شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٩٩

عبد المطّلب كفله عمه أبو طالب شقيق أبيه ، فلما اختصه الله عزّ وجلّ بالنبوة ، وابتعثه بالرسالة حماه أبو طالب ونصره ومنع منه من أراد أذاه ، وصدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما جاء به من الرسالة والنبوة ، وعنف من دفع ذلك وكذبه ، إلا أنه لم يظهر الإسلام (١) وكان ذلك أنفع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنه كان سيدا مطاعا في قومه ، فلو أسلم لكان كرجل من المسلمين ، ولم يبلغ من الذبّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما بلغ وهو على حالته ، ولم يكن يتحاماه المشركون فيه كما تحاموه ، وكان ذلك من صنع الله عزّ وجلّ لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وله في نصرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والذبّ عنه ، والمحاماة عنه من دونه ما يخرج ذكره بطوله عن حدّ هذا الكتاب ، وله في ذلك أشعار كثيرة معروفة يستدعي فيها قبائل العرب لنصرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويؤكد فيها فضله وصدقه وأمر ابنيه عليا وجعفر باتباعه ، ورغبهما في ذلك ، وأقرّ بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذكر ذلك في غير موضع من شعره. فمنه

__________________

(١) روى محمد بن ادريس ، عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه ، عن علي عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هبط عليّ جبرائيل ، فقال لي : يا محمد إن الله عزّ وجلّ مشفعك في ستة بطن حملتك آمنة بنت وهب وصلب أنزلك عبد الله بن عبد المطلب وحجر كفلك أبو طالب ( الحجة على الذاهب ص ٤٨ ) :

وروى عن الصادق عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إن أصحاب الكهف أسرّوا الايمان وأظهروا الكفر فأتاهم الله أجرهم مرتين ، وأبا طالب أسرّ الايمان وأظهر الشرك فأتاه الله أجره مرتين ( شرح النهج لابن أبي الحديد ١٤ / ٧٠ ).

وعن الشعبي مرفوعا ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : كان والله أبو طالب بن عبد المطلب مؤمنا مسلما يكتم ايمانه على بني هاشم ان تساندها قريش ( بحار الانوار ٣٥ / ١١٢ ).

وعن أبي علي الموضح ، انه قال : تواترت الاخبار عن علي بن الحسين عليه‌السلام أنه سئل عن أبي طالب أكان مؤمنا؟ فقال عليه‌السلام : نعم. فقيل له : إن قوما هاهنا يزعمون أنه كافر. فقال عليه‌السلام : واعجباه أيطعنون على علي بن أبي طالب أو على رسول الله. وقد نهى الله أن يقرّ مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن ولا يشك أحد أن فاطمة بنت أسد رضي الله عنها من المؤمنات الصادقات ، فانها لم تزل تحت أبي طالب حتى مات أبو طالب ( بحار الانوار ٣٥ / ١١٢ ).

٢٢١

قوله في شعر له هذه الابيات (١) :

ألا أبلغا عني على ذات بيننا (٢)

لؤيا وخصّا من لؤي بني كعب

ألم تعلموا إنا وجدنا محمدا

نبيا (٣) كموسى خط في أول الكتب

وأن عليه في العباد محبة

ولا خير (٤) ممن خصّه الله في الحب

وقوله في آخر :

فأمسى ابن عبد الله فينا مصدّقا

على ساخط من قومنا غير معتب

وقوله [ في ] قصيدة له طويلة (٥) شعرا :

وما ترك قوم ـ لا أبا لك ـ سيدا

يحوط الذمار غير ذرب مؤاكل

__________________

(١) وقد أنشد هذه الابيات في شأن الصحيفة واكل الارضة ما فيها من ظلم وقطيعة رحم وهي مؤلفة من سبعة أبيات مطلعها :

ألا من لهم آخر الليل منصب

وشعب العصا من قومك المتشعب

وما ذكره المؤلف ( ره ) هو من الابيات الاخيرة من القصيدة. أما القصيدة فقد ذكرت في الديوان ص ١٧.

وايمان أبي طالب للمفيد ص ٧٩ ، ناسخ التواريخ ١ / ٢٦٠ ، الكامل لابن الأثير ٢ / ٣٦. أما الشيخ الاميني في الغدير ٧ / ٣٣٣ فقد ذكر القصيدة في أربعة عشر بيتا ولم يذكر البيت الأخير ( فأمسى ابن عبد الله مصدقا ) من جملتها.

وقد ذكرت القصيدة في روض الانف ١ / ٢٢١ ، والسيرة لابن هشام ١ / ٣١٩ ، الاحتجاج للطبرسي ١ / ٣٤٦ ، شرح ابن أبي الحديد ١٤ / ٧٢ ، خزانة الادب ١ / ٢٦١ ، بلوغ الادب للآلوسي ١ / ٣٢٥.

(٢) وفي السيرة : ذات بينها.

(٣) وفي السيرة : رسولا.

(٤) وفي السيرة والروض الانف : ( ولا خير ممن خصه الله بالحب ) وفي نسخة ز : ولا حيف فيمن خصه الله.

(٥) وتعرف القصيدة باللامية ، ومطلعها :

خليلي ما اذني لاول عاذل

بصفراء في حق ولا عند باطل

وقد ذكر ابن أبي الحديد القصيدة في سبعة عشر بيتا ( شرح النهج ١٤ / ٣٩ ) وابن هشام في تسعين بيتا والأمينى في الغدير ٧ / ٣٤٠ في مائة وأحد وعشرين بيتا. ومن الملاحظ أن المؤلف ره قد نقل الابيات باختلاف وتقديم وتأخير مثلا : فأيده ربّ العباد. موقعه في أواخر القصيدة جاء بها قبل : لكنا اتبعناه على كل حالة.

٢٢٢

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال [ ال ] يتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل

وقوله فيها :

كذبتم وبيت الله نترك أحمدا (١)

ولما نطاعن (٢) حوله ونناضل

ونسلمه حتى نصرع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد

واخوته داب المحبّ المواصل (٣)

فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها

وزينا لمن والاه ربّ المشاكل (٤)

فما مثله (٥) في الناس أيّ مؤمل

إذا قامت (٦) الحكام عند التفاضل

حليم رشيد عادل غير طائش

يوالي إلها ليس عنه بغافل

فأيده ربّ العباد بنصره

وأظهر دينا حقه غير باطل (٧)

فو الله لو لا أن أجيء بسبة

تعد على أشياخنا في المحافل (٨)

لكنا اتبعناه على كل حالة

من الدهر جدا غير قول التهازل

لقد علموا أن ابننا لا مكذب

لدينا ولا يعني بقول (٩) الأباطل

[ ضبط الغريب ]

قوله : يحوط الذمار. ذمار الرجل : كلما يلزمه حماة والدافع عنه وان ضيّعه

__________________

(١) نترك محمدا. وفي نسخة الشنقيطي : نبرى محمدا.

(٢) السيرة : ولما نطاعن دونه ونناضل.

(٣) السيرة : وأجبته حبّ حبيب المواصل.

(٤) السيرة : زينا لمن ولاه ذب المشاكل.

(٥) السيرة : فمن مثله.

(٦) اذا قاسه الحكام.

(٧) السيرة : غير فاصل.

(٨) السيرة : تجسر على أشياخنا في القبائل.

(٩) السيرة : ولا نعني بقول إلا باطل.

٢٢٣

لزمه القوم لذلك. والذمر : اللوم والتحريض.

الذرب : الجاد من كل شيء (١) قال الشاعر :

( اني لقيت ذربة من الذرب )

يعنى امرأة سليطة.

الموكل من الرجل : الذي يتكل أمره على غيره ( فيعينه ، ومثله رجل مكليه : وهو الذي يكل أمره على غيره ) (٢).

وقوله : يستسقى الغمام بوجهه.

الغمام : السحاب. والثمال : اللبن.

[ استشهاد الرسول بأبيات أبي طالب ]

[١١٤٥] ولما أن دعا رسول الله على [ مضر ]. وقال : اللهمّ اجعلها عليهم كسنيّ يوسف.

فاحبس الغيث عنهم ، واجدبوا حتى هلك اكثرهم واسترحم لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاستسقى ، فما انصرف حتى همت الناس أنفسهم من شدة المطر. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو أن أبا طالب شهد هذا المشهد لسرّه لما سبق ، ومنه قوله : ( وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ).

[ واستشهاده أيضا في يوم بدر ]

ولما أن جرح عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب (٣) يوم بدر

__________________

(١) وفي نسخة ز : المجادة من كل شيء.

(٢) ومنه قول أبي المثلم ( حامي الحقيقة لا وان ولا وكل ) لسان العرب ١١ / ٧٣٥.

(٣) أسلم وكان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مكة ، ثم هاجر وشهد بدرا ، وذكر ابن اسحاق

٢٢٤

وانصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصار الى بعض الطريق ، سال مخ ساق عبيدة (١) وكان ضرب على ساقه ، واشتدّ عليه واحتضر ، وجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدعا له ، وأثنى عليه وبشره بالجنة.

وكان شيخنا مسنا. ويقال إنه بارز من بارزه ، وهو يتوكأ على عصا (٢). فقال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : نحن كما قال أبو طالب. وأنشده شعرا :

ونسلمه حتى نصرع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

[ نعود الى ذكر أبي طالب ]

وكان اظهار أبي طالب ما اظهر من التمسك بدين العرب ، والرغبة فيه مع تصديقه لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واقراره بنبوته ، مما أيد الله به أمر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لانه [ لو ] أظهر الاسلام لرفضته العرب ولم يعضده من عضده منهم على نصرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

والاخبار يطول ذكرها في تربيته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وايثاره إياه على ولده وقيامه به وبذله نفسه دونه.

__________________

أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عقد لعبيدة راية ، وارسله في سرية قبل واقعة بدر ، فكانت أول راية عقدت في الاسلام.

قال ابن هشام في السيرة ص ٥٢٦ : لما اصيب في قطع رجله يوم بدر قال : أما والله لو أدرك أبو طالب هذا اليوم لعلم أني أحق بما قال منه حيث يقول :

كذبتم وبيت الله نبرى محمدا

ولما تطاعن دونه ونناضل

وتوفي في العام الثاني للهجرة.

(١) المغازي ١ / ٦٩ ، شرح النهج لابن أبي الحديد ١٤ / ٨٠ ، خزانة الادب ٢ / ٦٤.

(٢) الحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب لشمس الدين المتوفى ٦٣٠ ه‍ ص ٣٠٢ ، الكامل لابن الاثير ٢ / ١٢٥.

٢٢٥

[ حمزة بن عبد المطّلب ]

فأما حمزة بن عبد المطلب عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعمّ علي عليه‌السلام ، فكان على ما كان عليه أبو طالب من الحمية في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والذبّ عنه ولم يسلم الى أن خرج يوما لصيد ، ومرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المسجد الحرام ينادي قريشا ، فنالوا منه ، وكان أكثرهم قولا فيه أبو جهل (١).

وجاء حمزة من الصيد ، فاخبر بذلك (٢) ، فجاء مغضبا وهو مقلد قوسه حسب ما كان في صيده ، فكان من شأنه اذا دخل المسجد أن يبدأ ، فيطوف بالبيت ثم يأتي نادي بني عبد المطلب ، فيجلس فلم يلو على شيء حتى وقف على أبي جهل ، فشجه شجة منكرة ، وقال : أتشتم ابن أخي ، فأنا على دينه أقول ما يقول. فاردد عليّ ان استطعت.

فقام إليه [ رجال ] (٣) من بني مخزوم لينتصروا منه ، فقام إليهم أبو جهل ، وقال : دعوا أبا عمارة ، فاني والله سببت ابن أخيه سبا قبيحا. ( وانما فعل ذلك ليستميله لأن لا يسلم )

فتمادى حمزة على الاسلام ، وأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأظهر

__________________

(١) وهو عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي. كنيته : أبو الحكم. كناه المسلمون أبا جهل ، وكان أشد الناس عداوة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وشهد بدرا ، فكان من جملة قتلى المشركين ( امتناع الاسماء ١ / ١٨. السيرة الحلبية ٢ / ٣٣ ).

(٢) إذ أقبل حمزة متوحشا بقوسه راجعا من قنص له فوجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في دار اخته مهموما وهى باكية ، فقال له : ما شأنك؟ قالت : ذلّ الحمى ، يا أبا عمارة لو لقيت ما لقي ابن اخيك محمد آنفا من أبي الحكم ابن هشام ، وجده هاهنا جالسا ، فأذله وسبه وبلغ منه ما يكره ، فانصرف [ حمزة ] الى المسجد ( المناقب ١ / ٦٢ ).

(٣) هكذا صححناه وفي الأصل : رجل.

٢٢٦

اسلامه فعلم بنو عبد شمس أنه سيمنع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما أن أسلم.

وكان حمزة منيع الجانب من قريش ، شديد العارضة ، أبيّ النفس. فكفّ بنو عبد شمس من أذى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن شتمه ، وأظهر حمزة الاسلام ، ودخل في جملة أهله.

[ عقب حمزة ]

وكان يكنى أبا عمارة ، ولا عقب له ، وكان قد ولد له ولد سماه عمارة من امرأة بني النجار ، ومات. وكانت له ابنة يقال لها : أم أبيها ، وهي التي تقدم الخبر باخراج علي عليه‌السلام لها من مكة في عمرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد الحديبية ، وأنه تنافس في كفالتها معه من ذكر في الخبر. وعرضها علي عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليتزوجها (١). فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنها ابنة أخي في الرضاعة. وكان حمزة عليه‌السلام قد رضع مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أرضعتهما امرأة من مكة ( يقال لها : ثويبة ) (٢).

__________________

(١) قال الطبرى في الذخائر ص ١٠٧ : اخرج مسلم عن علي عليه‌السلام ، قال : قلت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مالك لا تنوق في قريش وتدعنا ( أي لم تتزوج من قريش ولا تتزوج من بني هاشم )؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : وعندكم شيء؟ قلت : نعم بنت حمزة. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنها لا تحل لي فانها ابنة اخي من الرضاعة.

وفي الاستيعاب ١ / ١٧ : عن ابن عباس ، قال : قيل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا تتزوج ابنة حمزة؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : انها ابنة أخي من الرضاعة.

(٢) وكان حمزة أخا رسول الله من الرضاعة أرضعتهما وعبد الله بن عبد الأسد ثويبة بلبن ابنها مسروح ، وكانت ثويبة مولاة أبي لهب ( ذخائر العقبى ص ١٧٢ ). وقال في الاصابة ١ / ١٦ : ولدت آمنة لعبد الله رسول الله وولدت هالة لعبد المطلب حمزة ، فأرضعت منهما أبا سلمة ابن عبد الاسد. فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يكرم ثويبة ، وكانت تدخل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أن تزوج خديجة ، فكانت خديجة تكرمها وأعتقها أبو لهب بعد ما هاجر الرسول الى المدينة. فكان صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث إليها من المدينة بكسوة وصلة حتى ماتت بعد فتح خيبر.

٢٢٧

[ جهاده ]

فهاجر حمزة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى المدينة وشهد بدرا ، ولما أن توافقوا للقتال يومئذ برز من المشركين عتبة (١) وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة ودعوا للمبارزة ، فبرز إليهم علي عليه‌السلام وحمزة عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ، وقد كان يومئذ شيخا مسنا ، خرج الى المبارزة يتوكأ على عصاه ، ولما أن تبارزا يومئذ أنزل الله عزّ وجلّ فيهم ( هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ) الآية (٢).

فبارز علي عليه‌السلام الوليد بن عتبة ، فقتله ، وبارز حمزة شيبة ، فقتله. وبارز عبيدة بن الحارث عتبة ، فاختلف بينهما ضربتان أثبت كل واحد منهما صاحبه ، فعطف حمزة عليه‌السلام وعلي عليه‌السلام على عتبة ، فقتلاه ، واستنقذا عبيدة بن الحارث ، وقد قطع عتبة رجله (٣) ، فمات من ذلك بعد منصرفهم الى المدينة بالصفراء (٤). وقتل حمزة يومئذ طعيمة بن عدي ، وسبأ الخزاعي ، وجماعة من المشركين.

[ شجاعته ]

وكان حمزة يدعى : أسد الله وأسد رسوله ، لنجدته وشجاعته واقدامه ، وشهد

__________________

(١) وهو عتبة بن ربيعة بن عبد قيس. كنيته : أبو الوليد من شخصيات قريش وكان يضمر عداء شديدا لرسول الله ، وقد نشأ في حجر حرب بن أميّة لانه كان يتيما ، وقد شهد بدرا. وكان ضخم الجثة عظيم الهامة طلب يوم بدر بخوذة ليلبسها ، فلم يجد ما يسع هامته. وقد قتله علي بن أبي طالب ( الروض الانف ١ / ١٢١ ، نسب قريش ص ١٥٣ ).

(٢) الحج : ١٩.

(٣) وفي نسخة ز : رجليه.

(٤) الصفراء بالتأنيث : وادي الصفراء من ناحية المدينة وهو واد كثير النخل والزرع في طريق الحاج بينه وبين بدر مرحلة وماؤها عيون ( مراصد الاطلاع مادة الصفراء ).

٢٢٨

يوم احد (١) ، فأبلى من المشركين بلاء شديدا ، وقتل منهم عددا كثيرا ، وقتل يومئذ عثمان بن أبي طلحة صاحب لواء المشركين (٢).

وكان إذا هجم يومئذ انفرجوا ، ولم يقم أحد منهم له ، فهجم في جماعة منهم ، فافترقوا ، وكان فيهم وحشي بن الحارث ، وكان من سودان مكة عبدا لجبير بن مطعم (٣) ، فاستتر منه [ خلف ] شجرة ، ولم يرد حمزة عليه‌السلام وسار مقدما أمامه في طلب المشركين.

فرماه وحشي بحربة كانت معه ، فأصاب مقتله فسقط ، وأحاط به المشركون فمثلوا به لشدة ما أبلى [ في ] هم وكثرة من قتل منهم. وكانت هند أمّ معاوية مع المشركين يومئذ تحرضهم على القتل ، فلما أن قتل حمزة أتت إليه ، فبقرت بطنه وأخذت قطعة من كبده ، فرمتها في فمها ولاكتها ، وأرادت أن تبلعها ، فلم تستطع وألقتها (٤).

__________________

(١) عن عمر يناهز الاربع والستين سنة.

(٢) قال الواقدي في المغازي ١ / ٢٤٦ : وكان يرتجز أمام النساء :

اني على أهل اللواء حقا

ان تخطب الصعدة أو تندقا

(٣) جبير بن مطعم بن عدي ( شرح النهج لابن أبي الحديد ١٥ / ١٣ ).

(٤) قال حسان بن ثابت وهو يبكي :

أتعرف الدار عفا رسمها

بعدك صوب المسيل الهاطل

بين السراديح فأدمانة

فمدفع الروحاء في حائل

سألتها من ذاك فاستجمعت

لم تدر ما مرجوعة السائل

دع عنك دارا قد عفا رسمها

وابك على حمزة ذي النائل

المالئ الشيزى إذا أعصفت

غبراء في ذي الشيم الماحل

والتارك القرن لذي لبدة

يعثر في ذي الخرص الذابل

واللابس الخيل إذا أحجمت

كالليث في عابته الباسل

أبيض في الذروة من هاشم

لم يمرّ درن الحق بالباطل

مال شهيدا بين أسيافكم

شلّت يدا وحشي من قاتل

صلّى عليه الله في جنة

عالية مكرمة الداخل

٢٢٩

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما إنها لو ابتلعتها حتى يخالط دم حمزة دمها لما طعمتها النار ، ولكن أبى الله ذلك. ووقف عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واشتدّ حزنه عليه ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لئن أمكنني الله عزّ وجلّ منهم لامثلن منهم سبعين. فأنزل الله عزّ وجلّ ( وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ

__________________

كنا نرى حمزة حرزا لنا

في كل أمر نابنا نازل

وكان في الاسلام ذا تدرا

يكفيك فقد القاعد الخاذل

لا تفرجى يا هند واستجلبي

دمعا فأذري عبرة الثاكل

وابكي على عتبة إذ قطه

بالسيف تحت الرهج الجائل

اذ خرّ في مشيخة منكم

من كل عات قلبه جاهل

أرداهم حمزة في اسرة

يمشون تحت الحلق الفاضل

غداة جبريل وزير له

نعم وزير الفارس الحامل

ضبط الغريب :

عفا : غبر ودرس. الصوب : المطر. السراديح : جمع سرداح ، وهو الوادي. ادمانه : مكان بعينه. المدفع : حيث يندفع السيل. الحائل : الجبل. النائل : العطاء. الشيزي : الجهان التي تصنع من خشب الشين. وأعصفت : اشتدت. الغبراء : التي تثير الغبار وتهيجه. الشيم : الماء البارد. الماحل : من المحل وهو القحط. القرن : الذي يقاومك في القتال. ذو الخرص : الرمح ، والخرص سنانه. ذا تدرا : يريد انه كان كثير الدفاع عنا. الرهج : الغبار. الجائل : المتحرك الثائر مما اثارته سنابك الخيل واقدام المحاربين. الحلق : الدروع.

وقال كعب بن مالك :

ولقد هددت لفقد حمزة هدة

ظلت بنات الجوف منها ترعد

ولو أنه فجعت حواء بمثله

لرأيت رأسي صخرها يتبدد

قوم تمكن في ذؤابة هاشم

حيث النبوة والندى والسؤدد

والعاقر الكوم الجلاد اذا غدت

ريح يكاد الماء فيها يجمد

والتارك القرن الكمى مجدلا

يوم الكريهة القنا يتقصد

وتراه يرفل في الحديد كأنه

ذو لبدة شأن البرائن أربد

عمّ النبي محمد وصفيه

ورد الحمام فطاب ذاك المورد

وأتى المنية معلما في اسرة

نصروا النبي ومنهم المستشهد

ولقد أخال بذاك هندا بشرت

لتميت داخل غصة لا تبرد

٢٣٠

بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ ) (١).

وصبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدفنه مع الشهداء في مصارعهم.

ولما أن صار الى المدينة سمع بكاء نساء الانصار على من قتل منهم ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لكن حمزة لا بواكي له.

فسمع ذلك الأنصار ، واجتمع نساؤهم وآتين منزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجعلن يبكين حمزة ، فخرج صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجزاهن خيرا ، وامرهن أن ينصرفن.

[ قاتل حمزة ]

وأسلم وحشي بعد ذلك ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : غيّب وجهك عني.

فكان إذا رآه توارى منه ، وخرج بعد ذلك الى الشام (٢) ، وكان يشرب الخمر ويلبس المعصفرات وحدّ على شرب الخمر وهو أول من حدّ في الشام على شر الخمر (٣).

__________________

الى قوله :

شتان من هو في جهنم ناويا

أبدا ومن هو في الجنان مخلّد

ضبط الغريب :

بنات الجوف : يعني قلبه وما اتصل به مما يشتمل عليه الجوف. ذؤابة هاشم : أعاليها ، وأراد سمي أنسابها وأرفعها. الكوم : جمع كوماء ، وهي من الابل العظيمة السنام. مجدلا : مطروحا على الجدالة وهي الارض. الحديد : أراد به الدروع. البراثن : للسباع بمنزلة الاصابع للانسان. الاربد : الاغبر يخالط لونه سواد.

(١) النحل : ١٢٦.

(٢) الى مدينة حمص.

(٣) قال ابن الاثير في الكامل ٢ / ٢٥١ : وهو أول من لبس المعصفر المصقول في الشام.

٢٣١

[ العباس بن عبد المطّلب ]

وأما العباس بن عبد المطّلب (١) عمّ الرسول ، فإنه كان أسن بثلاث سنين من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يسلم الى أن شهد بدرا مع مشركي أهل مكة. وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله [ قد ] قال للمسلمين يوم بدر : فمن قدرتم أن تأسروه من بني هاشم فلا تقتلوه ، فانهم اخرجوا كرها.

فاسر العباس فيمن اسر (٢) ، وشدّ في الوثاق ، فكان يئن لشدة الرباط ، فإذا سمعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يئن ، قال : احفظوني في العباس ، فانه عمي (٣) وعم الرجل صنو أبيه. ولما أن منّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على من اسر من المشركين يوم بدر على أن يفدوا أنفسهم منّ عليه فيهم.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله له : أفد نفسك وابن أخيك عقيلا ، فانه ليس له مال ، وكان قد اسر معه يومئذ. فقال : أنا ما عندي مال.

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فأين المال الذي دفعته يوم خروجك من مكة الى أمّ الفضل ، وقلت لها : إن اصبت فلعبد الله كذا ، وللفضل كذا ، ولك كذا ، ولفلان كذا. وذكر له ما قال.

فقال العباس : والله ما سمع مني ذلك غيرها ، وما أطلعك على ذلك إلا الله. وأسلم ، وفدى نفسه وعقيل بن أبي طالب ، وكان مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة العقبة. فعقد له على الانصار ، وأعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله السقاية يوم فتح مكة. وعاش بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى أن أدرك

__________________

(١) وأمه أول عربية كست البيت حريرا وفاء لنذرها.

(٢) أسره أبو اليسر كعب بن عمر.

(٣) رواه أحمد بن حنبل في مسنده ١ / ٩٤.

٢٣٢

أيام عثمان بن عفان ، فمات فيها في المدينة ، وقد كفّ بصره ، وكان طول أيامه بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعرف لعلي عليه‌السلام حقه ويحثه على القيام ، ويبذل له نفسه في ذلك ، ولما أن قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم أمره لعلي عليه والسلام ، ولم يعارضه في شيء من أمر القيام بأمره ، وقال له : أين تدفنه يا أبا الحسن؟

فقال عليه‌السلام : في الموضع الذي قبض فيه ، وفعل ذلك ، ولم يجر بينهما اختلاف خلا ما جاء في الظاهر بأنه طلب منه تراث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخاصمه في ذلك الى أبي بكر ، فقضى أبو بكر لعلي.

وقد قيل إن ذلك كان بينهما توقيفا لأبي بكر على ما استأثر به من حق علي عليه‌السلام.

وقد قال بعض المتكلمين لبعض الشيعة (١) عند بني العباس : أليس قد خاصم علي عليه‌السلام العباس عند أبي بكر ، قال : فأيهما كان على الحق؟

أراد إن قال العباس ظلم عليا ، وإن قال علي أوحش بني العباس. فقال : كانا على الحق كما كان الملكان اللذان تسوّرا المحراب على داود عليه‌السلام واختصما إليه. وانما أرادا تقريره على الخطيئة التي وقع فيها ، فكذلك أراد علي والعباس ، ألم تر أن العباس لما قال أبو بكر ما قال عن رسول الله صلّى الله عليه

__________________

(١) روى المدني في الدرجات الرفيعة ص ٩١ : أن متكلما قال لهارون الرشيد : اريد أن اقرر هشام بن الحكم بأن عليا كان ظالما. فقال له : إن حصلت لك كذا وكذا. فأمر به ، فلما حضر هشام قال له المتكلم : يا أبا محمد روت الامة بأجمعها أن عليا نازع العباس الى أبي بكر في تركه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله . قال هشام : نعم. قال : فأيهما الظالم لصاحبه.

قال هشام : فقلت له : لم يكن فيهما ظالم. قال : أفيختصم اثنان في أمروهما جميعا محقان؟ قال هشام : نعم اختصم الملكان الى داود ، وليس فيهما ظالم ، وانما أرادا أن ينبها داود على الخطيئة ويعرفاه الحكم. كذلك علي عليه‌السلام والعباس تحاكما الى أبي بكر ليعرفاه ظلمه وينبهاه على خطئه ، فلم يحر المتكلم جوابا واستحسن الرشيد ذلك.

٢٣٣

وآله مما أوجب حق علي عليه‌السلام ثم يدفع ذلك ولا ناظر فيه ، ولم يكن اكثر من أن تبسم وأخذ بيد علي عليه‌السلام ثم قاما.

وكان العباس يرغب في العطاء وأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أتى بمال ، وأمر به فصبّ بناحية المسجد ، وخرج الى الصلاة ، فمرّ عليه ، فما التفت إليه. [ ولما ] انفتل من الصلاة قام إليه العباس ، فقال : يا رسول الله قد جاء هذا وأنا في عيال وعليّ دين ، فمر لي منه بما تراه.

فقال له صلى‌الله‌عليه‌وآله : خذ منه ما يكفيك. فجاء الى المال وبسط رداءه ، وأخذ شيئا كثيرا ، فذهب لينهض به ، فلم يستطع ، فنقص منه مرارا حتى نهض بما أخذ ، ومضى ، فأتبعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ببصره ، ولم يقل له شيئا.

وفرض عمر العطاء الى ناس ، ففرض لكل رجل من أهل بدر أربعة آلاف ، وفرض للعباس اثنا عشر ألفا.

ولما كان عام الرماد [ ة ] (١) واشتدّ القحط ، فخرج بالناس واستسقى لهم ، فلما أن قام ليستسقي أخذ بيد العباس ، فقال : اللهمّ هذا كبيرنا وسيدنا وعمّ نبينا ، نتوجه إليك ، فاسقنا ، فسقوا (٢).

وتوفي العباس وهو ابن تسع وثمانين سنة (٣) وصلّى عليه عثمان بن عفان ، وأنزله في قبره ابنه عبد الله (٤).

__________________

(١) وهو عام جدب وقحط وقع على عهد عمر سمي ذلك من رمده أو أرمده إذا هلكه وصيره كالرماد. وأرمد إذا هلك بالرمدة ، والرمادة الهلاك. وقيل سمي بذلك لان الجدب صير ألوانهم كلون الرماد.

(٢) قال الطبري في الذخائر ص ١٩٩ : أخرجه إبراهيم بن عبد الصمد ، عن عبد الله بن عمر ، قال : استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس. وقال : اللهمّ هذا عمّ نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله نتوجه به إليك فاسقنا. قال : فما برحوا حتى سقاهم الله تعالى.

(٣) عن عمر يناهز ثمان وثمانين سنة ( ذخائر العقبى ص ٢٠٧ ، الدرجات الرفيعة ص ٩٦ ، الكامل ٣ / ١٣٦ ).

(٤) دفن في البقيع ودخل قبره ابنه عبد الله بن العباس ( الاستيعاب ١ / ١٠٠ ، المدخل لابن الحاج

٢٣٤

[ نعود الى ذكر أولاد أبي طالب ]

[ طالب بن أبي طالب ]

وأما طالب بن أبي طالب (١) فهو الذي يقول في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الأبيات :

وقد حلّ مجد بني هاشم

فكان النعامة (٢) والزهرة

ومحض بني هاشم أحمد

رسول المليك على فترة

عظيم المكارم نور البلاد

حريّ الفؤاد صدى الزبرة

كريم المشاهد سمح البنان

اذا ضنّ ذو الجود والقدرة

عفيف تقيّ نقيّ الردا

طهر السراويل والازرة

جواد رفيع على المعتقين

وزين الاقارب والاسرة

واشوس كالليث لم ينهه

لدى الحرب زجرة ذى الزجرة

وكم من صريع له قد ثوى

طويل التأوّه والزفرة

[ ضبط الغريب ]

[ قوله ] مجد بني هاشم. المجد : نبل الشرف ، يقال منه : مجد الرجال ، ومجد

__________________

١ / ٢٦٥ ، وفاء الوفاء ٢ / ١٠٥ ).

(١) قال في العمدة : هو اكبر أولاد أبي طالب وبه يكنى وهو أسن من أخيه علي بثلاثين سنة وان قريشا أكرهته على الخروج معها في بدر. ونقل الكليني رواية عن الصادق عليه‌السلام بأنه أسلم. وهو الذي ذكر الابيات في مدح الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والتي ذكرها المؤلف ( راجع عمدة الطالب ص ٢٠ الدرجات الرفيعة ص ٦٢ ).

وقال الطبرى في الذخائر ص ٢٤٩ : إنه مات كافرا.

(٢) وفي نسخة ز : النعائم.

٢٣٥

العباس. وأمجده : كرم فعاله. والله عزّ وجلّ هو المجيد ، بمجيد فعاله. ومجده خلقه لعظمته.

والمحض : الخالص من كل شيء الذي لا يشوبه غيره. ويقال منه : رجل ممحوض الضريبة (١) : أي مخلّص. وفضته [ محضة ] : إذا لم يخالطها شيء.

والفترة : أصلها السكون. يقال لكل ما بين رسولين من الزمان فترة. و [ الضن ] (٢) : الشح. قال الله تعالى : ( وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) (٣).

وقوله : نقيّ الردى : أي ما ارتدي به وهو الثوب الواسع غير المخيط. والسروال : ما ليس من الثياب.

الازرة : ما اتّزر به. وأراد بطهارة ذلك ونقائه البراءة من العيوب والدنس (٤) ، والعرب تضرب ذلك مثلا للسلامة من العيوب ، قال الله عزّ وجلّ :

( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) (٥). والمعتقون : الطالبون. والاشوس : الذي يعرف الغضب في نظره يقال عنه : رجل أشوس وامرأة شوساء. والزجر : يقال زجرت البعير حتى مضى وزجرت عامل سوء عن عمله فازدجر أي نهيته فانتهى ، وهي في الابل وأشباهها الحث على السير ، وفي الناس النهي والمنع. والتأوّه والتوجع : إذا قال المتوجع آه فقد تأوه.

والزفرة : من الزفر ، والزفر والزفير الواحدة من فعل ذلك وهو أن يملأ الرجل

__________________

(١) قال الشاعر :

تجد قوما ذوي حسب وحال

كراما حيثما حسبوا محاضا

( لسان العرب ٧ / ٢٢٧ )

(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : الظن.

(٣) التكوير : ٢٤.

(٤) قال عدي بن زيد :

أجل إن الله قد فضلكم

فوق من أحكأ صلبا بازار

( لسان العرب ٤ / ١٧ )

(٥) المدثر : ٤.

٢٣٦

صدره غما ثم يتأوه به فهو في الزفير (١) والواحدة منه زفرة ، قال الله عزّ وجلّ حكاية عن أهل النار : « ولَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ) (٢) ، والزفير ما ذكرناه.

والشهيق : مذ النفس بالزفير. وذلك أن يرمي بنفسه حتى يخرجه من صدره.

[ نعود الى ذكر طالب ]

ولمّا نفر أهل مكة الى بدر تخلف عنهم بنو هاشم ، فأكرهوهم على الخروج ، وبذلك قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للمسلمين يوم بدر : من قدرتم أن تأسروه من بني هاشم فلا تقتلوه ، فانهم انما خرجوا كرها. ففي ذلك طالب بن أبي طالب (٣) يقول هذه الابيات :

يا ربّ إمّا خرجوا بطالب

في مقنب عن هذه المقانب

فاجعلهم المغلوب غير الغالب

وارددهم المسلوب غير سالب (٤)

قوله : المقنب : زهاء ثلاثمائة فارس (٥).

[ عقيل بن أبي طالب ]

وأما عقيل بن أبي طالب (٦) فكان أحبّ ولد أبي طالب إليه.

__________________

(١) قال الشاعر : ( فتستريح النفس من زفراتها ) لسان العرب ٤ / ٣٢٥.

(٢) هود : ١٠٦.

(٣) وكان طالب مع العباس يوم بدر فلم يعرف خبره ( المناقب ٢ / ١٨٠ ).

(٤) وقد ذكر في عمدة الطالب ص ١٥ هذا البيت هكذا :

فليكن المطلوب غير طالب

والرجل المغلوب غير الغالب

(٥) لسان العرب ١ / ٦٩١.

(٦) وكان علي بن الحسين عليه‌السلام يعطف على آل عقيل ويقدمهم على غيرهم من آل جعفر. فقيل له في ذلك ، قال : اني لأذكر يومهم مع أبي عبد الله الحسين فأرق لهم ( كامل الزيارة لابن قولويه ص ١٠٧ بحار الانوار ١١ / ١٢٣ ط قديم ) وقد ذكر المؤلف من ولد عقيل الذين استشهدوا مع الحسين عليه‌السلام في كربلاء ثلاثة وهم :

٢٣٧

وأسلم عليا الى رسول الله ، وجعفرا الى العباس ليربياهما كما كانت أشراف العرب تفعل ذلك بأبنائها ، وتمسك بعقيل ، وقال : إذا بقى لي عقيل

__________________

١ ـ عبد الرحمن بن عقيل.

٢ ـ عبد الله بن عقيل.

٣ ـ عبد الله بن مسلم بن عقيل.

ولم يذكر غيرهم ، ونحن نذكر من وقفنا عليه حسب ما ذكره المؤرخون :

١ ـ مسلم بن عقيل : وهو سفير الحسين عليه‌السلام لأهل الكوفة. واستشهد فيها قبل ورود الحسين عليه‌السلام الى كربلاء.

٢ ـ محمد بن عقيل : ولم يذكره سوى الخوارزمي في مقتله ٢ / ٤٨ وذكره المؤلف في جملة الأسرى.

٣ ـ جعفر بن عقيل : وأمه الخوصاء بنت عمرو العامري. دخل المعركة فجالد القوم يضرب فيهم بسيفه قدما ، وهو يقول :

أنا الغلام الابطحي الطالبي

من معشر في هاشم من غالب

ونحن حقا سادة الذوائب

هذا حسين أطيب الاطائب

قتله : بشر بن حوط قاتل أخيه عبد الرحمن ( ابصار العين ص ٥٣ ، الكامل ٤ / ٩٢. مقاتل الطالبيين ص ٨٧ ) وقيل : قتله عروة بن عبد الله الخثعمي.

٤ ـ محمد بن مسلم بن عقيل : أمه أمّ ولد. قال أبو جعفر عليه‌السلام : حمل بنو أبي طالب بعد قتل عبد الله حملة واحده ، فصاح بهم الحسين عليه‌السلام : صبرا على الموت يا بني عمومتي. فوقع فيهم محمد بن مسلم ، قتله أبو مرهم الازدي ولقيط بن إياس الجهني ( ابصار العين ص ٥٠ ، المقاتل ص ٨٧ ، الخوارزمي ٢ / ٤٧ ).

٥ ـ محمد بن أبي سعيد بن عقيل : أمه أمّ ولد. قال حميد بن مسلم الازدي : لما صرع الحسين عليه‌السلام خرج غلام مذعورا يلتفت يمينا وشمالا فشدّ عليه فارس فضربه ، فسألت عن الغلام ، قيل : محمد بن أبي سفيان. وعن الفارس : لقيط بن إياس الجهني. وقال هشام الكلبي حدث هاني بن ثبيت الحضرمي ، قال : كنت ممن شهد قتل الحسين عليه‌السلام فو الله اني لواقف عاشر عشرة ليس منا رجل إلا على فرس ، وقد حالت الخيل وتضعضعت إذ خرج غلام من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الابنية عليه ازار وقميص وهو مذعور يتلفت يمينا وشمالا ، فكأني انظر الى درتين في اذنيه يتذبذبان كلما التفت ، إذ أقبل رجل يركض حتى إذا دنا منه مال عن فرسه ، ثم اقتصد الغلام فقطعه بالسيف.

قال هشام الكلبي : إن هاني بن ثبيت الحضرمي هو صاحب الغلام عن نفسه استحياء وخوفا. ( ابصار العين ص ٥١ ، الخوارزمي ٢ / ٤٧ ، الكامل ٤ / ٩٢ ).

٦ ـ جعفر بن محمد بن عقيل : ذكره الخوارزمي في مقتله ٢ / ٤٧.

٢٣٨

فلا ابالي ، وكان ذلك من صنع الله عزّ وجلّ لعلي عليه‌السلام ، فان كان عند رسول الله فمن الله عليه بالسبق الى الاسلام.

[١١٤٦] وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعقيل : اني لاحبك يا عقيل حبّين ، حبّ لك وحبّ لحبّ أبي طالب إياك.

[ في ليلة بدر ]

[١١٤٧] عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أنه قال : لما أن كانت ليلة بدر ، أصابنا وعك من حمى ، وشيء من مطر ، وافترق الناس يستترون تحت الشجر فنظرت إليهم من الليل ، ( فلم أر أحدا غير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ) (١) ، فلم يزل قائما يصلّي والناس نيام حتى انفجر الصبح ، فصاح : الصلاة عباد الله ، فأقبل الناس إليه من تحت الشجر (٢). فصلّى بهم. فلما انتقل أقبل عليهم فذكر فضل الجهاد ورغبهم فيه ، ثم قال لهم : إن بني المطلب قوم اخرجوا كرها ولم يريدوا قتالكم ، فمن لقي منكم أحدا فلا يقتله إن قدر عليه وليأسره ، وليأت به أسيرا.

قال : فلما انهزم القوم ، وقتل من قتل ، واسر من اسر منهم ، نظرت فاذا عقيل في الاسارى ، مشدودة يده الى عنقه بنسعة (٣) ، فصددت (٤) عنه ، فصاح بي : يا علي يا بن أم [ أما والله ] لقد رأيت مكاني ، ولكنك عمدا تصدّعني.

__________________

(١) ما بين القوسين من نسخة ز.

(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : من الشجرة.

(٣) النسع ـ جمعها نسوع ـ : سير أو حبل عريض طويل تشدّ به الرحال.

(٤) وفي الاصل : فصدرت.

٢٣٩

قال علي عليه‌السلام : فلم اجبه بشيء ، وأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلت : يا رسول الله ، هل لك في أبي يزيد مشدودة يده بنسعة الى عنقه.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : انطلق بنا إليه. فمضينا نمشي نحوه ، فلما رآنا قال : يا رسول الله إن كنتم قتلتم أبا جهل فقد ظفرتم ، والا فادركوه ما دام القوم يحدثان قرحتهم.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بل قتله الله يا عقيل.

[١١٤٨] ودخل عقيل على امرأته فاطمة بنت [ الوليد بن ] عتبة بن ربيعة ، لما انصرف من قتال المشركين يوم هوازن وسيفه متلطخ بالدم. فقالت له : قد عرفت إنك قد قاتلت ولكن ما الذي جئتنا به من الغنائم.

فأخرج إليها ابرة ، وقال : هذه ما أصبت فدونكها ، فخيطي بها ثيابك. فأخذتها.

ثم سمع منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : من أصاب من الغنائم شيئا فليأت به ولو كانت ابرة ، ارددوا الخياط والمخيط فان الغلول في النار. فرجع إليها ، وقال لها : ما ارى إبرتك إلا فاتتك. فأخذها ، ومضى بها مع ما جاء به فوضعه في المغنم ، وجاء فيما جاء به بفصّ من جواهر أحمر ، وجارية. فنظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى الفص ، فأعجبه فقال : لو لا التملك يعني لنحميه ، ونقله والجارية عقيلا (١).

[ ضبط الغريب ]

الخياط : ما خيط به ، والمخيط وما قد خيط به من الثياب وغيرها.

__________________

(١) كذا في الاصل.

٢٤٠