شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٩٩

فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : هم في النار أهول من ذلك وما شغلهم ما هم فيه أبدا عن أن قالوا لأهل الجنة : ( أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ ) (١). وأكلوا الضريع (٢) والزقوم (٣) وشربوا الصديد (٤) والحميم (٥).

فرجع الى هشام ، فأخبره ، فأفحم ، فلم يحر جوابا.

[١١٩٠] قيس بن ربيع ، قال : سألت أبا اسحاق [ السبيعي ] عن المسح ( يعني : على الخفين ) ، فقال : أدركت الناس يسحبون حتى لقيت محمد بن على بن الحسين وما رأيت مثله. فسألته عن المسح ، فنهاني عنه ، وقال : لم يكن علي عليه‌السلام يمسح [ عليها ] ، [ وكان يقول ] (٦) :

وسبق [ الكتاب ] الكعبان الخفين ( يعني قول الله عزّ وجلّ ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) (٧) ) قال أبو اسحاق : فما مسحت مذ نهاني.

قال قيس : فما مسحت مذ سمعت هذا من أبي اسحاق.

[١١٩١] الزبير [ بن ] أبي بكر ، قال : كان محمد بن علي بن الحسين يدعى باقر العلم لأهل التقى ، وله يقول القرضي (٨) شعرا :

__________________

(١) الاعراف : ٥٠.

(٢) الغاشية : ٦.

(٣) الواقعة : ٥٢.

(٤) ابراهيم : ١٦.

(٥) يونس : ٤.

(٦) هكذا صححناه وفي الاصل : قال علي عليه‌السلام.

(٧) المائدة : ٦.

(٨) هكذا في الاصل ، وفي نسخة ز : القويطي ، وفي المناقب ٤ / ١٩٧ : القرطي ، وفي الارشاد القرطبي.

٢٨١

يا باقر العلم لأهل التقى

وخير من أبى على الأجبل

قال الزبير : وقال مالك بن أعين [ الجهني ] في محمد بن علي بن الحسين شعرا :

إذا طلب الناس علم القرآن

كانت قريش عليه عيالا

وان قيل هذا (١) ابن بنت النبي

رأيت (٢) لذلك فرغا طوالا

نجوم تهلل للمد لجي

ن جبال تورث علما جبالا (٣)

[ أردت أن أعظه فوعظني ]

[١١٩٢] وكان محمد بن المنكدر ، يقول : ما كنت أظن أني أرى مثل علي بن الحسين عليه‌السلام حتى رأيت ابنه محمد بن علي عليه‌السلام ، ولقد أردت مرة أن أعظه فوعظني.

فقيل له : وكيف ذلك؟

قال : خرجت الى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيني أبو جعفر عليه‌السلام ، وكان رجلا بدينا ثقيل الجسم وهو معتمد على غلامين له أسودين. فقلت في نفسي : شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحالة في طلب الدنيا ، لأعظه. فدنوت منه ، فسلّمت عليه ، ورأيته قد [ تصبب ] عرقا.

فقلت : أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحالة في طلب الدنيا ، أرأيت لو جاءك الموت وأنت على هذه

__________________

(١) وفي الارشاد : قيل قلت أين.

(٢) وفي الارشاد أيضا : ابن لذلك.

(٣) ونقلها ابن المهنا في عمدة الطالب ص ١٩٥ بهذه الصورة :

إذا طلب الناس علم القرآن

كانت قريش عليه عيالا

وان قيل هذا ابن بنت النبي

نال بذاك فروعا طوالا

نجوم تهلل للمد لجي

ن جبالا تورث علما جيالا

٢٨٢

الحال في طلب الدنيا.

قال : فخلا الغلامين من يده ، ثم تساند الى الحائط ، فقال :

لو جاءني [ والله ] الموت وأنا على هذه الحال جاءني وأنا على طاعة من طاعة الله عزّ وجلّ ، اكفّ بها نفسي وأهلي عن الناس ، وانما كنت أخاف الموت لو جاءني وأنا على معصية من معاصي الله.

قلت : رحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني.

[١١٩٣] وقيل : إن أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه‌السلام كان يحبو قوما يغشون مجلسه الخمسمائة الى الالف [ درهم ] كل رجل منهم ، وكان يحب مجالستهم ولا يملّهم ، منهم : عمرو بن دينار ، وعبد الله بن عبيدة بن عميرة.

قال سفيان : وكان يحمل الصلة والكسوة ويقول : هنيئا لكم من أول السنة.

[ هكذا الاخوّة ]

[١١٩٤] الحسن بن كثير ، قال : جلست الى جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام ، فسألني عن حالي ، فشكوت إليه تخلل المال وجفاء الاخوان.

فقال : ليس الأخ أخا يرعاك غنيا ويقطعك فقيرا. ثم أمر الى غلام كان بين يديه كلام. فأخرج كيسا ، فدفعه إليّ ، وقال : استعن بهذا ، وإذا نفذ فأعلمني. فوجدت فيه سبعمائة درهم.

[١١٩٥] الحسن بن صالح ، قال : سمعت أبا جعفر يقول : ما شيب شيء بشيء أحسن من حلم بعلم (١).

__________________

(١) يشير الامام عليه‌السلام الى النتيجة الطيبة التي تستحصل من خلط وشيب الحلم بالعلم. وقد نقل

٢٨٣

[ مع أبي هاشم ]

[١١٩٦] عبد الله بن الحسين ، قال : وقف أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية (١) على أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه‌السلام ، وهو في المسجد وحوله جماعة من الناس قد اختلفوا يأثرون عنه ويستفتونه ، فحسده أبو هاشم ، فشتمه وشتم أباه ، وقال : تدعون وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالأباطيل وهي لنا دونكم.

فأقبل عليه أبو جعفر غير مكترث ، فقال : قل ما بدا لك ، أنا ابن فاطمة وأنت ابن الحنفية ، فوثب الناس على أبي هاشم يرمونه بالحصاة ويضربونه بالنعال حتى أخرجوه من المسجد.

[ مع زيد بن علي ]

ولمّا نظر زيد بن علي بن الحسين الى اقبال الناس على أخيه محمد

__________________

والد الشيخ البهائي في كتابه نور الحقيقة ص ٢١٢ : أنه قيل للاسكندر : إن فلانا وفلانا ينتقصانك ويثلبانك فلو عاقبتهما. فقال : هما بعد العقوبة أعذر في نقصي وثلبي.

(١) ذكر اسمه في كتاب منتقلة الطالبيين المخطوط بمكتبة أمير المؤمنين العامة في النجف الاشرف ص ٤٢ ، وقال : حبسه الوليد بن عبد الملك في شيء كان بينه وبين زيد بن الحسن ، وأراد قتله ، فوفد عليه علي بن الحسين ، وسأله في اطلاقه ، فأطلقه ، وقتله سليمان بن عبد الملك سقاه السم ، فمات بالحمية والبلق من أرض الشام.

وقال عبد القاهر البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق ص ٣٠٩ : إنه من شيوخ واصل بن عطاء. وقال السيد الخوئي في رجاله ١٠ / ٣٢١ : قال السيد ابن المهنا في عمدة الطالب ( الفصل الثالث من الاصل الثالث في عقب محمد بن الحنفية ) : فأما أبو هاشم المعروف بعبد الله الاكبر إمام الكيسانية ، وعنه انتقلت البيعة الى بني العباس.

وعن ابن شهرآشوب في المناقب : إن أبا هاشم هذا كان ثقة جليلا من العلماء. روى عنه الزهري وأثنى عليه ، وعمرو بن دينار وغيرهما مات سنة تسع أو ثمان وتسعين.

أقول ( والكلام للامام الخوئي دام ظله ) : لم نجد هذا في المناقب والله العالم.

٢٨٤

بن علي ( وعلو ذكره فيهم حسده ) وقال له : مالك لا تقوم وتدعو الناس الى القيام معك؟ فأعرض عنه وقال عليه‌السلام له : لهذا وقت لا نتعداه. فدعا الى نفسه ، وقال له : انما الامام منا من أظهر سيفه ، وقام يطلب حق آل محمد لا من أرخى عليه سترا وجلس في بيته. وأوهم الشيعة أنه انما قام بأمر أخيه ، فأجابه جماعة منهم ، وأظهر نفسه.

فقال أبو جعفر : يا زيد إن مثل القائم من أهل هذا البيت قبل قيام مهديهم مثل فرخ نهض من عشه من قبل أن يستوي جناحاه ، فاذا فعل ذلك سقط فأخذه الصبيان يتلاعبون به (١) ، فاتق الله في نفسك أن لا تكون غدا المصلوب بالكناسة. فلم يلتفت الى قوله ، فأظهر البراءة منه ، فلما أحسّ الشيعة ، توقف كثير من كان انتدب للقيام معه.

[١١٩٧] وجاء بعضهم (٢) ، فقال له : هذا الذي تدعونا إليه عندك فيه

__________________

(١) وفي اصول الكافي ٨ / ٢٦٤ ، عن علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي بن رفعة ... الخبر ، وذكر قسما من الخبر ابن شهرآشوب في المناقب ١ / ١٨٨ و ٢٦٠.

أقول : إن هذا لا يفيدنا وقفة في زيد بعد انقطاع الخبر عن الاسناد ومن المحتمل أن الامام عليه‌السلام لم يكن بصدد بيان حرمة الخروج وانما هو بصدد تعريف زيد بخفايا الحوادث وما قدره الله تعالى وانقضاء دولة الباطل حيث جعل لها حدا محدودا وأمدا تنتهي إليه أسرار منها امتحان الخلق ، واختبار مقدار دولة الباطل حيث جعل لها حدا محدودا وأمدا تنتهي إليه أسرار منها امتحان الخلق ، واختبار مقدار طاعتهم له ، فما لم يبلغ الكتاب أجله لا تزول تلك الدولة الغاشمة ، ولا ينتصر حزب الله إلا بعد تكامل جميع العوامل المؤثرة في الانتصار. فعليه يكون كلامه عليه‌السلام جاريا مجرى الشفقة على تلك النفس الطاهرة من أن تنالها يد السوء والعدوان. فالمراد من قوله عليه‌السلام « فاتق الله في نفسك أن لا تكون غدا المصلوب بالكناسة » بيان الخوف من القتل ، فيذهب ذلك الدم الزاكي ضياعا. وهذا نظير ما جاء في بعض الأخبار من قول الباقر عليه‌السلام حين استشاره زيد على الخروج ، فقال : لا تفعل أن تكون المقتول والمصلوب على ظهر الكوفة. فان النهي فيه للشفقة. وبعبارة اخرى هو نهي إرشادي لا نهي تحريمي ( بعنوان أنه حكم تكليفي ) وبهذا يتضح أن تهجم المؤلف على زيد رحمة الله عليه في غير مورده.

(٢) قال أبو مالك الأحمسي : إنه صاحب الطاق وهو محمد بن النعمان بن أبي طريقة الملقب بأبي جعفر الاحول.

٢٨٥

عهد من أبيك أو من وصية أوصى بها إليك؟

قال [ زيد ] : لا.

فقال : فإن أخاك أبا جعفر يذكر إن أباه عهد إليه عهده ، وأوصى إليه وعرفنا من أشهده علينا من ثقات أوليائه.

قال [ زيد ] : معاذ الله فلو كان ذلك لأطلعني عليه ، والله لقد كان ربما ينفض المخ من العظام ليطعمني اياه ، فما يضعه في فمي حتى يبرده ، فهو يتوقى عليّ من حرارة المخ ولا يتوقى عليّ من حرارة النار! ويطلع غيري على ذلك ويستره عني!

قال الرجل : نعم قد يكون ذلك ، وهذا كتاب الله يشهد به.

قال : وأين هذا من كتاب الله؟

قال : فيما حكاه الله تعالى عن يعقوب عن قوله ليوسف لما أخبره بما رآه وأعلمه أن الامر يصير إليه. فقال له : ( يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) (١) وأمره بكتمانه عنهم ، وأخبره بما يصير إليه من الامر ( وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ ) (٢) ولم يطلع اخوته على ذلك.

فافحم ولم يحر جوابا (٣).

__________________

(١) يوسف : ٥.

(٢) يوسف : ٦.

(٣) ذكر السيد علي بن الحسين بن شد قم ص ٧٤ : قال الحافظ علي بن محمد بن علي الخزاز القمي في كفاية الاثر : كان زيد بن علي عليه‌السلام معروفا بالستر والصلاح مشهورا عند الخاص والعام وهو بالمحل الشريف الجليل ، وكان خروجه على سبيل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لا على سبيل المخالفة لابن أخيه ( جعفر بن محمد ) ، وإنما وقع الخلاف من جهة الناس ، وذلك أن زيد بن علي عليه‌السلام لما

٢٨٦

وسمع ذلك من بقي معه ممن كان أجابه ، فافترقوا عنه ، فظفر به هشام بن عبد الملك ، فقتله ، وصلبه على كناسة الكوفة ، وأحرقه بالنار. فكان كما حذره أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه‌السلام ، وكما وصف له بالفرخ نهض عن عشه من قبل أن يستوي جناحاه ، فأخذه الصبيان يتلاعبون به.

__________________

خرج ولم يخرج جعفر بن محمد توهم قوم من الشيعة أن امتناع جعفر كان للمخالفة ، وإنما كان ضربا من التدبير.

وقالوا : ليس الامام من جلس في بيته وأغلق بابه وأرخى عليه ستره ، وإنما الامام من خرج بسيفه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فهذا سبب وقوع الخلاف بين الشيعة.

وأما جعفر وزيد فما كان خلاف بينهما. والدليل على صحة قولنا قول زيد بن علي عليه‌السلام : من أراد الجهاد فاليّ ، ومن أراد العلم فالى ابن أخي جعفر بن محمد. فلو ادعى الامامة لنفسه لم ينف كمال العلم عن نفسه إذ الامام أعلم من الرعية. ومن المشهور قول جعفر عليه‌السلام : رحم الله عمي زيدا لو ظفر لوفى إنما دعا الى الرضا من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا الرضا.

أقول : فلو فرضنا صحة الروايتين التي نقلهما المؤلف في شأن زيد عليه‌السلام ، وأغمضنا العين عن الاشكالات السابقة فإنها معارضة مع الروايات الصحيحة المستفيضة التي تدل على صحة سلوكه وعلو مقامه وعظيم قدره ، منها :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للحسين عليه‌السلام : يخرج رجل من صلبك يقال له زيد يتخطى هو وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس غرا محجلين يدخلون الجنة بغير حساب.

وعن أنس بن مالك ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يقتل رجل من ولدي يقال له زيد : بموضع يعرف الكناسة يدعو الى الحق ويتبعه كل مؤمن.

وقال الكشي في رجاله في ترجمة الحميري : عن فضيل الرسان ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام بعد ما قتل زيد بن علي عليه‌السلام فادخلت بيتا في جوف بيت ، وقال لي : يا فضيل قتل عمي زيد بن علي؟

قلت : نعم ، جعلت فداك.

فقال : رحمه‌الله أما أنه كان مؤمنا وكان عارفا وكان عالما وكان صدوقا. أما أنه لو ظفر لوفى ، أما أنه لو ملك لعرف كيف يصنعها.

قال الامام الصادق عليه‌السلام : لا تقولوا خرج زيد ، فان زيدا كان عالما ( اصول الكافي ٨ / ٢٦٤ ).

٢٨٧

[ وفاته ]

واختلف في سنة وفاته ، فقال الواقدي : توفي أبو جعفر محمد بن علي بالمدينة سنة تسع عشر ومائة ، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة.

وقال سفيان بن عيينة : سمعت جعفر بن محمد عليه‌السلام يقول : سمعت أبي عليه‌السلام يقول لعمتي فاطمة بنت الحسين عليه‌السلام وقد كلّمته في شيء : لي ثمان وخمسون سنة ، وتوفي [ تلك ] السنة.

وقال مصعب بن عبد الله : توفي أبو جعفر محمد بن علي في المدينة سنة أربع عشر ومائة.

قال الزبير : قال لي محمد بن الحسين بن زوالة : توفي محمد بن علي بن الحسين عليه‌السلام في آخر أيام هشام في سنة أربع وعشرين ومائة. وتوفي هشام سنة خمسة وعشرين ومائة ، وكانت ولايته سنة غير شهر واحد ، والله أعلم.

تمّ الجزء الثالث عشر من كتاب شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار سلام الله عليهم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، من تأليف سيّدنا الأجل القاضي النعمان بن محمد بن منصور قدّس الله روحه بحقّ سيدنا محمّد وآله أجمعين.

٢٨٨

٢٨٩
٢٩٠

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الامام الصادق عليه السلام

أما جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام فهو وصيّ أبيه محمد بن علي عليه‌السلام ، وإليه صار الأمر من بعده ، وبه كان يكنى : أبو جعفر.

وكان جعفر يكنى : أبو عبد الله.

وكان أعلم أهل زمانه ، وعنه تفرع العلم بالحلال والحرام في الخاص والعام. ومن رواه (١) عنه من الكبراء المذكورين بالفقه من العامة : أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي (٢) ، ومالك بن أنس المدني (٣) ، وسفيان الثوري ، وشيبة بن عيينة (٤) ، والحسن بن صالح (٥) ، وأيوب السختياني (٦) ، وعمرو بن

__________________

(١) أي روى العلم عنه.

(٢) التيمي الكوفي ، امام الحنفية أحد الائمة الاربعة عند أهل السنّة أصله من فارس ولد سنة ٨٠ ه‍ ونشأ بالكوفة وتوفي سنة ١٥٠ ه‍ ودفن ببغداد.

(٣) قال مالك : ما رأت عين ولا سمعت اذن ولا خطر على قلب بشر ، أفضل من جعفر الصادق فضلا وعلما وعبادة وورعا.

وهو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك الاصبحي الحميري امام دار الهجرة وأحد الائمة الاربعة عند أهل السنّة وإليه تنسب المالكية ولد سنة ٩٣ ه‍ بالمدينة وتوفي بها سنة ١٧٩ ه‍.

(٤) هكذا في الاصل وأظنه سفيان بن عيينة.

(٥) هكذا صححناه وفي الاصل : حي بن صالح. وهو أبو عبد الله الحسن بن صالح بن حي الهمداني الثوري الكوفي المولود سنة ١٠٠ ه‍ من زعماء الفرقة البترية من الزيدية توفي مختفيا في الكوفة سنة ١٦٨ ه‍.

(٦) هكذا صححناه وفي الاصل : أيوب ابن السجستاني. هو أبو بكر أيوب بن أبي تميمة كيسان

٢٩١

دينار (١) ، وكثير من علماء العامة.

وكان موصوفا بالعلم والفضل والورع ، لا ينكر فضله ولا يجهل مقامه عند الخاص والعام.

[١١٩٨] عن حمزة بن حمران (٢) ، والحسين بن زياد (٣) ، قالا : صلّينا في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم توجهنا الى أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام ، فدخلنا عليه في داره (٤) ، فأذّن وأقام [ الصلاة ] (٥) وتقدم فصلّى ، فتنحينا ناحية ، فلما ركع قلنا : نحسب تسبيحه ، فعدّ أحدنا ثلاثا وثلاثين تسبيحة ، وعدّ الآخر أربعا وثلاثين تسبيحة.

[١١٩٩] وحجّ جعفر بن محمد ، فأتى جمرة العقبة ، فوجد الناس وقوفا عندها فقال : إنا لله ، تستبدعون بدعة ، ودعا غلاما يقال له : سعيد ، فأتاه.

فقال له : نادعني الناس أن ليس هذا موضع وقوف.

فنادى سعيد : أيها الناس يقول لكم مولاي جعفر بن محمد ، انفضّوا ، فليس هذا موضع وقوف.

فانفضّ الناس.

[ سلوني قبل أن تفقدوني ]

[١٢٠٠] صالح بن أبي الأسود (٦) ، قال : سمعت جعفر بن محمد عليه

__________________

السختياني البصري ولد ٦٦ ه‍ سيد فقهاء عصره ( حلية الاولياء ٣ / ٣ ) تابعي من النساك الزهاد توفي ١٣١ ه‍.

(١) أبو محمد الاثرم عمرو بن دينار الجمحي بالولاء كان مفتي أهل مكة ولد ٤٦ ه‍ وتوفي ١٢٦ ه‍.

(٢) وهو حمزة بن حمران بن أعين الشيباني.

(٣) وفي بحار الانوار ٥٠ / ٤٧ : والحسن بن زياد.

(٤) وفي بحار الانوار أضاف : وعنده قوم.

(٥) وفي الاصل : أقام الصلاة.

(٦) وفي بحار الانوار ٤٧ / ٣٣ : عن صالح بن الأسود.

٢٩٢

السلام يقول : سلوني قبل أن تفقدوني فانه لا يحدّثكم أحد بعدي مثلي حتى يقوم صاحبكم.

وكذلك استترت الائمة من بعد للتقية ، فلم يقم أحد منهم بظاهر علم ، ولا أظهره حتى قام المهدي (١).

والى أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام نسبت الجعفرية ، وهي قرية من قرى الشيعة (٢) كانوا قبل ذلك يقولون بإمامة محمد بن الحنفية ثم اختلفوا ، فتفرقوا فرقا كثيرة بعد ذلك ، وحسبت هذه القرية على أن الإمام في زمانه محمد بن الحنفية ، ثم جعفر بن محمد من بعده ، وفي ذلك يقول السيد الحميري ـ وكان منهم ـ شعرا :

تجعفرت باسم الله والله اكبر

وأيقنت أن الله يعفو ويغفر

في شعر طويل (٣).

وقال يعتذر الى جعفر بن محمد صلوات الله عليه :

__________________

(١) ومراده المهدي الفاطمي وهو الذي يعتقد المؤلف أنه المهدي الموعود الذي أشار إليه الامام الصادق عليه‌السلام بقوله : صاحبكم. وأما الصحيح فقد انتقل العلم الى ابنه الامام موسى بن جعفر عليه‌السلام.

(٢) هكذا في الاصل ولم أعثر على اسم هذه القرية في الكتب.

(٣)

ودنت بدين غير ما كنت دائنا

به ، ونهاني سيد الناس جعفر

فقلت هب إني قد تهودت برهة

وإلا فديني دين من يتنصّر

فإني إلى الرحمن من ذاك تائب

وإني قد أسلمت والله اكبر

فلست بغال ما حييت وراجع

إلى ما عليه كنت أخفي وأضمر

ولا قائلا حي برضوى محمد

وإن عاب جهال مقالي وأكثروا

ولكنه ممن مضى لسبيله

على أفضل الحالات يقفي ويخبر

مع الطيبين الطاهرين الاولى لهم

من المصطفى فرع زكيّ وعنصر

والسيد الحميري هو اسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعه الحميري ـ أبو هاشم ـ ولد ١٠٥ ه‍. ونشأ بالبصرة ومات ببغداد ١٧٣ ه‍.

٢٩٣

أيا راكبا نحو المدينة جسرة

همرجانة نطوي بها كل سبسب (١)

اذا ما هداك الله عاينت جعفرا

فقل لوليّ الله وابن المهذب

ألا يا وليّ الله وابن نبيّه (٢)

أتوب الى الرحمن ثم تأوبي

إليك من الذنب الذي كنت مطنبا

اجاهد فيه دائبا كل معتب (٣)

وما كان قولي في ابن خولة مبطنا

معاندة مني لنسل المطيّب

ولكن روينا عن وصيّ محمد (٤)

ولم يك فيما قال بالمكذب

بأن وليّ الأمر يفقد لا يرى

سنينا كفقد الخائف المترقب

ويقسم أموال الفقيد كأنما

تغيّبه بين الصفيح المنصب (٥)

فان قلت لا فالحقّ قولك والذي

تقف فحتم غير ما متعصب

فانّ وليّ الأمر والقائم الذي

تطلع نفسي نحوه يتطرّب

__________________

(١) وفي اعلام الورى ص ٢٧٩ : عذافرة يطوى بها كل سبسب.

(٢) وفي المناقب ٤ / ٢٤٦ : ألا يا أمين الله وابن وليه.

(٣) وفي اعلام الورى ص ٢٧٩ : احارب فيه جاهدا كل معرب.

(٤) وفي اعلام الورى : وصيّ نبينا.

(٥) وذكر الطبرسي بقية القصيدة في اعلام الورى ص ٢٨١ هكذا :

فيمكث حينا ثم يشرق شخصه

مضيئا بنور العدل إشراق كوكب

يسير بنصر الله من بيت ربه

على سؤدد منه وأمر مسبب

يسير الى أعدائه بلوائه

فيقتلهم قتلا كحران مغضب

فلما روى أن ابن خولة غائب

صرفنا إليه قوله لم نكذب

وقلنا هو المهدي والقائم الذي

يعيش به من عدله كل مجدب

فإن قلت : لا ، فالقول قولك والذي

أمرت فحتم غير ما متعتب

واشهد ربي أن قولك حجة

على الناس طرأ من مطيع ومذنب

بأن ولي الأمر والقائم الذي

تطلع نفسي نحوه بتطرب

له غيبة لا بدّ من أن يغيبها

فصلّى عليه الله من متغيب

فيمكث حينا ثم يظهر حينه

فيملأ عدلا كل شرق ومغرب

بذاك أدين الله سرا وجهرة

ولست وإن عوتبت فيه بمعتب

٢٩٤

له غيبة لا بدّ أن يستغيبها

فصلّى عليه الله من متغيب

[ ضبط الغريب ]

الجسرة : الناقة الطويلة ، ويقال العظيمة.

والهمرجانة : السريعة. والسبسب : المفازة.

والمهذب : الذي هذب نفسه عن عيوبه ، أي خلص منها. قال الشاعر :

ولست بمستبق أخا لا تلمّه

على شعث ، أيّ الرجال المهذّب؟

والتأوب من أوب : أي ترجّع (١). والتأوب من السير.

والمطنب : البليغ. والمنطق في المدح والذم إذا بالغ في ذلك. قيل : أطنب فيه ، وهو المطنب.

والمعتب : العاتب. والمعاتبة المفاعلة من العتاب يكون بين الاثنين يعاتب كل منهما صاحبه يذكران الموجدة. والاسم من ذلك العتبى. يقول : كان يجاهد في ذلك لعاتبه عليه.

والجهاد : القتال ، اخذ من اجتهدت نفسه في الشيء إذا بلغت فيه المجهود.

وعنى بابن خولة : محمد بن علي ـ ابن الحنفية ـ وهي خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبد الله (٢) بن بلغة بن الدول بن حنيفة بن لجيم (٣).

وقال قوم : هي خولة بنت أبا بسر بن جعفر.

وقال قوم : كانت أمة من سبي اليمامة صارت الى علي عليه‌السلام.

قالوا : ولم تكن من أنفس بني حنيفة ، فكان خالد بن الوليد صالحهم على

__________________

(١) لسان العرب ١ / ٢١٨.

(٢) وفي بحار الانوار ٤٢ / ٩٩ : ابن عبيد.

(٣) هكذا صححناه وفي الاصل : حتم. وفي بحار الانوار هكذا ذكره : خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدول بن حنفية بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل.

٢٩٥

الرقيق (١).

والصفح من الصفاح : وهي الحجارة العراض واحدتهما صفاحة ، فكانوا ينصبونها في قبورهم ليتقي الموتى من التراب.

والمنصب والمنصوب في معنى مفعل.

وكان الذين يقولون محمد بن الحنفية من الشيعة يزعمون أنه المهدي الذي جاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه يقوم فيملأ الأرض عدلا. فلما مات ولم يكن ذلك كرهوا أن ينقضوا قولهم ويرجعوا عنه.

فقالوا : لم يمت وهو في غار في جبل رضوى (٢) حماقة منهم وجهالة. وفي ذلك يقول السيد الحميري إذ كان يتولاه :

ألا قل للوصيّ فدتك نفسي

أطلت بذلك الغار المقاما (٣)

أضرّ بمعشر وألوك منا (٤)

وسمّوك الخليفة والاماما

__________________

(١) قال المجلسي في بحار الانوار ٤٢ / ٩٩ :

قال قوم : إنها سبية من سبايا الردة ، قوتل أهلها على يد خالد بن الوليد في أيام أبي بكر لما منع كثير من العرب الزكاة ، وارتدت بنو حنيفة وادعت نبوة مسيلمة ، وإن أبا بكر دفعها إلى علي عليه‌السلام من سهمه في المغنم.

وقال قوم منهم أبو الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني : هي سبية في أيام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالوا : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام إلى اليمن ، فأصاب خولة في بني زبيد ، وقد ارتدوا مع عمرو بن معدي كرب ، وكانت زبيد سبتها من بني حنيفة في غارة لهم عليهم فصارت في سهم علي عليه‌السلام ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن ولدت منك غلاما فسمه باسمي وكنه بكنيتي ، فولدت له بعد موت فاطمة عليها‌السلام محمدا فكناه أبا القاسم.

وقال قوم ـ وهم المحققون وقولهم الاظهر ـ : إن بني أسد أغارت على بني حنيفة في خلافة أبي بكر فسبوا خولة. وقدموا بها المدينة فباعوها من علي عليه‌السلام وبلغ قومها خبرها فقدموا المدينة على علي فعرّفوها ، وأخبروه بموضعها منهم. فأعتقها ومهرها وتزوجها فولدت له محمدا فكناه أبا القاسم.

وهذا القول هو اختيار أحمد بن يحيى البلاذري في تاريخ الاشراف.

(٢) بين أسدين ونمرين تؤنسه الملائكة ويحرسه النمران ( المقالات والفرق ص ٢٨ ).

(٣) وفي اعيان الشيعة ٣ / ٤٠٩ : بذلك الجبل المقاما.

(٤) هكذا صححناه وفي الاصل : حيا.

٢٩٦

وعادوا أهل هذا الارض طرا

مقامك عندهم ستين عاما (١)

وما ذاق ابن خولة طعم موت

ولا وارت له أرض عظاما

ولكن حلّ في شعب برضوى (٢)

تراجعه الملائكة السلاما

وأن به له لمحلّ صدق

وأندية تحدّثه كلاما

هدانا الله اوحزداك أمر (٣)

به وعليه نلتمس التماما

قام مردة المرسدي حتى (٤)

نرى راياتنا تترى نظاما

وقال الكثير (٥) فيه ـ وكان ممن يقول بامامة ابن الحنفية ـ :

ألا إن الائمة في قريش

ولاة الأمر أربعة سواء

عليّ والثلاثة من بنيه

هم الاسباط ليس بهم خفاء (٦)

فسبط سبط إيمان وبرّ

وسبط غيبته كربلاء

وسبط لا يذوق الموت حتى

يقود الخيل يقدمها اللواء

يغيب لا يرى فيهم زمانا (٧)

برضوى عنده عسل وماء

وانما أخذت هذه المقالة ممن قال بها بعد موته بمدة طويله. وأما موته فلم يكن خفيا ولا مستورا ولا مات في غيبة غابها وانما مات في المدينة.

[١٢٠١] روي عن الواقدي ، أنه قال : حدثني زيد بن سائب ، قال :

سمعت أبا هاشم عبد الله بن محمد بن علي يقول : توفي أبي في المحرم

__________________

(١) وفي اعيان الشيعة :

وعادوا فيك اهل الارض طرا

مقامك عنهم ستين عاما

(٢) وفي اعيان الشيعة : لقد أوفى بمورق شعب رضوى.

(٣) وفي اعيان الشيعة : هدانا الله اذ جرتم لأمر.

(٤) وفي اعيان الشيعة : تمام مودة المهدي حتى.

(٥) وهو الشاعر كثير بن عبد الرحمن.

(٦) وفي اعلام الورى ص ٢٨٠ : هم أسباطنا والاوصياء.

(٧) وفي المقالات والفرق ص ٢٩ : مغيب لا يراعيهم سنينا.

٢٩٧

أول سنة إحدى وثمانين ، فلما وضعناه في البقيع لنصلّي عليه أتانا أبان بن عثمان وهو الوالي يومئذ ليصلّي عليه.

قال : فقلت له : إنك لا تصلّي عليه أبدا إلا أن تطلب إلينا ذلك.

فقال له أبان : أنتم أولى بجنازتكم ، فيصلّي عليها من شئتم.

قلنا له : فتقدم فصلّي عليها.

فزعم من تعلق بالمقالة التي قالها فيه من أنه لم يمت ، وكانوا على ذلك الى أن كلّم بعض رؤسائهم أبا جعفر محمد بن علي عليه‌السلام في مثل ذلك ، فقال له : ويحك ما هذه الحماقة ، أنتم أعلم به منا أم نحن ، قد حدثني أبي علي بن الحسين عليه‌السلام أنه قد شهد موته وغسله وتكفينه والصلاة عليه وأنزله في قبره.

فقال له : شبه على أبيك كما شبه عيسى بن مريم على اليهود.

فقال محمد بن علي عليه‌السلام : أفتجعل هذه الحجة قضاء بينك وبيننا.

قال : نعم.

قال : أرأيت اليهود الذين شبه عيس عليهم كانوا أولياءه أو أعداءه؟

قال : بل كانوا أعداءه.

قال : أفكان أبي عدو محمد بن علي فشبه عليه؟

قال : لا.

وانقطع وترك ما كان عليه ورجع الى قول محمد بن علي ، وتتابعوا على ذلك من الرجوع في أيام جعفر بن محمد عليه‌السلام ، فسمّوا بالجعفرية.

٢٩٨

[ مع أبي حنيفة ]

[١٢٠٢] وجاء أبو حنيفة من أهل العراق يوما إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام ليستمع منه ، وخرج أبو عبد الله عليه‌السلام يتوكأ على عصا.

فقال له أبو حنيفة (١) : يا ابن رسول الله ما بلغت من السن ما تحتاج منه الى العصا.

قال : هو كذلك ، ولكنها عصا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أردت التبرك بها.

فوثب أبو حنيفة إليه ، وقال : اقبّلها يا ابن رسول الله. فحسر أبو عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام عن ذراعه ، وقال له : والله لقد علمت أن هذا من بشرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن هذا من شعره فما قبّلته وتقبّل عصا.

[١٢٠٣] وكان مالك بن أنس يستمع من جعفر بن محمد عليه‌السلام ، وكثيرا ما يذكر من سماعه عنه. وربما قال : حدثني الثقة ، يعنيه.

[١٢٠٤] دخل سفيان الثوري يوما ، فسمع منه كلاما أعجبه ، فقال : والله يا ابن رسول الله الجوهر.

فقال له جعفر بن محمد عليه‌السلام : بل هذا خير من الجوهر ، وهل الجوهر إلا حجر.

[١٢٠٥] [ وجاء ] إليه يوما الحسن بن صالح بن حي وأصحابه ، فقال له :

يا ابن رسول الله ما تقول في قول الله عزّ وجلّ ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

__________________

(١) وهو النعمان بن ثابت المتوفى ١٥٠ ه‍ المولود بالكوفة وأخذ من الامام الصادق كما مر ، ثم أسس مذهب القياس.

٢٩٩

أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) من اولي الأمر الذين أمر الله عزّ وجلّ بطاعتهم؟

قال : العلماء.

فلما خرجوا قال الحسن بن صالح لأصحابه : ما صنعنا شيئا ، ألا سألناه من هؤلاء العلماء؟ فرجعوا إليه فسألوه.

فقال [ عليه‌السلام ] : الائمة منّا أهل البيت.

[١٢٠٦] [ إن الصادق عليه‌السلام قال لأبي حنيفة لما دخل عليه : من أنت؟

قال : أبو حنيفة.

قال عليه‌السلام : مفتي أهل العراق؟

قال : نعم ] (٢).

قال عليه‌السلام لأبي حنيفة : الّذي تعتمد عليه في الفتيا؟

قال : كتاب الله وسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال : فلما لم تجد له نصا في ذلك؟

قال : أقيسه على ما وجدته.

قال : ويحك يا نعمان ، إن أول من قاس إبليس ، فأخطأ ، قال : ( خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) (٣) فرأى أن النار أشرف من الطين ، وأن من خلق من الفاضل أن لا يسجد للمفضول.

ثم قال : يا نعمان ، أيهما أطهر عندك البول أو المني؟

قال : المني.

__________________

(١) النساء : ٥٩.

(٢) ما بين المعقوفتين غير موجود في الاصل نقلناه من كتاب الاحتجاج للطبرسي ص ٣٦١.

(٣) سور : ٧٦.

٣٠٠