانا الله يومك فإن كان كون فإلى من؟

فأشار بيده إلى أبي جعفر عليه‌السلام وهو قائم بين يديه ، فقلت له : جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين!؟

قال : وما يضره من ذلك قد قام عيسى بالحجة وهو ابن أقل من ثلاث سنين.

وعنه ، عن علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الوليد ، عن يحيى بن حبيب الزيات ، قال : أخبرني من كان عند الرضا عليه‌السلام جالسا ، فلما نهضوا قال لهم أبو الحسن الرضا عليه‌السلام :

ألقوا أبا جعفر فسلّموا عليه وأحدثوا به عهدا فلما نهض القوم ؛ التفت إليّ ، فقال : رحم الله المفضل إنه كان ليقنع دون هذا.

(٢) ومما يدل على امامة علي بن محمد الهادي عليه‌السلام :

ما رواه الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مهران ، قال : لما خرج أبو جعفر في

٣١١

الحسن الفاضل (١).

ثم مات الحسن ولم يدع ولدا ذكرا ، واختلف هؤلاء الذين كانوا على ولايته.

فقال قوم منهم بولاية جعفر بن علي ، وأنكروا امامة الحسن في حياته. وقالوا : قد امتحناه فلم نجد عنده علما. ولما أن مات ولم يدع ولدا احتجوا بعد ذلك ، وقالوا : لا يكون الإمام إماما إلا وله خلف وعقب. وحاز جعفر بن علي (٢) على ميراث أخيه بعد دعاو ادعاها من قال بامامته ، من حمل زعم انه ترك في بعض جواريه ، ومنعوا من تسوية ميراثه حتى بطلت دعاواهم وانكشف أمرهم عند الخاصّ والعام والسلطان.

ثم تفرقوا فرقا كثيرة.

وقال قوم منهم كما ذكرنا بامامة جعفر بن علي ، وقالوا : بعده بامامة ابنه علي واخته فاطمة بنت علي.

__________________

الدفعة الاولى من المدينة إلى بغداد فقلت له : إني أخاف عليك في هذا الوجه فإلى من الأمر بعدك؟

قال : فكرّ بوجهه إليّ ضاحكا وقال : ليس حيث ظننت في هذه السنة.

فلما استدعى به المعتصم سرت إليه فقلت : جعلت فداك أنت خارج فإلى من الامر بعدك؟

فبكى حتى اخضلّت لحيته ، ثم التفت إليّ ، فقال : عند هذه يخاف عليّ. الامر من بعدي إلى ابني عليّ.

(١) ومما يدل على إمامة أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام :

ما رواه محمد بن يعقوب ، عن علي بن محمد عن جعفر بن محمد الكوفي ، عن بشار بن أحمد البصري ، عن علي بن عمر النوفلي ، قال : كنت مع أبي الحسن عليه‌السلام في صحن داره فمرّ بنا محمد ابنه ، فقلت : جعلت فداك هذا صاحبنا بعدك؟

فقال : لا ، صاحبكم بعدي ابني الحسن.

وعنه ، عن علي بن محمد ، عن محمد بن أحمد القلانسي ، عن علي بن الحسين بن عمرو ، عن علي بن مهزيار ، قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام. إن كان كون ـ وأعوذ بالله ـ فإلى من؟

قال : عهدي إلى الاكبر من ولدي ـ يعني الحسن عليه‌السلام ـ.

(٢) وهو المعروف بجعفر الكذاب وبعد توبته سمي بجعفر التائب.

٣١٢

وقال قوم بامامة علي دون فاطمة.

ثم اختلفوا بعد موت علي وفاطمة ، وغلوا في الائمة. وزعم بعضهم : أنهم إلهه ، تعالى عن قولهم علوا كبيرا. وقال بعضهم : هم أنبياء ، هم يعلمون الغيب واكثروا في التخليط ، والدعاوى الباطلة.

وافترق الذين قالوا بامامة الحسن فرقا كثيرة.

[١] فقال قائل منهم : إن الحسن لم يمت ، ولا يجوز أن يموت ، ولم يكن له ولد ، لان الارض لا تخلو من امام. وقد روينا أن القائم له غيبتان ، فهذا احدى الغيبتين ، وسيظهر ويعرف ، ثم يغيب غيبة اخرى.

[٢] وقالت فرقة اخرى : إن الحسن مات ولكنه يحيى وهو القائم. قالوا : ومعنى القائم أن يقوم بعد الموت. قالوا : والحسن قد مات ، ولا شك فيه ولا ولد له وسوف يحيى بعد الموت.

[٣] وقالت فرقة اخرى : إن الحسن قد كان لما أن احتضره الموت ولا ولد له أوصى إلى أخيه جعفر. وقالوا بامامة جعفر بعد الحسن.

[٤] وقالت فرقة اخرى : كان مبطلا في دعواه للإمامة ، وكانوا مخطئين في انتحال إمامته. وجعفر هو الإمام في حياة الحسن وبعد وفاته.

[٥] وقالت فرقة اخرى : الامام محمد أخو الحسن وجعفر ، وهو المتوفى في حياة أبيه (١) ، وقد كنا أخطأنا في القول بامامة الحسن لانه مات ، ولا عقب له. وقالوا : وجعفر لا يستحق الامامة لما وجدنا فيه من الفسق الظاهر والاعلان. وكان الحسن على مثل هذا.

فلما بطلت إمامتهما جميعا علمنا أن الامام محمد إذ له عقب. وكانت من أبيه إليه اشارة ، وهو القائم المهدي.

[٦] وقالت طائفة اخرى منهم : إن الامام الحسن بن علي ، وليس الامر

__________________

(١) وهو المدفون بالقرب من سامراء وعليه بني مشهد بهيّ ، يعرف بالسيد محمد.

٣١٣

على ما ذكر انه مات وانه لا عقب له ، ولكن للحسن ابن يقال له : محمد ، ولد للحسن من قبل وفاته سنتين وهو مستور خائف من جعفر وغيره من أعدائه. وقالوا : هو القائم الامام (١).

[٧] وقالت فرقة اخرى : بل له ولد ، ولد بعد وفاته بثمانية أشهر ، وان الولد الذي يدعيه من زعم أنه ولد له قبل وفاته بسنتين باطل لانه لم يكن يخفى لو كان.

[٨] وقالت فرقة اخرى : ليس للحسن ولد أصلا لأنا قد امتحنا ذلك ، فطلبناه غاية الطلب فلم نجده (٢) ، ولا يجوز ذلك بدعوى لا برهان لها. ولكنه قد ترك حملا قد صح وعرف في سيرته له وستلد ولدا ذكرا ، وهو الامام القائم.

[٩] وقالت فرقة اخرى : قد صحّ موت الحسن ، وصحّ أن لا ولد له ، ويبطل ما ادعي من أمر الحمل. وثبت أنه لا إمام بعد الحسن. وهذا جائز في العقول أن يرفع الله الحجة من أهل الأرض بمعاصيهم ، وهي فترة وزمان لا امام فيه ، والارض اليوم بغير حجة ، كما كانت الفترة قبل ظهور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

[١٠] وقالت فرقة اخرى : إن الحسن عليه‌السلام مات ، وصح موته ، وقد اختلف الناس هذا الاختلاف ، فلا ندري كيف هو؟ لكنا لا نشك له ولدا ، ولا ندري ولد قبل موته أو بعده إلا أن نعلم أن الأرض لا تخلو من حجة ، وان اسمه محمد ، وهو الخلف الغائب المستور ، ونحن متمسكون بهذا حتى يظهر.

__________________

(١) والى هذا القول يذهب اصحابنا الامامية. ومما يدل عليه ما رواه الكلينى ، عن محمد بن علي ، عن جعفر بن محمد الكوفي ، عن جعفر بن محمد المكفوف عن عمرو الأهوازي قال : أراني أبو محمد ابنه ، وقال : هذا صاحبكم بعدي.

(٢) وقديما قيل إن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.

(٣) وهذه الدعوى باطلة لان أوصياء عيسى كانوا موجودين ومنهم آباء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الموحدين.

٣١٤

[١١] وقالت فرقة اخرى : إن الحسن مات (١) ، ولا بدّ من إمام للناس ، ولا تخلو الأرض من حجة ، ولا ندري من ولده ، أو من ولد غيره.

فهذه جملة فرق القطيعية من الشيعة. وقيل لهم القطيعية ، لانهم قطعوا على وفاة موسى بن جعفر بن محمد. وتولوا بعده عليا ابنه. ولم يقولوا بقول من زعم أن موسى حيّ لم يمت ، وهو القائم الذي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وظلما (٢).

[ الكيسانية ]

وسموا الكيسانية بكيسان (٣) رئيسهم ، وكان فيما قيل مولى لعلي عليه‌السلام ، وكان مع المختار يتتبع قتلة الحسين عليه‌السلام فيقتلهم ويخرب منازلهم ، وزعموا أن ابن الحنفية أمر المختار بذلك. وكان ابن الزبير لما قام بمكة قبض على محمد بن الحنفية في خمسة عشر رجلا من بني هاشم. فبعث المختار قوما يكمنون النهار ويمشون الليل حتى كسروا الحبس ، واستخرجوهم منه ، وأوصلوهم إلى أمانهم ، وكان المختار عاملا لابن الزبير. فلما اتصل به ذلك عزله (٤) عنه ، واشخصه إليه ، فامتنع. وكتب إليه : من المختار بن عبيد الله (٥) [ الثقفي ] خليفة الوصي (٦) محمد بن علي الى عبد الله اسما ، ثم ختم الكتاب بسبه ، وذكر مساويه ، وبعث به إليه ، وأظهر القول بامامة محمد بن الحنفية ، ولهم اختلاف كثير ، وأخبار طويلة. تخرج عن حدّ هذا الكتاب.

__________________

(١) وفي نسخة الاصل : إنه الحسن ، ولا بد ...

(٢) وهم الواقفية.

(٣) وأظنه أبا عمرة ، كيسان بن عمران.

(٤) هكذا صححناه وفي الاصل : عن له.

(٥) هكذا صححناه وفي الاصل : عبد الله.

(٦) وفي نسخة ز : من المختار بن الخليفة الوصي.

٣١٥

وجملة ذلك أن بعضهم زعم أن الإمامة في الحسن والحسين عليهما‌السلام. ثم في محمد بن علي ـ ابن الحنفية ـ وفي ذلك يقول بعضهم شعرا :

ألا إن الائمة من قريش

ولاة الحق أربعة سواء

عليّ والثلاثة من بنيه

هم الأسباط ليس بهم خفاء

فسبط سبط ايمان وبرّ

وسبط غيبته كربلاء

وسبط لا يذوق الموت حتى

يقود الخيل يقدمها اللواء

يغيب فلا يرى فيهم زمانا

برضوى عنده عسل وماء

وقال آخرون منهم بابطال إمامة الحسن والحسين عليهما‌السلام ، وزعموا أن محمد بن الحنفية هو وصيّ أبيه علي عليه‌السلام.

ثم اختلفوا فيه وفيمن بعده.

[١] فزعمت فرقة اخرى ، كما ذكرنا أنه حيّ لم يمت.

[٢] وقالت فرقة اخرى ، بل مات ، وأوصى الى ابنه أبي هاشم ، اسمه عبد الله قد مات ، وانه يرجع ، وانه هو المهدي الذي يخرج فيملأ الأرض عدلا.

[٣] وقال آخرون : بل مات أبو هاشم ، وأوصى الى أخيه علي ، وأوصى علي الى ابنه الحسن ، وأوصى الحسن الى ابنه علي. وزعموا أن الإمامة في ولد محمد بن الحنفية لا يخرج الى غيرهم ، وأن القائم المهدي منهم يكون.

[٤] وزعمت فرقة اخرى منهم أن أبا هاشم مات ، وأوصى الى عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (١) ، وهو غلام صغير. وأنه دفع الى صالح بن مدرك ، وأمره أن يحفظه إلى أن يبلغ عبد الله بن معاوية ، فدفعها إليه ، ففعل. وعبد الله هذا هو صاحب أصبهان (٢) الذي قتله أبو مسلم في حبسه (٣).

__________________

(١) وأمه أم عون بنت عون بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.

(٢) وهي المدينة التاريخية في ايران وتعرف الآن باصفهان.

(٣) المقالات والفرق : ص ٣٩ وأبو مسلم هو الخراساني.

٣١٦

[٥] وقالت فرقه اخرى منهم : عبد الله بن معاوية حيّ لم يمت ، وانه مقيم في جبال أصبهان ، ولا يموت حتى يقوم ، وأنه هو القائم المهدي الذي يبشر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يموت حتى يلي أمر الناس ، فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.

[٦] وقالت فرقة اخرى منهم : قد مات عبد الله بن معاوية ، ولم يوص الى أحد. وقالوا : بامامة رؤسائهم.

[٧] وقالت فرقة اخرى (١) : إن أبا هشام أوصى الى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس (٢). ودفع الوصية الى أبيه علي بن عبد الله بن العباس ، لانه مات عنده بأرض السراة من الشام ، وكان محمد الوصي. قالوا : إليه يومئذ [ دفع الوصية وكان ] صبيا صغيرا.

[٨] وقالت فرقه اخرى منهم : إن محمد بن علي ، أوصى الى ابنه ابراهيم صاحب أبي مسلم الذي كان دعا إليه ، وادعوا أن الامامة صارت الى أبيه محمد بن علي ، من جهة أبي هاشم ، وأنها إنما صارت الى محمد في ولد العباس من جهة محمد بن الحنفية. وزعموا أن محمد بن الحنفية كان الامام بعد أبيه علي بن أبي طالب عليه‌السلام. وبهذا القول تعلق بنو العباس.

[ الزيدية ]

الزيدية من الشيعة ، فزعموا أن من دعا الى طاعة الله عزّ وجلّ من آل محمد فهو إمام مفترض الطاعة. قالوا : وكان علي إماما حين دعا الناس الى نفسه ، ثم الحسن والحسين ، ثم زين العابدين ، ثم زيد بن علي ، ثم يحيى بن زيد ، ثم عيسى بن زيد ، ثم محمد بن عبد الله بن الحسن [ بن الحسن بن علي ] بن أبي

__________________

(١) وهم : الرياحية.

(٢) وأمه العالية بنت عبد الله بن العباس بن عبد المطلب.

٣١٧

طالب (١).

فهؤلاء عندهم أئمة قاموا ، ودعوا الناس الى أنفسهم. قالوا : وكل من قام من ولد الحسن أو ولد الحسين دون سائر الناس فهو إمام حق وجائز له أن يخرج ويقوم ويدعو الى نفسه ، ويدعي الإمامة. وهم كلهم عندهم شرعا سواء من قام منهم ، فهو امام مفترض الطاعة ، ومن تخلف عنه ـ قالوا : وهو يستطيع القيام معه ـ فهو كافر.

فأول من قام بهذا القول زيد بن علي بن الحسين بن علي ، وبه سميت هذه الفرقة الزيدية. ولكل من ذكرنا من هذه الفرقة احتجاج فيما ذهبوا إليه وذكروه ، والحجة عليهم تخرج عن حدّ هذا الكتاب ، ونحتاج الى كتاب مثله. وقد ذكرنا ما يكتفى به من ذلك في كتاب « اختلاف اصول المذاهب ». وكتاب « الامامة » وغيرهما مما جمعته. والله الموفق للصواب بفضل رحمته. فتاهت هذه الفرق في مهاوي الضلالة ، وتعكست في العمى والجهالة ، وأولياء الله ائمة دينه كاد لا يعرفهم إلا خواصّ أوليائهم ، ومن منّ الله عليهم بمعرفتهم إلى أن يتم الله جلّ ذكره ، وبلغ الكتاب أجله ، فأنجز تبارك وتعالى وعده ، وأظهر

__________________

(١) قال المؤلف في ارجوزته ص ٢١٤ :

وقالت الطائفة الزيدية

مقالة لم تك بالمرضية

بأن كل قائم يقوم من

نسل الحسين بن علي الحسن

بسيفه يدعو إلى التقدم

فهو الإمام دون من لم يقم

منهم ومن كل امرئ في وقته

مستترا قد انزوى في بيته

واتبعوا زيدا على ما رتبوا

من الدعاوى وإليه نسبوا

حتى إذا قتل قاموا بعده

مع الحسين حين قام وحده

واتبعوا يحيى بن زيد إذ بدا

ثم تولّوا بعده محمدا

أعني ابن عبد الله من نسل حسن

وكلهم ظل قتيلا مرتهن

فهؤلاء عندهم أئمة

ومن يقوم بعدهم للامة

وكل من سواهم الرعية

كسائر الامة بالسوية

٣١٨

حجة وليه المهدي الذي يبشر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من العنصر الزكي ، والركن الرضي ، من ولد الصادق جعفر بن محمد بن علي [ بن الحسين ] بن علي عليهم‌السلام. والذي ادعى من ذكرناه من الفرق أنه لمن ذكره ، وأكذب الله عزّ وجلّ دعاواهم ، بذهاب من ادعوا ذلك له ، ولم يظهر لأحد منهم شيء مما رووه حتى ادعوا لهم الحياة بعد الممات إغراقا في الجهالة ، ونهوكا في الضلالة ، ولئلاّ يكذبوا أنفسهم فيما ادعوه لهم من ذلك ، وكثير ممن ادعوه ذلك له لم يدعه لنفسه ، وكثير منهم من ادعاه فاهلك بنفسه ، إذ قام بما ليس له. وقد ذكرنا قصة زيد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام ، وهو أول من قام بذلك وادعى الإمامة ، فكان من قتله وصلبه ما تقدم ذكره (١).

[ يحيى بن زيد ]

ثم قام من بعده ابنه يحيى بن زيد بن علي بن الحسين.

وأمه : ريطة بنت أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية.

وخرج يريد خراسان في أيام الوليد بن عبد الملك ، فلحقه نصر بن بشار قبل أن يعبر النهر بالجوزجان (٢). فقاتل حتى قتل وصلب ، وأرسل نصر بن بشار (٣) برأسه الى يوسف بن عمرو مع قيس بن زيد الحنظلي.

وأنفذ يوسف بن عمرو الرأس [ أي رأس زيد عليه‌السلام ] (٤) الى الوليد

__________________

(١) في الجزء الثالث عشر.

(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : بالخورخان.

قال الشاعر :

ألا يا عين ويحك اسعديني

لمقتل ماجد بالجوزجان

(٣) وفي أنساب الاشراف ٣ / ٢٦٠ : نصر بن سيار.

(٤) وأظن هنا جملة أو كلمة سقطت من الاصل أو خطأ من الناسخ.

قال البلاذري في أنساب الاشراف ٣ / ٢٦٣ : وصلبت جثته على باب الجوزجان سنة خمس وعشرين

٣١٩

بن عبد الملك ، فأخبره أنه صلبه. فكتب إليه بأن يحرق جثته بالنار. فكان في كتابه : احرق العجل ، ثم انسفه في اليمّ نسفا. وكان الذي تولى ذلك منه خراش بن حوشب بن زيد بن وريم (١).

وقال يحيى في أبيه زيد هذا البيت شعرا :

لكن قتيل معشر يطلبونه

وليس لزيد في العراقين طالب (٢)

[ أبو هاشم ]

وقام أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية (٣) ، فادعى الامامة ، فسمه سليمان بن عبد الملك ، فمات. وكان ذلك أنه انتهى الى سليمان خبره ، فأرسل إليه ، فوقف عليه وأظهر بره وإكرامه ، فلما أراد الانصراف دخل الى سليمان ليودعه في يوم شديد الحر ، وقد تقدم ثقله ، فحبسه يتغدى عنه. ثم خرج ليلحق ثقله ، فمرّ [ بالحميمة ] (٤) وقد عطش ، فاستسقى ، وقد أعدّ له سم ، فسقي. وأرسل

__________________

ومائة ، فلم تزل جثة يحيى مصلوبة إلى أن ظهرت المسودة بخراسان ، فأنزلوه وغسلوه وكفنوه وصلّوا عليه ودفنوه ...

وما ذكره المؤلف من أمر الوليد ليوسف فهذا كان بالنسبة الى جسد زيد رحمة الله عليه ، كما ورد ذلك في أنساب الاشراف ٣ / ٢٥٧ وعمدة الطالب ص ٢٥٨ ، والله اعلم.

(١) وبهذا الصدد بقول الشاعر :

لعن الله حوشبا

وخراشا ومزيدا

إنهم حاربوا الإله

وآذوا محمدا

يا خراش بن حوشب

أنت أشقى الورى غدا

(٢) وهذا الشطر الاخير من ثلاثة اشطر ذكرها لبني هاشم حيث قال :

خليلي عني بالمدينة بلغا

بني هاشم أهل النهى والتجارب

فحتى متى لا تطلبون بثاركم

أميّة إن الدهر جمّ العجائب

لكل قتيل معشر يطلبونه

وليس لزيد بالعراقيين طالب

(٣) وأمه أمّ ولد تدعى نائلة.

(٤) هكذا صححناه وفي الاصل : فمرّ بأمسه. والحميمة من أرض الشام.

٣٢٠